• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ابتلاء الأبرص والأقرع والأعمى (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الحلقة الرابعة: رحيم بالخلائق والعباد
    الدكتور مثنى الزيدي
  •  
    التحذير من الكسل (2)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    الحلقة الثالثة: قالوا وما الرحمن
    الدكتور مثنى الزيدي
  •  
    {ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم ...
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الحلقة الثانية: لماذا أعرف الله؟
    الدكتور مثنى الزيدي
  •  
    تفريج الهم.. وتنفيس الكرب
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    المرض الاقتصادي: أشكاله وآثاره
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    فقه مرويات ضرب الزوجة في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة (إنكم تشركون)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    طعام وشراب النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    آيات كونية مرئية ومنسية (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    التحذير من الكسل (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    العلاقات الزوجية والأسرة المسلمة (PDF)
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    السكينة وسط الضجيج: تأملات شرعية في زمن الصخب ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    إلى كل مشتاق لتحسين الأخلاق (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

هل بسط الدنيا دليل على الرضا؟

هل بسط الدنيا دليل على الرضا؟
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/11/2019 ميلادي - 16/3/1441 هجري

الزيارات: 30901

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هل بسط الدنيا دليل على الرضا؟


الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ؛ يُعْطِي وَيَمْنَعُ، وَيَرْفَعُ وَيَضَعُ، وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا؛ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ خَيَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْمُلْكِ وَالْعُبُودِيَّةِ، فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا، لَا مَلِكًا رَسُولًا، وَخَيَّرَهُ بَيْنَ الْخُلْدِ فِي الدُّنْيَا وَلِقَائِهِ، فَاخْتَارَ لِقَاءَ اللَّهِ تَعَالَى، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْمَلُوا صَالِحًا فِي الدُّنْيَا تَجِدُوا فَوْزًا عَظِيمًا فِي الْآخِرَةِ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 185].

 

أَيُّهَا النَّاسُ:

جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الدُّنْيَا لِكُلِّ عِبَادِهِ، مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، وَبَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ. يَنَالُ الْعَبْدُ مِنَ الدُّنْيَا مَا كُتِبَ لَهُ مِنْهَا بِعَمَلِهِ وَكَدِّهِ وَسَعْيِهِ. وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الدَّارَ الْآخِرَةَ خَالِصَةً لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الطَّائِعِينَ ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾ [الْإِسْرَاء: 18 - 21].

 

وَهَذَا يُبْطِلُ مَا يَظُنُّهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ أَنَّ عَطَاءَ الدُّنْيَا دَلِيلٌ عَلَى رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنْ أَعْطَاهُ، وَأَنَّ حِرْمَانَ الدُّنْيَا دَلِيلٌ عَلَى سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنْ حَرَمَهُ، وَقَدْ عَظُمَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي مَكَّةَ أَنْ يَكُونَ أَتْبَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الضَّعَفَةِ الْمَسَاكِينِ ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ﴾ [الْأَحْقَاف: 11]. فَظَنُّوا أَنَّهُمْ هُمُ السَّبَّاقُونَ لِلْخَيْرِ لَمَّا كَانُوا أَغْنَى وَأَقْوَى، وَجَهِلُوا أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يُنَالُ بِالْغِنَى وَالْجَاهِ وَالْقُوَّةِ، وَأَنَّ النَّاسَ فِي نَيْلِ الْإِيمَانِ أَوِ الْحِرْمَانِ مِنْهُ سَوَاسِيَةٌ؛ فَمَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ اهْتَدَى، وَمَنْ عَصَاهُ وَعَانَدَهُ ضَلَّ وَغَوَى.

 

وَالظَّنُّ بِأَنَّ الْآخِرَةَ تُؤْخَذُ كَمَا تُؤْخَذُ الدُّنْيَا، وَأَنَّ مَنْ أُعْطِيَ فِي الدُّنْيَا يُعْطَى فِي الْآخِرَةِ يَسْرِي فِي الْأُمَمِ وَالْأَفْرَادِ؛ فَالْأُمَّةُ الَّتِي فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا فِي الْغِنَى وَالرِّزْقِ وَالتَّقَدُّمِ وَالصِّنَاعَةِ قَدْ يَرَاهَا الْجُهَّالُ مِنَ النَّاسِ أَهْدَى سَبِيلًا مِنَ الْأُمَّةِ الْخَامِلَةِ الْمُتَخَلِّفَةِ عَنْ رَكْبِ الْحَضَارَةِ. وَكَذَا مِنَ الْأَفْرَادِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا أَعْطَى فُلَانًا مِنَ الدُّنْيَا وَبَسَطَ لَهُ فِيهَا إِلَّا لِأَنَّهُ سَيُعْطِيهِ الْآخِرَةَ، وَهَذَا ظَنٌّ خَطَأٌ؛ فَالدُّنْيَا تُنَالُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَبِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَبِالنُّصْحِ وَالْغِشِّ، وَبِالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ؛ لِأَنَّهَا دَارُ بَلَاءٍ يُمْتَحَنُ فِيهَا الْعِبَادُ. وَأَمَّا الْآخِرَةُ فَهِيَ دَارُ الْجَزَاءِ؛ فَلَا يُنَالُ نَعِيمُهَا إِلَّا بِالْحَلَالِ وَالصِّدْقِ وَالنُّصْحِ وَالْإِيمَانِ.

 

وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عَطَاءَ الْكُفَّارِ لَيْسَ إِلَّا اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ؛ لِيَغْتَرُّوا بِمَا أُعْطُوا، وَيُؤْخَذُوا بِهِ فِي الْآخِرَةِ ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 182- 183]، وَكُلُّ مَتَاعٍ فِي الدُّنْيَا لِمَنْ تَنَكَّبَ طَرِيقَ الْهِدَايَةِ، وَرَكِبَ طَرِيقَ الْغَوَايَةِ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْأُمَمُ وَالْأَفْرَادُ؛ فَفِي الْأُمَمِ وَالْجَمَاعَاتِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 178]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 55-56]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ [سَبَأ: 35]، فَجَعَلُوا كَثْرَةَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ سَبَبًا لِمَنْعِ الْعَذَابِ؛ لِأَنَّهَا عَطَاءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا، وَالْعَطَاءُ دَلِيلُ الرِّضَا حَسَبَ ظَنِّهِمْ؛ فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ هَذَا الظَّنَّ السَّيِّئَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ * وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾ [سَبَأ: 37- 38] وَفِي آيَاتٍ أُخْرَى ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 205-207].

 

وَفِي الْأَفْرَادِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا ﴾ [مَرْيَمَ: 77 - 79].

 

وَفِي مَقَامٍ آخَرَ فَنَّدَ اللَّهُ تَعَالَى مَقُولَةَ أَصْحَابِ هَذَا الظَّنِّ حِينَ يَفْتَحُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّنْيَا مَا يَغْتَرُّونَ بِهِ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ مَا نَعِمُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا لَنْ يَقِيَهُمْ عَذَابَ الْآخِرَةِ ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [فُصِّلَتْ: 50]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي أَبِي لَهَبٍ: ﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾ [الْمَسَدِ: 2] وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَرَى الْكَافِرُ أَنَّ مَا فُتِحَ لَهُ مِنْ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا لَمْ يَنْفَعْهُ فِي آخِرَتِهِ فَيَقُولُ مُتَحَسِّرًا: ﴿ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾ [الْحَاقَّةِ: 27 - 29].

 

وَيَسْتَتْبِعُ هَذَا الظَّنَّ السَّيِّئَ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ -وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ يُعْطِي فِي الْآخِرَةِ بِقَدْرِ مَا أَعْطَى فِي الدُّنْيَا- عَمَلٌ آخَرُ سَيِّئٌ؛ وَهُوَ احْتِقَارُ الضَّعَفَةِ وَالْمَسَاكِينِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَدَمُ قَبُولِ الْحَقِّ مِنْهُمْ لِضَعْفِهِمْ، وَقَبُولُ الْبَاطِلِ مِنَ الْأَقْوِيَاءِ لِقُوَّتِهِمْ، مَعَ أَنَّ مِيزَانَ الْحَقِّ لَا عَلَاقَةَ لَهُ بِقُوَّةِ الْمَالِ وَالْجَاهِ، وَلَكِنَّهَا الْمَفَاهِيمُ حِينَ تَنْتَكِسُ، وَالْعُقُولُ حِينَ تُنْتَقَصُ. بَلْ قَالَ كُفَّارُ مَكَّةَ ذَلِكَ فِي الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ مِنْ أَوْسَطِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَوُجَهَائِهِمْ فَقَالُوا: ﴿ أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا ﴾ [ص: 8]، ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ [الزُّخْرُفِ: 31]، وَقَبْلَهُمْ قَالَتْ ثَمُودُ فِي صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا ﴾ [الْقَمَرِ: 25].

 

وَأَدَّى احْتِقَارُهُمْ لَهُمْ إِلَى السُّخْرِيَةِ بِهِمْ وَبِدَعْوَتِهِمْ ﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الْبَقَرَةِ: 212]، ﴿ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ * وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ﴾ [الصَّافَّاتِ: 12 - 14].

 

لَكِنْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَظْهَرُ الْحَقِيقَةُ، وَيَرَى أَقْوِيَاءُ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنَّ الضُّعَفَاءَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْهُمْ وَمِنْ دِينِهِمْ هُمُ الَّذِينَ فَازُوا بِرِضْوَانَ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ وَبِجَنَّتِهِ ﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 48- 49]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴾ [ص: 62 - 64]، وَفِي مَقَامٍ آخَرَ: ﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [الْمُطَفِّفِينَ: 34 - 36].

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُلْهِمَنَا رُشْدَنَا، وَيَكْفِيَنَا شُرُورَ أَنْفُسِنَا، وَأَنْ يُدْخِلَنَا فِي عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَيَجْعَلَنَا مِنْ حِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا هَدَاكُمْ إِلَيْهِ مِنَ النُّورِ الْمُبِينِ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَقَدْ ضَلَّ عَنْهُ أَكْثَرُ الْعَالَمِينَ ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يُوسُفَ: 103].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

الْحَقُّ لَا يُعْرَفُ بِالْكَثْرَةِ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَعْمَوْنَ عَنْهُ؛ عِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا، أَوْ جَهْلًا وَإِعْرَاضًا ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الرَّعْدِ: 1]، ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 24]، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الصَّافَّاتِ: 35].

 

كَمَا أَنَّ الْحَقَّ لَا يُعْرَفُ بِقُوَّةِ الْجَاهِ وَالْمَالِ؛ فَالَّذِينَ حَمَلُوا الْحَقَّ فِي سَائِرِ الْأُمَمِ مِنَ الضُّعَفَاءِ الْمُسْتَضَامِينَ، قَالَ قَوْمُ نُوحٍ لَهُ: ﴿ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 111]، ﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ﴾ [الْأَنْعَامِ: 53].

 

وَأَكْثَرُ الْمُكَذِّبِينَ وَالْمُعَذَّبِينَ كَانُوا مِنَ الْمَلَأِ الْمُتْرَفِينَ ذَوِي الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْقُوَّةِ ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ﴾ [مَرْيَمَ: 74]، ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا ﴾ [ق: 36].

 

وَإِذَا فَهِمَ الْعَبْدُ ذَلِكَ اسْتَبَانَ لَهُ الطَّرِيقُ، وَعَرَفَ الْحَقَّ، وَلَمْ يَقِسْهُ بِقُوَّةٍ وَلَا بِكَثْرَةِ مَالٍ وَلَا جَاهٍ، وَلَمْ يُعَلِّقْ إِيمَانَهُ وَاتِّبَاعَهُ لِلْحَقِّ بِرِجَالٍ مَهْمَا عَظُمُوا فِي عَيْنِهِ، فَالْحَقُّ أَقْوَى مِنْ كُلِّ قَوِيٍّ، وَإِنَّمَا يَقْوَى الضَّعِيفُ بِالْحَقِّ حِينَ يَتْبَعُهُ، وَيَضْعُفُ الْقَوِيُّ بِالْحَقِّ حِينَ يَتْرُكُهُ أَوْ يُحَارِبُهُ. وَيُعْرَفُ الْحَقُّ بِالْوَحْيِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَكُلُّ النَّاسِ يَقْرَؤُونَهُ أَوْ يَسْمَعُونَهُ، وَهَذَا مِنْ عَدْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ بِالْعِبَادِ، فَلَا يَهْلَكُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا هَالِكٌ ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الْكَهْف: 28].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • جنة الرضا
  • زهور الرضا
  • التماس الرضا
  • السعادة في الرضا
  • الرضا: نجاة وفلاح

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة كتاب الكفالة (بسط المقالة في تحقيق تأجيل الكفالة) (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة كتاب الكفالة ( بسط المقالة في تحقيق تأجيل الكفالة )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة بسط الكف في إتمام الصف(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • بسط لمهمات من حقوق الولاة على الرعية(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • أثر الأدلة الشرعية في تحقيق مقصد حفظ الدين (دليل الإجماع أنموذجا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأدلة على ثبوت النسخ(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دراسة تاريخية عن الإعجاز البلاغي للقرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وينزل الغيث (4)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • كيف تحفظ القرآن بإتقان: دليل عملي مبني على تجارب الناجحين (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • سلسلة دروب النجاح (1) البوصلة الداخلية: دليل لاختيار مسارك الجامعي بثقة(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • النسخة السادسة من مسابقة تلاوة القرآن الكريم للطلاب في قازان
  • المؤتمر الدولي الخامس لتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية في داغستان
  • برنامج علمي مكثف يناقش تطوير المدارس الإسلامية في بلغاريا
  • للسنة الخامسة على التوالي برنامج تعليمي نسائي يعزز الإيمان والتعلم في سراييفو
  • ندوة إسلامية للشباب تبرز القيم النبوية التربوية في مدينة زغرب
  • برنامج شبابي في توزلا يجمع بين الإيمان والمعرفة والتطوير الذاتي
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/5/1447هـ - الساعة: 14:3
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب