• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

دفاع عن النحو والفصحى (15)

د. إبراهيم عوض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/5/2015 ميلادي - 21/7/1436 هجري

الزيارات: 4067

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دفاع عن النحو والفصحى (15)


وعودة إلى الذين دعَوْا إلى تسهيل النحو واجتهدوا فيه نقول: إننا (مع احترامنا لجهودهم وجهود كل غيور على العربية وقواعدها ورغبتهم في تثقيف الألسنة الناطقة بها كي تصبح ألسنة بصيرة ماهرة بطرق الكلام الصحيح الفصيح) نرى أن جهودَهم المخلِصة لن تؤتيَ ثمارها المرجوَّة وعلى أوسع نطاق كما يحبون ونحبُّ إلا إذا توفرت لها بعض الشروط المهمة؛ فأولاً: كيف يُرجى لهذه الجهود الكريمة أن تحقق هدفها، والعرب بوجه عام، متعلمين منهم وغير متعلمين، لا يُحِلُّون لغتهم من نفوسهم وحياتهم المحل اللائق بها؟ إن الشعور القومي والدِّيني الرشيد غائبٌ أو على الأقل غائم عند الأغلبية منا، وهذا الشعور ينسحب أول ما ينسحب على اللغة، حتى إن العربي لا يعتزُّ بلغته، ولا يشعر أن مِن واجبه بل مما يشرِّفُه ويرفع ذِكره بين الناس أن يُحْكِمَها ويتقنها نطقًا وكتابةً وتذوقًا، بل إن العربية لتتعرض على ألسنة كثير من أبنائها لسيولٍ من التهكم، لا أظن لغة أخرى في العالم تتعرض ولا لعُشْرِ مِعشاره، وبخاصة في التمثيليات والمسرحيات وشرائط الخيالة، مما لا يعادله في قوة تأثيره أية وسيلة أخرى، وكثير من العرب يحرصون أشد الحرص على ترصيع كلامِهم بألفاظٍ وعبارات أجنبية، رغبةً منهم في التباهي بأنهم متحضِّرون، مع أنهم قد يكونون من أحطِّ طبقات المجتمع في الذوق والثقافة، لكنه الإحساس بالدُّونية والنقص!

 

ويرجع هذا، فيما يرجع إليه، إلى أن الإسلام ولغته والعرب الذين نشروهما في أيام عزتهم ومجدهم ورجولتهم وفحولتهم في أرجاء المعمورة يشكِّلون منذ وقت بعيد هدفًا دائمًا لدعاية شياطين الاستعمار والاستشراق والتبشير المسمومة، هؤلاء الشياطين الذين لم يتركوا في الغالب مكرمةً فينا أو في لغتنا ودِيننا إلا مسَخوها وقلَبوها مذمَّةً وعارًا، يُلحُّون على ذلك إلحاحًا لا يعرف كَلَلًا ولا مَلَلًا، ولا يتوقف لحظة من ليل أو نهار، ويصطنعون فيه كل الأساليب التي تخطر والتي لا تخطر على البال، ويتفننون فيها تفنُّنًا بغية كسرنا، بل تحطيمنا، حتى لا تقوم لنا بعد ذلك قائمة، فيسهُل عليهم مضغُنا وابتلاعُنا، إنها حرب ضَرُوس رهيبة، وهذه بعض نتائجها المحزنة! ومن أسرار نجاحهم في هذا الميدان أن العربَ في هذه الفترة من تاريخهم قومٌ متخلفون عن الغرب وأهله تخلُّفًا شنيعًا، وهذا التخلف يتخذه أولئك الشياطين حجة على أننا وكل ما يتعلق بنا في الحضيض الأسفل، وفي ذات الوقت نراهم يتخذون من الأساليب والأسباب ما هو كفيل باستمرار هذا التخلف، إنها لعبة معقدة، ولكن هكذا هي! ومن مظاهر تخلُّفنا أننا نميل إلى الكسل، ولا نتخذ لأي شيء عدته، كما ينبغي أن تتخذ العدة؛ إذ إن الجِدَّ بطبيعته متعِب ومزعج، والكسالى البُلَداء يكرهون أي شيء يتعبهم، ويحبون أن يظلوا في غطيطِهم لا يزعجهم مزعج، ولتكُنِ النتائجُ ما تكون، ولْتنصَبَّ عليهم المصائب من كلِّ حدَب وصَوْب كما يحلو لها، فلكل ذلك ربٌّ اسمه الكريم، وساعتها سيفرجها ربنا! أما "كيف" فليس هذا أوان التفكير في ذلك "الكيف"، بل أوان الاستغراق في "الكيف" الآخر، وعلى ذلك فأغلبنا لا يحبون العلم؛ لأنه يستلزم السهر، وإرهاق العين والمخ، وتناول الدواء المرِّ، فضلاً عن أن نتائجه لا تظهر لساعتها، بل تحتاج وقتًا طويلًا، ثم لماذا نتعب أنفسنا، ونحن نستطيع أن نحصل بالاستيراد على كل ما نريد؟ حتى إن مدينة القاهرة على جلالة قدرها، فيما قرأت، قد استوردت أجانبَ لجمعِ قمامتها، ولا تزال القمامة رغم هذا تملأ جنباتها.

 

الطالب العربي عليه إذًا أن يُقبِلَ بجمع همته على العلم إن أراد تقدمًا، أما أن يبقى في مكانه لا يريد أن يبارحه ثم يشكو من صعوبة النحو، فذلك لن يقضي على المشكلة، وبالمناسبة فالذي يشكو من النحو يشكو عادةً من غيرِ النحو، والطالب الجادُّ لا يشكو من هذا ولا من ذاك، ولقد أتقن كثيرٌ منا لغتهم منذ وقت مبكر، وهم لا يمتازون عن غيرهم امتيازًا ملحوظًا في الذكاءِ، لكنه الحب والعمل والتعب والسهر والرغبة في الإنجاز والمعرفة بأن حلاوة الحياة لا تسلِّمُ نفسَها إلا لمن صبر على تجرُّع مرارتها طويلاً، هذه هي طبيعة الأمور، لكن قومي لا يعلمون، أو يعلمون ولكنهم يتجاهلون! قل لي بربك: لماذا أتقن أجدادنا لسانهم بدليل خلوِّ مؤلفاتهم من الأخطاء النَّحْوية والصرفية، على حين أن كثيرًا جدًّا من مؤلَّفاتنا الآن تعِجُّ بمظاهر العجز الفاضح عن السيطرة على قواعد اللغة؟ إنه الفرق بين الجِدِّ والهزل، بين العمل والكسل، بين الشعور بالعزة والإحساس بالهوان، بين الثقة بالنفس والارتياب اليائس فيها وفي قدراتها! أتكون لغتُنا ونحوُها أصعبَ من لغة الصينيين أو لغة اليابانيين مثلاً؟ إن نحوَ لغة الضاد لم يتغير في شيء، اللهم إلا أنه الآن أصبح يعرض بطريقة أسهل، فلماذا أتقنه على صعوبةِ طريقته الأقدمون، وكثُر منا العاجزون عن ذلك، رغم أن طريقة عرضه قد أصبحت أيسرَ وأكثر جاذبية؟

 

ومعروف أن الإنسان إذا لم تكن عنده رغبة حقيقية وإرادة لعمل الشيء، فإنه يجده صعبًا، ولا يُحسنه، مهما حاول المشرفون عليه أن يدفعوه إلى التعلم وبذل الجهد، ويَزيد الطِّين بِلَّةً أن التعليم الآن بعد أن صار مجانيًّا، وبعد أن أصبح وجاهة اجتماعية في بلاد العرب - أضحى يضمُّ مَن لديه استعداد، ومن ليس له من الاستعداد شيء يذكر، ولم يعُدْ مقصورًا على مَن يختاره بشوق ولهفة كما كان الحال قديمًا أيام أن كان لا يذهب إلى حلقة الدرس إلا مَن يحب العلم وعلى استعداد لدفع ضريبته، أما الآن فكلُّ الصبيان والشبَّان تقريبًا يذهبون إلى المدارس والجامعات، وأغلبيتهم الساحقة لا تدرك قيمة العلم، ولا تتذوق له معنى، إنما هو وقت فراغ يمضيه الواحد منهم مع لِدَاتِه، وإني لأذكر إلى الآن تعليق إحدى الطالبات البريطانيات ممن كنا نعلِّمُهن اللغة العربية في آداب عين شمس في الثمانينيات عندما رأت الزحام الهائل للطلبة والطالبات في طرقات الجامعة يقتُلون وقتهم في الثرثرة والجلوس في ظلال الأشجار وتبادل النكات والقهقهات، إذ قالت في دهشة: "هذه ليست جامعة؛ بل ناديًا اجتماعيًّا!"، فهل من المستغرب أن يكونوا ضعفاء في اللغة وقواعدها؟ إنهم ضعفاء في كل شيء لا في اللغة وحدها، وثقافتهم ضحلة تبعث على الرثاء! وأنا حين أقول هذا لا أقوله انطلاقًا مما يسمى بـ"صراع الأجيال"؛ بل من واقع تجربتي الطويلة في التعليم. لا نكران في أن هناك طلابًا على مستوى راقٍ من الثقافة والإخلاص في الدرس والمقدرة على التعبير السلس الجميل، لكنهم قلة قليلة، كما كان الطلاب قبل ثلاثة عقود من الزمان أفضل منهم الآن إلى حد بعيد.

 

وهذا يقودنا للتنبيه إلى أن إتقان لغةٍ ما لا يمكن أن يقوم على فراغ، بل لا بد من ثقافةٍ واسعة عميقة تربط الإنسان باللغة التي يتعلَّمها، وتقيم بينه وبينها ألفة بل صداقة ومحبة، إن النحو ليس قواعد تحفظ والسلام، بل هو نظام ثقافة، ولا بد له من مادة واسعة وثرية يطبق عليها، ترى هل يمكن أن يتعلم شخصٌ ما فنَّ تنسيقِ الزهور مثلاً دون أن يكون بين يديه زهور كثيرة ومتنوعة يمارس عليها ذلك الفن؟ فكيف بالله يتحمس إنسان لإتقان لغة قد حرَم نفسه أطايبها، وأقام بين عينيه وبين مواطن الحسن والروعة فيها سدًّا كثيفًا؛ فلم يتعرف إلى إبداعات امرئ القيس، وعنترة، والحطيئة، وعمر بن أبي ربيعة، وابن قيس الرُّقيَّات، وأبي نواس، وبشار، وابن الرُّومي، والبحتري، وابن المعتز، والمتنبي، والبهاء زهير، وحافظ، وعلي محمود طه، والسياب، ومحمود درويش، ولا إلى روائع ابن المقفع، والجاحظ، وابن قتيبة، والطبري، وأبي الفرج الأصفهاني، وأبي حيان التوحيدي، وابن حزم، والغزالي، والحريري، والشدياق، والمنفلوطي، وشكيب أرسلان، وكرد علي، وجبران، والريحاني، والعقاد، والمازني، وطه حسين، وزكي مبارك، وغازي القصيبي... إلخ... إلخ؟ إن إنسانًا قد حرمه الله هذا المتعة العلوية لَفقيرٌ مسكين! ولعل القارئ لا يزال يذكر إزراء السيد أوزون بالأدب، الذي يعُدُّه عديم الجدوى، فهذا يفسر له الكثير!

 

لقد لاحظتُ على كثير من طلبتي في الماجستير والدكتوراه أنهم لا يهتمون بالقراءة لكبار الكتَّاب، بل يقتصرون في الأغلب الأعم على قراءة الرسائل التي كتبها زملاؤهم؛ أي إنهم يأخذون اللغة عن شبَّان أمثالهم لا يزالون في بداية الطريق ولم يكتسبوا الأسلوب بعدُ، فهم بمثابة الأعمى الذي يسترشد في الطريق بأعمى مثله، كما لاحظت أنهم لا يقرؤون في العادة كتابًا أو مقالًا إلا إذا كان ينفعهم نفعًا مباشرًا في الرسالة التي يعدونها، أفيصحُّ إذًا أن نفاجأ برداءة أساليبهم وما يطبع تفكير أكثرهم من سقم وفوضى واستعصائهم على الإصلاح؟ إن صدورنا، على رغم تصبُّرنا وما نأخذ به أنفسنا من التسامح وطول البال، لَتَضيق أشد الضيق ونحن نرى الطالب مِن هؤلاء يعود مرة بعد مرة بعد مرة بعد مرة... إلى اجتراح نفس الأخطاء التي نصلحها له ونشرح له وجه الصواب فيها مردفين له كل هذا بالأمثلة الموضحة، ثم يقول زكريا أوزون: إن النحو العربي لا علاقة له بالمنطق ولا بالعقلانية، إنه هو نفسه أكبر دليل على صحة ما أقول؛ إذ يتصدى لمهمة جليلة لم يستعدَّ لها ولا بواحد على مائة مما تستلزمه هذه المهمة الجليلة من استعداد.

 

كذلك ينبغي التنبيه إلى أن تدريس النحو يتجه في الغالب، وبكل أسًى وأسف إلى حفظ القواعد، أما التطبيق فلا يلقَى العناية الكافية ولا اللائقة، وعادة ما يقتصر على الإعراب، والنتيجة أن كثيرًا جدًّا من الطلاب يحفظون القواعد عن ظهر قلب، لكنهم لا يستطيعون أن يعربوا، وأن كثيرًا جدًّا من الماهرين في الإعراب لا يستطيعون رغم ذلك أن يقرؤوا أو يكتبوا على نحو سليم، وبهذا تحوَّل حفظُ قواعد النحو والإعراب إلى هدفٍ في حد ذاته، مع أنهما في حقيقة الأمر ليسا أكثر من وسيلة إلى النطق الصحيح، والكتابة البريئة من العيوب والأخطاء، واكتساب الحساسية التعبيرية عما يستكنُّ في أطواء النفس من المشاعر والخلجات، وما يدور في الذهن من أفكار ومعانٍ، وما تجيش به الحياة حولنا من مرئيات ومسموعات ومشمومات وملموسات.

 

ولست أنسى، عندما كُلِّفتُ أنا وزملائي - قبل حصولنا على درجة الدكتوراه - بأن ندرِّسَ النحو لطلاب القسم في آداب عين شمس تدريسًا تطبيقيًّا، كيف أني لم أبالِ كثيرًا بمسألة الإعراب أو ترديد نصوص القواعد، بل جعلت كل وُكْدي تقريبًا إلى تدريب الطلاب على قراءة بعض المقالات لكبار الصحفيين المشهورين بحيوية الموضوع، وحلاوة الأسلوب، بحيث يقرأ أحد الطلاب وينصت الباقون إليه، فإذا أخطأ رفعوا أيديهم وبينوا موضع الخطأ وذكروا وجه الصواب، مع الإشارة السريعة إلى القاعدة التي تحكم ذلك، بالإضافة إلى تكليفهم بكتابة نحوِ صفحة في البيت يحضرونها معهم، ويقرأ كل منهم صفحته بنفس الطريقة التي يقرؤون بها المقال الصحفي، ثم نختم الدرس بأن أقرأ أنا عليهم نصًّا أختاره، وأتعمَّد اجتراح خطأ في كل جملة من جُمَله، ومن يكتشف ما وقعتُ فيه يرفع يده ويصوبه... وهكذا، وقد ذكر لي أكثرُ مِن طالب متفوِّق بعد ذلك بسنوات أنهم قد أفادوا أكبرَ الفائدة من هذه الدروس، وأنهم كانوا يحبونها، ولكن لا بد أن أشفع هذا بالقول بأن ذلك الحب لم يكن عامًّا بين الطلبة، أقول هذا وأقول معه بأنني لستُ متخصِّصًا في النحو ولا في الدراسات اللغوية، بل في النقد والأدب، والطريف أنني أنا وأحد أصدقائي بالقرية كنا نفعل شيئًا من هذا عندما كنا في آخر المرحلة الإعدادية، فقد كنا نصعد في مئذنة الجامع الكبير في قيلولة الصيف في أوائل ستينيات القرن الماضي، ونجلس هناك في مهب النسيم العليل ينفحنا من شجرة "ذقن الباشا" المجاورة للمسجد، وفي أيدينا كتاب من كتب الأدب، أذكر منها "الزنبقة" لحسين عفيف، فيقرأ أحدنا فيه على حين ينصت الثاني له، وإذا ما أخطأ نبَّهه إلى خطئه، ولست أدعي أننا كنا نتنبه دائمًا للخطأ والصواب، ولكنها كانت الخطوات الأولى على طريق عِشق اللغة وإتقان القراءة والكتابة الصحيحة.

 

كذلك ينبغي أن تكون التطبيقات في البداية من الكتابات العصرية، والمقالات التي يؤلفها الصحفيون المشهورون بجمال أسلوبهم وحيوية ما يكتبون؛ فإن ذلك أقمنُ أن يزيل من نفوس الطلبة الرهبةَ والوحشة، ويُشعِرهم بأنهم يتنفسون هواءً طبيعيًّا، فلا يرتبط النحو والصرف في أذهانهم بالتكلف والتقعر، أوصي بهذا لأن الأساليب العصرية تخلو من التراكيب النادرة التي لم تعُدْ تُستَخْدم، والتي يرهق الذهنَ إعرابُها مع ذلك إرهاقًا.

 

فإذا ما قبض الطالب على أزِمَّةِ النحو في استعمالاته المعاصرة، قدمت له بعض النصوص القديمة إلى جوار النصوص الحديثة... وهكذا، ولا بد في أثناء ذلك كله مِن تفهيم الطلاب أن الإعراب هو السبيلُ إلى التعبير السليم الحساس عما بنفس الكاتب، فضلًا عن أنه يتيح له حرية لا نظير لها في أية لغة أخرى لتنويع طرائق التعبير واصطياد أدق الأفكار والأحاسيس بأوجز طريق[1]، وأنه أيضًا السبيل إلى فهم ما يريد ذلك الكاتب، فلم يؤتَ به للزينة الفارغة ولا للتحكم المرهق.

 

كذلك ينبغي ألا يُرَدَّ استعمالٌ أو إعراب يمكن أن يوجد له وجه، فلا يبدو النَّحْوي كالشريك المخالف، الذي أخذ على عاتقه معاندة الآخرين بكل طريق، ومن المستحسن هنا الاستعانة بالتسجيلات والشرائط التي يستمع إليها الطالب، ويحتذي ما تقدمه له من نماذج احتذاءً يقوم على كثرة التكرار حتى تنطبع الصيغ والتراكيب السليمة في ذهنه، وينطق بها لسانه دون تفكير كأنها سليقة فيه.

 

ولقد تعلمتُ اللغة الإنجليزية في أكسفورد على نفسي أكثر مما تعلمتها على أيدي المدرسين بعد أن عرفت كلمة السر هذه، فكنت حريصًا على أن أشتري كل ما تقع عليه عيني من كتب لتعليم تلك اللغة، ثم أعكف على تمارينها النحوية حلاًّ واحتذاءً نطقيًّا لِما فيها من نماذج حتى أحسستُ أن لساني قد نشِط من عقاله، واستقام بعد اعوجاج، ثم عدت بعد ذلك إلى الفرنسية، التي كنت قد درستُها في المدرسة في مصر ونسيتها إلى حدٍّ كبير في غمرة انشغالي بتعلم لغة جون بول، فبدأت دراستها من جديد بذات الطريقة، وبلغت فيها في مدى زمني جد قصير ما لم أستطع بلوغه في السنوات الطوال التي صرمتها في تعلمها في أرض الوطن، ونفس الشيء صنعته في لندن مع الفارسية في آخر شهرين قضيتهما هناك عقب حصولي على درجة الدكتوراه، ثم مع الألمانية، التي درستها في معهد جوته بالقاهرة، واستطعت بعد عدة شهور أن أقرأ بها ترجمات القرآن الكريم، وإن كنت قد أهملتُ للأسف هاتين اللغتين فيما بعدُ حتى أُنسيتهما؛ لعدم توفر المؤلَّفات المكتوبة بهما في مصر إلا في نطاقات المتخصصين الضيقة.

 

ولكن قبل ذلك كله لا بد من توفر الهمة والإرادة والرغبة الصادقة، بل العارمة عند الطالب، وإلا فلو ذوَّبنا له قواعد النحو والصرف في كوب من الشربات وسقيناه إياه بـ "الملعقة الصيني" كما تقول الأغنية الشعبية، فلا أمل في أن يتعلمها؛ لأن عقله لن يتفاعل معه، بل سيرفضها كما يرفض الجسم عضوًا غريبًا عليه.

 

الهمة والإرادة:

هاتان هما كلمة السر والسحر التي تنفتح بها الأبواب، وتذلل بها الصِّعاب، وتعنو للإنسان شُمُّ الجبال والهضاب! وبدونها لن يفلح عباقرة الأرض جميعًا في تعليم إنسان أي شيء.

 

لقد كثُر القول في عصرنا: إن النحو العربي صعب، فهل يا ترى يتقن طلابنا نحو الإنجليزية أو الفرنسية أفضل مما يتقنون نحو العربية؟ أستطيع أن أجيب من واقع خبرتي الطويلة في التعليم بملء فمي وبملء يقيني معًا بالنفي، إن أشباه العوامِّ والدجالين من الذين يُزْرُون بالنحو العربي هم الذين يتوهَّمون أو يريدون أن يتوهم الآخرون أن الجواب الصحيح على ذلك السؤال هو: "نعم"؛ إذ يكفي أن يلوي شخص ما لسانه أمامهم بلغة أجنبية - كالإنجليزية مثلًا - حتى يقولوا: انظروا كيف يتكلم الإنجليزية ويتصرَّفُ في نحوِها بسلاسة لا يستطيعها في لغة أمته! وشتان بطبيعة الحال بين لَيِّ اللسان بهذه اللغة الأجنبية أو تلك وبين إتقانها ومعرفة قواعدها، لكن ما للعوامِّ والدجالين وهذا؟

 

بقيت مسألة، وهي الشُّبهة التي يرفعها في وجه النحو والصرف الكارهون للعربية وأساليبها العجيبة وتراثها الثَّري العظيم؛ إذ يقولون: ولماذا لا نسكن أواخر الكلمات التي تعرب بالحركات، ونلزم فيما يعرب بالحروف وضعًا واحدًا، أو لماذا لا نترك كل إنسان يحرك أواخر الكلمات أو يختار الحرف الذي يجعله في نهايتها حسب هواه، ونجري في تركيب الجملة العربية على وتيرة واحدة لا تتغير، كما هو الحال في اللغات الأوروبية المعروفة لنا ونريح ونستريح؟ لكنَّ قائلي هذا الكلام قد فاتهم عدة أشياء: فمنها أننا سنغير لغتنا تغييرًا عنيفًا يرجُّها رجًّا وينقلها من حال إلى حال تبدو معه اللغة التي أُلِّف بها تراثنا على مدار ستة عشر قرنًا ويزيد كأنها لغة أجنبية لا بد من صرف الوقت والجهد لتعلمها من جديد، وقد نتقنها بعد هذا كله أو لا نتقنها، كما هو شأننا مع اللغات الأجنبية، ويأتي على رأس هذا التراث كتاب الله الكريم، الذي يظن زكريا أوزون ومَن أَزَّه على هذا الكلام العجيب أنه يستطيع أن يختلنا في شأنه بالقول بأن القرآن شيء مختلف، وأننا لن نتعرض للغته على أي وضع، بل يبقى له الإعراب، وهل يستطيع أحد، بعد أن نسقط ذلك الإعراب من لغتنا الجديدة، بل بعد أن نطرح عنا اللغة الفصحى جملة ونركن إلى العامية (بل العاميات التي لا تكاد تنتهي عدًّا)، أن يفهم لغة القرآن؟ إن هذا منطق إبليسيٌّ لا يمكن أن يدور إلا في عقول الشياطين! وهو، في حال أوزون، ترديد ببغائي لِما أذكر أني قرأته عند أحد النصارى ممن يَدْعون إلى الأخذ بالعامية وإهمال الفصحى، فانظر أيها القارئ إلى ما تهجس به الضمائر الملتوية، ثم يأبى الله إلا أن يفضح نياتها السود فيطفو على ألسنتهم ذكر القرآن، الذي إنما يتكلفون هذا كلَّه لحربه ومحوِه من الوجود في صمت لا يستفز مشاعر الغيارى من العرب والمسلمين، إلا أنه سبحانه يُنطِق ألسنتهم بما تريد قلوبهم أن تخفيه في أطواء كهوفها المسكونة بعقارب الحقد وأفاعيه!

 

ثم سؤال آخر: أيهما أحسن خطة وأبرَكُ عُقُبًا؟ ألاَّ يكونَ للجملة العربية إلا تركيب واحد لا تعدوه كالفقير الذي لا يعرف إلا لونًا أو اثنينِ من الطعام لا يغيِّرهما على توالي الأيام والأعوام، أم أن يظل لها ثراؤها الذي نعرفه والذي يتيح للكاتب والمتكلم أن يتفنن كما يحب في بنائها بالتقديم والتأخير، والحذف والإضافة، والاعتراض والتلوين في أمان وثقة ويُسْرٍ بحيث يبدو النص الأدبي، وبخاصة عند أولئك الذين تشربوا عبقرية الأسلوب العربي، حديقة حالية بفاتن مختلف الأوراق والثمار والأزهار والألوان والعطور وأنغام النحل والطيور؟ سيقول أوزون ومَن وراءه: بل نفضِّل الوتيرة الواحدة! لكن أوزون وأمثاله نسُوا أو يتناسون أنهم لا يملكون وحدهم هذه اللغة أولًا، وأنهم ليسوا ممن يُنصَتُ إليهم؛ لِما ظهر من جهلهم وسوء طويتهم ثانيًا، وأنهم إن رضُوا بهذا فلن نرضى نحن الذين أنعم الله علينا بالقدرة على تمييز هذه الفتنة الرائعة العبقرية في لغة القرآن الكريم والاستمتاع بها وتقديرها حق قدرها، وكما أنه من غير المعقول أن ترتد البشرية على أعقابها فتعود إلى تغطية أجسادها بأوراق الشجر بدلًا من الملابس الجميلة التي يتفنَّن المصممون والصناع والخياطون في إخراجها لنا كي ننعم بملمسها وشكلها وألوانها وتفصيلها، أو أن نرجع القهقرى فنصنع كما تصنع الذئاب؛ إذ تتناول طعامها بنهش جثث الحيوانات النافقة وتترك المائدة والأطباق والأكواب فتأمل وتعجب! ولم يكتفِ العارض بذلك الهراء، بل جعل كاتبنا العاطل عن العلم حلقة في سلسلة تبدأ بابن جني من العصر العباسي وتصل إلى الشيخ إبراهيم اليازجي في العصر الحديث، مسوِّيًا على هذا النحو المضحك بين البعوضة والنسور! وواضح أن كاتب العرض المذكور لا يعرف شيئًا عن موضوعه، وإلا لما قال مثلًا: إن المؤلف يدعو إلى التخفيف من قواعد الإعراب؛ إذ إن زكريا أوزون إنما يدعو إلى نبذ اللغة العربية جملة، والاستعاضة عنها بالعامية، وهو ما يعني القضاء على الإعراب نهائيًّا، لا التخفيف منه، كما يهرِفُ صاحب العرض.

 

الحق أن السيد أوزون بحاجة مُلحة للعودة إلى قاعة الدرس؛ كي يسد ثغرات الجهل الكثيرة التي يعاني منها، أما أن يكون أستاذًا أو خبيرًا لغويًّا، أو ما أشبه من ألقاب الخبص هذه، فذلك من نكد الدنيا، ولقد استفزَّ هذا التدجيل كاتبًا فلسطينيًّا حرًّا هو د. رفيق حسن الحليمي، فانبعث للرد عليه مهاجمًا أصحاب القلوب المريضة والنيات الخبيثة الذين يعملون بكل جهدهم للقضاء، لا على النحو فقط، بل على كل ما هو عربي وإسلامي، واصفًا إياهم بأنهم أصحاب أقلام مأجورة، ويحرِّكهم التعصب العِرقي والنعرة الإثنية، ويبدو أنه يومئ إلى أن أوزون ليس عربي الأصل، كما يؤكد د. الحليمي بحق أن العيبَ ليس في لغتنا، بل فينا نحن، فحياتنا متردية في كل جوانبها، لا في اللغة فحسب، وهو ما أبرزناه بما فيه الكفاية فيما مر من صفحات، وبحق أيضًا يؤكد أن الكتاب يفتقد المنهجية العلمية والموضوعية، وأنه يعكس حالة مرَضية عصابية مزمِنة من الإفلاس والتدهور والخضوع التام لذاتية مسرفة من أحد أدعياء الثقافة والإصلاح[2].



[1] ونضرب مثالًا واحدًا لما نريد قوله، وهو أننا نستطيع أن نقول في الفصحى: "ضرب محمد عليًّا، وضرب عليًّا محمد، عليًّا ضرب محمدٌ، وعليًّا محمد ضرب، ومحمد ضرب عليًّا، ومحمد عليًّا ضرب"، ولكل تركيب من هذه التركيبات شِيَة خاصة به في المعنى، أما في العامية فليس أمامنا إلا أن نقول: "محمد ضرب علي"، وقد ورد هذا المثال في كتاب "مستويات العربية المعاصرة في مصر" للدكتور السعيد محمد بدوي (دار المعارف بمصر / 56)، وبطبيعة الحال فإن الأمر أعقد من ذلك وأوسع، لكنه مثال يشير إلى ما وراءه.

[2] يمكن للقارئ الرجوع إلى الرد كاملًا في موقع صحيفة "الرأي العام" على "المشباك" (الإنترنت).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دفاع عن النحو والفصحى (10)
  • دفاع عن النحو والفصحى (11)
  • دفاع عن النحو والفصحى (12)
  • دفاع عن النحو والفصحى (13)
  • دفاع عن النحو والفصحى (14)

مختارات من الشبكة

  • دفاع عن النحو والفصحى (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (9)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (7)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (6)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (5)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (4)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (3)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (2)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (1)(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب