• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الأضحية: مسائل ونوازل (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    فتنة الابتلاء بالرخاء
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    خطبة (المساجد والاحترازات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    المنامات.. ومخالفاتها
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    المشتاقون للحج (1)
    الدكتور مثنى الزيدي
  •  
    أهم مظاهر محبة القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الحديث: أنه سئل عن الرجل يطلق ثم يراجع ولا يشهد؟
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    الأنثى كالذكر في الأحكام الشرعية
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    منهج التنافس والتدافع
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    أحكام المغالبات
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    مكة.. البداية والكمال والنهاية
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    قصة موسى وملك الموت (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة.. فضل صلاة الجماعة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    محبة القرآن من علامات الإيمان
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم والذين جاؤوا من ...
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

سورة المائدة (1) وجوب الحكم بما أنزل الله تعالى

سورة المائدة (1) وجوب الحكم بما أنزل الله تعالى
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/3/2022 ميلادي - 5/8/1443 هجري

الزيارات: 11468

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سورة المائدة (1):

وجوب الحكم بما أنزل الله تعالى


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ؛ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ هُدًى لِلنَّاسِ، وَشَرَعَ الشَّرَائِعَ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَسَنَّ الْحُدُودَ وَالْأَحْكَامَ؛ فَمَنْ أَخَذَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى هُدِيَ لِلرَّشَادِ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ وَارْتَضَى غَيْرَهُ ارْتَكَسَ فِي الضَّلَالِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ؛ فَالْخَلْقُ خَلْقُهُ، وَالْأَمْرُ أَمْرُهُ، وَالْمُلْكُ مُلْكُهُ، وَالْحُكْمُ حُكْمُهُ، وَلَا حُكْمَ لِأَحَدٍ مَعَ حُكْمِهِ ﴿ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ* أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾ [التِّينِ: 7-8]، بَلَى وَرَبِّنَا وَنَحْنُ عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ؛ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَلَقَّنَهُ أَصْحَابَهُ، وَبَلَّغَهُ أُمَّتَهُ، وَتَهَجَّدَ بِآيَاتِهِ، وَقَضَى بِأَحْكَامِهِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاقْرَؤُوا الْقُرْآنَ بِتَدَبُّرٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَمَعَ فِيهِ مَا فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ كُلِّهَا، كَمَا فِي حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمِئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: سُورَةُ الْمَائِدَةِ مِنَ السَّبْعِ الطِّوَالِ، وَهِيَ جَامِعَةٌ لِتَفَاصِيلِ الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ، حَتَّى قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «سُورَةُ الْمَائِدَةِ أَجْمَعُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِفُرُوعِ الشَّرَائِعِ مِنَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ».

 

وَمِمَّا يَلْفِتُ انْتِبَاهَ قَارِئِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ الْإِلْحَاحُ فِيهَا عَلَى الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبَيَانُ الْفَسَادِ الَّذِي يَحِلُّ بِالْبَشَرِ إِذَا حَكَمُوا بِغَيْرِ شَرْعِهِ سُبْحَانَهُ. وَالْحُكْمُ بِشَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى حُكْمٌ بِالْعَدْلِ، وَالْحُكْمُ بِغَيْرِ شَرْعِهِ حُكْمٌ بِالظُّلْمِ. وَفِي السُّورَةِ دَعْوَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقِيمُوا الْعَدْلَ مَعَ خُصُومِهِمْ وَأَعْدَائِهِمْ، وَأَنْ لَا تَحْمِلَهُمْ عَدَاوَتُهُمْ لَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 8].

 

وَتَحَاكَمَ الْيَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ زَنَيَا، فَحَكَمَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى؛ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا، فَدَعَاهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟، قَالُوا: نَعَمْ، فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟ قَالَ: لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، قُلْنَا: تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 41]، يَقُولُ: ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوهُ، وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا...» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْآيَاتُ الَّتِي نَزَلَتْ فِي هَذَا الشَّأْنِ هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 42-43]، وَجَاءَ أَيْضًا فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْيَهُودَ تَحَاكَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دِيَةِ قَتِيلٍ، وَكَانُوا يُفَرِّقُونَ فِي الدِّيَةِ بَيْنَ ذَلِيلٍ وَعَزِيزٍ، فَأَلْغَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ، فَتَعَدَّدَتْ أَسْبَابُ النُّزُولِ فِي الْآيَاتِ؛ بِسَبَبِ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَحْكُمُونَ بِأَهْوَائِهِمْ لَا بِشَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى، رَغْمَ أَنَّ التَّوْرَاةَ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ، وَكَانَ أَحْبَارُهُمْ يَأْخُذُونَ الرَّشْوَةَ عَلَى أَحْكَامِهِمْ، فَانْتَشَرَ الظُّلْمُ فِيهِمْ، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ مَا قَضَى لَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 45]. وَكَمَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْيَهُودِ أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا صَحَّ مِنْ تَوْرَاتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ فَرَضَ عَلَى النَّصَارَى أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا صَحَّ مِنْ إِنْجِيلِهِمْ مِمَّا لَمْ تَعْبَثْ بِهِ أَيْدِي التَّحْرِيفِ، وَلَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ النَّسْخُ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 47].

 

وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَوْ تَمَسَّكُوا بِكِتَابِهِمْ، وَعَمِلُوا بِأَحْكَامِهِ، وَمِنْ ضِمْنِهَا الْإِيمَانُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَصْدِيقُ رِسَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بُشِّرَ بِهِ فِي كُتُبِهِمْ.. لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَفَازُوا فِي الدُّنْيَا بِالْأَرْزَاقِ وَالْخَيْرَاتِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ* وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 65-66].

 

وَفِي مَقَامٍ آخَرَ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي ضَلَالٍ مَا لَمْ يَأْخُذُوا بِمَا فِي كُتُبِهِمْ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي مِنْهُ صِدْقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصِحَّةُ دِينِهِ، وَوُجُوبُ اتِّبَاعِهِ، وَأَنَّ دِينَهُ نَاسِخٌ لِمَا قَبْلَهُ، كَمَا أَنَّ الْقُرْآنَ نَاسِخٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ؛ وَذَلِكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 68]. وَقَدْ آمَنَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدَّقُوهُ وَاتَّبَعُوهُ؛ مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ، وَعَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَكَانَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِصِدْقِهِ، وَيَقِينِهِمْ بِرِسَالَتِهِ، وَلَا سِيَّمَا الْأَحْبَارُ مِنْهُمْ، فَلَمْ يَأْخُذُوا بِمَا فِي كُتُبِهِمْ، وَلَمْ يَحْكُمُوا بِأَحْكَامِهَا، بَلْ قَضَوْا فِي النَّاسِ بِأَهْوَائِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 68].

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْهِدَايَةَ لِلْحَقِّ، وَالثَّبَاتَ عَلَيْهِ إِلَى الْمَمَاتِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِالْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، وَمُجَانَبَةِ الْمَكْرُوهَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 35].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ حَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ إِعْرَاضِهِمْ عَنْ كُتُبِهِمْ، وَالْحُكْمِ بِأَهْوَائِهِمْ، وَقَبُولِ الرَّشَاوَى عَلَى الْحُكْمِ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَكْلِهِمُ السُّحْتَ؛ خَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِرًا إِيَّاهُ بِالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ خِطَابٌ لِأُمَّتِهِ بِأَنْ يَأْخُذُوا بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَأَنْ يَحْكُمُوا بِمَا فِيهِمَا مِنْ أَحْكَامٍ: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 48]. وَفِي آيَةٍ تَالِيَةٍ لَهَا أَكَّدَ أَمْرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَحْكُمَ بِشَرْعِهِ، وَحَذَّرَهُ مِنَ الِافْتِتَانِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَشُبُهَاتِهِمْ، وَاتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ، فَيَصْرِفُونَهُ بِذَلِكَ عَنْ شَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ تَحْذِيرٌ لِأُمَّتِهِ جَمْعَاءَ ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 49]. وَجَاءَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَابْنُ صُورِيَا، وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ -بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ-: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَشْرَافُهُمْ وَسَادَاتُهُمْ، وَأَنَّا إِنِ اتَّبَعْنَاكَ اتَّبَعَنَا يَهُودُ وَلَمْ يُخَالِفُونَا، وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا خُصُومَةً، فَنُحَاكِمُهُمْ إِلَيْكَ، فَتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ وَنُؤْمِنُ لَكَ وَنُصَدِّقُكَ. فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَاتِ» رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ.

 

ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ التَّحَاكُمِ إِلَى شَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى يَضُرُّونَ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَجْلِبُونَ الْعُقُوبَاتِ عَلَيْهِمْ، وَقَضَى سُبْحَانَهُ بِأَنَّ حُكْمَهُ أَحْسَنُ حُكْمٍ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ* أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 98-50].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير الربع السابع من سورة المائدة بأسلوب بسيط
  • تفسير الربع الأخير من سورة المائدة بأسلوب بسيط
  • تأملات في سورة المائدة (2)
  • مقاصد سورة المائدة
  • التوحيد والتشريع في سورة المائدة
  • خطب حجة الوداع في ظلال سورة المائدة

مختارات من الشبكة

  • الحكم التكليفي والحكم الوضعي والفرق بينهما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لطائف وإشارات حول السور والآي والمتشابهات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة اللمعة في الحكم بعدم وجوب النفقة والمتعة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (5) من سورة المائدة إلى سورة الأعراف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير الإمام الزركشي من أول سورة الفاتحة إلى نهاية سورة المائدة جمعا ودراسة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • تفسير القرآن بالقرآن من أول سورة المائدة إلى آخر سورة التوبة جمعًا ودراسة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • معنى السورة لغة واصطلاحا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • معنى الحكم وأقسامه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم من جحد وجوب زكاة الفطر؟(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/12/1446هـ - الساعة: 8:23
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب