الانفجار الاستهلاكي.. يقترض ليساير الموضة والمظاهر

الانفجار الاستهلاكي.. يقترض ليساير الموضة والمظاهر

"أزمة مصاريف رمضان والعيدين والإجازة والمناسبات الاجتماعية ثمن الإنفاق العشوائي وغير المنظم"

تواجه الأسرة - خاصة متوسطة الدخل - ستة مواسم استهلاكية متعاقبة خلف بعض، تستنزف بمتطلباتها الكثير من ميزانياتها بشكل كبير، الأمر الذي يتطلب معه تقنين هذه المصاريف، خصوصاً ما يتعلق منها بكماليات الابناء والبنات والمشتريات الزائدة عن الحاجة مع ضرورة تحديد الأولويات قبل دخول الأسواق.

وتتمثل هذه المناسبات الاستهلاكية في اجازة الصيف وما يتبعها من مصاريف تسوق وترفيه وسفر، ومستلزمات ومتطلبات شهر رمضان ثم احتياجات العيد المتعددة ثم مناسبات شهر شوال، وبعدها يأتي الاستعداد لعيد الاضحى، ثم مصاريف العودة للمدارس، وكل هذه المواسم جاءت متتابعة بشكل يثقل على كاهل الاسرة التي لا تراعي الأهم والاحتياجات الضرورية ولا تضبط مصروفاتها بشكل صحيح.

ويبقى السؤال الأهم إلى متى تتكرر تلك الأزمات المادية وماهي الحلول لمواجهة تبعات ذلك؟

المتطلبات كثيرة:

بداية يقول سالم الميهوبي: المتطلبات الكثيرة والأسعار المرتفعة بددت فرحتي بالراتب، مبينا أن العشر الأواخر من شهر رمضان تكاد تلتهم الراتب ولا يتبقى منه إلا جزء بسيط لشهر شوال الأمر الذي يجعله يعاني من ضغوط نفسية تنعكس على حياته الأسرية والاجتماعية، حيث يتخلف عن بعض المناسبات المهمة هو وأسرته لعدم قدرته على مجابهة تلك المصاريف الطارئة.

وأضاف: مهما حاولنا التوفير والاقتصاد في تلك المصروفات سنجد هناك متطلبات لا مفر منها كسداد ديون البقالات ودفع الفواتير المختلفة أو إصلاح السيارة عدا أغراض ومقاضي المنزل واحتياجات الاطفال، متسائلاً ماذا بوسعنا أن نفعل حتى لا نطرق باب الاستدانة.

التعلم من الاخطاء:

ويؤكد صالح العقيلي بأن أزمته المادية أطلت اليوم بكل ثقلها وضغوطاتها، إذ لديه الكثير من الالتزامات المادية التي لا تنتهي والمرتبطة بتغطية مصروفات بقية الشهر الفضيل ومصاريف الاستعداد للعيد والسفر لمسقط رأسه لقضاء إجازة العيد مع والديه، اضافة إلى ازدحام شهر شوال بالكثير من الزواجات والمناسبات الاجتماعية وجميعها من وجهة نظره مسؤوليات لا يمكنه التنصل أو التهرب منها بأي شكل من الأشكال.

ويشير عامر البلوي بأنه لم يتعلم من أزماته وأخطائه السابقة لكي يحسب حساب العيد ومصاريفه، إذ اعتاد أن ينفذ راتبه قبل أن يدخر شيئا لتلك المناسبات مضيفا أن أكثر من نصف راتب رمضان ينقضي قبل حلول العيد ولا يعلم ماذا سيكون حاله بعد العيد خاصة وأنه ينتظر قدوم مولود جديد.

دور الزوجة وتخطيط الميزانية:

وتؤكد علياء الحويطي على دور الزوجة الذكية والحكيمة التي تستعد مبكرا لمواجهة تلك المتطلبات والتخفيف من الاعباء المادية عن زوجها، مشيرة بان تكون لديها إدارة راشدة للصرف بما يتناسب مع الدخل المادي للزوج وضرورة ابعاده عن مواسم الغلاء المعتادة في موسم الأعياد والاجازات، متابعة أنها عمدت منذ سنوات لخطة شرائية لشراء ثياب العيد قبل دخول شهر رمضان تفاديا لارتفاع الاسعار وتحسبا لظروف ومفاجآت قد تأتي بغتة، مضيفة أن هناك الكثير من الأمهات يلجأن للشراء عبر الأنترنت بأسعار أقل وجودة عالية بعد أن واجهن مشكلة غلاء الاسعار حتى في ملابس الأطفال.

وقال د. عبدالله المغلوث - عضو الجمعية السعودية للاقتصاد: مع التقارب الزمني للمناسبات التي تمر بها الأسر تباعا من شهر رمضان المبارك الى العيد والإجازة الصيفية، كل هذا يشكل ضغطا على ميزات الاسر، ناهيك عن أزمة مالية تحتاج لمواجهة متطلباتها، منوها بأهمية التخطيط لميزانية الاسرة لجدولة المصاريف والنفقات خلال هذه الفترة من السنة والتي تعتبر ثقيلة على كاهل الاسرة.

كما يرى ضرورة تخطيط هذه الميزانية بناء على الدخل المادي المتوفر خلال هذه الفترة وتنظيم صرفه على المنتجات الضرورية التي لها النصيب الأوفر من الميزانية ثم يليها الكماليات، مع ضرورة ادخار مبالغ للاستفادة منها عند اي طارئ، مضيفا من المهم أيضا تبني أرباب الأسر لثقافة الادخار وتوعية الأبناء وافراد الاسرة على عدم انفاق كل مدخولهم الشهري بل التخطيط وادخار جزء منه، مؤكد أن الاعتماد على تنظيم ميزانية الاسرة يحميها من الأزمات المالية ويريحها من تبعات الإنفاق العشوائي والاستهلاك غير المنظم، وهذا يسهم في تحقيق أهداف المرجوة للفرد ضمن إطار الاسرة خاصة خلال موسم الإجازة بما فيه من مناسبات عديدة كشهر رمضان المبارك والعيدين.

الضغط الاقتصادي والاجتماعي:

من جانبه أوضح د. زيد الرماني - المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أنَّ تداعيات متطلبات الإجازات وموسم رمضان والأعياد ثم الاستعداد للدراسة ومستلزماتها الأساسية وكذا احتياجات الأسرة الدورية تشكل ضغطاً اجتماعياً واقتصادياً على ميزانية الأسرة، مما يستدعي ضرورة مواجهة أعباء الحياة الناتجة من زيادة أسعار السلع المختلفة والخدمات، وذلك بالانتفاع الرشيد من الموارد المتاحة، بطريقة سليمة معتدلة، مضيفا أن الاسر-خاصة متوسطة الدخل- تواجه خلال الشهور الأربعة الأخيرة (شعبان، رمضان، شوال، ذو القعدة) ارتفاعا في تكلفة المعيشة، مع تزامن هذه الفترة مع إجازة الصيف، وشهر رمضان، وعيد الفطر، وعيد الأضحى، وموسم العودة للمدارس، إذ إن تزامن خمسة مواسم في وقت واحد، يتسبب في زيادة معدلات إنفاق الأسرة، ويشكل إرهاقاً في موازنتها، مشيرا إلى إن متوسط الإنفاق لكل شهر من الشهور الأربعة يزيد على متوسط دخل الأسر، وهو ما يضطرها للجوء للاقتراض لتغطية العجز في المصروفات وتلبية الاحتياجات؛ ولذا فقد اعتبر خبراء اقتصاديون أن النصف الثاني من السنة الهجرية يعتبر موسم استنزاف لموازنة الأسرة، إذ يتطلب إنفاقاً فوق المعتاد، ويمثل ضغطاً على مداخيلها، ثم إن كثيرا من المشكلات المالية التي تتعرض لها الأسر ناتج عن سوء تخطيط في الصرف المالي مع عدم تجاهل ارتفاع مستوى المعيشة.

وأضاف: للأسف تحول التقسيط والاستدانة من حل لمشكلة الحصول على منزل أو سيارة أو علاج أو زواج أو تذكرة سفر إلى دهاليز الترف وحب التباهي والتفاخر، فكانت النتيجة مطالبات قضائية وإفلاس وديون متراكمة.

وأشار إلى أن اقتصاديين قدروا إنفاق الأسر السعودية خلال فترة أسبوع واحد يمتد من آخر ثلاثة أيام من شهر رمضان بنحو 15 مليار ريال، 90 في المئة منها تنفق على الكماليات، وتوقعوا أن حجم الإنفاق داخل المدن الترفيهية في مدينة واحدة فقط خلال أيام العيد بنحو 180 مليون ريال، مبينين أن متوسط ما ينفقه الفرد في المدن الترفيهية يصل إلى نحو 100 ريال خلال أيام العيد، و50 ريالا في إجازة الأسبوع.

كما إن نحو 40 في المئة من راتب نهاية شهري رمضان وذي القعدة ستكون موجهة لشراء ملابس العيد، وإن نحو 35 - 45 في المئة ستكون موجهة لمصلحة شراء الملابس الخاصة بالعودة إلى المدارس والأغراض الأخرى كأدوات القرطاسية وما شابهها، موضحا ان أهم مظهر اجتماعي اقتصادي يتمثل في وضع ميزانية للدخل المالي للأسرة وتحديد طريقة التصرف في هذا الدخل على الوجه المعتدل دون تبذير أو إسراف، بإعطاء كل بند من بنود الإنفاق حقه المناسب، لذا ينبغي التخلص من القيم الاستهلاكية السيئة الضارة؛ كذا ينبغي أن نكبح انفعالاتنا العاطفية المتعلقة بالكميات المطلوب شراؤها واستهلاكها، سواء على مستوى الأطفال أو الأسرة، ومن الضروري أن تقوم وسائل الإعلام بدور مهم في مجال تنمية الوعي الاقتصادي والاجتماعي لدى أفراد المجتمع.

ويرى أنه لابد على الجهات الرسمية ذات الاختصاص أن تدرس العوامل والمتغيرات التي تؤثر في سلوك المستهلك وكذلك التعرف على ظروف الطلب الاستهلاكي والعوامل المؤثرة فيه والفئات القائمة بعملية الشراء، اضافة إلى أهمية أن تتضافر جهود الجهات المختلفة وخاصة المعنية بالرقابة والتفتيش والقياس والمواصفات لمعالجة أيّ إشكالية قد تظهر في المجتمع، معتبرا إنّ التوعية والتخطيط السليم يسهمان من خلال دوائر الإعلام والتوجيه في الحد من ظاهرة الانفجار الاستهلاكي والارتفاع غير المبرّر للأسعار وظاهرة السياحة غير الرشيدة، مشيرا بأن على التجار ورجال الأعمال القيام بواجبهم نحو وطنهم وعدم استغلال حاجة الناس او استنزاف موارد المواطنين المالية وتوفير المتطلبات الأساسية بأسعار معقولة مقبولة.

وسائل التواصل:

في السياق ذاته يشير سلمان العُمري - المستشار والباحث في الشؤون الإسلامية والاجتماعية - إلى أنّ الأسرة السعودية ستواجه في هذه الفترة أعباء ومصاريف عديدة حتى وإن اقتصدت وعملت بأسلوب الترشيد قدر الاستطاعة، فمن شهر رمضان إلى عيد الفطر والإجازة الصيفية ستكون صعبة للغاية للأسر الفقيرة والمتوسطة، إضافة إلى المناسبات كالزواجات التي تكثر خلال الإجازة وأعباءها المتعددة وبالذات للفتيات والنساء. وبيّن أن الأزواج يتفاوتون في تطبيق المنهج الرشيد في إنفاق المال، فبعضهم تجدهم يحمّل نفسه فوق طاقته وذلك بالاستدانة من الأقارب والأصدقاء، أو أخذ قروض من البنوك حتى يفي بمستلزمات أسرته ليسايروا المجتمع بمظاهره وإسرافه وبذخه، وآخرون تجدهم يحاولون - قدر استطاعتهم- تلبية الاحتياجات الأسرية لأنهم لا يريدون الاستدانة من أحد لعزة أنفسهم، ولعدم اقتناعهم كذلك بالاقتراض من أجل الاسراف غير المبرّر.

ويحذّر العُمري من ظاهرة انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي عبر السناب شات أو الواتس آب وغيرها والتي غالباً ما يقوم بها النساء والفتيات بكثرة بقصد أو غير قصد ألا وهي إظهار مشترياتهن ومأكولاتهن دون مراعاة لأحوال الفقراء والمساكين الذين لا يجدون رمق عيشهم، معتقدا أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في زيادة الأعباء المادية على الأسر عموماً، بل أحدثت الشقاق والنزاع بين أفراد بعض الأسر سواءً بين الأزواج أو بين الآباء والأمهات وأبنائهم، مضيفا أستطيع التأكيد أن الأسر تواجه متاعب ومشكلات عديدة أمام تزايد الأسعار، ومسايرة الموضة، وقلة الرواتب، والتفاخر والفشخرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. جريدة الرياض - السبت 27 رمضان 1437 هـ- 2 يوليو 2016م. تحقيق نورة العطوي.