• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم من المنظور الإسلامي
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. د. عبدالحليم عويس / مقالات
علامة باركود

تاريخنا وحضارتنا.. من التفسيرات الإسقاطية إلى التوظيف الحضاري

تاريخنا وحضارتنا.. من التفسيرات الإسقاطية إلى التوظيف الحضاري
أ. د. عبدالحليم عويس

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/11/2014 ميلادي - 15/1/1436 هجري

الزيارات: 10405

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تاريخنا وحضارتنا

من التفسيرات الإسقاطية إلى التوظيف الحضاري


• بعيدًا عن الإسقاطات والتفسيرات التحريفية لتاريخنا، يجب أن نلتفت إلى ضرورة توظيف تاريخنا الحضاري في خدمة واقعنا واستشرافاتنا المستقبلية.

 

• إننا لن نعيش في (جنة) الماضي غافلين عن المستقبل، بل سندرس كل تاريخنا البشري - بإيجابياته وسلبياته - لنستفيد من تجارِب الإيجاب والسلب معًا، وهذا هو المنهج القرآني في فقه التاريخ، وكلُّ الأمم الناهضة من حولنا تجعل من تاريخها ذاكرةً تستلهمها، فلسنا بِدْعًا في ذلك!

 

ومنذ وَعَى الإنسانُ معانيَ التاريخ والحضارة والحكمة (الفلسفية)، وهو يوجه الوقائع التاريخية لخدمة عقائده وأفكاره، ويفسرها تفسيرًا يحدد لها إطار مستقبله في ضوء الثوابت والخلفيات التي ورِثها وآمن بها، وترسَّبت في وعيه التاريخي.

 

• وشيئًا فشيئًا حاول الإنسان غربلةَ بعض أفكاره، والوصول إلى قدر من الموضوعية، يتلاءم مع المنطق والعقل، وفي أحيان كثيرة اضطر إلى تفسير أفكاره وعقائده تفسيرًا يحاول أن ينسجمَ مع المنطق، ومع الموروث والمعتقد في نسيج واحد!

 

• ومهما وضع اليهود والنصارى من لافتات علمية وموضوعية، فمن المؤكد أنهم قد تأثَّروا بعقائدهم تأثرًا كبيرًا ومباشرًا في تفسيرهم للتاريخ وتقسيمهم لمراحله.

 

• وقد بدأ النصارى تاريخَهم وتنظيرهم بما بدأت به التوراة، فرجعوا إلى (الجنة) التي عاش فيها آدم وحواء قبل هبوطهما على الأرض، وقسموا التاريخ إلى قسمين رئيسيين، هما:

• المرحلة التي سبقت خروج آدم من الجنة، والمرحلة التي أعقبت ذلك الخروج، وبالمثل فإن اليهود قد استخدموا وقائع طردهم من القدس أساسًا لتاريخهم وترتيبهم الزمني للأحداث.

 

• أما الإغريق، فأتوا بفكرة مماثلة، وهي فكرة اضمحلالهم بعد أن كانوا في عصر ذهبي، وقسَّم أحدهم عصور التاريخ إلى خمسة أقسام هي: الذهبي، والفضي، والبرونزي، وعصر الأبطال، والعصر الحديدي.

 

أما الآباء المسيحيون الأُوَل، فقد جعلوا العصر الذهبي قرينًا بالعصر الذي عاش فيه الإنسان في الجنة، ثم ما تبعه من وقوع الخطيئة[1].

 

• وجاء مؤرخو العصور الوسطى (الأوروبية) فتأثروا بهذه التقسيمات، وصاغوها صياغات أخرى، واعتبروا العصر الوسيط استمرارًا للإمبراطورية الرومانية، واعتبر المؤرخ (بلوندوس) (1463م) أن العصورَ الوسطى حِقبةٌ انفصلت فيها شعوب أوروبا الغربية عن روما، ثم جاء المؤرخ الهولندي (كرستوف كيلر) بتقسيم عصور التاريخ إلى أقسامه التقليدية الثلاثة المشبعة بالروح الكنسية، وهي التاريخ القديم الذي ينتهي بعصر قسطنطين العظيم، والتاريخ الوسيط الذي ينتهي بسقوط القسطنطينية سنة (1453م)، ثم التاريخ الحديث من سنة (1453م) فصاعدًا[2].

 

• وكان ظهور "مارتن لوثر" عودة جديدة إلى الرؤية النصرانية للتاريخ، بل إن حركة الإصلاح الديني بقيادة (كالفن) و(لوثر) أعطت الجهد البشريَّ في تفسير التاريخ تقديرًا أقل مما أعطته له الكنيسة في سالف عهدها، ولم يقتصرِ الأمرُ على أن تصبح العقيدة الدينية، والمنظمات التابعة لها هي صاحبةَ المقام الأكبر والأول في مقام البحث التاريخي، بل إن التاريخ العالمي صُوِّر مرة أخرى على أنه الصراع الكبير بين الله والشيطان[3].

 

• ومع نهاية العصور الوسطى النصرانية، وبداية عصر الكشوفات الجغرافية، وخروج الأوروبيين في حركتهم التوسعية الاستعمارية، وانتشارهم في البحار وعلى اليابسة، وتعرفهم على الكرة الأرضية، ومحاولتهم السيطرة عليها لحسابهم الخاص - دون نظر إلى الحضارة الإنسانية العامة ومصلحة البشر- في هذا الوقت نفسه الذي ذهب فيه (ماجلان وكولومبس وفاسكودى جاما) يكتشفون العالم، وكان هناك آخرون من أمثال: (برونوكوبر ينكس وجاليليو وكبلر ونيوتن) يكتشفون خصائص النظام الكوني، وحركة الكواكب، واستطاع كلٌّ من (بيكون وديكارت وجون لوك) أن ينظموا مغزى الاكتشافات العالمية في فكر فلسفي مستقيم؛ في هذا الوقت ظهر مؤرخون يحاولون أن يقدموا تفسيرًا اجتماعيًّا، يتساوق مع الاكتشافات الجغرافية الكونية، وتألقت فكرة (تطور المجتمع) تطورًا منتظمًا، شأنه في ذلك شأن الطبيعة، وكان أبطال هذا التوظيف توظيفًا يتساوق مع الاكتشافات الأوروبية هم: (فيكو وهيوم وفولتير وكانت وجودوين وكندورسيه).

 

• وقد ظهر تأثير هذه الفلسفة الطبيعية، وكذلك رد فعل الفلسفة الاجتماعية على كتابات التاريخ في كتابات المدرسة العقلانية للمؤرخين في القرن الثامن عشر، وأهم ما جاءت به هذه المدرسة هو اتجاهها العام نحو توسيع التاريخ، بحيث يتعدى نطاق الكنيسة والدولة، ويشمل تاريخ المجتمع والتجارة والصناعة والحضارة في أوسع معانيها[4].

 

• ولم تَنْجُ فلسفة التاريخ من التوظيف؛ فهي مثل منهج البحث التاريخي تعرَّضت منذ نشأتها للتوجيه الفكري والقومي والعقائدي؛ فالمؤرخون النصارى بدءًا من (إيزيبوس) حتى (بوسويه) كانت لهم فلسفة تاريخية قائمة على النصرانية، وكان (فيكو) يمثل المرحلة الرومانسية في كثير من النواحي، ولا سيما فكرته عن التغيرات التي تطرأ على الروح الاجتماعية، وفكرته عن يد الله في صنع أحداث التاريخ، وكان يرى أن التقدم يتم على شكل دائري حلزوني، وقد قسم مراحل التطور التاريخي إلى ثلاث مراحل رئيسية، وهي: الإلهية، والبطولية، والإنسانية[5].

 

• أما المدرسة الألمانية وعلى رأسها (هرد، وعمانويل كانت، وفيخته)، فقد ظهر واضحًا إيمانها بالعنصر الألماني، وبالواقعية التي يمتاز بها هذا العنصر، وبالحصيلة الديناميكية للدوافع الشخصية، ونتاج العمل والتزاوج بين الظروف الخارجية والروح الداخلية، وقد قال (فيخته) بصراحة في كتابه: "رسائل إلى الأمة الألمانية" (سنة 1807م): "إن الأمل في المستقبل معقودٌ على الشعوب الألمانية؛ فهذه الشعوب مكونة من عنصر نقي، غير مختلط، له معين لا ينضب من الحياة الرُّوحية ومن القوة"[6].

 

ولئن كانت هناك روابط مشتركة باعتبار عوامل التأثير والتأثر بين البلاد الأوربية ذات التفاعل الحضاري المتقارب، إلا أن التوظيف القومي والوطني والمذهبي كان واضحًا في كل هذه المدارس، وحتى عندما جاءت الفلسفة المادية الماركسية، فإنها قامت بتوظيف التاريخ وفلسفته للفكرة الأيديولوجية المسبقة، وأرغمت الحقائق التاريخية على أن تكون في خدمة الطبقة العاملة والصراع الطبقي، وسيادة طبقة البروليتاريا، وسقوط الرأسمالية أمام معاول الشيوعية، كما وظَّفتْه لخدمة الحرب على كل الأديان، وإعلاء راية الإلحاد، ثم جاء أرنولد توينبي ليقدم تفسيرًا أكثر (تفاؤلية) و(لاهوتية) يواجه به التفسير المادي، فكان تاريخه سلاحًا في يد الكتلة الغربية الليبرالية، واجهت به في أشد ساعات المحنة انتشارَ الفلسفة المادية الماركسية التي خضع لها ذات يوم مئاتُ الملايين من البشر.

 

أما (أزوالد شبنجلر) الذي يظنه البعض أكثر حيادًا بالنسبة لآرائه في فلسفة التاريخ؛ حيث أعلن (اضمحلال الغرب، وسقوط الحضارة الغربية)، وأظهر تشاؤمه من المستقبل، وذكر أن الحضارة تمر بدورة حلزونية رباعية؛ هي الربيع والصيف والخريف والشتاء، وأكد أن الحضارة الأوروبية تمر الآن بشتائها القاسي.

 

لقد كان (شبنجلر) أوروبيًّا مخلصًا في الحقيقة، لكن إخلاصه - وهو يوظف فلسفة التاريخ لحضارته - كان مثل توينبي، إنه إخلاص الطبيب الصادق للمريض في مرحلة لا تحتمل الحلول العاطفية!

 

وبعد شبنجلر سار فلاسفة آخرون أوروبيون على المنهج نفسه في توظيف التاريخ وتفسيره لخدمة الحضارة الأوروبية والرؤية النصرانية أو العَلْمانية للتاريخ.

••••


وهكذا، ومن خلال هذا العرض، يتجلى لنا أنه منذ خمسة قرون - على الأقل - والبحث عن المنهج التاريخي الأصلح لكتابة التاريخ الإنساني وفلسفة التاريخ يحتلُّ من المفكرين والمؤرخين في العالم مكانةً عظيمة، وتُبذل فيه جهودٌ شاقة رائعة، سواء اختلفنا معها أم اتفقنا، وبالطبع ليس لنا في هذا المقام أن نتجاهل دور العلامة عبدالرحمن بن خلدون في إيقاظ هذا الوعي التاريخي على المستوى العالميِّ كله.

 

ويعد العالِمُ الإسلامي - مع ذلك وللأسف - نشازًا في هذا البحث اللاهث، فلا زال البحث التاريخي لا يهتم إلا في القليل بقضيتَي منهج البحث التاريخي وفلسفة التاريخ، فضلاً عن التوظيف لتجرِبتنا الحضارية في مراجعة مشكلات الواقع وأعباء المستقبل.

 

والنظر إلى قائمة الأطروحات العلمية التي قُدمت في جامعات العالم الإسلامي في أقسام التاريخ والحضارة، بالإضافة إلى بحوث المؤرخين والمفكرين - يُؤكد هذه الحقيقة.

 

لكن القضية بدأت تطرح نفسها علينا بعمق بعد أن بطَلتْ مقولةُ إقامة السور الحديدي الفكري بيننا وبين العالم الأوروبي؛ لحماية أنفسنا من أفكاره ومناهجه، فضلاً عن عبثية هذه المقولة في ظل الأساليب الحضارية المعاصرة؛ فإنها أيضًا مقولة لا تخدمنا حتى ولو نجحنا في تطبيقها!

 

إننا لا بد أن نبحث في بنائنا الداخلي، وفي تطوير كياننا، وفي البحث عن وسائل القوة في داخلنا ومن خارجنا، وفي فقه سنن الله الكونية والاجتماعية في التطور والبقاء، ولا سبيل لبقائنا في هذا العالم إلا عن هذا الطريق.

 

إن تشريحًا قويًّا يجب أن نقوم به - بإخلاص وجرأة - لتجربتنا في التاريخ، وإننا يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا في الاعتراف بالحقيقة كما هي، وفي تقويم هذه الحقيقة على ضوء الثوابت الإلهية التي نؤمن بأنها (المطلق)، و(المثل العليا الحضارية) لنا وللإنسانية.

 

وجدير بالذكر أنه لم يَعُدْ ممكنًا كتابةُ التاريخ غير مرتبط بتفسيره؛ وذلك أن المنهج العلمي لكتابة التاريخ يُحكم الوشائج بين قَبول الواقعة روايةً (نقلاً)، وقبولها درايةً (عقلاً)[7].

 

وقد أصبح (فقه البيئة) الاجتماعية والنفسية والثقافية المسيطرة من أركان قبول الواقعة، والحكم عليها منذ عصر ابن خلدون، ومهما كان لتفسير التاريخ من كيان مستقل، فإن أجزاءً كثيرة منه - على الأقل في معطياته الأولى - ستبقى مرتبطةً بالوقائع التاريخية الجزئية لا تنفصل عنها[8].

 

إن هذه مُسلَّمةٌ أغفلها المسلمون، وبحثت عنها البشرية طويلاً!

 

وفي ضوء هذا البحث الإنساني الدؤوب عن تفسير إنساني موضوعي للتاريخ، يتبدَّى لنا أنه من حق الشرائح الإنسانية كلها أن تقدمَ ما لديها وصولاً إلى بعض المفاتيح - وليس كل المفاتيح - لحركة التاريخ والكون.

 

وفي الوقت نفسه يجب على المسلمين أن يتقدموا - إنصافًا لرسالتهم وحضارتهم - بجهودِهم في مجال فلسفة كونية وتاريخية أصلية، تقوم على ركائز التصور الإسلامي الأساسي.

 

ولعل أهمَّ ما يميز الرؤيةَ الإسلامية للتاريخ ويوجبها: أن لها ثوابتَ تتصل بالقوانين والسنن الكونية التي لا تتغير، وتتصل بالفطرة الإنسانية المركوزة في الإنسان، والتي لا تتغير هي كذلك وإن اختلفت وسائل التعبير عنها، ويعد تشويه الفطرة اعتداءً على (إنسانية الإنسان).

 

وأهم فَرْقٍ بين التصور الإسلامي والتصورات الوضعية التي لا ترى علمية تفسير التاريخ: أن الإسلام يؤمن بثوابتَ فطرية مركوزة في الإنسان لا تتغير، وهؤلاء يرون أن الإنسان يتطور في بنائه الأساسي العضوي والنفسي والقِيمي.

 

ويرى التصور الإسلامي أن الجانب المعرفي والفكري يتطور في الإنسان، لكن ذلك أيضًا يحتاج إلى ضوابطَ وعناصر تكمِّلُه، فثمة معارفُ ثابتة يجب على الإنسان أن يتلقاها نقلاً لا عقلاً، وهو - بطبيعته ذاتِ الطاقة المحدودة - عاجزٌ عن إدراك تفصيلاتها بعقله، وثمة مُسلَّمات في الجانب المعرفي الكوني والاجتماعي يجبُ التسليمُ بها.

 

وبعد ذلك، فالمجال مفتوح لعمل العقل في مساحة واسعة تنتظم تسخير الكون، ومجالات العلوم والفنون والآداب، وفقه النفس الإنسانية والطاقات الإنسانية المختلفة، وفي استكشاف عظمة الله من خلال تدبُّرِ آياته في الكون والنفس، وبالتالي استخلاص القوانين الطبيعية والاجتماعية.

••••


إن قراءة تاريخنا وتاريخ الإنسانية بكل معطياته وشرائحه - عمليةٌ ضرورية لكتابته كتابة موضوعية.

 

وقراءة التاريخ لا تعني قراءة الجوانب السياسية، وحياة الحكام، وأخبار الوقائع والحروب، فتلك قراءة قد استهلكت، وأخذت أكثر من حجمها، وامتدت على حساب غيرها، وأعمَتْنا عن قراءة تاريخنا وتاريخ الإنسانية الاجتماعيِّ والاقتصادي والثقافي، ومن شأن قراءةٍ عاجزة كهذه ألا تصلَ بنا إلى اكتشافِ السنن الفاعلة والعوامل المتحرِّكة.

 

• إن تاريخنا ليس فردًا في هذا المجال؛ فمعظم تواريخ العالم - إن لم يكن كلها - يشوبُها سلوك معظم حكامها وعسكريِّيها، أباطرة كانوا أو قياصرة، أو أكاسرة أو ملوكًا[9].

 

• فكيف يُصبح هؤلاء محورَ الدراسة التاريخية والحضارية، مع أنهم يمثِّلون أكبرَ جوانب السلب فيها؟!

 

• وإن عظمة كثيرٍ من الحضارات - وعلى رأسها الحضارة الإسلامية - أنها بقِيت مصونةَ الجوهر، بالرغم من الفساد الذي يجلبه هؤلاء!

 

• وأخيرًا، فإننا عندما نتجه - عمليًّا وبصورة جماعية - للبحث في أساسيات هذا التفسير، فإن علينا أن نعيد قراءة حولياتنا التاريخية، وموسوعاتنا الحضارية، وكتب الفقه والأدب والرجال والطبقات، باذلين معظم الجهد في التعرف على حياتنا الحضارية التي تقوم على قضايا العقيدة والفكر والثقافة والعلم أولاً، وعلى النشاط الاجتماعي ثانيًا، والنشاطِ السياسي والعسكري ثالثًا!

 

• ومن الواجب أن نصهر كلَّ هذه الجوانب أو العناصر في بُوتقة واحدة؛ لأن الفعل الحضاري يتأثَّر بالبيئة كلها، مراعين - في الوقت نفسه - النسبةَ المحددة لكل نشاط، وأثره في الحضارة، ومراعين - أيضًا - ترتيبَ العناصر وَفْق أولوياتها والنسب المحددة لها.

 

• إن المنهج الصحيح للتعرف على المجتمع الإسلامي، يقتضي التعرفَ على الأسس الفكرية، والضوابط الأخلاقية، والنظم المالية والقضائية والتجارية والسياسية، وأهم المؤسسات وعلى رأسها المسجد، ودُور العلم ومقرراتها ومناهجها، والقِيم الموجهة لها، ومقاصدها التربوية.

 

• كما يقتضي رصد حركة أو سلوك الشعب في الأسواق، وفي الزراعة والتجارة والصناعة، وفي حركة الجهاد المنظم أو التطوعي (المطوعة والمرابطين)، ويقتضي أيضًا مراقبة نوع حياتهم في المواسم المختلفة، عبادية أو ترويحية عبادية، مثل حياتهم في رمضان، والتزامهم بصيامه، وقيام ليله، ومثل سلوكهم في موسم الحج إن حجوا، أو تفاعلهم معه إذا لم يحجوا، وسلوكهم في الأعياد الإسلامية: يوم الجمعة، وعيد الفطر، وعيد الأضحى، ومناسبات الزواج، والولادة (العقيقة)، والأضاحي.



[1] هاري المربانز: تاريخ الكتابة التاريخية، ترجمة/ محمد عبدالرحمن برج 1/32، طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة (1984م).

[2] هاري المربانز: تاريخ الكتابة التاريخية 1/33.

[3] المرجع السابق ص: 175 - 176.

[4] هاري المربانز: تاريخ الكتابة التاريخية 1/210 - 212، بتصرف.

[5] المرجع السابق، ص: 226، 267، 268، بتصرف.

[6] المكان السابق.

[7] يضرب الدكتور الجابري مثلاً يستدل على استحالة إخضاع القرآن للدراسة التأويلية التطويرية لثبوت نسبته لله بخلاف غيره من الكتب؛ ذلك أن الصحابة المتقاتلين (جميعًا) في "صِفِّين" أجمعوا على الخضوع للمصحف الذي رفعه أنصار معاوية، فنسبة القرآن لله لا يرقى إليها شك.

[8] لكل عصر مناخه (أخلاقياته) وعاداته السائدة؛ فجيل كجيل الصحابة - رضوان الله عليهم - لا يمكن أن يتواطؤوا على نص للرسول - عليه الصلاة والسلام - وهم الذين كانوا يَبيعون الدنيا من أجل الدفاع عن دين الله، وهم يعلمون بأن النار مصيرُ مَن يكذب على الرسول(!!).

[9] ومع قولنا هذا، فنحن لا نسلِّم بالمقولات الشائعة الباطلة عن كثير من حكَّام الخلافات والدول الإسلامية، وندعو إلى دراستهم دراسة موضوعية منصفة، وسوف نكتشف جديدًا وعجيبًا!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التاريخ الإسلامي عرضة للتشويه من قبل أبنائه
  • كم تجيد توظيف المواقف؟
  • شريعتنا نهضة وحضارة كلها

مختارات من الشبكة

  • صراع الحضارات المزعوم من منظور تاريخ العلم: تاريخ الرياضيات العربية مثلا (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التاريخ الهجري هو تاريخنا(مقالة - موقع د. محمد بن لطفي الصباغ)
  • حضارة العدل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تاريخ النظم العلمي في الحضارة الإسلامية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الإعلام والحضارة الإسلامية(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • الحضارة الإسلامية حضارة سلام لا إرهاب (PDF)(كتاب - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • تطور منهج التوثيق في الحضارة الإسلامية وواقع التوثيق في الحضارة الحديثة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حضارتنا تبدأ حيث تنتهي الحضارات (2)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حضارتنا تبدأ حيث تنتهي الحضارات (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المسلمون وحضارة الأنبياء قادة الحضارات(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب