• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من حافظ عليها..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين / محاضرات مفرغة
علامة باركود

ظاهرة التفكك والعنف الأسري وكيف علاجها (نصية)

ظاهرة التفكك والعنف الأسري وكيف علاجها (نصية)
الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/1/2017 ميلادي - 19/4/1438 هجري

الزيارات: 34676

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بسم الله الرحمن الرحيم

ظاهرة التفكك والعنف الأسري وكيف علاجها

محاضرة ألقاها فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد آل خنين في جامع الإمام تركي بن عبدالله بالجامع الكبير في 2/ 4 / 1431هـ

[فرغت المادة الصوتية وروجعت من قبل الشيخ].

 

الحمد لله، وصلى الله وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:

فأيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وحيَّاكم الله في هذا اللقاء الطيب المبارك الذي يجمعنا بأحد علمائنا، صاحب الفضيلة الشيخ عبدالله بن محمد آل خُنَين، عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وعضو هيئة كبار العلماء، نسأل الله تعالى أن يفتح على معالي الشيخ، وأن ينفع به وأن يسدده، بموضوعٍ عن التفكُّك الأُسْري، عن هذه الظاهرة وعن كيفية علاجها، وعن العنف الأُسْري، فنسأل الله تعالى أن يفتح على فضيلته، وندعوه لإلقاء محاضرته.

 

• الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرفِ الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحابته أجمعين.

 

أما بعدُ:

فإن الله - عز وجل - خلَق الإنسان وشرع له الزواج، كما في قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾ [النور: 32]، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا معشرَ الشباب، مَن استطاع منكم الباءة، فليتزوَّج؛ فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومَن لم يستطِع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاءٌ)).

 

والزواج هو أساس تكوين الأسرة، وعن هذا الزواج ينتج الولد، وتحصيل الولد هو أحد مقاصد الشريعة في الزواج؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تزوَّجوا الوَدُود الوَلُود؛ فإني مباهٍ بكم الأمم)).

 

والأسرة تتكوَّن من الزوجين ومن الأولاد، وحرَص الإسلامُ على حسن استنباتِها، وعلى الاستمرار في رعايتها وتوجيهِها؛ ولذلك يجب على كل واحدٍ من الزوجين رعايةُ حقوق صاحبِه وحسن التبعُّل معه، والله - عز وجل - يقول: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].

 

فالزواج سكنٌ، وهو مودةٌ ورحمة، وعليه تُبنَى سعادة الأسرة أو تشقى، فإذا حرَص الزوجان على دوام هذا السَّكن وعلى المودةِ والرحمة - أعني على تحصيل أسبابهما - كان ذلك لهم فلاحًا ونجاحًا في الدنيا وفي الآخرة.

 

وهكذا الحرصُ على تربية الأولاد، وعلى رعايتِهم وتوجيههم؛ لأن الولد يجيءُ إلى هذه الدنيا وهو صفحةٌ بيضاء، يقوم المُربِّي بالغرسِ فيها؛ فإن غرس خيرًا، أنتج ذلك خيرًا بإذن الله، وإن غرس إهمالاً وضياعًا أو شرًّا، كان ذلك له عواقبُه الوخيمة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((كل مولودٍ يُولَد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه، أو يُنصِّرانه، أو يُمجِّسانه)).

 

فالفطرة هي دينُ الإسلام، وهي النقية البيضاء، فعلى المُربي أن يغرسَ هذه الفضائل - أعني فضائل الإسلام - وأن يؤكدها على هذا الغراس النامي ابتداءً ودوامًا، والله - عز وجل - أمر الأبوين برعاية الولد، وقال - جل ذكره -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، فالله - عز وجل - يُخاطِب المؤمنين بأن يسعَوا إلى وقاية أنفسهم من النار، وأن يسعوا إلى وقاية أهليهم من النار، وما ذلك إلا بحُسن الرعاية والتوجيه، وغرس الأخلاق الفاضلة والآداب المرعية في نفوسهم؛ حتى ينشؤوا نشأةً إسلاميةً حسنةً صحيحة.

 

هذه مقدمة عن رعاية الإسلام وحرصه على تكوين الأسرة، وعلى توجهها التوجه السليم، لكن الإنسان ربما زلَّت به القدم، أو ضل به الفهم، أو ضعف عن التطلع إلى تكوين هذه الأسرة على أساسها القويم، وعلى الطريق المستقيم، فكان ذلك؛ أعني هذا الإهمال عن هذه المبادئ الخالدة، ربما كان ذلك يقودُ إلى نتيجةٍ سلبية، ألا وهي التفكك الأُسري، وإن التفكك الأُسري لو تأمل الإنسانُ فيه لوجده يرجعُ إلى أسبابٍ؛ من أهمها أولاً ضعف الديانة.

 

فالأسرة المسلمة لا شك في الأصل تحملُ دِينًا عظيمًا، يحمل كل معاني الخير وجميل الخصال؛ صحةً في الاعتقاد، وكمالاً في التشريع والأخلاق، ونزاهةً في العِرض، وترفعًا عن الدنايا، وهذا ولا شك إذا تمسَّكت به وعضَّت عليه بالنواجذ، فسوف يكونُ من أسباب سعادتها واستقرارها، يقول الله - عز وجل -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾ [فصلت: 30، 31].

 

لكن الأسرة إذا انحرفت عن جادَّة الحق والصواب، ودَعَت، أو تركت، أو ضعفت عن التمسُّك بهذا المبدأ العظيم، وهذا المبدأ القويم، والخير العظيم، فإن ذلك يكونُ سببًا في تفرُّقها وفي تفككها، وفي شقائها وفي تعاستها، والله - عز وجل - يقول: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 123 - 127]

 

وهذه الآية تُبيِّن كيف تكون العاقبة للمسلمين جميعًا، وذلك يشملُ الأسرة كيف تكون عاقبتُها إذا تمسَّكت بدين الله عز وجل، وكيف يكون ذلك عليها خيرًا في الدنيا، وكيف تكون عاقبتها إذا فرَّطت في دين الله عز وجل، وأن ذلك يكون عليها شقاءً في الدنيا وخسارةً في الآخرة.

 

فالواجب على الأسرة المسلمة أن تجتنب هذه السلبية؛ حتى تبتعد عن هذا السبب الذي يؤثِّر في تفكُّكها، وفي ضعفها، وفي تناثرها.

 

• وأما السبب الثاني من أسباب التفكك الأسري، فهو سوء اختيار كل واحدٍ من الزوجين لصاحبه, فالشرع جاء في سبيل بناءِ الأسرة، وفي تكوينها تكوينًا صحيحًا من أول خطوة، وأرشد الزوجين إلى حسن اختيار كل واحد منهما لصاحبه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تُنكح المرأة لأربع: لجمالها، ولمالِها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدِّين ترِبَت يداك)).

 

فالواجب على المرء المسلم متى ما انطلق لتأسيس أسرةٍ مسلمةٍ، أن يبدأ الخطوة الأولى بدايةً صحيحة؛ بُحسن اختيار الزوجة، وهكذا بالنسبة للمرأة ولأوليائها، عليهم أن يحسنوا اختيار الزوج الذي سيكون قرينًا لمَوْلِيَّتِهم، وسوف يكون شريكًا لها في بناء الأسرة المسلمة، وسوف يكون الدَّور بينهم تكامليًّا، فإن تطابقَا فيما يُرضِي الله عز وجل، كان ذلك خيرًا لهما وسعادةً في الدنيا والآخرة.

 

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاءكم مَن ترضَون دِينه وخُلقه، فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض))؛ ولذا فإن من أسباب تفكُّك الأسرة وشقائها أن يُفرِّط الإنسانُ من رجلٍ أو أنثى في اختيار قرين حياته، فإذا فرَّط في ذلك، فلا شك أن ذلك سوف يكون له تأثيرٌ سلبي على الأسرة مستقبلاً، فالوصيةُ في تلافي هذه أن يُحسن كُل واحدٍ من الزوجين في اختيار صاحبِه على نحو ما ذكرنا.

 

• ومن أسباب التفكك الأسري: عدم الوئام بين الزوجين، فالمطلوب من المسلم والمسلمة - أعني الزوجين - أن يعيشا في توادٍّ وتراحُم، فإن حصل من أحدهما كراهيةٌ للآخر، فلا بد من الصبر والاحتساب، وألا يسعى إلى طلب الفراق والافتراق، بل يصبر ويتحمل كل منهما صاحبه، كيف لا والله - عز وجل - يقول: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

 

فيتطلَّب ذلك من المرء المسلم أنه إذا لم يودَّ المرأة مثلاً ولم يحبَّها - ألا يسارع إلى فراقها وهدم بيته، وتشريد أولاده، بل عليه أن يصبر، ولو حصل عدم الوئام، وأن يسعى إلى الصبر وإلى التوادِّ وإلى التراحم؛ لأن ذلك أمرٌ مطلوبٌ شرعًا.

 

وربما صبَر عليها، فكان ذلك سعيًا إلى بناء الأسرة؛ لأن التسرُّع بحجة عدم الوئام إلى هدم الأسرة، له آثار سلبيةٌ على تفكُّكها، وعلى هدم هذا البناء الذي يجب أن يُؤسَّس تأسيسًا شرعيًّا، بل هو قد أُسِّس على الشرع في الابتداء.

 

ولَمَّا جاء رجلٌ إلى عمر رضي الله عنه وأراد أن يُطلِّق زوجته، وقال: إني لا أحبها، أنكر عمر رضي الله عنه عليه ذلك، فقال: فهل لا تُبنَى البيوت إلا على الحب؟! فأين الرعاية والتذمم؟! إنها كلمةٌ رائعة، أين حفظ الود بين الزوجين؟ أين حفظ ما حصل بينهما؟ أين النظر البعيد إلى ما بينهما من ولد، وما بينهما من عشرة سابقة؟ إنها بمجرد أن تعصف بأحد الزوجين عاصفة أو كراهيةٌ للآخر، يتأفف منه ويسعى إلى فراقه، فإن كان زوجًا سارع إلى الطلاق.

 

وكم من امرأة سارعت إلى طلب المخالعة - كما تزعم - لتريح نفسها من هذا الثقل الذي وقع على قلبها، ولا تنظر إلى الآثار البعيدة لهذا التصرف، وكم من الأزواج يندمُ حينما يتسرع في مثل هذه الأمور، بل وكم من الزوجات أيضًا يندَمْن حينما يتسرَّعن إلى هدم بيت الزوجية بهذه الحُجة، من غير نظرٍ ولا تؤدةٍ في التصرف، وتقليب الأمور على وجوهها، والنظرِ إلى عواقبِ الأمور!

 

• وكذلك من أسباب التفكُّك الأسري: سوءُ معاملةِ كل واحدٍ من الزوجين لصاحبه، ولا شك أن حُسن المعاملة مطلوبٌ من كل واحد من الزوجين تُجاه صاحبه، والله - عز وجل - يقول: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]، فالواجب الوفاء بالحقوق والالتزامات، بأن يوفي كل واحدٍ من الزوجين بحقوقه التي أوجبها الله - عز وجل - عليه في الشرع، سواء كان ذلك من زوجٍ أو زوجة، والحذر كل الحذر من سوء التعامل مع الآخر، سواءٌ كان ذلك بكلمةٍ جافية، أو بمد يدٍ على الآخر، أو نحو ذلك، مما يسبب جفاء القلوب، ويوصف بأنه من سوء المعاملة؛ لأن سوء المعاملة مما يعصفُ بالحياة الزوجية، وعلى المرء المسلم - أعني كل واحدٍ من الزوجين - أن يتحمل ما قد يحدث له من صاحبه، من زلةٍ أو هفوةٍ، وأن يغفر ذلك، وأن يسامحه.

ومن ذا الذي تُرضَى سجاياه كلُّها ♦♦♦ كفى المرءَ نبلاً أن تُعَدَّ معايبُهْ

 

والله عز وجل يقول - وهو أصدق القائلين -: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]، فالله - عز وجل - يُوجِّه المسلمين جميعًا، وينضوي تحت هذا التوجيه الزوجان، فيوجههما أن يسعى المسلم إذا وقع عليه من أخيه هفوة وهي تُحتمل أن يحتملها، خاصةً مع الاعتذار منها؛ أن يحتملها، وأن يقابلها بالعفو والصفح، ولا شك أن هذه خصلةٌ عظيمة لا يتحملها إلا أصحاب العزائم من الرجالِ أو من النساء؛ ولذلك قال الله - عز وجل -: ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 35].

 

• كذلك من أسباب التفكُّك الأُسْري: عدمُ عناية الأب بالأسرة وترك متابعتها، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالرجل راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيته))، ويظهر هذا السبب فيما إذا أهمل الأبُ هذه الأمانة، وفيما إذا أهمل الأب هذه الرعاية، فيكون همه في نفسه؛ في مُتَعِه، في تجارته، في عمله، ولا يُعطي أسرتَه شيئًا من الهم أو العناية، والتي هي أحق بالتوجيه والرعاية من أعماله هذه، فعلى المرء المسلم، على الزوج المسلم، على الأب المسلم، أن يتفطن لذلك، وكيف أن الإهمال - إهمال الأسرة - يؤدِّي إلى عواقب وخيمة، ويتسبب في تفكيك الأسرة، وفي ضعفها.

 

ومن مظاهر عدم عناية الأب بالأسرة وترك متابعتها: ضعفُ قِوامتِه على أهله، أو ترك هذه القوامة، فمن الناس مَن لا يُفكِّر في بيته، وماذا حصل في بيته، وماذا فُعل في بيته، وإلى أي حالٍ صار بيته، ولا شك أن هذا خطأ، وهو سببٌ في ضعف الأسرة وفي تفككها، وهكذا ربما وجدت من بعضِ الناس أنه اشتغل بنفسه ومتعه، فهو في الدوام، فإذا خرج مرَّ على البيت أكَل ونام، فإذا انتهى من ذلك خرج وذهب مع أصدقائه إلى استراحةٍ من الاستراحات، أو إلى مجلسٍ من المجالس، وربما مضت الأيام، بل ربما مضت الأسابيع ولم يلتقِ بأولاده، ولم يشاهدهم!

 

أيها المسلم، أيها الأب، إن عليك تجاه أولادك عبئًا ثقيلاً، يجب عليك أن ترعاه، وأن تحقق قوامتك على بيتك، وعلى رعاية أطفالك، فالحذر الحذر من الإهمال.

 

ومما يُشابه ما سلف من مظاهر إهمال الزوج، وهو من المشاكل التي حلت بالمسلمين حديثًا: قضاءُ الساعات الطوال على النت، ربما دخل في غرفةٍ من بيته فأغلق عليه بابه، وأخذ يجول ويصول يمنةً ويسرة إلى قريبٍ أو بعيد في مشاهداتٍ، أو قراءاتٍ، أو اتصالات، أو غيرها، بواسطة هذا النت، ويمضي الساعات الطوال ولا يُعطي أهلَه ولا ولده شيئًا من الرعاية، ولا شيئًا من التوجيه، ولا شيئًا من بناء جسور الود والتواصل بينهم، ولا شك أن هذا إهمالٌ كبير، لا يصحُ للمسلم أن يفعله أبدًا.

 

فعلى المسلم أن يتفطن كيف أن هذا السبب يعبث بالأسرة المسلمة، وكيف يجب عليه تلافيه، بترك هذه المظاهر التي تُضعِفُ قوامته على بيته وعلى داره، وعلى تربية أولاده، وعلى إعطاء أهله حقَّهم من بناء جسور الود والتواصل والسكن النفسي بينه وبينهم.

 

• وكذا من أسباب التفكُّك الأُسْري: كثرةُ خروجِ المرأة من البيت، وإذا كان الزوج له مساهمةٌ في ذلك على نحو ما ذكرنا، فإن الزوجة هي الأخرى ربما كان لها مساهمةٌ في التفكُّك الأُسْري، وذلك بخروجها من البيت، وإهمالها لزوجها ولأولادها، وتجدها خرَّاجةً ولاَّجة، تارةً إلى السوق، وتارةً إلى صديقاتها، وتارةً ربما إلى قريباتها، وآخر مَن تُفكِّر فيه هو رعاية بيتها وزوجها وولدها، ولا شك أن هذا خطأٌ كبير؛ لأن الأصل في المرأة المسلمة أن تبقى في دارها، كما قال الله - جل ذكره -: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33].

 

الأصل أن تقرَّ المرأة في بيتها، وأن تكون في خدمة بيتها، في رعاية زوجها، وفي رعاية ولدها، وأن تُعطي هذا الأمر عنايةً؛ لأن دعمها لهذا هو لا شك مشاركةٌ إيجابيةٌ في بناء الأسرة، وإهمالها لِدارِها مشاركةٌ سلبيةٌ في هدم الأسرة، وفي ضعفها، وفي تفككها.

 

• وهكذا من أسباب الضعف الأسري تقاذف المسؤولية عن رعاية البيت بين الزوجين، فكل واحد ربما ألقى بالمسؤوليةِ على الآخر، فالأب ربما اعتَقَد أن دورَه هو تأمينُ السكن، وإحضار الأكل، وبعد ذلك ربما زعم أنه لا دَور عليه، وليس له وظيفةٌ إيجابية سوى ذلك، والأم ربما ظنَّت أن دورَها يقف عند إصلاح الطعام، وعند تهيئة بعض الأمور المتعلقة بالبيت، ثم لا يتفطنون جميعًا لرعاية الأولاد، لتربية الأولاد، لتوجيه الأولاد، فالدور بينهما دورٌ تكاملي، وليس دورَ التلاوم وإلقاء المسؤولية، كلٌّ يلقيها على الآخر، فهذا سببٌ في ضعف الأسرة المسلمة، وربما أدى إلى فساد الأولاد، وأدى ذلك إلى ضعف الأسرة وإلى تفككها، وقد وصف الشاعر شوقي ما يقع بين الزوجين من التلاوم وتقاذف المسؤولية في رعاية الولد، بأن ذلك يؤدي إلى أن يعيش الولد يتيمًا وهو بين أبويه؛ ولذلك قال:

ليس اليتيم مَن انتهى أبواه مِنْ
همِّ الحياة وخلَّفاه ذليلاَ
إن اليتيمَ هو الذي تَلْقَى له
أمًّا تخلَّتْ أو أبًا مشغولاَ

 

نعم، اليتيم هو الذي تَلْقَى له أمًّا تخلَّت أو أبًا مشغولا، فهذا نشأ أضعف من نشأة اليتيم؛ لأن اليتيم ربما امتدت إليه أيدٍ حانية، وامتدت إليه قلوبٌ مشفقة، ولكن هذا الذي يعيش بين والدَيْه وهو مُهمَل، مَن يدري أنه مُهمل؟ ومن يدري أنه في حاجة إلى الرعاية والتوجيه؟ لا أحد يدري.

 

فلذلك على الزوجين، على الوالدين، إعطاء الرعاية والتوجيه للولد الأهميةَ البالغة، وأن يكون التكامل بينهما والتساعد والتعاهد في بناء أفراد الأسرة المسلمة، في بناء الأولاد من ذكور وبنات، ومن تنشئتهم تنشئةً إسلاميةً صالحة.

 

• كذلك من أسباب التفكك الأسري: التدخُّل في شؤون الأسرة، ربما كانت الأسرة مستقرة، فوجدت مَن يتدخل فيها، سواء كان ذلك من الآباء، أو من الأمهات، أو من الأقارب، أو من غيرهم، وربما تدخَّل أحد أبوَي الزوج وشحنوا صدر ولدهم على زوجته، وأخذوا يحرِّضونه على بُغْضها، أو على التصرف معها تصرفًا غير لائق، فأدى ذلك إلى أذيَّتها، وأدى إلى هزِّ كِيان الأسرة المسلمة، وربما كان ذلك أيضًا من الزوجة، فيقوم أحد الأبوين فيها بإغرائها بقطيعة زوجها، وبعدم القيام بحقوقه، وبتكريهها فيه، وربما حدَث ذلك من بعض الأقارب، أو من بعض الناس، ولا شك أن هذا عملٌ فاسد، وفاعله آثم، سواء كان ذلك من الأبوين، أو من غيرهما.

 

والواجب النصح للأسرة المسلمة ومساعدتها، وحث كل واحدٍ من الزوجين على القيام بحقوق صاحبه، وترغيبه في ذلك، لا أن نقوم بدور معاكسٍ لهدم الأسرة المسلمة، ولا شك - كما قلتُ - أن مَن فعل ذلك بأن تدخل في شؤون الأسرة بِما يسبب هدمها، أو ضعفها، أو تفككها، فإنه آثمٌ عند الله عز وجل.

 

• وهكذا أيضًا من أسباب تفكك الأسرة: الغضبُ، ولا شك أن الغضب منهيٌّ عنه، فربما حدَث لأحد الزوجين موقف أغضبه، إما من صاحبه، أو بسببٍ آخر أجنبي، فصبَّ جامَ غضبِه على صاحبه، فصدر منه أذيَّةٌ له سببت كرهًا في قلبه له، فالواجب ترك الغضب، جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني، قال: ((لا تغضب))، فكرر ذلك ثلاثًا، وردَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك، مما يدلُ على أن المرء المسلم يجبُ أن يتصرَّف برويَّة، وأن يدع الغضب؛ لأن الغضب مَهْلَكة للمرء، مفسدةٌ لعَلاقاته بين الناس، مفسدةٌ لعلاقاته مع أسرته؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: ((ليس الشديد بالصرعة؛ وإنما الشديد الذي يملِكُ نفسه عند الغضب)).

 

نعم، ليس الشديد هو الذي يصرع الناسَ بقوة عضلاته وقوة بنائه الجسمي، لا، الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب، حينما تقوم دواعي الغضب وتعصف به، عليه أن يكون قويًّا شديدًا، قادرًا على إمساك زمام المبادرة لهذا الغضب، وصده عن أن يفتك به، أو أن يُورِده ويوقعه في الرَّدى؛ ذلك أن الإنسان إذا استسلم للغضب، لا شك أنه يفعل به الأفاعيل؛ ولذلك جاء التوجيه النبوي بأن الإنسان إذا غضِب يُغيِّر حاله؛ إن كان قائمًا فليقعد، وإن كان قاعدًا فليرقُد، وليقم يتوضأ، وهكذا مما يحرك نفسه ويزيل عنه طيش هذا الغضب؛ لأن الغضب ولا شك مُهلِك، فعلى المسلم أن يعي أن الغضب الذي يسبب الحزازة وسوء المعاملة بينه وبين أهله وبين أهل بيته، أمرٌ - ولا شك - يجب التصرف نحوه بحكمةٍ وبرويَّة؛ حتى يستطيع أن يتغلَّب عليه؛ لأنه إذا استسلم له وانساق وراءه، لا شك أنه سوف يكون سببًا في تشتت الأسرة وفي تفككها، وفي فسادها، فليكن كل واحدٍ من الزوجين من الرجل والمرأة حكيمًا صبورًا في مواجهة الغضب، وتلافي ما قد يُحدِثه من تغيرات، وأن يسعى إلى صدها من أن تفعل فيه الأفاعيل.

 

• كذلك من أسباب التشتت الأسري: المُخدِّرات؛ فهي بلاءٌ قديمٌ جديد، ولكنه ازداد في هذا الزمان، وقد كانت الخمر معروفةً من قديم الزمان، وقد حرمها الإسلام، كما في قول الله - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90، 91].

 

ومنذ أن نزلت هذه الآية وقد حرَّم المسلمون على أنفسهم ما حرَّمه الله تعالى ورسولُه صلى الله عليه وسلم، ومَن يأتيه لا شك أنه يعرف أنه مذنب، وأنه يجب عليه أن يبتعد عن ذلك، وفرض الإسلام لمن يأتي هذا المنكر وهذه الجريمة، فرض عقابًا رادعًا، وحدًّا زاجرًا على شارب الخمور، وازداد - كما يقال - الطِّين بِلَّة في هذا العصر، حينما تنوَّعت المخدِّرات، وكثُرت، وجاءت هذه المخدِّرات الجديدة، لتفتك في أبناء المسلمين، وتُفسِد أحوالهم، وتفسد عَلاقاتِهم، ومما امتدَّت إليه البيتُ المسلم، فربما وقع فيها الزوج، فكان ذلك مهلكةً لبيته، وضياعًا له، وتشتيتًا لأسرته، فالواجب على المرء المسلم أن يحرص على مباعدة هذه المخدِّرات، وألا يقربها؛ لعلمه بما فيها من المساوئ والمنكرات، وقد أخبر الله - عز وجل - في هذه الآية الكريمة أن الشيطان إنما يريدُ أن يُوقِع بين الناس العداوة والبغضاء، وأن يصد عن ذكر الله، فوجب على المرء المسلم تلافي هذا الأمر، وأن يُسلِّم بأمر الله - عز وجل - الذي نهاه عن هذه المسكرات، وعن هذه المخدرات، وأن يحاذر من آثار وقوعِه فيها؛ من وقوع الشحناء بينه وبين أسرته، ومن فساد أسرته.

 

والمسلم يجب أن يكون وقَّافًا عند حدود الله عز وجل، مؤتمرًا بأمره، منتهيًا عما نهى الله - عز وجل - عنه؛ حتى يعيش سعيدًا في الدنيا والآخرة.

 

• ألا وإن من أسباب فساد الأسرة المسلمة وتفككها وضعفها: قرناءَ السوء، الذين ربما جالوا على الزوج فأفسدوه، وربما جُلْن على المرأة فأفسدنها، وربما جالوا على الأولاد فأفسدوهم، فسبَّب ذلك فسادًا في الأسرة، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من قرناء السوء، وحث على القرناء الصالحين، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما مَثَل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا منتنة))، فالقرين الصالح هو خيرٌ كله؛ ولذلك أوصى الله - عز وجل - بالتمسك به، كما في قول الله - عز وجل -: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾ [الكهف: 28]؛ ذلك أن القرين الصالح خيرٌ كله، فإما أن يَدُلَّك على الخير، وإما أن يوصل الخير إليك، وإن لم تحصِّل هذا ولا هذا، فإنك قد حصَّلت من مجالسته الذِّكرَ الحسن والسمعة الطيبة، بخلاف قرين السوء، فهو شرٌّ كله - مثل نافخ الكير - إما قادك إلى الشر والفساد والهوان، وإما إن سلِمت من ذلك، فلن تسلم من قالةِ السوء؛ لأنك صحِبت سيئًا، وهؤلاء قرناء السوء لا شك أن لهم أثرًا سلبيًّا على الأسرة المسلمة في إفسادها وتفكيكها، فالحذر الحذر من قرناء السوء، سواءٌ كان ذلك على الأزواج، أو على الزوجات، أو على الأولاد، وإذا كان الأب تقع عليه المسؤولية العظمى، وكذلك الأم تقع عليها المسؤولية، وكذلك الشاب تقع عليه المسؤولية التي تلي ذلك، ولكن الرجل هو رب الأسرة، وهو القوَّام عليها، فيجب أن يجنِّب نفسه هؤلاء، وأن يرعى أهل بيته، وأن يعرف خصوصًا الأولاد مع مَن يذهبون؟ وإلى أين يذهبون؟ حتى يستطيع أن يتَّقِي قرناء السوء الذين ربما إذا أهملهم عصَفوا ببيته وأفسدوا أسرته.

 

• ومن أسباب التفكك الأسري: الإعلام، والإعلام لا شك سلاحٌ ذو حدَّينِ، فخيره خير ولا شك، وشره شر، ونحن هنا نتحدث عن الأسباب السلبية التي تؤدِّي إلى تفكيك الأسرة، فيجب الحذر من الإعلام الذي يبث ما يُشكِّك الناس في عقائدهم، وفي دينهم، وفي أخلاقهم، أو يسعى إلى نشر الشر والفساد مباشرة أمام الأعين؛ كالتمثيليات الهابطة، وغير ذلك، مما يؤذي المرءَ المسلم، ومما فيه مخالفةٌ صريحة لهَدْي كتاب الله - عز وجل - ولسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

 

والحرص كل الحرص على الاستفادة من القنوات المباحة، ثم مع ذلك وقبله وبعده أيضًا استعمالها أيضًا برُشد وبوعيٍ، لا أن الزوجين إذا جلسا، والأسرة إذا جلست، انشغلت بوسائل الإعلام، وتركت بناء جسور المودَّة بينها؛ الأحاديث بين الزوجين، التوجيه بين الأهل وبين الأولاد، كل ذلك ربما قضت عليه هذه الفضائيات، فالواجب أن يكون حتى مشاهدة الفضائيات المباحة أن يكون بوعي ورشد وإدراك، وأن يكون هناك مجال فسيح للجلسة الأسرية لمحادثة الزوج مع زوجته، ولحديث الزوج مع زوجها، وللحديث مع الأولاد ولتوجيههم ولإرشادهم؛ حتى يستثمر هذا الإعلام استثمارًا إيجابيًّا، ويسلم من شروره ومن سلبياته التي تفتك بالأسرة المسلمة على نحو ما ذكرنا.

 

• وننتقل الآن إلى آثار التفكك الأسري ونوجز لأن الوقت بدأ يضيق.

 

آثار التفكك الأسري:

• أول هذه الآثار فتورُ العَلاقة بين الزوجين، الأصل أن يكون بين الزوجين سكن ومودة ورحمة، كما في الآية الكريمة التي مرت معنا: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].

 

فهذا من أسباب سعادة الأسرة؛ أن يكون هناك بينها سكن، وتواد، وتعاطف، وتراحم، فإذا بُنيت على هذه المودة، كان ذلك لا شك خيرًا لها، وقويت العَلاقات، فانشقاق الأسرة يسبب فتورَها وضعفها إذا فقدت المودة والرحمة التي أرشد الله - عز وجل - إليها، كما قلنا في الآية الكريمة: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].

 

• أيضًا من آثار التفكُّك الأسري: الطلاق، الذي هو أكره المباح إلى الله عز وجل، فالطلاق، وإن شرعه الإسلام، وشرعيتُه ثابتةٌ بكتاب الله - عز وجل - وبسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وجعله الله - عز وجل - بيد الزوج؛ لأن عقله يغلب عاطفته؛ ولأنه هو الذي بذَلَ المهر، ولكن ليس معنى ذلك أن يسيء استخدامه، وأن يفعله، سواءٌ اقتضَتْه الحاجة أو لم تقتضِه الحاجة، فهذا لا شك تصرُّفٌ أحمق إذا لم تكن ثَمَّ حاجة للطلاق، فالأصل أن الإنسان يُمسِك عليه أهله، ويسعى إلى رعاية أولاده، وفي اجتماع الأسرة لا شك خيرٌ كثير، وفي التفريق بينها شر مستطير، فالطلاق يُستعمل بحكمة، لا أن يُلقى أحيانًا أثر غضب، وأحيانًا ربما الإنسان أراد أن يلزم على أحد كرمًا أو نحو ذلك، فيذهب عليه بطلاق زوجته، أو غير ذلك، فيجعل الطلاق بمناسبة أو بغير مناسبة، بمصلحة أو بغير مصلحة، لا شك أن هذه حماقة، ولكننا نقول: إن الطلاق من آثار التفكك الأسري، ربما قاد ذلك إليه، ولكن يجب تلافيه وتركه ما أمكن.

 

• أيضًا من آثار التفكك الأسري: تشتُّت الأولاد وشقاؤهم وانحرافهم، إذا فسدت الأسرة، ضعُفت وتفككت، وكان ذلك شقاءً وعناءً على هذه الثمرات التي نتجت من هذه الأسرة، ألا وهم الأولاد.

 

• كذلك من آثاره السيئة: ضياعُ القيم الأخلاقية التي دعا إليها الشرع في الأسرة، فإذا تشتَّتت الأسرة أو تفككت، فلا شك أن الأفراد كل واحد يتبع هواه، وتضعف الرقابة بينهم، فيكون ذلك سببًا لضياع القيم والأخلاق الإسلامية.

 

• كذلك من آثار التفكك الأسري: عدمُ المشاركة الإيجابية في تنمية المجتمع وفي بنائه؛ لأن الأسرة هي نواة المجتمع، وإذا قويت الأسرة قوي المجتمع، وإذا قوي المجتمع قويت الأمة، والمفترض أن نبدأ من الأصل، وهو الأسرة، فنسعى إلى تنميتها، لكن الذي يحدث بسبب قيام أسباب التفكُّك الأسري أن يضعف بناء الأسرة وتتشتت، ويكون لذلك انعكاسات سلبية على المشاركة في تنمية المجتمع.

 

وقبل الأخير: الوقاية من التشتت الأسري:

وقديمًا قال الحكماء: "درهم وقاية، خيرٌ من قنطار علاج".

فيجب أن ننطلق نحو وقاية الأسرة المسلمة من التشتُّت الأسري، ووقاية الأسرة المسلمة من التشتت الأسري تكون بالمباعدة عن أسباب التشتت الأسري، وقد تناولنا ذلك أثناء الحديث بإيجاز، فلا شك أن الأسرة إذا رعَت حسن الديانة، وكل واحد من الزوجين رعى حسن اختيار صاحبه، وحسن تبعُّله، وحسن تعامله مع الآخر، وحرَص على الوئام مع صاحبه، وغفر له الزلات والهفوات، والأب اعتنى بالأسرة وبمتابعتها، والمرأة حرَصت على البقاء في البيت وشاركت الأب في رعاية الأولاد، وسلِمت الأسرة من التدخُّل، أو استطاع أفراد الأسرة التغلُّب على تدخلات المتدخلين، وعدم سماع كلامهم، وكذلك الإعراض عن نقل الكلام على وجه الإفساد، وترك الغضب، واجتناب قرناء السوء والمخدِّرات، وتوظيف الإعلام توظيفًا صحيحًا، إذا استطعنا أن نُحقِّق ذلك، واستطعنا أن نتلافى أسباب شقاء الأسرة المسلمة وتفككها وشقائها - سلمت الأسرة من كل شر بإذن الله.

 

• وأخيرًا العلاج:

ولا شك أن العلاج مطلوب، وإذا كانت الوقاية هي مسابقةً إلى تلافي الأسباب قبل وقوعها، فإن العلاج إصلاح لأسباب التفكُّك بعد وقوعها، ويتلخص العلاج فيما يلي:

أولاً: الحرص على التوجيه، والتحذير من أسباب التفكك الأسري.

 

الثاني: الحرص على التربية والتنشئة السليمة لأفراد الأسرة المسلمة, ومتابعة ذلك على كافة المراحل العمرية، سواء كان ذلك إلى السابعة أو من بعد السابعة، الخامسة عشرة أو من بعد الخامسة عشرة إلى ما بعدها، بالرعاية والتوجيه والتنشئة السليمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبعٍ، واضرِبوهم عليها وهم أبناء عشر)).

 

• كذلك أيضًا على الأبوين أن يكونا قدوةً صالحة لأبنائهما؛ لأن القدوة لا شك من أعظم أسباب العلاج، فإذا كان الأب والأم قدوة لأولادهما، فلا شك أن الأولاد يَسْتَقون هذه القدوة من هذين الأبوين، وبدل الكلام يجدون الفِعال، فيقلدونها، وقد نهى الله - عز وجل - أن يكون فعل الإنسان مخالفًا لقوله، كما قال الله - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2].

 

• كذلك من العلاج: المسارعة إلى معرفة السبب عند حدوث بوادر التفكك الأسري، لا ننتظر حتى يقع، بل إذا ظهرت بوادر علينا المسارعة إلى حله ما أمكن، والله - عز وجل - يقول في كتابه: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا... ﴾ [النساء: 35].

 

﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾ [النساء: 35]؛ يعني: الزوجين، (إن خفتم)؛ يعني: مجرد مقدمات وقوع الشقاق والتفكك الأسري، فعلى الأسرة أن تنهض إلى حل هذه الإشكالية قبل تفاقمها وقبل تطورها؛ لأنه من المعروف أن حل الأمور في أوائلها والمبادرة إلى ذلك، أدعى إلى نجاعة الحل ونجاحه، فيما لو تمكَّنت هذه المشكلة وتجذرت.

 

• والأخير من العلاج: الحرصُ على الصلح ما أمكن، إذا ظهرت المشاكل في الأسرة المسلمة حصل نفرة بين الزوجين، مثلاً نسعى جهدنا إلى الإصلاح بينهما، والله - عز وجل - أرشد إلى ذلك في الآية السابقة: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 35]، والغرض من الحَكَم الوقوف على المشكلة، ومحاولة تقديم الحلول الناجعة لها؛ حتى يحصل لَمُّ الزوجين، والخطاب جاء عامًّا، وإن جاء ببعث الحكمين، وأن يكون من أهل الزوجين؛ لأنهم أعلم بالحال، وأدرى بحقيقة الأمر، لكن الأمر يتجه إلى الزوجين نفسيهما، إلى أهل الزوجين، إلى الجيران، إلى عموم المسلمين، إذا علِموا وقوع هذه المشكلة في الحياة الزوجية، وظهرت آثارها وعلاماتها، بالمبادرة إلى حلها، ولا يخفى أن الله - عز وجل - أمر بالصلح كما في قوله - عز وجل -: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [النساء: 114].

 

ولا بأس إذا سعى الإنسان بالصلح أن يستعمل المواراة، أو يُورِّي بأن فلانًا له رغبة في المصالحة؛ يعني الذي يتدخل بين الزوج مثلاً يأتي إلى الزوج ويقول: سمعت من الزوجة ما يدل على رغبتها في الصلح، والذي يأتي إلى الزوجة أيضًا يقول كذلك، ويقرب وجهات النظر، ولا يتعفف فيظن أن ذلك أمر غير صحيح وغير صالح هنا، لا، بل جاءت السنة بالترخيص في الكذب: ((ليس الكذاب الذي ينمي خيرًا أو يقول خيرًا))، وأيضًا النبي صلى الله عليه وسلم لم يُرخِّص في الكذب إلا في ثلاث: في الحرب، وفي الزوج مع زوجته، وفي المصلح الذي يصلح بين المتخاصمين، أو بين المختلفين، فيبذل الإنسان جهده، ونحن لا نترك هذا العلاج الحاسم، وبعض الناس ربما ظن أنه غير مقصود، وغير مَعْنِي بالإشكالات التي تحدث، خاصة الأقربين من الأسرة كإخوة الزوج وإخوة الزوجة، وأن فلانًا بينه وبين زوجته أمر لا يعنيه هو، لا، بل الواجب المبادرة للإصلاح؛ لأن هذا يعني المسلم بصفته مسلمًا أن يسعى إلى سد الشقاق والخلاف بين الزوجين؛ للحرص على استمرار هذه الأسرة المسلمة؛ لِما في اجتماعها من مصالح عظيمة تعود على الزوجين نفسَيْهما، وعلى كافة أفراد الأسرة من الأولاد الذين يتبعونهما، وفي ذلك خير كثير للجميع، فلا يبخل الإنسان بشيءٍ من وقته أو جهده أو جاهه بأن يسعى إلى الإصلاح بين أفراد الأسرة المسلمة عند ظهور بوادر الشقاق والخلاف.

 

هذا ما أردت أن أُقدِّمه ملخصًا لكم، أسأل الله - عز وجل - أن يوفقنا جميعًا لِما يحبه ويرضاه، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يُعلِّمنا ما جهِلنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا، إنه سميعٌ مجيب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.


• جزى الله معالي الشيخ خير الجزاء على ما تفضَّل بهذه المحاضرة النافعة الطيبة، ونستمع إلى تعليق مبارك من سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل شيخ على هذه المحاضرة، فليتفضل سماحته جزاه الله خيرًا وسدَّده.

♦ ♦ ♦


تعليق سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية على المحاضرة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فأخونا وزميلنا معالي الشيخ عبدالله محمد آل خنين، عضو اللجنة الدائمة في الإفتاء، وعضو هيئة العلماء، تحدَّث إليكم في حديثٍ موضوعي مهم جدًّا، هذا الموضوع يتعلق بحياة الأسرة، هذا الموضوع الذي يعيش مع كل فردٍ منا، هذا الموضوع الذي بأمسِّ الحاجة إلى أن يفقهه الناس ويعلموه حقًّا، هذا الموضوع موضوع السعادة الدائمة، وكم كتب الكاتبون، وتحدَّث المتحدثون، وقال القائلون، لكن هذا الموضوع الذي عالجه الشيخ هنا علاجًا حكيمًا نافعًا، بأن أوضح أسباب اجتماع الأسرة والتئامها، وأسباب تفرقها وتفككها وتشتتها - مبنيٌّ على أسس من أدلة الكتاب والسنة، بما فيه الكفاية والغُنْية، وفي مقامي هذا لست أضيف شيئًا، فالشيخ قد استوعب الموضوع كله، وأتى عليه من جميع جوانبه، وعالج القضية علاجًا كاملاً بجميع ما يحتاج الموضوع إليه من علاج، ولكن مجرد المشاركة والمساهمة في هذا الموضوع، فأقول:

أيها الإخوة، موضوع التفكك الأسري، يراد بالتفكك التفرق؛ تفرُّق الأسرة، وتباعدها وتقاطعها وتباغضها وانهزام الأسرة، إلى غير ذلك، والمسلم إذا أراد العلاج لكل نازلةٍ، فليعلم أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيهما الكفاية، فيهما الغنية، فيهما العلاج، فيهما الشفاء، فالله - جل وعلا - بيَّن في كتابه حقوقَ الزوجين عمومًا، فقال: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]، هذا ما بين الزوجين، أن على الزوجة حقًّا، كما لها حق، وعلى الزوج حق كما له حق، فعلى الزوجة حق كما لها حق، وعلى الزوج حق كما له حق.

 

وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6].

في مقام تربية الأسرة، تربية النشء وتوجيههم، والأخذ على أيديهم، ووقايتهم من عذاب الله، وهذا النظام الأسري إنما علاجه العلاج الشرعي، فمتى فقدت الأسرة تعاليم الشريعة، فلا بد أن يعمَّها الضياع والفوضى والاضطراب، مهما كان الحال، وما دام أهمل الزوج الرعاية المُطالَب بها، وضيَّع الأسرة وأهملها أخلاقيًّا وتربويًّا، فلا بد من فسادٍ في الأسرة، وإن رعاها جسديًّا، وأطعم وسقى وكسا، لكن أهملها أخلاقيًّا وأدبيًّا، فلا بد أن تنحرف الأسرة عن منهج الله.

 

الزوجة إذا لم ترعَ أسرتها وبيتها الرعاية المطلوبة، فلا بد أن يُخترق البيت وتنهدم الأسرة، والله أمر ببرِّ الوالدين والإحسان إليهما: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23].

 

والله - جل وعلا - أمر بالإصلاح بين الزوجين: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النساء: 128].

 

((والزوجٌ راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها، ألا وكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته))، فالأسرة إذا لم تُحَط بتوفيق الله، إذا لم تُحَط بتربية الإسلام وتوجيهات الإسلام، فلا بد أن تضل سواء السبيل؛ ولذا وجب على الرجل أن يكون عنده غيرةٌ على أولاده ذكورهم وإناثهم، بتربيتهم وتوجيههم؛ ((مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع)).

 

وأُمر الأولياء باختيار الأكْفَاء الصالحين وقَبولهم إذا أتوا للخطبة؛ ((إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير))، ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 32].

 

أيها الإخوة، أُمِرت المرأة بالصبر على الزوج وتحمل المشاق، وأُمر الزوج بالصبر على المرأة، فيقول صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خُلِقت من ضِلَع، وإن أعوج ما في الضِّلَع أعلاه، فإن ذهبْتَ تقيمُه كسرتَه، وإن استمتعت بها، استمتعت بها وفيها عِوَج)).

 

وقال: ((لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنة؛ إن سخِط منها خلقًا، رضي منها آخر)).

وقال ((أيما امرأةٍ دعاها زوجها فلم تُجِب، وبات ساخطًا عليها، لعنتْها الملائكة حتى تُصبِح)).

 

فإذا قام الزوجان بالحق الواجب بينهما، وقاما جميعًا برعاية الأسرة والأولاد من بنين وبنات، فعند ذلك يحصل خير، وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من تخبيب المرأة على زوجها؛ أي إفسادِها؛ حيث قال: ((لعن الله مَن خبَّب امرأةً على زوجِها))؛ لأن التخبيب والإفساد بين الزوجين أخلاق السحرة، ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 102].

 

أيها المسلم، وصبر الزوج على أخطاء المرأة إن لم يكن الخطأ في العِرض، وإنما في أشياء وأخلاقٍ سهلة، فإن صبره عليها خير، فالبيوت لن تُبنَى كلها على المحك، فلا بد من صبرٍ ومقارنة بين الفراق والطلاق، وبين البقاء مع تحمل بعض الأخطاء، فإن الالتجاء إلى الطلاق لا ينبغي للمسلم أن يلجأ إليه، بل يجعله آخر الحلول وآخر ما يلجأ إليه، فالطلاق يكون آخر الحلول، كل شيءٍ قبل الطلاق يمكن، فليفعله الإنسان، ولهذا لم يجعَلْه الحل الأول، بل أمره بالوعظ والهجران، أو الأدب الذي لا يضر، أو الحَكَمين، كلها وسائل قبل الطلاق، فالطلاق من أبغض الحلال إلى الله، فكون الإنسان يعمِدُ إليه ويجعله الحل الأول، هذا أمرٌ غير لائق؛ ولذا ينبغي للمسلم أن يعلم أنه لا انتظام لحياته الأسرية إلا إذا قامت على تعاليم الإسلام.

 

والشيخ استدل بقوله - جل وعلا -: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123]، بيَّن فيها أن سلوك الأسرة السلوك الصحيح المَبْنِي على الكتاب والسنة، يجعل الله لهذه الأسرة هداية وسعادة، وأن الإعراض عن هذا الدين يجعلُها في شقاء وتعاسةٍ وحيرة، فلا تنتظم الحياة أُسريًّا، ولا الحياة لعامة المسلمين، إلا إذا كان كتاب الله وسنة رسوله منهجَ حياتِهم، وسبيل خيراتهم، وتمسكهم بها.

أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على محمد.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العنف الأسري
  • خطة بحث بعنوان: موقف الإسلام من العنف الأسري: مظاهره، وكيفية مواجهته
  • من مظاهر العنف الأسري: العنف اللفظي (1)

مختارات من الشبكة

  • ظاهرة التفكك والعنف الأسري وكيف علاجها(محاضرة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • ظاهرة التفكك الأسري(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل ظاهرة التخاطُر ظاهرة صادقة؟!(استشارة - الاستشارات)
  • ظاهرة سب الدين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ضعف مواجهة الظواهر والعادات الدخيلة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ظاهرة البلطجة وكيف عالجها الإسلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • كيف أتعامل مع ابنتي أو ابني الذي أصابه مس شيطاني؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خطبة: التنمر وموقف الإسلام منه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ظاهرة الفحش وبذاءة اللسان (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نصيب المتقاعدين والمتقاعدات في بلادنا من خطط التنمية: بين منظورين وواقع ومأمول(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب