• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من حافظ عليها..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

(لا تغضب)

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

المصدر: ألقيت بتاريخ : 28/4/1430 هـ
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/5/2009 ميلادي - 19/5/1430 هجري

الزيارات: 41248

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من هدايات السنة النبوية

(لا تغضب)

 

الحمد لله العليِّ العظيم، قسَّم الأخلاق بين النَّاس كما قسَّم بينهم أرزاقَهم، فجعل فيهم الكريمَ والبخيل، والحليمَ والسَّفيه، والشديدَ والضعيف؛ نَحمَدُه على نِعمه الوافرة، ونشكره على عطاياه المتتابعة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، منه الخيرُ وإليه الخير، ويجزي عبادَه عليه فضلاً منه ورحمة، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه؛ آتاه الله - تعالى - جوامعَ الكَلِم، فنطق بجمل يسيرة أصبحت قواعدَ كليَّة في صلاح البشريَّة، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداهم إلى يوم الدِّين.

 

أمَّا بعد:

فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واستمسكوا بدِينه، والْتزموا هَديَ نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتمسَّكوا بسُنته، وخذوا بوصاياه؛ ففي ذلك صلاح الدُّنيا، وفوز الآخرة؛ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

 

أيُّها الناس:

في اتِّباع سُنة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الخيرُ والفَلاح، وفي الحيدة عنها الزَّيغُ والهلاك؛ ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، وكثير من الفساد والنَّقص الذي أُصيب به المسلمون كان سبُبه ضعفَ العمل بالسُّنَّة النبويَّة.

 

لقد كان مِن حرْص النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على أمَّتِه، وشفقته عليهم، ورأفته بهم، واجتهاده معهم: أنْ بَشَّرهم وأنذرهم، ورغَّبهم ورهَّبهم، وعلَّمهم ما ينفعهم، وحَجَزهم عمَّا يضرُّهم؛ تارةً يبتدر أصحابَه - رضي الله عنهم - بالنصيحة والموعظة والوصية، ويسألونه إيَّاها تارةً أخرى فيُجيبهم، وربَّما جاءه رَجلٌ مِن سَفرٍ بعيد، فيسأله أن يوصيَه بعملٍ ينفعه فيوصيه، والأحاديث التي موضوعاتها وصايا تُقدَّم على غيرها في العِناية، بحفْظها وفَهْمها والعمل بها؛ لأنَّ عادة الموصِي ألاَّ يُوصِيَ إلاَّ بما هو مهمٌّ جدًّا، والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنصحُ الناس للناس، وأعلمُهم بما ينفعهم عند الله – تعالى - فكانت وصاياه أهمَّ الوصايا وأنفعَها للناس.

 

ومن وصاياه العظيمة: ما جاء في حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلاً قال لِلنَّبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أَوْصِنِي، قال: ((لا تَغْضَب))، فَردَّد مِرارًا قال: ((لا تَغْضَب))؛ رواه البخاري.

 

ولأهميَّة هذه الوصية العظيمة وتَكْرار النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لها أطال العلماءُ الكلامَ على هذا الحديث، واعتنَوْا به عنايةً شديدة، وجعلوه من الأحاديث التي ينتخبونها للحفظ والمدارسة، واستخرَجَ بعضُهم منه أكثر من خمسين فائدةً، مع أنَّ أحرف الوصية التي جاءت فيه لا تزيد على سِتَّةِ أحرف.

 

لقد كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُوصي أصحابَه - رضي الله عنهم - بما هو مهمٌّ، وإذا سأله أحدهم وصيةً أوصاه بما ينفعه في نفسه؛ ولذلك أوصى رجلاً بكثرة الذِّكْر، وأوصى هذا بعدم الغضب، ولم يكن - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُكثِر من الوصايا أو يُعدِّدها على الرَّجل الواحد؛ لئلا ينساها الموصَى مِن كثرتها؛ وليكونَ أدعى للعمل بها؛ فإنَّ النفس البشريَّة تَضعُف في تطبيق الوصايا المتعدِّدة، وتَنشط في الامتثال للواحدة.

 

والصَّحابي حين يقول للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أوصني، فهو يسأله أن يدلَّه على بابٍ من الخير يلزمه، وقد أوصى هذا الصَّحابيَّ بعدم الغضب؛ ممَّا يدل على ذمِّ الغضب، وشدَّة فتْكه بالإنسان في دِينه ودُنياه؛ ولذا جاء في بعض روايات هذا الحديث أن الرَّجل قال: "فَفكَّرْتُ حين قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما قال، فإذا الغَضبُ يَجْمعُ الشَّرَّ كُلَّه".

 

والملاحظ أنَّ الرجل ردَّد على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مسألته مِرارًا، فكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يَزيد على أن يوصيَه بألاَّ يغضب، وفي هذا دليلٌ على أنَّ الغضب جماعُ الشَّر، وأنَّ التحرُّز منه جماعُ الخير، قال جعفر بن محمَّد - رحمه الله تعالى -: "الغضب مِفتاحُ كلِّ شَرٍّ"، وقيل لابن المبارك - رحمه الله تعالى -: اجْمَعْ لنا حُسنَ الخُلق في كلمة، قال: "ترْك الغضب"، وكذا فسَّر الإمامان، أحمد بن حنبل وابن راهويه، حُسنَ الخُلق بترْك الغضب.

 

وجاء في القرآن الكريم في فضْل كَظْم الغَيظ وَعْدٌ بجنَّة عرضُها السموات والأرض، وجاء في الحديث عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((مَن كَظَمَ غَيْظًا وهو قادرٌ على أنْ يُنْفِذَه، دَعاهُ الله - تبارك وتعالى - على رؤوس الخَلائِق حتَّى يُخَيِّرَه مِن أيِّ الحُورِ شاء))؛ رواه أحمد.

 

واجتناب الغضب سببٌ لرضا الله - تعالى - عن العبد؛ كما في حديث عبدالله بن عَمْرٍو - رضي الله عنهما -: أنَّه سَأَلَ رَسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ماذا يُباعدني من غَضِبِ الله - عزَّ وجلَّ؟ قال: ((لا تَغْضب))؛ رواه أحمد، وجاء في حديث ابن عُمرَ - رضي الله عنهما - قال: ((ما تَجرَّعَ عبدٌ جَرْعَةً أفْضلَ عندَ الله - عزَّ وجلَّ - من جَرْعَةِ غَيظٍ يَكْظِمُها ابتغاءَ وَجهِ الله تعالى))؛ رواه أحمد.

 

كلُّ هذه الأحاديث تدلُّ على أهميَّة مجانبة الغضب؛ ولذا وصَّى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - به هذا الرَّجل فقال: ((لا تغضب))، وكرَّر عليه ذلك.

 

واجتنابُ الغضب يشمل اجتنابَ أسبابه ومثيراته؛ فمِن الناس مَن يغضب إنْ جالس بعضَ مَن يستفزونه، فليجتنبْ مجالستَهم، وليباعدْ عمَّا يُثير غضبَه أينما كان، فيَسلَم من الغضب وإثمه، ومن الناس مَن يغضب على أهلِه وولده ورعيته إنْ رأى خللاً في طعامه، أو لباسه، أو بيته، أو وظيفته، وقطْعُ هذا الغضب يكون بالتغافُلِ، مع السَّعْي في إصلاح الخَلل بلا غضب.

 

عن محمَّد بن عبدالله الخزاعي قال: سمعت عثمانَ بن زائدة يقولُ: "العافيةُ عَشَرةُ أَجزاءٍ؛ تسعةٌ منها في التَّغافُل، قال: فَحدَّثتُ به أحمدَ بنَ حنبلٍ، فقال: العافِيةُ عَشَرةُ أَجزاءٍ؛ كُلُّها في التَّغافُل".

 

ويكون اجتنابُ الغضب بعدَ وقوعه بتسكينه، وتخفيف آثاره، والسيطرة على انفعاله؛ كما في حديث أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ليس الشَّديدُ بالصُّرَعَة، إنَّما الشَّديدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَه عندَ الغَضَب))؛ متفق عليه.

 

والغضب مِن الشَّيطان؛ ولذا كان التعوُّذ بالله - تعالى - من الشيطان يُخفِّف الغضب ويُذْهِبه، وقد رأى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً غضبان فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي لأعلمُ كلمةً لو قالها لذَهبَ عنه ما يَجد، لو قال: أعوذُ بالله من الشَّيطانِ الرَّجيم))؛رواه البخاري.

 

وهو مأمور بالجلوس؛ كما جاء في الحديث: ((ألاَ إنَّ الغَضبَ جَمْرةٌ تُوقَد في جَوْفِ ابن آدم، ألاَ تَرَوْن إلى حُمْرةِ عينيه وانتفاخِ أَوْداجه؟! فإذا وَجد أحدُكم شيئًا من ذلك، فالأرضَ الأرضَ، أَلاَ إنَّ خيرَ الرِّجالِ مَن كان بَطيءَ الغَضب، سَريعَ الرِّضا، وشَرَّ الرِّجالِ مَن كان سَريعَ الغَضبِ بطيءَ الرِّضا))؛ وفي حديث آخرَ: ((إذا غَضِب أحدُكم وهو قائمٌ فَلْيَجلس، فإنْ ذَهبَ عنه الغَضبُ، وإلاَّ فَلْيَضطجِع))؛ رواهما أحمد.

 

وذلك أنَّ القائم متهيِّئٌ للانتقام، والجالس دونه في ذلك، والمضطجع أبعدُ عنه، فأمره - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالتباعُد عنه حالةَ الانتقام.

 

والغضبانُ مأمورٌ بالسكوت؛ لأنَّ التراشُق بالألفاظ يَزيد في الغضب، ويؤدِّي إلى القتال، وكم في المقابر من قتيلِ غضب! وكم في السُّجون من قاتلٍ في حالة غضب! ولو أخذوا بوصية النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في اجتناب الغضبِ وأسبابه وآثاره، لنجَوْا - بإذن الله تعالى - ممَّا هُم فيه.

 

فإن كان خصيمَه أثناءَ غضبه زوجُه، فإنَّ الكلام يؤدِّي إلى الطلاق، وتفرُّقِ الأسرة، وضياع الأولاد؛ ولذا جاء في الحديث: ((إذا غَضِبَ أحدُكم فَلْيَسكُت))، وقال سَلْمان - رضي الله عنه - لرجل: لا تغضب، قال: أمرتني ألاَّ أغضب، وإنَّه ليغشاني ما لا أملك، قال: فإنْ غضبتَ، فاملكْ لِسانَكَ ويدَك.

 

وعلى المرْء أن يجتهد إنْ تكلَّم حالَ غضبه ألاَّ يقولَ إلاَّ حقًّا، ومن الدُّعاء المأثور: ((وأَسألُك كَلمةَ الحقِّ في الرِّضا والغَضب))؛ رواه النَّسائي.

 

قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله تعالى -: "وهذا عزيزٌ جدًّا، وهو أنَّ الإنسان لا يقول سوى الحقِّ؛ سواء غضب أو رضي، فإنَّ أكثر الناس إذا غضب لا يتوقَّف فيما يقول".

 

والوضوء مِن أسباب كبْح الغضب في بدايته، وتخفيف آثاره؛ ليطفئَ الغضبانُ بالماءِ نارَ غضبه؛ كما روى أبو وائلٍ القاصُّ قال: دَخَلْنا على عُروةَ بن محمَّد بنِ السَّعْديِّ، فكَلَّمَه رَجلٌ فأغْضبَه، فَقامَ فتوضَّأَ، ثُمَّ رجع وقد تَوضَّأَ، فقال: حدَّثني أبي عن جَدِّي عَطيَّةَ، قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الغَضبَ من الشَّيطان، وإنَّ الشَّيطانَ خُلِقَ من النَّار، وإنَّما تُطْفأُ النَّارُ بالماء، فإذا غَضِبَ أحدُكم فَلْيَتوضَّأْ))؛ رواه أبو داود.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133 - 134].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدِّين.

 

أمَّا بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 56].

 

أيُّها المسلمون:

إنَّ هذه الوصية العظيمة من النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعدم الغضب، وما جاء في الأحاديث الأُخرى الكثيرة من معالجةِ الغضب وتخفيف آثاره - لَتدُلُّ دلالةً واضحةً على فتْك الغضب بالإنسان، وأنَّه يؤثِّر في دِينه ودُنياه، وقد ثبت عندَ أهل الطبِّ أنَّ الغضب سببٌ لكثير من أمراض العصر المزمنة؛ كالضغط، والسُّكر، وأمراض القلب، وغيرها.

 

إنَّ الإنسان قد يفسُد عيشُه بسبب الغضب، فلا يطيقه أهلُه وولدُه والمقرَّبون منه؛ لكثرة غضبه، ولا يحسُّون بالأمن أثناءَ وجوده بينهم، وهذا مِن أهمِّ أسباب الوحشةِ والفُرْقة بين أفراد الأسرة الواحدة، وبعض الناس ما عاد يحتمل أحدًا؛ لسرعةِ غضبه وبُطءِ رِضاه، ولا يحتمله أحد، فيَمَلُّ النَّاسَ ويَمَلُّونه، ويُصاب بعزلة تَفتِك به، فمَن روَّض نفسَه على كبْح الغضب وقهر الشيطان، ارتاضتْ، فاندحر شيطانه؛ ذلك أنَّ الحِلْم بالتَّحلُّم، كما أنَّ العِلم بالتعلُّم، فلا يَقدر أحدٌ على إغضابه؛ لأنَّه يملك نفسَه، وأمَّا مَن جارى نفسَه الأمَّارة بالسوء، ولَعِبَ به هواه، وتقاذفته شياطينُه، واستطاع السفهاءُ من الناس استفزازَه - فهو ضعيف، وإنْ بدا للناس قويًّا.

 

والغضب لمحارم الله - تعالى - التي تُنتهك محلُّ مدحٍ وثناءٍ في الشريعة؛ وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أشدَّ الناس غضبًا إذا انتهكت لله - تعالى - حُرْمة، كما جاء في الأحاديث الكثيرة، ومع ذلك يجب أن يكونَ هذا الغضب موزونًا بميزان الشَّرع، لا يصل بصاحبه إلى الإفراط والغلو، وإلاَّ لأهلك النَّفْس وأوْبَقها، وأوْقعها في التألِّي على الله - تعالى - كما جاء في حديث أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - قال: سمعت رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((كان رجُلانِ في بني إسرائِيلَ مُتواخِيَين، فكان أحدُهما يُذنِبُ، والآخرُ مُجتهِدٌ في العِبادة، فكان لا يَزالُ المُجتهِدُ يرى الآخرَ على الذَّنب، فيقول: أقصِرْ، فوجده يومًا على ذنبٍ فقال له: أقصِرْ، فقال: خَلِّني وربِّي، أبُعِثتَ عليَّ رقِيبًا؟! فقال: واللهِ لا يغفِرُ الله لكَ، أو لا يُدخِلُك الله الجنَّة، فقَبضَ أرواحَهما، فاجتمعا عندَ ربِّ العالَمِين، فقال لهذا المُجتهد: كنتَ بي عالِمًا، أو كُنت على ما في يدي قادِرًا؟! وقال للمُذنب: اذهبْ فادخُل الجنَّة برحمتي، وقال للآخر: اذهبُوا به إلى النَّار، قال أبو هُريرةَ: والذي نفسِي بيده، لتكلَّم بكلمةٍ أوبقتْ دُنياهُ وآخرتَه))؛ رواه أبو داود.

 

يقول الحافظ ابن رجب - رحمه الله تعالى -: "فهذا غَضِبَ لله، ثم تكلَّم في حال غضبه لله بما لا يجوز، وحتَّم على الله بما لا يَعلمُ، فأحبط الله عملَه، فكيف بِمَن تكلَّم في غضبه لنفسِه ومتابعة هواه بما لا يجوز؟!".

 

قال عطاء بن أبي رَباحٍ - رحمه الله تعالى -: "ما أبْكَى العلماءَ بكاءٌ آخِرَ العمر من غَضْبةٍ يَغضبها أحدُهم فتَهدِم عملَ خمسين سَنةً، أو سِتِّين سَنة، أو سبعين سَنة، ورُبَّ غَضْبةٍ قد أقْحَمت صاحبَها مُقْحَمًا ما استقاله".

 

وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّكم....





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كيف تتجنبين الغضب؟
  • الحلم والصفح
  • بين الحلم والغضب
  • نزول الأمانة ورفعها
  • لا تغضب ولك الجنة
  • لا تغضب
  • حديث الاستقامة
  • أسباب خفية
  • حديث ضبط الإنفاق
  • فوائد من حديث: لا تغضب
  • لا تغضب (خطبة)
  • لا تغضب (خطبة)
  • لا تغضب ولك الجنة

مختارات من الشبكة

  • شرح حديث النهي عن الغضب (لا تغضب) من الأربعين النووية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (16) لا تغضب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا تغضب ولك الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا تغضب(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • لا تغضب!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح الحديث 16 من كتاب الأربعين النووية (لا تغضب)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • مهلا يا مسلمون.. لا تغضبوا!(مقالة - ملفات خاصة)
  • فوائد من حديث: لا تغضب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا تغضب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • زوجتي تغضب كثيرا(استشارة - الاستشارات)

 


تعليقات الزوار
1- ......
مؤمن - جمهورية مصر العربية 15-05-2009 10:33 AM

وعنه -رضي الله عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله أوصني: فقال: لا تغضب، فردد مرارا، قال: لا تغضب أخرجه البخاري .
نعم وهذا الخبر أيضا فيه وصية عظيمة، وهي من مجامع الوصايا، قال: لا تغضب، في اللفظ الآخر عند أحمد من حديث حميد بن عبد الرحمن أن رجلا سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- قال أوصني، قال: لا تغضب قال ذلك الرجل: ففكرت فإذا الغضب يجمع الشر كله.
وجاء في رواية عند أحمد أنه جارية بن قدامة السعدي، رواية الأحنف بن قيس عن عمه جارية بن قدامة السعدي، وأنه هو الذي وصاه بذلك -عليه الصلاة والسلام-.
وجاء هذا المعنى في عدة أخبار الوصية بعدم الغضب، عند أحمد قال: إذا غضبت فاسكت أمر بالسكوت والغضب جمرة يغلي في قلب ابن آدم حديث أبي ذر عند أحمد وأبي داود، أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن لم يذهب عنه الغضب فليضطجع أمره أن يجلس ثم أن يضطجع، وذلك أن الغضبان ربما يتأذى، ربما يستعمل يده، وجوارحه، لكن حينما يجلس تهدأ نفسه، وإذا لم يذهب الغضب عنه فليضطجع، وهذا أبلغ؛ لأنه قهر للهوى والشيطان.
* موضوع مثمر وهادف للغاية وتمت الاستفادة بفضل الله وحمده

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب