• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

الشوق إلى الله تعالى (2) شوق الصالحين إلى الله تعالى

الشوق إلى الله تعالى (2) شوق الصالحين إلى الله تعالى
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/8/2019 ميلادي - 4/12/1440 هجري

الزيارات: 43861

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشوق إلى الله تعالى (2)

شوق الصالحين إلى الله تعالى

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ؛ رَحِمَ عِبَادَهُ فَدَلَّهُمْ عَلَى الدِّينِ الْقَوِيمِ، وَهَدَاهُمْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَرَغَّبَهُمْ فِي دَارِ النَّعِيمِ، وَرَهَّبَهُمْ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعَلَّقَتْ بِهِ قُلُوبُ الْمُوقِنِينَ، وَاشْتَاقَتْ لِرُؤْيَتِهِ عُيُونُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَتَلَذَّذُ بِرُؤْيَتِهِ إِلَّا أَهْلُ النَّعِيمِ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُمْ: «تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ»، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ خَيَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْخُلْدِ فِي الدُّنْيَا وَبَيْنَ لِقَائِهِ سُبْحَانَهُ، فَاخْتَارَ لِقَاءَ اللَّهِ تَعَالَى؛ مَحَبَّةً لَهُ، وَشَوْقًا إِلَيْهِ، وَرَغْبَةً فِيهِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الْبَقَرَة: 223].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: أَعْظَمُ الْمَحَبَّةِ نَفْعًا مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَحَبَّةُ مَا يُحِبُّهُ سُبْحَانَهُ، وَأَشَدُّ الشَّوْقِ الشَّوْقُ إِلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَهُوَ الرَّبُّ الْإِلَهُ الْخَالِقُ الرَّازِقُ الْمُدَبِّرُ، فَلَوْلَاهُ سُبْحَانَهُ لَمَا خُلِقَ الْعَبْدُ وَلَمَا رُزِقَ، وَلَوْلَاهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمَا اهْتَدَى الْمُؤْمِنُ وَلَمَا عَرَفَ الْإِيمَانَ؛ فَكُلُّ نِعْمَةٍ عَلَى الْإِنْسَانِ فَهِيَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النَّحْل: 53].

 

وَأَهْلُ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ عَرَفُوا ذَلِكَ، وَعَلِمُوا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَوْجَدَ الشَّوْقَ فِي قُلُوبِهِمْ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَإِلَى لِقَائِهِ، يَتَذَكَّرُونَ جَمَالَهُ وَجَلَالَهُ وَكَمَالَهُ فَيَشْتَاقُونَ لِرُؤْيَتِهِ، وَيَسْأَلُونَهَا إِيَّاهُ فِي دُعَائِهِمْ، وَيَتَذَكَّرُونَ رَحْمَتَهُ فَيَشْتَاقُونَ إِلَيْهَا؛ هَرَبًا مِنْ قَسْوَةِ الْبَشَرِ وَغِلْظَتِهِمْ وَفَظَاظَتِهِمْ.

 

وَأَخْبَارُ الصَّالِحِينَ فِي شَوْقِهِمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَثِيرَةٌ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ تَفَاقُمِ الْفِتَنِ، وَتَتَابُعِ الْمِحَنِ؛ خَوْفًا عَلَى دِينِهِمْ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ، وَرَغْبَةً فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْخَيْرِ الْعَظِيمِ.

 

وَمَنْ صَدَقَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الشَّوْقِ إِلَيْهِ بَلَّغَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى الْمَنَازِلِ، وَأَجْرَى لَهُ أَفْضَلَ الْكَرَامَاتِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ، فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيًا، فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: قَسَمْتُهُ لَكَ، قَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ، فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ: إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ، فَلَبِثُوا قَلِيلًا، ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ، ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ: اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

 

وَهَذَا الرَّجُلُ لَمْ يُسَمَّ فِي كُتُبِ التَّرَاجِمِ، وَنَعْرِفُ قِصَّتَهُ وَلَا نَعْرِفُ شَخْصَهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْرِفُهُ بِصِدْقِهِ فِي شَوْقِهِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الشَّهِيدَ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ؛ وَلِذَا وَجَّهَ الْإِمَامُ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ بِقَوْلِهِ: «وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّجُلُ بَقِيَ حَيًّا حَتَّى انْقَطَعَتِ الْحَرْبُ، ثُمَّ مَاتَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِينَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ بِأُحُدٍ مَاتُوا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ».

 

وَمِمَّنِ اشْتَاقَ إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ دُنُوِّ أَجَلِهِ: الْخَلِيفَةُ الْعَادِلُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَإِنَّهُ لَمَّا ثَقُلَ قَالَ: «رَبِّي خَيْرُ مَذْهُوبٍ إِلَيْهِ. وَاللَّهِ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ شِفَائِي عِنْدَ شَحْمَةِ أُذُنِي مَا رَفَعْتُ يَدِي إِلَى أُذُنِي فَتَنَاوَلْتُهُ. اللَّهُمَّ خِرْ لِعُمَرَ فِي لِقَائِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى».

 

وَمِمَّنِ اشْتَاقَ إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ دُنُوِّ أَجَلِهِ: التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ مَكْحُولٌ الشَّامِيُّ؛ إِذْ دُخِلَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقِيلَ لَهُ: «أَحْسَنَ اللَّهُ عَافِيَتَكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: الْإِلْحَاقُ بِمَنْ يُرْجَى عَفْوُهُ خَيْرٌ مِنَ الْبَقَاءِ مَعَ لَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ».

 

وَمِنْهُمُ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَكَرِيَّا الَّذِي كَانَ يَقُولُ: «لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أُعَمَّرَ مِائَةَ سَنَةٍ مِنْ ذِي قَبْلُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ أَنْ أُقْبَضَ فِي يَوْمِي هَذَا، أَوْ فِي سَاعَتِي هَذِهِ، لَاخْتَرْتُ أَنْ أُقْبَضَ فِي يَوْمِي هَذَا، أَوْ فِي سَاعَتِي هَذِهِ؛ تَشَوُّقًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ».

 

وَمِمَّنِ اشْتَاقَ إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ دُنُوِّ أَجَلِهِ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ: خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ الَّذِي قَالَ: «وَاللَّهِ لَوْ كَانَ الْمَوْتُ فِي مَكَانٍ مَوْضُوعًا لَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ يَسْبِقُ إِلَيْهِ». وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: «اجْتَمَعَ رِجَالٌ مِنَ الْأَخْيَارِ، وَذَكَرُوا الْمَوْتَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْلَا أَنَّهُ أَتَانِي آتٍ أَوْ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَبَقَ إِلَى هَذَا الْعَمُودِ فَوَضَعَ عَلَيْهِ يَدَهُ مَاتَ، لَرَجَوْتُ أَنْ لَا يَسْبِقَنِي إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَوْقًا إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى».

 

وَمِمَّنِ اشْتَاقَ إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِرَارًا مِنَ الْفِتَنِ: الْإِمَامُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الَّذِي قَالَ: «مَا نَفْسٌ تَخْرُجُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِي لَأَرْسَلْتُهَا».

 

وَمِنْهُمُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْفِتْنَةَ بِالدُّنْيَا لَمَّا رُفِعَتِ الْمِحْنَةُ، يَقُولُ: «وَاللَّهِ لَقَدْ تَمَنَّيْتُ الْمَوْتَ فِي الْأَمْرِ الَّذِي كَانَ، وَإِنِّي لَأَتَمَنَّى الْمَوْتَ فِي هَذَا وَذَاكَ، إِنَّ هَذَا فِتْنَةُ الدُّنْيَا وَكَانَ ذَاكَ فِتْنَةَ الدِّينِ. قَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ: وَكَانَ رَسُولُ الْمُتَوَكِّلِ يَأْتِي أَبِي يُبَلِّغُهُ السَّلَامَ وَيَسْأَلُهُ عَنْ حَالِهِ فَنُسَرُّ نَحْنُ بِذَلِكَ، فَتَأْخُذُهُ نَفْضَةٌ حَتَّى نُدَثِّرَهُ، وَيَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ نَفْسِي فِي يَدِي لَأَرْسَلْتُهَا، وَيَضُمُّ أَصَابِعَهُ وَيَفْتَحُهَا».

 

هَذِهِ الْأَخْبَارُ الْكَثِيرَةُ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي الشَّوْقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ كَانَتْ طَلَبًا لِلشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ أَعْلَى مِيتَةٍ. وَجَمْعٌ مِنْهُمْ قَالُوا ذَلِكَ عِنْدَ دُنُوِّ الْأَجَلِ؛ شَوْقًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَهَذَا مِنْ حُسْنِ ظَنِّهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَرَجَائِهِمْ فِيهِ سُبْحَانَهُ. وَمِنْهُمْ قَوْمٌ اشْتَاقُوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى لِقَائِهِ؛ خَوْفًا مِنَ الْفِتْنَةِ بِالدُّنْيَا وَلَا سِيَّمَا مَعَ رُؤْيَتِهِمْ كَثْرَةَ الْمُتَسَاقِطِينَ فِيهَا، فَلِلَّهِ دَرُّهُمْ، مَا أَشَدَّ رَغْبَتَهُمْ فِي الْآخِرَةِ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَمِنْ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [الْبَقَرَة: 123].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الشَّوْقُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ دَعْوَى يَدَّعِيهَا مُدَّعٍ، وَلَا شِعَارًا يَتَزَيَّنُ بِهِ مُتَزَيِّنٌ. بَلْ هِو مَنْزِلَةٌ عَالِيَةٌ مِنْ صَلَاحِ الْقَلْبِ، وَمَتَانَةِ الدِّينِ، وَالْعِلْمِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ، وَإِدْرَاكِ حَقِيقَةِ الدُّنْيَا وَأَنَّهَا دَارُ غُرُورٍ.

 

مَنِ اشْتَاقَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى اشْتَاقَ إِلَى دِينِهِ وَأَحْكَامِهِ تَعَلُّمًا وَتَطْبِيقًا، وَدَعْوَةً وَتَعْلِيمًا، وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ وَصَابَرَ. وَلْنَعْتَبِرْ بِمَنْ أَسْلَمَ حَدِيثًا وَمَا فِيهِ مِنَ الشَّوْقِ لِتَعَلُّمِ أَحْكَامِ الدِّينِ بَعْدَ أَنْ هَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَخْرَجَهُ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، فَالْمُؤْمِنُ بِالْوِرَاثَةِ أَوْلَى بِذَلِكُمُ الشَّوْقِ.

 

وَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى اشْتَاقَ إِلَى كِتَابِهِ الْكَرِيمِ فَقَرَأَهُ بِتَدَبُّرٍ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَدَّعِي مُدَّعٍ أَنَّهُ مُشْتَاقٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ كَلَامِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى عِبَادِهِ؟!

 

وَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى اشْتَاقَ إِلَى عِبَادَتِهِ وَمُنَاجَاتِهِ، فَحَافَظَ عَلَى الْفَرَائِضِ، وَأَتْبَعَهَا بِالنَّوَافِلِ، وَجَاهَدَ نَفْسَهُ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الشَّوْقِ الْحَقِيقِيِّ، وَإِذَا كَانَ الْعُشَّاقُ فِي أَشْعَارِهِمْ وَرَسَائِلِهِمْ يَتَغَنَّوْنَ بِاللَّيْلِ وَسُكُونِهِ وَجِمَالِ أَنْجُمِهِ؛ فَإِنَّ الْمُشْتَاقِينَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ لَيْلُهُمْ فِي مُنَاجَاةِ رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قِيَامًا وَرُكَّعًا وَسُجَّدًا.

 

وَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى دَاوَمَ عَلَى ذِكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ يَشْتَاقُ إِلَى أَحَدٍ إِلَّا وَيُكْثِرُ ذِكْرَهُ، وَلَا سِيَّمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَذْكُرُ مَنْ يَذْكُرُهُ ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 152].

 

وَبَعْدُ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: فَتِلْكَ هِيَ مَقَايِيسُ الشَّوْقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَبِهَا يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مَدَى شَوْقِهِ إِلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَبِهَذَا نَعْلَمُ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُشْتَاقُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مُنْغَمِسُونَ فِي أَوْدِيَةِ الدُّنْيَا، مَفْتُونُونَ بِزَخَارِفِهَا وَزِينَتِهَا، بَعِيدُونَ عَنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى تَعَلُّمًا وَتَعْلِيمًا وَدَعْوَةً، هَاجِرُونَ لِكِتَابِهِ قِرَاءَةً وَفَهْمًا وَتَدَبُّرًا وَعَمَلًا، ثِقَالًا فِي طَاعَتِهِ بِتَرْكِ نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ، وَبَخْسِ الْفَرَائِضِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى إِلَّا قَلِيلًا؛ نَعْلَمُ بِأَنَّهُمْ -عَلَى التَّحْقِيقِ- لَيْسُوا مُشْتَاقِينَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَدَّعُونَ أَوْ يَظُنُّونَ. فَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى اشْتَاقَ إِلَى كُلِّ مَا لَهُ صِلَةٌ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِكَلَامِهِ وَعِبَادَتِهِ. ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 45- 46].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشوق إلى الله تعالى (1) شوق الأنبياء إلى الله تعالى
  • الشوق إلى الله تعالى (3) علامات المشتاقين إلى الله تعالى
  • أنس السبر في ركاب الصالحين
  • خطبة: الشوق إلى الله تعالى

مختارات من الشبكة

  • مفاتيح القبول في رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • هل يكفر السلفيون شوقي؟ أم شوقي هو الذي يكفر العلمانيين؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشوق العميق للبيت العتيق (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في الشوق إلى دار السلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إلى من يحدوه الشوق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حديث الشوق(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الشوق إلى لقاء رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • نوافذ الشوق (قصيدة)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • أخلاق النبي الأمين في رحلة الشوق والحنين(مقالة - ملفات خاصة)
  • السماء والأرض في قصائد ديوان "بلابل الشوق" للشاعرة لطيفة العصيمي(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب