• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من حافظ عليها..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري / خطب منبرية
علامة باركود

يوسف عليه الصلاة والسلام من حسد إخوته إلى ملك مصر (6)

يوسف عليه الصلاة والسلام من حسد إخوته إلى ملك مصر (6)
د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/10/2016 ميلادي - 24/1/1438 هجري

الزيارات: 14374

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

يوسف عليه الصلاة والسلام من حسد إخوته إلى ملك مصر (6)


الخطبة الأولى

يوسف ولقاء أخيه[1]

عباد الله، وما زالت مشاهد قصة يوسف عليه السلام تجدد لتحيي في قلوبنا الإيمان، ﴿ وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ ﴾ [يوسف: 69] قال: ليبت كل أخوين مع بعضهما، وبقي أخوه بنيامين لوحده، فقال: هذا بقي لوحده، فسآخذه ليبيت معي، ﴿ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [يوسف: 69]، فما أرق لقاء الأمن بعد الخوف! وما أعذب عناق الأخوة بعد الفراق! وأراد يوسف عليه السلام بقاء أخيه لديه، فاحتال لذلك حيلة مشروعة، جهزهم بجهازهم وأكرمهم وحمل لك واحد بعيرًا، وجعل سقاية الملك في رحل أخيه، فلما انطلقوا، أرسل من يوقفهم: ﴿ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ﴾ [يوسف: 70]، فنفوا ذلك عن أنفسهم، ﴿ تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ [يوسف: 73]، كيف وقد أعدنا لكم ثمن بضاعة العام الماضي، فقال أصحاب يوسف: فماذا تقولون إن وجدنا متاعنا عند أحدكم؟ ﴿ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ﴾ [يوسف: 75]، كانت هذه شريعة يعقوب عليه السلام أن السارق يسترق عبدًا للذي سرق منه، وما كان يوسف ليحكم بدين الملك الجاهلي، لكنه أراد أن يحكم بشرع الله؛ وليتوصل إلى أخذ أخيه، يقول سبحانه: ﴿ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾، يسرنا له أسباب هذا الكيد الذي توصل به إلى أمر غير مذموم، ﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾، وبدأ التفتيش، وحسنًا في التدبير بدأ يفتش في أوعيتهم، ثم أخرج سقاية الملك من وعاء أخيه، فماذا قالوا: ﴿ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ﴾؛ يعنون أخاه لأبيه وأمه وهو يوسف عليه السلام، ومقصودهم تبرئة أنفسهم، وأن هذا وأخاه شقيقه قد تصدر منهم السرقة، وهما ليسا شقيقين لنا أيها الملك، أما نحن فلا يصدر منا مثل هذا الفعل، سبحان الله! لا يصدر منكم مثل هذا الفعل وأنتم فعلتم ما هو أعظم؟ سبحان الله لا يصدر منكم مثل هذا الفعل وأنتم فعلتم ما هو أفظع؟ لكن الكريم ابن الكريم، ﴿ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا ﴾ شرٌ فعلاً وقولاً وظلمًا ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾.

 

ثم سلكوا معه مسلك التملق لعله أن يسامحهم:

﴿ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ﴾ يقول: أستجير بالله كيف آخذ برئيًا بسقيم ! وقد أقررتم بما قلتم، وحكمتهم بأنفسكم.

 

ولما يئسوا أن يجيبهم ﴿ خَلَصُوا نَجِيًّا ﴾ يناجي بعضهم بعضًا سرًا، فقال كبيرهم: ماذا ستقولون لأبيكم، أنسيتم أنه أخذ عليكم عهدًا أن تردوا له ولده، أنسيتم فعلكم الأول يوم أضعتم يوسف، فحزن له حزنًا عظيمًا، ﴿ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ ﴾ التي أنا بها ﴿ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾، ارجعوا إلى أبيكم يعقوب فقولوا له: ﴿ يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ ﴾ فأخذه الملك بسرقته، فإن قال لكم: ما يدري هذا الملك أن السارق يؤخذ بسرقته إلا من شريعتكم وبقولكم! فقالوا: ﴿ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا ﴾ أن هذا هو حكم الله، ﴿ وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴾، لو كنا نعلم يا أبانا أن هذا سيحدث ما كنا لنأخذه معنا أبدًا، ﴿ وَاسْأَلِ ﴾ إن شككت في قولنا ﴿ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا ﴾ اسأل أهلها، ﴿ وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ﴾ اسأل أصحابها، ﴿ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾؛ لأن الذي عُرف عنه الكذب لا يُصدّق أيها الأخوة وإن صدَق، ولكم أن تتخيلوا يعقوب عليه السلام يسأل تلك القوافل التي رجعت كلها مطمئنة آمنة، ورجعت قافلته وأحد أبنائه فقد، لكم أن تتخيلوا حال أب فقد ثلاثة من خيرة أبنائه، يوسف وشقيقه وأكبر أولاده، ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ﴾، لكن ماذا أفعل ؟ لمن اشتكي صنيع أبنائي بي؟ لم ترحموا شيبتي ولا حزني ؟ ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ لا شكاية فيه لأحد، ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ﴾، يقول: عسى الله أن يأتيني بأولادي جميعًا، ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ ﴾ بحالي وشدة حزني وضعفي، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ سبحانه في تدبير أمر خلقه، ونكئوا جرحه القديم فتذكر يوسف عليه السلام، والمصائب يرقق بعضها بعضًا، ﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ﴾ والأسف هو أشد الحزن والتندم، ﴿ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ مكظوم على الحزن؛ مملوء منه، ممسك عليه لا يبينه، والله لا يحاسب العبد على حزن قلبه ودمع عينه، ولكن على ما يصدر من اللسان والجوارح من نياحة وتسخط على قضاء الله وقدره، قد قال النبي صلى الله عليه وسلم عند موت ولده إبراهيم: "تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون".

 

ومع هذه المواقف التي تدمع لها العيون، وترق لها المشاعر، تدرون ماذا قالوا؟ ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴾: لا تفتر من حب يوسف لا تمل من ذكره حتى تبلى وتهرم وتفنى، أو تكون من الميتين، اسمعوا يمنعونه من البكاء والحزن شفقة عليه، وهم كانوا سبب أحزانه ومنشأ همومه وغمومه، لكن ليست الشكوى إليكم، رفع الله قدرك يا نبي الله: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ لما رأى من فظاظتهم وغلظتهم وسوء لفظهم له، قال: لم أشكُ ذلك إليكم، ﴿ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ أعلم أن رؤيا يوسف صادقة وأني سأسجد له، أعلم أن الله ربي سيردهم علي ويقر عيني بالاجتماع بهم، رفع الله قدرك يا نبي الله يا يعقوب، ما ساء ظنه بالله ساعة من ليل ولا نهار على طول هذه السنين، وتجدد هذه الأحزان، ﴿ يَابَنِيَّ اذْهَبُوا ﴾ إلى الموضع الذي جئتم منه وخلفتم أخويكم به ﴿ فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ﴾ يقول: التمسوا يوسف واسألوا عنه، من يعرف يوسف هناك يا أبانا؟ يوسف فقدناه من عشرات السنين؟ ما بالك تذكره، لماذا لا تنساه؟ يقول: ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ﴾ لا تقنطوا من فرجه ورحمته، ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

 

فهل وجدوا في مصر خبرًا عن يوسف؟ وهل سيلتقي به بعد فراق أربعين سنة؟ قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

♦ ♦ ♦ ♦


يوسف وتحقق الرؤيا

الخطبة الثانيـة

وخرج أبناء يعقوب راجعين إلى مصر فدخلوا على يوسف، ﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ﴾ جاءوا يستعطفونه، مستنا الضراء وشدة الجدب والقحط ﴿ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ ﴾ قليلة لا تبلغ أن تكون ثمنًا لما نريد، لكن نطلبك ﴿ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾، الله أكبر، بالأمس، يتعلق بصدر أحدكم وهو صغير فيضربه، ويستغيث بالآخر فيلطمه، لم ترحموه وأنت أخوته، والله يجبر خاطره وهو صغير من ظلمكم له، ويقول: ﴿ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾، وجاء الوقت وهم يسترحمونه ويستعطفونه، بعد أن استرحمهم واستعطفهم، يترجونه كما ترجاهم، يتوسلون إليه كما توسل إليهم، أدركته الرقة، باح لهم بالذي يكتم منهم، قال: ﴿ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ ﴾، ومن هنا معاشر الكرام نعلم أنه ينبغي للواحد منا ألا يُمعن في التشفي إذا انتصر، ﴿ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي ﴾ أنا المظلوم الذي أردتم قتله، أنا الطفل الصغير الذي لم ترحموا بكاءه، أنا الذي فرقتم بينه وبين أبيه ولم ترثوا لحزنه، ﴿ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾، اعترفوا بذنبهم العظيم وخطئهم الجسيم، لكن سأقف قليلاً الآن لنتعلم درس العفو من يوسف، أعظم درس في باب العفو والمسامحة، يوسف قدوة كل مؤمن في أن يكون أجره على الله، ﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ لن تجدوا عندي عقوبة لكم، بل ولا معاتبة على جريمتكم، بل ولا لوم على فعلكم، ﴿ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ دعا الله لهم أن يسامحهم، ودعوة المظلوم مستجابة؛ فجعلها لهم، ﴿ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ أخي الكريم، جاء أبو سفيان بن الحارث يترضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسامحه يوم فتح مكة، ورسول الله يقول له وهو ابن عمه:"أنت الذي طردتني كل مطرد"، فأشار علي بن أبي طالب لأبي سفيان: ائته من قبل وجهه، فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف: ﴿ تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾؛ فإنه لا يرضى أن يكون أحدٌ أحسن منه جوابًا، ففعل ذلك أبو سفيان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾.

 

أخبروه بأن أباه ذهب بصره من حزنه لفقده، والشيء إنما يعالج بضده، ﴿ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾، ولما فصلت عير بني يعقوب من عند يوسف متوجهة إلى يعقوب عليه السلام، قيل: أن الريح استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير، فأذن لها سبحانه، فقال الأب الكبير المحزون: ﴿ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ﴾،

ولقد تهب لي الصبا من أرضها ♦♦♦ فيلذ مس هبوبكم ويطيب

 

قال لمن عنده: ﴿ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ ﴾، أخبركم عن أمر: والله إني لأشم رائحة ولدي يوسف، أخبرتكم بذلك فلا تعنفونِ، ولا تسفهونِ، لا تقولوا: خرف أبوكم وتغير عقله، فقالوا كلمة عظيمة، قسموا عليها كاذبين، ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ﴾، يوسف يا أبانا انتهى خبره، يوسف يا أبانا انقطع ذكره، لماذا لا تنساه؟.

 

أيها الأخوة:

لا يعرف الشوق إلا من يكابده  ♦♦♦ ولا الصبابة إلا من يعانيها

 

أخي الكريم:

لا تعذل المشتاق في أشواقه  ♦♦♦ حتى تكون حشاك في أحشائه

 

وهناك في مصر، روت الإسرائيليات: أن يهوذا قال: أنا ذهبت بالقميص ملطخًا بالدم إلى يعقوب فأخبرته أن يوسف أكله الذئب، وأنا أذهب اليوم بالقميص وأخبره أنه حي؛ فأفرحه كما أحزنته؛ فكان هو البشير، ﴿ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾، يا الله، أهكذا يكون حسن الظن بالله! درس عظيم لن ننساه ما حيينا، أن الفرج مع الكرب، وأن اليسر مع العسر، وأن الله مع عبده ما ظن بربه خيرًا، درسٌ لن ننساه ما بقينا أن الكرب يزداد لينجلي، وأن الخطب يعظم لينقضي، وهنا قال أولاده الذين فرقوا بينه وبين يوسف: ﴿ قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾، قيل: أخرّهم إلى السحر؛ ليستغفر لهم الله في ساعة لا يرد فيها سائل.

 

ودخل يعقوب وولده وأهلوهم على يوسف، وكلم يوسف الملك، فخرج هو والملوك يستقبلونهم، وكان يعقوب يمشي وهو يتوكأ على أحد أبنائه، ونظر يعقوب إلى الخيل والناس، فقال: يا يهوذا هذا فرعون مصر؟ قال: لا هذا ابنك يوسف! فلما التقى الابن بأبيه، ﴿ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ﴾ ضم إليه أبويه، وقد يجمع الله الشتيتين بعدما، وسكت القرآن عن تلك المشاعر والدموع والقبلات، سكت القرآن عن حرارة العناق بعد طول الفراق، وقال لهم: ﴿ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ﴾ [يوسف: 99، 100] سجود تحية، وكان مشروعًا في شريعتهم، وحرمه الله علينا وأعطانا خيرًا منه؛ أعطانا السلام تحية أهل الجنة، ﴿ وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ﴾ بعد عشرات السنين، قيل: أربعين أو ثمانين سنة، فلا تظن أن الرؤيا لا بد أن تتحقق من الغد، ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾: اسمع لأخلاق الأنبياء، ما ذكر إخوته بسوء؛ لأنه قال: لا تثريب عليكم، قال: وقد أحسن بي، ولم يقل أحسن إليكم، لئلا يمن على إخوته، وقال: إذ أخرجني من السجن، ولم يذكر الجب لئلا يجرح مشاعر إخوته، وقال: وجاء بكم من البدو ولم يقل: من القحط والجدب لئلا يحرج إخوته، وقال: من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي، فلم يحمل إخوته ذنباً وحملها الشيطان، أعظم وربي بأخلاق الأنبياء، عباد الله الأصفياء، ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ اسم اللطيف يتجلى في قصة يوسف، لطف به في الجب، وهو العليم بخفايا ما يعملون، ولطف به في قصر العزيز وهو العليم بكيد ما يمكرون، ولطف به في السجن، وهو العليم بتلألأ دمع المظلوم في غيابة السجون، قال الخطابي: اللطيف هو البر بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون، ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ أنت ناصري ومتولي أموري، ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾، لما تكاملت عليه النعم وجُمع عنده الشمل، اشتاق إلى لقاء ربه وأحب أن يلحق بآبائه الصالحين، دعا الله أن يتوفاه ويلحقه بالصالحين؛ كما دعا نبينا صلى عليه الله وسلم: "بل الرفيق الأعلى ".

 

ختمت قصة يوسف وفيها العظة والعبرة: يا محمد ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾، يا محمد  ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ يا محمد ﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾، يا محمد يا خير رسل الله، اصبر وإن كذبوك، تيقن وإن جحدوك  ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾، رسائل من الله إلى الذين كذبوا دعاة الله: ﴿ أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون ﴾، رسائل من الله إلى الدعاة الصادقين في كل مكان: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾، هذه الحقيقة وإليكم الأدلة: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾، فاصبروا يا دعاة الإسلام، فهي سنة الله ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾، وانتهت القصة، وقال الله: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾، جعلنا الله وإياكم منهم، اللهم أحيينا على الإيمان، وتوفنا على الإسلام، واجعل لنا من كل همٍ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا..

 

اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين!



[1] بتاريخ 10 ربيع ثاني 1428 هـ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • يوسف عليه الصلاة والسلام من حسد إخوته إلى ملك مصر (4)
  • يوسف عليه الصلاة والسلام من حسد إخوته إلى ملك مصر (5)

مختارات من الشبكة

  • يوسف عليه الصلاة والسلام من حسد إخوته إلى ملك مصر (3)(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • يوسف عليه الصلاة والسلام من حسد إخوته إلى ملك مصر (2)(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • يوسف عليه الصلاة والسلام من حسد إخوته إلى ملك مصر (1)(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • تفسير: (قالوا أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة الجزء فيه من غرائب حديث القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم بن يوسف الميانجي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • المضامين التربوية المستنبطة من فترة تواجد يوسف عليه السلام ببيت عزيز مصر إلى خروجه من السجن(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • يوسف عليه السلام عزيز مصر(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصص الأنبياء: قصة يوسف عليه السلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فوائد من سورة نبي الله يوسف عليه السلام(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • من كنوز القرآن الكريم: قصة يوسف عليه السلام (وقفات - فوائد - لطائف)(محاضرة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب