• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

دفاع عن النحو والفصحى (5)

دفاع عن النحو والفصحى (5)
د. إبراهيم عوض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/3/2015 ميلادي - 8/6/1436 هجري

الزيارات: 5503

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دفاع عن النحو والفصحى (5)


وثمة ملاحظة أخرى على كتاب زكريا أوزون، هي كثرة أخطائه في حديثه عن النحو العربي، وهو برهان آخر على أنه ليس على مستوى الموضوع الذي انتدب نفسه للخوض فيه: فعلى سبيل المثال نراه يعرف الجملة الاسمية بأنها: "كلمات مؤلفة من أسماء تجتمع لتعطي معنًى صحيحًا مفيدًا"[1]، وهذا التعريف - على صِغَره - يتضمن أكثر من خطأ شنيع: ترى هل لعبارة "كلمات مؤلفة من أسماء" من معنى محدد وواضح؟ إن الكلمات لا تؤلف من أسماء أو أفعال أو حروف، بل هي نفسها إما أسماء أو أفعال أو حروف، وشتان هذا وذاك، وثانيًا: هل الجملة الاسمية لا تؤلف إلا من أسماء فحسب؟ أليست جملة: "محمد يلعب في البيت" جملة اسمية مع أن بين مكوناتها فعلاً هو "يلعب" وحرفًا هو "في"؟ وثالثًا: هل يشترط في الجملة الاسمية (أو الفعلية) أن تعطي معنًى صحيحًا كما يقول زكريا أوزون؟ فما القول في عبارة مثل: "الشمس تشرق من الغرب"، أو "مصر أقوى قوة اقتصادية على وجه الأرض"؟ إنهما لا تعطياننا أي معنى صحيح، ومع ذلك فكلتاهما جملة اسمية، ثم إنه قد عاد بعد ذلك فقال: إن الشرط الأساسي للجملة الاسمية "أن تبدأ باسم، ويمكن أن يلحقها فعل"[2]، فما رأيه في هذه الجمل مثلاً: "سعيدًا ضرب علي"، أو "غضبانَ دخل مصطفى الغرفة"، أو "الليلةَ سيتقابل الأهلي والزمالك"؟ إنها جميعًا تبدأ بأسماء، ورغم هذا ليست جملًا اسمية، بل فعلية، واضحٌ أن الرجل يتخبط! والسبب هو أنه قد أقحم نفسه فيما يخرج عن طوقه واستطاعته!

 

ومن تلك الأخطاء المضحكة أيضًا: اعتراضه على استعمال الجملة الاسمية في غير الحقائق العلمية؛ كـ "الأرض كروية" مثلًا؛ إذ لا يصح أبدًا في رأيه أن نقول: "الطفل سعيد"؛ لأن الجملة الاسمية عنده لا زمن لها، ومن ثم فهي تدل على الديمومة فتغطي الماضي والحاضر والمستقبل، وهو ما لا يصدُقُ إلا على حقائق العلم، بخلاف عبارة: "الطفل السعيد"، التي إن صدقت الآن فإنها لم تكن صادقة فيما مضى حينما لم يكن سعيدًا، ولن تكون صادقة في المقبل من الأيام حينما تفارقه السعادة[3]، ولنا على ذلك بعض التعقيب؛ فأولًا: حتى لو كان أصل كلامه صحيحًا، لَمَا كان هذا سببًا في تجنب الجمل الاسمية في غير الحقائق العلمية؛ إذ يمكن أن نقول مثلاً: "الطفل الآن سعيد" مع أن هذا ليس بلازم؛ لأننا نفهم معنى الآنية من التركيب نفسه دون الحاجة إلى النص عليها، وثانيًا: فليخبرنا سيادته كيف نُعبر عن سعادة الطفل في الزمن الحاضر بجملة فعلية؟ وثالثًا: نحب أن نلفت نظره إلى أن الجملة الاسمية التي يعبَّر بها عن الحقائق العلمية في الإنجليزية والفرنسية والألمانية على الأقل تتضمن، كسائر الجمل الاسمية في هذه اللغات، فعلًا، وهو هنا فعل الكينونة المضارع؛ أي: الدال على الحاضر، فإذا أجاب سيادته، ولا أظنه يخطر له هذا الجواب، بأن الفعل المضارع، وإن دل على الحاضر، فإن السياق يعرفنا أن المقصود هو الديمومة لا الوقت الحاضر فحسب، قلنا له: والسياق أيضًا يفهمنا أن قولنا: "الطفل سعيد"، رغم عدم دلالته على زمن معين، إنما يعني الحاضر فقط[4]، بل إني أزيده من الشعر بيتًا، كما يقول إخواننا في السعودية، وأسأله بمناسبة ما جاء في كلامه من أننا "عندما نقول: "الله عظيم"، فإن تلك العبارة تتسم بصفة الثبات والديمومة على مرور الزمن...، فالله كان عظيمًا، وهو عظيم، وسيبقى عظيمًا إلى الأبد"[5]: ما رأيك فيما تكرر في القرآن الكريم من استخدام الفعل "كان" (الماضي) في الدلالة على صفات الله، مثل: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾ [الأحزاب: 27]، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴾ [الأحزاب: 9]، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 96]، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40]... إلخ؟ ألا تدل هذه الآيات، رغم استخدامها للفعل الماضي، على الديمومة والاستمرار؟ ورابعًا أو خامسًا (لا أدري): وماذا نفعل بما يسميه كاتبنا "حقائق علمية" إذا ثبت لنا مع تقدم العلم أنها لم تكن حقائق علمية؟ هل يجب علينا عند ذاك فكُّ رقبةٍ، أو إطعام عشَرة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام؛ لأننا دنَّسْنا قاعدته المقدسة، فاستخدمنا جملة اسمية لما تبين لنا بعد ذلك أنه ليس بحقيقة علمية؟ أم سيسارع من الآن فيقترح ألا نستخدم الجمل الاسمية، ولا حتى فيما يبدو لنا حاليًّا حقائق علمية؛ حذَرًا من أن يظهر لنا بعد ذلك أنها ليست كذلك؟ انظر كيف يضع السيد زكريا أوزون نفسه في مآزق ما كان أغناه عنها! ألا يرى القارئ معي إذًا أن المشكلة لا وجود لها إلا في ذهن زكريا أوزون، الذي لا يعاود النظر فيما يخطر على باله لأول وهلة، بل يقذف به كما هو بعُجَرِه وبُجَرِه دون تمحيص!

 

وهذا يقودنا إلى تصايح مؤلفنا النحرير في عدة أماكن من كتابه بأن قواعد اللغة العربية، بل اللغة العربية نفسها، لا تقيم لمفهوم الزمن حسابًا، وأن هذا هو السبب في تخلفنا[6]، إي وربي هكذا قال دون أي افتئات من جانبي! وأسارع هنا فأقول - قبل أن أبين له أن لسان العرب يعمل للزمن ألف حساب وحساب -: إن هذه هي ذات القواعد التي كانت تحكم لغة أسلافنا، فلماذا لم تُعِقْهم عن أن يرتقوا ويفتحوا العالم ويقيموا إمبراطورية عظمى تمثل قمة الحضارة أوانذاك؟ ثم إنه يعايرنا في شماتة بأن "أزمنة الأفعال في بقية اللغات العالمية (ولتكن الإنجليزية مثلاً) أوضح وأدق منها في اللغة العربية"[7]؛ إذ "هناك اثنا عشر زمنًا في قواعد اللغة الإنجليزية، يضاف إليها أربعة أزمنة شرطية تستخدم كلها، ولها مدلول واضح عند كل مَن يتكلم الإنجليزية"[8]، وهو يقصد بذلك تصريفات الماضي الثلاثة: الماضي البسيط، والماضي المستمر، والماضي البعيد، ومثيلاتها بالنسبة للمضارع: المضارع البسيط، والمضارع المستمر، والمضارع التام، وكذلك نظيراتها في زمن الاستقبال، عدا أساليب الشرط المختلفة: الشرط ذي الجواب المحتمل الوقوع، وذي الجواب المستبعد حدوثه، ثم ما لم يقع جوابه؛ لأنه هو نفسه لم يحدث، والسؤال الآن: هل حقًّا لا تعرف اللغة العربية هذه التصريفات الزمنية؟ مقطع الحق أنها تعرفها بكل يقين، وسوف أورد هنا مثالًا على كل تصريف من هذه التصاريف الزمنية على ذات الترتيب الذي ذكرته لتوي: "لعب أحمد الكرة، كان أحمد يلعب الكرة، كان أحمد قد لعب الكرة - يلعب أحمد الكرة، أحمد يلعب الكرة (الآن)، قد لعب أحمد الكرة - سيلعب/ سوف يلعب أحمد الكرة، ستجد/ سوف تجد أحمد يلعب الكرة، سوف يكون أحمد قد لعب الكرة - إن تستذكر دروسك تنجح، لو استذكرت دروسك (لـ) نجحت، لو كنت استذكرت دروسك لـ (كنت [قد] نجحت / لولا أنك لم تستذكر دروسك لـما (كنت [قد] نجحت)، ومن هذه الأمثلة، وقد اقتصرتُ منها على الخطوط العامة ولم أدخل في الدقائق والتفاصيل التي تخلو منها اللغات التي نعرفها، يتضح أن كل ما زعمه السيد أوزون هو هراء في هراء في هراء! صحيح أن كتب النحو عندنا لا تخصص للأزمنة وتصريفاتها بابًا مستقلاًّ، لكن هذا شيء، والقول بأن مفهوم الزمن غائبٌ عن اللغة العربية أو عن قواعدها شيء مختلف تمام الاختلاف.

 

إن هذه المسائل موزعة على عدة أبواب من أبواب النحو، ولم يجد نَحْويُّونا القدماء، ولا المحدَثون أيضًا، ما يدعو إلى تجميعها في مكان واحد من كتب القواعد؛ إذ المسألة أبسط من هذا، ولا أظن أحدًا يجد شيئًا من العنَت أو الصعوبة في التعامل مع تصريفات الفعل حسب الزمن المراد: فمثلاً تراكيب الماضي البعيد والمستمر والمستقبل البعيد يمكن أن يستخلصها الإنسان من القواعد التي تنظم خبر "كان" إذا أتى جملة فعلية فعلها ماضٍ أو مضارع، أما الماضي البسيط والمضارع البسيط فالكلام عنه موجود عند تقسيم الفعل إلى ماضٍ ومضارع وأمر، ويبقى المستقبل البسيط: القريب منه والبعيد، ويفهمه المطلع على علم النحو من الكلام عن "السين" و"سوف"... وهلم جرًّا، أما المستشرقون الذين يكتبون في النحو العربي فإنهم، جريًا على منهجهم في آجروميات لغاتهم، يخصصون بابًا لهذه التصاريف، كما صنع وليام رايت في كتابه:[9] "A Grammar for the Arabic Language"؛ إذ كسر على هذا الموضوع في بداية الجزء الثاني من هذا الكتاب فصلًا عن الفعل (Verbe)، جعل قسمه الأول لتصريفات (States or Tenses)، والذي يليه لأحوالها (Modes)... وهكذا، ومثله ريجي بلاشير وجودفروا ديمومبين في كتابهما: "Crammaire de IArabe classique"، حيث يجد القارئ في الجزء الثاني منه فصلاً عن الفعل (Verbe) يبدأ بالكلام عن أزمانه وأحواله (Valeurs tempo - relles et modales)... إلخ[10].

 

المسألة إذًا لا تخرج عن أنهم، في اللغات الأجنبية التي نعرفها، يضعون لحالات الفعل الزمنية عنوانًا، أما نحن فلم نشعر بالحاجة إلى وضع مثل هذا العنوان، ولست بحاجة إلى أن أشير إلى فقر اللغة الإنجليزية (التي يُكثر السيد أوزون من التباهي بها بغير حق ولا علم) في بعض الجوانب من ميدان تصريف الأفعال؛ إذ هي مثلًا تستخدم صيغة واحدة لا غير للمصدر والفعل المضارع (لغير الغائب المفرد) والأمر جميعًا، بالإضافة إلى اسم الجنس في كثير من الأحيان، فـ: "Order" معناها "الأمر / آمر / تأمر (أنت) / يأمران / تأمران / نأمر / تأمرون / يأمرون / يأمرن / مر / مرا / مروا / مرن / طلب"... وهكذا، ولا أريد أن أمضي في هذا الباب من المقارنة بين لغة القرآن ولغة جون بول، وحسبنا هذه النقطة للدلالة على غيرها من النقاط.

 

وقد فصَّل العقاد القول في ذلك بعض التفصيل مبينًا أن "اللغة العربية تستوفي هذه الدلالة (يقصد الدلالة على الأزمان المختلفة) بأسلوبيها المعروفين في اللغات، ونعني بهذين الأسلوبين أسلوب الكلمات المستفادة من التصريف والاشتقاق، أو من الأدوات المصطلح على تخصيصها لمعانيها، وأسلوب التعبيرات التي تدخل في عداد الجمل والتراكيب، ومن الأسلوب الأول الصيغ التي تأتي من تصريف الفعل للدلالة على المستقبل الإنشائي كفعل الأمر... أما الأسلوب الآخر، وهو أسلوب الدلالة على الزمن بالتعبيرات التي تدخل في عداد الجمل والتراكيب، فكل ما أمكن التعبير عنه بهذا الأسلوب في لغة من اللغات، فهو ممكن في اللغة العربية في سهولة كسهولتها أو أسهل منها، فقد ينسب القول مثلاً إلى أحد من الناس، كأنه عادة كان يأتي بها في غير زمن محدود، فيقول المتكلم بالإنجليزية: "He used to say" أو "He was always saying"، ويقول العربي: "إنه كان يقول"، أو "إنه تعوَّد أن يقول"، أو "إنه طالما قال"، ولا تختلف العبارتان في صحة الدلالة، ولا في التحديد الزمني، ولا في الإطلاق من هذا التحديد، ولا في الإطالة والإيجاز... ومن المعلوم أن الغربيين في آجرومياتهم يلحقون باب الشرط والنفي بالكلام عن الزمن في الأفعال... وقد استوفي الشرط والنفي في اللغة العربية أيما استيفاء: فكان من أدوات الشرط ما يفيد الاحتمال الضعيف، ومنها ما يفيد الاحتمال القوي، كما يقال: "إن حدث هذا..." و"إذا حدث هذا..."، ومنها ما يفيد الاحتمال مع الفرض والتقدير، وقد يفيد الامتناع حين تستخدم "لو" في مواضعها، ومنها ما يفيد الشرط المعلق على توقيت منتظر أو متفق عليه؛ كالشرط بـ "متى"، ومنها ما يربط السببية أو النتيجة العقلية على الإطلاق الذي لا يتقيد من الأزمان؛ كـ "مهما" و"أيان" و"أنى" وكـ "لو" في بعض الأحوال، أما النفي ففيه دقة وقصد يدل على جملة قواعد القصة في اللغة العربية؛ فالنفي بـ "لم" مقصور على نفي الحدوث، وهو بالبداهة لا يكون إلا لزمن ماض؛ لأننا لا نتكلم عن شيء حدث قطعًا، أو لم يحدث قطعًا، إلا إذا كان الكلام على ما مضى؛ ولهذا تقصد اللغة فلا تحول الفعل من صيغة المضارع إلى صيغة الماضي بعد "لم"، ويقول العربي: "ما حدث هذا"، ولا يقول: "لَمْ حدث هذا"؛ لأن "ما" تدخل على المضارع فتفيد نفي "الانبغاء" لا نفي الحدوث، ومن قال: "ما يحدث هذا" فإنه يعني أن هذا لا ينبغي أن يحدث، ولا يُعقَل أن يحدث، وقد يلاحظ هذا على الفعل الماضي الذي تسبقه "ما"؛ فإن نفي الوقوع لا يخلو من نفي الانبغاء، ومن قال مثلاً: "ما فاهَ فلان بهذا الكلام" فكأنه يقول: "حاشاه أن يفُوه"... أما إذا نفى الحدوث مع انتظاره في المستقبل، فصيغة المستقبل هنا لازمة؛ ولهذا يقول العربي: "لَمَّا يحدُثْ هذا" وهو يترقب أن يحدث بعد قليل أو كثير... وإذا دخلت أداة نفي على الفعل المضارع فهي في حقيقتها مانعةٌ للحدوث، لا نافية للحدوث، ومن قال: "لن يؤوب القارظان"، و"لن تشرق الشمس من المغرب" فهو يقرر امتناع ذلك لسبب عنده قاطع يمنعه... على أن اللغات التي يتكلم بها في أرقى الأمم لم تشتمل على تصريفات أو صِيَغ مصطَلَحٍ عليها للدلالة على الزمن خلت منها اللغة العربية أو من نظائرها، وإنما تَرِد الشبهة على بعض النقاد الغربيين من وجود عناوين للأزمنة المعلقة عندهم لا توجد لها نظائر في اللغة العربية، وهذه الأزمنة المعلقة هي التي يفرض حدوثها فيما مضى أو ما يلي في حالات مشروطة أو متخيلة، ولكنها ليست قاطعة ولا منتهية إلى نهاية حاسمة، وهذه الأزمنة المعلقة يعبرون عنها في بعض اللغات الأوربية بالأفعال المساعدة مع الفعل أو اسم الفاعل أو اسم المفعول، ويحكيها في اللغة العربية أن نقول مثلاً عن أحد معروف أو مفروض: "لعله يكون مصورًا كبيرًا لو نشأ بعد حين"، أو "في مثل هذه الساعة من الغد يكون قد حضر أو يكون حاضرًا"... إلى أشباه هذه التعبيرات التي يسهل استخدامها في اللغة العربية كما رأيناها، وليست هي في اللغات الأخرى مخصصة بوضع أصيل من أوضاع التصريف والاشتقاق"[11]، ترى هل بقيت بعد هذا الإيضاح أية قيمة لِما هرَف به السيد أوزون عن الزمن في لغتنا واللغة الإنجليزية، أو لِما قذف به صدره من الكراهية للغة القرآن الكريم والشماتة الرخيصة بها وبقواعدها؟!

 

ومن أخطائه أيضًا في حديثه عن النحو العربي استنتاجه، من إعراب النحاة لـ "كان" في عبارة "ما كان أجمل الربيع!" وأشباهها على أنها "زائدة"، أن مفهوم الزمن في قواعد نَحْونا غائبة[12]، والواقع أن النحاة حين يقولون هنا: إنها زائدة إنما يقصدون أن الإعراب لا يتغير بعد دخولها على الكلام عما كان عليه قبلاً، لا أنها لا تضيف إلى الجملة معنًى لم يكن فيها، ومن المعروف لكل أحد أن "ما أجمل الربيع!" إنما هي للتعبير عن جمال الربيع بشكل مطلق أو جمال الربيع الآن، أما إذا كان المقصود هو إبداءَ الإعجاب بالربيع الفائت، أو أي ربيع مضى وانقضى، فالذي يقال عندئذ هو: "ما كان أجمل الربيع!"، وهناك سبب آخر لتسميتهم "كان" هنا زائدة، وهو أنها فصلت بين لفظينِ متلازمين عادة بحيث لا يمكن دخول أية لفظة أخرى غير "كان" بينهما، وعلى ندرة، وهناك كاتب معاصِر أَلْفيته يكثر من استعمال "كان" زائدة، هو الأستاذ محمود شاكر في كتابه: "أباطيل وأسمار"، وذلك حين يأتي بها معترضة بين لفظين متلازمين لتنبيه القارئ بغتةً أن الأمر الذي يتكلم عنه إنما كان موجودًا أو متحقِّقًا في الماضي، ولم يعد كذلك الآن، ولاستعماله "كان" بهذه الطريقة نكهةٌ مميزة لا يخطئها الذِّهن، ولا يغيب عنه إيحاؤها التهكمي في كثير من الأحيان.

 

إن قول الشاعر القديم:

فكيف إذا مرَرتَ بدارِ قومٍ
وجيرانٍ لنا كانوا كرامِ؟

 

يختلف قطعًا عما لو قال: "وجيران لنا كرام"؛ إذ يكون المعنى أنهم لا يزالون جيرانًا له ولقومه، كما يختلف بكل يقين عما لو قال: "وجيران لنا كانوا كرامًا"، التي تعني أنهم كانوا كرماءَ ولكنهم لم يعودوا كذلك، أما تركيب العبارة - كما أوردها في بيته - فمعناه أنهم جيران كرام، لكنهم للأسف قد ارتحلوا عن المكان ولم يعودوا لهم بجيران، أيصح أن نتهم قواعد النحو عندنا إذًا بأن مفهوم الزمن غائب فيها؟ ألا يفرِّق نُحاتُنا بين الماضي والحاضر والمستقبل فيقولون: فعل ماضٍ، وفعل مضارع (للحاضر، وكذلك للمستقبل: بنفسه أو بدخول "السين" أو "سوف" عليه، مع دلالة "السين" عادة على المستقبل القريب، و"سوف" على البعيد)؟ ألا يفرقون، في نفي الماضي، بين قولنا: "لم يلعب" و"لَمَّا يلعب" بحيث تدل الأولى على عدم اللعب مطلقًا، والثانية على أنه، وإن لم يقع اللعب في الماضي، يتوقع أن يحدث في المستقبل؟ ألم ينصوا على أن لكل من "كان" وأخواتها دلالة زمنية خاصة بها؟ ألم يجعلوا من "شرع" وأمثالها من أخوات "كاد" قسمًا مستقلًّا لدلالتها على الشروع في الفعل؟... إلخ... إلخ.



[1] ص 26.

[2] ص 54 / هـ 3.

[3] ص 26.

[4] ومن أمثلة ذلك في القرآن قوله سبحانه لزكريا: ﴿ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ﴾ [آل عمران: 41]، وهذه الآية المذكورة كان زمانها المستقبل دون الماضي والحاضر، وقوله عز وجل: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ ﴾ [آل عمران: 44]، وهذه الأنباء لم تكن من الغيب بالنسبة لمن شاهدوا وقائعها، فكلتاهما جملة اسمية، ولكنها رغم اسميتها لا تدل على ديمومة تشمل الماضي والحاضر والمستقبل جميعًا، ومنها أيضًا قوله عن المتقين: ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ ﴾ [الكهف: 31]، فهذا الجزاء لا علاقة له هو أيضًا بالماضي أو الحاضر، بل العالم الآخر في مستقبل الأيام البعيد، ومنها قوله عز شأنه: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، والنبي عليه السلام لم يكن لنبوَّته وجود قبل بعثته، وكذلك لم تكن عائشة وحفصة وزينب ... إلخ زوجات له قبل أن يتزوجهن، والأمثلة كثيرة.

[5] ص 26 - 27.

[6] ص 32، 33، 35 - 36، 113.

[7] ص 36.

[8] ص 55 / هـ 12.

[9] Cambridge Universety Press، 1981، Vol. 2، p. 1، sqq.

[10] G.P. Maisonneuve & Larose، Paris، 1966، p. 245، sqq.

[11] عباس محمود العقاد / اللغة الشاعرة / مكتبة غريب / 78 - 86.

[12] ص 32.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دفاع عن النحو والفصحى (1)
  • دفاع عن النحو والفصحى (2)
  • دفاع عن النحو والفصحى (3)
  • دفاع عن النحو والفصحى (4)
  • دفاع عن النحو والفصحى (6)
  • دفاع عن النحو والفصحى (7)
  • دفاع عن النحو والفصحى (8)
  • دفاع عن النحو والفصحى (9)
  • دفاع عن النحو والفصحى (10)

مختارات من الشبكة

  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الثالثة: أصول وقواعد في الدفاع القرآن(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • دفاع عن النحو والفصحى (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (15)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (14)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (13)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (12)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (11)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى ( الدعوة العامية تطل برأسها من جديد ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • علم النحو والدفاع عن فصاحة القرآن(مقالة - حضارة الكلمة)
  • إفريقيا الوسطى: تجهيز جيش إسلامي للزحف نحو بانكي دفاعا عن المسلمين(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب