• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم من المنظور الإسلامي
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

فكلا أخذنا بذنبه

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

المصدر: ألقيت بتاريخ: 24/12/1430هـ.
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/12/2009 ميلادي - 4/1/1431 هجري

الزيارات: 34639

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
الحمد لله القوي القهار، العزيز الجبار، يعذب مَن يشاء بعدله، وينجي مَن يشاء برحمته، لا رادَّ لأمره، ولا معقِّب لحكمه، وهو على كل شيء قدير، نحمده فهو أهل الحمد في السراء والضراء، وليُّ النعماء، ودافع البلاء، ومُجِيب الدعاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا نجاة من عذابه إلا بطاعته، ولا مفرَّ منه إلا إليه، هو مقصدُ المنيبين، وأمانُ الخائفين، وملاذُ التائبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أعلم الناس بالله - تعالى - وأكثرهم رجاءً له، وخوفًا منه، وكان إذا تخيلت السماء تغير لونه، وخشي أن يكون عذابًا، فإذا أمطرت سُرِّي عنه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
 
أما بعد:
فاتقوا الله - تعالى - حق التقوى؛ فإنه لا نجاة للعباد من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة إلا بالتقوى؛ {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر: 61].
 
أيها الناس:
مَن عرف الله - تعالى - حق المعرفة بأسمائه وصفاته وخلقه وآياته، مع هدايته للإيمان واليقين - قام في قلبه من مهابة الله - تعالى - وتعظيمه وإجلاله ما يدفعه للطاعات، ويحجزه عن المحرمات؛ محبةً لله - تعالى - ورجاء ثوابه، وخوفًا من عذابه، وكلَّما ازداد علمُ العبد بربه ويقينُه ازداد مهابة له، وخوفًا منه.
 
ولذا كان أشد الخلق خوفًا من الله - تعالى - مَن كانوا أعلم به - سبحانه - وهم الرسل والملائكة - عليهم السلام - قال - سبحانه وتعالى - في الملائكة: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28]، وقال في الرسل - عليهم السلام -: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90].
 
وقد نهى الله - تعالى - عن الخوف من غيره - عز وجل - فقال يخاطب المؤمنين: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، وفي آية أخرى: {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ} [التوبة: 13]، قال أبو سليمان الداراني - رحمه الله تعالى -: ما فارق الخوف قلبًا إلا خرب.
 
إن مَن قرأ كتاب الله - تعالى - وعلم ما اتصف به ربنا - سبحانه - من العظمة والعزة والقهر، والقوة والجبروت والقدرة، مع تدبُّره لما يقرأ - امتلأ قلبه بالرهبة والخوف من الله - تعالى - مع محبته وتعظيمه ورجائه وإجلاله؛ ففي القرآن الكريم أن ربنا - جل في علاه - هو: {الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 23]، وفيه أيضًا: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 220]، وفيه: {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]، وفيه: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20]، وفيه: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18]، وفيه عشرات الآيات القرآنية التي تبيِّن شيئًا من أسماء ربنا الحسنى وصفاته العلى، لا يملك قارئها إلا أن يسبح الله - تعالى - ويكبره ويذكره.
 
ثم إذا تأمل المؤمن حاجة الخلق إلى ربهم، وغناه - سبحانه - عنهم، وقدرته - تعالى – عليهم، مع عجزهم عن ردِّ عذابه أو تخفيفه أو النجاة منه - سعى فيما يرضيه، وجانَب ما يسخطه؛ قال الله - تعالى - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 95]، وفي آية أخرى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65].
 
لقد قرأنا في القرآن أن ربنا - سبحانه وتعالى - مع كمال قدرته وقوته، وعزته وكبريائه، وقهره وجبروته، لما عذَّب مَن استحقوا العذاب من خلقه، كان عذابه أليمًا شديدًا، وقد قص ذلك علينا لنحاذر سخطه، ونجتنب أسباب عذابه؛ {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة: 196]، وفي آية أخرى: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم: 47]، وفي ثالثة: {وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة: 165]، وفي رابعة: {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]، وفي خامسة: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 13]، وفي سادسة: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2]، وآيات أخرى كثيرة تثبت شدة عذاب الله - تعالى - وقوة بطشه، وسرعة انتقامه.
 
وقرأنا في القرآن أيضًا تنوُّع عقوباته، فهي ليست عقوبة واحدة، ولا على طريقة مألوفة، فلا يدري العباد كيف يعذَّبون، ولا ما يحاذرون؛ لأن مظانَّ الرحمة قد يقلبها الله - تعالى - عذابًا؛ فالغرق عذابٌ يأتي مما ظاهره الرحمة وهو المطر، فيفرح الناس به وهو عذابهم، كما أُهْلِك به قوم نوح - عليه السلام -: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت: 14]، {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} [الفرقان: 37]، وأغرق بالسيل جنان سبأ وأموالهم: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ: 16]، وبالغرق في البحر أهلك فرعون وجنده: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 136]، فسبحان مَن جعل الماء الذي لا حياة للناس إلا به سبب هلاكهم! وسبحان مَن عظمت قدرته فقلب آية الرحمة عذابًا، وأغرق بالمطر أقوامًا!
 
والريح آية أخرى لا حياة على الأرض بفقْدها، ومع ذلك يجعلها الله - تعالى - عذابًا لِمَن شاء من خلقه، وقد أهلك بها عادًا لما كذبوا هودًا - عليه السلام -: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} [الحاقة: 6]، وفي سورة أخرى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: 24- 25].
 
والصيحة صوت، والصوت في العادة لا يضرُّ الأعيان، والبشر قد جُبِلوا على الأصوات ضعيفها وقويها، ومع ذلك جعل الله - تعالى - بقدرته هذا الصوت هلاكًا للمكذبين، فعذب به ثمود لما كذبوا صالحًا؛ {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِثَمُودَ} [هود: 67- 68]، وفي أخرى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} [القمر: 31].
 
وأقوام آخرون من المكذِّبين حُصِبوا بالحجارة حتى هلكوا، منهم قوم لوط - عليه السلام -: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 82- 83]، وفي أخرى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلاَّ آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34]، وعُذِّب بالحجارة أصحابُ الفيل: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 3- 5].
 
وعُذِّب قارونُ بالخسف، فتجلجل بداره في الأرض إلى حيث يعلم الله - تعالى -: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} [القصص: 81]، وقد هدَّد الله - تعالى - أهل المعاصي بذلك؛ {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} [النحل: 45].
 
وحوائج البشر إلى ربهم - سبحانه وتعالى - لا تنتهي، فلا حول لهم إلا به - سبحانه - ولا قِوام لهم إلا برزقه، ولو حبسه عنهم لهلكوا؛ ولذا كان القحط والجوع ونضوب الماء وقلة الأمطار هلاكًا، كما كانت زيادتها إلى حدِّ الإغراق عذابًا، وقد عُذِّب أقوامٌ بالجوع حتى هلكوا، وتاريخ البشر مليء بالمجاعات والأوبئة العامة التي هلك فيها أمم من الناس؛ {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون} [النحل: 112].
 
وآخرون عُذِّبوا بتلف أموالهم، وذهاب زرعهم وثمارهم، فانقلبوا من السعة إلى الضيق، ومن الغنى إلى الفقر؛ كما كان حال المفاخر بجنته: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [الكهف: 42].
 
وكما كان حال أصحاب الجنة حين تقاسموا على منع الفقراء حقهم من ثمارها؛ {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم: 19- 20].
 
وعُذِّبت أمةٌ من بني إسرائيل بالمسخ، ففقدوا في لحظات آدميتهم، ونُقلوا إلى درك الحيوانية البهيمية، نعوذ بالله - تعالى - من سخطه: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف: 166]، وفي آية أخرى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} [المائدة: 60]، وعُذِّب آخرون منهم بالذلِّ والهوان وتسليط الجبابرة عليهم، قتلاً وأسرًا وإذلالاً؛ {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف: 167]، وفي آية أخرى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} [آل عمران: 112].
 
فالسعيد مَن تدبر كتاب ربه، واتعظ بما حلَّ بالأمم قبله، والشقي مَن أتبع نفسه هواها، فأوبقها وأشقاها، فلا بقيت له الدنيا، ولا سلم في الآخرة.
 
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40].
 
بارك الله لي ولكم.
 
 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
 
أما بعد:
فاتقوا الله - تعالى – وأطيعوه؛ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 235].
 
أيها المسلمون:
من حكمة الله - تعالى - في قَدَره وعجيب صنعه في خلقة أن الآية الواحدة من آياته يرسلها فتكون رحمة لقوم وابتلاء لقوم، وعذابًا لقوم وإنذارًا وتخويفًا لقوم، فيجتمع في الآية الواحدة من آياته - سبحانه - الرحمة والعذاب، والابتلاء والإنذار والتخويف، وهذا يدل على حكمة العليم الحكيم؛ {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].
 
وإذا كانت الأمم الغابرة المتعاقبة قد عُذِّبت بأنواعٍ من العذاب بحسب ذنوبها، فإن الحضارة المعاصرة قد جمعت جميع الأسباب التي عُذِّب بها السابقون؛ لأن مَن يُدير دفَّتها ويوجهها هم الماديُّون الذين لا يؤمنون بالله - تعالى - ربًّا، ولا يقيمون لدينه وزنًا.
 
فالشرك بالله - تعالى - والاستكبار عن عبادته، ومعاداة رسله، ومحاربة شرائعه، تلك الموبقات العظيمة التي عُذِّب بسببها السابقون هي البناء الأساس للحضارة المادية المعاصرة؛ إذ أُسِّست على تنحية الإيمان بالغيب، ونبذ الدين، وحصر العمل لأجل الدنيا.
 
وهؤلاء المستكبرون عن عبادة الله - تعالى - يريدون تعميم هذا الفكر الإلحادي على جميع البشر تحت لافتة الحرية، التي من أهم بنودها مناهضة العبودية لله - تعالى.
 
والجرائم الأخلاقية التي عُذِّب بسببها قوم لوط حين شاعت الفواحش فيهم أضحت في عصرنا هذا تُشرَّع بالقوانين في العلاقات المِثْلية، وتُفرَض على الناس في بعض الدول، ويُلِحُّ الشاذُّون من الرجال والنساء على قبول الناس بقذارتهم.
 
والجرائم الاقتصادية التي فشت في قوم شعيب فعُذِّبوا بسببها، والربا الذي استحلَّه بنو إسرائيل فضُربتْ عليهم الذلة بسببه، كل ذلك موجودٌ في اقتصاد اليوم، بل إن مبنى الاقتصاد العالمي هو على الربا والقمار والغش والاحتكار، وها هو الكساد الاقتصادي، والانهيار المالي يضرب الدولة الأولى، ثم يمتدُّ ليهوي باقتصاد مدينة دبي التي طالما غنَّى الليبراليون العرب بما فيها من حرية وفسوق، ونادوا بتعميم أنموذجها على سائر بلاد العرب.
 
إن آيات الله - تعالى - ونُذره قد تتابعت كما لم تتتابع من قبل، تمثَّل ذلك في أعاصير تسونامي ومانيمار وكاترينا وعمان... أعاصيرُ شديدة اجتاحت مدنًا، وابتلعت بشرًا كثيرًا، وزلازل ضربت الجزائر وتركيا والصين وباكستان وإيران وغيرها؛ فخلفت ألوفًا من القتلى والمشرَّدين، وأوبئة تظهر في البشر والحيوان من الإيدز وحمى الوادي المتصدع، وجنون البقر وأنفلونزا الطيور ثم الخنازير، وفتن وحروب يزداد اشتعالها كل عام عما قبله، وتلوث في البحار والهواء ينذر بعواقب وخيمة.
 
والمستشرفون للمستقبل يحذرون من مجاعات وأوبئة وفوضى قد تقع في أيَّة لحظة، ولا دافع للبلاء إلا الله - تعالى - ولا عاصم من أمره - سبحانه - فاعتبِرُوا بما ترون وتسمعون، وتوبوا إلى ربكم قبل أن يحلَّ بكم عذابه، فإن قومًا من إخوانكم قبل أيام كانوا قائلين في فرشهم، آمنين في بيوتهم، متقلِّبين في نِعَمِهم، أصابهم الغرق من حيث لا يشعرون، تغمَّدهم الله - تعالى - بواسع رحمته، وخلف على ذويهم بخير؛ {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف: 4].
 
فاعتبروا يا عباد الله قبل حلول البلاء؛ فإن العذاب إذا حلَّ بقوم لم يدفعه عنهم شيء؛ {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور: 7- 8].
 
وصلوا وسلموا على نبيكم.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إحياء القلوب بترك الذنوب
  • الإصرار على الذنب
  • فكلا أخذنا بذنبه
  • وكفر عن ذنبه

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أحاط باليهود الفساد من كل جانب، وأخذ عليهم الشيطان كل سبيل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أكد الله وقوع البعث ليزيل من النفس كل شك ويكشف عنها كل شبهة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جرائم فاقت كل وصف وتعدت كل حد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تخريج حديث: احلقه كله، أو دعه كله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم بيع القطيع من الأغنام أو الكومة من الطعام كل شاة بكذا أو كل حبة بكذا(كتاب - آفاق الشريعة)
  • أعظم من كل نعيم وأكبر من كل لذة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث ابن عمر: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته"(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب