ابن الحاجب وكتابه: الكافية في علم النحو

ابن الحاجب وكتابه

الكافية في علم النحو

اسمه ونسبه:

ابن الحاجب: هو الشيخ الإمام عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس أبو عمرو ابن الحاجب الكردي، الدويني الأصل، الإسنائي المولد.

مولده: وُلد سنة سبعين أو إحدى وسبعين وخمسمائة (570 أو 571هـ، الموافق 1174 أو 1175م في إسنا في صَعيد مصر، وكان أبوه جُنديًّا كرديًّا، حاجبًا للأمير عز الدين موسك الصلاحي - وهو ابن خال السُّلطان صلاح الدين الأيوبي - قدم به أبوه إلى القاهرة، فحفظ القرآن، وبدأ الاشتغال بالعلم في صغره.

نشأته:

استوطن ابن الحاجب مصر، ثم استوطن الشام، ودرس بجامعها في الزاوية النورية المالكيَّة، ثم رجع إلى مصر مع العز بن عبد السلام فاستوطنها سنة 638هـ، وذلك بعد أن أخرجهما والي دمشق لإنكارهما عليه أمورًا قام بها، وتعلَّم بالقاهرة القراءات والفقه المالكي، ثم اتَّجه إلى اللغة وانصرف إليها تمامًا، وتصدَّر بالمدرسة الفاضليَّة بالموضع الذي كان يدرس فيه الشاطبيُّ، وقصده الطلبة، ثم توجه إلى الإسكندرية؛ ليقيم بها، فلم تطل مدته هناك. وكان ابن الحاجب علامة زمانه، ورئيس أقرانه، استخرج ما كَمُنَ من درر الفهم، ومزج نحوَ الألفاظ بنحو المعاني، وأسَّس قواعد تلك المباني.

أشهر شيوخه:

تتلمذ ابن الحاجب على يدي ثلة كبيرة من العلماء والمحققين الكبار في عصره، ومنهم:

1- الإمام الشاطبيُّ أبو محمد قاسم بن فِيرُّه بن أبي القاسم خلف الرعيني (590هـ)؛ تأدَّب عليه، وقرأ عليه القرآن ببعض الرِّوايات وسمع منه التيسير، ونظمه (حِرز الأماني ووجه التهاني) الشهير بالشاطبيَّة.

2- أبو القاسم هبة الله بن علي بن مسعود البوصيري (598هـ) سمع منه الحديث، وأخذه عنه.

3- أبو الفضل محمد بن يوسف بن علي الغزنوي الحنفي (599هـ). قرأ عليه القراءات.

4- الحافظ بهاء الدين أبو محمد القاسم بن عساكر (600هـ). سمع منه الحديث بدمشق.

5- أبو عبد الله محمد بن أحمد بن حامد الأرتاحي (601هـ) سمع منه الحديث وهو آخر من حدث بالشام.

وغير هؤلاء كثير.

أشهر تلاميذه:

تتلمذ على يد ابن الحاجب طائفة كبيرة من الأئمة والأعيان، ومن أشهرهم:

1- المنذري: وهو الحافظ زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد المنذري (656هـ)، ومن مؤلفاته الشهيرة "الترغيب والترهيب".

2- الملك الناصر: داود بن عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب. وكان سلطان دمشق بعد أبيه نحوًا من سنة (توفي 656هـ). وقرأ عليه النحو.

4- أبو شامة: وهو عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان، أبو شامة المقدسي (توفي 665هـ).

5- ابن مالك: الشيخ جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك الطائي، صاحب الألفية (672هـ).

6- ابن المُنَيِّر: وهو الإمام ناصر الدين أحمد بن محمد بن منصور، المعروف بابن المنَيِّر (توفي 683هـ)، وقد تفقَّه به، وأجازه بالإفتاء. وكان ابن الحاجب معجبًا به أشد الإعجاب لفرط ذكائه وكثرة بحثه.

7- القرافي: وهو الإمام المحقِّق أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن بن عبد الله القرافي، صاحب التآليف البديعة، ومن أشهرها كتاب الذخيرة في الفقه المالكي، (ت: 684هـ).

الدمياطي: وهو الإمام شرف الدين عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسين بن شرف الدمياطي (705هـ). وغير هؤلاء كثير.

مؤلفاته:

لقد رُزق ابن الحاجب حُسن التصنيف، وبراعة التأليف، مع جودة تدلُّ على تمكنه وحذقه، ورزقت مؤلفاته القَبول، وطارت في الآفاق، وسارت بها الركبان، وقد تنوعت هذه المؤلَّفات في شتَّى العلوم، ومن أهم مصنَّفاته:

1- الأمالي: وهو كتاب في غاية الحسن والإفادة؛ اشتمل على فوائد غريبة، ونكات وقواعد وفيرة.

2- الإيضاح في شرْح المفصَّل للزمخشري.

3- الجامع بين الأمهات - في الفقه المالكي، المشهور بـ"مختصر ابن الحاجب" وقد نال شهرة كبيرة، واعتنى العلماء شرقًا وغربًا بشرحه وتدريسه، وصار من الكتب المعتمدة عند المالكيَّة.

4- الشافية: وهي مقدمة وجيزة في التصريف. وهي ملحقة بالكافية، ومتمِّمة لها في عِلمَي التصريف والخط، وقد اشتهرت شهرة كبيرة أيضًا، واعتنى بها العلماء كذلك. وله شرح مختصر عليها أيضًا.

5، 6، 7، 8- "كافية ذوي الأرب، في معرفة كلام العرب": المعروفة بالكافية، أو الكافية الحاجبيَّة، وقد قام ابن الحاجب بشرح الكافية، كما قام أيضًا بنَظْمها، وسمَّى هذا النظم: الوافية في نظم الكافية، وقام بشرحه، وسماه: شرح الوافية نظم الكافية. فصارت أربعة كتب لابن الحاجب كلها عن الكافية (المتن الأصلي، وشرح المتن - نظم الكافية، وشرح النظم). والكافية (المتن) هي التي أعربها زيني زاده في الكتاب محل الدِّراسة "الفوائد الشافية، على إعراب الكافية"، وقد انتشرت انتشارًا فاق الحدود، حتى إنَّ مخطوطاتها في كل مكتبة من مكتبات العالم تقريبًا، وكثرت عناية العلماء والدارسين بها جدًّا منذ تأليفها، وإلى عصرنا الحاضر، وسيأتي الحديث عن ذلك مفصلًا.

9- مختصر منتهى السول والأمل: وهو من أشهر كتب الأصول، وقد اعتنى العلماء به، فصار كتاب الناس شرقًا وغربًا، وشرحه كثير من العلماء.

10- المقصد الجليل في علم الخليل: وهو نظم في العروض يقع في (171) بيتًا.

ثناء العلماء عليه:

قال الإمامُ تقي الدِّين ابن دقيقِ العيد: هذا الرجل تيسَّرت له البلاغة فتفيَّأ ظلها الظليل، وتفجَّرت ينابيع الحِكمة، فكان خاطره ببطنِ المسيل، وقرب المرمى فخفَّف الحمل الثقيل[1].

قال القاضي ابن خَلِّكان: كان من أحسن خَلْق اللهِ ذهنًا، وجاءني مرارًا بسبب أداء شهادات وسألته عن مواضع في العربية مشكلة فأجاب عنها أبلغ إجابة بسكون كثير وتثبت تام، وذكره العلامة ابن أبي شامة فقال: كان من أذكى الأمة قريحة، ركنًا من أركان الدين في العلم والعمل، بارعًا في العلوم الأصولية وتحقيق علم العربية، متقنًا لمذهب مالك، وكان ثِقةً حُجَّة، متواضعًا عفيفًا كثير الحياء، منصفًا محبًّا للعلم وأهله، ناشرًا له، صبورًا على البلوى، محتملًا للأذى[2].

وفاته:

تُوفِّي ابن الحاجب سادس عَشرَ من شوَّال سنة ست وأربعين وستمائة (16 شوال 646 هـ)، الموافق 18 من فبراير سنة 1249م بالإسكندرية ضحوة النهار، ودفن بباب البحر بمقبرة الشيخ الصالح ابن أبي شامة، رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته[3].