القضاء المستعجل (3)

فقه التقاضي

الحلقة (84)

القضاء المستعجل (3)

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله - مستمعيَّ الأفاضل - في برنامجكم: "فقه التقاضي"، وكنا في حلقتين مضَتَا شرعنا في الحديث عن القضاء المستعجل الذي خُصص له الباب الثالث عشر من نظام المرافعات السعودي الصادر عام 1421هـ.

وأن القضاء المستعجل هو: "الفصل في المنازعات التي يُخشى عليها فوات الوقت فصلًا مؤقتًا لا يمس أصل الحق".

ونواصل في هذه الحلقة الحديث عن أبرز الأحكام والإجراءات المتبعة في القضاء المستعجل في نظام المرافعات السعودي الصادر عام 1421هـ:

فمن صور الدعاوى المستعجلة: طلب الحراسة، وهي: وضع الأموال المتنازع عليها تحت يدِ أمينٍ يعيِّنه القاضي إن لم يتفق على تعيينه ذوو الشأن.

والحارس يُعرَّف في كتب الفقه بأنه القيِّم أو الأمين، والأصل في الحراسة: مراعاة المصلحة العامة، وحفظ الحقوق.

وفي الحراسة القضائية أحكام وإجراءات تفصيلية، أُوردها على مسامعكم في هذه الحلقة.

جاء في المادة التاسعة والثلاثين بعد المائتين:

(ترفع دعوى طلب الحراسة للمحكمة المختصة بنظر الموضوع في المنقول أو العقار الذي يقوم في شأنه نزاع ويكون الحق فيه غير ثابت، وللقاضي أن يأمر بالحراسة إذا كان صاحب المصلحة في المنقول أو العقار قد قدَّم من الأسباب المعقولة ما يخشى معه خطرًا عاجلًا من بقاء المال تحت يد حائزه، ويتكفل الحارس بحفظ المال وبإدارته، ويردُّه مع غَلَّته المقبوضة إلى مَن يثبت له الحق فيه).

وتبين اللائحة التنفيذية أن للقاضي أن يأمر بالحراسة إذا حصل نزاع في عقار ثابتٍ، أو في شيءٍ منقولٍ، أو كان النزاع في ثابت ومنقولٍ معًا، سواء أكان هذا النزاع في الملكية، أم على وضع اليد، أم متعلقًا بإدارة المال واستغلاله؛ كالنزاع الذي يحصل بين الورثة أو بعضهم في التركة، أو بين الشركاء حول إدارة المال المشاع، وكيفية استغلاله.

وتُرفع دعوى طلب الحراسة للمحكمة المختصة بنظر الموضوع بصحيفة تقيد وتحال لناظر القضية، فإن لم تكن هناك قضية منظورة فتحال إلى أحد القضاة حسَب التسلسل.

ولأصحاب الشأن أن يطلبوا من المحكمة إقامة حارس، وعلى المحكمة أن تستجيب لطلبهم، وإن لم يكن هناك خطرٌ عاجل.

وللقاضي عند الاقتضاء - ولو لم يصدر حكمٌ في الموضوع - أن يقِيم حارسًا بأمر يصدره، ولو لم يطلب ذلك أحدٌ من الخصوم؛ لأن للقاضي من الصلاحيات ما يساعده في حفظ الحق وإيصاله لأصحابه، ويخضع هذا الإجراء لتعليمات التمييز؛ أي: إن لِمن لم يرضَ من الخصوم الاعتراضَ على إقامة الحارس.

وللقاضي الذي أقام الوليَّ أو الناظرَ الأمرُ بالحراسة إذا أساء الولي أو الناظر التصرف في مال القاصر أو الوقف، حتى ينتهي موضوع النظر في الولاية والنظارة من قبله.

وفي المادة الأربعين بعد المائتين بيان كيفية تعيين الحارس، ونصها:

(يكون تعيين الحارس باتفاق ذوي الشأن جميعًا، فإذا لم يتفقوا تولى القاضي تعيينه، ويحدِّد الحكمُ الصادر بالحراسة ما على الحارس من التزام، وما لَه من حقوق وسلطة، وإذا سكت الحكم عن ذلك فتطبق الأحكام الواردة في هذا النظام).

وتبين اللائحة التنفيذية أن القاضي يقر تعيين الحارس الذي حصل الاتفاق عليه بين أصحاب الشأن.

وأنه إذا قضى الحكمُ بفرض الحراسة على المال المشاع لوجود خلاف على إدارته، ولم يكن هناك خلاف على حصص الشركاء، فللقاضي أن يصرح للحارس بتوزيع صافي الغلة على الشركاء، كلٌّ حسَب حصته.

وأن للقاضي أن يعهد بالحراسة إلى أكثر من حارس إذا اقتضى الأمر ذلك.

وأن للخصوم أو بعضهم التقدم بطلب استبدال الحارس إذا ظهر لهم ما يوجب ذلك، وعلى القاضي - الذي عيَّنه - أو خَلَفِه، أن ينظر في هذا الطلب.

وإذا توفي الحارس أو استقال وقبلت استقالته، فإن الحراسة لا تنتهي، ويعيَّن حارس آخر حسَب الإجراءات السابقة.

وأنه إذا ترك الحارس الحراسة من تلقاء نفسه دون موافقة المحكمة، فتعين المحكمة حارسًا بدلًا عنه حسب إجراءات تعيين الحارس، ويضمن الحارسُ التاركُ للحراسة ما يترتب على تركه للحراسة من أضرار على الأموال المحروسة.

وفي المادة الحادية والأربعين بعد المائتين:

(يلتزم الحارس بالمحافظة على الأموال المعهود إليه حراستها، وبإدارة ما يحتاج إلى إدارة من هذه الأموال، ويبذل في ذلك عناية الرجل المعتاد، ولا يجوز له بطريق مباشر أو غير مباشر أن يحل محله في أداء مهمته كلها أو بعضها أحد ذوي الشأن دون رضا الآخرين).

وتبين اللائحة التنفيذية أن التزامات الحارس تبدأ باستلام المال محل الحراسة، ويجب عليه أن يحرر محضرًا يجرد فيه الأموال الموضوعة تحت الحراسة وأوصافها، وذلك بعد إخطار ذوي الشأن وحضورهم مع مندوب من المحكمة، ويوقع الجميع على المحضر، فإن امتنع أحد أثبت ذلك في المحضر.

وأنه لا يجوز للحارس أن يتنازل أو يوكل بالحراسة لشخص آخر بدون إذن من القاضي، أو اتفاق أصحاب الشأن.

وفي المادة الثانية والأربعين بعد المائتين:

(لا يجوز للحارس في غير أعمال الإدارة أن يتصرف إلا برضا ذوي الشأن جميعًا، أو بترخيص من القاضي).

والأصل في أعمال الإدارة هو: الحفظ والصيانة، وقبض الأجرة، والمخاصمة في ذلك.

وفي المادة الثالثة والأربعين بعد المائتين:

(للحارس أن يتقاضى الأجر المحدد له في الحُكم ما لم يكُن قد تنازل عنه).

وتبين اللائحة التنفيذية أن تقدير أجرة الحارس يكون باتفاق ذوي الشأن مع الحارس، أو بتقدير القاضي عند الاختلاف.

وأن الحارس يتقاضى أجره المحدد له من الغلة التي في يده، وإلا فمن ذوي الشأن، وعند الاختلاف يفصِل في ذلك ناظر القضية، أو خلَفُه.

وفي المادة الرابعة والأربعين بعد المائتين:

(يلتزم الحارس باتخاذ دفاتر حساب منظمة، وعلى القاضي إلزامه باتخاذ دفاتر عليها ختم المحكمة عند الاقتضاء، ويلتزم بأن يقدم في الفترات التي يحددها القاضي أو في كل سنة على الأكثر لذوي الشأن حسابًا بما تسلمه وبما أنفقه، معززًا بما يثبت ذلك من مستندات، وإذا كان الحارس معينًا من قبل المحكمة وجب عليه فوق ذلك أن يودع صورة من هذا الحساب بمكتب إدارتها).

وتبين اللائحة التنفيذية أن الحارس إذا أنفق على الأموال المعهود إليه حراستها من ماله الخاص فله الرجوع على ذوي الشأن بدعوى يقيمها لدى المحكمة المختصة إن لم يصدقوه ويبذلوا له ما طلب.

وفي المادة الخامسة والأربعين بعد المائتين بيان وقت انتهاء الحراسة، ونصها:

(تنتهي الحراسة باتفاق ذوي الشأن جميعًا، أو بحكم القاضي، وعلى الحارس حينئذٍ أن يبادر إلى رد الشيء المعهود إليه حراسته إلى من يختاره ذوو الشأن أو من يعيِّنه القاضي).

مستمعي الأفاضل:

بهذا نُنهي ما يتعلق بالقضاء المستعجل مما ورد في نظام المرافعات، وإلى لقاء قادم نبدأ فيه الحديث بإذن الله تعالى في الباب الرابع عشر المتعلق بتسجيل الإنهاءات والأوقاف.

وحتى ذلك الحين أستودعكم الله تعالى