• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم من المنظور الإسلامي
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمود بن أحمد الدوسري / مقالات
علامة باركود

مقاصد القرآن(2) تصحيح العقائد ورفع الحرج

مقاصد القرآن الكريم (2) تصحيح العقائد ورفع الحرج
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/10/2021 ميلادي - 14/3/1443 هجري

الزيارات: 13051

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مقاصد القرآن الكريم (2)

تَصْحيحُ العقائد ورَفْعُ الحَرَج

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:

فالحديثُ عن "تصحيح العقائد ورفع الحرج" يُجمَع في مطلبين:

المطلب الأول: تصحيح العقائد والتصورات.

المطلب الثاني: رفع الحرج عن المكلفين.

 

المطلب الأول: تصحيح العقائد والتصورات:

ويتجلَّى هذا المقصد في عناصر ثلاثة:

أولًا: تصحيح عقيدة التوحيد: القرآن العظيم من أوَّله إلى آخره دعوةٌ إلى التوحيد، وإنكارٌ للشرك، وبيانٌ لحسن عاقبة الموحِّدين في الدنيا والآخرة، وسوء عاقبة المشركين في الدَّارين. وقد اعتبر القرآنُ الشركَ أعظمَ جريمة يقترفها مخلوق، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].

 

وإنَّ حقيقة الشرك انحطاطٌ بالإنسان من مرتبة السِّيادة على الكون ـ كما أراد الله له ـ إلى مرتبة العبودية والخضوع للمخلوقات، سواء كانت جمادًا، أو نباتًا، أو حيوانًا، أو إنسانًا، إلى غير ذلك، قال الله تعالى: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج: 30، 31].

 

والدَّعوة إلى التَّوحيد هي المبدأ الأوَّل المشترك بين رسالات النبيين جميعًا، فكل نبيٍّ نادى قومه ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59]، وقال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]؛ فلا مكان للوسطاء بين الله عزَّ وجل وبين خلقه، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 186]، وقال عزَّ ثناؤه: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].

 

ثانيًا: تصحيح العقيدة في النبوة والرسالة: وذلك ببيان الحاجة إلى النُّبوة والرِّسالة، قال تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 213].

 

وبيان وظائف الرُّسل، قال تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ﴾ [النساء: 165]، فليس الرُّسل آلهة ولا أبناء آلهة، إنَّما هم بشر يوحى إليهم، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [الكهف: 110].

 

ولا يملكون هداية القلوب، قال تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ﴾ [الغاشية: 21].

 

وقد فنَّد القرآن الشبهات التي أثارها الناس قديمًا في وَجْه الرُّسل، كقولهم: ﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ﴾ [إبراهيم: 10]، وقولهم: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً ﴾ [المؤمنون: 24]، فَرَدَّ القرآن عليهم بمثل قوله تعالى: ﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ [إبراهيم: 11]، ومثل قوله تعالى: ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 95].

 

وبَيَّنَ القرآنُ العظيم عاقبةَ الذين كذَّبوا المرسلين والَّذين صَدَّقُوهم، ومعظمُ قصص القرآن الكريم تدور حول هلاك المكذِّبين ونجاة المؤمنين، قال تعالى: ﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا ﴾ [الفرقان: 37-39]. وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 103].

 

ثالثًا: تصحيح عقيدة الإيمان بالآخرة: لقد اتَّخذ القرآنُ العظيم في تصحيح عقيدة الإيمان بالآخرة وتثبيتها في نفوس المؤمنين أساليبَ شتى:

فمن بذلك: إقامةُ الأدلة على إمكان البعث، ببيان قدرة الله تعالى على إعادة الخلق كما بدأهم أوَّل مرَّة، قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [الروم: 27].

 

وقد بيَّنَ القرآن العظيم حكمة الله تعالى في الجزاء حتى لا يستوي المحسن والمسيء، والبَرُّ والفاجر، فتستحيل الحياة إلى عبث وباطل يتنزه اللهُ تعالى عنه، قال الله تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]، وقال أيضًا: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾ [ص: 27، 28].

 

وقد كَثُرَ حديثُ القرآن العظيم عن القيامةِ وأهوالِها، والكتابِ الذي لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة إلَّا أحصاها، والميزانِ الذي توزن به الحسنات والسيئات، والحسابِ الدقيق الذي لا يظلم نفسًا شيئًا، ولا يحمِّل وازرةً وزر أُخرى، وعن الجنة ونعيمها، والنار وجحيمها.

 

وأبطل القرآنُ العظيم الأوهامَ التي أشاعها المشركون أنَّ آلهتهم المزعومة تشفع لهم عند الله تعالى، وما زعمه كذلك أهل الكتاب من شفاعة القدِّيسين وغيرهم. فلا شفاعة إلَّا بإذنِ الله، ولمؤمنٍ موحِّد، ورضا الله عن هذه الشفاعة، قال الله تعالى عن الكفار: ﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر: 48]، وقال أيضًا: ﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر: 18]، وقال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ ارْتَضَى ﴾ [الأنبياء: 28][1].

 

المطلب الثاني: رفع الحرج عن المكلفين:

إنَّ شريعة القرآن العظيم تمتاز بكونها شريعةً عمليَّة تسعى إلى تحصيل مقاصدها، بالقول والعمل على مستوى الفرد والجماعة.

 

والله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه ما في بعض التكاليف من المشاقِّ على بعض النفوس، فهو محيطٌ بضعف الإنسان المكلَّف وقلَّة حيلته، كما قال تعالى: ﴿ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]، وهذه المشاقُّ من قَبيل المشاقِّ المعتادة المقدور عليها، وأنَّ المقصد من إحداقها بالأفعال تربيةُ النفوس، وقهرُها، وكبحُ جماحها؛ لئلَّا تجنح إلى ما لا يحل؛ «إذ مخالفة الهوى والشَّهوة هي من المقاصد المعتبرة شرعًا»[2].

 

ورغم أنَّ هذه المشاق مقدورة للمكلف، إلَّا أنَّ الشَّارع الحكيم زيَّن تكاليف الشَّرع بزينة رفع الحرج والمشقَّة؛ حتى تُحِبَّها النفوس، وتُقْبِلَ على العمل بها دون كلل أو ملل، المفضي إلى الانقطاع.

 

ورَفْعُ الحرج من سُنَّة الأنبياء جميعًا، قال الله تعالى: ﴿ مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ﴾ [الأحزاب: 38]؛ «أي: هذا حُكْمُ الله في الأنبياء قَبْلَه، لم يكن ليأمرهم بشيءٍ وعليهم في ذلك حرج»[3].

 

ومن أهل التأويل من اعتبر قولَه تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286] دليلًا على عدم وقوع التكليف بما لا يُطاق في شرائع الله جميعًا؛ لعموم لفظ: ﴿ نَفْسًا ﴾، التي وردت في سياق النَّفي؛ لأن الله تعالى ما شرع التكليف إلَّا للعمل واستقامة أحوال الخَلْق، فلا يكلِّفُهم ما لا يُطيقون فِعْله[4].

 

إذًا فالسَّماحة واليُسر من أبرز أوصاف شريعة القرآن العظيم، فقد قال الله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [المائدة: 6]، ومن دعاء المؤمنين ما حكاه الله تعالى بقوله: ﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾ [البقرة: 286].

 

والحكمة في سماحة شريعة القرآن العظيم: «أَنَّ الله جعل هذه الشريعةَ دِينَ الفطرة. وأمورُ الفطرة راجعةٌ إلى الجِبِلَّة، فهي كائنة في النفوس، سهلٌ عليها قَبولُها. ومن الفطرة النُّفورُ من الشِّدَّة والإعنات، قال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]، وقد أراد الله تعالى أن تكون الشريعةُ الإسلامية شريعةً عامةً ودائمة، فاقتضى ذلك أن يكون تنفيذُها بين الأُمَّة سهلًا، ولا يكون ذلك إلَّا إذا انتفى عنها الإعناتُ، فكانت بسماحتها أشدَّ ملاءمةً للنفوس؛ لأن فيها إراحةَ النفوس في حاليْ خُوَيْصتها ومجتمعها. وقد ظهر للسماحة أثرٌ عظيم في انتشار الشريعة وطول دوامها، فعُلِم أنَّ اليُسْرَ من الفطرة؛ لأنَّ في فطرة الناس حُبَّ الرِّفق»[5].

 

ومن يتتبَّعْ آيات رفع الحرج يَلحظْ أمرين مهمين، في رفع القرآن العظيم الحرجَ عن المكلَّفين:

الأول: مجيء آيات على هيئة بشارة تنبئ بمقدم شريعة، من سماتها التَّيسير والتَّخفيف، مِنْ أمثالِ قوله تعالى: ﴿ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ﴾ [الأعلى: 8]، فهذه الآية الكريمة بشَّرت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأُمَّتَه بشرعٍ سَمْحٍ سهل مستقيم عدل، لا اعوجاجَ فيه، ولا حرج ولا عُسر[6].

 

الثاني: مجيء آيات فيها التَّنصيص على رفع الحرج، إِمَّا بالكليَّة، وإِمَّا بالتخفيف منه.

 

فمن الأول: قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 91]، فأوضحت الآيةُ الكريمة الأعذارَ التي لا حرج على مَنْ قعد معها عن القتال، بشرط النُّصح لله ولرسوله.

 

ومن الثاني: قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النساء: 101]. ولقد قال الصحابيُّ الجليل يعلى بن أُميَّة رضي الله عنه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما قال الله تعالى: ﴿ إِنْ خِفْتُمْ ﴾، وقد أَمِنَ الناسُ! فقالَ: عَجِبْتُ ممَّا عَجِبْتَ منْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ»[7].

 

قال ابن عاشور رحمه الله: «ولا شكَّ أنَّ مَحْمَلَ هذا الخبر أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقَرَّ عمرَ على فَهْمِه تخصيصَ هذه الآية بالقَصْرِ لأجل الخوف، فكان القَصْرُ لأجل الخوف رخصةً لدفع المشقة»[8].

 

وقد عبَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالصَّدقة، وهو لا يريد إلَّا دفع المشقَّة، والله أعلم[9]. فرَفْعُ الحرجِ مقصدٌ عظيم من مقاصد الشَّريعة الإسلاميَّة، جاء شاهدًا على واقعيَّة القرآن العظيم الذي يعترف بضعف الإنسان فيشرِّع له ما لا يعجزه.



[1] انظر: الوحي المحمدي (ص108).

[2] الموافقات في أصول الشريعة (2/ 455).

[3] تفسير ابن كثير (6/ 448).

[4] انظر: التحرير والتنوير (2/ 597).

[5]مقاصد الشريعة الإسلامية، لمحمد الطاهر بن عاشور (ص271).

[6] انظر: تفسير ابن كثير (8/ 350).

[7] رواه مسلم، (1/ 478)، (ح686).

[8] التحرير والتنوير (4/ 240).

[9] انظر: الكليات الشرعية في القرآن الكريم (1/ 186)، الوحي المحمدي (ص180).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مقاصد القرآن الكريم وأهدافه
  • مقاصد القرآن(1) إقامة الدين وحفظه
  • مقاصد القرآن (3): تكوين الأسرة وإنصاف المرأة
  • مقاصد القرآن (4): تقرير كرامة الإنسان وإسعاده
  • حتى لا تقع في الحرج

مختارات من الشبكة

  • التحقيق المقاصدي للأعمال: نموذج تطبيقي على مقاصد تلاوة القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد الصيام (2) مقاصد التربية (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • مقاصد السيرة النبوية (1) مقاصد النسب الشريف للنبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين (مقاصد الشريعة) و(مقاصد النفوس)!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد الشريعة الإسلامية في أحكام الأسرة والنكاح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد العبادات في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع المقاصد باعتبار مدى الحاجة إليها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مقاصد الشريعة في المعاملات المالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد الانتقال ومطالب المزج بين اللهجات في سياق نظم القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد مؤلفي كتب المصطلح ووظيفة مضمونها وتطوره من القرن الرابع الهجري إلى القرن السابع الهجري(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب