• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر اشرح كتاب السنة لأبي بكر ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    أنين مسجد (4) وجوب صلاة الجماعة وأهميتها (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    فقه يوم عاشوراء (باللغة الفرنسية)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    بداية العام الجديد وقول الله تعالى (وهو الذي جعل ...
    الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع
  •  
    إزالة الأذى والسموم من الجسوم في الطب النبوي
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    نهاية العام.. سنن وبدع
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حديث: كان الإيلاء الجاهلية السنة والسنتين
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة المحرم وعاشوراء
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    ظاهرة تأخر الزواج (2)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    الغيبة والنميمة طباع لئيمة (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فقه يوم عاشوراء (باللغة الإنجليزية)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    نطق الشهادة عند الموت سعادة (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خصائص الجمع الأول للقرآن ومزاياه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

الشهرة: السعي لها.. والفرار منها

الشهرة: السعي لها.. والفرار منها
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/9/2021 ميلادي - 23/2/1443 هجري

الزيارات: 22651

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشهرة: السعي لها.. والفرار منها

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَحْمُودِ فِي كُلِّ حَالٍ، الْمَعْبُودِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، الْمَذْكُورِ بِكُلِّ لِسَانٍ؛ ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 44]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ ﴿ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 7-9]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَتَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَخْلِصُوا لَهُ أَعْمَالَكُمْ، وَاقْتَفُوا أَثَرَ الصَّالِحِينَ مِنْ أَسْلَافِكُمْ؛ فَإِنَّ الْفَلَاحَ فِي الْقَبُولِ، وَلَا قَبُولَ إِلَّا بِإِخْلَاصٍ وَسُنَّةٍ؛ ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هُودٍ: 15- 16].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: حُبُّ الظُّهُورِ وَالشُّهْرَةِ وَالتَّمَيُّزِ عَلَى النَّاسِ دَاءٌ قَدِيمٌ فِي الْبَشَرِ، وَهُوَ أَهَمُّ سَبَبٍ لِسَعْيِهِمْ خَلْفَ الْجَاهِ وَالْمَالِ، وَمَنْ سَعَى لِلشُّهْرَةِ وَالذِّكْرِ بِدِينِهِ وَعِلْمِهِ وَقَعَ فِي الرِّيَاءِ، وَالرِّيَاءُ شِرْكٌ. وَمَنْ سَعَى لِلشُّهْرَةِ وَالذِّكْرِ بِدُنْيَاهُ خَبَا ذِكْرُهُ، وَلَمْ يُفْلِحْ سَعْيُهُ. وَأَوَّلُ مَنْ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُجَاهِدٌ وَمُنْفِقٌ وَقَارِئٌ عَالِمٌ؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِأَعْمَالِهِمُ الشُّهْرَةَ وَالذِّكْرَ فِي النَّاسِ، وَلَمْ يُرِيدُوا بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى. وَمَنْ قَاتَلَ لِلذِّكْرِ أَوْ لِيُرَى مَكَانُهُ فَلَيْسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. وَقَدْ يَقْصِدُ الْعَبْدُ الشُّهْرَةَ فِي هَيْئَةٍ أَوْ لُبْسٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَيُجْزَى بِقَصْدِهِ ذُلًّا؛ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

وَمَنْ نَظَرَ فِي سِيرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسِيرَةِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَأَخْبَارِ سَلَفِ الْأُمَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَجَدَ أَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ الشُّهْرَةَ، وَيَبْتَعِدُونَ عَنِ الْأَضْوَاءِ، وَلَا يُحِبُّونَ أَنْ يُذْكَرُوا، وَكَانَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعْرَفُ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ، فَيَأْتِي الْغَرِيبُ فَلَا يَعْرِفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَيَّزْ عَلَيْهِمْ بِلِبَاسٍ أَوْ مَكَانٍ أَوْ هَيْئَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ. وَلَمَّا طُعِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ؛ وَاسَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِمَنَاقِبِهِ الَّتِي عَرَفَهَا عَنْهُ، وَبِذِكْرِهِ الْحَسَنِ فِي النَّاسِ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «الْمَغْرُورُ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، لَوْ أَنَّ لِي مَا عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ بَيْضَاءَ وَصَفْرَاءَ لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ الْمُطَّلَعِ». وَحِينَ ثَارَتِ الْفِتْنَةُ اعْتَزَلَهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ حِينَهَا مِنْ أَحَقِّ النَّاسِ بِالْخِلَافَةِ، فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ فَقَالَ لَهُ: «أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ، فَقَالَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. مَا أَعْظَمَهُ مِنْ جَوَابٍ يَتَضَمَّنُ فَضْلَ التَّخَفِّي؛ وَلِذَا تَخَفَّى سَعْدٌ فِي إِبِلِهِ وَغَنَمِهِ عَنِ الْفِتْنَةِ وَالشُّهْرَةِ وَالْأَضْوَاءِ، فَلَمْ يَنْدَمْ حِينَ نَدِمَ غَيْرُهُ.

 

وَلْنَتَأَمَّلْ صِفَةَ الْأَخْفِيَاءِ الَّذِينَ يُبَاعِدُونَ عَنِ الشُّهْرَةِ وَالْأَضْوَاءِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «...طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةً قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَجَسَّدَ هَذَا الْحَدِيثَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ عَزَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قِيَادَةِ الْجُيُوشِ وَوَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ، فَعَادَ خَالِدٌ جُنْدِيًّا بَعْدَ أَنْ كَانَ قَائِدًا، وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَنْشَقَّ عَنِ الْجَيْشِ. وَفِي مَعْرَكَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ الرُّومِ كَانَ الْإِمَامُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ عَامَّةِ الْجَيْشِ، فَبَرَزَ شُجَاعٌ مِنَ الرُّومَانِ يَطْلُبُ الْمُبَارَزَةَ، فَصَرَعَ سِتَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْوَاحِدَ تِلْوَ الْآخَرِ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ مُتَلَثِّمًا فَصَرَعَ الرُّومِيَّ وَخَمْسَةً آخَرِينَ مُتَتَابِعِينَ حَتَّى خَافَ الرُّومُ مِنْهُ، وَأَحْجَمُوا عَنِ الْمُبَارَزَةِ، ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ الْمُبَارَكِ إِلَى صُفُوفِ الْمُسْلِمِينَ بِلِثَامِهِ؛ لِئَلَّا يُعْرَفَ، وَهَدَّدَ مَنْ بِجِوَارِهِ أَنْ يَكْشِفَ أَمْرَهُ. فَكَانُوا يَتَخَفَّوْنَ فِي أَعْظَمِ الْمَوَاقِفِ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا الذِّكْرُ وَالشُّهْرَةُ، وَكَانَ تَخَفِّيهِمْ حِرْصًا عَلَى الْإِخْلَاصِ، وَطَلَبًا لِلذِّكْرِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لَا عِنْدَ النَّاسِ.

 

وَلِلسَّلَفِ الصَّالِحِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى كَلَامٌ كَثِيرٌ فِي الْمُبَاعَدَةِ عَنِ الشُّهْرَةِ وَالْأَضْوَاءِ؛ لِمَا تَجُرُّهُ مِنَ الْفِتْنَةِ عَلَى صَاحِبِهَا، قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: «كَفَى فِتْنَةً لِلْمَرْءِ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى»، وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: «إِنْ قَدَرْتَ أَنْ لَا تُعْرَفَ فَافْعَلْ، وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا تُعْرَفَ، وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يُثْنَى عَلَيْكَ، وَمَا عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ مَذْمُومًا عِنْدَ النَّاسِ إِذَا كُنْتَ مَحْمُودًا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: «مَا صَدَقَ اللَّهَ عَبْدٌ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ». وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ: «مَا اتَّقَى اللَّهَ مَنْ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ». وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: «أَدْنَى نَفْعِ السُّكُوتِ السَّلَامَةُ، وَكَفَى بِهِ عَافِيَةً، وَأَدْنَى ضَرَرِ الْمَنْطِقِ الشُّهْرَةُ، وَكَفَى بِهَا بَلِيَّةً» وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: «إِيَّاكَ وَالشُّهْرَةَ، فَمَا أَتَيْتُ أَحَدًا إِلَّا وَقَدْ نَهَى عَنِ الشُّهْرَةِ».

 

وَكَانَتْ أَفْعَالُهُمْ تُصَدِّقُ أَقْوَالَهُمْ فِي الْبُعْدِ عَنِ الْأَضْوَاءِ وَالشُّهْرَةِ؛ فَأَعْلَى اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَهُمْ فِي النَّاسِ، قَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: «لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُنِي مِنْ مُجَالَسَتِكُمْ إِلَّا خَوْفَ الشُّهْرَةِ». وَكَانَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ إِذَا عَظُمَتْ حَلَقَتُهُ قَامَ خَوْفَ الشُّهْرَةِ، وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَمَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَكْرَهُ أَنْ يُرَى مُعْتَمًّا وَحْدَهُ خَوْفَ الشُّهْرَةِ، فَيُوصِي بَعْضَ أَصْحَابِهِ أَنْ يَعْتَمُّوا. وَأُصِيبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِالْغَمِّ بِسَبَبِ الشُّهْرَةِ فَقَالَ عَمُّهُ: «يَا ابْنَ أَخِي، أَيُّ شَيْءٍ هَذَا الْغَمُّ؟ أَيُّ شَيْءٍ هَذَا الْحُزْنُ؟ فَرَفَعَ أَحْمَدُ رَأْسَهُ، فَقَالَ: يَا عَمِّ، طُوبَى لِمَنْ أَخْمَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذِكْرَهُ». وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِلْمَرُّوذِيِّ: «قُلْ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ: أَخْمِلْ ذِكْرَكَ، فَإِنِّي أَنَا قَدْ بُلِيتُ بِالشُّهْرَةِ. إِنِّي أَتَمَنَّى الْمَوْتَ صَبَاحًا وَمَسَاءً». وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «وَاللَّهِ لَوْ وَجَدْتُ السَّبِيلَ إِلَى الْخُرُوجِ لَمْ أُقِمْ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ، وَلَخَرَجْتُ مِنْهَا، حَتَّى لَا أُذْكَرَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَلَا يَذْكُرُونِي». وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: «رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَقَدْ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، وَقَالَ: لَا تَتْبَعُونِي مَرَّةً أُخْرَى».

 

هَذَا كَانَ حَالَ السَّلَفِ مَعَ الشُّهْرَةِ، يَخَافُونَ عَاقِبَتَهَا، وَيَعْلَمُونَ تَبِعَتَهَا، وَيَفِرُّونَ مِنْهَا، وَيُحِبُّونَ خُمُولَ الذِّكْرِ، وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ...» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْإِخْلَاصَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَالسَّلَامَةَ مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالشُّهْرَةِ. إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِذَا سَعَى الْإِنْسَانُ لِلشُّهْرَةِ فَنَالَهَا شَقِيَ هُوَ بِهَا، وَشَقِيَ بِهِ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ، فَلَا يُخْطِئُ فِي كَلِمَةٍ إِلَّا حُفِظَتْ عَنْهُ، وَلَا يَزِلُّ زَلَّةً إِلَّا بَلَغَتِ الْآفَاقَ، حَتَّى يُعَيَّرَ بِهَا أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَالْإِنْسَانُ يَسْتُرُ نَقْصَ عَقْلِهِ بِصَمْتِهِ، وَيُدَارِي عَوْرَةَ أَخْلَاقِهِ بِتَخَفِّيهِ. وَأَمَّا أَهْلُ الشُّهْرَةِ فَإِنَّهُمْ يَعْرِضُونَ نَقْصَ عُقُولِهِمْ عَلَى الْمَلَايِينِ، وَيَكْشِفُونَ عَوْرَاتِ تَصَرُّفَاتِهِمْ أَمَامَ الْعَالَمِ أَجْمَعِينَ.

 

وَطُلَّابُ الشُّهْرَةِ يَأْتُونَ بِالْعَجَائِبِ لِنَيْلِهَا، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا بَابُ شَقَائِهِمْ، وَلَمَّا صَنَّفَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ تَارِيخَهُ، وَتَرْجَمَ لِجُمْلَةٍ مِنَ الْأَعْلَامِ، سَأَلَ أَحَدُ الْمُولَعِينَ بِالشُّهْرَةِ آنَذَاكَ فَقَالَ: «هَلْ ذَكَرَنِي الْخَطِيبُ فِي الثِّقَاتِ أَوْ مَعَ الْكَذَّابِينَ؟ قِيلَ: مَا ذَكَرَكَ أَصْلًا. فَقَالَ: لَيْتَهُ ذَكَرَنِي وَلَوْ مَعَ الْكَذَّابِينَ». وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ قَارِئًا كَانَ يَقْرَأُ فِي التَّرَاوِيحِ بِالْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ طَلَبًا لِلشُّهْرَةِ، وَكَانَ الْمُتَرْجِمُونَ إِذَا تَرْجَمُوا لِعَالِمٍ يَفِرُّ مِنَ الشُّهْرَةِ امْتَدَحُوهُ بِذَلِكَ، وَإِذَا ذَكَرُوا مَنْ يُحِبُّ الشُّهْرَةَ ذَكَرُوهَا فِي مَثَالِبِهِ وَعُيُوبِهِ.

 

وَفِي زَمَنِنَا صَارَتِ الشُّهْرَةُ تَدِرُّ أَمْوَالًا عَلَى أَصْحَابِهَا بِدَعَايَاتٍ لِمُنْتَجَاتٍ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْجَمَاعِيِّ، وَأَصْبَحَ التَّهَافُتُ عَلَى الشُّهْرَةِ ظَاهِرَةً اجْتِمَاعِيَّةً، يَسْعَى إِلَيْهَا الْكِبَارُ وَالصِّغَارُ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِيتُ فِي طَلَبِ الشُّهْرَةِ بِاسْتِجْدَاءِ الْمَشَاهِيرِ أَنْ يُعْلِنُوا لِحِسَابِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُهَا بِخِفَّةِ عَقْلِهِ وَسُخْفِ قَوْلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُهَا بِحِكَايَاتٍ وَقِصَصٍ يَرْوِيهَا أَوْ يَخْتَرِعُهَا، وَنِسَاءٌ يَطْلُبْنَ الشُّهْرَةَ بِكَشْفِ مَفَاتِنِهِنَّ، وَمِنْهُنَّ مَنْ تَطْلُبُهَا بِعَرْضِ حَيَاةِ أُسْرَتِهَا وَأَطْفَالِهَا عَلَى النَّاسِ، وَلَا يَزَالُ طُلَّابُ الشُّهْرَةِ يَسْعَوْنَ إِلَيْهَا بِكُلِّ سَبِيلٍ، وَيَبْذُلُ بَعْضُهُمْ فِي نَيْلِهَا دِينَهُ وَمُرُوءَتَهُ وَشَرَفَهُ وَأَخْلَاقَهُ وَرَاحَةَ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَلِلْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ جُمْلَةٌ مَتِينَةٌ يَنْبَغِي لِكُلِّ طَالِبِ شُهْرَةٍ أَنْ يَعِيَهَا، يَقُوْلُ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُذْكَرَ لَمْ يُذْكَرْ، وَمَنْ كَرِهَ أَنْ يُذْكَرَ ذُكِرَ». وَصَدَقَ الْفُضَيْلُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَمَنِ اجْتَهَدَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالشَّأْنِ فِي التَّخَفِّي أَعْلَى اللَّهُ تَعَالَى مَقَامَهُ، وَرَفَعَ فِي الْأَنَامِ ذِكْرَهُ. وَمَنْ بَذَلَ فِي سَبِيلِ الشُّهْرَةِ دِينَهُ وَمُرُوءَتَهُ لَمْ يُذْكَرْ بِخَيْرٍ، وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ خُسْرًا. فَأَخْلِصُوا لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَعْمَالِكُمْ، وَاطْلُبُوا ذِكْرَهُ عَنْ ذِكْرِ النَّاسِ، وَاذْكُرُوهُ يَذْكُرْكُمْ؛ ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 152].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الولاية والذكر والشهرة
  • الأدب بين الجودة والشهرة
  • الشهرة وحب الظهور يقصمان الظهور
  • كسب الثروة أم إحراز الشهرة!!
  • طلب الشهرة
  • لبس الشهرة والمخيلة
  • حفرة الشهرة (قصيدة)
  • الشهرة (خطبة)
  • الشهرة عند الله وعند البشر
  • احذروا من الشهرة.. (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة أطراف الصحيحين(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أعمال أكثر منها النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر بالإكثار منها (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ماذا يفعل من نسي شوطا من أشواط السعي؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطة: السعي لفكاك الرقبة في رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • السعي للكمال وجلد الذات(استشارة - الاستشارات)
  • باب فضل السعي إلى الجمعة والطيب والغسل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مختصر السعي بين الصفا والمروة وبعض ما يتعلق به من أحكام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم تقديم السعي على الطواف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السعي بعد طواف الإفاضة(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
2- بوركت جهودكم
شريف عبدالعاطي - مصر 29/10/2021 10:20 AM

جزاكم الله خيراً، وأحسن إليكم، وكتب أجركم

1- إعجاب
أمين ناصر احمد - اليمن 25/10/2021 10:46 AM

جزاك الله خير الجزاء وتقبل الله منا ومنك صالح الأعمال

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/1/1447هـ - الساعة: 9:57
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب