• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي / بحوث ودراسات
علامة باركود

المشاركة في الانتخابات البرلمانية

أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي

المصدر: موقع: الإسلام اليوم

تاريخ الإضافة: 2/5/2011 ميلادي - 28/5/1432 هجري

الزيارات: 19261

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مازال موضوع دخول الإسلاميين من علماء ودعاة ومفكرين في معترك السياسة محل أخذ ورد أو تردد من قبل كثير من الباحثين أو المتحاورين.

 

سواء كان هذا المعترك انتخابًا أو وظائف عليا في مجال التنظيم (التشريع) أو التنفيذ أو القضاء.

 

والتردد في العمل السياسي قديم، ولا سيما في تولي القضاء، ولكن ذلك التردد ليس بين الحل والحرمة، ولكن بين الجواز والكراهة من منطلق الورع.

 

وأساس هذا الورع - فيما يبدو - أمران:

الأول: خطورة المنصب (القضاء) ذاته.

 

الثاني: أن ولاية القضاء متفرعة من الإمامة الكبرى التي كان يتعاقبها خلفاء متفاوتون في العدالة؛ إلا أن الغالب عليهم الفسوق بعد الخلافة الراشدة، الأمر الذي جعل كثيرًا من أهل العلم والورع يزهدون في كل منصب يرتبط بأولئك الخلفاء حذرًا وخوفًا من إقرارهم على ظلمهم، أو لأن الرزق الذي يأتيهم عن طريق أولئك ليس حلالًا صرفًا في ظنهم.

 

بيد أن عددًا لا يستهان به من أهل العلم والفضل لم يترددوا في تولي تلك الولايات تغليبًا للمصلحة.

 

وإذا ما انتقلنا إلى واقعنا المعاصر؛ سيبدو لنا واقع مختلف عن واقع العصور الإسلامية السابقة، ويتجلى هذا الواقع بطغيان العلمانية على مسرح الحياة بحيث اختلفت النظرة والتعامل مع الدين الإسلامي، فبعد أن كان الدين له الهيمنة الكاملة أو شبه الكاملة على تصرفات الأفراد والمجتمع، أصبح لا يكاد يتجاوز تصرفات الأفراد، إذا ما استثنينا بعض المجتمعات المسلمة، كمجتمع شبه الجزيرة العربية، هذا مع الاختلاف النسبي بين تلك المجتمعات أو الدول من حيث التزامها بالتشريع الإسلامي، أو عدم الالتزام.

 

وعلى رغم أن العلمنة (فصل الدين عن الحياة) منهج غريب على الأمة المسلمة، إلا أنه شاع فكرًا وتطبيقاً، حتى أصبح الالتزام بتطبيق الشريعة أو الدعوة إلى التطبيق سبة أو تهمة تلصق بأهل الإسلام، وشارك في الترويج لهذه الفكرة جملة من مثقفي المسلمين.

 

من هنا اختلفت نظرة كثير من الإسلاميين نحو هذا الواقع المضطرب، وتكييفه، من ناظر إلى هذه المجتمعات بمؤسساتها وأفرادها على أنها انحرفت عن سبيل الهدى، وأن التصحيح لابد أن يكون جذرياً عن طريق التغيير السياسي، ثم هل يكون ذلك بالانقلاب مثلاً، أو بالمنافسة الحادة في العمل السياسي؟

 

أو يكون بإحداث الشغب وبث الرعب في قلوب الساسة وأعوانهم؟

 

وقد يكون في بعض هؤلاء من استولى عليه اليأس من صلاح الأمة وعودتها إلى طريق الحق، فآثر العزلة الفكرية، أو شارك بفكر سلبي، لبوسه اليأس والوهن.

 

ومن ناظر إلى هذه المجتمعات على أنها مازالت على سبيل الرشد والاستقامة، سواء في ذلك سلوك الأفراد أو المؤسسات والدول، فانبرى يصحح الواقع ويبرره، ويدين كل دعوة أو خطوة يقوم بها دعاة الإصلاح، وربما أصدر أحكاماً صارمة لا هوادة فيها، تحت ذريعة (الابتداع، أو الشذوذ، أو الخروج) ولم يفرق هؤلاء بين دولة ودولة، أو مجتمع وآخر، ولعل أقسى السيوف التي رفعت في وجه بعض الدعاة سيف (التكفير والتبديع)؛ فاضطربت الأقوال والأحكام، وضاع الحق بين ذلك.

 

ومن ناظر إلى هذه المجتمعات بأنها أرض خصبة صالحة للدعوة والإصلاح، مع ما فيها من الوهن، لكن كيف السعي إلى إصلاحها؟

 

قد يرى بعضهم أن الإصلاح يكون بالتربية وبث الوعي، وقد يرى آخرون أنه يكون بالمشاركة السياسية، وهكذا...

 

لذا لا نستغرب إذا ما اختلفت رؤية أهل العلم والفكر، أو مواقفهم نحو المشاركة في الانتخابات البرلمانية.

 

وقد يصعب على الباحث تحديد كل رؤية أو موقف على وجه الدقة، مع معرفة الأدلة بالتفصيل.

 

تلك مقدمة لابد منها قبل الدخول في الموضوع (مشاركة الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية).

 

وموضوعنا كما يبدو له شقان:

الأول: حكم المشاركة في الانتخابات.

الثاني: حكم الانتخابات.

 

ولا يتصور الجواب عن الشق الأول إلا بعد تصور الشق الثاني، الأمر الذي يفرض تقديم الحديث عن الأخير قبل الأول.

 

والحديث عن الموضوع برمته يتطلب تقديم قواعد تمهيدية قد تكون من عوامل تقريب الموضوع إلى الذهن والخروج به من كثير من مواطن الاشتباه، أو مفترقات الطرقات.

 

وأهم هذه القواعد:

القاعدة الأولى: الإسلام كلٌّ لا يتجزأ، وأحكامه سلسلة متصل بعضها ببعض.

 

فالعبادات والمعاملات متداخلة، ويصعب الفصل بينها، وجذورها متصلة بالعقائد والأخلاق، وذلك مما لا شك فيه.

 

القاعدة الثانية: أن الولايات العامة؛ كالإمامة الكبرى، والقضاء، والوزارة، والإمارة، والحسبة، وما إليها، كلها ذات طابع ديني، أي أنها شرعية؛ حتى وإن كانت لتنظيم شؤون الحياة الدنيا، كالمواصلات، والاتصالات والصحة والطاقة... وغيرها.

 

ولهذا قال العلماء في تعريف الخلافة أو الإمامة: إنها "موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا" [الأحكام السلطانية للماوردي ص 5].

 

ويقول الإمام ابن تيمية: "يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين؛ بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها... فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرب بها إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات" [مجموع الفتاوى 28/390].

 

القاعدة الثالثة: انتقال الولايات إلى غير الأمناء لا يسلبها الشرعية، وذلك أن (الشرعية) صفة ملازمة لتلك الولايات، فالقضاء مثلاً هو ولاية شرعية جليلة، فإذا كان قد تحول في بعض البلدان الإسلامية إلى قضاء قانوني صرف، وتولاها علماء القانون دون أهل الشريعة، فهذا الوضع لا يغير من أهمية القضاء وشرعيته شيئًا.

 

وواجب على المسلم الذي يتولى هذا المنصب أن يعدل فيه ويحكم وفق الشرع المطهر، ولا يجوز له أن يتخلى عن هذا المنصب إذا كان باستطاعته أن يحكم بالتنزيل.

 

القاعدة الرابعة: أن العلماء مسؤولون عن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم-، مسلمهم وكافرهم، وعن المجتمع المسلم بوجه خاص، سواء من حيث أفراده، أو من حيث مؤسساته.

 

وأساس هذه المسؤولية، هو وجوب التبليغ عليهم؛ فهم أمناء الرسل، ونوابهم في تبليغ الرسالات، ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187].

 

وفي الحديث: (ليبلغ الشاهد الغائب) متفق عليه، وهذه مهمة شريفة وشاقة إلا على الربانيين منهم، قال سبحانه: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾[آل عمران:79].

 

يقول الإمام الطبري مبيناً حقيقة الرباني: "فالربانيون إذاً هم عماد الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا، ولذلك قال مجاهد: وهم فوق الأحبار، لأن الأحبار هم العلماء، والرباني الجامع إلى العلم والفقه البصرَ بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية وما يصلحهم في دنياهم ودينهم"؛ (ويراجع تفسيره للآية ففيه كلام نفيس).

 

كما أن الحكام والقائمين على مصالح الدنيا مسؤولون أيضاً، وفي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته قال: وحسبت أن قد قال: والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته".

 

القاعدة الخامسة: إن الأحكام الشرعية نوعان في الجملة:

الأول: الأحكام المفصلة، وهي التي جاء بها الشارع مفصلة ومبينة؛ كالتوحيد أو العقيدة، والعبادات، والفرائض، وأحكام الأسرة؛ كالنكاح والطلاق والنفقات والحضانة، وكالحدود والقصاص والديات.

 

الثاني: الأحكام المجملة، وهي التي جاء الشارع بها بطريقة الإجمال، كالمعاملات المالية، والتنظيمات الاجتماعية مثل السياسة والإدارة والتعليم ومثل العقوبات التعزيرية.

 

أما النوع الأول؛ فهو من الثوابت التي لا تتغير، سواء ثبت بالنص، أو بالإجماع، ولا فرق في ذلك بين ما هو قطعي، أو ظني، والخلاف في بعض جزئياتها - وهو موجود قطعًا - محدود، ولا ضير فيه ما لم يؤد إلى النزاع والشقاق.

 

وأما النوع الثاني؛ فهو مما يقبل التغير والتطور بحسب الأحوال والظروف المكانية والزمانية، ما لم يكن في ذلك تجاوز للقواعد والأصول المقررة فيها.

 

فالشركات - على سبيل المثال - هي نموذج لتغير الشكل والصورة عن نظام الشركات المعروف عند الفقهاء المتقدمين.

 

فإذا كانت متفقة مع أصول المعاملات الشرعية؛ فهي صحيحة وإن ظهرت باسم آخر، أو قالب آخر، أو جمعت بين عدد من الشركات المعروفة فقهيًا.

 

القاعدة السادسة: إن النظام السياسي في الإسلام منه المجمل ومنه المفصل، وإن كان الأول هو الغالب.

 

ومن المفصل؛ الحقوق المشروعة لكل من الراعي والرعية، والواجبات على كل منهما.

 

ومنه أيضًا: موضوع الحكم، وهو ما يحكم به الحاكم سواء كان إماماً، أو قاضيًا أو أميرًا أو وزيرًا أو غيرهم.

 

قال الحق تعالى: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [المائدة: 49]، وقال: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 18]؛ فالوحي إذاً هو موضوع الحكم، ولا يتنافى مع ذلك وجود قوانين (أنظمة) إجرائية وتنظيمية، وإذا رتبت هذه الأحكام الشرعية في أبواب وموضوعات معينة فلا ضير في ذلك.

 

أما الجانب المجمل في النظام السياسي - وهو الكثير -؛ فهو عموم الإجراءات التنظيمية، وأساليب التنفيذ، مما يعد تفسيراً وتفصيلاً لقواعده، كالشورى، والبيعة، والنصيحة، والعدل، والرفق، والوفاء بالعهود.

 

يستوي في ذلك ما ينظم شؤون الحياة داخل بلاد الإسلام، وما ينظم العلاقات الخارجية. "وعلى هذا فالتعاليم المنظمة لشؤون المجتمع في كل مجالات السياسة والاقتصاد والدفاع والثقافة والتعليم والمجالات المشابهة هي تعاليم مرنة تقبل تطور الأسلوب التنفيذي لها، فهي وإن كانت ذات هدف واضح ثابت لا يتغير ولا يتبدل، إلا أن طريق تحقيق هذا الهدف ترك مرناً قابلاً للتغيير والتبديل في ضوء ظروف كل مجتمع وزمان" [الدولة وسياسة الحكم في الفقه الإسلامي ـ للدكتور أحمد الحصري 1/91 ].

 

القاعدة السابعة: أن جملة التراتيب (التنظيمات) الإدارية اجتهادية، وليست توقيفية.

وآية ذلك أن التراتيب لم تكن تجري على وتيرة واحدة؛ بل كانت متغيرة من زمان إلى زمان، بل من دولة إلى أخرى، فالتراتيب في عهد الخلفاء الراشدين كانت غيرها في عهد النبوة، وغيرها في العهد الأموي، ثم العهد العباسي... وهكذا.

 

ومعروف أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من دون الدواوين، وأنه عدل عن أحكام في عدد من القضايا كان أبو بكر رضي الله عنه يراها.

 

وعلى هذا فسوابق تراتيب الدولة الإسلامية يؤخذ منها ما يناسب العصر وتقتضيه المصلحة، ومالا يناسب يعدل عنه إلى غيره من تراتيب أخرى.

 

هذه في نظري من أهم القواعد التي ينطلق منها حوارنا في موضوع الانتخابات والمشاركة فيها - صغتها بأسلوبي الخاص - وهي في زعمي محل اتفاق لدى أهل النظر والاهتمام بالنظم الإسلامية.

 

فإذا تقررت هذه القواعد نأتي إلى الموضوع نفسه متسائلين أولًا: هل أسلوب الانتخابات ثم المشاركة فيه يمكن أن يعد ترتيباً من الترتيبات أو التنظيمات الإدارية؟

 

وبصيغة أخرى: هل تولي الولايات العامة من الإمامة والقضاء وعضوية مجالس الشورى أو البرلمانات له أسلوب محدد لا يتغير؟ وما هو؟

 

فإذا تقررت هذه القواعد نأتي إلى الموضوع نفسه متسائلين أولًا: هل أسلوب الانتخابات ثم المشاركة فيه يمكن أن يعد ترتيباً من الترتيبات أو التنظيمات الإدارية؟

 

وبصيغة أخرى: هل تولي الولايات العامة من الإمامة والقضاء وعضوية مجالس الشورى أو البرلمانات له أسلوب محدد لا يتغير؟ وما هو؟

 

والجواب أن الوصول إلى الولايات أو استحقاقها لم يرد به نص معين، وإذا ما أخذنا الولايات منذ العهد الأول للإسلام، أي منذ وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابتداء قيام الخلافة مقام النبوة، ببيعة أبي بكر الصديق؛ فقد ذهب جمهور أهل السنة إلى أن هذه البيعة تمت باتفاق جمهور الصحابة أو أهل الحل والعقد أجمعهم، ولم تكن بنص شرعي.

 

والأدلة على ذلك كثيرة ومبسوطة في كتب الفقه السياسي أو السياسة الشرعية؛ بل في بعض كتب العقائد، ولعل من أقواها أن أحداً من الصحابة لم يحتج في تقديم أبي بكر بنص؛ بل قالوا: رضيك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لديننا أفلا نرضاك لدنيانا؟!.

 

وكذلك قول عمر بعد أن طعن وقيل له: ألا تستخلف؟ فقال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - وإن أترك فقد ترك من هو خير مني، يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

وأما دعوى الشيعة أن النص جاء بتعيين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-؛ فهي دعوى عريضة، ليست أقوى من دعوى النص على أبي بكر؛ بل هي أضعف، سواء من حيث الثبوت أو الدلالة.

 

ورحم الله أبا بكر بن عياش (ت 193) الذي أثبت لنا هذا الموقف، قال: قال لي الرشيد: كيف استخلف أبو بكر رضي الله عنه؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سكت الله وسكت رسوله وسكت المؤمنون؛ فقال: والله ما زدتني إلا عمى، قلت: مرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمانية أيام فدخل عليه بلال؛ فقال: مروا أبا بكر يصلي بالناس، فصلى بالناس ثمانية أيام والوحي ينزل فسكت رسول الله لسكوت الله، وسكت المؤمنون لسكوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأعجبه ذلك وقال: بارك الله فيك. [سير أعلام النبلاء 8/506].

 

وإذا كان لم يرد نص بتحديد شخص بعينه أو بتحديد أسرة بعينها؛ فإنه يبقى الأمر مطلقًا غير مقيد.

 

نعم، ورد أن الأئمة من قريش، ولكن هذا بابه واسع، فدائرة القرشية أوسع من دائرة الشخص أو الأسرة، هذا من وجه، ومن وجه آخر؛ فإنه مقيد بحسب الإمكان، أي إذا وجد المؤهل منهم.

 

ومن وجه ثالث؛ فهذا مقيد بالإمامة الكبرى فقط، دون سائر الولايات الأخرى عامها وخاصها.

 

وبناء على ذلك؛ فالولايات إذاً غير مرتبطة بأشخاص ولا بأسر معينة، وهي من ثم لا تورث؛ بل هي مطلقة، فمن توافرت فيه الشروط فهو أحق بها، فلا تجوز المحاباة بها.

 

ففي الحديث: "من ولى رجلاً على عصابة، وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه؛ فقد خان الله ورسوله والمؤمنين" [رواه الحاكم في مستدركه].

 

وإلى هنا نأتي إلى بيت القصيد في السؤال المتقدم؛ كيف الوصول إلى الولايات والمناصب؟

 

وسيبقى الجواب معنا قائماً على الاحتمالات، وليس ثمة ما يسارع إلى الحسم والقطع؛ لذلك يلزم طرح السؤال التالي: ما الأساليب الممكنة أو الواقعة فعلاً في كيفية الوصول إلى الولايات؟

 

وإذا ما أخذنا التاريخ الإسلامي لاستقراء واقعه الإداري؛ لوجدنا أن المناصب نوعان:

الأول: الإمامة العظمى، وهذه عرف فيها: أسلوب الاختيار، كما حصل في بيعة أبي بكر، وبيعة علي بن أبي طالب، وقد لا يخلو التاريخ من نماذج أخرى مماثلة، وعرف أسلوب الترشيح من الإمام السابق، إما بتعيين ما يعرف بولي العهد، وهذا أسلوب شائع في تاريخ الإسلام السياسي، وإما بتعيين أكثر من شخص ليكون الاختيار لأهل الحل والعقد، كما حصل من فعل عمر، حيث رشح ستة من كبار الصحابة وهم: عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص؛ ليختاروا واحداً منهم -رضي الله عنهم-.

 

وعرف أسلوب آخر، وهو أن ينتصب الإنسان بنفسه، وهذا يكون عادة عند وجود المنافسات بين الزعامات، أو ضعف أهل الحل والعقد، وعرف هذا الأسلوب، بطريق الغلبة والاستيلاء.

 

النوع الثاني: هو الولايات الأخرى غير الإمامة العظمى، وهذه لا يعرف فيها غير أسلوب واحد - فيما أعلم - هو أسلوب التعيين من الإمام الأعظم، أو نائبه.

 

نعم قد يستبد صاحب القرار في الاختيار والتعيين، وقد يستشير أهل الرأي، أو أهل العلم.

 

ذلك في التاريخ الإسلامي، أما في غيره؛ فقد عرفت أساليب عديدة عند الأمم الأخرى، منها ما يشبه الأساليب المتقدمة والمعروفة لدى الأمة المسلمة، ومنها ما يختلف عنها.

 

ولعل أهم الأساليب المختلفة، وراثة الملك من منطلق ديني، كما هو شائع في بعض دول شرق آسيا، وبعض الدول الأفريقية وأمريكا الجنوبية.

 

وأسلوب الانتخاب الذي شاع بين دول الغرب، التي اتخذت من النظام الديمقراطي منهج حياة، وهذا مربط الفرس، فقد تميز هذا النظام بميزات موضوعية (فكرية) وإجرائية تنظيمية:

أما التميز الموضوعي فيتجلى في الآتي:

1- تشريع القوانين بما تقتضيه مصالح البلاد -حسب تصورهم-، وهذا أهم وظائف البرلمان.

 

2- استبعاد الدين -أيًا كان مصدره- من واقع الحياة العامة (سياسة، وإدارة، واقتصادًا، وثقافة، واجتماعًا... إلخ).

 

لذا أصبحت القوانين دنيوية بحتة، ليس للدين أي أثر أو اعتبار فيها، اللهم إلا مجرد النظرة القائمة على المجاملة والاحترام الظاهري، أو النفاقي.

 

3- قيام العلاقات السياسية والاجتماعية والفكرية على الحرية الفردية، وهو مبدأ ديمقراطي يعتز به الغرب الديمقراطي أيما اعتزاز، ويرى أنها مبدأ مقدس لا يساوم عليه.

 

وقد بالغ الغرب في تقديس هذا المبدأ، حتى جعله كالإله.

 

وهذه الحرية، وإن كانت مقيدة بعدم الإضرار بالآخرين، فهي مطلقة بحسب الرغبة والشهوة، أما الدين فلا سلطان له عليها، بل هي الحاكمة عليه.

 

وليس معنى ذلك أنها شر محض؛ بل فيها جوانب إيجابية يذكر منها:

أ- أنها تعطي مريد الحق والداعي إليه مساحة من الحركة والإرادة والاختيار، تجعله يعمل ويفكر في جو هادئ، ليس فيه ضوضائية المراقبة والمحاسبة أو الضغوط الفكرية والنفسية.

 

ب- أنها تشيع الصراحة والشفافية بين الحاكم والمحكوم بحيث تكون العلاقة بينهما متينة وصريحة.

هذا في جانب الميزات أو السمات الموضوعية للنظام الديمقراطي.

 

أما ميزاته الشكلية فتبدو في الآتي:

1- التعددية الحزبية: وهي صفة ملازمة للنظام الديمقراطي، حتى عدها أهل الاختصاص إحدى الضرورات التي تقضي بها طبيعة النظام البرلماني (ينظر: القانون الدستوري والأنظمة السياسية، للدكتور / عبد الحميد متولي ص 108).

 

2- الانتخاب، سواء للرئيس الأعلى، أو لأعضاء البرلمان، وهذا أسلوب ملازم للنظام الديمقراطي، حتى أصبحت الحكومة النيابية (المنتخبة) مبدأ راسخاً من مبادئ الديمقراطية، ثم إن من طبيعة هذا الأسلوب أنه مؤقت بمدة محددة، كخمس سنوات مثلاً أو ثمان أو عشر، بنهايتها تنتهي مدة المنتخب (بفتح الخاء) سواء أكان رئيساً، أم عضواً في البرلمان.

 

ويجري الانتخاب بأساليب مختلفة، منها ما يسمى بالاقتراع العام، والاقتراع المقيد.

 

ويراد بالمقيد: اشتراط شروط معينة كالكفاءة وتوافر نصاب المال في الناخب.

 

ويراد بالعام: مالا يشترط فيه شيء من ذلك في الناخب.

 

ومنها الانتخاب الفردي، والانتخاب بالقائمة.

 

ويراد بالفردي ذلك النظام الذي تقسم فيه البلاد إلى دوائر انتخابية صغيرة، تنتخب كل دائرة نائبًا واحدًا.

 

ويراد بالانتخاب بالقائمة: تقسيم البلاد إلى دوائر انتخابية كبيرة، كل منها ينتخب عددًا معينًا من النواب لا يقل عن ثلاثة.

 

3- فصل السلطات الثلاث بعضها عن بعض، وهي: السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية.

 

وهذا واحد من مبادئ الديمقراطية التي ينادي بها الغرب، ويعتز بها.

 

ومعروف أن السلطة التشريعية تحت قبة البرلمان، والسلطة التنفيذية تحت يد الحكومة (أي رئيس الوزراء ووزراءه)، والسلطة القضائية تحت قبضة القضاة.

 

وهذه الأخيرة لها السلطة العليا في المراقبة على سائر السلطات.

 

فهذه الميزات الثلاث (التعددية الحزبية، والانتخابات، وفصل السلطات) من أبرز السمات الشكلية للنظام الديمقراطي، أو النظام النيابي.

 

وبإعادة النظر الفاحص على تلك الميزات أو السمات الموضوعية والشكلية، يبدو واضحًا أن النوع الأول وهو السمات الموضوعية، يتناقض صراحة مع مبادئ التشريع الإسلامي، فالسمة الأولى وهي وضع القوانين وتشريعها، تتصادم مع أهداف النبوات والرسالات السماوية، لأنها تنازعها ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى: 21].

 

وأما السمة الثانية وهي: فصل الدين عن الحياة، واستبعاده من واقع الحياة الاجتماعية، فهي كسابقتها، إذ فيها تفريق للدين وللحق، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا)﴾ [النساء: 150-151].

 

وأما السمة الثالثة وهي الحرية، فإن فيها الحق وفيها الباطل، فلا يمكن الأخذ بها جملة، ولا يمكن رفضها جملة، بل يتعين تحديد مساحة الحرية المشروعة ليؤخذ بها، ليس لأنها ابتكار غربي أو منحة غربية؛ بل لأنها من طبيعة الحق في الإسلام، لكن ربما عرفت بأسماء ومصطلحات أخرى غير مصطلح (الحرية).

 

وإذا كان هذا المصطلح غير شائع في الفكر الإسلامي فلا يقتضي ذلك رفضه ورده؛ بل المشروع تجاهه وتجاه نظائره من المصطلحات الوافدة أن نحررها بدقة، ونقبل الحق منها، ونطرح ما سواه.

 

أما السمات الشكلية وهي: التعددية الحزبية، والانتخابات، وفصل السلطات، فالذي يبدو لي أنها من جملة التراتيب أو التنظيمات الإجرائية، التي يمكن أن يستفاد منها، وهي مثل النظام التعليمي المعاصر الذي ساد العالم كله تقريباً، حيث أصبح يجري وفق تراتيب صارمة لا يمكن التنازل عنها، كتقسيم المراحل إلى: ابتدائية ومتوسطة وثانوية، وجامعية، ثم دراسات عليا، والطالب لا يتجاوز المرحلة إلا بدراسة منتظمة لجميع المقررات المحددة، وبساعات محددة، وبنسبة محددة أيضًا.

 

وهذا أسلوب غير معروف بهذه التفصيلات عند علماء المسلمين قبل نحو قرن؛ بل لو اقتربنا إلى السياسة أكثر ودخلنا في تراتيبها لوجدنا أن التراتيب المعاصرة تختلف عن سابقاتها، فالدولة في المفهوم المعاصر تختلف عن الدولة في العصور الإسلامية القديمة، حيث أصبحت مسؤولة عن كل شيء، إشرافاً أو تنفيذاً، ولا سيما فيما يعرف بالخدمات، كما أن تعيين الوزراء ومن يماثلهم أو يقاربهم أصبح له أسلوب خاص، سواء من حيث نوع الوزارة واختصاصاتها، أو من حيث تحديد مدة الولاية، وكذلك من حيث توزيع الاختصاصات والصلاحيات والمهمات، فلمجلس الشورى اختصاصات، ولمجلس الوزراء اختصاصات... وهكذا.

 

وإذا ما اتفقنا على أن مثل هذه القضايا (أعني التعددية الحزبية، والانتخابات، وفصل السلطات) أنها من جملة التراتيب، فالذي يحكمها هو مبدأ (جلب المصالح ودرء المفاسد) الذي بني عليه إجراءات كثيرة تمت في العهود الإسلامية، ولا سيما في العهد العمري (نسبة إلى عمر بن الخطاب) الذي أدخلت فيه الدواوين وغيرها.

 

ومن هنا فالذي أرى أن من التكلف والتعسف البحث عن أدلة تفصيلية خاصة على شرعية التعددية أو الانتخاب، وفصل السلطات أو نحوها من القضايا الإجرائية، أو عدم شرعيتها، ومن يفعل ذلك فلن يسلم له دعواه، فالدليل المثبت أو النافي لابد أن يتطرق إلى التأويل أو الاحتمال، وعلى هذا فكل التراتيب والتنظيمات الإجرائية مبناها على المصالح والمفاسد.

 

سيقول قائل: إن تقدير المصالح والمفاسد سيكون محل اختلاف بين أهل العلم أو أهل الرأي والنظر، ومن ثم سيبقى الاختلاف في هذه القضايا؟

 

وهذا أمر وارد فعلًا، إلا أن أصل الدليل لا غبار عليه، فيبقى تحريره ليس إلا.

 

لذلك أرى أن الأمر بحاجة إلى مزيد من الدراسة والبحث والتفكير، من أجل تحديد المصلحة طبيعة وحجماً ومثلها المفسدة، للخروج برأي ناضج.

 

على أنه يجب ألا يفوتنا التنبيه على أمر مهم هو: أن القول بأن مثل الانتخاب ترتيب إجرائي وأنه يجوز الاستفادة من تجارب الآخرين مما لا يتعارض مع التشريع، لا يقتضي بالضرورة قبول المبدأ برمته؛ بل قد يكون فيه المفيد وغير المفيد، أو تجتمع فيه المصلحة والمفسدة، ومن هنا علينا أن نجري الموازنة، فإذا رجحت المصالح والفوائد قبلناه.

 

ثم علينا أن نعبر به من خلال الغربال الشرعي المفصل فنستبعد كل ما هو ضار، دينياً أو دنيويًا.

 

وبهذا الأسلوب في التعامل مع الأفكار والإبداعات الأجنبية نستطيع أن نصهر كل جديد، فندخله إلى الوطن الإسلامي، أو الميدان الإسلامي بثوب إسلامي أصيل.

 

ولنا باللغويين العرب أسوة، فقد كانوا يعربون الألفاظ الأجنبية بطريقة لغوية دقيقة، فيصوغونها صياغة تتفق مع أحد الأوزان اللغوية المعروفة، والمعاجم اللغوية مليئة بالألفاظ المعربة.

 

ومما يمكن تعديله في الانتخاب: قصره على فئات معينة، تتصف بصفات عالية، مثل: العلماء، والقضاة، وأساتذة الجامعات، والحاصلين على الشهادات العليا، ونحوهم من الفئات.

 

ليس من المصلحة، ولا مما يرشد إليه العقل الصحيح أن تفتح مصارع الأبواب كلها لكل من هب ودب من الرعية ليعطي رأيًا أو ينتخب شخصًا، قد لا يعرفه أو لا يسمع به، أو لا يعرف مؤهلات الترشيح وأسبابه، لذا لابد من استبعاد الجاهل، والعامي، وأصحاب الفكر المنحرف، وأصحاب السوابق المخلة بالشرف، وغير المسلمين، وأمثال هؤلاء، والاقتصار على أؤلئك النخب المثقفة.

 

وهذا الأسلوب المنضبط أشبه بنظام (أهل الحل والعقد) المعروف فقهيًا وتاريخيًا، والذي كان له أثره المهم في حياة الأمة المسلمة، مع تفاوت في التأثير من مجتمع إلى آخر، ومن زمان إلى زمان.

 

وقد كان العلماء المبرزون هم أبرز أصناف أهل الحل والعقد، وكان لهم (العلماء) آثار ظاهرة على مدار التاريخ الإسلامي، في مجالات متعددة، يأتي في صدارتها: التعليم والتربية، والإفتاء، والقضاء، والحسبة، وإمامة الصلوات، والخطابة، هذا هو أدنى الأعمال التي كانوا ومازالوا يقومون بها.

 

وقد يتحملون أعمالاً ثقالاً ذات مساس بالحياة السياسية، مثل الشورى، والنصيحة، وتولي بعض الولايات العامة، كالوزارة وإمارة الجيش والجهاد في سبيل الله.

 

وكان يشاركهم في المسؤولية ويساندهم أصناف أخرى من أصحاب الزعامة والرئاسة والجاه، ونحوهم ممن كان يؤثر اقتحام الحياة العامة.

 

ذلك من أهم أعمالهم ووظائفهم، برغم أنهم هيئة ليس لها تنظيم محدد.

 

وفي العصر الحاضر يمكن أن يوضع لها تنظيم دقيق يحدد الصفات والاختصاصات، وتكون كالمجلس الأعلى الذي يشرف على مؤسسات الدولة، وتصرفاتها، كما تكون مسؤولة عن الترشيحات والانتخابات، أما الترشيح فيسند إلى الجهات، كالجامعات، والقضاء، والنوادي الثقافية والأدبية، ومراكز البحوث العلمية، على نمط الترشيح للفائزين بالجوائز الكبرى على سبيل المثال.

 

وأما الانتخابات (التصويت) فيسند إلى منسوبي تلك الجهات، ممن يجمل المؤهلات العلمية، وتتوافر فيه الصفات اللازمة، على نمط (أسلوب الاستبانات) مثلًا.

 

وليس من المهم تحديد الأشخاص، فذلك متعذر،بل يكفي معرفة الصفات، أو الجهات فقط.

 

وفي ظني أن مثل هذا التنظيم المطور يحقق المقاصد الآتية:

أولًا: أنه يحقق النيابة عن الأمة، فإذا كان الولاة في واقع الأمر نوابًا عن الأمة وولاة عليها، فإن من المنتظر أن تكون هذه النيابة جاءت بطريقة مقنعة للأمة، لا عن طريق الاستعلاء وفرض الذات.

 

والمتأمل في واقع الولاية العامة في عهد الخلافة الراشدة أنها جاءت في جملتها عن طريق الشورى والاختيار الحر.

 

وإذا كانت ديمقراطية الغرب تفخر بأنها (حكومة النيابة) فإن لدى الأمة المسلمة من التجارب ما يغنيها ويسعدها في دينها ودنياها، إن هي استجابت لسنن الله الكونية والاجتماعية.

 

ثانيًا: أنه يحقق قاعدة الشورى المأمور بها شرعًا.

 

وإذا كانت هذه القاعدة جاءت مجملة، فقد تنوعت تطبيقاتها قديمًا وحديثًا، وقد حققت أهدافها في عهد النبوة، وعهد الخلافة الراشدة، وعهود أخرى، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- استشار في أموره الخاصة كقضية الإفك، وفي أمور المسلمين العامة وهي كثيرة جداً، واستشار أفرادًا محدودين، كما أنه استشار عموم الصحابة، وهكذا في العصر الراشدي، فقد اتخذت الشورى صوراً وأنماطاً مختلفة.

 

ولا يعرف أن نازلة جديدة أو أمراً يهم الأمة، اتخذ فيه الخليفة الرأي قبل المشاورة والحوار العميق.

 

ثالثًا: أن هذا الأسلوب يثبت براءة السلطة الحاكمة من الاستبداد أو ما يعرف بالدكتاتورية التي طالما أدين بها كثير من الأنظمة السياسية قديمًا وحديثًا.

 

رابعًا: أنه يحقق قاعدة "أنزلوا الناس منازلهم" فالعلماء والقضاة وذوو الفكر النير في الأمة ينبغي أن يكون لهم الصدارة في منازل الشرف، وأن يؤخذ رأيهم في كل أمر ذي بال، لأنهم كالنجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، كما ورد في الحديث، ولن تفلح أمة همشت علماءها، أو أذلتهم، أو استمالتهم للدنيا، أو استغلت ضعفهم وطيبتهم للمآرب الخاصة.

 

خامسًا: أنه يحقق مبدأ التعاون المأمور به شرعًا، ولتكون الصورة واضحة دونك هذا البيان: إن الأمة هي كالجسد، كما جاء تمثيل ذلك في الحديث الصحيح "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" فأهل الحل والعقد يمثلون الرأس لهذا الجسد، والإمام يمثل القلب، وأجهزة الدولة تمثل الجوارح كاليد والرجل واللسان وكل هذه الأجزاء لا يغني أحدها عن الآخر، فالرأس لا يجدي شيئاً بدون القلب وسائر الأعضاء، والقلب وحده لا يعمل بدون رأس وأعضاء، والأعضاء كذلك لا يمكن أن تستغني عن الرأس والقلب، لذا لا غنى عن التعاون البناء والجاد بين عموم أجزاء الجسد، وإلا أصابه الشلل الجزئي أو الكلي، وحينه تتضاعف الأمراض ويزداد الوهن في جسم الأمة فلا تستطيع حيلة، ولا تهتدي سبيلاً.

 

على أن كل فرد في الأمة يمثل خلية من خلايا الجسم، فإذا مرض هذا الفرد بمرض الانحراف أو مرض الوهن والسلبية، بدأ الوهن يسري في الجسم،وربما تطور حتى يعدي الرأس أو القلب أو الأعضاء الأخرى.

 

يؤكد ذلك قول الحق تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].

 

وحديث: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة..." الحديث.

 

سادسًا: أنه يحقق التناسق الطبيعي لهيكلة المجتمع والدولة، فإذا كان المجتمع يمثل جسداً حياً متكاملاً، كما تقدم آنفاً، قلبه الإمام الأعظم، ورأسه ومدبره أهل العلم والرأي والفكر، وأعضاؤه: عموم مؤسسات الدولة بمسئووليها وموظفيها، فإن هذه التركيبة تمثل تناسقاً طبيعيًا، متكاملًا في العضوية.

 

وإذا كانت وظائف الإمام محددة، وكذلك وظائف أجهزة الدولة، فإنه ينبغي توضيح وظائف العلماء والمفكرين (أهل الحل والعقد) كما سبقت الإشارة.

 

وهكذا يتبين ضرورة وجود هذه الهيئة المطورة (أهل الحل والعقد) وترسيخ دورهم ومكانتهم،وأن وجودهم يسد ثغرة مهمة لا يقوم بها غيرهم.

 

ويتبين أيضاً أن إسناد الترشيحات لعضوية مجلس الشورى، أو المجالس الأخرى، إلى هذه الهيئة بكل أصنافها وأطيافها، سيحقق نتائج مثمرة بلا شك، وفق المقاصد المتقدمة.

 

كما أن في ذلك سبقاً إلى تطبيق منهج فريد ومتميز، يجمع بين الأصالة والمعاصرة.

 

أما الأصالة فهو إحياء دور هيئة أهل الحل والعقد التي رأينا آثارها وأعمالها خلال العرض المتقدم.

 

وأما المعاصرة فبمواكبة التطور في المجال السياسي الذي يشهده العالم اليوم.

 

وإذا كانت ديمقراطية الغرب هي النموذج الحي للأنظمة السياسية المعاصرة، وهي المثال المحتذى في نظر كثير من المستغربين، فإن نظام (أهل الحل والعقد) في نظري هو خير منافس للنظام الديمقراطي أو (النظام النيابي)، إذا ما أولينا نظامنا عناية مناسبة، واهتماماً لائقًا به.

 

على أنه ينبغي عدم الخلط بين هذه الهيئة ومجلس الشورى أو البرلمان، فهذا الأخير له أعضاء محصورون، ولهم وظائف معينة، أما الهيئة فهي أوسع نطاقاً من حيث الحجم، وهي كالأصل لما دونها من جهات ومجالس.

 

ذلك جملة الرأي في موضوع الانتخابات.

 

أما المشاركة فيها بحسب الوضع الراهن في البلدان المسلمة التي تأخذ بها من قبل الإسلاميين، فذلك في تقديري موكول إليهم، فإذا رأوا في المشاركة مصلحة ظاهرة فلا بأس، لكن بشرط أن يتم ذلك عن طريق التشاور مع أهل العلم ورجالات الدعوة، وألا يكون اجتهادًا شخصيًا. والله أعلم.

 

تاريخ نشر المادة في مصدره: الخميس 28 رجب 1424هـ الموافق 25 سبتمبر 2003.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • تأثير التطوع على حياة الزوجين(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ميانمار: بدء الانتخابات وحرمان مسلمي الروهنجيا من المشاركة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أوكرانيا: السلطات تجبر مسلمي القرم على المشاركة في الانتخابات لضمان نزاهتها(مقالة - المسلمون في العالم)
  • بريطانيا: امتناع أكثر من 50% من المسلمين عن المشاركة في الانتخابات(مقالة - المسلمون في العالم)
  • هولندا: المجلس الإسلامي يحث على المشاركة في الانتخابات(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المشاركة والتصويت في انتخابات غير المسلمين في الغرب(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • سويسرا: منع المهاجرين والأجانب من المشاركة في التصويت الانتخابي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • فرنسا: اتحاد مسجد باريس يقرر المشاركة في انتخابات مجلس الديانة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • حكم بطاقة الائتمان القائمة على المشاركة(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • لماذا أحجم الرجل عن المشاركة في صيانة المنزل؟!(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 


تعليقات الزوار
1- تثجيع المفرح على مقالة الموفى
خادم صو - السنغال 16-01-2012 10:05 AM

لقدعرضت بآراء جميلة مبنية على أسس شرعية لوطبقت كما يجب لكان نموذجا حيا يمثل مدى تنظيم الإسلام للحياة حيث لم يتركها بدون نظام وسيتفيد العالم أكثر جزاك الله خيرا.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب