• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

أغراض إقامة المضاف إليه مقام المضاف: الاتساع والتجوز في الكلام

أغراض إقامة المضاف إليه مقام المضاف: الاتساع والتجوز في الكلام
د. سعد الدين إبراهيم المصطفى

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/1/2015 ميلادي - 14/3/1436 هجري

الزيارات: 10914

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أغراض إقامة المضاف إليه مقام المضاف:

الاتساع والتجوز في الكلام


ذَهَبَ جُمهُورُ النَّحويينَ إلَى جَوازِ إقامةِ المضافِ إلَيهِ مُقامَ المضافِ، واحتجُّوا علَى ذلِكَ بِالقُرآنِ الكريمِ، وبِكلامِ العربِ شِعرِهِ ونَثرِهِ. ورَأى سِيبويهِ أنَّ ذلِكَ ضربٌ من الاتِّساعِ فِي الكَلامِ واختِصارٌ لَهُ، وقدَّم علَى ذلِكَ شواهدَ من القُرآنِ الكَريمِ وكلامِ العَربِ، فقالَ: " وممَّا جاءَ علَى اتِّساعِ الكَلامِ قَولُهُ تعالَى جدُّهُ: (﴿ واسألِ القَريةَ الَّتِي كُنَّا فِيها ﴾، ﴿ والعِيرَ الَّتِي أَقبَلْنا فِيها ﴾)[1]، إنَّما يُرِيدُ: أَهلَ القَريةِ، فاختَصَرَ، وعَمِلَ الفِعلُ فِي القَريةِ، كما كانَ عامِلاً في الأَهلِ لو كانَ ها هُنا "[2].

 

وذُكِرَ أنَّ المُرادَ مِن القَريةِ أهلُها، لأنَّهُ قد عُلِمَ أنَّ القريةَ من حيثُ هِيَ مدرٌ وحجرٌ لا تُسألُ، لأنَّ الغرضَ من السُّؤالِ رَدُّ الجوابِ، وليسَ الحَجَرُ والمدَرُ ممَّا يُجِيبُ واحدٌ منهُما أو يتكلَّم أبداً.

 

وأَرَى فِي تَحلِيلِ هذا المَوقفِ أنَّ سُؤالَ القَريةِ أهمُّ في نفيِ التُّهمةِ مِن سُؤالِ أهلِها، إذ إنَّ أخاهم سَرَقَ، فَأُخِذَ بِذنبِهِ، قالَ تعالَى على لِسانِهِم: (﴿ يا أَبانا إنَّ ابنَكَ سَرَقَ ﴾، ﴿ وما شَهِدْنا إلَّا بِما عَلِمْنا وما كُنَّا لِلغيبِ حافِظِين ﴾، ﴿ واسألِ القَريةَ الَّتِي كُنَّا فيها ﴾، ﴿ والعِيرَ الَّتِي أقبَلْنا فيها وإنَّا لَصادِقُونَ ﴾)[3] وكأنِّي بِهِم يناشِدُونَهُ قائِلينَ: اسألِ القَريةَ كلَّها، نباتَها وحيوانَها وجمادَها وإنسَها وجنَّها وكلَّ شيءٍ فيها يخبرْك بأنَّنا صادِقونَ، واسألِ العِيرَ بما تَحمِلُ وتَشمَلُ فنَحنُ صادِقُونَ، فَكانَ سُؤالُ القَريةِ أبلغَ مِن سؤالِ أهلِها فيما أرى.

 

ويَأتِي الإيجازُ لأغراضٍ تَتعلَّقُ بِالمَعنى، وبِعلمِ المُخاطبِ بِالموقفِ، ويتَّضِحُ الأمرُ جليَّاً مِن فَهمِ السِّياقِ، قالَ عزَّ وجلَّ: (﴿ ولكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ ﴾)[4]، وإنَّما هُو: ولكِنَّ البِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ. فَمَعنى البِرِّ الطاعةُ والعَملُ الصَّالِحُ الخَالِصُ لِوَجهِ اللهِ، وقيل: إنَّ هذا خصوصٌ في الأنبياءِ وَحدَهُم، لأنَّ هذِهِ الأشياءَ التي وَصِفَتْ لا يؤدِّيها بِكُليَّتها بِحقِّ الواجبِ إلا الأنبياءُ علَيهِمُ السَّلامُ[5].

 

(ولَكِنَّ البِرَّ)، وقَرَأَ الكُوفيونَ (ولكنِ البِرُّ) رَفعٌ بالابتداءِ (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) الخبرُ، وفيه ثلاثةُ أقوالٍ، يكونُ التَّقديرُ: ولكِنِ البِرُّ بِرُّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ ثم حَذَفَ، كما قالَ:

 

فإنَّما هِيَ إقبالٌ وإدبارُ[6].

 

أي: ذاتُ إقبالٍ، ويجوز أن يكونَ التقدير: ولكِنْ ذُو البرِّ مَنْ آمنَ بِاللهِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ البِرُّ بمعنى البارّ، كما يُقالُ: رَجُلٌ عَدْل.[7]

 

وجاءَ أبو إسحاق الزَّجاج بمعنى مُشابِهٍ لما ورَدَ عندَ أبي جعفرٍ النحَّاس، فقالَ: " إذا شدَّدْتَ لكنَّ نصبْتَ البِرَّ، وإذا خفَّفْتَ رَفَعْتَ البِرَّ، فقلْتَ: ولكنِ البِرُّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ، وكسَرْتَ النُّونَ من التخفيفِ لالتقاءِ السَّاكِنَيْنِ، والمعنى: ولِكن ذا البِرّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ، ويجوزُ أنْ تكونَ: ولكِنَّ البِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ، كما قالَ الشاعرُ:

وكَيفَ تُواصِلُ مَنْ أَصبَحَتْ
خِلالَتُهُ كأبِي مَرحَبِ

المعنى: كخلالةِ أبي مرحبِ[8].

 

وهنا نَلحَظُ خاصَّة أُخرَى مِن خَصائِصِ الُّلغةِ وهِيَ الإخبارُ بِالذَّاتِ عنِ المَصدرِ وبِالمصدرِ عنِ الذاتِ لِقَصدِ التَّجوُّزِ والمبالغةِ، فمن الأولِ قولُهُ تعالى: ﴿ ولكنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى ﴾ ونحوه، والقَصدُ مِنهُ تَجسيدُ المعانِي وتَحويلُهَا إلَى شُخُوصٍ حيَّةٍ متحرِّكةٍ تراها العُيُونُ، فقولُهُ تعالى: ﴿ ولكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ ﴾ يُفِيدُ أنَّ البِرَّ إذا تَجسَّدَ كانَ شخصاً مُؤمِناً بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ، فهو بِذلِكَ جَعَلَ البِرَّ شَخصاً يَمشِي علَى رجلَيْنِ لهُ سِماتُهُ وصِفاتُهُ، وهذا اتِّساعٌ في المعنى، وتحقيقٌ لِسِماتٍ تَبدُو في الأشياءِ مُشبِهةً الإنسانَ فِي أفعالِهِ.

 

ومِن ذلِكَ أيضاً قَولُهُ تعالَى: ﴿ ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ والبَحرِ بِما كَسَبَتْ أيدِي النَّاسِ ﴾[9]. في معناه قولانِ، أحدُهُما: ظَهَرَ الجدَبُ فِي البَرِّ، أي فِي البوادِي وقُراها، وفي البَحرِ أي في مُدُنِ البَحرِ، مثل ﴿ واسألِ القَريةَ ﴾، أي ظَهَرَ قِلَّةُ الغَيثِ وغلاءُ السِّعرِ بِما كَسَبَتْ أيدِي النَّاسِ مِن المعاصِي لِنُذِيقَهُم عِقابَ بعضِ الذِي عَمِلُوا ثُمَّ حَذَفَ. والقولُ الآخر: أنَّ معنى ﴿ ظَهَرَ الفَسادُ ﴾ ظَهَرَتْ المعاصِي مِنْ قَطعِ السَّبِيلِ والظُّلمِ فهذا هوَ الفَسادُ علَى الحقيقةِ. فالأوَّلُ مَجازٌ، إلا أنَّهُ علَى الجَوابِ الثَّانِي يَكونُ فِي الكلامِ حذْفٌ واختِصارٌ دلَّ علَيهِ ما بَعدَهُ. ويكونُ المعنى: ظَهَرَتِ المعاصِي في البَرِّ والبحرِ، فَحَبَسَ اللهُ عنهُمُ الغيثَ، وأغلَى سِعرَهُم لِيُذِيقَهُم عِقابَ بعضِ ما عَمِلُوا لعلَّهُم يَرجِعُونَ[10].

 

إذا تأمَّلْنا المعنى هنا وجدْنا أنَّ ظُهورَ الفَسادِ كانَ بسببِ ذُنُوبِ القَومِ، فانقَطَعَ القَطرُ، وأجدَبَتِ الأرضُ، وزادَتِ السِّعرُ، وتَقديرُ الكَلامِ برأيي المتواضع: ظَهَرَ الفَسادُ في قُرى البرِّ ومُدُنِ البَحرِ لأنَّ المعاصِي كَثُرتْ، وازدادَ السُّوءُ، فَعَجَّلَ اللهُ لَهُمُ العذابَ، وهذا علَى الحقيقةِ، وليسَ علَى المجازِ، فقد أُقِيمَ المضافُ إلَيهِ مُقامَ المضافِ لأنَّ المعنى اقتَضى ذلِكَ.

 

ومن هذا البابِ قولُهُ تعالى: ﴿ وأُشرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجلَ بِكُفرِهِم ﴾[11]؛ أي: حُبَّ العِجلِ، لأنَّ العِجلَ لا يُشرَبُ فِي القُلُوبِ، وهنا نَجدُ تَجوُّزاً في التَّعبيرِ، فإنَّ لِكلِّ تعبيرٍ دلالَتَهُ ومَعنَاهُ، ومعنى الآيةِ أنَّ قُلُوبَهُم أُشرِبَتْ عِجلَ الذَّهبِ حَقِيقةً فكانَ فِي تَكوينِها وتَركِيبِها، ولا يؤدِّي هذا المعنى تقديرُ كلمةِ " حبّ "، فإقامةُ المضافِ إليهِ مُقامَ المضافِ أبلغُ من وُجُودِه.

 

وإذا تأمَّلْنا البُنيةَ اللُّغويَّة في هذا التركيبِ فإنَّنا نَجِدُهُ نِظاماً يتكوَّنُ من عناصِرَ يربِطُ بينَها علاقاتٌ محدَّدةٌ من القرائِنِ والقوانِينِ، ونظراً للأهميةِ التي تحتَلُّها القَوانِينُ أو العلاقاتُ فإنَّه لا يُمكِنُ فَهمُ أيِّ عنصُرٍ من عناصِرِها دونَ النظرِ إلى المكانِ الذي يشغَلُهُ داخِلَ النظامِ ككلٍّ، فجملة: ﴿ وأُشرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجلَ بِكُفرِهِم ﴾ يربِطُ بينَ وحداتِها علاقاتٌ أفقيَّةٌ تجعلُ من الترتيبِ السابِقِ للكلِماتِ جُملةً صَحيحةً، وكذلِكَ الأمرُ إذا كانَ الترتيبُ " فِي قُلُوبِهِمُ وأُشرِبُوا العِجلَ "، بخلافِ الترتيبِ: " وأُشرِبُوا فِي العِجلَ قُلُوبِهِمُ " على سبيل المثال.

 

ومِثلُ ذلِكَ مِن كَلامِهِم: بَنُو فُلانٍ يَطؤُهُمُ الطَّرِيقُ، يُرِيدُ: يَطؤُهُم أهلُ الطَّرِيقِ، وقالُوا: صِدْنا قَنَوَينِ، وإنَّما يُرِيدُ صِدْنا وَحشَ قَنَوينِ، إنَّما قَنَوانِ: اسمُ أرضٍ. وقالَ النَّابغةُ الجَعدِيُّ: (من الوافر)

كأنَّ عذِيرَهُم بِجُنُوبِ سِلَّى
نَعَامٌ قاقَ فِي بَلَدٍ قِفَارِ[12]

 

إنَّما يُريدُ: عذيرَ نَعامٍ[13]، فقد حَذَفَ المضافَ وأقامَ المضافَ إلَيهِ مُقامَهُ مِن بابِ الاتِّساعِ، والتَّجوُّز تبعاً للمعنى أيضاً.


وقالَ الشاعر: (من الطويل)

وشرُّ المَنايا مَيِّتٌ وَسْطَ أهلِهِ
كَهُلكِ الفتى قد أسلَمَ الحيَّ حاضِرُه[14]

أي: مَنيَّة مَيِّتٍ.

 

فقد أُقِيمَ المضافُ إليهِ مُقامَ المضافِ، فمن ذلِكَ قولُهُم: "هذِهِ الظُّهرُ أو العَصرُ أو المغرِبُ" إنَّما يُرِيدُ: صلاةَ هذا الوقتِ. وقولُهم: "الَّليلةَ الهلالُ" أي: الليلةَ طلُوعُ الهِلالِ، لأنَّ ظروفَ الزَّمانِ لا تكونُ أخباراً عن الجثثِ. وقد علَّقَ الدكتور فاضل السامرائي على هذِهِ الشواهِدِ والأمثلةِ الَّتي أُقيمَ فِيها المضافُ إلَيهِ مُقامَ المضافِ قائِلاً: " وهذا أيضاً مَجازٌ عقلِيٌّ والمعنى يَطؤهُم أَهلُ الطَّرِيقِ، ولكنَّهُ أسندَ الوطءَ إلى الطريقِ تَجوُّزاً واتِّساعاً...وهذا في الحقيقةِ تعبيرٌ مجازيٌّ، يؤدِّي مَعنى لا يُؤدِيهِ المُقدَّرِ، ولِذا نَحنُ لا نَرَى فِي هذا تَقدِيراً لأنَّه لا يُفسِدُ الغرضَ الفنِيَّ الَّذِي صِيغَ مِن أجلهِ "[15].


ومن هذا الباب قولُهُ تعالى: ﴿ إنِّي أَرانِي أَعصِرُ خمراً ﴾[16]، وفيه لم يَقُلْ: إنِّي أرانِي فِي النَّومِ أَعصِرُ خَمراً، لأنَّ الحالَ تدلُّ علَى أنَّهُ ليسَ يَرى نَفسَهُ في اليقظةِ يَعصِرُ خمراً، وقالَ أهلُ الُّلغةِ: الخَمرُ في لُغةِ عُمانَ اسمٌ للعِنبِ، فكأنَّهُ قالَ: أرانِي أعصِرُ عِنباً، ويَجُوزُ أنْ يكُونَ عنَى الخَمرَ بِعينِها، وكذلِكَ قولُهُ: (أعصِرُ خَمراً)، أي: أعصِرُ عِنَبَ الخَمرِ، أي: العنَبَ الَّذِي يَكُونُ عَصِيرُهُ خَمراً[17].


والمعنى الذِي ذَهَبَتْ إلَيهِ الآيةُ يُفيدُ أنَّ صاحِبَ يُوسُفَ رَأى فِي النَّومِ، ولَيسَ فِي اليَقظةِ، أنَّهُ يَعصِرُ الخَمرَ، فصارَ الكَلامُ دالَّاً علَى معنًى جَديدٍ أَبلغَ فِي النَّفسِ، وأَصوبَ فِي الفِعلِ من الحذفِ الموجودِ، فأقامَ المضافَ إلَيهِ، وهو " خمراً " مُقامَ المضافِ، وهو " عِنَباً "، فهو في هذا السياق يدلُّ على صورة جميلة تُسمَّى في البلاغةِ: اعتبارَ ما سَيكُونُ.


إنَّ بناءَ العبارةِ في الواقِعِ بناءُ خواطِرَ ومشاعرَ واختِلاجاتٍ قبلَ أنْ يكونَ هندسةَ ألفاظٍ وتصميمَ قوالِبَ، وإذا كانَ السِّياقُ سياقاً فيَّاضاً وحافِلاً أبدتْ هذِهِ الزَّخرفاتُ الخفيفةُ للكلِماتِ غنى وفيضاً، وترى هذا يجرِي في جميعِ الأبوابِ النحويّة والبلاغيَّةِ في قصرِ المسند إليهِ والمسندِ، ومتعلَّقاتِ الفعلِ، وتكثُرُ الدِّراسةُ المرتبِطةُ بِمواقِعِ الكلِماتِ كثرة تُلائِمُ حجمَها في الاستِعمالاتِ، وهذا كلُّهُ في إطارِ الجملةِ، فإذا تجاوزناهُ رأينا باباً يَعظُمُ سُلطانُهُ، كما في الآية ﴿ إنِّي أَرانِي أَعصِرُ خمراً ﴾ ولو كانتْ مواقِعُ الكلِماتِ غيرِ قابلةٍ للتغييرِ لكانَ ذلِكَ عيباً في اللُّغةِ وعجزاً قاهراً في اللِّسانِ يحبسُ أنبلَ ما تشعرُ بِهِ النفسُ البشريَّةُ من حسٍّ دقيقٍ واختلاجةٍ خفيفةٍ لا سبيلَ إلَى أنْ تركبَ متنَ الكلِمةِ وأنْ تبتلِعها في داخلِها وتُفصِحَ عنها في الأداءِ[18].


وقولُهُ تعالى: ﴿ سَواءٌ مِنكُم مَنْ أَسَرَّ القَولَ ومَنْ جَهَرَ بِهِ ﴾[19]،هذه الآية الكريمة ذاتُ معنى مُعبِّر، ففيها حذف وتقدير، فالمعنى فيها: ذُو سَواءٍ، لأنَّ " سواء " مَصدرٌ فلا يَجُوزُ أنْ يرتَفِعَ ما بَعدَهُ إلا إذا حصل الحذفُ، فمثلاً تقول: عدلٌ زيدٌ وعمرٌو، والمعنى: ذَوا عدلٍ زَيدٌ وعَمرٌو، لماذا؟ لأنَّهُ - كما هو معلومٌ - لَيسَتْ المصادر والذَّوات بِأسماءِ الفَاعِلِينَ، فأُقِيمَ المضافُ إلَيهِ مُقامَ المضافِ. وقد أشارَ إلى ذلك أبو إسحاق الزجاج، فقال: " وإنَّما تَرفَعُ الأسماءُ أوصافَها، فإذا رَفَعَتْها المصادرُ فهي علَى الحذف "[20] والحذْفُ قَصَدَ بِهِ حَذْفَ المضافِ وإقامةَ المضافِ إليهِ مُقامَه، وقد وَردَ ذلِكَ في كلامِ العربِ كثيراً.


ومِن ذلِكَ قَولُ الخنساءِ: (من البسيط)

تَرتَعُ ما رَتَعَتْ حتَّى إذا ادَّكَرَتْ
فإنَّما هِيَ إقبالٌ وإدبارُ

 

فالمعنى هنا: فإنَّما هِي ذاتُ إقبالٍ وذاتُ إدبارٍ، وكذلِكَ قولنا: زَيدٌ إِقبالٌ وإِدبارٌ، وهذا ممَّا كثُرَ في المصدرِ "سواء " فاستُعملَ استِعمالَ أسماء الفاعِلِينَ، وقال أبو إسحاق الزجاج: " ويَجوزُ أنْ يَرتَفِعَ على أنْ يكُونَ: " في مَوضِع مُستَوٍ "، إلا أنَّ سيبويه يستَقبِحُ ذلِكَ، لا يُجِيزُ: مُستوٍ زيدٌ وعمروٌ، لأنَّ أسماء الفاعِلينَ عِندَهُ إذا كانَتْ نَكِرة لا يُبتَدَأُ بِها لِضعفِها عنِ الفِعلِ فلا يُبتَدَأُ بِها، ويُجريها مُجرى الفِعل".[21]

 

وفي قولِهِ تعالى: ﴿ وجاؤُوا علَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾[22]. ويرى أبو جعفر النحاس في التركيبِ إيجازاً، أي ذي كذِبٍ[23]. فالدَّمُ دَمٌ كَذِبٌ، أي: ذُو كذِبٍ، فَوَصَفَ الدَّمَ بِالمصدَرِ، فصارَ تَقدِيرُهُ: بِدمٍ ذِي كَذِبٍ، مثل: ﴿ واسألِ القَريةَ ﴾، والفَاعِلُ والمفعُولُ قد يُسمَّيانِ بِالمصدرِ، يُقالُ: هذا ضَرْبُ الأَمِيرِ، أي: مَضرُوبُهُ، وماءٌ سَكْبٌ، أي: مَسكُوبٌ، وماءٌ غَوْرٌ أي: غائِرٌ، ورَجُلٌ عَدْلٌ أي عادِلٌ. والمَعنَى: دَمٌ مَكذُوبٌ فِيهِ. فهذا المَوقِفُ المحزِنُ أثَّرَ علَى نفسِ الأبِ المكلُومِ بِابنِهِ فَجَعلَ التَّعبيرَ أكثرَ قوَّةً وسبكاً، إذْ وُصِفَ الدَّمُ بِالمصدَرِ، وكذلِكَ أُقِيمَ المضافُ إليهِ " دمٍ " مُقامَ المضافِ " ذي " دونَ أنْ يُشعِرَ القارئ بذلك، والتقدير: بِدَمٍ ذِي كَذِبٍ.


وهناك مَوقِفٌ آخرُ في قِصَّةِ يُوسفَ، علَيهِ السَّلامُ، يزِيدُ النَّصَّ جمالاً علَى جمالِهِ ومتانة فوقَ جودةِ سبكِهِ، إنَّهُ منظرُ النِّسوةِ الَّلاتِي قَطَّعْنَ أيديَهُنَّ من قولِهِ تعالَى: (﴿ أرسَلَتْ إلَيهِنَّ ﴾، ﴿ وأعتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكأً ﴾)[24] ففي الكلامِ حذْفٌ، وَتَتِمَّتُهُ: تَدعُوهُنَّ إلَى وَلِيمةٍ لِتُوقِعُهُنَّ فيما وَقَعَتْ فِيهِ، (وأعتَدَتْ)، والعتادُ هو كلُّ شيءٍ جَعَلْتَهُ عُدَّةً لِشَيءٍ، و(مُتَّكَأً) أَصَحُّ ما قِيلَ فِيهِ أنَّهُ المجلِسُ.


وهناك قَولٌ لِجَماعةٍ مِن أَهلِ التَّفسِيرِ بأنَّهُ الطَّعامُ، فَيَجُوزُ الكلامُ علَى تَقديرِ " طَعَامَ مُتَّكَأٍ "، مثل: (واسأَلِ القَريَةَ)، والدَّلِيلُ علَى هذا الرأي والمعنى قَولُهُ تعالى ﴿ وآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنهُنَّ سِكِّيناً ﴾، لأنَّ حُضُورَ النِّساءِ، ومَعهُنَّ السَّكاكِينُ، إنَّما لأجلِ الطَّعامِ يُقطَعُ بالسَّكاكِينِ. فقد أقامَ المضافَ إليهِ مُقامَ المضاف. وقد ذَكَرَ هذا الرَّأيَ أبو جعفر النحَّاس[25].



[1] الآية 82 من سورة يوسف.

[2] الكتاب: سيبويه، عمرو بن عثمان بن قنب‍ر (ت180هـ)، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الخامسة، 1430هـ-2009م، 1: 212.

[3] الآية 81-82 من سورة يوسف.

[4] الآية 177 من سورة البقرة.

[5] معاني القرآن وإعرابه: لأبي إسحاق الزجاج إبراهيم بن السِّرِّيِّ (ت311هـ)، تحقيق د.عبد الفتاح عبده شلبي، دار الحديث، القاهرة، 1426ه-2005م، 1: 213.

[6] البيت للخنساء ديوانها ص50. وصدره: ترتعُ ما رَتَعتْ حتَّى إذا ادَّكرَتْ . وينظر: المحتسب في تبيين شواذ القراءات والإيضاح عنها: لأبي الفتح عثمان بن جني، تحقيق: علي النجدي ناصف، د. عبد الفتاح شلبي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، 1424هـ-2004م، 2: 43.

[7] إعراب القرآن: لأبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس (ت388هـ)، تحقيق: د.زهير غازي زاهد، عالم الكتب، بيروت، 1405هـ-1985م، 1: 279-280.

[8] معاني القرآن وإعرابه للزجاج 1: 213-214.

[9] الآية 41 من سورة الروم.

[10] إعراب القرآن 3: 275.

[11] الآية 93 من سورة البقرة.

[12] الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين: لأبي البركات عبد الرحمن بن محمد بن الأنباري (ت577هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا، 1427هـ-2006م، ص 54.

[13] الكتاب 1: 214. والعذير: الحال. وسِلّى: اسم موضع بالأهواز كثير التمر. وقاق: صوت. وقِفار: أرض موحشة. والشاهد قوله: "نعام " فقد أقام المضاف إليه مقام المضاف، وأصل الكلام: كأنَّ عذِيرَهم عذِيرَ نَعام.

[14] الكتاب 1: 215. والبيت للحطيئة في ديوانه ص 47. والمنايا: جمع منية وهي الموت. والشاهد قوله: " مَيِّتٌ وَسْطَ أهلِهِ " والتقدير: وشرُّ المنايا منية ميت وسط أهله. فقد أقامَ المضاف إليه مقام المضاف فأخذ محله الإعرابي.

[15] معاني النحو: فاضل صالح السامرائي، دار الفكر ناشرون وموزعون، عمان، الأردن، ط5، 2011م-1432هـ، مج 2، ج 3: 124.

[16] الآية 36 من سورة يوسف.

[17] معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3: 88-89. وإعراب القرآن 2: 329.

[18] نظرية العلاقات والنظم بين عبدالقاهر الجرجاني والنقد الغربي الحديث: د. محمد نايل أحمد، دار المنار، القاهرة، 1998م، ص78.

[19] الآية 10 من سورة الرعد.

[20] معاني القرآن وإعرابه 3: 114-115.

[21]معاني القرآن وإعرابه 3: 115. وإعراب القرآن للنحاس 2: 353.

[22] الآية 18 من سورة يوسف.

[23] إعراب القرآن للنحاس 2: 318.

[24] الآية 31 من سورة يوسف.

[25] إعراب القرآن 2: 326.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ملخص بحث: إقامة المضاف إليه مقام المضاف (أغراضه ووظائفه وصوره)
  • مقدمة في إقامة المضاف إليه مقام المضاف
  • أغراض إقامة المضاف إليه مقام المضاف: إيجاز الكلام واختصاره
  • دلالة القرينة على المضاف إليه
  • أغراض إقامة المضاف إليه مقام المضاف: الحاجة إلى المعنى
  • هل يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه؟
  • مفهوم الاتساع اللغوي

مختارات من الشبكة

  • إقامة المضاف إليه مقام المضاف (WORD)(كتاب - حضارة الكلمة)
  • إقامة المضاف إليه مقام المضاف (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • نتائج هامة حول إقامة المضاف مقام المضاف إليه(مقالة - حضارة الكلمة)
  • صور إقامة المضاف إليه مقام المضاف(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المضاف المعرف بأل في شعر المتنبي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القول بوقوع الاتساع لدى النحاة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أغراض التشبيه مع الأمثلة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أغراض تعلم العربية عند الناطقين بلغات أخرى(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أغراض شعر ابن القم(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الطلاق المضاف إلى زمن المستقبل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب