• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الجاليات المسلمة: التأثير والتأثر
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    تبديد الخوف من المستقبل المجهول (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    حماية صحة الوجه والرأس في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    "من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.." ماذا بعد ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    فضل التبكير إلى الصلوات (2)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    الشاي: مسائل ونوازل (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    حديث: مره فليراجعها
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    منع التسول والشحاذة
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ما حكم قطع الشجر في مكة؟!!
    الشيخ أ. د. سعد بن عبدالله الحميد
  •  
    أقسام المشهود عليه
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الطلبة المسلمون: التأثير والتأثر
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الثابتون على الحق (7) خباب بن الأرت
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    علامات صحة القلب
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    خواتيم الأعمال.. وانتظار الآجال (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

القرآن والتذكير بالنعم (3)

القرآن والتذكير بالنعم (3)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/10/2019 ميلادي - 3/2/1441 هجري

الزيارات: 18223

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القرآن والتذكير بالنعم (3)

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴾ [الْأَعْلَى: 2 - 5]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَنْعَمَ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالدِّينِ الْقَوِيمِ، وَامْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِبَعْثَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَخَصَّهُمْ بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ [النِّسَاء: 174]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ النَّبِيُّ الْأَمِينُ، وَالْحَقُّ الْمُبِينُ، وَالْبَشِيرُ النَّذِيرُ، وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَالْزَمُوا دِينَهُ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِهِ، وَتَمَسَّكُوا بِكِتَابِهِ؛ فَإِنَّهُ هِدَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى لَكُمْ، وَنِعْمَتُهُ عَلَيْكُمْ ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الْمَائِدَة: 15- 16].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ عَجَبٌ لَا يَنْقَضِي، وَعُلُومٌ لَا تَنْتَهِي، وَهِدَايَةٌ لَا تَنْقَطِعُ. وَفِيهِ مَوَاعِظُ تَتَجَدَّدُ، وَقَصَصٌ لَا تُمَلُّ، وَإِرْشَادٌ لَا يَنْضُبُ. وَفِيهِ كَشْفٌ لِمَا مَضَى مِنَ الْغَيْبِ، وَإِخْبَارٌ بِمَا سَيَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ، وَصِدْقٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَهُوَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ وَإِنْ جَحَدَ الْجَاحِدُونَ، وَشَكَّكَ الْمُشَكِّكُونَ؛ فَإِنَّهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ يَضُرُّونَ، وَلَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا، وَلَنْ يَضُرُّوا الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا أَذًى ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النِّسَاءِ: 136].

 

وَمِنْ عَجَائِبِ الْقُرْآنِ مَا جَاءَ فِيهِ مِنَ التَّذْكِيرِ بِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِيَسْتَرْوِحَ الْمُؤْمِنُ إِلَى تِلْكَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ فِي حَالِ الْهُمُومِ وَالْمَصَائِبِ وَالْأَزَمَاتِ، وَيَتَذَكَّرَ النِّعَمَ الْمُحِيطَةَ بِهِ؛ فَيَفْرَحَ وَلَا يَحْزَنَ، وَيَصْبِرَ فَلَا يَجْزَعَ، وَيَسْتَرْجِعَ فَلَا يَتَسَخَّطَ. وَيُوقِنَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَاعِلٌ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنْ هَمٍّ وَغَمٍّ؛ فَإِنَّ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ النِّعَمِ الْكَثِيرَةِ سَيَجْعَلُ لَهُ بَعْدَ الْعُسْرِ يُسْرًا، وَبَعْدَ الْغَمِّ فَرَجًا، وَبَعْدَ الضِّيقِ سعَةً، وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ.

 

وَحِينَ يَتَكَالَبُ الْأَعْدَاءُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِمَحْوِهِ وَإِخْرَاجِ النَّاسِ مِنْهُ، وَتَشْرِيدِ أَهْلِهِ وَتَقْتِيلِهِمْ وَحَرْقِ بُلْدَانِهِمْ؛ يَجِدُ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرًا لِتَكَالُبِ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ جَمْعَهُمْ، وَفَلَّ جُيُوشَهُمْ، وَرَدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ خَاسِرِينَ، فَيُوقِنُ أَنَّ مَآلَ الْحَمَلَاتِ الْمُتَتَابِعَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَشَعَائِرِهِ وَعَلَى الْقُرْآنِ وَالشَّرِيعَةِ وَأَحْكَامِهَا، وَعَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ سَتَفْشَلُ وَتَتَبَخَّرُ، وَيَخْسَرُ أَهْلُهَا وَيَنْدَحِرُونَ، وَيَبْقَى الْإِسْلَامُ وَأَهْلُهُ الْمُتَمَسِّكُونَ بِهِ أَعِزَّةً شَامِخِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ.

 

وَيَقْرَأُ قَارِئُ الْقُرْآنِ الْعَهْدَ الَّذِي عَاهَدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْتِزَامِ دِينِهِ، وَالتَّمَسُّكِ بِكِتَابِهِ، وَتَعْظِيمِ شَرْعِهِ، وَأَنَّهُ مُبَايِعٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَلْقَاهُ، لَا يَحِيدُ عَنْهُ وَلَا يُغَيِّرُ وَلَا يُبَدِّلُ، وَهَذَا الْعَهْدُ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى هَدَى الْعَبْدَ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ عَهْدٌ عَلَى أَعْظَمِ شَيْءٍ فِي الْوُجُودِ وَأَهَمِّهِ وَأَنْفَعِهِ لِلْعَبْدِ، وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْقِيَامُ بِدِينِهِ، وَالدَّعْوَةُ إِلَيْهِ، وَالتَّوَاصِي بِهِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْأَذَى فِيهِ ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ [الْمَائِدَةِ: 7]، وَيَا لَهُ مِنْ مِيثَاقٍ جَعَلَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْتِزَامُهُمْ بِهِ يُحَقِّقُ لَهُمُ النَّصْرَ الْمُبِينَ فِي الدُّنْيَا، وَالْفَوْزَ الْأَكْبَرَ فِي الْآخِرَةِ، وَالْخُلُودَ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ.

 

وَيَقْرَأُ قَارِئُ الْقُرْآنِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 11]، فَيَرَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ نِعْمَةَ كَفِّ الْأَعْدَاءِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهِيَ سُنَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ يَسْتَحِقُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَوَكِّلُونَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَوَّهَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ أَمَرَ بِالتَّقْوَى وَبِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَهِيَ نِعْمَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَتَقَعُ لَهُمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، مَا دَامُوا مُلْتَزِمِينَ بِإِيمَانِهِمْ.

 

وَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِنِعْمَةِ كَفِّ الْكُفَّارِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْخَنْدَقِ حِينَ تَحَزَّبَتِ الْأَحْزَابُ عَلَيْهِمْ، وَأَرْجَفَ الْمُنَافِقُونَ وَخَذَّلُوا، وَنَقَضَ يَهُودُ الْمَدِينَةِ عَهْدَهُمْ، وَبَيَّتُوا الْغَدْرَ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَالْبَطْشَ بِنِسَائِهِمْ وَذَرَارِيهِمْ، وَهُوَ مَوْقِفٌ عَصِيبٌ عَسِيرٌ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَجَّاهُمْ مِنْهُ بِرَحْمَتِهِ بِهِمْ، وَنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 9 - 11]، وَانْقَلَبَتِ الْمِحْنَةُ إِلَى مِنْحَةٍ، وَالْخَوْفُ إِلَى أَمْنٍ، وَالْحُزْنُ إِلَى فَرَحٍ، بِتَدْبِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيرِهِ؛ نِعْمَةً مِنْهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَفِي خِتَامِ عَرْضِ هَذِهِ النِّعْمَةِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 25 - 27].

 

وَأَنْعَمَ سُبْحَانَهُ بِنِعْمَةِ كَفِّ الْأَعْدَاءِ عَنْهُمْ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ حِينَ «هَمَّتْ بِهِ بَنُو مُحَارِبٍ وَبَنُو ثَعْلَبَةَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَأَشْعَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِذَلِكَ، وَنَزَلَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ، وَكَفَّ اللَّهُ أَيْدِيَهُمْ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ».

 

وَتَجَدَّدَتْ هَذِهِ النِّعْمَةُ فِي الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ بَيَّتَ الْمُشْرِكُونَ الْغَدْرَ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴿ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الْفَتْحِ: 24] وَكَانُوا ثَمَانِينَ رَجُلًا انْحَدَرُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِيُصِيبُوا مِنْهُمْ غِرَّةً، فَوَجَدُوا الْمُسْلِمِينَ مُنْتَبِهِينَ، فَأَمْسَكُوهُمْ، فَتَرَكُوهُمْ وَلَمْ يَقْتُلُوهُمْ؛ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُؤْمِنِينَ إِذْ لَمْ يَقْتُلُوهُمْ؛ لِيَنْعَقِدَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ الَّذِي كَانَ فَتْحًا مُبِينًا، بِدُخُولِ النَّاسِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى أَفْوَاجًا، وَنَزَلَتْ فِيهِ سُورَةُ الْفَتْحِ: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ﴾ [الْفَتْحِ: 1].

 

وَتَجَدَّدَتْ نِعْمَةُ كَفِّ أَيْدِي الْكُفَّارِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ فِي حِصَارِ خَيْبَرَ حِينَ عَزَمَ أَهْلُ خَيْبَرَ وَأَنْصَارُهُمْ مِنْ غَطَفَانَ وَبَنِي أَسَدٍ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ عَزْمِهِمْ وَأَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ وَاسْتَسْلَمُوا، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [الْفَتْحِ: 20]، فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ كَفَّ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، وَحِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِينَ وَحِيَاطَتَهُمْ فِي مَشْهَدِهِمْ وَمَغِيبِهِمْ آيَةً بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الدِّينِ الْحَقِّ. وَهِيَ آيَةٌ بَاقِيَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَتَى مَا تَمَسَّكُوا بِدِينِهِمْ وَلَمْ يَتَخَلَّوْا عَنْهُ.

 

وَكَمْ دَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَتَسَلُّطِهِمْ عَبْرَ التَّارِيخِ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْحَمَلَاتِ الصَّلِيبِيَّةِ الَّتِي كَانَ هَدَفُهَا إِبَادَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي الْغَزْوِ التَّتَرِيِّ الَّذِي اسْتَوْطَنَ الشَّرْقَ الْإِسْلَامِيَّ، وَفِي الِاسْتِعْمَارِ الَّذِي بَسَطَ نُفُوذَهُ وَإِرَادَتَهُ عَلَى مَمَالِكِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَمَى الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْإِبَادَةِ التَّامَّةِ، وَحَمَى دِيَارَهُمْ مِنْ تَمَلُّكِ الْكُفَّارِ لَهَا، وَحَمَى دِينَهُمْ مِنْ تَغْيِيرِهِ وَتَبْدِيلِهِ، وَحَمَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ تَرْكِ دِينِهِمْ، وَاسْتِبْدَالِ غَيْرِهِ بِهِ، وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْآيَةُ الرَّبَّانِيَّةُ الْعَظِيمَةُ فِي كَفِّ أَيْدِي الْكُفَّارِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ مَاثِلَةً إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَشَاهِدَةً عَلَى أَنَّ دِينَ اللَّهِ تَعَالَى حَقٌّ.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الثَّبَاتَ عَلَى دِينِنَا، وَنَصْرَ إِخْوَانِنَا، وَكَبْتَ أَعْدَائِنَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 123].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذِهِ النِّعَمُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي يُذَكِّرُنَا رَبُّنَا سُبْحَانَهُ بِهَا فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَافِظٌ دِينَهُ، مُعْلٍ كَلِمَتَهُ، نَاصِرٌ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، كَابِتٌ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَمِنْ أَعْجَبِ آيَاتِ تَذْكِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 26]. يُذَكِّرُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقِلَّتِهِمْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَدَدٌ قَلِيلٌ فِي مَكَّةَ مِمَّنْ آمَنُوا، ثُمَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ كَثُرُوا، وَبَعْدَ عَشْرِ سَنَوَاتٍ فَقَطْ حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُمُوعٍ غَفِيرَةٍ يَتَجَاوَزُ عَدَدُهَا مِائَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَبَعْدَ عُقُودٍ قَلِيلَةٍ مِنْ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَ الْإِسْلَامُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا بِالْفُتُوحِ وَالدَّعْوَةِ، وَحَقَّقَ الْإِسْلَامُ فِي ثَمَانِينَ سَنَةً فَقَطْ مَا عَجَزَ عَنْ تَحْقِيقِهِ الرُّومَانُ فِي ثَمَانِي مِئَةِ سَنَةٍ، وَدَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى أَفْوَاجًا.

 

وَذَكَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِاسْتِضْعَافِهِمْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالْقُوَّةِ وَالْغَلَبَةِ وَالْمَهَابَةِ حَتَّى هَابَ الْمُسْلِمِينَ مُلُوكُ الرُّومِ وَالْفُرْسِ، ثُمَّ سَقَطَتْ مَمَالِكُهُمْ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَزَالُ هَيْبَةُ الْإِسْلَامِ وَقُوَّتُهُ وَغَلَبَتُهُ، وَقُوَّةُ مَدِّهِ وَسُرْعَةُ انْتِشَارِهِ تُقْلِقُ الْأَعْدَاءَ، وَتُسَيْطِرُ عَلَى تَفْكِيرِهِمْ. وَكُلُّ مُحَاوَلَةٍ مِنْهُمْ لِإِيقَافِ تَمَدُّدِهِ تَزِيدُهُ انْتِشَارًا، وَكُلُّ مُحَاوَلَةٍ مِنْهُمْ لِتَشْوِيهِهِ تَزِيدُ الْمُسْلِمِينَ تَمَسُّكًا بِهِ، وَتَدْعُو غَيْرَهُمْ إِلَيْهِ. وَهَذَا يُوجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ التَّمَسُّكَ بِدِينِهِمْ، وَالدِّفَاعَ عَنْهُ، وَالدَّعْوَةَ إِلَيْهِ، وَالتَّوَاصِيَ بِهِ، وَالصَّبْرَ عَلَى الْأَذَى فِيهِ؛ فَإِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، هُوَ سَبَبُ الْفَلَاحِ فِي الدُّنْيَا، وَالْفَوْزِ الْأَكْبَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [الْعَصْرِ: 1 - 3].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القرآن والتذكير بالنعم (1)
  • القرآن والتذكير بالنعم (2)

مختارات من الشبكة

  • سبعة قوانين لفهم الكتاب المبين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلمات وصفت القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إنذار من أنكر نعمة الله باقتراب أمر الله: سورة النحل المعروفة بالنعم (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • النعم الدائمة والنعم المتجددة (خطبة)‏(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • تفسير: (وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حمر النعم كفر النعم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من النعم أن يحجب عنك بعض النعم!(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • من معاني (نعم وبلى) في القرآن الكريم عند سيبويه(مقالة - حضارة الكلمة)
  • واجبنا نحو القرآن الكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل أتاك نبأ العلماء الذين أحرقوا كتبهم أو دفنوها...؟!(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسلمو سابينسكي يحتفلون بمسجدهم الجديد في سريدنيه نيرتي
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/12/1446هـ - الساعة: 17:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب