• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من حافظ عليها..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة
علامة باركود

ائتلافنا وتعظيم الشرع وطاعة ولاة الأمر بالمعروف

الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/1/2017 ميلادي - 13/4/1438 هجري

الزيارات: 9156

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ائتلافنا وتعظيم الشرع وطاعة ولاة الأمر بالمعروف

ركائز أمننا واستقرارنا ورخائنا ومواجهة كيد أعدائنا

 

إن الحمد لله، نَحمَده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وأحمده سبحانه على ترادُفِ نِعَمه، وتوالي عطاياه، وتَرادُف أفضاله، أحمده سبحانه على كلِّ نعمةٍ أنعم بها في قديمٍ أو حديث، في سرٍّ أو علانية، أحمَده سبحانه وأُثني عليه الخيرَ كلَّه، أحمده جلَّ وعلا غير مكفيٍّ ولا مودَّع، ولا مُستغنى عنه ربَّنا.

 

أما بعدُ:

فيا أيها الإخوة المؤمنون، تأمَّلوا في النِّعم، وتدبَّروا في طُرق شكرها، فإن كل أحد منا تحيط به النعم، وتتوالى عليه العطايا من ربٍّ كريم، من ربٍّ وهَّاب عظيم، من ربٍّ شكورٍ لعباده جل وعلا، وهو الغني الحميد.

 

أيها الإخوة المؤمنون، ومن أعظم النعم التي تحلُّ بالمجتمعات ما يكون فيها من الأمن والاستقرار، ومن ائتلاف القلوب واجتماع الكلمة، وانتظام أمور الناس، فإنَّه لا حياةَ طيَّبة ولا طمأنينة ولا رخاء، ما لم يكن ذلك مستقرًّا وحاضرًا في مجتمعاتِ الناس، فالأمن ركيزةٌ أساسية لكلِّ مجتمع، لا يمكن أن يطمئن أهله، ولا أن يكونوا منتجين، ولا أن يكونوا هانئين إلا مع وجودِ الأمنِ والاستقرار، وما يَتبع ذلك من اجتماع الناس وائتلاف قلوبهم، وسَعْيهم في مصالح بعضهم.

 

ولا يَخفى أيها الإخوة في الله ما امْتنَّ الله به علينا في المملكة العربية السعودية من أنواع النعم في الدين والدنيا، هذه النعم التي إنما تستقر بشكرها، وقد ترادَفت هذه النعم في زماننا المعاصر منذ هيَّأ الله تعالى توحيدَ المملكة على يد الإمام المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل رحمه الله، فحصل من الأمن والاستقرار في أرجاءِ البلاد ما تبِعه من الرخاء والعمارة وأنواعِ النِّعم، ومن أبرزها عمارة الحرمين الشريفين وخدمتهما وتهيئتهما لقاصديهما.

 

ومن المعلوم أنَّ هذه المملكة العربية السعودية متراميةُ الأطراف، متباعدةُ الأرجاء، وكانت قبل توحيدها في تمزُّقٍ وشظفٍ من العيش، وكانت أرجاؤها مجالًا لتسلُّط الطامعين، ولذلك كان المسلمون الذين يَفِدُون إلى الحرمين الشريفين يُعانُون من قطعِ الطريق الذي كان يحصل لهم من القُطَّاع والسُّرَّاق، وغير أولئك، حتى هيَّأ الله هذا الإمام، فكان ما نشاهده بفضل الله وإنعامه من هذا الاستقرار.

 

وإنَّ توحيد هذه المملكة العربية السعودية، واجتماع أهلها، لم يكن أمرًا سهلًا ولا ميسورًا، وخاصة مع شدةِ الخلاف وقلةِ العددِ والعَتاد، ولكنَّ الله سبحانه هيَّأ هذا التوحيد لهذه المملكة بفضله وإنعامه جل وعلا، وإلَّا فمن تأمل في بدايات التوحيد للمملكة، فإنه ليس ثمة جيش كبير ولا عتادٌ متنوِّع، ولا غير ذلك، ولكنَّ السرَّ في ذلك - والله أعلم - الصدقُ والإخلاص اللذان اتَّكأ عليهما الملك المؤسس رحمه الله؛ حيث أراد إعلاء الشرع المطهَّر وتحكيمه بين الناس، والله جل وعلا يقول: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 40، 41].

 

فما أن كان البدءُ بالتوحيد وجمع الناس تحت مظلَّةِ هذه المملكة، حتى أقبلت القلوب، وتتابع شعب المملكة على تقديم بيعتهم وولائهم وتأييدهم، وهذا دالٌّ أيضًا على ما كان عند الناس من التطلُّع والتشوف لمن يجمعهم باسم الشرع المطهَّر، وهذا دليلٌ على خيرية هذا الشعب من قبائله وعوائله وأُسَره وأفراده من سكَّانِ هذه المملكة، إذ أقبلوا على هذا الإمام مؤيدين له ومناصرين، ومُصْطفِّين وراءه؛ لأجل هذه الغاية الحميدة، فبادَلهم الملك عبدالعزيز رحمه الله الحبَّ والوفاءَ، وشَيَّدَ بنيانُ مملكةٍ لا نظير لها - ولله الحمد - أمنًا وازدهارًا واستقرارًا وتميُّزًا، بما حوته من المدينتين المقدستين، فباتت هذه المملكة راعيةً وخادمةً وحاميةً لأقدسِ بقعتين على وجه الأرض، وتكامل إنعام الله جلَّ شأنه بما أخرجه من بطن الأرض من كنوزها وخيراتها.

 

وهذه الآية الكريمة: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 40، 41] - هذه الآية ملزمةٌ للناسِ جميعًا حُكَّامًا ومحكومين أنْ يعملوا بمقتضاها؛ حتى ينالوا نصر الله وتأييده وإنعامه؛ قال العلامة ابن عطية الأندلسي رحمه الله في تفسير هذه الآية: الآية آخذة عهدًا على كلِّ مَن مكَّنه الله، كلٌّ على قدر ما مُكِّن.

 

ومعنى هذا أيها الإخوة أنَّ التمكين الذي من آثاره هذه الخيرات والنِّعم، لا بد أن يشكر، وهذا الشكر قائمةٌ قواعده على ما تضمَّنته هذه الآية الكريمة، الحُكَّام مأمورون بما تضمنته، وهكذا المحكومون، ولذلك إذا وُجِد العَطَبُ بين الأفراد، وظهر وانتشر، فإن هذا يعطبُ ويُخلُّ بالمجموع، وقد نقل الإمام ابن كثير رحمه الله أنَّ عمر بن عبدالعزيز رحمه الله خطب وهو يقول: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41]، ثم قال: ألا إنها ليست على الوالي وحده، ولكنها على الوالي والمولَّى عليه، ألا أُنبئكم بما لكم على الوالي من ذلكم، وبما للوالي عليكم منه؟ إنَّ لكم على الوالي من ذلكم أن يؤخذاكم بحقوق الله عليكم، وأن يأخذ لبعضكم من بعض، وأن يهديكم للتي هي أقوم ما استطاع، وإنَّ عليكم من ذلك الطاعةَ غير المبزوزة، ولا المستكرهة، ولا المخالف سرُّها علانيتَها.

 

والمملكة في أيامنا الراهنة تحتاج من جميع أفراد شعبها من رجالٍ ونساء ومن شبابٍ وكبار، ومن مسؤولين ومن غيرهم - وعيًا وإدراكًا بحساسية المرحلة، لم يعدْ خافيًا تربُّصُ أعدائنا ومكرهم وكيدهم، وهذا يزيد من حمل المسؤولية على الجميع.

 

وإنَّ إدراكنا لما كانت عليه الجزيرة العربية قبل توحيد المملكة من الفرقةِ والخلاف والجوعِ والخوف، يجعلنا أكثر حرصًا على الحفاظ على نعمة الاجتماع والائتلاف والأمن والاستقرار، وخاصة إذا استحضرنا أحوالَ كثيرٍ من الدول التي اختلَّ أمنُها، فضاقت معايشها، وبات شبحُ الموت ظاهرًا، وباتت رائحةُ الموت طاغية في شوارعها وطرقاتها، يصبحون على قتلى، ويمسون على مثلهم، نسأل الله العفو والعافية لنا ولهم من الفتنِ، ما ظهر منها وما بطن!

 

وينبغي ألاَّ يشطح الذهن بوجود بعض الأخطاء في مجتمعنا في مجالات متعددة، فهي أخطاء لا يَسلَمُ منها أيُّ مجتمع، وهي جزء سلبي لا يكاد يُذكَر، مقارنةً بالخيرات والإيجابيات التي تزخر بها بلادنا، مع وجوبِ العمل على تصحيح تلك الأخطاء أيًّا كان نوعها؛ في المجالات الشرعية، أو المجالات الحياتية، أو ما يكون من مصالح الناس، فلا بد من تصحيح ذلك كلِّه على النهج الشرعي الذي دلَّت عليه الشريعة الغرَّاء.

 

وتَعظُمُ المسؤولية على كل فردٍ تبوَّأ مسؤوليةً عامةً في المجتمع، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم مَن وَلِيَ من أمر أُمتي شيئًا، فشقَّ عليهم، فاشْقُق عليه، ومن وليَ من أمر أمتي شيئًا، فرفَق بهم، فارفُق به)؛ رواه مسلم في صحيحه.

 

فالمسؤول - أيُّ مسؤول - إذا تبوأ منصبًا لا يعني أن يكون آمرًا وناهيًا بما تشتهيه نفسه ويوافق خاطره، لا، بل إنه - كما هو في وصفه - مسؤول إن قصَّر، وليس وصف المسؤول وصف مِدْحَةٍ وتعظيم، ولكنه وصف مساءلة إن كانت في الدنيا أو في الآخرة، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ أحد - يعني من أهل الولايات والمسؤوليات - حفِظ أم ضيَّع؟).

 

فتولِّي الأمر العام الذي فيه إدارة شؤون الناس، ليس مما يُفرَح به؛ لأنه مسؤولية تقتضي مساءلته في الدنيا وفي الآخرة، وليس تشريفًا في ذاتِ الأمر، نعم مَن وُلِّيَ شيئًا فقام به كما يكون، فالأجر له في ذلك عظيم، ولكنَّه على حدِّ المساءلة.

 

وقِفُوا عند هذا المشهد بين يدي سيد الخلق محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، لما كلَّف مَن كُلِّف من الصحابة في أمور عامة، قال عليه الصلاة والسلام فيما معناه: (إنَّ من كلَّفناه بشيء، فليأتنا به صغيرًا أو كبيرًا، ولو كان عود أراك)، فقال الصحابي: يا رسول الله، أَعِدْ عليَّ، قال: (نعم، مَن كلَّفناه بشيء، فليفِ به صغيرًا أو كبيرًا، ولو عود أراك)، قال: يا رسول الله، خُذ ولايتك، وأعفني من ذلك.

 

وهكذا يقال فيمن يدير أمور الناس أنَّه في منصبه سيكون مسؤولاً إن في الدنيا أو في الآخرة، وهذا من مقتضى سعادة المجتمعات، وانتظام أمورها، وهل حصل ما حصل من الإخلال بمصالح الناس إلا بسبب غياب هذا المفهوم؟!

 

ويجدر التأكيد في هذا المقام أنَّه وبحول الله وقوته في هذه البلاد التي انتظم أمرُها بالشرعِ المطهَّر والقيادةِ الكريمة التي تحرص على ذلك - أنه لا خوفَ علينا ممن يتربص بنا، أو يكيد لنا من أعدائنا من الخارج، فهذه البلاد محفوظةٌ بحفظ الله، ثم ببركةِ تعظيمها لحرمات الله، وإظهارِ حكومتها وشعبِها لشعائر الله، وإقامتها لحدوده سبحانه، لكنَّ الخوف كلَّ الخوف أن يوجد من أبنائها من يصدِّق الدعايات الماكرة والأطروحات المضللة التي تصنع منهم أعداءً لوطنهم ولمجتمعهم بالفرقة والخلاف والعداء، فيبدِّلون نعمة الله كفرًا، ويُحِلُّون قومهم دار البوار.

 

وإنَّ من المتعيَّن أن نُدرك جميعًا أن ائتلافنا واجتماعنا خلف حكومتنا وقيادتنا، هو المرتكز الأساس لقوتنا ولاستقرارنا، ولأمننا ولرخائنا، وهذا الأمر مما عُنيت به الشريعة عنايةً ظاهرة، فقد أُكِدَّ في نصوص القرآن والسنة ضرورة الاجتماع ونبذ الخلاف، وضرورة السمع والطاعة بالمعروف لولاة الأمر، ومحاربة مَن أراد شق عصا الطاعة، أو إيغار القلوب على الولاة، يقول الله جلَّ شأنه: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103]، وقال جلَّ شأنه: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46]، ويقول تعالى وتقدَّس: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59].

 

وثبت في صحيح مسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من بايع إمامًا فأعطاه صفقةَ يده وثمرةَ قلبه، فليُطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عُنقَ الآخر).

 

فتأملوا حزم الشريعة في هذا الباب، إن طاعة ولاة الأمر بالمعروف ليست أمرًا مزاجيًّا يفعله الإنسان، أو لا يفعله، حتى ولو رأى ما يكره؛ إذ الواجب عليه السمع والطاعة بالمعروف، إن أمروا بالخير والمعروف، فواجبٌ عليه أن يسمع ويطيع، وإن رأى ما يكره فليصبر، هكذا قال عليه الصلاة والسلام، مع أداء النصيحة التي تكون وَفق ضوابطها بمراعاة الأدب، وأن تكون على منهجٍ يجمع القلوب، ولا يؤجِّج النفوس على أهل الولايات.

 

وهذا الأمر أيها الإخوة يتأكد مع ما وُجِد من الثورة المعلوماتية التي تُتناقل فيها الأخبار والشائعات والادعاءات عبر شبكات الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، يتأكد هذا الأمر مع وجود هذه الحال؛ لأنَّه لم يعد خافيًا تمريرُ كثير من الدعايات والأقاويل المختلقات؛ لأجل التشكيك وإيغارِ الصدور، وبثِّ الفرقة والخلاف، فإنَّ الشرع قد حَسَمَ هذا الأمر حسمًا واضحًا، فلو وجد خبرٌ صادقٌ في شأن ما يكون من إدارة الأمور العامة، فإنَّ هذا لا يصح تناقله على سبيل تأجيج القلوب وإيغار الصدور، فما بالنا إذا كان كثيرٌ مما ينقل إنما هو مختلق، وإنما هو أيضًا من جهات تتربص وتكيد بنا، وقد أُعلن كما لا يخفى أنَّ هنالك الآلاف من الحسابات والمواقع التي تسوِّق للأقاويل والادعاءات التي يُراد بها الشرُّ ببلادنا، وهذا يوجب على المسلم حرصًا واحتياطًا.

 

وتأملوا كيف أنَّ الشريعة حسمت هذا الأمر في قوله عليه الصلاة والسلام: (من بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليُطعه إن استطاع... ثم قال: فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر). الشريعة لا تجعل مجال الولايات العامة مجال لاجتهادات الناس، قال: إذا جاء آخر ينازع ويريد بث الفرقة والخلاف - وأنتم على استقرار واطمئنان - فاضربوا عنق الآخر، لم يُفصِّل هل هو أفضل؟ هل هو أتقى؟ هل هو أشرف؟ كائنًا من كان، ولو كان في خيريته وفي ديانته وفي شرفه، وفي فَهمه وعقله وذكائه، وقل ما شئت، كل ذلك أعرضت عنه الشريعة، فقال: (اضربوا عنقه).

 

وتأملوا أن الشرع قال: (اضربوا عنقه)، والمعنى: قتل مثل هذا إذا لم يَندفع شرُّه إلا بأن يُقتل، كل ذلك حزم من الشريعة في الحفاظ على استقرار الناس، على استقرار أمنهم وصلاح معايشهم، وألاَّ يتلاعب بهذه الأمور العظيمة، فإن الناظر في التاريخ يدرك أنه لما أُخِلَّ بهذا الأصل العظيم، حصل من استباحة الحرمات وإزهاق الأرواح، وسفك الدماء - ما صرنا نشاهد بعضه في بعضٍ من الدول التي أخلت بهذا الأصل العظيم في الحفاظ على أمنها واستقرارها.

 

أقول ما سمعتُم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ:

فمن النصوص المؤكدة لهذه الأصول العظيمة التي تقدمت الإشارة إليها مما دلَّ عليه القرآن والسنة - ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة)، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)، قال العلماء: النصيحة كلمة يعبَّر بها عن جملةٍ هي إرادة الخير للمنصوح له، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقرِّر في هذا أنَّ الدين الحق الذي يتديَّن به الإنسان، مقتضاه نصيحته لمن ذُكِروا في هذا النص العظيم.

 

والنصح لله يقتضي صحة الاعتقاد في وحدانيته جل وعلا، وإخلاص النية له سبحانه في عبادته، والنصح لكتابه يقتضي الإيمان به والعمل به، والنصيحة لرسوله عليه الصلاة والسلام تقتضي التصديق بنبوَّته، وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه، وأن يُنصر عليه الصلاة والسلام، ويُدافع عن جنابه الشريف.

 

والنصيحة لعامة المسلمين تكون ببذل الخير لهم، والسعي في مصالحهم، والفرح بما يفرحهم، فهو يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويشفق عليهم، ويرحم صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم، وإن ضرهم شيء في دنياهم، فإن ذلك مما يكدره.

 

وهكذا أيضًا النصح لأئمة المسلمين، ومعنى أئمة المسلمين: مَن تَوَلوا ولايات عامة كانت أو ولاية خاصة، مما يكون من قيادة الأمة وإدارة شؤونها، فمقتضى النصيحة لهم حب صلاحهم، وحب رشدهم وعدلهم، وحب اجتماع الأمة عليهم، وكراهة افتراق الأمة عليهم، وأن يكون الإنسان متدينًا لله بطاعتهم في طاعته جل وعلا، وأن يبغض من رأى خروجًا عليهم، وأن يحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل.

 

الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.

ألا وصلوا وسلِّموا على خير خلق الله نبينا محمد؛ فقد أمرنا ربنا بذلك، فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمعهم على الحق وألِّف بين قلوبهم يا رحمن.

اللهم احفظ علينا في بلادنا الأمن والطمأنينة.

اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا وقيادتنا.

اللهم أعذنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا.

اللهم دُلَّهم على كل خير، وأَعِنْهم على فعل الخيرات واجتناب المنكرات.

اللهم اجعلهم رحمةً على العباد والبلاد، وانفع بهم الإسلام والمسلمين يا رب العالمين.

اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، واكْفِهم شرارهم.

اللهم مَن أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا، فاشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.

اللهم ثبِّت أقدام جنودنا المرابطين على ثغور البلاد وحدودها.

اللهم أيِّدهم ووفِّقهم، واحفظهم بحفظك يا رب العالمين.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.

اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان.

اللهم عجِّل بالفرج لكل مكروب يا حي يا قيُّوم.

ربنا اغفِر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا.

اللهم يا ربنا يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك.

سبحان ربنا ربِّ العزة عما يَصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مفهوم أممي
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
  • مفهوم الأمر بالمعروف
  • حكم الخروج على ولاة الأمر
  • باب وجوب طاعة ولاة الأمر وحرمة الخروج عليهم

مختارات من الشبكة

  • ائتلافنا وتعظيم الشرع وطاعة ولاة الأمر بالمعروف ركائز أمننا واستقرارنا ورخائنا ومواجهة كيد أعدائنا(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • شرع الله رحمة وشرع البشر عذاب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في جوامع من الكلم، وجمل من الحكم، وطاعة ولي الأمر بالمعروف(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • وجوب طاعة ولاة الأمور بالمعروف وقول الله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • رحم الله عبدا تأدب بآدب الشرع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التسحيج والمدح في ميزان الشرع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رخصة الشرع في ترك المبيت وترك الرمي لأهل اﻷعذار(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • احتياط الشرع لحفظ النفوس وصيانة المجتمعات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لزوم حكم الشرع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أسباب الوقاية من العين والمس والسحر والشيطان: عدم أذية الجن والشياطين بما نهى الشرع عنه(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب