• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / روافد
علامة باركود

البكاء في الشعر العربي (4)

الشيخ محمد الفاضل بن عاشور

المصدر: المجلة الزيتونية، المجلد الأول، الجزء العاشر لعام 1357هـ
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/10/2009 ميلادي - 16/10/1430 هجري

الزيارات: 134081

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إن فرار الشعراء - كذي الرُّمَّة - من لواعج الغرام، إلى الاستراحة بالموت، كفرار امرئ القيس من الليل إلى الصباح، ثم ذمه الصباح، إذ يقول:

 

أَلا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ  أَلا  انْجَلِ        بِصُبْحٍ وَمَا الإِصْبَاحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ

 

إذ هُم قد اعتبروا الموتَ أعظمَ المصائب، وأشد النوازل، وأكره العوادي، حتى تخيَّلوا له أبشع ما تدركه الحواس من القبح الباعث لانقباض النفس، فوصفوه بالسَّواد والكلح، وأثبتوا له المخالب والأنياب، ولم يستسيغوه ويستحلُّوه إلاَّ في مقابلة ما هو أشد على نفس الكريم من كل مكروه، وهو الهوان والغلبة، وذلّ الأسر وما إليه، كما قال أبو الطيب:

غَيْرَ أَنَّ الفَتَى يُلاقِي المَنَايَا        كَالِحَاتٍ وَلا يُلاقِي الهَوَانَا

من أجل ذلك؛ نرى الموت في الاستعمالات الشعرية أعظم بواعث الحزن، ونجده شديدَ الاقتران بالبكاء، الذي هو مظهر الحزن الأكبر، حتى تفرع عن هذا الاتصال أنْ شاع في استعمال اللغة التعبير بالبكاء عن مطلق ذكر الموت والتوجع له؛ لأنَّهم أخذوا البكاء في لوازمه القريبة، حتى إنهم إذا انبعثت ذكرياتُهم الحزينة لمرأى بعض الجمادات، وأفاضوا من حزنهم عليه، فتخيَّلوه حزينًا، أغرقوا في هذا الخيال، فنزَّلوه منزلة العاقل، وجعلوه باكيًا مبالغةً في التعبير عن حزنه، وهو ضربٌ قريبٌ من التجريد، وفيه يقول النَّابغة في رثاء النعمان، مُفصحًا عن بكاء قصره عليه:

 

بَكَى حَارِثُ الجُولانِ مِنْ فَقْدِ رَبِّهِ        وَحُورَانُ  مِنْهُ  مُوحِشٌ  مُتَضَائِلُ

 

وعلى ذلك قال جرير في رثاء عمر بن عبدالعزيز:

 

وَالشَّمْسُ كَاسِفَةٌ لَيْسَتْ بِطَالِعَةٍ        تَبْكِي عَلَيْكَ نُجُومَ اللَّيْلِ وَالقَمَرَا

 

وقد تفنَّن الشعراء في إسناد هذا البكاء إلى أشياء مختلفة، باختلاف مقامات الكلام وصفات المبكي عليهم، فجعلوا المنابر تبكي لفقد الفصحاء، والخمرَ تبكي لفقد الندماء، كما قال أبو واثلة:

 

بَكَى المِنْبَرُ الغَرْبِيُّ إِذْ قُمْتَ فَوْقَهُ        فَكَادَتْ مَسَامِيرُ الحَدِيدِ  تَذُوبُ

 

وقال أحد شعراء العراق يرثي صديقه زلزل:
الخَمْرُ تَبْكِي فِي أَبَارِقِهَا        وَالقَيْنَةُ الخُمْصَانَةُ الرُّودُ

وكثيرًا ما أسندوا هذا البكاء إلى السماء، توليدًا من قوله - تعالى -: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ} [الدخن: 29]، فكان أبدعَ في الادِّعاء، وأغرقَ في التخيُّل؛ لأنَّ للسَّماء ماء المطر الذي يُشبِهُ انصبابُه انصبابَ الدَّمع، فيصيرُ بطريق المجاز المُركَّب إيماءً إلى الحقيقة، وإبرازًا لغير الحاصل في معرض الحاصل؛ كما قال أبو بكر بن اللبانة في خروج المعتمد:

 

تَبْكِي السَّمَاءُ بِمُزْنٍ رَائِحٍ غَادِ        عَلَى البَهَالِيلِ مِنْ أَبْنَاءِ عَبَّادِ

 

وقد انتهوا في هذا الباب إلى إثبات البكاء للمجردات، كما قال:

 

مَرَرْتُ عَلَى المُرُوءَةِ وَهْيَ تَبْكِي        فَقُلْتُ: عَلامَ  تَنْتَحِبُ  الفَتَاةُ
فَقَالَتْ: كَيْفَ لا أَبْكِي وَأَهْلِي        جَمِيعًا  دُونَ  خَلْقِ  اللَّهِ  مَاتُوا
 

ومن هنا استمدَّ المعرِّي في "رسالة الغفران" الصُّورةَ الخياليةَ للمأتم الذي تقيمه القصائد على أبي تمام، ومن هذا التلازُم الظَّاهر بين البكاء وبين الموت في الخيال الشعري، نرى الذين دلَّت أشعارُهم على امتِناعِهِم من البكاء عند الموت، ممَّن توطَّنَت نفوسُهم على المصائِب، وتمرَّنَت على احتِمال الأرزاء، هم أفراد شواذُّ بالنِّسبة إلى الذين يخور جلَدهم لمرأى الموت، فتتغلَّبُ عليهم دواعي البكاء، وفي ذلك يقول بشامة بن حزن النهشلي:

 

وَلا تَرَاهُمْ وَإِنْ جَلَّتْ  مُصِيبَتُهُمْ        مَعَ البُكَاةِ عَلَى مَنْ مَاتَ يَبْكُونَا

 

وقد بلغ بهم الاستِسلامُ لسلطان البكاء عند الموْت، أن أصبح القاتِل يبكي على قتيلِه، وذلك من أغرب أبواب البكاء، وفيه يقول الحماسي:

وَنَبْكِي حِينَ نَقْتُلُكُمْ عَلَيْكُمْ        وَنَقْتُلُكُمْ  كَأَنَّا   لا   نُبَالِي

وفيه قال البحتري فأبدع في المُطابقة:
إِذَا احْتَرَبَتْ يَوْمًا وَفَاضَتْ دِمَاؤُهَا        تَذَكَّرَتِ القُرْبَى فَفَاضَتْ  دُمُوعُهَا

وإذا كان البكاء لموت العدو بابًا مطروقًا، فالبكاء للقَرابة أوضح منهجًا، والبكاء على النفس أقوى باعثًا، وقد تعدَّدتْ أساليب البكاء في الشعر ومعانيه باختِلاف حال المبكي عليه، ونسبته من الباكي، وأصبح ذِكر البكاء أعظمَ مظاهر العاطفة الشخصية في شعر المراثي؛ لأن باب المراثي في الشعر العربي بابٌ يتجاذبُه أصلان: أصلٌ هو شعر الملحمة، من جهة ما فيه من ذكر الحروب، وبطولة المرثي، والحثّ على الثأر، وأصلٌ هو الإحساس، من جهة ما فيه من لوعة الراثي، والخنوع لقهْر الموت، وإحياء روابط القرابة، وذكريات الوداد.

 

وبذلك امتزجت الملاحم والشِّعر الإحساسي في هذا الباب امتزاجًا قويًّا، حتى تأتَّى لأبي تمام في ديوان الحماسة أن يُورِد كثيرًا من المراثي في باب الحماسة، وتوغَّلَت مراثٍ عديدة في ناحية الملحمة، حتى كادَت تخلو عن الناحية العاطفية بتاتًا.

 

ومن هنا، تفاوتت أغراض الرثاء في قوة المظهر الإحساسي، فكان أعلاها في ذلك رثاء النفس ورثاء الآباء، وأدْناها رثاء قتلى الحرب من غير الأقارب، والوسط في ذلك رثاء الأبناء ورثاء الإخوان.

 

أمَّا رثاء النفس، فهو على عزَّته بابٌ قديمٌ في الشِّعْر، فتحه امرؤ القيْس، وورد في معلَّقة طرفة، وفي شعر لبيد، وفيه اليائيَّتان الرَّائعتان لعبد يغوث - وهو جاهلي - ومالك بن الريب - وهو أموي - وقد أوردهُما أبو عليٍّ القالي في ذيل أماليه، وبقِي هذا الغرض في أشعار المولدين، ومن أشهر ما لهم فيه أبْيات لسان الدين بن الخطيب التَّائيَّة، التي أوردها المقري في "نفح الطيب"، وفي "أزهار الرياض"، ولم يرِد ذكر البُكاء في هذه المراثي من طريق مباشر، وإنَّما ورد فيها استحضار البكاء المتوقَّع على الميت، ممَّن يحق أن يبكي عليه، كما قال طرفة:

وَلَوْلا ثَلاثٌ هُنَّ مِنْ عِيشَةِ الفَتَى        وَجَدِّكَ لَمْ أَحْفِلْ مَتَى نَاحَ عُوَّدِي

 

وقال مالك بن الريب:
تَذَكَّرْتُ مَنْ يَبْكِي عَلَيَّ فَلَمْ أَجِدْ        سِوَى السَّيْفِ وَالرُّمْحِ الرُّدَيْنِيِّ بَاكِيَا
وَأَشْقَرَ   خِنْذِيذٍ    يَجُرُّ    عِنَانَهُ        إِلَى المَاءِ لَمْ يَتْرُكْ لَهُ الدَّهْرُ  سَاقِيَا

 

ثم قال:
وَبِالرَّمْلِ مِنِّي نِسْوَةٌ لَوْ رَأَيْنَنِي        بَكَيْنَ وَفَدَّيْنَ الطَّبِيبَ المُدَاوِيَا
فَمِنْهُنَّ أُمٌّ  وَابْنَتَاهَا  وَخَالَتِي        وَبَاكِيَةٌ أُخْرَى  تَهِيجُ  البَوَاكِيَا

وقد زاد لبيد على استحضار هذا البكاء أن وَصَفه، وحدَّد أمدَه بقوله يُوصِي ابنتيْه:

فَإِنْ حَانَ يَوْمًا أَنْ  يَمُوتَ  أَبُوكُمَا        فَلا تَخْمِشَا وَجْهًا وَلا  تَحْلِقَا  شَعَرْ
وَقُولا: هُوَ المَرْءُ الَّذِي  لا  صَدِيقَهُ        أَهَانَ وَلا  خَانَ  الأَمِيرَ  وَلا  غَدَرْ
إِلَى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُمَا        وَمَنْ يَبْكِ حَوْلاً كَامِلاً فَقَدِ اعْتَذَرْ

 

ويلتحق بالبكاء على النفس البكاءُ لانصِرام الشَّباب؛ لأنَّه في الحقيقة بكاءٌ على جزءٍ من الحياة عند استِشْعار قرب الموت، كما قال عديُّ بن زيدٍ:

وَلَقَدْ بَكَيْتُ عَلَى الشَّبَابِ لَوَ انَّهُ        كَانَ  البُكَاءُ  بِهِ   عَلَيَّ   يَعُودُ
لَيْسَ الشَّبَابُ وَإِنْ جَزِعْتَ بِرَاجِعٍ        أَبَدًا  وَلَيْسَ  لَهُ   عَلَيْكَ   مُعِيدُ

 

كما يلتحق به البكاءُ لفراق الوطن؛ لأنَّ محبَّة الوطن في اعتِبارات الشِّعْر ناشئةٌ عن محبَّة النَّفس والحنين إلى شبابها، على طريقة ابن الرومي التي يقول فيها:

وَحَبَّبَ أَوْطَانَ  الرِّجَالِ  إِلَيْهِمُ        مَآرِبُ قَضَّاهَا الشَّبَابُ هُنَالِكَا
إِذَا  ذَكَرُوا  أَوْطَانَهُمْ  ذَكَّرَتْهُمُ        عُهُودَ الصِّبَا فِيهَا فَحَنُّوا لِذَلِكَا

 

ومن مثل البكاء لفِراق الوطن ما أوْرده الجاحظ في رسالة الحنين إلى الأوْطان:
إِذَا مَا ذَكَرْتُ الثَّغْرَ فَاضَتْ مَدَامِعِي        وَأَضْحَى  فُؤَادِي  نُهْبَةً   لِلهَمَاهِمِ
حَنِينًا إِلَى أَرْضٍ بِهَا  اخْضَرَّ  شَارِبِي        وَحُلَّتْ  بِهَا  عَنِّي  عُقُودُ   التَّمَائِمِ

وأمَّا رثاء الآباء، فالمظهر الحماسي ضعيفٌ فيه، بقدر ما قوي فيه المظهر الإحساسي؛ وذلك لأن من يكون له أولاد يقولون الشِّعر، لا يكون سنُّه قاضيًا بالموت في الحروب، فتجرَّدت رزيَّة الأب بذلك للناحية العاطفية، وذلك سرُّ غلبة هذا الغرَض على شِعْر النِّساء؛ لأنهنَّ أقْوى شعورًا بتلك الرزيَّة مجرَّدة عن غناء الأبْطال، وهو مع ذلك أقلُّ في شعر النِّساء من رثاء الإخوان؛ لأنَّ المرأة تحسُّ في فقْد الأخ ما تحسُّ في فقْد الوالد، مع زيادة ما عندها من الإعجاب بالبطولة واللوعة لمصاب الشَّباب، والتعلُّق بأخذ الثَّأر.

 

وأصحُّ ما ورد من شعر النِّساء في رثاء الآباء قولُ أرْوى بنت الحباب، فيما أورده البحتري في حماسته:

قُلْ لِلأَرَامِلِ وَاليَتَامَى قَدْ ثَوَى        فَلْتَبْكِ أَعْيُنُهَا لِفَقْدِ  حُبَابِ
أَوْدَى ابِنُ كُلِّ مُخَاطِرٍ بِتِلادِهِ        وَبِنَفْسِهِ بُقْيَا عَلَى الأَحْسَابِ
الرَّاكِبِينَ مِنَ الأُمُورِ صُدُورَهَا        لا  يَرْكَبُونَ  مَعَاقِدَ  الأَذْنَابِ

 

ومن هذا الباب ما يُرْوى من رثاء بنات عبدالمطلب أباهم، ممَّا أثبته ابن هشام في السيرة، ومن رثاء ابنة كُلَيْب أباها الوارِدة في أخبار البسوس، وكلاهما مشكوكٌ في صحَّة نسبته؛ إذْ لَم يثبت في دواوين الأدَب، ولم يرِد إلاَّ من طريق القصص.

 

وأمَّا بكاءُ الأبناء، فقد اشتهر فيه أبو ذؤيبٍ الهُذلي بعينيَّته الشَّهيرة:

أَمِنَ  المَنُونِ  وَرَيْبِهَا  تَتَوَجَّعُ        وَالدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ

 

وقد أورد من هذا الباب مُثُلاً صالِحة الإمامُ السيوطي في رسالته التي سمَّاها: "الجلَد في فقد الولد".

 

وأمَّا بكاء الإخْوان فقد ورد فيه ما لا يُحصَى كثرةً من شِعْر الرِّجال والنساء، وكان تجاذُب بابي الحماسة والرثاء إيَّاه على نسبة متساوية، وأقدمُ ما اشتهر في هذا الباب مراثِي مهلهل بن ربيعة لأخيه كُلَيْب، وأشهرها الرَّائيَّة:

أَلَيْلَتَنَا بِذِي حُسَمٍ أَنِيرِي

وتبِعه في هذا المنهج كثيرون، كالخنساء في بكائِها على صخْرٍ ومعاوية ابنَي عمرو، حتَّى ضرب بها المثل، وليلى بنت طريف التي تقول:

أَيَا شَجَرَ الخَابُورِ مَا لَكَ مُورِقًا        كَأَنَّكَ لَمْ تَحْزَنْ عَلَى ابْنِ طَرِيفِ

 

وهو من شواهد "الكشَّاف".
 
وقتيلة بنت الحارث، إذْ تقول مخاطبةً للنبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في قتله أخاها النَّضر في أَسْرى بدْر:
أَمُحَمَّدٌ هَا أَنْتَ ضَنْءُ كَرِيمَةٍ

إلى آخر القصيدة التي أوْردها ابن هشام في السيرة، ومطلعها:
يَا  رَاكِبًا  إِنَّ   الأَثِيلَ   مَظِنَّةٌ        مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفَّقُ

ومريم بنت طارق، التي رثت أخاها في أبيات أنشدها ابن الأنباري في أماليه، تقول فيها:

 

بِتْنَا   كَأَنْجُمِ   لَيْلٍ   بَيْنَهَا   قَمَرٌ        يَجْلُو الدُّجَى فَهَوَى مِنْ بَيْنِهَا القَمَرُ

 

وعمرة بنت العجلان، التي رثتْ أخاها عمرًا في قطعةٍ رائعة، أوردها الشَّريف المرتضى في أماليه، وكان موته بسببِ افتراس نَمِرين؛ فلذلك تقول في مطلعِها:

سَأَلْتُ بِعَمْرٍو أَخِي صَحْبَهُ        فَأَفْظَعَنِي حِينَ رَدُّوا السُّؤَالا
وَقَالُوا:   أُتِيحَ   لَهُ   نَائِمًا        أَعَرُّ  السِّبَاعِ  عَلَيْهِ   أَحَالا
أُتِيحَ   لَهُ    نَمِرَا    أَجْبُلٍ        فَنَالا  لَعَمْرُكِ  مِنْهُ   مَنَالا

إلخ.

 

 

ومنها الشَّاهد المشْهور في النَّحو:

لَقَدْ عَلِمَ الضَّيْفُ وَالمُرْمِلُونَا

البيتين.

 

 

والفارعة بنت شدَّاد، التي قالت ترْثِي أخاها مسعودًا قِطْعَتَها الدالية:

يَا عَيْنِ بَكِّي لِمَسْعُودِ بْنِ شَدَّادِ        بُكَاءَ ذِي عَبَرَاتٍ  شَجْوُهُ  بَادِ

وقد أوردها بتمامِها الحصري في "زهر الآداب".

 

 

ومن أشْهر الرِّجال في هذا الباب عديّ أخو مهلهل بن ربيعة، الَّذي أظْهَر في رثاء مهلهل ما أظهر مهلهِل في رثاء كليب، وقد أوْرد ذِكْرَه المرزباني في "معجم الشعراء"، ومتمِّم بن نويرة أخو مالك بن نويرة، الذي قتله خطأً خالدُ بن الوليد، وقد سارتِ الركبان بشِعْره فيه، وعقد له حديثًا أبو الفرج في "الأغاني" في الجزء الرَّابع عشر، وكعب الغنوي الذي اشتهر برثائه أخاه أبا المِغْوار بالبائيَّة التي مطلعها:

تَقُولُ سُلَيْمَي: مَا لِجِسْمِكَ شَاحِبًا        كَأَنَّكَ  يَحْمِيكَ  الشَّرَابَ   طَبِيبُ

وبه ضرب المثل شاعرُنا وحافظُ العربيَّة بِمصرنا الأستاذ الكبادي، إذْ يقول في مرْثيته لأمير الشعراء أحمد شوقي - رحمه الله -:
شَوْقِي رَثَيْتُكَ عَنْ فُؤَادٍ مُوجَعِ        كَرِثَاءِ كَعْبٍ  فِي  أَبِي  المِغْوَارِ

وضرار بن نهشل، إذْ يقول في رثاء أخيه يزيد:
لَعَمْرِي لَئِنْ أَمْسَى يَزِيدُ بْنُ  نَهْشَلٍ        حَشَا جَدَثٍ  تَسْفِي  عَلَيْهِ  الرَّوَائِحُ
لَقَدْ كَانَ مِمَّنْ يَبْسُطُ الكَفَّ بِالنَّدَى        إِذَا ضَنَّ بِالخَيْرِ  الأَكُفُّ  الشَّحَائِحُ

 

إلى آخر كلِمتِه التي منها البيت المشْهور في الشَّواهد:
لِيُبْكَ يَزِيدٌ ضَارِعٌ لِخُصُومَةٍ        وَمُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطِيحُ الطَّوَائِحُ

ورثاء الإخوان بعد ذلك شائعٌ شيوعًا كان سلوةً لفاقدي إخوانهم، كما قالت الخنساء:

وَلَوْلا كَثْرَةُ  البَاكِينَ  حَوْلِي        عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي

وأمَّا رثاء الأزواج، فقد مرَّ بنا من مثلِه ما شكَّكنا في صحَّته من أخبار البَسوس، والحقُّ أنَّه بابٌ غير مطروق في الشِّعر القديم؛ لأنَّ العلاقة بين الرَّجُل والمرأة لم تكن تقوم على العاطفة، بل لم يكن مبْناها إلاَّ تحصيل السَّعادة المادِّيَّة للطَّرفين، كما يدل له حوار النِّساء الذي ورد به حديث أمُّ زرْع.

 

وأمَّا رِثاء غير الأقارب، فهو ضرْبٌ يتمحَّض إلى الشِّعْر الحماسي، ومظهر البُكاء فيه ضعيف، وإن كان بابًا يُمثِّل منزِلة المرأة في الحياة الجاهليَّة، وهنا نُمْسِك العنان عن هذا الحديث المترامي الأطراف، المتعلِّق من النفوس الحسَّاسة بالشقاف، مكتفين بهذه الإلمامة، غير مستنزرين صوْبَ الغمامة، ولعلَّ خوالج النَّفس تعود بنا إليْه، فنوافيه بمجلَّد يتناوله من وسطه وحوالَيْه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • البكاء في الشعر العربي (1)
  • البكاء في الشعر العربي (2)
  • البكاء في الشعر العربي (3)
  • الانتصارات العسكرية في الشعر العربي

مختارات من الشبكة

  • الشعر العربي في تشاد جسر للتواصل العربي الإفريقي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • البكاء المفاجئ والشعور بالوحدة(استشارة - الاستشارات)
  • فضل البكاء من خشية الله وذكر الموت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البكاء والبكاؤون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من قيل فيه: إنه عمي بسبب البكاء(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • دلالات البعد الشعوري وإشكالية الترجمة فيه: مواقف البكاء في القرآن الكريم أنموذجا(مقالة - حضارة الكلمة)
  • البكاء من خشية الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البكاء من خشية الله سبب للنجاة من النار (بطاقة)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • هل ينافي الرضا البكاء على الميت؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قليلا من البكاء(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب