• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمد منير الجنباز / قصص الأطفال
علامة باركود

البطل ابن البطل ( قصة للأطفال )

البطل ابن البطل ( قصة للأطفال )
د. محمد منير الجنباز

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/2/2014 ميلادي - 19/4/1435 هجري

الزيارات: 53455

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

البطل ابن البطل


زيد بن حبيب بطل نادر الوجود، شبَّ وترعرع على الفروسية والإقدام، وَرِث الشهامة العربية وصفاء القلب وحبَّ الخير، كسَب ذلك كلَّه من دينه الإسلامي الحنيف، لقد التقى مع عدد من كبار التابعين، فأخذ عنهم حبَّ الإسلام وشدة التمسُّك به، كما أخذ عنهم رواية سيرة الصحابة أنصار النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه الذين وقفوا معه صامدين في أشد الظروف وأحلك الساعات، فقدَّموا أنفسهم ودماءهم فداء للإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم فتأثَّر بهم، وكان مُعجَبًا ببطولات حمزة بن عبدالمطلب، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وخالد بن الوليد، وأبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنهم - فكانوا قادة ميامين، وشجعانًا مُجاهِدين، عرَفوا النصر في ساحات القتال، فما بارَزوا أحدًا إلا صرَعوه، وما خاضوا معركة إلا انتصروا فيها، جاهَدوا المشركين كما جاهدوا الفُرسَ والروم، وجاءت الفتوحات على أيديهم مؤيَّدين بنصر الله؛ لصدق إيمانهم، وقوة عزيمتهم، وسلامة قلوبهم.

 

أراد زيد أن يكون مثل هؤلاء القادة الأبطال، وأن يكونوا مثالَه في الحياة فيَحذو حذوهم، ويسعى للمجد والنصر، وعمل ما يُحقِّق لأمته العزة والتقدُّم، فشارك في الفتوحات الإسلامية في المشرق والشمال؛ أي: في بلاد الترك؛ مثل: بخارى وسمرقند، وفي أقاليم أذربيجان وأرمينيا، فالتحق بجيش الجنيد بن عبدالرحمن الذي تولى إمارة خراسان وبلاد ما وراء النهر، وخاض معه عدة معارك ضد الترك بزعامة ملكهم خاقان، وكان رجل المهمات الصعبة؛ يَستطلِع أخبار العدو فيتقدَّم الجيش بمسيرة يوم أو أكثر؛ ليَكتشِف الطريق أثناء زحف الجيش؛ حتى لا يقع في كمين مُدمِّر، كما كان يَنقُل الرسائل ما بين جيش وآخر، أو مدينة وأخرى؛ ليتمَّ التنسيق والتعاون بين الجيوش، حتى اشتهر بهذا العمل، فعرَفه سكان المدن والقرى الواقعة على الطرق من كثرة ترحاله وتردده بينها.

 

وكان له حصان يُسابِق الريح، وله عزم يقدُّ الحديد، وقلب قوي متمرِّس، فكم من ذئب كاسر تعرَّض له ليلاً فأرداه، وكم من أسد هائج حاول اختطافه من فوق فرسه فكان رمحه أسبق إلى نحر الأسد.

 

كان سديد الرمي، نبله لا يُخطئ الهدف، خبيرًا بفنون القتال، يُعَدُّ مدرسةً في ذلك؛ لأنه تعلم فنون أهم أمتَين عُرِفتا بالقوة والبأس؛ وهما: أمة العرب، التي ما شهد التاريخ أقوى منها بأسًا، وأشد مراسًا وقوة وصمودًا وصبرًا على القتال، وأمة الترك أيضًا التي عُرفت بالبأس والشدة، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيهم: ((اتركوا الترك ما تركوكم)).

 

وفي إحدى مهماته في جبال أرمينيا، وبينما كان في الطريق إلى عاصمة الإقليم (تفليس)، سمع نداء استغاثة تبعه صوت نخْر عظيم مُفزِع، فنظر إلى مصدر الصوت فإذا فتاة على حمار تَصرُخ، وعلى يَمين الطريق صخرة فوقها نمر هائل يستعدُّ للوثوب عليها، فما كان من زيد إلا أن صوب رُمحه ولكز فرسه فانطلق طائرًا باتجاه النمر، وقبل أن يثب النمر فوق الفتاة، كان رمح زيد أسرع منه، فاخترقه وخرَّ النمر مُجنَدلاً من فوق الصخرة إلى الطريق، ثم تدحرج واستقر قرب الفتاة، فكان خوفها أشد ودهشتُها أكبر عندما سمعت صوت زيد وهو يقول لها: لا تخافي أيتها الفتاة.. لا تخافي!

 

نظرت الفتاة باتجاه الصوت، فوقعَت عيناها على فارس قويِّ الملامح، مُهاب الطلعة، وسيمٍ، فوقفت مُسمرة لا تنبس ببنت شفة، فاقترب منها زيد وقال: الحمد لله على سلامتك، تابعي طريقك راشدة أيتها الفتاة.

 

فانفرجت أساريرها، وعاد لها نبضها، وخفَق قلبها، وتساءلت: من أين أتى هذا الفارس؟ لقد ساقه الله لإنقاذي من هذا النمر الكاسر، ومع أنه خلصني من النمر وقضى عليه، إلا أن خشيتي من هذا الفارس كانت أشد، لقد خفتُ أن يتعرَّض لي ويَمتهِنَ شرفي، لكنه كان فارسًا بحق، ها هو ذا يقول لي بأدب وإغضاء طرف: تابعي طريقك، لا بد أنه مسلم، هكذا سمعت عن أخلاق المسلمين.

 

وبعد بُرهة من التفكير قالت: مَن يكون الفارس؟

قال: زيد بن حبيب، رجل مُسلم شاء له الله أن يمرَّ في هذا الطريق؛ ليخلِّصك من موت محقَّق، ثم قال: وما اسم الفتاة؟

قالت: مريم، إني ما زلت خائفة، وما كنتُ أخاف من قبل، لكن منظر هذا النمر الهائل قطع نياط قلبي، سأتابع طريقي، ولكني لي رجاء عندك؛ أن تُكمِلَ معروفك أيها الشاب الشهم!

 

قال: زيد: وما هو؟

قالت: أريد جِلدَ هذا النمر ليَبقى ذِكرى عندي، ولأريه أهلي.

 

فنزل زيد واستلَّ سكينه وسلخ النمر، فكان جلده ثقيلاً عجز الحمار عن حمله، فساعدَها زيد إلى أن أوصلها إلى قريتِها، فأسرعت تُخبِر والدَيها بما حصل، وتَذكُر لهما شهامة زيد.

 

كانت تلك القرية لا تزال تَدين بالنصرانية، وهي على حدود الدولة الإسلامية آنذاك، فتارة تتبع المسلمين، وتارة تتبع الروم، وذلك حسب كرِّ هؤلاء وفرِّ أولئك.

 

احتفى والد الفتاة بزيد فأكرمه وقدم له الزاد والشراب، وبعد استراحة قليلة عزم زيد على متابعة سيره، لكن الفتاة كانت تَنظُر إليه نظرة محبة، لقد تعلق قلبها به، فطلبت من والدها أن يُزوِّجها منه، لكن والدها رفض بشدة مُتذرِّعًا أنه لا يطيق فراقها؛ لأن زيدًا مُجاهِد مُتنقِّل من مكان لآخَر فلا يستقرُّ به مكان.

 

وانطلق زيد مع بزوغ أول خيوط الفجر متوجِّهًا إلى (تفليس) عاصمة أرمينيا.

 

أما الفتاة، فإنها لم تُطِق صبرًا على فراقه، لقد أصبحت مشغوفة به، ثم عقدت العزم على اللحاق به دون رضا أهلها، فتسلَّلت خفية من البيت وانضمَّت إلى قافلة كبيرة متجهة إلى (تفليس)، وكانت المسافة بين قريتها ومدينة (تفليس) تَستغرِق يومًا كاملاً، فوصلت المدينة، وفي الصباح قصدت مقر الوالي وسألت عن زيد فدلُّوها عليه، وكان يهمُّ بالرجوع إلى "سمرقند" حاملاً رسالة إلى واليها هناك.

 

فنادته، فعرَفها وقال لها: أراك هنا! كيف أتيتِ إلى هذه المدينة؟! أين والدك؟ قالت: لم أُطِقْ صبرًا على فراقك، وعرضت عليه الزواج منها، فقال لها: إن كنت تودِّين هذا، فشرطي أن تُسلمي.

 

قالت: نعم، لقد شرح الله صدري للإسلام منذ رأيتُك؛ لذلك لم أُطِق العيش مع أهلي، وأحببت البقاء معك، فتبعتُك.

 

فأخذها زيد إلى قاضي البلدة فأحضر الشهود وعقد عليها، وأهداها عقدًا من اللؤلؤ كان معه، وهذا العقد كان حصته من إحدى غنائمه في الحرب.. ثم أقام زيد معها عدة أيام في (تفليس) وغادراها إلى "سمرقند".

 

مرت أكثر من سنة على زواج زيد من مريم، فكانت تتنقَّل معه من مكان إلى آخر، فتُرافِق الجيش مع النساء، وتُساعد في السقاية وإعداد الطعام، وتجهيز الخيام، وغزل الخيوط.. وبعد هذه المدة أنجبَت لزيد غلامًا سماه حبيبًا، فكان فيه ملامح والدَيه، فاتخذ زيد لزوجته مَسكنًا عند عشيرته؛ ليطمئن عليها وعلى ولدها حبيب، ووعدها بأن يتردَّد دائمًا لزيارتها والاطمئنان عليهما.

 

الشبل من ذاك الأسد:

نشأ حبيب في رعاية والدَيه، تَحوطه عناية الله، فكان مولعًا بالمُغامرات والصيد والقنص، فتعوَّد على الجرأة والإقدام، كما استعمل منذ سنٍّ مُبكِّرة القوسَ والنُّشَّابَ، وتعلم ركوب الخيل، فكان يقفز على ظهورها قفزًا، فيعتليها دون مساعدة أحد، ويقودها بلا ركاب أو لجام، يكفيه أن يُمسِكَ بشَعر رقبتها، ثم يركلها بقدميه، فتطير سابحة به فوق رمال الصحراء، وتبتعد إلى التلال المُجاورة والآكام، ثم يعود بها إلى الإسطبل.

 

وكان إلى جانب هذا يداوم عند الشيخ أحمد مع عدد من أبناء الحي، فيتعلم عنده القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وكان والده يَعتني به، ويصطحبه أحيانًا معه في بعض أسفاره وحروبه، ثم يعيده إلى عشيرته؛ لذلك جمع حبيب بين السيف والقلم، فنشأ سليم الجسم والعقل، متوقد الذهن فطنًا، فراسته لا تخطئ، قوي البنية، ما صارعه أحد من أقرانه إلا صرعه وتغلَّب عليه، وكان والده معجبًا به أيما إعجاب، ويتوقع له مستقبلاً زاهرًا.

 

لذلك أراد له أن يلم بالفنون العسكرية، مع تحصين عقله وفكره بالعلوم الشرعية، فبعد أن أنهى دراسته عند الشيخ أحمد، أمره والده أن يتابع تعليمه عند كبار العلماء في بلدته، ففعل ما أمره به والده، وحصَّل علمًا غزيرًا نافعًا.

 

وعندما بلغ خمسة عشر عامًا، ظهرت عليه ملامح الفروسية والقوة، وأصبح كثير الشبه بوالده، وحُبِّب إليه الجهاد في سبيل الله، فطلب من والده أن يكون معه في فرقته؛ لكي يُتابع الفتوحات الإسلامية معه، فسُرَّ الوالد بذلك وقال: إنني أنتظر هذه الساعة المباركة.

 

ثم استأذن حبيب والدته لكي يرافق أباه، فقالت له: لا أستطيع منعك رغم حبي لك، وتمتمت قائلة: إن هذا الشِّبل من ذاك الأسد، رافقتك السلامة يا بُني، وأرجو ألا تغيب عني طويلاً.

 

فودعها وودع أخويه الصغيرين سعدًا وسلمى، ثم انطلق مع والده للالتحاق بجيش المسلمين، وهناك كان الدرس عمليًّا في خوض غمار الحروب، فشارك الابن مع أبيه في عدة غزوات، وقاما بمهام عديدة، ثم عادا إلى الديار.

 

المهمة الأخيرة لزيد:

انتقل زيد مع أسرته وأولاده من الجَبهة الشمالية الشرقية إلى الشام، وأقام فيها عدة شهور، ثم وردَت أنباء إلى دار الخلافة في دمشق، عن تمرُّد في "أذربيجان"، أسفر عن قتل القائد الجراح بن عبدالله الحكمي بعد أن فتح تلك البلاد وأوغل فيها، وبسط العدل في ربوعها عشر سنين، وأوقع بالمشركين "الخزر" هزائم متلاحقة، فقد كانوا طامعين في أذربيجان، فأَمِنَت البلد وابتعد الشر.

 

لكن الخزر عادوا ثانية، وتعاونوا مع الترك وقبائل "اللان" خلال هذه المدة، وجمعوا جموعًا كثيرة، وهاجموا الجراح الحكمي في سهل "أردبيل"، وصبر الجراح لجيش الأعداء صبر الكرام، لكنه كان في قِلة من أصحابه، بينما كان المدد يتدفَّق على الخزر، فاستُشهد الجراح في المعركة وتفرَّق جنده بعد أن قُتل منهم خلق كثير، واختفت أسرتُه فلم يُعرَف مصيرها، وسقطت مدينة أردبيل بأيدي الخزر، ثم شرعوا في اقتحام المدن في أذربيجان والسيطرة على عدد منها.

 

وصلت هذه الأخبار للخليفة هشام بن عبدالملك، فجهَّز على وجه السرعة جيشًا واستدعى القائد سعيدًا الحرشي، وندبَه لقتال الخزر.

 

ومكث القائد سعيد مدة يُنظِّم جيشه لينطلق إلى قتال الخزر، وكانت المسافة بين دمشق وأذربيجان بعيدة، والجيش يتحرَّك ببطء؛ لما يحمله من سلاح وتموين.

 

كما أن الجيش كان بحاجة إلى المرور على الأقاليم الإسلامية والتوقف فيها لبعض الوقت؛ لينضمَّ إليه مَن أراد الجهاد في سبيل الله؛ ولهذا رأى القائد سعيد أن يبعث إلى زيد ليُكلِّفه بمهمة لا يقوى على أدائها غيره، فاستدعاه لأجل ذلك.

 

فحضر زيد سريعًا، وقال له: أنا رهن إشارة الأمير.

 

فقال له: عليك أن تَسبقني إلى أذربيجان، وتُخبر مدنها التي تقاوم الخزر مدينة مدينةً بالصبر وعدم الاستِسلام، فأنا قادم لإنقاذهم، وطردِ الخزر وتأديبِهم، وقد اخترتك لهذه المُهمَّة لمعرفتك بتلك البلاد، ولأن ولاة المدن هناك يَعرفونك.

 

فقال زيد: السمع والطاعة بما يأمر به القائد، وسأجدُّ السير باتجاههم غدًا مع أول خيوط الفجر إن شاء الله.

 

ركب زيد حصانه الأبلق القوي، وسار قاصدًا أذربيجان، فقطع البراري الشاسعة سريعًا، وتوغَّل داخل البلاد ليقوم بمهمته، فوجد الدمار قد حلَّ في أذربيجان، وأن الخزر قد استولوا على عدة مدن وهم ماضون في الاستيلاء على البقية، وقد نشروا جنودهم في كل مكان ليقطعوا الطريق على كل قادم، فقام بالتفاف حول الجبال الشاهقة، ثم استطاع الوصول إلى عدة مدن، فأخبَرَهم بالأمر وطلب منهم تَحصين مدنِهم، والاستعداد للمقاومة ريثما يَصِل الجيش الإسلامي.

 

ثم تقدَّم من مكان الخطر أكثر، فهاله أن يجد أكبر مدن أذربيجان وهي "روثاب" تقع تحت وطأة الحصار الشديد، فلقد طوَّقها الخزر من كل الجهات، وبات من الواضح أن الوصول إليها أمر صعب، فأعمل الحيلة لكي يَصل إليها بشتى الوسائل لإخبارهم بالصمود، فاندسَّ بين بعض الجنود، وعلم أن المدينة تُريد التفاوض مع الخزر للاستِسلام، فقد طال الحِصار وضاق الأمر بالناس، وضعُفتْ عندهم روح المقاومة.

 

قال زيد: يا ألله! عليَّ أن أصل إليهم لمنعِهم من ذلك، فعاد وهو يُفكِّر وقد أضمر في نفسه خطة ناجحة، ولكنها باهظة التكاليف، فقد تُكلِّفه روحه، ولكن لا مانع عنده أن يموت هو، وتحيا بلدة فيها آلاف المسلمين.

 

تذكَّرَ ما سيحلُّ بالنساء والأطفال، فسيأخذهم الخزر سبيًا يسترقُّونهم ويستعبدونهم، كما تذكر ما سيحل بالرجال، سوف يَقتُلون كلَّ رجل قادر على حمل السلاح، ستقع كارثة إن لم أُسرع - بهذا حدَّثَ نفسَه - ثم ركب فرسه واقتحم خطوط الأعداء ليصلَ إلى أسوار المدينة، لكن الخزر تكاثَروا عليه وأمسكوا به، وكان هو يودُّ ذلك، وقدموه إلى قائدهم فعرفه، قال: أنت حامل الرسائل؟ وأخيرًا سقطتَ في أيدينا، ماذا كنت تَحمِل لهذه المدينة؟

 

قال: رسالة شفهية أبلغهم فيها بالصمود وعدم التسليم.

قال القائد: سنقتلك قبل أن تتفوَّه بأية كلمة.

 

قال زيد: هل يعفو القائد عني لو أبلغتهم عكْس ذلك، وأمرتُهم بالاستسلام لكم، ووفرت عليكم الجهد وطول الحصار؟

قال قائد الخزر: فكرة جيدة، إذا فعلتَها عفونا عنك، هيا تقدم وأخبرهم بذلك، واحذر إذا غيرت رأيك أو خدعتنا فسنَقتُلك حالاً.

 

تقدم زيد من أسوار المدينة وخلفه عدد من جنود الخزر متخفِّين يَحملون السهام ليرموه بها لو أراد الفرار أو الخداع.

 

ونادى زيد حاكم "روثاب" وقال له: يا عبدالله.. يا جند "روثاب" أطلوا واسمعوني..

 

فأطلوا عليه من فوق الأسوار، قالوا: هذا زيد بن حبيب.. ما الخبر؟

 

قال: أتعرفونني؟

قالوا: نعم، أنت زيد.

 

قال: أتعرفون مكانتي وإخلاصي للمسلمين؟

قالوا: نعم، أنت المُراسل المؤتمن، كل القادة يَضعون ثقتهم بك.

 

قال: فإن جيش المسلمين قادم وهو قريب، وإياكم أن تستسلموا، هكذا يقول لكم القائد سعيد الحرشي.

 

فرفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير ودبَّت فيهم الحماسة.

 

وما أن انتهى زيد من أداء الرسالة، حتى انهالت عليه سهام الخزر فخرَّ شهيدًا.

 

وهكذا نجحت خطة زيد في إبلاغهم الرسالة، فضحَّى بنفسه لإنقاذ البلد، ولولا هذه الحيلة لما استطاع الوصول إلى المدينة، ولما استطاع توصيل الرسالة إليهم.

 

لقد ألهب هذا المنظر أهل "روثاب" فاستعدوا للمُقاومة، وعادت حماستهم للجهاد من جديد، فأمطروا جيش الخزر بالنشاب وأحجار المنجنيق، ودارت رحى معركة حامية، فأحدثوا إصابات بالغة في صفوف الخزر؛ لأنهم علقوا آمالهم بالله أولاً، ثم بوصول الجيش لمساعدتهم، فارتفعت معنوياتهم، وقويَت عزائمُهم.

 

ولما وجد الخزر هذه المُقاومة الشديدة، وأن جيش المسلمين قادم، ترَكوا حصار البلدة وانسحبوا إلى شمال البلاد، واستعدوا لشنِّ حرب ضدَّ جيش المسلمين القادم.

 

حبيب يعمل في صفوف جيش المسلمين:

انضمَّ حبيب إلى جيش سعيد الحرشي، ووصل معه إلى مدينة "روثاب" التي فك الخزر الحصار عنها، وفوجئ هناك بخبر استشهاد والده، ثم التقى والي المدينة وسمع منه قصة زيد وما فعله من أجل إنقاذ البلد، فحمد الله أن والده قد أدَّى المهمة بنجاح ورحل عن هذه الدنيا بطلاً شهيدًا، كسب بعمله هذا رضاء الله، وأصبح مثالاً رائعًا للتضحية والفداء.

 

لكن حبيبًا لم يكن ليَجلِسَ ويجترَّ الأحزان على والده ويَكتفي بالثناء عليه، فأخذ فرسه وانطلق يتابع تحرُّكات الخزر ويستطلع أخبارهم، وبينما هو كذلك إذا به يجد في أحد الأودية خيولاً للخزر، فتقدَّم على حذر منهم فشاهد عجبًا، غنائم كثيرة وأسرى من المسلمين؛ رجالاً ونساء وأطفالاً.

 

فعاد مُسرِعًا إلى القائد سعيد الذي كان يبحث عن الخزر، فقال: أيها القائد هل لك في الجهاد والغنيمة؟

قال القائد: وكيف؟

 

قال حبيب: على بُعدِ مسيرة يوم من هنا يوجد مُعسكَر للخزر، ومعهم الغنائم وأسرى المسلمين.

 

فانطلق القائد على وجه السرعة، وحاصر المُعسكَر ليلاً، وانقضَّ المسلمون على جند الخزر من كل اتجاه، فقتلوهم عن آخرهم، وكانوا عشرة آلاف جندي، فحازوا الغنائم، وأنقذوا أسرى المسلمين وأعادوهم إلى ديارهم.

 

ثم انطلق حبيب أيضًا يتتبع آثار الخزر، حتى وصل إلى معسكرٍ آخَرَ فرصَدَه تمامًا، فإذا به أسرى للمسلمين، منهم عائلة القائد الشهيد الجراح، فعاد مُسرعًا إلى سعيد، وأخبره الخبر، فعاد سعيد بجيشه حتى كبَسهم، فقتل الحامية واستنقذ الأسرى، وبلغ خبر انتصار سعيد ملِكَ الخزر، فوبَّخ جنده الفارين.

 

ثم جمع المزيد من الجند وقرَّر مُلاقاة سعيد الحرشي في معركة حامية؛ ظنًّا منه أنه سيَقضي على المسلمين، والتقى الجيشان في سهل "برزند"، ودارت معركة رهيبة كادت تعصِف بالجيش المسلم، فنادى سعيد المسلمين: الصمود.. الصمود!

 

وقاتَلَ حبيب قتال الأبطال، فصمد المسلمون وكتب الله النصر لهم على أعدائهم، وولَّى الخزر الأدبار بعد أن فقدوا معظم جيشهم.

 

وعاد ملك الخزر بعد الهزيمة فجهز جيشًا ضخمًا، وسلم قيادته إلى ابنه، فقصد المسلمين ودارت معركة حامية الوطيس عند نهر البليقان، صبر فيها الفريقان، ثم كتب الله النصر للمسلمين وتشتَّت شمل الخزر ولم تَقُم لهم بعدها قائمة.

 

وهنا عمد حبيب إلى الاستئذان من القائد سعيد للعودة إلى دمشق، حيث ترَك والدته وإخوته؛ ليُخبِرهم بمصير والده، وليكون إلى جانبهم في هذه المِحنة، فأذن له سعيد على أن يلحق بجيشه ثانية، وانصرَفَ إلى دمشق يقود قافلة تَحمل خُمس الغنائم إلى أمير المؤمنين هشام، ويُبشِّره بالنصر المُبين على الخزر.

 

حبيب عند أمير المؤمنين هشام:

استقبل الخليفة حبيبًا بابتسامة عريضة ووجه طلْق، وسمع منه بالتفصيل أخبار المعارك وانتصارات المسلمين، ثم عزَّاه الخليفة باستشهاد والده زيد، وقال له: إن والدك بطل شهيد، وأرى فيكَ ملامح والدك وفروسيتَه.

 

وأعطاه من بيت المال كيسًا مليئًا بالدنانير؛ ليُقدِّمه إلى والدته عزاء لها على فقد زوجها وتطييبًا لخاطرها، وأجرى لها عطاء سنويًّا من بيت المال؛ لتعيش به مُعزَّزةً مُكرَّمة.

 

مكث حبيب عدة شهور في دمشق، ثم أتته دعوة من أمير المؤمنين ليَحضر إليه، فأسرع ملبيًا دعوته.

 

فلما مَثَلَ بين يديه، قال له الخليفة: إن أخبار الجبهة الشمالية الشرقية لا تَسرُّ، وقد خرج عليهم ملك الترك خاقان في جموع لا تُحصى كثرة، وكسر لي عدة قادة، فقتل والي سمرقند (سورة بن الحر)، وبقتله أصيب المسلمون هناك باليأس وفقَدوا الأمل بالنصر على الترك، لقد سبق أن عمل والدك على هذه الجبهة، فاحمل هذه الرسالة إلى قائدها "أسد بن عبدالله" ولازِمْه هناك وقدِّم خدماتك له، فمثلك لا يُستغنى عن رأيه ومشورته.

 

شكر حبيب الخليفةَ ثم ودَّعه وانصرف، ومكث قليلاً عند والدته ثم أخبرها بالمُهمَّة الجديدة، وطلب منها الدعاء له والتوفيق في مهمته.

 

ثم حمل زاده وركب جواده وانطلق إلى خراسان، فوصلها بعد جهد ومشقة، وانطلق فورًا إلى والي خراسان وسلَّمه رسالة أمير المؤمنين، وفيها يستحثه على حرب خاقان والقضاء عليه.

 

وكان أسد في هذه الأثناء يُجهِّز الجنود ويعدهم للإيقاع بخاقان، فقسم جنوده إلى عدة فرق، وأمَرَهم بشن الغارات وإضعاف الترك، وتوغل هو في بضعة آلاف من جنوده شرقًا في أرض الختل - وهي قريبة من حدود الصين الغربية - ومعه حبيب.

 

وكان خاقان يَرصُد تحرُّكات أسد بدقة، حتى إذا ما ابتعد عن قومه وأوغل في هذا العدد القليل، تحرك خاقان لقطع طريق العودة على أسد والإيقاع به، وعلم أسد بخطة خاقان، فأمر بالمؤن وكبار السن والنساء والأطفال أن يَسبِقوه باتجاه مدينة "بلخ" ومعهم حراسة قوية، ويبقى هو بالجند في إثرهم ليَدفعوا عنهم الخطر.

 

وتقدمت الأحمال ونشر أسد قواته للاستطلاع، ثم عبر النهر إلى بلخ، وبينما هم كذلك إذا بخاقان يطبق عليهم، فقاتلهم مَن لم يعبروا من المسلمين فأخَّروا تقدُّمَه حتى تم العبور، ثم عبر وراءهم بعد أن دخل المسلمون مُعسكَرهم، وجعلوا حولهم خندقًا بحيث لا يستطيع الترك الوصول إليهم إلا بصعوبة.

 

وحصلت مُناوشات بين الطرفين، ثم أقبل المساء وكفَّ الطرفان عن القتال، واستعد أسد لملاقاة خاقان في الصباح، لكنه فوجئ بانسحاب خاقان، ففرح المسلمون بذلك وقالوا: لقد جبن عن لقائنا.

 

لكن أسدًا كان يُساوِره الشك في هذا الانسِحاب المفاجئ، ثم فطن فجأة وقال: إن خاقان لم ينسحب لخوفٍ منا، ولكن ربما وقع بعض جنودنا الذين قاتلوه عند النهر في الأسر، فأخبروه بالمؤن والأثقال فطمع في الاستيلاء عليها، فهي بالنسبة له غنيمة سهلة.

 

ثم نادى حبيبًا، وقال له: الحق بالأثقال وأخبرهم أن يأخذوا حذرهم من خاقان، وأن يَحفِروا حولهم الخنادق في كل موقع ينزلون فيه إلى أن نصل إليهم وننقذهم!

 

قال حبيب: السمع والطاعة، ولكن أيها القائد! إن فرسي قد أصيب في حافره فلا يستطيع العدو، فهلا أعطيتني فرس "الذبوب" - وكانت هذه الفرس سريعة لا تُدرَك، وهي غالية على أسد لا يُعطيها أحدًا.

 

لكنه قال: إنك تُخاطر بنفسك، فإن بخلتُ عليك بفرسي إني إذًا للئيم.

 

فدفع إليه فرسه الذبوب وقال: انطلق على بركة الله.

 

ركب حبيب على ذلول سريع، وربط به الفرس فلم يركبْها حتى لا يُرهقها، وفي الطريق رأى جند خاقان قد ملؤوا السهل، ولا ملاذ إلا بالمرور قربهم، فاستلقى على الذلول وأمسك بيده لجام الفرس وسار مُتمهِّلاً؛ كي لا يشكوا به، حتى إذا حاذى الترك زاد من سرعته، فانتبهوا له وصرخوا به ليتوقف، لكنه تجاهلَهم وقفز من فوق بعيره على ظهر الفرس وانطلق بها كالسهم، فتبعوه وحاولوا الإمساك به فلم يُفلِحوا، وتعدَّاهم بمسافة بعيدة، ثم وصل إلى القائد الذي يحرس الأثقال والمؤن، فأخبره بأن الترك في إثرهم، فاختار قائد القافلة مكانًا مُحصَّنًا نزل فيه، وأمر بحفر خندق حولهم.

 

فلما وصل خاقان بجيشه وجدهم قد امتنعوا بالخندق، فأمر رجاله بالهجوم عليهم، لكن المسلمين صدوهم، ثم صعد خاقان تلاًّ مُرتفِعًا، وجعل ينظر لعله يرى مكانًا ضعيفًا ينفذ من خلاله إلى المؤن للاستيلاء عليها، فرأى خلفهم جزيرة يفصلها عن المسلمين مخاضة ليست عميقة، فأرسل إحدى كتائبه لتغير على المسلمين من تلك الجهة، وكادت خطته تنجح، فقد اجتاز جنوده المخاضة وأتوا من خلف المسلمين ودخلوا مُعسكَرهم، ودارت معركة رهيبة، قتل فيها عدد كبير من الطرفين.

 

وبينما كان خاقان يستعد لمهاجمة المعسكر من جهة المخاضة، أقبل أسد بمَن معه، والتحموا مع خاقان بروح قوية مُتشوِّقة للقتال وإنقاذ المؤن ومَن فيها، فاضطر خاقان للانسحاب بعد أن وجد أن كفة المسلمين بدأت تَرجح.

 

وعاد أسد إلى "مرو" مُتعبًا، فاستراح قليلاً ليُضمِّد جراحه، ثم جمع جنوده وخرج في الشتاء ليطلب خاقان الذي كان يظنُّ أن المسلمين لا يُقاتِلون في الشتاء، وفي هذه الأثناء فاجأه أسد، فهزمه واستنقذ الأسرى الذين كانوا في حوزته.

 

ولما تشتَّت شمله وأضحى في قِلَّة من جنده، تطيَّرَ منه الأتراك فقتلوه؛ لأنه أرهقهم دون فائدة، وخلص الله المسلمين من شره، فأرسل أسد البشارة إلى الخليفة هشام بمقتَل خاقان، وكان البشير حبيبًا.

 

فلما وصل إلى دمشق، أخذ يُكبِّر وهو يحمل راية النصر، فلما اقترب من قصر هشام، سمع هشام التكبيرَ فكبر هو أيضًا، وأمر بفتح الباب، فدخل حبيب وأخبره بالنصر وقتْل خاقان، فخر هشام ساجدًا شكرًا لله أن خلَّصه من هذا العدو الشرس.

 

حنين أم حبيب إلى وطنها:

حنت مريم إلى موطِنِها، فطلبت من حبيب أن يرتحلوا إليه ويسكنوا هناك، لعلها ترى أهلها، لقد اشتاقت إليهم كثيرًا، فارتحل حبيب بأمه وإخوته إلى قرية "دوران"، ولما وصل إلى مكانها لم يجدوا أحدًا في القرية، لقد أصبحَت خرابًا، ولما سأل حبيب عن مصير هذه القرية أُخبر أن الروم دمُّروها فقُتل من أهلها مَن قُتل، وتشتَّت الباقي في البلاد ولم يُعرَف مصيرهم.

 

حزنت مريم على هذه النهاية، ثم انتقلت مع ابنها وسكنت في "تفليس"، وكان والي الجزيرة وأرمينيا: محمد بن مروان، الذي استطاع تقوية ولايته وإلحاق الهزيمة بالخزر والروم على السواء، فذهب إليه حبيب وقدم له نفسه، فسُرَّ الوالي به وقربه منه، فكان يخرج معه في غزواته.

 

وحدث أن خانت العهد بلدة على الحدود مع الروم، فأسرع إليها مروان فحاصَرَها وفتَحها من جديد وأدَّب حاكمها الذي خان العهد، فأخذه أسيرًا مع عدد كبير من الأسرى الرجال ليودِعَهم في السجون؛ حتى لا تعود البلدة للعصيان ثانية.

 

لكن حاكم البلدة وعَد الوالي بالتوبة وعدم العصيان، وعرض مبلغًا كبيرًا من المال ليفتدي به نفسه، فقبل منه الوالي بعد أن أخذ عليه العهود والمواثيق، فأطلق سراحه، ثم طلب من الأسرى الآخرين أن يَفتدوا أنفسهم بالمال ليُطلِق سراحهم وإلا مكثوا في السجن، وكلف أحد القادة بجمع المال منهم.

 

وهكذا بدأ كل أسير يدفع المال الذي عليه، إلا رجلاً كبير السن لم يجد معه مالاً.

 

وقد لاحظ حبيب أن هذا الرجل كان ينظر إليه باهتمام وابتسامة فيها بعض الدموع، فأشفق عليه حبيب وانتابه شعور طيِّب تجاهه، وهمَّ مرارًا أن يكلم الوالي في إطلاق سراح هذا الرجل، لكنه كان لا يجد فرصة في مُحادَثة الوالي بشأنه.

 

وفي هذه الأثناء استدعى الوالي حبيبًا وطلب منه أن يكون في مؤخِّرة الجيش التي فيها الخيام والغنائم ومتاع الجند، والإشراف على تجهيزها من أجل العودة إلى دار الولاية.

 

ثم استدعى الوالي القائد المسؤول عن جمع الفداء من الأسرى، ولما مثل بين يديه، قال له: أدفَعَ كلُّ الأسرى ما عليهم من فداء؟

 

قال القائد: دفعوا كلهم ما عدا رجلاً كبير السن لم يكن معه مال فأبقَيناه.

 

فقال الوالي: إليَّ بهذا الرجل.

 

فأتوا به موثقًا، فقال له الوالي: أتُفضِّل السجن على دفع الفداء؟

 

قال الشيخ: ليس معي الآن مال، أنا رجل غريب عن البلد الذي نقَض العهد، وأنا من إحدى قرى هذا الجبل، أتيتُ بحصان لأبيعه في السوق، وبينما نحن في السوق وقعت الحرب فخاف الناس وتفرَّقوا، وأفلت مني الحصان فلم أدرِ أين ذهب؟ وعندما كنت أبحث عنه وقعت في الأسر، فإذا رأى الوالي أن يُطلِق سراحي لأعود إلى بلدتي فأُحضِرَ له الفداء فعلت.

 

قال الوالي: هيهات! تُريد أن تُفلت مني.

قال الشيخ: لا، وأقسم لك أني سأعود في صباح الغد ومعي الفداء.

 

قال الوالي: أريد كفيلاً.

فتهلَّل وجه الشيخ وقال: سأُحضِر كفيلاً من بين جنودك!

 

تعجب الوالي من كلام الشيخ.. مَن يكون الكفيل يا ترى؟ ثم قال: أيوجد في جيشي من يعرف الشيخ؟

قال الشيخ: قبل ساعة كان هنا شاب قوي البنية أبيض البشرة، شَعرُه يَميل إلى الحمرة.

 

قال الوالي: أمِن جنودنا هو؟

قال الشيخ: نعم، كان يُلازمك ويقف دائمًا إلى جوارك..

 

قال الوالي: لعلك تعني حبيبًا..

قال الشيخ: لا أعرف اسمه.. لكن ربما هو.

 

قال الوالي: استدعوا لي حبيبًا..

وبعد ساعة حضر حبيب، فلما رآه الشيخ هبَّ واقفًا وقال: نعم إنه هو.. هذا يَكفُلني..

 

قال الوالي: أتعرف هذا الشيخ؟

قال حبيب: لا، ولكن أجد في نفسي ميلاً نحوه، وقد استنجد بي فإني أكفله فخلوا سبيله.

 

شكر الشيخ حبيبًا، ثم انطلق إلى أهله مُسرِعًا، وفي صباح الغد عاد يَحمِل معه الفداء وهدية خاصة أعطاها إلى حبيب.

فقال حبيب: لم أكفلْك مِن أجل أن تُعطيني هدية.

 

قال الشيخ: هذه الهدية خاصة إلى والدتك، لا تفتحْها الآن بل أعطِها والدتك.. تَعدُني بذلك؟

قال حبيب: أعدك بذلك.

 

وبعد عدة أيام عاد الجيش إلى دار الإمارة، وذهب حبيب إلى بيته وقدم لوالدته هدية الشيخ، فلمَّا فتحتْها صاحت بأعلى صوتها: أبي.. أبي.. إنه أبي، جدُّك يا حبيب.

 

لقد كانت الهدية ثوبًا كان لوالدته أيام صباها، وهو من أجمل ثيابها؛ إذ كانت تلبسه في الأعياد والمناسبات، لذلك كانت تعرفه تمامًا، لقد احتفظ أهلها به كل تلك المدة وهم يأمُلون أن تعود إليهم ابنتهم في يوم من الأيام.

 

قالت أم حبيب: خذني إليهم، لقد وجدنا من كنا نبحث عنهم.

 

وعد حبيب أمه بأن يأخذها إلى بيت أبيها في أقرب وقت، وبعد أيام شد حبيب الرحال وانطلق مع أمه وأخويه باتجاه بلدة جده.

 

وبعد مسيرة يومين وصل حبيب إلى القرية ثم سألت أم حبيب أحد المارة عن بيت والدها (توفيل) فأخبروها عنه، وكم كانت المفاجأة للجد كبيرة عندما شاهد حبيبًا يعود ومعه أمه، فصرخ من شدة الفرح: مريم.. ابنتي مريم.. وأخذها بين ذراعيه، وهُرعت أمُّها إليها وأخواتها يُقبِّلنَها ودموع الفرح مُنهمِرة من العيون.. لقد الْتأم شمل العائلة بعد غياب دام عشرين عامًا.

 

قال حبيب للجد: كيف عرفتني يا جدي؟!

قال الجد: لم تخْفَ عني ملامِحُك، ففيك شبه كبير من والدك ووالدتك، فأنا أعرفه أيضًا ولا تزال صورته محفورة في ذاكرتي لا تُفارقني، فكنت كلما نظرت إليك تمشي بين الجنود، تحرَّك قلبي تجاهك، وأحسستُ بأن دمي يشتد في جريانه لرؤيتك، فوقع في روعي أنك ابن ابنتي لا محالة.

 

قال حبيب: وأنا لا أخفي عليك يا جدي أنني أحسستُ بمَيل نحوك لما رأيتُك، وأشفقتُ عليك عندما رأيتك مع الأسرى، وتمنيت ألا تكون وقعت في الأسر.

 

قال الجد مقاطعًا: لا.. اسكت يا حبيب، كان الأسر نعمةً كُبرى.. كان سببًا ردَّ عليَّ ابنتي.

 

وبعد أن مكث حبيب عند جده بضعة أيام كان يؤدي فيها الصلاة بأوقاتها مع أمه وأخويه، بدأ الجد يتفهم الإسلام رويدًا رويدًا، فقال: أرى أن الإسلام ألبسك حلة من نور تبدو على محياك يا بني، وكذلك ابنتي، لم تَعُد كما عرفتها من قبل، طهر وعفاف وثقة بالله كبيرة، ها هي الآن تبدو مختلفة عن أخواتها، إن في الإسلام سرًّا، أريد أن أكون مسلمًا!

 

قال حبيب: حقًّا يا جدي؟! إنها لبُشرى عظيمة، وفرحة كبيرة تفوق فرحة اللقاء ولمِّ الشمل.

 

وهكذا أعلن الشيخ إسلامه، وأسلم معه أهل بيته، وزوجته وبناته.

 

قال حبيب: أليس لك أبناء يا جدي؟

قال الجد: رُزقت بأربع بنات فقط، فأنت ابني.

 

ثم ضمَّه إلى صدره والسعادة تملأ قلوبهم، تَغمُرهم عناية الله، وتحفُّهم رحمته، لقد بدَّل الله خوفهم أمنًا، وضلالهم هداية، فعاشوا تحت لواء الإسلام يَنعمون بظلاله الوارفة.

 

معاني الكلمات

الكلمة

معناها

الكلمة

معناها

ميامين

مفردها: ميمون؛ مبارك

التابعون

الجيل الذي أتى بعد الصحابة

يقدُّ

يَكسِر

البأس

القوة

المراس

الشدة

نخَر

صوَّت بأنفِه

لكَز فرسه

ضربه بكعب قدمه

خرَّ

سقَط

لا تَنبس ببنت شفة

لا تتكلم ولا تُحرِّك شفتيها

إغضاء الطرف

تحويل البصر

نياط

أربطة القلب

شهامته

نُبْل أخلاقه

متذرِّعًا

أبدى حُجَّة

الفراسة

المهارة في معرفة طبائع الناس

أقرانه

المساوون له في السن

الشبل

ولد الأسد الصغير

تمرد

نقض العهد من الأعداء

وطأة

شدَّة وصعوبة

أضمَرَ

كتم

سبيًا

أَسْرًا

النشاب

السهام

يجترُّ الأحزان

يُعيدها ويتذكَّرها دون انقطاع

حامية الوطيس

شديدة

يستَحِثُّه

يلحُّ عليه

للإيقاع

للتخلص

شنُّ الغارات

بدء الغارات





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حلم الصغير (قصة للأطفال)
  • رحلة في بطن الحوت (قصة للأطفال)
  • الفلاح والجاهل (قصة للأطفال)
  • الصندوق والكنز ( قصة للأطفال )
  • حكاية سمير ( قصة للأطفال )

مختارات من الشبكة

  • ربيعة البطل، وأي بطل!(مقالة - حضارة الكلمة)
  • بطل .. بطل (بطاقة أدبية)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • يوسف النبي البطل صانع التاريخ(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • البطل الصنديد خالد بن الوليد (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البطل ترونوجويو نمر إندونيسيا(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من أنت أيها البطل؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • البطل الهمام (قصيدة تفعيلة)(مقالة - موقع الدكتور وليد قصاب)
  • بناء شخصية البطل حمدان في رواية الثائر الأحمر لعلي أحمد باكثير(مقالة - حضارة الكلمة)
  • عمر الخليفة العادل، وعمير الأمير البطل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • رسالة إلى البطل المدعوس وأمه(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
3- عمل رائع
محمد ربيع - المملكة العربية السعودية 23-03-2024 05:52 AM

جزاكم الله خيرا وجعله في ميزان حسناتكم

2- قصة رائعة
بلال - مصر 13-10-2015 12:54 AM

شكرا لكم
جزاكم الله خيرا

1- شكرلى كاتب القصة
zinab - مصر 06-07-2014 05:47 PM

قصة جيدة جدا جزاك الله كل خير

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب