• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مراحل تنزلات وجمع القرآن - دروس وعبر
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    ستندمل جراح الشام (قصيدة)
    د. وليد قصاب
  •  
    ما يلقاه الإنسان بعد موته
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    نعم أجر العاملين (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    سورة آل عمران (5) الثبات والتثبيت
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    حف الشارب وإزالة شعر الإبطين والعانة في السنة ...
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    آداب استعمال أجهزة الاتصالات الحديثة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    التمر غذاء ودواء في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    أعلى النعيم رؤية العلي العظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    كان صلى الله عليه وسلم يتداوى بالقرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    من محاسن الدين الإسلامي وجود بدائل لكل عمل صالح ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    التحذير من الافتتان والاغترار بالدنيا الفانية ...
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    استراتيجيات تدريس المهارات (عرض تقديمي)
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    صحة العيون في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

الكليم عليه السلام (9) أخذ الميثاق ورفع الطور

الكليم عليه السلام (9) أخذ الميثاق ورفع الطور
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/2/2019 ميلادي - 9/6/1440 هجري

الزيارات: 17335

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الكليم عليه السلام (9)

أخذ الميثاق ورفع الطور


الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: أُمَّتُنَا أَشْبَهُ الْأُمَمِ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَقْرَبُهَا إِلَيْهَا، وَأَكْثَرُهَا تَقْلِيدًا لَهَا؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟!» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَأُمَّةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا بِالْكِتَابِ وَالتَّفْضِيلِ، فَهِيَ أَفْضَلُ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا، وَكَانَ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ إِزَاءَ هَذَا التَّفْضِيلِ أَنْ يَأْخُذُوا كِتَابَهُمْ بِقُوَّةٍ، وَأَنْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَ دِينِهِمْ، وَلَا يُفَرِّطُوا فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، فَقَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا أَخْبَارَهُمْ فِي الْقُرْآنِ لِنَحْذَرَ مِنْ طَرِيقَتِهِمْ، وَنَجْتَنِبَ مَا وَقَعُوا هُمْ فِيهِ.

 

وَقَدْ كُرِّرَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا ذِكْرُ أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَإِيتَائِهِمُ الْكِتَابَ، وَلَكِنَّهُمْ خَالَفُوا الْكِتَابَ، وَنَقَضُوا الْمِيثَاقَ ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 63]. «وَالْمِيثَاقُ هُوَ: الْعَهْدُ الثَّقِيلُ الْمُؤَكَّدُ؛ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ مِنَ الْوَثَاقِ. وَهُوَ الْحَبْلُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْمَأْسُورُ». «وَهَذَا مِنْ قَسْوَتِهِمْ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ أُمِرُوا بِهِ اسْتَعْصَوْا؛ فَلَا يَقْبَلُونَهُ إِلَّا بِالْأَيْمَانِ الْغَلِيظَةِ، وَالْعُهُودِ الْمُوَثَّقَةِ». وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَمْتَثِلُوا بَلْ أَعْرَضُوا وَتَوَلَّوْا كَمَا خَاطَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: ﴿ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 64].

 

وَفِي آيَةٍ أُخْرَى جَاهَرُوا بِعِصْيَانِهِمْ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ﴾ [الْبَقَرَةِ: 93]. وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى حَقِيقَتَهُمْ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ﴾ [النِّسَاءِ: 46].

 

وَالْعَجَبُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ؛ بِأَنْ يَتَّبِعُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ أَرَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى آيَةً بَيِّنَةً تَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَعَلَى صِدْقِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَأْبَهُوا بِهَا، وَنَقَضُوا مِيثَاقَهُمْ، وَأَعْرَضُوا عَنْ كِتَابِهِمْ، وَأَعْنَتُوا نَبِيَّهُمْ ﴿ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوَا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النِّسَاءِ: 154]. وَالطُّورُ جَبَلٌ مُعَيَّنٌ فِي سَيْنَاءَ، ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي عِدَّةِ آيَاتٍ، وَهُوَ الَّذِي أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ ﴾ [التِّينِ: 1-2]. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَلَعَ جَبَلَ الطُّورِ، وَجَعَلَهُ فَوْقَهُمْ يَخَافُونَ سُقُوطَهُ عَلَيْهِمْ ﴿ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 171]. «وَهَذِهِ آيَةٌ أَظْهَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ تَخْوِيفًا لَهُمْ، لِتَكُونَ مُذَكِّرَةً لَهُمْ، فَيَعْقُبَ ذَلِكَ أَخْذُ الْعَهْدِ عَلَيْهِمْ بِعَزِيمَةِ الْعَمَلِ بِالتَّوْرَاةِ، فَكَانَ رَفْعُ الطُّورِ مُعْجِزَةً لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ تَصْدِيقًا لَهُ فِيمَا سَيُبَلِّغُهُمْ عَنِ اللَّهِ مِنْ أَخْذِ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ بِعَزِيمَةٍ وَمُدَاوَمَةٍ». وَلَكِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، وَحَرَّفُوا كُتُبَهُمْ، وَأَعْرَضُوا عَنْ دِينِهِمْ، فَحَقَّتْ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَغَضَبُهُ، وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ بَعِيدُونَ عَنِ الْإِيمَانِ وَالِاهْتِدَاءِ: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 13]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النِّسَاءِ: 155]. وَمَا حَرْبُهُمْ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ إِلَّا أَثَرٌ مِنْ آثَارِ نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ.

 

وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُ بَعْضِ الشَّرَائِعِ الَّتِي أَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ لِيَقُومُوا بِهَا فَضَيَّعُوهَا؛ وَذَلِكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 83]. وَهَذِهِ الشَّرَائِعُ الَّتِي أُخِذَ الْمِيثَاقُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لِلْقِيَامِ بِهَا هِيَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ؛ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، فَلَا يَدْخُلُهَا نَسْخٌ؛ وَلِهَذَا أُمِرْنَا بِهَا فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، كَمَا أُمِرَ بِهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَأُمِرَ بِهَا مَنْ كَانُوا قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ.

 

وَأَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمِيثَاقَ بِبَيَانِ مَا تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ التَّوْرَاةُ، وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنَ الْبِشَارَةِ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ لَا يَكْتُمُوا شَيْئًا مِنْ كِتَابِهِمْ وَلَا يُخْفُوهُ ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 187]. وَذَلِكَ أَنَّ الْكِتَابَ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالدِّينَ دِينُهِ، وَالشَّرْعَ شَرْعُهُ، وَالرُّسُلَ رُسُلُهُ؛ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِمَا جَاؤُوا بِهِ وَتَبْلِيغُهُ، وَلَكِنْ مَاذَا فَعَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِهَذَا الْعَهْدِ؟! قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ: ﴿ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 187].

 

وَوَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْجَزَاءِ الْأَوْفَى إِنْ هُمْ وَفَّوْا بِمِيثَاقِهِمْ، وَأَخَذُوا بِمَا فِي كِتَابِهِمْ، وَالْتَزَمُوا بِدِينِهِمْ، وَعَدَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ وَدُخُولِ الْجَنَّاتِ ﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 12]. فَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، وَأَعْرَضُوا عَمَّا فِي الْكِتَابِ ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 65- 66].

 

نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَالِهِمْ وَمَآلِهِمْ، وَنَعْتَصِمُ بِهِ سُبْحَانَهُ أَنْ نَسْلُكَ مَسْلَكَهُمْ، وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ الثَّبَاتَ عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ إِلَى الْمَمَاتِ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 123].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ذُكِرَ أَخْذُ الْمِيثَاقِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِكَثَافَةٍ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَفِي عَدَدٍ مِنَ السُّوَرِ، وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا مَوَاقِفَهُمُ الْمُخْزِيَةَ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَعَ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى، وَمَعَ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِذْ كَذَّبُوا بِهِ وَعَانَدُوهُ وَحَارَبُوهُ رَغْمَ مَعْرِفَتِهِمْ لَهُ، وَتَبْشِيرِ كُتُبِهِمْ بِهِ ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 101]، ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 89- 90].

 

وَهَذَا التَّكْثِيفُ الْقُرْآنِيُّ فِي بَيَانِ حَقِيقَتِهِمْ لَهُ فَائِدَتَانِ مُهِمَّتَانِ:

أُولَاهُمَا: بَيَانُ أَنَّهُمْ أَعْدَاءٌ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِدِينِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِأَتْبَاعِهِ، وَأَنَّ عَدَاوَتَهُمْ لَنَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُمْ أَبَدًا، كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْقُرْآنِ، وَكَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّارِيخُ وَوَاقِعُ الْحَالِ، بَلْ هُمْ أَعْدَاءٌ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَلَوْ زَعَمُوا اتِّبَاعَهُمْ.

 

وَالْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ نَحْذَرَ مِنْ سُلُوكِ مَسْلَكِهِمْ فِي نَقْضِ مِيثَاقِنَا مَعَ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ، وَأَنْ نَلْزَمَ دِينَنَا، وَنَأْخُذَ بِكِتَابِنَا، وَنَعْمَلَ بِشَرَائِعِنَا، لَا نُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا لَيْسَ مِنْهَا، وَلَا نَبْخَسُ مَا هُوَ مِنْهَا. وَأَنْ لَا نَشْتَرِيَ بِعَهْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَيْمَانِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا؛ فَنَسْطُوَ عَلَى الشَّرِيعَةِ بِالتَّدْوِيرِ وَالتَّحْوِيرِ وَالْمَحْوِ وَالْإِضَافَةِ وَالتَّبْدِيلِ كَمَا كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَصْنَعُ.

 

وَمَنْ تَدَبَّرَ آيَاتِ مِيثَاقِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَنَقْضِهِمْ لَهُ، وَشِرَائِهِمْ دُنْيَاهُمْ بِدِينِهِمْ، وَنَظَرَ إِلَى تَارِيخِهِمْ وَحَالِهِمْ؛ عَلِمَ لِمَ كَانَ هَذَا التَّكْثِيفُ الْقُرْآنِيُّ فِي ذِكْرِ حَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَ مِيثَاقِهِمْ، وَرَدَعَتْهُ الْآيَاتُ عَنْ سُلُوكِ هَذَا الْمَسْلَكِ الْخَطِيرِ، الْمُنْذِرِ بِالشَّرِّ الْوَبِيلِ: ﴿ وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [النَّحْلِ: 95].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الكليم .. والخاتم .. والنصر .. والصوم
  • مع الكليم في القرآن الكريم (1)
  • مع الكليم في القرآن الكريم (3)
  • الكليم عليه السلام (7) فتنة بني إسرائيل بالعجل
  • ثناء الكليم عليه السلام على ربه سبحانه (خطبة)
  • خطر الميثاق

مختارات من الشبكة

  • من هدايات سورة الشعراء: مناظرة الكليم عليه السلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فتنة تطاول الزمن.. قوم نوح عليه السلام نموذج(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان اتصاف الأنبياء عليهم السلام بالرحمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإمامة في الدين نوال لعهد الله وميراث الأنبياء عليهم السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان ما يتعلق بعلوم بعض الأنبياء عليهم السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: أفشوا السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد ولطائف ومهام من حياة موسى الكليم عليه الصلاة والسلام(كتاب - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المعرض الرابع للمسلمين الصم بمدينة دالاس الأمريكية
  • كاتشابوري تحتفل ببداية مشروع مسجد جديد في الجبل الأسود
  • نواكشوط تشهد تخرج نخبة جديدة من حفظة كتاب الله
  • مخيمات صيفية تعليمية لأطفال المسلمين في مساجد بختشيساراي
  • المؤتمر السنوي الرابع للرابطة العالمية للمدارس الإسلامية
  • التخطيط لإنشاء مسجد جديد في مدينة أيلزبري الإنجليزية
  • مسجد جديد يزين بوسانسكا كروبا بعد 3 سنوات من العمل
  • تيوتشاك تحتضن ندوة شاملة عن الدين والدنيا والبيت

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/2/1447هـ - الساعة: 11:19
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب