• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم من المنظور الإسلامي
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الدكتور أحمد إبراهيم خضر / مناقشة رسائل
علامة باركود

مناقشة رسالة عن ظاهرة الأخذ بالثأر بجامعة الأزهر

د. أحمد إبراهيم خضر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/2/2017 ميلادي - 10/5/1438 هجري

الزيارات: 18653

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مناقشة رسالة عن ظاهرة الأخذ بالثأر بجامعة الأزهر


كلمة الترحيب:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلاة وسلامًا على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

لتسمح لي هيئة المنصة الموقرة بقدر من الوقت لا يزيد عن ساعة واحدة.

اليوم يوم عُرس، نزف فيه، بعد غيبة طويلة لحفلات الأعراس في القسم، العريسَ السادس.

 

بدأت حفلة الأعراس الجماعية هذه بجلال مجاهد، فمعاذ، فإسلام رشاد، فمحمد حسني الجمل، فعبدالفتاح عمر، فمصطفى محمود، وأخيرًا حازم عيد.

 

وفي كل حفلة عُرس من هذه الحفلات، نسعد بكوكبة من الأساتذة الأفاضل من مختلف كليات ومعاهد الخدمة الاجتماعية في مصر،لكن حفلة العرس اليوم تتميز بأن ضيفنا فيها أستاذ شاب متميز من أساتذة جامعة الفيوم، هو الأستاذ الدكتور "صلاح هاشم".

 

عرَفت الدكتور صلاح هاشم منذ عشر سنوات تقريبًا، وسعدت بالإشراف معه على لجان الاختبارات في كلية الخدمة الاجتماعية في الفيوم.

 

لمست في الأستاذ الدكتور صلاح هاشم طاقة، وحيوية، ونشاطًا، وتفتحًا، وعلمًا، وأخلاقًا،لم أكن أتوقع أن الله سيجمعني به هنا في هذا المكان بعد هذه الغَيبة الطويلة، لكن سعادتي اليوم به هي عرس لي أنا شخصيًّا،إن رؤيتي اليوم له أعادتني شابًّا رغم أني أدخل تحت قائمة الشيوخ.

 

أهلًا بالدكتور صلاح هنا في رحاب جامعة الأزهر،أدعو الله لك بأن يمن عليك بالعفو والعافية، وأن يحفظك من بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك، وعن شِمالك، وأن يعافيك في بدنك، وفي بصرك، وفي سمعك، وأن يجعل يومك هذا الذي شرفتنا فيه أوله صلاحًا كاسمك، وأوسطه فلاحًا كما هو في مناقشتك، وآخره نجاحًا وتوفيقًا للباحث بإذن الله، وأن يرزقك الله صحة في إيمان، وإيمانًا في حُسن خُلق، ومغفرة منه عز وجل.

 

أما أخي الأستاذ الدكتور محمد عبدالرازق خالد، الذي شرفت اليوم، وقبل اليوم، باختياره لي لمناقشة أحد تلامذته، فليسمح لي بتكرار كلمات قلتها في حقه أثناء تكرمه بالموافقة على مناقشة رسالة دكتوراه لإحدى الباحثات الشهيرات التي كنت أشرف عليها.

 

قلت يومها: "الكل يعرف أني أحب الدكتور محمد عبدالرازق، ولا حيلة لي في ذلك؛ فالقلوب معلقة بين إصبعين من أصابع الرحمن، يحركها كيف يشاء،ودعوني أقول فيه كلمة حق، حتى وإن كانت طويلة، ومشوبة بالغزل،الأستاذ الدكتور محمد عبدالرازق شخصية إنسانية مضيئة،يتمتع بحب زملائه وأبنائه من الباحثين، يضفي السعادة عليهم، يتفاعل مع مشاكلهم، يقدر أحاسيسهم،إحساسه بالمسؤولية فِطْري من داخله، ودود، عطوف، عفيف، أمين، مَرِن، تلقائي عفوي، لطيف المعشر، طيب القلب، خفيف الظل، ضميره حي، لا يخون أبدًا،متواضع، لا يحب السيطرة على الناس، يحب الدِّين، والأصول، والثبات في الأمور.

 

عاصرته حينما كان رئيسًا للقسم، فشهدت له بأنه ينجز الأعمال بهدوء، وتروٍّ، وعدم استعجال،يعمل بلا كلل ولا ملل، يتحمل الألم والضغط،رأيته في أشد حالات انفعاله وغضبه يهدِّد ويتوعد حتى أعتقد أن الدنيا قد قامت ولم تقعد، وما هي إلا لحظات حتى يعود إلى وضعه الطبيعي وكأن شيئًا لم يكن،حفظه الله ورعاه.

 

أما عن الأستاذ الدكتور "إبراهيم حجاج" فأقول: إن مناقشة رسالة مع الدكتور "إبراهيم حجاج" بالذات أو مزاملته في الإشراف لها مذاق خاص؛فهو ليس زميلي فقط، وإنما صديقي، وتلميذي، وأعتز بأن يكون ابني،وليس لي إلا أن أدعوَ الله له بأن يصلح له في دينه، ودنياه، وفي معاشه، وآخرته، وأن يوسع له في داره، وفي رزقه، وأن يحميَه من القسوة، والغفلة، والذلة، والشقاق، والسمعة، والرياء، وأن يهَبهَ رحمة من عنده؛ يَهدي بها قلبه، ويجمع بها أمره، ويلم بها شعسه، ويحفظ بها غائبه، ويرفع بها شاهده، ويبيض بها وجهه، ويزكي بها عمله، ويلهمه بها رشده، ويرد بها الفتن عنه، ويعصمه بها من كل سوء.

 

أما عن الباحث فإني أقدر تمامًا دقةَ الموقف الذي يعيشه، هو وكافة الباحثين،إنه موقف صعب، يعاني فيه الباحث من التوتر، والقلق، والخوف، والحرج أمام الحاضرين، من الزملاء، والأهل، وبصفة خاصة من الزوجة، ولا أقول: الأبناء؛ لأن ابنته - والحمد لله - لا تعي ما يفعل في أبيها الآن،لكني أسأل الله أن تكون مناقشتي بردًا وسلامًا عليهم جميعًا، ومهما قسوت عليه، فإن قسوتي لا تخرج عن كونها قسوة أبٍ محب لأبنائه، يتمنى أن يستقيموا على الطريق كأحسنِ ما تكون الاستقامة.

 

هذا القلق والخوف الذي عاشه ويعيشه الباحث منذ أن عرف أني سأناقشه حتى هذه اللحظة، ذكرني بمقالة كتبتها منذ أربع سنوات، ونشرتها على موقعي على شبكة الألوكة، أشرت فيها إلى كلمات معبرة قالها أحد علماء المناهج، وهي: "تتحول المناقشة في كثير من الأحيان إلى مناظرة بين طرفين غيرِ متكافئين، أحدهما: المناقش الذي يحاول استعراض عضلاته بصور مختلفة، ولا سيما إذا كانت المناقشة أمام جمهور، والآخر هو الباحث الذي يحاول الدفاع عن نفسه يائسًا،يطلب من الله السلامة، فهو إن أجاد الدفاع عن نفسه قد يحرج المناقش فيخسر، وإن قصَّر في الدفاع عن نفسه فقد تحسب عليه نقطة ضعفٍ، فيخسر أيضًا!

 

وقد يستمر الممتحن في استعراض عضلاته بعرض الكثير مما تصيده من الأخطاء الحقيقية أو المتخيلة أمام الجمهور، مستمتعًا بتعذيب ضحيته،وقد يتجاوز الحدود، فيكون سببًا في تعذيب مَن يحضر للاستفادة من المناقشة، أو ممن أتوا احتفاءً بالباحث".

 

وأقول للباحث: هوِّنْ عليك يا ولدي، أنا لست مِن هؤلاء الذين يستمتعون بتعذيب ضحاياهم من الباحثين، أو ممن يستعرضون عضلاتهم أمام الجمهور.

 

فالباحث يعرف كم أنا أحبه وأعزه وأقدره،إنه صعيدي أصيل، لم تبهره أنوار القاهرة وضجيجها، فلم يغير جلده، ولا لهجته، عندما تريده تجده، جادٌّ، وخلوق، ووفي، صاحب قلب طيب، ونفس أبية.

 

كما أود أن أطمئن الباحث، وزوجته، وأهله جميعًا، وزملاءه، وأصدقاءه، وجميع الحاضرين بأن موقفي معه لن يكون موقف الممتحن، وأقولها صراحة: إنه لو كان الأمر بيدي وحدي لأعطيته أعلى تقدير.

 

وليسمح لي أستاذي الدكتور عبدالرازق بأن أستعير عبارته المألوفة: إننا نحن كأساتذة لو أعدنا النظر في رسائلنا للماجستير، لمَا كنا راضين عنها؛ولهذا آمل أن يكون هذا اليوم يوم فرح وسرور للباحث وأهله، وأن يخرجوا جميعًا مجبوري الخاطر، سعداء لانتقال عريسهم الذي - ما زال عريسًا - من درجة المعيد إلى درجة المدرس المساعد.

 

حيثيات المناقشة:

أنتقل الآن من كلمة الترحيب إلى حيثيات المناقشة.

أود أن أذكر أن الباحث قال لي في الأسبوع الماضي: أنا أعرف أنك ستمدحني في البداية، ثم ستنهال عليَّ نقدًا وتجريحًا،ولن أخيب ظنه، سأبدأ أولًا في امتداحه.

 

أمتدحه أولًا: بأن أشيد بواحدة مِن أهم إيجابيات الرسالة، وهي معقولية حجمها؛ فهي تقع في حدود مائتي صفحة،ومن الطريف أني أثنيت على صغر حجم الرسالة للباحث، وقلت له: لو كانت في حدود مائة صفحة كان أفضل، فقال لي بخفة ظله المعهودة: "ليست هناك مشكلة يا أستاذنا، اقرأ مائة صفحة فقط، ولا تقرأ المائة الأخرى".

 

وهنا أقولُ لأستاذنا الدكتور محمد عبدالرازق: إني عدلتُ رأيي في مسألة حجم الرسائل بعد أن اطلعت على الاتجاهات العالمية الحديثة، التي تشير إلى أن عدد صفحات رسائل الماجستير يجب ألا يزيد عن مائة صفحة، بحد أقصى مائة وخمسون صفحة، بما فيها صفحات العنوان، والشكر، والملخصات، والجداول، والمراجع والملحقات.

 

وجدتُ أنه في جامعات البرتغال والبرازيل - مثلًا - يتراوح عدد صفحات رسائل الماجستير من 30 إلى 80 صفحة، أما رسائل الدكتوراه فتتراوح ما بين 150 إلى 250 صفحة،وفي الجامعات الألمانية يتراوح عدد صفحات رسائل الماجستير من 60 إلى 100 صفحة،وفي كندا عدد صفحات رسائل الماجستير في حدود مائة صفحة أيضًا، ويزيد في رسائل الدكتوراه عن مائتي صفحة،وفي فرنسا عدد صفحات رسائل الماجستير يكون في حدود مائة صفحة، أو ما يعادل 400 ألف كلمة.

 

أمتدحه ثانيًا: لفصله مقدمة البحث عن مشكلة البحث،أما توجيهي له وللباحثين غيره فهو: أن مقدمة البحث لا تكتب بطريقة إنشائية كما فعل ويفعل الباحثون الآخرون، وإنما تكتب بالطريقة التي اتفق عليها علماء المناهج، وهي أن تعطي القارئَ صورة مختصرة عن مضمون الرسالة، بحيث لو لم يقرأ تفاصيلها، لكفته هذه المقدمة،واشترطوا أن تضم المقدمة أحد عشر عنصرًا، ذكر منها الباحث عنصرًا واحدًا فقط، وأهمل العشر الأخرى، وهذه العناصر على النحو التالي:

1 - أن يعطي تعريفًا مختصرًا للمشكلة البحثية التي يسعى لإيجاد حلٍّ لها.

 

2 - أن يقدم عرضًا مختصرًا لخلفية هذه المشكلة، في عالمها الحقيقي في المجتمع.

 

3 - أن يبين العلاقة بين المشكلة البحثية والمجال المعرفي الذي تنتمي إليه، ومجالات المعرفة الأخرى؛ كعلم الاجتماع، وعلم النفس...وغير ذلك.

 

4 - أن يقدِّم باختصار الفهم التاريخي للمشكلة، بمعنى كيف كان الناس يفهمونها في الماضي والحاضر فهمًا خاطئًا، وبيان الأسباب التي وراء هذا الفهم الخاطئ لها، وكيف أن هذا الفهم كان خاطئًا.

 

5 - أن يبين الآثار السلبية التي ستترتب على عدم حل المشكلة.

6 - أن يبين الآثار الإيجابية التي ستترتب على حل المشكلة.

7 - أن يوضح لماذا وقع اختياره على هذه المشكلة؟

8 - أن يبين كيف سيعمل على حل المشكلة بطريقة تختلف عن الآخرين؟

9 - أن يبين المعرفة الجديدة التي قد يضيفها البحث حول المشكلة البحثية، أو الطرق الجديدة لفهمها.

10 - أن يحدد ما هي الجهات التي ستستفيد من البحث؟

11 - أن يعرض أبواب وفصول البحث.

 

ركز الباحث على العنصر الأخير، وهو أبواب وفصول البحث، وترك العناصر الأخرى مكتفيًا بفقرات إنشائية لا تقدم ولا تؤخر.

 

أمتدحه ثالثًا: لالتزامه بقاعدة: "مقدمة واحدة، وتمهيد وخاتمة لكل فصل"، أما توجيهي له، فهو أن كتابة التمهيد والخاتمة لها قواعدها المحددة، التي شرحتها له بنفسي في جلسة خاصة، فهي ليست كما فعل الباحث ويفعل غيره من الباحثين بقولهم في المقدمة الأكليشهات المعروفة: "تحدثت في الفصل السابق عن كذا، وسأتحدث في هذا الفصل عن كذا"، وإنما يربط فصول الرسالة ببعضها بعضًا على وجه شامل، بسلاسةٍ يجد فيها القارئ اتساقًا بين بداية الفصل ونهايته وَفْق القواعد الخاصة التي شرحتها له.

 

وأمتدحه رابعًا: لأنه حدد مشكلته البحثية التي يحاول إيجاد حل لها، وهي الأخذ بالثأر، وأوجهه بأن ما يسمى بالسؤال البحثي أو المحوري أو المركزي غير موجود في الرسالة،وأنا أعذِره في ذلك،إن السبب في ذلك هو ما أسميه بـ "الجمرة الخبيثة" أو "البكتريا القاتلة" أو "الثالوث العقيم"،وهي "ما الواقع؟ ما العقبات؟ ما المقترحات؟".

 

لاحظتُ أن هذا الثالوث العقيم من الأسئلة يستخدم في الخدمة الاجتماعية، سواء هنا أو في جامعة حلوان،وهذا في تصوري خطأ كبير؛لأن صياغة كل الرسائل بهذه الصورة تعني أن البحث العلمي سيتجمد عند كشف الواقع، وعقباته، ووضع تصورات مقترحة للتغلب على هذه العقبات،أما المنهجية العلمية الصحيحة في صياغة أسئلة البحث فتختلف عن ذلك اختلافًا كبيرًا.

 

شبَّه علماء المناهج الأسئلة أو الفرضيات بأنها بمثابة العمود الفِقري في الجسد، وشبهوا الدراسات السابقة والمناقشة بالدماغ، وشبهوا سبب إجراء البحث بالأذرع، وشبهوا المنهج والنتائج بالأرجل،وقالوا بوضوح: إن الأصل في عملية البحث العلمي فيها هو الأسئلة أو الفرضيات، فإذا انهار العمود الفقري انهار الجسد كله؛ لأن الأسئلة والفرضيات هي التي تربط الجسد ببعضه بعضًا، وتوجه البحث،وهذه هي إحدى نقاط الضعف الأساسية في الرسائل، وأؤكد أن الباحث معذور، وإذا سألته قال لك: ﴿ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴾ [البقرة: 170].

 

أسئلة البحث العلمي لا تتوقف عند حدود الواقع والعقبات والتصورات،هناك اثنا عشر نوعًا من الأسئلة البحثية، منها: أسئلة السبب، وأسئلة تأثير العلاقة، وأسئلة المقارنة، وأسئلة تحديد العوامل، وأسئلة الصفات والعمليات، وأسئلة الغرض والوظيفة، وأسئلة الخصائص والسمات، وأسئلة ارتباط الأشياء ببعضها بعضًا، وغير ذلك،ولا يقال أبدًا: إن ذلك لا يخص الخدمة الاجتماعية؛ ففي مثل هذا القول قدح فيها، لا تميز وانفراد.

أعتقد أني أعطيت الباحث حقه من المديح،وسأنتقل معه إلى ثلاث مراحل أخرى: هي مرحلة العتاب، ثم اللوم، ثم مرحلة أخيره أترك له هو تسميتها.

 

أما عن العتاب فهو عتابان:

الأول: سأسأل الباحث فيه سؤالًا:

وهو: هل سمعت عن الدكتور أحمد جندب؟

إنه رجل قانون، وأستاذ جامعي، وسياسي وعسكري معروف.

انظر إلى ما كتب عن هذا الرجل؛ لأقول لك لماذا العتاب؟ وما آثاره على رسالتك؟

"هذا الرجل هو أبرز من كتب عن ظاهرة الثأر،وتعتبر دراسته من الدراسات شديدة الندرة في مجالها،وينظر إليها على أنها دراسة ميدانية واقعية، كانت أول وأكبر وأوفى وأشمل دراسة من نوعها، وفي موضوعها،قطع خلالها ما يزيد عن خمسة وثلاثين ألف كيلو متر على أرض اليمن أولًا، ومصر ثانيًا، ثم دول الأردن، والعراق، والخليج العربي.

 

قام بدراسة النُّظم القبلية للقبائل العربية في الدول المذكورة؛ وذلك لمعاينة ودراسة حالات الثأر وقضاياه، ومشاكله، ودراسة تاريخه، وجذوره الاجتماعية والسياسية، ومعرفة أسبابه، والعوامل التي ساعدت في ظهوره وانتشاره واستفحاله في مناطق دون أخرى.

 

استخدم في هذه الدراسة أساليب المقابلات الشخصية، والاستبيانات، والأساليب الإحصائية عبر تدوينها من الواقع، وعبر التسجيل الرسمي للجهات الرسمية؛ كوزارات: الداخلية والعدل وأجهزة القضاء والنيابة العامة،وقام بتحليل آلاف البيانات، وخرج منها بحصيلة واسعة من النتائج العلمية الواضحة المعتمدة على دراسة تحليلية علمية واقعية للبيانات التي تم جمعها،تتشعب جوانبها تشعبًا واسعًا جدًّا لتشمل مجالات التاريخ العام، والتاريخ السياسي، والتاريخ العسكري، وخصوصًا ما يتعلق بنشأة ظاهرة الثأر من ناحية البُعد التاريخي، وتاريخها لدى العرب والقبائل العربية إلى وقتنا الحالي، وتاريخ الشعوب وعاداتها وأعرافها،كما تشمل الدراسة علم الجغرافيا، وعلوم الشريعة الإسلامية، والفقه الإسلامي، وعلوم التفسير والحديث، وعلم القانون الجنائي، وعلم النفس الجنائي والقضائي، وعلم الاجتماع، وعلم السياسة، والعلوم الشرطية والأمنية، وعلم الإحصاء.

 

استعان في دراسته بآلاف الكتب والمراجع المختلفة، كما قام بشراء كمية كبيرة من الكتب تتجاوز قيمتها الخمسين ألف دولار؛ وذلك لتوفير المادة العلمية للرسالة، قد انتقى منها ما يزيد على الألف مرجع، وهي موثقة في فهارس الرسالة، هذا بالإضافة إلى الدوريات، والمجلات، والأبحاث المحكمة، ورسائل الماجستير والدكتوراه،كما استعان بمراجع أجنبية إنجليزية وفرنسية،وهي بهذا تعتبر أوفى دراسة علمية عملية ميدانية شاملة جامعة وافية كافية شاملة في مجال ظاهرة الثأر".

 

الباحث يعرف الدكتور "جندب"، بدليل أنه أشار إليه في ثبت المراجع، وأشار إليه في متن الرسالة دون ذكر اسم الشهرة في ص (48)،لكنه لم يدرك الأهمية البالغة لهذا الباحث، وشهرته على العديد من المستويات الأكاديمية والعسكرية والسياسية؛فإنه لم يشر إلى دراسته في دراساته السابقة، ولم يكتب عنها إلا ثلاث فقرات فقط.

 

إن عدمَ انتباه الباحث لأهمية دراسة الدكتور "جندب" ترتب عليه افتقار الفصل الثالث في رسالته - التي خصصها لظاهرة الثأر - إلى الثراء، والعمق، والتحليل الدقيق، والسبب في ذلك هو عدم إدراكه أهمية هذه الدراسة الرائدة وصاحبها.

 

أما العتاب الثاني فهو توجيه أكثر منه عتابًا:

أحد المدرسين المساعدين من شباب القسم سألني عن كيفية الربط بين النظرية والجانب الميداني من الرسالة، ومن هنا ستكون إجابتي على سؤاله عبر رسالة الباحث هذه.

كتب الباحث عن النظريات المفسرة لما أسماه بجريمة الأخذ بالثأر، كما كتب عن نظرية الأنساق الموجهة لبحثه.

 

صحيح أن الأخذ بالثأر جريمة من الناحية القانونية، لكنه في أصله نظام اجتماعي قبل أن يكون جريمة يعاقب عليها القانون، وبالتالي فإن الاستناد إلى نظريات الجريمة وحدها في تفسير نظام الأخذ بالثأر في رسالة في الخدمة الاجتماعية ليس مناسبًا.

 

استفاض الباحث في عرض النظريات البيولوجية التي لا تصلح أيضًا لتفسير نظام الأخذ بالثأر كنظام اجتماعي؛ فنظرية (لمبروزو) التي تقول: إن هناك صفاتٍ جسمانية معينة تميز المجرم، مثل كبر الفك وتشوهات العينين وضخامة وبروز الشفتين، عفا عليها الزمن،ورغم أن نظرية (فيري) التي ذكرها الباحث ترفض نظرية (لمبروزو)، وتعلي من أثر العوامل الاجتماعية والبيئية؛ فإن نظريته عن قانون الإشباع والتشبُّع الإجرامي لا تبدو مناسبة، وكذلك الحال بالنسبة للنظريات النفسية التي تربط بين المجرم والتكوين النفسي العقلي غير مناسبة كذلك.

 

خلاصة الأمر: أن النظريات التي استند إليها الباحث في تفسير الأخذ بالثأر هي التي تنظر إليه كجريمة، وكان مِن الأفضل للباحث بذلُ مزيد من التدقيق والجهد في البحث عن النظريات التي تفسر الأخذ بالثأر كنظام اجتماعي،ولو كان قد أعطى دراسة الدكتور "جندب" حقها من الاهتمام لتغيَّر شكل الرسالة،علمًا بأن هذه الدراسة موجودة في أكاديمية الشرطة بالقاهرة.

 

أما عن نظرية الأنساق كنظرية موجهة لبحثه فأقول:

تعتبر نظرية الأنساق مِن أشهر النظريات التي يعتمد عليها الباحثون في الخدمة الاجتماعية في توجيه بحوثهم الاجتماعية، ولكن إذا سألتهم لماذا اختاروا هذه النظرية بالذات؟ لقالوا: إن كل الرسائل تكاد تجمع عليها كنظرية موجهة للبحث،ولكن المنهجية الصحيحة في اختيار النظرية التي توجه البحث تحدد بثلاثة شروط أساسية لا بد من استيفائها عند استخدام النظرية الموجهة للبحث،وأعني هنا أن على الباحث ألا يتعمد بعد اختياره موضوع بحثه إلباسَه إحدى هذه النظريات بطريقة تعسفية، دون محاولة الوقوف على مدى صلاحية النظرية لموضوع دراسته.

 

هذه الشروط هي:

1- مناسبة النظرية للمشكلة البحثية.

2- سهولة تطبيقها.

3- قوتها التفسيرية.

ولهذا فإن اختيار الباحث لهذه النظرية كان يلزمه بيان مدى انطباق هذه الشروط الثلاثة على مشكلته البحثية.

 

وعن كيفية ربط النظرية بالجانب الميداني، وهي مشكلة تواجه معظم الباحثين، فأدعو الباحثين للدخول على موقعي على شبكة الألوكة والبحث عن مقالة بعنوان:

(كيف يربط طلاب الماجستير والدكتوراه النظرية بالبحث الميداني؟)، وهي مقالة منشورة في 23/ 3/ 2013،هذه المقالة تصفحها 32067 باحث داخل وخارج مصر، ما عدا باحثي القسم، وأولهم هذا الباحث،وتتضمن رأيًا خاصًّا لي ليس هنا مجاله.

 

اسمحوا لي بأن أنتقل من العتاب إلى اللوم.

ألوم الباحث بسب خطأ جسيم: وهو النقل من الآخرين دون نقد وتمحيص،نقل الباحث الأزهري الأساس فقرات من كتَّاب ذوي توجهات ليبرالية، والنقل من هؤلاء الليبراليين يؤدي إلى نتيجة خطيرة، وهي المزيد من لبرلة أهم معقل للإسلام الوسطي، وهو جامعة الأزهر.

 

نقل الباحث عن هؤلاء الكتاب دون إعمال النظر فيما كتبوه، ودون إخضاع نصوصهم للنقد،ونقصد بالنقد عدم قبول القول أو الرأي قبل التمحيص، وينقسم النقد إلى نوعين، هما: نقد خارجي: وهو النظر في أصل الرأي، ونقد داخلي: وهو النظر في الرأي ذاته من حيث التركيب والمحتوى.

 

والتفكير النقدي في الخدمة الاجتماعية هو أن تكون قادرًا على أن تنظر إلى الشخص أو الموقف نظرة موضوعية ومحايدة دون القفز إلى استنتاجات أو وضع افتراضات.

 

يقول الباحث في ص (59): "رغم أن التاريخ المصري القديم يحمل على صفحاته قصة الثأر الشهيرة لـ (حورس) من عمه (ست) الذي قتل أباه (أوزوريس) في ميثولوجيا "إيزيس وأوزوريس"....فإن الثأر بمفهومه الواسع وأبعاده الاجتماعية والنفسية التي هي عليه الآن، لم يتأصل في المجتمع المصري ويترسخ في العقلية الذهنية المصرية إلا مع الفتح العربي لمصر، وثمة مجموعة مؤشرات وحوادث تاريخية تؤكد هذا التفسير الذي يرمي إلى ارتباط أصيل ووثيق الصلة بين الفتح العربي لمصر، وبين ترسيخ عادة الثأر في التوجه الجمعي المجتمعي المصري...وأن العرب مِن القبائل التي هاجرت إلى مصر احتفظوا بالكثير من عاداتهم وتقاليدهم ومشاعرهم العصبية، تلك المشاعر المسؤولة عن قضية الثأر"،هذا ما نقله الباحث.

 

هؤلاء الكتَّاب الذين نقل عنهم الباحث هذه الفكرة يصرون على الربط بين الفتح العربي وعادة "الأخذ بالثأر"، لكن الذي تؤكده كتب النصارى يناقض ذلك؛ فهم يقولون: "إن الجنود العرب لم يحاولوا الاختلاط بالشعوب المهزومة؛ لأن رؤساءَهم كانوا يمنعونهم من هذا الاختلاط منعًا باتًّا".

 

إن الربط بين عادة الأخذ بالثأر والفتح العربي ربط تعسفي أيضًا، الغرض منه الإساءة إلى الفتح العربي الإسلامي لمصر، والنيل من الإسلام بالتبعية، وليس مجرد تحليل تاريخي لعادة الأخذ بالثأر.

 

الكتَّاب الذين نقل عنهم الباحث هذا الرأي - كما قلت - هم كتَّاب (ليبراليون) في الأصل، يتميزون بسمتين أساسيتين، الأولى: العداء للشريعة، والثانية: العمالة لأعداء هذه الشريعة في الغرب، الذين يصفون هذه الشريعة بـ "القسوة والوحشية، والعنصرية، والبربرية، واستعباد المرأة، والانتقاص مِن قدرها، وضرب الزوجات، وزواج الأطفال، وعدم التسامح مع غير المسلمين، ورفض حرية العقيدة وحرية التعبير، ورفض أي هجوم على الإسلام، أو حتى الارتداد عنه لِمن دخل فيه".

 

وفي تعريف جامعٍ شامل لهؤلاء الليبراليين يقول أحد الكتَّاب: "إنهم جيش جرَّار من العملاء، يتمثل في أساتذة، وفلاسفة، ودكاترة، وباحثين، وكتَّاب، وشعراء، وفنانين، وصحفيين، يحملون أسماءً إسلامية، مهمتهم خلخلة العقيدة في النفوس بشتى الأساليب، في صورة بحث، وعلم، وأدب، وفن، وصحافة، مع توهين قواعد هذه العقيدة وتأويلها، وتحميلها ما لا تطيق، والدق المتصل على رجعيتها، والدعوة للتفلُّتِ منها، وإبعادها عن مجالات الحياة، وابتداع تصورات ومُثل وقواعد للشعور والسلوك، تناقض وتحطم أسس العقيدة ذاتها، كما يتعمدون تشويه التاريخ، وتشويه النصوص، مع الدعوة إلى إطلاق الشهوات، وسَحْق القاعدة الخُلقية التي تقوم عليها هذه العقيدة".

 

نأتي الآن إلى آخر مرحلة في المناقشة، وكما قلت: لِيسمِّها الباحث كما يشاء،قد يعتبرها ضربًا تحت الحزام، ولكن لا مشكلة معي؛ فقد امتدحته ودللته كثيرًا، وحان الآن فِطامُه.


لا لوم ولا عتاب، إنها قضية بحثية ومنهجية هامة، ليست هجومًا وانتقادًا للباحث، أو المشرفين الفاضلين العزيزين، وليست هجومًا على أحد، وإنما هي اعتراض على سياسة اختيار عناوين الرسائل، وإني أشكر الباحث الذي سمح لي بأن أبدي رأيي، الذي غالبًا ما أجد صعوبة في إبدائه.

 

أقول صراحة: إن عنوانَ الرسالة - الذي سأقوم بتشريحه تشريحًا دقيقًا - شأنه شأن غيره من عناوين الرسائل، فيه فوضى وتشوش كبيران،وأنا متأكد تمامًا أن المشرفين الفاضلين قد وافقا على هذا العنوان لإنقاذ الباحث، كما أوافق أنا شخصيًّا على عناوين رسائل إنقاذًا للباحثين،ويكفي الباحث أن يحمد الله على موافقة المشرفين عليه لإنقاذه.

 

أنا أعرف تمامًا، بل أقول: إني عِشتُ مع الباحث مخاض اختيار مشكلته البحثية، ولمست منه اهتمامه المتزايد بمشكلة "الأخذ بالثأر" في الصعيد، وعن دور جمعيات تنمية المجتمع في التصدي لها، ولما لم أجد في العنوان ما يبرز هذه المشكلة، عرفت أن الأمر خارج عن إرادته؛ فأنا لا ألومه، بل يكفيه اعتزازًا بنفسه: أن الفكرة التي كانت في رأسه أصبحت موضوعًا لبحثه، (وهذا مديح فوق الحزام، لا ضربًا تحت الحزام)، ومِن ثم فإن وجهة نظري في هذا العنوان ليست قدحًا فيه كباحث، وإنما هي من باب ما يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند اختيار عناوين الرسائل.

 

هناك مصطلحٌ انتقل إلى علماء المناهج عن طريق علوم الحاسبات والمعلومات، وتكنولوجيا الاتصال،هذا المصطلح هو Garbage in, garbage out، أو ما يسمى اختصارًا: قاعدة GIGO، ولما كانت ترجمة كلمة Garbage قاسية، وعنيفة، وثقيلة على الأذن، فإني سأسعى إلى تهذيبها، وتحسينها،وخلاصة معنى هذه العبارة عند تطبيقها على العنوان هي أنه إذا كانت مدخلات عنوان الرسالة عملية عمياء، وليست ذات معنى، ومجرد هراء، فإن مخرجاته ستكون حتمًا ليست ذات معنى، ومجرد هراء أيضًا، وأكرر هنا أيضًا أن الباحث معذور في ذلك.

 

والآتي بعد وجهة نظري فيما يتعلق بعنوان الرسالة الحالي:

1 - أفرط الباحثون في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في دراسة مشكلة الأخذ بالثأر، لكنها قلما نالت اهتمام الباحثين في الخدمة الاجتماعية.

 

ولهذا فإن تناول الباحث لهذه المشكلة بالذات يعتبر تفردًا وتميزًا له، بل إنه من إيجابيات الرسالة (وهذا مديح آخر للباحث فوق الحزام)، لكن اختيار العنوان بهذه الصورة دون إبراز مشكلة الأخذ بالثأر أضاع وطمس ملامح هذا التميز، سواء للباحث أو تخصص الخدمة الاجتماعية.

 

2 - حينما تصنف هذه الرسالة ببليوجرافيا، كما في أكاديمية البحث العلمي، أو في قسم الرسائل بمكتبات كليات الخدمة الاجتماعية، أو غيرها - فإن المتخصصين في تصنيف الفهارس سيضعونها إما تحت قائمة نموذج الروابط المجتمعية، أو تحت قائمة تنمية المجتمعات المحلية، أو تحت قائمة التصورات المقترحة، وقد يضعونها على أحسن تقدير تحت قائمة مشكلات تنمية المجتمع المحلي، ولن يصنفوها مطلقًا تحت بند "مشكلة الأخذ بالثأر"؛ لأن العنوان ليس له صلة بذلك، فهذا العنوان بهذه الصورة كما أضاع تفرد الباحث وتميزه بدراسة هذه المشكلة في مجال الخدمة الاجتماعية، أضاع على الباحثين إمكانية التعرف عليها،فإذا أراد باحثٌ أن يعرض للدراسات السابقة عن مشكلة الأخذ بالثأر في الخدمة الاجتماعية، فكيف يستدل على هذه الدراسة وليس في عنوانها جوهر المشكلة البحثية وهو الأخذ بالثأر؟علمًا بأن الباحثين لا يطلعون على الملخصات ABSTRACTS إلا إذا كان عنوان الرسالة متضمنًا للقضية التي يهتمون بها.

 

3 - هناك شرطان أساسيان يفتقدهما عنوان الرسالة:

أولهما: أنه لا بد أن يبرز المشكلة البحثية كما أوضحنا، ويعرف بها، أو يعطي في كلمات محددة محتوى البحث، وهذا غير متحقِّق هنا.

الثاني: أن عنوان الرسالة لا بد أن يكون جذابًا مثيرًا للاهتمام، فلو كان العنوان متضمِّنًا مشكلة الأخذ بالثأر لجذب الانتباه والاهتمام؛ ولهذا فإن حذفَ العنوان للمشكلة البحثية، وهو "الأخذ بالثأر"، أفقده هذه الخاصية.

 

4 - لن أكررَ ما قلتُه، وما قيل في المناقشة السابقة عن قضية عبارة "التصور المقترح"، التي تتصدر عناوين معظم الرسائل،ولكني سأضيف شيئًا جديدًا هنا.

 

عندما كان يطلب مني الباحثون في القسم أن أترجم مصطلح تصور مقترح أترجمه لهم على أنه Suggestive؛ لأني أعرف أنهم يقصدون هذا المعنى وليس المعنى العلمي،لكن الترجمة العلمية الدقيقة لهذا المصطلح هي Paradigm، وليس Suggestive perspective.

 

الواقع أن مصطلح "التصور المقترح" ليس بهذه البساطة التي نتصورها،إنه المصطلح الذي أدى إلى ثورة علمية، ودخل به صاحبه التاريخ، أول مَن صاغ هذا المصطلح هو عالم أمريكي يدعى "توماس كون Thomas Kuhn"، وقيل عنه: إنه "الرجل الذي غير بهذا المصطلح نظرةَ العالم إلى العلم" بعد أن ألف كتابه "بناء الثورة العلمية" في عام 1962،ورغم أن مفهومَ التصور المقترح نشأ في أحضان "كون" كعالم طبيعة، فإن العلماءَ الاجتماعيين في الغرب اعترفوا بأن استخدامَهم لهذا المفهوم أدى إلى مزيد من الاحترام لتخصصاتهم، وإلى مزيد من التمويل للبحوث الاجتماعية.

 

يعرِّف قاموس أكسفورد مصطلح "التصور المقترح" بأنه: نموذج أو بناء فكري يقبله فرد ما أو مجتمع ما يحدد كيف تعمل الأشياء في هذا العالم،الذي أضافه "كون" هنا حين تبنى هذا المصطلح هو تعريفه له بأنه "مجموعة من الممارسات التي تميز فرعًا ما من المعرفة في فترة معينة من الزمن"،من هنا يتضح لنا أن التصور المقترح إذًا ليس مجرد توصيات مرتبطة بنتائج بحث معين.

 

لفت نظري أن أحد الأساتذة الشبان في الأقسام التربوية هنا في كلية التربية جامعة الأزهر لا يحضرني اسمه، ألقى محاضرة مسجلة في فيديو خاص عن مفهوم "التصور المقترح" في إحدى الجامعات السعودية المعار إليها، أشار فيها إلى التصور المقترح، مفهومه، وجوانبه، وموقعه، وأساليب بنائه كمية أو كيفية، وأعطى نماذج يمكن أن يسير وفقها التصور المقترح، مثل نموذج دلفاي، ونموذج بيرت، ونموذج تحليل السيناريوهات وغير ذلك،أين نحن من هذا كله؟ وأنا أدعو الباحثين بالبحث عن هذا الفيديو على شبكة الإنترنت؛ لكسب المزيد من الفهم المعرفي عن مشكلة التصور المقترح التي تكتب في عناوين الرسائل جزافًا.

 

يضاف إلى ذلك أن وضع أي تصور مقترح يحتاج إلى إلمام بما يسمى "علم المستقبليات"،وهو العلم الذي يحاول وضع احتمالات ومتغيرات تؤدي إلى ظهور هذه الاحتمالات مع توقع للتحديات والأزمات، بغرض رسم صورة تقريبية محتملة للمستقبل،قلت ذلك في أحد السمينارات في القسم، ولكن لا حياة لمن تنادي.

 

مشكلة الباحث هنا هو أنه قد ترجم مصطلح "التصور المقترح" ترجمة أبعد ما تكون عن الترجمة الشائعة من زاوية، وهي Suggestive perspective، ومن زاوية أخرى ليس له أي صلة بالترجمة العلمية، وهي Paradigm،ترجمه الباحث على أنه Imagine a proposal، اعتمد فيه على ترجمة جوجل، وهي ترجمة غير صحيحة،لننظر مثلًا إلى معنى كلمة Imagine نجدها تعني في القواميس الإنجليزية: "أن تعتقد شيئًا ما على أنه موجود وحقيقي، وهو في الواقع غير موجود وغير حقيقي"،ببساطة إنه "مجرد تهيُّؤات"؛ولهذا فأنا أشدد على الباحث ضرورة عرض صفحة العنوان على متخصص في الخدمة الاجتماعية لإعادة ترجمته.

 

وبالمناسبة أذكر الباحث بضرورة أن ينصف أستاذه الدكتور إبراهيم حجاج؛ فالدكتور حجاج ليس Assistant professor، ولكنه Associate professor؛ لأن Assistant professor تعني أنه على درجة مدرس وليس بأستاذ مساعد، وقد شرحت ذلك في كتابي عن إعداد البحوث والرسائل العلمية، لكن أحدًا لم يقرأه بما فيهم الباحث نفسه.

 

5 - في ص (29) يعرف الباحث النموذج في إطار الممارسة المهنية لطريقة تنظيم المجتمع على أنه: "تصور مقترح للممارسة المهنية لطريقة تنظيم المجتمع في موقف إشكالي معين، ثم التأكد من صلاحيته من خلال الممارسة العملية، فأصبح صالحًا لتوجيه الممارسة في مواقف أخرى مشابهة"، هذا التعريف يكاد أن يكون أقربَ وأفضل التعريفات للنموذج؛ ذلك لأنه يحدد بوضوح أن النموذجَ ما هو إلا تصوُّر مقترح، وبالتالي فإن عنوان الرسالة بأنه: "تصور مقترح لاستخدام نموذج الروابط الاجتماعية" ليس بصحيح؛فليس من المقبول عقلًا أن نضع تصوًرا مقترحًا لتصور مقترح قائم بالفعل؛ولهذا لو حذف الباحث عبارة "تصور مقترح" وبدأ العنوان بعبارة: "استخدام نموذج الروابط الاجتماعية في تطوير أداء جمعيات المجتمع المدني..."،لكان ذلك منطقيًّا، ولو أدرك الباحث ذلك لأنقذ نفسه مِن مأزق ضرورة الالتزام بمفهوم التصور المقترح،بالمعنى العلمي الدقيق لمفهوم التصور المقترح، وهو Paradigm.

 

6 - عبارة: "في تطوير أداء بعض جمعيات المجتمع المحلي" في العنوان تحتاج إلى تشريح أيضًا.

تطوير الأداء يستلزم قياس الأداء أولًا؛ لإثبات ما إذا كان هذا الأداء يحتاج إلى تطوير من عدمه.

الذي أتعجب منه هو: كيف يطلب من باحث ماجستير أن يقوم باستخدام نموذج - وهو الروابط المجتمعية - له إستراتيجياته وتكنيكاته ومتطلباته، وأن يستخدم هذا النموذج لتطوير أداء جمعية ما، يحتاج قياس الأداء فيها إلى استخدام نموذج آخر خاص بها، ثم يطلب منه بعد ذلك وضع تصور مقترح لتطوير الأداء، ثم يحدد له مشكلة معينة يطور فيها هذا الأداء باستخدام نموذج ليس هو في أصله نموذج قياس أداء؟!هذا في نظري فوضى بحثية لا يتحملها باحث مبتدئ،وكان بالإمكان تجنُّب كل هذه الفوضى، بأن يطلب من الباحث قياس أداء الجمعيات المحلية في التعامل مع مشكلة "الأخذ بالثأر" دون حشر نموذج الروابط المجتمعية؛ لأن استخدامَ نموذج ما يتطلب تدخلًا مهنيًّا، لا يطلب عادة من باحثي الماجستير.

 

7 - عبارة: "في مواجهة مشكلات التنمية المحلية" الواردة في العنوان - عبارة عاجزة؛فهي لا تحدد مشكلة الأخذ بالثأر التي هي لب المشكلة البحثية عنده،وطالما أن الباحث حدد في عنوان رسالته المشكلات في عمومها سيصبح تركيزه على مشكلة الأخذ بالثأر بمفردها موضعَ انتقاد، خاصة وأنه لا أثر في رسالته لهذه المشكلات كمشكلات تعوق التنمية، ولا بيان عنده للكيفية التي تعوق بها مشكلات التنمية، ولا أثر مطلقًا في الرسالة للكيفية التي تعوق بها مشكلة الأخذ بالثأر هذه التنمية.

 

8 - مِن أسوأ آثار هذا العنوان أنه نسف الجانب الميداني نسفًا كاملًا،فلو أنه طلب مني أن أجري دراستي التطبيقية وفقًا لهذا العنوان لوقفت حائرًا،هل سأعمل على وضع تصور مقترح لنموذج هو في أصله تصور مقترح، أم أني سأقوم بتطبيق النموذج لمواجهة إحدى مشكلات التنمية، أم أني سأستخدمه في تطوير أداء جمعية ما لمواجهة هذه المشكلة؟ ولن يكون الحل أمامي للخروج من هذا المأزق إلا محاولة تطبيق النموذج لمواجهة مشكلة الأخذ بالثأر.

 

أفضل منهجية وآلية للتطبيق هنا هي أن أختار حالة أو عدة حالات لعائلات القاتل والمقتول، ثم أطبق النموذج بإستراتيجياته وآلياته على عائلات القتلى، ثم أنتظر النتيجة بعد تطبيق النماذج، فإن تصالحت العائلتان فسأعتبر النموذج ناجحًا بصفة مبدئية، ثم أعيد تطبيقه على عائلتين أخريين حتى أثبت عامل اختلاف طبيعة العائلات في التأثير على النتيجة، فإن تصالحت العائلتان أعتبر النموذج ناجحًا، وإن لم يتصالحا فعليَّ أن أعترف بفشل النموذج،هذا هو السبيل الوحيد للتغلب على فوضى العنوان.

 

أما أن أطبق استبانة وفق مقياس (لايكرت) كما فعل الباحث، فهذا لا يصح.

9 - سأتصور أن هناك جدالًا بيني وبين الباحث الذي يؤكد أن تطبيقه لمقياس (لايكرت) صحيح، وأنا أعارضه في ذلك.

سأقول للباحث: إن مقياس (لايكرت) كما أقول للباحثين دومًا مصمم أساسًا لقياس الآراء والاتجاهات، وليس لاستخدام النماذج، فخرج الباحث من هذا المأزق قائلًا بأنه يقيس آراء أعضاء مجلس الإدارة نحو استخدام هذا النموذج في مواجهة مشكلة الثأر، سأرد عليه: مِن أين لهؤلاء الناس غير المتخصصين معرفة استخدام نموذج الروابط الاجتماعية حتى نقيس اتجاهاتهم نحوه؟ ولو كان الأمر كذلك للزم أن تعطيهم دورة تدريبية في هذا النموذج، ثم تستخدم مقياس "لايكرت" لمعرفة اتجاههم نحوه، ورأيهم فيه.

 

يضاف إلى ذلك أن الاستبانة تحتوي على سبعة وستين سؤالًا، ما يقرب من 70% منها أسئلة حقائق وليس أسئلة اتجاهات،العبارات المستخدمة في المقياس مثل: تقوم، توفر، تعقد، تستعين، تهتم، تتعاون، يوجد، تشترك، تنسق، تستخدم كلها عبارات حقائق وليست عبارات آراء واتجاهات، وهي التي يستخدم المقياس من أجلها،وهي بيانات يمكن جمعها من السجلات والوثائق، وليس عن طريق استبانة تقيس اتجاهات وآراء.

 

خلاصة القول أن الفوضى في اختيار العنوان أدت إلى فوضى في المنهجية والآليات، وبالطبع إلى فوضى في النتائج،وبذلك تتحقق قاعدة: Garbage in, garbage out، أو ما نسميها اختصارًا بقاعدة: GIGO.

 

في الختام، أعيد ما قلته من البداية، إنه لو كان الأمر بيدي وحدي لأعطيتك الرسالة بأعلى تقدير، رغم ملاحظاتي التي قلتها، فإني أرى أنه من واجبنا أن نقدر الضغوط التي يعاني منها الباحثون، سواء في حياتهم العلمية أو الوظيفية أو المعيشية، وأن نقف إلى جانبهم، نوجههم، ونحتفي بهم، ونشجعهم، وإني أثق في هذا الباحث، وأرى عن بُعد أنه قد يكون غدًا رجلًا يشار إليه بالبنان،إنه الباحث الخلوق والمهذب "حازم عيد" أحييه، وأبارك له، وأتمنى له كل التوفيق والسداد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مناقشة خطة بحث دكتوراه بجامعة الأزهر
  • مناقشة خطة رسالة للماجستير بجامعة الأزهر
  • مناقشة رسالة للدكتوراه بجامعة الأزهر
  • ماذا بعد مناقشة رسالتك العلمية؟

مختارات من الشبكة

  • مناقشة رسالة دكتوراه بجامعة أسيوط عن التحول الديموقراطي والتنمية الاقتصادية(مقالة - موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضر)
  • دليل الرسائل الحضرمية المناقشة في الجامعات السودانية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المجلس الإسلامي البريطاني يجتمع بالبرلمانيين والخبراء البريطانيين لمناقشة آليات التصدي لظاهرة العداء للإسلام "إسلاموفوبيا"(مقالة - المترجمات)
  • فرنسا: لجنة لمناقشة ظاهرة انتشار النقاب في فرنسا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • شكر وتهنئة (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • هل ظاهرة التخاطُر ظاهرة صادقة؟!(استشارة - الاستشارات)
  • حوار مع الدكتور يوسف إبراهيم - مدير مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حوار مع الدكتور صابر عبدالدايم - عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حوار مع الدكتور رفعت العوضي رئيس قسم الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مناقشة دور الأئمة بين الرسالة والمهنة في ندوة علمية بمدينة موستار(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب