• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حديث: دخل رمضان فخفت أن أُصيب امرأتي، فظاهرت منها
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطر الشائعات.. ونقلتها
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    المرأة والاستهلاك: رؤية اقتصادية
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    البشرة الجافة والتشققات الجلدية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    مرتبة الراسخون في العلم في القرآن
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    خطبة (النت والاختبارات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    إطلالة على أنوار من النبوة
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    أسباب العذاب
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: منهج السماحة
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    عمود الإسلام (22) قسمت الصلاة بيني وبين عبدي
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تخليل الأصابع حماية من الفطريات
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    ما حكم أخذ الأجر على الضمان؟
    د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري
  •  
    حبه صلى الله عليه وسلم لاستماع القرآن من غيره
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    نموذج مقترح للأهداف السلوكية لتدريس المواد ...
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    العناية بالقدمين في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

اعتكاف القلب (خطبة)

اعتكاف القلب (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/3/2025 ميلادي - 20/9/1446 هجري

الزيارات: 5433

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

اعتكاف القلب

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَلِيِّ الْحَمِيدِ، الْعَزِيزِ الْمَجِيدِ؛ هَدَانَا لِدِينِهِ الْقَوِيمِ، وَدَلَّنَا عَلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ؛ ﴿ وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 43]، نَحْمَدُهُ إِذْ بَلَّغَنَا هَذِهِ الْعَشْرَ الْمُبَارَكَةَ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُعِينَنَا فِيهَا عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ الرَّبُّ الْمَحْمُودُ، وَالْإِلَهُ الْمَعْبُودُ؛ لَا فَلَاحَ لِعَبْدٍ إِلَّا بِصِلَتِهِ، وَلَا نَجَاةَ لَهُ إِلَّا فِي عُبُودِيَّتِهِ، وَلَا مَفَرَّ لِأَحَدٍ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ، تَعَالَى فِي مَجْدِهِ، وَتَعَاظَمَ فِي مُلْكِهِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ غَزِيرَ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى، عَظِيمَ الصِّلَةِ بِهِ سُبْحَانَهُ، شَدِيدَ الْخَشْيَةِ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَجِدُّوا وَاجْتَهِدُوا فِي الْعِبَادَةِ؛ فَإِنَّكُمْ أَدْرَكْتُمُ الثُّلُثَ الْأَخِيرَ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ أَفْضَلُهُ؛ كَمَا أَنَّ ثُلُثَ اللَّيْلِ الْآخِرَ أَفْضَلُ اللَّيْلِ، وَاجْتَمَعَ لَكُمْ فِي صَلَاةِ هَذِهِ اللَّيَالِي فَضْلُ الْعَشْرِ، وَفَضْلُ آخِرِ اللَّيْلِ؛ حَيْثُ إِجَابَةُ الدَّاعِينَ، وَإِعْطَاءُ السَّائِلِينَ، وَالْمَغْفِرَةُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ، فَأَرُوا اللَّهَ تَعَالَى مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا تَجِدُوا خَيْرًا؛ ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 186].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ وَأَجَلِّهَا الْخَلْوَةُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَقَطْعُ الْعَلَائِقِ بِغَيْرِهِ سُبْحَانَهُ، وَجَمْعُ الْقَلْبِ عَلَيْهِ، وَحَجْرُ الْفِكْرِ عَلَى التَّفَكُّرِ فِي عَظَمَتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ، وَتَدَبُّرِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَالنَّظَرِ فِي آيَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُقَوِّي الْإِيمَانَ، وَيَزِيدُ الْيَقِينَ.

 

وَيَكْفِي فِي بَيَانِ أَهَمِّيَّةِ الْخَلْوَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الْوَحْيَ أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ، وَهُوَ خَالٍ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وَهُوَ التَّعَبُّدُ ‌اللَّيَالِيَ ‌ذَوَاتِ ‌الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: «وَحُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلْوْةُ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ ‌أَحَبَّ ‌إِلَيْهِ ‌مِنْ ‌أَنْ ‌يَخْلُوَ»، وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «يَخْرُجُ إِلَى حِرَاءٍ فِي كُلِّ عَامٍ شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ يَنْسَكُ فِيهِ». قَالَ الْخَطَّابِيُّ: ‌«حُبِّبَ ‌إِلَيْهِ ‌الْخَلْوَةُ؛ لِأَنَّ مَعَهَا فَرَاغَ الْقَلْبِ، وَهِيَ مُعِينَةٌ عَلَى التَّفَكُّرِ، وَبِهَا يَنْقَطِعُ عَنْ مَأْلُوفَاتِ الْبَشَرِ، وَيَخْشَعُ قَلْبُهُ وَيَجْمَعُ هَمَّهُ، فَالْمُخْلِصُ فِي الْخَلْوَةِ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ مَا يُؤْنِسُهُ فِي خَلْوَتِهِ مِنْ تَعْوِيضِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ عَمَّا تَرَكَهُ لِأَجْلِهِ، وَاسْتَنَارَ قَلْبُهُ بِنُورِ الْغَيْبِ حِينَ تَذْهَبُ ظَلَمَةُ الشَّمْسِ، وَاخْتِيَارُ الْخَلْوَةِ لِسَلَامَةِ الدِّينِ وَتَفَقُّدِ أَحْوَالِ النَّفْسِ وَإِخْلَاصِ الْعَمَلِ».

 

نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَالِي الْقَلْبِ إِلَّا مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ، صَافِي الذِّهْنِ يَتَفَكَّرُ فِي عَظَمَتِهِ وَآيَاتِهِ وَنِعَمِهِ، وَكَمْ يُفْتَحُ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ كُنُوزِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالتَّدَبُّرِ وَالْخَشْيَةِ وَصَلَاحِ الْقَلْبِ إِذَا انْقَطَعَ عَنِ الدُّنْيَا وَمُشْغِلَاتِهَا، وَفَارَقَ النَّاسَ وَضَجِيجَهُمْ، وَخَلَا بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لِيَتَفَكَّرَ فِي عَظَمَتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَآلَائِهِ، وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْخَلْوَةِ، وَتَحْصِيلِ مَا فِيهَا مِنَ الْأُنْسِ بِاللَّهِ تَعَالَى شُرِعَ الِاعْتِكَافُ، وَفَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‌كَانَ ‌يَعْتَكِفُ ‌الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَإِذَا كَانَ اعْتِكَافُ الْبَدَنِ لُزُومَ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّ اعْتِكَافَ الْقَلْبِ لُزُومُ الصِّلَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَالِانْقِطَاعُ عَنْ مَشَاغِلِ الدُّنْيَا، وَالْأُنْسُ بِالْخَالِقِ سُبْحَانَهُ دُونَ الْمَخْلُوقِينَ، وَاعْتِكَافُ الْقَلْبِ هُوَ الْمَقْصُودُ لِاعْتِكَافِ الْبَدَنِ، وَإِلَّا لَسَهُلَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَمْكُثَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُدِيرُ أَعْمَالَهُ وَيَتَوَاصَلُ مَعَ مَنْ هُمْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ كُلَّ حِينٍ؛ فَالْمُرَادُ مِنَ الِاعْتِكَافِ سَلَامَةُ الْقَلْبِ وَصَلَاحُهُ، بِحَيْثُ يَكُونُ لِلَّهِ وَحْدَهُ مُدَّةَ اعْتِكَافِهِ، لَا يُشْرِكُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْخَلْقِ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: «وَشَرَعَ لَهُمُ الِاعْتِكَافَ الَّذِي مَقْصُودُهُ وَرُوحُهُ ‌عُكُوفُ ‌الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَجَمْعِيَّتُهُ عَلَيْهِ، وَالْخَلْوَةُ بِهِ، وَالِانْقِطَاعُ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِالْخَلْقِ، وَالِاشْتِغَالُ بِهِ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ ذِكْرُهُ وَحُبُّهُ، وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ هُمُومِ الْقَلْبِ وَخَطَرَاتِهِ، فَيَسْتَوْلِي عَلَيْهِ بَدَلَهَا، وَيَصِيرُ الْهَمُّ كُلُّهُ بِهِ، وَالْخَطَرَاتُ كُلُّهَا بِذِكْرِهِ، وَالتَّفَكُّرُ فِي تَحْصِيلِ مَرَاضِيهِ وَمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ، فَيَصِيرُ أُنْسُهُ بِاللَّهِ بَدَلًا عَنْ أُنْسِهِ بِالْخَلْقِ، فَيُعِدُّهُ بِذَلِكَ لِأُنْسِهِ بِهِ يَوْمَ الْوَحْشَةِ فِي الْقُبُورِ حِينَ لَا أَنِيسَ لَهُ، وَلَا مَا يَفْرَحُ بِهِ سِوَاهُ، فَهَذَا مَقْصُودُ الِاعْتِكَافِ الْأَعْظَمُ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَقْصُودُ إِنَّمَا يَتِمُّ مَعَ الصَّوْمِ، شُرِعَ الِاعْتِكَافُ فِي أَفْضَلِ أَيَّامِ الصَّوْمِ وَهُوَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ».

 

وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: «وَإِنَّمَا كَانَ يَعْتَكِفُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ الَّتِي يَطْلُبُ فِيهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ قَطْعًا لِأَشْغَالِهِ، وَتَفْرِيغًا لِبَالِهِ، وَتَخَلِّيًا لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ وَذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِرُ حَصِيرًا يَتَخَلَّى فِيهَا عَنِ النَّاسِ فَلَا يُخَالِطُهُمْ وَلَا يَشْتَغِلُ بِهِمْ؛ وَلِهَذَا ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ مُخَالَطَةُ النَّاسِ، حَتَّى وَلَا لِتَعْلِيمِ عِلْمٍ وَإِقْرَاءِ قُرْآنٍ، بَلِ الْأَفْضَلُ لَهُ الِانْفِرَادُ بِنَفْسِهِ، وَالتَّخَلِّي بِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ وَذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ، وَهَذَا الِاعْتِكَافُ هُوَ الْخَلْوَةُ الشَّرْعِيَّةُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَسَاجِدِ؛ لِئَلَّا يُتْرَكَ بِهِ الْجُمَعُ وَالْجَمَاعَاتُ؛ فَإِنَّ الْخَلْوَةَ الْقَاطِعَةَ عَنِ الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا... فَمَعْنَى الِاعْتِكَافِ وَحَقِيقَتُهُ قَطْعُ الْعَلَائِقِ عَنِ الْخَلَائِقِ لِلِاتِّصَالِ بِخِدْمَةِ الْخَالِقِ، وَكُلَّمَا قَوِيَتِ الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ، وَالْمَحَبَّةُ لَهُ، وَالْأُنْسُ بِهِ؛ أَوْرَثَتْ صَاحِبَهَا الِانْقِطَاعَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، كَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَزَالُ مُنْفَرِدًا فِي بَيْتِهِ خَالِيًا بِرَبِّهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَمَا تَسْتَوْحِشُ؟ قَالَ: كَيْفَ أَسْتَوْحِشُ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي؟!».

 

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: «وَمَنْ لَمْ يَعْكِفْ قَلْبُهُ عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ عَكَفَ عَلَى التَّمَاثِيلِ الْمُتَنَوِّعَةِ؛ كَمَا قَالَ إِمَامُ الْحُنَفَاءِ لِقَوْمِهِ: ﴿ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 52]، فَاقْتَسَمَ هُوَ وَقَوْمُهُ حَقِيقَةَ الْعُكُوفِ؛ فَكَانَ حَظُّ قَوْمِهِ الْعُكُوفَ عَلَى التَّمَاثِيلِ، وَكَانَ حَظُّهُ الْعُكُوفَ عَلَى الرَّبِّ الْجَلِيلِ، وَالتَّمَاثِيلُ جَمْعُ تِمْثَالٍ وَهِيَ الصُّوَرُ الْمُمَثَّلَةُ، فَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاشْتِغَالُهُ بِهِ، وَالرُّكُونُ إِلَيْهِ؛ عُكُوفٌ مِنْهُ عَلَى التَّمَاثِيلِ الَّتِي قَامَتْ بِقَلْبِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ الْعُكُوفِ عَلَى تَمَاثِيلِ الْأَصْنَامِ؛ وَلِهَذَا كَانَ شِرْكُ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ بِالْعُكُوفِ بِقُلُوبِهِمْ وَهِمَمِهِمْ وَإِرَادَاتِهِمْ عَلَى تَمَاثِيلِهِمْ، فَإِذَا كَانَ فِي الْقَلْبِ تَمَاثِيلُ قَدْ مَلَكَتْهُ وَاسْتَعْبَدَتْهُ بِحَيْثُ يَكُونُ عَاكِفًا عَلَيْهَا؛ فَهُوَ نَظِيرُ عُكُوفِ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ عَلَيْهَا؛ وَلِهَذَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا لَهَا، وَدَعَا عَلَيْهِ بِالتَّعْسِ وَالنَّكْسِ، فَقَالَ: تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ».

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 223].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذِهِ الْعَشْرُ الَّتِي أَدْرَكْنَاهَا نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ، فَضَّلَهَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا مُبَارَكَةٌ، وَأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْتِمَاسِهَا فَقَالَ: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي الْوَتْرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ فِي قِيَامِهَا مَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ ‌لَيْلَةَ ‌الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَمِنْ أَجَلِّ الْعِبَادَاتِ فِيهَا الِاعْتِكَافُ؛ فَمَنْ تَيَسَّرَ لَهُ رَبِحَ، وَمَنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ كُلُّ الْعَشْرِ فَلْيَعْتَكِفْ بَعْضَهَا، وَمَنْ عَجَزَ فَلْيَمْكُثْ فِي الْمَسْجِدِ مَا اسْتَطَاعَ، وَيَنْوِهِ اعْتِكَافًا، وَلَا سِيَّمَا فِي اللَّيْلِ.

 

وَيَنْبَغِي لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يُفَرِّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَتَنَقَّلَ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ مِنْ صَلَاةٍ، وَتِلَاوَةٍ، وَتَدَبُّرٍ، وَدُعَاءٍ، وَذِكْرٍ، وَتَفَكُّرٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

 

وَمِمَّا يَقَعُ فِيهِ بَعْضُ الْمُعْتَكِفِينَ أَنَّهُمْ يَعْتَكِفُونَ بِأَبْدَانِهِمْ فِي الْمَسَاجِدِ، وَلَكِنَّ قُلُوبَهُمْ خَارِجَهَا، تَسِيحُ فِي أَوْدِيَةِ الدُّنْيَا، وَأَذْهَانُهُمْ مَشْغُولَةٌ بِتِجَارَتِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، أَوْ بِنِسَائِهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ عُكُوفَ أَبْدَانِهِمْ يَلْزَمُ مِنْهُ عُكُوفُ قُلُوبِهِمْ؛ لِيَكُونَ اعْتِكَافًا كَامِلًا.

 

بَلْ يَقَعُ بَعْضُ الْمُعْتَكِفِينَ فِي مُخَالَفَاتٍ يَكْتَسِبُونَ بِهَا إِثْمًا؛ كَالْأَحَادِيثِ الطَّوِيلَةِ بَيْنَهُمْ وَفِيهَا غِيبَةٌ وَلَغْوٌ وَنَحْوُهُ، وَمِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُعْتَكِفِينَ الِانْشِغَالُ بِالْجَوَّالَاتِ، وَتَصَفُّحِ الْمَوَاقِعِ، وَتَتَبُّعِ الْأَخْبَارِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَكِفْ؛ إِذْ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَلَيْهِ شَيْءٌ سِوَى أَنَّهُ فَارَقَ بَيْتَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ لِلْمَبِيتِ فِيهِ.

 

كَمَا يَنْبَغِي لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَجْتَنِبَ كَثْرَةَ الْخُلْطَةِ وَالْحَدِيثِ مَعَ النَّاسِ، وَلَوْ فِي أُمُورٍ دِينِيَّةٍ مَحْمُودَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَفَرِّغٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِلنَّاسِ، كَمَا يَنْبَغِي لَهُ الْإِقْلَالُ مِنَ الطَّعَامِ؛ لِئَلَّا يَثْقُلَ عَنِ الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ، وَلَا يُكْثِرَ مِنَ النَّوْمِ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ النَّوْمِ تَجْلِبُ الْكَسَلَ، وَأَنْ يَأْخُذَ نَفْسَهُ بِالشِّدَّةِ وَالْحَزْمِ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي الْمُبَارَكَةِ مُسْتَحْضِرًا حَدِيثَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ ‌شَدَّ ‌مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَقَوْلَهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • اعتكاف الجسد أم اعتكاف القلب؟

مختارات من الشبكة

  • مختصر أحكام الاعتكاف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل يصح اعتكاف المرأة؟ وهل يكون الاعتكاف في أيام معينة؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوجيز في فقه الاعتكاف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • انو مكثك بالمسجد اعتكافا، وبيان أقل وقت الاعتكاف(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تربية الاعتكاف(مقالة - ملفات خاصة)
  • الاعتكاف آداب وأحكام(مقالة - ملفات خاصة)
  • من أقوال السلف في الاعتكاف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في فضل الاعتكاف(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي)
  • خطبة المسجد النبوي 22/9/1433 هـ - الاعتكاف وآدابه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاعتكاف والخروج من المعتكف للحاجة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/2/1447هـ - الساعة: 16:32
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب