لمحات في المحاماة (6)

فقه التقاضي

الحلقة (103)

لمحات في المحاماة (6)

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله. مستمعي الأفاضل. في برنامجكم: "فقه التقاضي"، وكنا شرعنا في الحلقات الماضية في الحديث عن المحاماة؛ لعلاقتها القوية وارتباطها الوثيق بالقضاء والتقاضي، وذكرت أن الحاجة إلى المحاماة قائمة، ولها فوائدها، وأن نظام المحاماة السعودي، الصادر عام 1422هـ، قد نظَّم أعمال المحاماة وإجراءاتها، وسبق أن استعرضنا في حلقات مضت واجبات المحامين وحقوقهم مما أورده هذا النظام، ووقف بنا الحديث عند مسألة مهمة، وهي مسألة عزل المحامي، ففي المادة السابعة والعشرين: (للموكل أن يعزل محاميه، وعليه أن يدفع كامل الأتعاب المتفق عليها إذا ثبت أن العزل بسبب غير مشروع، ما لم ترَ المحكمة المختصة بنظر القضية غير ذلك بالنسبة للعزل وكامل الأتعاب).

ففي المادة جواز أن يعزل الموكل محاميه؛ لأن الأصل في عقد التوكيل الجواز، وقد يكون المحامي مفرطًا في العمل الموكَل إليه، أو تعدى في أمر يضر بمصلحة موكله، كما لو اتصل بخَصم موكله وأعانه في الخصومة ضد موكله، أو وكَّل محاميًا في القضية دون إذن الموكِّل، ونحو ذلك من الأسباب التي يراها الموكل مُضرَّة به، ومؤثرة في إضعاف موقفه في الخصومة، ففي هذه الحالة للموكل أن يفسخ الوكالة، وليس للوكيل - أي المحامي - من الأجرة سوى ما يقابل ما قام به من عمل، وتقديرُ ما يستحقه المحامي عن عمله يكون من قِبَل المحكمة ناظرة القضية، وتوجب اللائحة التنفيذية على الموكل إذا عزل محاميه إبلاغَه بخطاب مسجل مصحوب بعلم الوصول، وكذا إبلاغ الجهة ناظرة القضية بذلك، ولا يحق له الإعلان في أي وسيلة إعلامية إلا بعد موافقة الإدارة العامة للمحاماة، وبما أن الوكالة على الخصومة تكون بأجرٍ في الغالب؛ لذا فإن فسخ الوكالة من جهة الموكل لا يبطل حق الوكيل فيما اتفق عليه الطرَفان من أجرة أو أتعاب، فإذا كان فسخ الوكالة دون سبب مشروع، فإن للمحامي استيفاءَ كامل الأجرة المتفق عليها، حتى ولو لم تنتهِ الخصومة.

وتبين المادة الثامنة والعشرون ما يُعمل فيما لو توفي المحامي ولم يُتفق على قدر الأتعاب، ونصها: (في حالة وفاة المحامي وعدم اتفاق الورثة والموكل على تحديد الأتعاب، تقدِّر المحكمة التي نظرت في القضية أتعابَه في ضوء الجهد المبذول، والنفعِ الذي عاد على الموكل، والمرحلة التي بلغتها القضية والاتفاق المعقود)، وتضيف اللائحة التنفيذية: "في حالة وفاة المحامي أو غيابه مدة تزيد على ثلاثة أشهر، وتعذر معرفة مكانه أو عنوان إقامته، فللموكِّل المطالبة لدى المحكمة المختصة بما له من سندات أو أوراق أو مبالغ لدى المحامي في مقر مزاولته المهنة، أو فرعه، أو في حساب له بأحد البنوك أو الشركات المصرفية، أو جهة أخرى".

وتضيف اللائحة أيضًا: "نظر قضايا أتعاب المحامين من اختصاص المحاكم، وتنظر من القاضي الذي نظر القضية الأصلية، أما إذا كان قد تم نظر القضية الأصلية في جهة أخرى غير المحاكم، فتنظر قضية الأتعاب حسب الاختصاص النوعي للمحاكم، الوارد في نظام المرافعات الشرعية".

وأما الباب الثالث من نظام المحاماة، فهو مخصص لموضوع تأديب المحامي عما يقع منه من مخالفات؛ ففي المادة التاسعة والعشرين: (أولًا: يشطب اسم المحامي من الجدول، ويُلغَى ترخيصه إذا حُكم عليه بحد أو بعقوبة في جريمة مخلَّة بالشرف أو الأمانة.

ثانيًا: مع عدم الإخلال بدعوى التعويض لمن لحقه ضرر أو أي دعوى أخرى، يعاقب كل محامٍ يخالف أحكام هذا النظام أو لائحته التنفيذية، أو يخل بواجباته المهنية، أو يرتكب عملًا ينال من شرف المهنة - بـإحدى العـقوبات الآتية:

أ - الإنذار.

ب - اللوم.

ج - الإيقاف عن مزاولة المهنة لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات.

د - شطب الاسم من الجدول وإلغاء الترخيص).

وتبين اللائحة التنفيذية جملة من الأمور، منها:

• يتم النظر في دعوى التعويض، أو الدعاوى الأخرى - الواردة في الفقرة "ثانيًا" من هذه المادة - من القضاء المختص.

• يكون تقدير إخلال المحامي بواجباته المهنية، أو ارتكابه عملاً ينال من شرف المهنة للجنة التأديب.

• للمحامي الذي شُطِب اسمه من الجدول، وأُلغِي ترخيصه بسبب الحُكم عليه بحد، أو بعقوبة في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، أن يطلب من لجنة قيد وقبول المحامين إعادة قيد اسمه في الجدول بعد مضي خمس سنوات - على الأقل - على انتهاء تنفيذ الحكم.

وفي المادة الثلاثين بيان آلية رفع الدعوى ضد المحامي، ونصها: (يرفع المدعي العام الدعوى التأديبية على المحامي من تلقاء نفسه، أو بناءً على طلب وزير العدل، أو أي محكمة، أو ديوان المظالم، أو أي من اللجان المشار إليها في المادة (الأولى) من هذا النظام).

وتضيف اللائحة التنفيذية موضحة الآتي:

1- ترفع الدعوى من قِبَل المدعي العام وفق نظام هيئة التحقيق والادعاء العام ولائحته.

2- ترفع الدعوى التأديبية الواردة في هذه المادة على المحامي بطلب ممن يلي:

أ - الوزير ومَن يفوضه في ذلك.

ب - رؤساء المحاكم وقضاتها في المحاكم الشرعية.

جـ - رئيس ديوان المظالم ونائبه وأعضاء الديوان.

د - رؤساء اللجان المشار إليها في المادة الأولى من النظام.

هـ - رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام ونائبه.

3- ترفع الدعوى التأديبية على المحامي وَفْق الضوابط التالية:

أ - أن يسبق رفعها محضر من الجهة التي طلبت ذلك في الأوراق الرسمية الخاصة بها، على أن يكون هذا المحضر موقَّعًا منها، ومختومًا بختمها الرسمي.

ب - أن يتم رفعها بصحيفة تشتمل على المعلومات اللازمة للمدعي العام وللمدعى عليه المحامي، وبيان الجهة التي طلبت رفع الدعوى، والاتهام، والأدلة المؤيدة له.

وأما من تنظر في دعوى تأديب المحامي فهي لجنة تُسمى "لجنة التأديب"، وتكون من قاضٍ واثنين من أهل الخبرة، أحدهما: محامٍ؛ وذلك كما أوضحته المادة الحادية والثلاثون، التي سنبدأ بها حديثنا بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة.

وحتى ذلك الحين أستودعكم الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..