• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم من المنظور الإسلامي
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. د. عبدالحليم عويس / مقالات
علامة باركود

الشيخ محمد بن عبدالوهاب في التاريخ

الشيخ محمد بن عبدالوهاب في التاريخ
أ. د. عبدالحليم عويس

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/1/2014 ميلادي - 23/3/1435 هجري

الزيارات: 44089

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشيخ محمد بن عبدالوهاب في التاريخ


ظهر الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الجزيرة العربية، فكان أول داعية خلال هذا العصر يضع يده على مواطن الداء الحقيقي، الذي يتمثل في طبيعة ما آل إليه بناء الأمة الداخلي فكريًّا وعقديًّا ونفسيًّا.

 

فبينما كان العالم الإسلامي مستغرقًا في هجهته ومُدلجًا في ظلمته على النحو الذي صوره "ستودار": "إذا بصوت ابن عبدالوهاب يُدوي موقظًا النائمين، داعيًا المسلمين إلى الرجوع إلى سواء السبيل، فلم تلبث دعوته أن اتَّقدت واشتعلت، واندلعت ألسنتها في كل زاوية من زوايا العالم الإسلامي، ثم أخذ يحض المسلمين على إصلاح النفوس واستعادة المجد الإسلامي القديم والعز التليد، فتبدَّت تباشير صُبح الإصلاح، ثم بدأت اليقظة الكبرى في عالم الإسلام (حاضر العالم الإسلامي1/260، ولم تكن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب إلا دعوة إلى العودة الصادقة الواعية إلى الحقيقة الإسلامية في مصدريها الثابتين الخالدين: الكتاب، والسنة الشريفة، ودعوة - في الوقت نفسه - إلى التخلص مما خلَّفته قرون التخلف من شوائب أصابت بناء الإنسان المسلم الداخلي، فأصبح مسلمًا مشركًا، يقرأ القرآن ويُؤمن بالخرافات، ويصلي لله، ويتقرب لعبيده، إلى غير ذلك من الشوائب التي كانت سببًا في انحطاط المسلمين.

 

وبالتالي، وانطلاقًا من نواحي هذا العقل، وبالإضافة إلى الأسس التي ألْمَعنا إليها بإجمال قبل ذلك، نذكر أن الإمام محمد بن عبدالوهاب ركز اهتماماته الإصلاحية على النواحي التالية:

أولاً: تصحيح العقيدة الإسلامية في فكر المسلمين، وتطهيرها من مظاهر الشرك التي علِقت بها، وبإيجاز: إعادة المسلمين إلى عقيدة (التوحيد)، كما وردت في الكتاب والسنة، دون تشبيه أو تجسيم، أو تعطيل أو تأويلٍ، و(التوحيد) لا يكون كذلك - في دعاء ولا نذرٍ ولا استعانة إلا بالله، وبتوحيد الأسماء والصفات، فيوصف الله بما وصف به نفسه، واعتقاد أن الله ليس كمثله شيء، وقد بلغ من عناية الشيخ بالعقيدة حدًّا كبيرًا، لدرجة أنه قام بتتبُّع مجالات تصحيحها، ومقاومة صور الإشراك في كل كتاباته وخطبه ورسائله، وكانت العقيدة هي المحور التي تدور حوله كل اهتماماته، وذلك بالإضافة إلى الكتب والرسائل التي تكاد تفرد لقضية التوحيد ككتابه (التوحيد) الذي جاء في ستة وستين بابًا، سد فيها الشيخ كل منافذ الشرك، ورسالة (كشف الشبهات)، ورسالة (ثلاثة الأصول)، ورسالة (القواعد الأربع)، وكتاب (فضل الإسلام)، وكتاب (أصول الإيمان)، ورسالة (القواعد الأربع)، وكتاب (فضل الإسلام)، وكتاب (أصول الإيمان)، ومجموعة رسائله في التوحيد والإيمان التي بلغت ثلاث عشرة رسالة، وكتاب (الكبائر)، ورسائله الإحدى وخمسين التي وردت في تاريخ الشيخ ابن غنام الأحسائي، وفي الدُّرر السنية في الأجوبة النجدية، والتي تناولت جوانب خمسة تتصل كلها بالعقيدة؛ كبيان أنواع التوحيد، وبيان معنى لا إله إلا الله، وما يناقضها من الشرك، والأشياء التي يكفر مرتكبها؛ (انظر: هذه الرسائل في القسم الخاص للرسائل الشخصية)، من مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتنظر كذلك بقية أعمال الشيخ في هذه الطبعة.

 

ثانيًا: تصحيح عقيدة المسلمين أيضًا في مجالات التوسل والشفاعة والاستغاثة.

 

ثالثًا: رفض الانحرافات التي أقحمت على الإسلام بتأثير جماعة (الصوفية) التي كانت من أقوى أسباب تخلف العالم الإسلامي.

 

رابعًا: إنكار زيارة القبور الشركية والبناء عليها، أو اللجوء إلى الموتى - مهما كان قدرهم - في تحقيق أمر؛ لأن هذا وثنية تدخل في باب الشرك بالله، أما زيارة القبور دون شد الرِّحال إلى مقبرة خاصة، بهدف التذكر والاعتبار والدعاء للميت والترحم عليه، فلا شيء فيه.

 

خامسًا: مقاومة الخرافات والبدع بكل أشكالها، وأغلبها مما انتشر أيام الفاطميين في المغرب (298-361هـ)، ومصر (361هـ - 567هـ)، ومن رواسب عصور التخلف.

 

ومن هذه البدع التي أنكرها الشيخ: بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وبدعة المحمل، وغيرهما من البدع التي روَّجها الطرقية والشيعة.

 

سادسًا: فتح باب الاجتهاد - عند توافر وسائله - وعدم التعصب لمذهب معين، وضرورة أن يعود المسلمون إلى الاتصال المباشر بالكتاب والسنة.

 

سابعًا: ضرورة إحياء فريضة (الحسبة)؛ أي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحياء فريضة الجهاد التي خمدت في نفوس المسلمين.

 

وتلك هي أبرز الجوانب التي ركز الشيخ ابن عبدالوهاب عليها، باعتبارها الأصول التي تحيا بحياتها بقية أركان الإسلام وفروعه.

 

وقد حرَصنا على ذكرها؛ لتكون الأصل الذي نقارن به اتجاه الحركة الإسلامية الإصلاحية في الجزائر خلال العصر الاستعماري وبعده.

 

دعوة الإصلاح الإسلامي في الجزائر:

ذكرنا أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لا تزيد على كونها دعوة إلى الإسلام الصحيح الذي جاء في الكتاب والسنة النبوية الصحيحة، فهي بهذا الإطار ليست بدعًا في كل حركات الاصلاح، بل هي تلميذة ومتبعة لحركات الاصلاح السابقة؛ كحركة الإمام أحمد بن حبل (164 - 241هـ)، وحركة شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (661-728هـ) ومحمد بن قيم الجوزية (691-751هـ).

 

وبالتالي، فإن لنا أن نستنتج أن كل موروثات الإسلام الصحيح الذي يطلق عليه عادة (الاتجاه السلفي)، والتي كان لها بالـتأكيد مع وجود كبير في الجزائر منذ دخل جيش التابعين الذي فتحها بقيادة أبي المهاجر دينار (55-62هـ).

 

هذه هي الموروثات النبوية الصحيحة، التي قامت بدور كبير في التمهيد لانتشار دعوة الإصلاح الإسلامي في الجزائر خلال القرن الرابع عشر للهجرة، والتي كان رائدها الأول في التاريخ الإسلامي الحديث هو الشيخ محمد بن عبدالوهاب.

 

ويلخص أحد الكتاب الجزائريين المعاصرين صادقًا حقيقة (الدعوة السلفية)، فيقول: إنها لا تزيد عن كونها التطبيق الصحيح للحديث النبوي الشريف الذي ورد على لسان الرسول - عليه الصلاة والسلام - في خطبة الوداع، حين قال: "تركت فيكم ما إن اعتصمتم به، لن تضلوا أبدًا، كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم؛ (المهدي البوعبدلي، مقال (عبدالرحمن الأخضري وأطوار السلفية في الجزائر) بمجلة الأصالة الجزائرية عدد صفر 1398هـ (برقم 53)".

 

ويرى هذا الكاتنب الجزائري: أن (السلفية) بهذا المعنى ذات امتداد أصيل في الجزائر، وأنها ما كان لها أن تظهر كحركة مستقلة تبدو وكأنها (مذهب إسلامي)، إلا لأن الناس ابتعدوا عن حقيقة الإسلام، بعد أن ظهرت مختلف المذاهب البدعية التي تنتمي إلى مِللٍ ونِحَلٍ بعيدة عن الإسلام، والتي كان من بينها مذهب التصوف، الذي أسرف أئمته وتغالَوا في الدعوة إلى التحرر من التقاليد وإسقاط التكاليف، وزاد الأمر تعكُّرًا عندما ظهرت لكثيرٍ من أئمة التصوف طرق أقبل عليها كثير من العوام، فعندئذ ظهر رد فعل الفقهاء الذين ضاقوا ذرعًا بهذه التعاليم، وانضمَّ إليهم المحدثون، فاتَّهموا المتصوفة بالمروق عن الدين، وبأن تعاليمهم مستمدة من مذاهب إسلامية.

 

ويرى الكاتب - (وهو من أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) - أن تاريخ السلفية بالجزائر يعود - بعد الأجيال الأولى - إلى الفقيه الجزائري أبي الفضل النحوي من علماء القرن الخامس الهجري، ودفين قلعة بني حماد العاصمة الأولى لدولة بني حماد الزيرية الصنهاجية الجزائرية التي حكمت الجزائر بين عامي 405هـ - 547هـ.

 

وفي القرنين السابع والثامن للهجرة، ظهر مصلح سلفي آخر انتشرت آراؤه الإصلاحية في الجزائر، وهو أبو الحسن على بن عبدالخالق الزويلي الشهير بالصغير، ومع أن المغرب والأندلس بصفة عامة يغلب عليهم مذهب الإمام مالك، إلا أن المصلح الصغير دعا إلى فتح باب الاجتهاد، متأثرًا فيما يبدو بمعاصره الإمام ابن تيمة الذي عمت شهرته العالم الإسلامي، وقد توفي ابن الصغير سنة 719هـ؛ أي: إنه عاصر ابن تيمية قرابة ستين سنة.

 

وكان من تلامذة المصلح الصغير تلميذ سار على دربه وحمَل دعوته، وهو العالم الجزائري الحافظ ابن مرزوق الحفيد - من علماء القرن الثامن - الذي كان يشيد بأستاذه، وقد رد على معاصر جزائري له يدعى قاسم العقباني التلمساني - كتب رسالة ينتصر فيها لمتصوفة زمانه، وقد سَمَّى ابن مرزوق رسالته: "النصح الخالص في الرد على مُدعي رتبة الكامل الناقص"، وعقب هذا دارت معركة بين الاتجاهين السلفي والصوفي، أرخت لها كتب النوازل (الوقائع) ككتاب: "الدرر المكنونة في نوازل مازونة"، وفتاوى أحمد بن بحي الونشريسي المجموعة في (المعيار).

 

وقد شارك في المعركة كثير من الجزائريين؛ منهم: (عبدالرحمن الوغليس) فقيه بجاية (مدينة بالشرق الجزائري كان لها ماض حضاري مُزدهر، وفيها تعلم ليونارد فنش، وكانت عاصمة الجزائر ووريثة القيروان مدة قرن من الزمان) المشهور، وسعيد العقباني التلمساني، وعيسى الغبريني البجائي، ابن أحمد الغبريني صاحب كتاب " عنوان الدراية فيمن عُرِف من العلماء بالمائة السابعة ببجاية".

 

وخلال القرنين التاسع والعاشر للهجرة اتَّخذت الدعوة السلفية قاعدتها بنواحي بجاية في الشرق الجزائري، وكانت قرية (تامقرة) المنطلق الأساسي للدعوة؛ إذ كانت هذه القرية تضم منارة علمية جزائرية عالية المكانة، وهي (معهد يحيى العبدلي)، وفي هذا المعهد نبع العالم السلفي (أحمد زورق) بعد إقامته الطويلة بين تلمسان (بالغرب الجزائري)، والعاصمة قسطنطينة، وما شاهده من شيوع الفوضى العقدية التي أدخلها العوام، وركب موجتها المشعوذون من محترفي المتصوفة، وقد ساعد (أحمد زورق) على النجاح استقامته ونزاهته وتضلُّعه في علوم الحديث والتفسير والفقه، فضلاً عن تأثيره في مجموعة من الطلبة الذين حملوا رسالته على رأسهم ابن على الخروبي دفين الجزائر، وهو ممن أخذوا الدعوة السلفية عن الشيخ أحمد زورق.

 

وقد ترك " الخروبي" تأثيره على أسرة جزائرية اشتَهر معظمها بالسلفية، وهي أسرة الأخضري التي نبع فيها سلفي جليل هو (عبدالرحمن الأخضري) المتوفى سنة953هـ، والمولود (ببنطيوس الزاب) بالشمال الغربي الجزائري، وكانت له رسائل في الفلك؛ ككتابه (السراج في الفلك)، و(أزهار المطالب في علم الأرسطرلاب)، وتربو تآليفه في بقيَّة الفروع على الثلاثين؛ (المهدي البوعبدلي: مرجع. ص 25).

 

ولكي نعرف قيمة الدعوة السلفية التي قام بأعبائها (عبدالرحمن الأخضري)، فإنه يجب أن نتصور حالة الجزائر في ذلك العصر؛ أي: خلال القرن العاشر الهجري، فإن بجاية (العاصمة الحضارية الجزائرية)، كانت قد سقطت بيد الإسبان، وبدأت مدن الساحل الشمالي الجزائري كله تتداعى أمام أساطيلهم، كتنس، ووهران، ودلس، وغيرهما، وللأسف، فإن رجال الصوفية كانوا عونًا للغزاة ولرؤساء الإقطاع الظلمة، وتسبَّبوا في مزيد من الانهيار.

 

وقد قام (عبدالرحمن الأخضري) بالتصدي لهم، وكشْف ضلالهم في عدد من القصائد، إحداها تُسمى (القدسية)، وتحتوي على 357 بيتٍا، وفيها يقول عن الصوفية:

قد ادعوا مراتبًا جليلهْ
والشرع قد تجنبوا سبيلهْ
قد نبذو شريعة الرسول
والقوم قد حادوا عن السبيل
لم يدخلوا دائرة الحقيقة
كلا ولا دائرة الطريقة
لم يقتدوا بسيد الأنام
فخرجوا عن ملة الإسلام
لم يدخلوا دائرة الشريعة
وأولعوا ببدع شنيعة
لم يعملوا بمقتضى الكتاب
وسنة الهادي إلى الصواب
قد ملكت قلوبهم أوهام
فالقوم إبليس لهم إمام
كفاك في جميعهم خيانة
إن أخلطوا الدني بالديانة

 

إلى أن يقول:

من كان في نيل الكمال راجيا
وعن شريعة الرسول نائيا
فإنه مبلس مفتونُ
وعقله مخبل مجنونُ

 

ثم يتعرض للمتصوف الحقيقي، فيصفه بقوله:

واعلم بأن الولي الرباني
لتابع السنة والقرآن
والفرق بين الإفك والصواب
يعرف بالسنة والكتاب
والشرع ميزان الأمور كلها
وشاهد بفرعها وأصلها
والشرع نور الحق منه قد بدَا
فانفجرت منه ينابيع الهدى

 

ثم ينتقل إلى وصف حالة البلاد إذ ذاك، فيقول:

هذا زمان كثُرت فيه البدع
واضطربت عليه أمواج الخدع
وخسفت شمس الهدى وأفلت
من بعد ما قد بزغت وكملت

 

وقد حظيت هذه المنظومة بشروح قيمة، أهمها شرح الحسين الورتلاني صاحب الرحلة؛ لأنه ألقى فيه أضواء على حالة المجتمع الجزائري، وأحصى تأثير العادات السيئة التي أُلصقت بالدين.

 

وعلى خطى (الأخضري)، ظهر أعلام آخرون عزَّزوا الاتجاه السلفي، وذلك خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر للهجرة، ومنهم الشيخ عبدالكريم بن الفكون القسنطيني المتوفي سنة1073هـ، وصاحب كتاب (منشورات الهداية في كشف حال من ادَّعى العلم والولاية)، وهو كتاب من أحسن ما ألَّف في بابه، بل فريد في بابه؛ كما يقول الشيخ البوعبدلي، وهو يُبيِّن هدفه من الكتاب في مقدمته، فيقول: "أما بعد، فلما رأيت الزمان بأهله تعثَّر، وسفائن النجاة من أمواج البدع تنكسِر، وسحائب الجهل خسيسًا، وصاحب أهل الطريقة قد أصبح وأعلام الزندقة على رأسه لائحة، وروائح السلب والطرد من المولي فائحة".

 

وقد ظهر خلال العصر بعض (المنظومات) التي اقتفَت أثر منظومة الأخضري (القدسية) كمنظومة عبدالرحمن بن محمد على المجاجي، وظهرت بمستغانم منظومة الشيخ محمد بن حواء من علماء القرن الثاني عشر، وقد سماها "سبيكة العقيان فيمن حل بمستغانم وأحوازها من الأعيان"، تعرض فيها لتراجم علماء الجزائر، وتكلم عن البدع المنتشرة.

 

ثم ظهرت رسالة الشيخ/ محمد بن عبدالله الجلالي، كتبها إلى زميله في الدراسة بفاس الشيخ/ أحمد التيجاني (انظر المرجع السابق)، مؤسس الطريقة التيجانية عندما أبلغه أنه بصدد إنشاء الطريقة التيجانية، فأرسل إليه ينهاه ويحذره من مغبة ذلك، وينصحه بالاقتداء بالسلف الصالح والبعد عن الطريقة، لكن ذلك لم يكن له تأثير في الشيخ التيجاني، ومضى في سبيله!!

 

ونحن نستطيع بعد هذا الذي أوردناه أن نقول: إن ثمة حقيقة مؤكدة هي أن كل هذه الجهود التي بذلت في الجزائر لعودة المسلمين إلى الإسلام الصحيح، حتى نهاية القرن الثاني عشر للهجرة، والتي ألمحنا إلى بعضها كانت أشبه بجهود فردية، ولم تصل إلى مستوى (التيار العام) المؤثر، بل إن العكس هو الصحيح، فالتيار العام المؤثر والشائع كان تيار الطريقة الصوفية، والخرافات والبدع، والاستغاثة والتوسل والشفاعة لغير الله، والتعصُّب المغالَى فيه لمذهب الإمام مالك، لدرجة أن المغرب كله يكاد يخلو من المذاهب الأخرى، ومن المجتهدين المتصلين اتصالاً مباشرًا بفقه القرآن والسنة.

 

ونتيجة للسيطرة الطاغية التي يتمتع بها الصوفية، وغيرهم من المبتدعة، كان أكثر المصلحين الذين ظهروا خلال القرون المنصرمة يميلون إلى لون من (الإصلاح)، لا يذهب بهم إلى درجة الصراع المباشر الواضح مع الصوفية، فكان بعضهم يَعمِد إلى القول بأنه إنما يريد تنقية الطرق الصوفية وتقويمها، وقد ألف (أحمد زورق) - الذي تحدثنا عنه - كتبًا من هذا القبيل (قواعد التصوف)، و(أصول الطريقة)، وكتاب البدع، كما أن عبدالرحمن الأخضري نفسه صاحب المقطوعات الطويلة في تصحيح العقيدة ومقاومة البدع، يورد نظمًا نحس منه كأنه يستميل الصوفية، فيقول:

وقال بعض السادة الصوفية
مقالة جليلة صفِية
إذا رأيت رجلا يطيرُ
أو فوق ماء البحر قد يسيرُ
ولم يقف عند حدود الشرعِ
فإنه مستدرج وبدعيْ

 

وفي إطار هذا المستوى من الفردية والإصلاح الجزئي المحدود، يجب أن نضع كل المحاولات التي سبقت تيار السلفية العام القوي الذي سيطر على الجزائر، ممثَّلاً في جيل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وفيمن سبقه من روَّاد مهَّدوا له بعد أن تأثَّروا بالدعوة الإصلاحية التي قامت في جزيرة العرب.

 

دخول حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الجزائر:

مع تلك التخوم التي تفصل بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر للهجرة بدأت إشعاعات حركة الإصلاح في الجزيرة تنفذ إلى الجزائر عبر منافذ متعددة سوف نتعرض لها بالبحث.

 

وكان أول من حمل الدعوة إلى الجزائر المؤرخ الجزائري (أبو رواس الناصري)؛ (الأصالة عدد (53) الشيخ المهدي البو عبدلي)، الذي قدر له أن يجتمع بتلاميذه الإمام محمد بن عبدالوهاب في موسم الحج، ويذاكرهم في أمور انتهى بعدها إلى الاقتناع باتجاه حركة الشيخ ابن عبدالوهاب، وكان ذلك بحضور وفد الحجيج المغربي الذي كان يرأسه ولي عهد المغرب آنذاك.

 

وقد أشاد المؤرخ (أبو رواس) بآراء ابن عبدالوهاب عندما دون تفاصيل رحلته للحج بعد عودته إلى الجزائر.

 

والحق أنه بعد (أبي رواس) كان من الممكن أن تَنفُذ حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الجزائر في النصف الأول من القرن الثالث عشر للهجرة من طرق أقوى وأفسح مجالاً، إلا أن تطورت الظروف على النحو الذي أدَّى إلى وقوع الجزائر تحت قبضة الاحتلال الفرنسي سنة 1246هـ (1830م) حال دون ذلك.

 

نقول: إنه كان من الممكن حدوث ذلك التأثير لولا هذا الحدث الكئيب، بل إننا لنعتقد أن ذلك كان أمرًا توجبه طبيعة الأمور، ولا سيما أن تلك الحركة التجديدية الكبرى التي أصبحت تنتسب إلى ليبيا، وهي الحركة السنوسية، كانت حركة جزائرية الأصل، فإن إمام هذه الحركة السيد/ محمد بن على السنوسي الخطابي، إنما هو جزائري وُلِد في بلدة مستغانم بالغرب الجزائري سنة 1202هـ (1787م) - ولولا أن العثمانيين - من جانب - قد تربَّصوا به، وراقبوه على امتداد الحواضر المغربية كلها، ثم ظهر الفرنسيون منذ 1246هـ فتربصوا به، وبكل حركة تجديد- من جانب آخر- لولا هذا لكان أمرا طبيعيا أن تكون الجزائر هي محضن الحركة السنوسية ولما اضطر السيد السنوسي إلى اللجوء إلى الصحراء، وإلى واحة جغبوب من أرض ليبيا.

 

وأن التشابه في كثير من الأُسس بين حركتي الشيخ محمد بن عبدالوهاب والسيد محمد السنوسي، لا يحتاج إلى دليل، فالدعوتان - كما يقول الأستاذ العقاد: "تتشابهان في حماسة الدعوات، وفي نبذ البدع والخُرافات والرجوع بالإسلام إلى الكتاب والسنة، ولكنهما تختلفان بعد ذلك في أمور كثيرة؛ (الإسلام في القرن العشرين ص 81، طبع نهضة مصر).

 

أمَّا تعرف السيد السنوسي على الدعوة الوهابية، فقد تَمَّ له حين جاب بعض بلدان العالم الإسلامي؛ كالمغرب، ومصر، وتونس، وحين ذهب لأداء فريضة الحج؛ (انظر المهدية مريم المجدلية: الإسلام بين النظرية والتطبيق، ص 106 بمكتبة الفلاح بالكويت ومحمد السلمان: رشيد رضا 66 (ماجستير) بكلية العلوم الاجتماعية)؛ "حيث بقِي مدة يأخذ من أساتذتها الوهابيين"؛ (ستودارد: حاضر العالم الإسلامي 1/259، وانظر كمال جمعة: انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب 216).

 

ومع ذلك فنحن لم نعدم أن نجد في الجزائر - خلال القرن الثالث عشر - بالرغم من كل الظروف التي وقعت تحتها إشعاعات سلفية نفَذت؛ إما عن طريق الاتصال بمدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الجزية مباشرة، وإما عن طريق تأثير الدعوة السنوسية الجزائرية الأصل والقريبة من الحدود، وإما عن طريق الجامعة الزيتونية التي تعلم فيها كثير من الجزائريين، وقد ظهرت في قسنطينة بالشرق الجزائري - خلال هذا القرن حملة ضد البدع والخرافات، وكان مركزها (نادي صالح باي)، الذي ألقى فيه بعد تأسيسه مباشرة الشيخ (ابن الموهوب) سلسة محاضرات ضد الخرفات والبدع.

 

كما ظهر بقسنطينة أيضًا العالم السلفي الشهير (صالح بن مهنا) الذي كان قد تخرج من الزيتونة بتونس والأزهر بالقاهرة، وبعد رجوعه انتصب للتدريس بمدينة قسنطينة، وكتب رسالة يهاجم فيها شيوخ الطرق الذين يسميهم الناس (الأشراف)، حينما بالغ في تعظيمهم بعض المنحرفين، وسمَّى رسالته: "تنبيه المغتربين في الرد على إخوان الشياطين"، ومما جاء في رسالته عن هؤلاء الأشراف: "أن من خالف السنة والشرع غير معتبر، ولو كان مُدَّعيًا للصلاح أو الشرف أو العلم".

 

وأن الشريف الفاسق لا يعتبر حتى ولو أنكر ذلك بعض الأرذال ممن قرأ مستلتين، ونعلم باب مسح الخفين"!؛ (البو عبدلي مرجع سابق 31).

 

وقد أحدث صالح بن مهنا وكتابه ضجةً كبيرة، وثارت عليه طائفة المتصوفة والدجالين، وألَّفوا في الرد عليه الرسائل والكتب، وسبُّوه بقصائد كثيرة.

 

طريق الجزائر إلى الإسلام الصحيح:

وفي سنة 1264 هـ (1847م) استسلم الأمير عبد القادر الجزائري بعد مقاومة للاحتلال الفرنسي استمرت سبعة عشر عاما، ضرب فيها أروع أمثلة البطولة الإسلامية التي أعادت ذكرى بطولات المسلمين الأول من فاتحي إفريقية والمغرب، وتحمل فيها من المشاق ما نوه به المؤرخون الفرنسيون أنفسهم.

 

وباستسلام الأمير عبدالقادر فرضت فرنسا أبشع إجراءات الاضطهاد، وأقسى أنواع الملاحقة للإسلام الصحيح واللغة العربية، وبذَلت جهودًا كبيرة في سبيل طمْس معالم الحضارة الإسلامية في الجزائر؛ سواء بواسطة المبشرين النصارى، أو بواسطة إجراءات (الفَرنْسَة) التي ترمي إلى إزالة كل ما هو إسلامي وعربي.

 

وفي الوقت نفسه سلَّطت فرنسا على الجزائر المسلمة قوافل (المتصوفة)، ينشرون البدع والخرافات ويحاربون كل بادرة وعي إسلامي صحيح!

 

وقد زاد الطين بلة أنه خلال السنوات الأخيرة من هذا القرن احتلت فرنسا تونس سنة (1299هـ)، واحتلت إيطاليا ليبيا في العقد الثالث من القرن التالي!

 

ولقد بدا من خلال الأسوار العالية المحكمة أن إسلامية الجزائر وعروبتها في محنة شديدة، وكان يُخيل لبعض المؤرخين أن تاريخ الجزائر سيتَّجه إلى الفرنسية والتغريب أكثر من اتجاهه إلى الإسلام والتعريب، أما الفرنسيون، فكانوا يعتبرون الجزائر (ولاية) فرنسية إلى الأبد.

 

لكن الحقيقة أن هناك منافذَ مضادة، إذا لم يكن المؤرخ العَجِل قادرًا على إبصارها، فإن الباحث الحضاري كان باستطاعته أن يَلمسها، وأن يحس بآثارها الهادئة البطيئة والحاسمة في الوقت نفسه!

 

إنها منافذ تتصل بطبيعة الحضارة الإسلامية نفسها في الدرجة الأولى.

 

فإن فرنسا على كثرة ما اتَّخذت من إجراءات - لم تستطع أن تلغي - كل الإلغاء أداء المسلم الجزائري لركن من أركان دينه هو الركن الخامس من أركان الإسلام "الحج".

 

ولَمَّا كانت حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - بقوتها وريادتها ونقائها قد نشأت في البلد الذي تؤدَّى فيه شعيرة الحج، فقد أدَّى هذا الارتباط دورًا كبيرًا في نشر الدعوة على امتداد العالم الإسلامي كله.

 

فعن طريق "الحج" (انظر محمد كمال جمعة: انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب خارج الجزيرة 73، 80، 84، 90، 94، 99، 106 وغيرها)، انتشرت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الهند والبنجال بواسطة السيد أحمد شهيد بريلي، وزميله الشهيد إسماعيل، والحاج شريعة الله البنجالي، ونزار علي.

 

وعن طريق الحج انتشرت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في جاوة وإندونيسيا بواسطة الزعيم (توانكونان رنتجه)، و(الحاج مسكين)، و(البدري).

 

وعن طريق الحج انتشرت الدعوة في إفريقيا على يد الشيخ عثمان بن فودي.

 

وقد أوجز أحد الكتاب المعاصرين التأثير العام للحج في نشر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية، فقال:

"انتشرت دعوة الشيخ في خارج نجد من أجل استيلاء الدولة السعودية على مكة المكرمة سنة 1218هـ، وأصبح حجاج البلاد الإسلامية يَفِدون إلى مكة المكرمة، ويشاهدون علماء هذه الدعوة الحقة، ويستمعون خطبهم ومواعظهم، وإرشاداتهم السديدة، وتوجيهاتهم القَيِّمة، فتأثر بعض الحجاج بدعوة الشيخ، فأخذ ينشر في بلاده التوحيد ويحارب الخرافات الشائعة في بلاده، فانتقلت بهذا مبادئ الدعوة إلى السودان والهند، وسومطرة والعراق، والشام ومصر، والجزائر وجاوة، وعمان وفارس؛ "أحمد بن حجر أبو طامي والشيخ محمد بن عبدالوهاب 79).

 

وهكذا؛ فإن طريق الحج كان واحدًا من أهم الطرق التي عبرت من خلالها دعوة الشيخ إلى الجزائر، متخطية تلك الأسوار القوية التي أقامها الاستعمار الفرنسي!

 

والطريق الثاني الذي اخترقت به الدعوة هذه الأسوار هو (طريق معنوي)، لم يستطع الاستعمار الفرنسي أن يفهمه؛ لأنه لا يستطيع بتركيبه المادي الغربي أن يَفهَم بناء الإسلام ولا طبيعته الروحية.

 

إننا نستطيع أن نطلق على هذا (الطريق المعنوي) مصطلحات متعددة، وكلها صالحة للتعبير عن حقيقته، (إنه الشعور الإسلامي الواحد)، أو هو (الأخوة الإسلامية)، أو هو (الروح الإسلامية)، فالمسلمون على العكس من كل أتباع الأديان الأخرى تَنتظمهم مشاعر واحدة، حتى لو فرقت بينهم أهواء الساسة، وأن المسلم ليتألم ويفرح لكل ما يصيب أخاه المسلم مهما كان بعيدًا عنه، وهم يتبادلون التأثير والتأثر كما تنتشر الموجات الكهربائية.

 

وقد أشار إلى هذه الحقيقة - بطرقة غير مباشرة - (السير توماس أرنولد)، فيما يتعلق بتأثير حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في العالم الإسلامي كله، فاعتبرها أول (عاملين) يؤثران في انتعاش الحياة الإسلامية في العصر الحديث، "فإن تأثيرها الديني ملموس في كافة أنحاء إفريقية والهند والملايو إلى الوقت الحاضر، وإن ما أثارته هذه الحركة من حماسة متقدة، وما سكَبته في النُّظم الدينية القائمة من حياة جديدة، وما بنته في الدراسة الدينية النظرية وتنظيم الشعائر المنسكبة من روح دافعة، إن ذلك كله قد عمِل إيقاظ روح الإسلام الفطرية؛ (الدعوة إلى الإسلام 468 ص 31 طبع نهضة مصر).

 

أما ثاني العاملين اللذين ذكرهما (أرنولد) في مجال انبعاث النهضة الإسلامية الحديثة، فهو (عامل) يقول عنه: إنه من نوع يختلف عن هذه الحركة جد الاختلاف، وهو (عامل حركة الوحدة الإسلامية التي تسعى إلى ربط جميع شعوب العالم الإسلامي برباط مشترك من المودة والتعاطف)؛ (المكان السابق).

 

وبالطبع؛ فإن (أرنولد) - كسائر الأوروبيين - لم يستطع أن يدرك أنه لا خلاف بين العاملين، بل إن العاملين يكمل أحدهما الآخر، فالشعور الإسلامي الواحد هو أقوى جِسر تظهر عليه كل موجات الإصلاح الإسلامي الحقيقي، وعليه عبرت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية إلى بلدان العالم الإسلامي واخترَقت أسوار الاستعمار النصراني!

 

أما الطريق الثالث، فهو طريق يتصل بالطريق السابق، وإن كان أكثر مباشرة ووضوحًا.

 

فبينما كانت الجزائر محاطة بسور الاستعمار الفرنسي، ارتفعت في العالم الإسلامي دعوة أَطلق عليها بعضهم اسم (الوهابية الجديدة)، كما أطلق عليها أيضًا دعوة "الجامعة الإسلامية"؛ مما يدل على الترابط بين الدعوتين، وكان قائد هذه الدعوة هو السيد جمال الدين الأفغاني (1254- 1214هـ) أحد المتأثرين بالشيخ محمد بن عبدالوهاب عن طريق أدائه فريضة الحج سنة 1213هـ، وعن طريق مجيئه إلى الهند وسماعه عن أثر الوهابيين؛ ولذلك اتُّهِم من قِبَل أعدائه بأنه وهابي، بل رُوِي أنه هَمَّ بالسفر إلى نجد لقيادة الحركة الوهابية عن كثَبٍ؛ (العقاد: الإسلام في القرن العشرين 89).

 

ويقول (جب): إن جهود جمال الدين كانت لها نتائج متينة راسخة؛ إذ نشرت في أرجاء البلاد الإسلامية المبدأ الوهابي القائل بضرورة التعلق بالصفاء المذهبي، وإعادة تأكيد المذهب السني القرآني؛ (نقلاً عن: محمد السلمان: رشيد رضا (مخطوط) 143).

 

وكان لجمال الدين الأفغاني تلميذان، وضَحت فيهما دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب أكثر منه، وكانا واسطتها إلى الجزائر خاصة، على نحو لم يستطعه هو أو لم يسع إليه، وهما: الشيخ محمد عبده (1266- 1323هـ)، والشيخ محمد رشيد رضا (1282- 1354هـ)، وقد استطاعت هذه المدرسة (الأفغانية)، أو مدرسة (العروة الوثقى)، كما أطلق عليها بعضهم، أن تحمل دعوة الإصلاح السلفي إلى الجزائر والعالم الإسلامي في وقت خلت فيه الساحة من المصلحين الأقوياء.

 

وقد كانت مجلة العروة الوثقى - ثم مجلة المنار - من أكثر المجلات المدافعة عن اتجاه العودة إلى الإسلام الصحيح، وقد أُتيح لهاتين المجلتين من الانتشار ما لم يُتَح لغيرهما، وكان الزود عن حياض دعوة الشيخ ابن عبدالوهاب واضحًا فيهما، ولا سيما في المنار؛ (انظر السلمان: رشيد رضا 190 وما بعدها) التي استطاعت أن تدخل إلى الجزائر وإلى بقية بلدان الشمال الإفريقي، منذ سنتها الأولى، حتى إنه في سنتها الخامسة ذكر أحد القرَّاء في تونس أن العدد الواحد من مجلة المنار يدار على عشرات الناس في البيوت؛ (المرجع السابق 367).

 

ولعل أكبر دليلٍ على حسن انتشار المنار في بلاد شمال إفريقية، أن الشيخ محمد عبده حينما قام بزيارة إلى تونس والجزائر عام 1321هـ (1903م)، شاهَد هناك الأثر الكبير الذي أحدثته مدرسة المنار ممثلة في مجلتها، وتأثير ذلك في نشر الأفكار الإصلاحية (السابق 368).

 

وهكذا؛ فعن طريق هذه المعابر الحضارية الإسلامية، تحطَّمت أسوار الاستعمار الفرنسي الرهيبة، وظهرت حركة (إسلامية صحيحة)، شقَّت طريقها وسط كل الظلمات والعقبات، حتى أصبحت التيار العام المسيطر والمؤثر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في دائرة المعارف الإسلامية
  • نقض شبهة استدل بها المخالفون من كلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب
  • روافد التغيير الثقافي في دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب
  • محطات في حياة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب
  • تحقيق "القواعد الأربع" للإمام محمد بن عبدالوهاب
  • حقيقة دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب
  • مؤلفات الإمام محمد بن عبدالوهاب
  • المذهب الاعتقادي للإمام محمد بن عبدالوهاب
  • نبذة عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله

مختارات من الشبكة

  • ترجمة الشيخ عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن بن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن التويجري في محاضرة: وقفات مع قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • مسند الديار النجدية وفقيهها الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن إسحاق آل الشيخ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ترجمة فضيلة الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن إسحاق آل الشيخ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • معالي الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت 1426)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ المحدث عبدالله بن عبدالرحمن السعد في محاضرة: مسائل متعلقة بشهري شعبان ورمضان(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • رسالة الشيخ عبدالكريم الدبان إلى شيخه الشيخ أحمد الراوي (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة إجازة من الشيخ علي بن سليمان المنصوري إلى الشيخ حسين بن مراد(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الشيخ جبران بن سلمان سحاري في محاضرة: اختيارات فضيلة الشيخ عبدالله بن عقيل في باب النكاح(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • من علماء آل الشيخ: عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن حمد آل الشيخ(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب