حكم الجماع على الجنابة

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بالنظر إلى سؤالك أخي الكريم يبدو أنك تعاني فعلًا من اضطراب ووسوسة، تتطلب علاجًا من طبيب نفسي موثوق متمكن، وعليك طرح هذه الوسواس والالتجاء إلى الله، والتوكل عليه، والتفاؤل، وكثرة الذكر؛ لأن الشيطان يفر ممن قلبه ولسانه معلقان بذكر الله، وأكْثِرْ من قراءة الفاتحة، وآية الكرسي والمعوِّذات على نفسك مع النفث صباحًا ومساءً، وعند النوم، فلهم أثرٌ عجيبٌ في زوال تلك الوسوسة بإذن الله.

واعلم أنَّ التوبة تَجُبُّ ما قبلها، ولا تقنَطْ من رحمة الله، مهما كان، فرحمته وسِعَتْ كلَّ شيء سبحانه وبحمده، وأمَّا إن كان ما فعلتْهُ زوجتك صحيحًا في تعمُّدِها البقاء على جنابة يومًا كاملًا دون أن تصلي، فهي على خطر عظيم جدًّا؛ حيث إن تارك الصلاة تهاونًا وكسلًا، وهو يعلم أنها واجبة، فمن أهل العلم مَن كفَّره كُفْرًا أكبرَ، وقال: إنه يخرج من الإسلام ويكون مرتدًّا، كمن جحد وجوبها، لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه إذا مات، ولا يُدفَن مع المسلمين، ولا يَرِثُهُ المسلمون من الأقارب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة))؛ [رواه مسلم]، وهذا صريح منه صلى الله عليه وسلم في تكفيره؛ إذ يقول: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة))، والكفر والشرك إذا أطلقا بالتعريف؛ فهما كفر أكبر وشرك أكبر، وقال عليه الصلاة والسلام: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر))؛ [أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه]، مع أحاديث أخرى جاءت في الباب، وقال آخرون من أهل العلم: إنه لا يكفر بذلك كفرًا أكبرَ، بل كفرًا أصغر؛ لأنه موحِّدٌ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويؤمن بأنها فريضة عليه، وجعلوها كالزكاة والصيام والحج، لا يكفر مَن تركها، وإنما هو عاصٍ، وأتى جريمة عظيمة، ولكنه لا يكفر بذلك، والصواب كما يقول الإمام ابن باز رحمه الله القول الأول؛ لأن الصلاة لها شأن عظيم، غير شأن الزكاة والصيام والحج، فهي أعظم من الصيام، وأعظم من الزكاة، وأعظم من الحج، وهي تلي الشهادتين، وهي عمود الإسلام؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: ((رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة))، فلها شأن عظيم، ومن ذلك: ما ثبت في الحديث عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما في مسند أحمد بإسناد جيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يومًا بين أصحابه وقال: ((من حافظ عليها، كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها، لم يكن له نور، ولا برهان، ولا نجاة، وحُشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبيِّ بن خلف))، قالوا: وهذا يدل على أن الحشر مع هؤلاء يكون كفرًا بالله، فيكون تاركها كافرًا بالله، فإن حَشْرَهُ مع هؤلاء الكفرة - بل رؤوس الكفرة - يدل على أنه قد كفر كفرًا أكبر، نسأل الله السلامة والعافية[1].

ولذا فعليك مناصحة زوجتك، وتعليمها الحكم الشرعي المترتب على ترك الصلاة باللطف واللين والدعاء لها؛ لعل الله أن يهديها ويصلح حالها.

وأمَّا معاودة الجماع دون اغتسال فيما لم يترتب عليه إضاعة فرض ونحو ذلك، فهذا جائز، والغسل أفضل وإن لم يتيسَّر فالوضوء، فقد رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه ذات ليلة يغتسل عند هذه وهذه، فقيل: يا رسول الله، ألا تجعله غسلًا واحدًا؟ فقال: هذا أزكي وأطيب، وورد أيضًا أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد؛ [متفق عليه]، والسنة أنه إذا أراد أن يعاود الوطء ولم يغتسل: أن يتوضأ وضوء الصلاة؛ لِما روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود، فليتوضأ)).

ولكن هذه في غير حالتكم التي مكثت فيه أنت وزوجتك يومًا كاملًا؛ إذ يجب الاغتسال حينئذٍ لأداء فروض الصلوات.

أصلح الله حالكم وشأنكم، وغفر لنا ولكم.