• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

الحياة الثقافية والعلمية في عصر أبي تمام

أ. طاهر العتباني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/12/2013 ميلادي - 27/2/1435 هجري

الزيارات: 32218

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحياة الثقافية والعلمية في عصر أبي تمام

 

التمازج الثقافي واللغوي:

كانت الدولة العباسية في العصر العباسي الأول تمتدُّ من حدود الصين وأواسط الهند شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، ومن المحيط الهندي والسودان جنوبًا إلى بلاد الترك والروم والصقالبة شَمالاً، وبذلك كانت تضمُّ بين جناحيها بلاد السِّند، وخراسان، وما وراء النهر، وإيران، والعراق، وجزيرة العرب، والشام، ومصر، والمغرب، وهي أوطان كان يعيش بها منذ القدم شعوبٌ متباينة في الجنس واللغة والثقافة، ولم يحدُثْ بينها التمازجُ الذي حدَث في العصر الإسلامي، ولقد أخذت عناصرُ هذه الشعوبِ المختلفة تتمازج مع العنصر العربي على نحو ما بينّا في الفصل السابق، وكان من أبعاد هذا التمازج اللغوي والثقافي، فإذا بنا إزاء أمةٍ عربية إسلامية تتألَّف من أجناس مختلفة، وقد مضت هذه العناصرُ والأجناس تتمازج في الوعاء العربي الإسلامي حتى غَدَتْ كأنها جنس واحد.

 

لقد استطاع الإسلامُ بتعاليمه السمحة أن يُحدِث امتزاجًا ثقافيًّا قويًّا بين عناصر مختلفة، وقد بلَغ ما بلغه، لا بامتلاك الأرض المفتوحة، بل بامتلاك القلوب، فإذا الكثرة الكاثرة من الشعوب تدخُل في الإسلام، وإذا مَن بقُوا على دينهم يشعُرون إزاء المسلمين بضربٍ من الأُخوة الإنسانية الكريمة.

 

ولقد أسرَع مَن أسلموا من الشعوب المفتوحة جميعًا إلى تعلُّم لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، فلم يمضِ نحو قرن من الزمن حتى أخذت العربيةُ تسود كلَّ أنحاء العالم الإسلامي، لا بين المسلمين فحسب، بل أيضًا بين غيرهم ممن بقِي على دِينه القديم، وأصبحت مناطقُ مثل إيران وخراسان ومصر والمغرب، وهي مناطقُ لم يكن لها بالعروبة عهدٌ من قبل ذلك - أصبحت وقد تعرَّبت حتى أصبحَتْ هذه الشعوب جميعًا عربيةَ اللغة والتفكير والشعور والثقافة والأدب والحضارة.

 

وليس معنى ذلك أن جميعَ أصحاب هذه اللغات القديمة هجَروا لغاتهم تمامًا؛ فقد ظلت من ذلك بقايا، حتى في أكثر البيئات تعربًا، مثل: الشام والعراق؛ مما نشأ عنه دخولُ بعض كلمات نبطية وآرامية إلى العربية، وكانت أهم لغة قديمة ظلت حيّة هي اللغة الفارسية، لا بين سكان إيران فحسب، بل أيضًا بين سكان الأمصارِ في العراق؛ إذ زحفت عليها منذ العصر الأموي جموعٌ كبيرة من الفُرس، ثم ازداد هذا الزحفُ أكثر وأكثر في العصر العباسي الذي علا فيه سلطانُهم داخل الدولة.

 

يقول الجاحظ عن قاصٍّ وواعظ من وعَّاظ البصرة، هو موسى الأسواري: "كان من أعاجيبِ الدنيا، كانت فصاحتُه بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية، وكان يجلِسُ مجلسه المشهور به، فتقعد العرب عن يمينه، والفُرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب الله تعالى، ويفسِّرُها للعرب بالعربية، ثم يحوِّل وجهه إلى اليسار، فيفسِّرها لهم بالفارسية، فلا يُدرَى بأي لسانٍ هو أبيَنُ".

 

كذلك فقد كان كثيرٌ من العرب يتعلَّم الفارسية حتى يتقنها ويحسِنها، حتى لقد كان الأصمعيُّ العربي يفهم ما يدور في لسان بعض الفُرس.

 

ولأن الفارسية انتشرت هذا الانتشار بين العرب؛ فقد دخَل منها إلى العربية ألفاظٌ كثيرة، وخاصة ما اتصل بأسماء الأطعمة والأشربة والأدوية والملابس، كما دخَل إلى العربية ألفاظٌ هندية، وخاصة في أسماء النباتات، والحيوانات، مثل: الأبنوس، والببغاء، والفُلفل، كما دخل بعضُ ألفاظ يونانية، وخاصة ما اتصل بأسماء المقاييس والموازين، والأمراض والأدوية، مثل: القيراط، والأوقية، والقولنج، وغيرهما.

 

ومما لاريبَ فيه - رغم هذا التمازج - أن الفصحى - لغةَ القرآن - كانت المَثَلَ الأعلى للناس في هذا العصر، وخاصة الطبقة المثقَّفة، وكان بين الشعوبيِّين والزنادقة مَن يتخذها لغته وأداته في التعبير، ولم يحاولوا الخروجَ على قوانينها، ولقد عاش علماءُ اللغة يحُوطونها ويحرُسونها حراسة حفِظت لها كل مقوماتها الاشتقاقية والتعبيرية والنحوية، ومكَّنتها من الثبات على الألسنة، لا في الأوساط الأدبية والثقافية فحسب، بل بين العامة، وفي الأوساط التي لم تدخُلْ في الإسلام، مما أحالها إلى وعاءٍ كبير لكلِّ هذه الثقافات المتباينة، والمعارِفِ المختلفة.

 

لقد اتصلت العربيةُ بكل هذا التراث الذي احتوته البلادُ المفتوحة منذ العصر الأموي، وعمِلت على المزجِ بينه وبين معارف العرب وآدابهم، واتخذ هذا المزجُ صورًا كثيرة، منها: الترجمة، ونقل العلوم الفلسفية، ومنها: العلوم التطبيقية؛ كإنشاء المدنِ، وضبط الدواوين، وعمل الأساطيل، وإعداد الجيوش، والنهوض بالزراعة والتِّجارة.

 

لقد كانت كلُّ ألوان الثقافات العامة المبثوثة في البلدان المفتوحة من أواسط آسيا إلى مشارِفِ البرانس، ومن خلال تحوُّل هذه الشعوب أو أكثرِها إلى الإسلام، كانت كلُّ ألوان الثقافات هذه محتواةً داخل الثقافة العربية لذلك الحين، وكان يشاركُ في الحياة اليومية أصحابُ الدِّيانتين: اليهودية، والنصرانية.

 

وكان أقرب الديانتين إلى المسلمين النصرانية التي لم تقِفْ نفس الموقف العدائي الذي وقَفَته اليهودية من النبيِّ صلى الله عليه وسلم لذا فقد استمر التمازجُ بين العرب المسلمين والنصارى في العراق والشام ومِصْرَ، ودخَل جمهورٌ كبير منهم في الإسلام، وامتزج العربُ بهم أكثر، وتسرَّوْا بجواريهم، مما هيأ للقاح واسع بين العناصر الإسلامية والمسيحية في العصر العباسي، هذا اللقاح الذي لا يقفُ عند اللقاح الجنسي، بل اللقاح الثقافي أيضًا؛ إذ نشأ جيلٌ كبير، أمهاتُهن من المسيحيات، روميات، وغير روميات، وقد حمَل هذا الجيلُ عن أمهاته ثقافتَهن، وكثيرًا من طباعهن وعاداتهن ومعتقداتهن، وكذلك فقد اتُّخِذ منهم كتَّابُ الدواوين، والأطباءُ، والمترجمون.

 

وهكذا امتزجت هذه الثقافاتُ من فارسية وهندية، ومن يونانية وعربية، ومن يهودية ونصرانية، فضلاً عن الثقافة الإسلامية، في المجتمع العباسي، في العصر العباسي الأول، فكوَّنت تيارًا ثقافيًّا متنوعًا مختلف الطعوم والألوان، مختلف العناصر والمذاق.

 

الحركة العلمية والثقافية:

لقد كانت نواة العلوم في العصر الأموي هي القرآن والحديث؛ فكلُّ مسائل العلم تقريبًا تدور حولهما، أما في العصر العباسي، فقد بقيت هذه النواةُ كما هي، إلا أن البحوثَ حولهما اتَّخذت شكلاً آخرَ، ووجدت نواة أخرى تجمَّعت حولها العلوم الدنيوية، وهذه النواة هي الطب الذي أسست له مدرسة بجنديسابور، أسَّسها النساطرة، وحول هذه الدراسة الطِّبية تكوَّنت دراسة الطبيعة، والكيمياء، والهيئة، والمنطق، والإلهيَّات.

 

كما وُضِعت في هذا العصر كلُّ علوم العربية والدينية؛ فقد وُضِع تفسير القرآن، وجُمِع الحديث، ووُضِعت علومه، ووُضِع النحو وعلم العَروض، ودوِّنت أشعارُ العرب، وكُتِبت عليها بعضُ الشروح، ودُوِّن الفقه على يد الأئمة الأربعة، وغيرهم من الأئمة، ودوَّن التاريخَ الواقديُّ وابنُ إسحاق والطبريُّ.

 

ومن الناحية الأخرى، تُرجمت كتب الفلسفة، من منطق، ورياضيات، وهيئة، وطب، وغيرها، وبدأ العلماءُ يؤلِّفون فيها.

 

وكان الناشئ يبدأ بالتعلُّم في الكتَّاب، فيتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وبعضَ سور القرآن الكريم، وشيئًا من الحساب، وبعض الشِّعر والأمثال، كما كان معلِّمو الكتاتيب يعلِّمون الناشئةَ السُّننَ، والفرائض، والنحو، والعَروض.

 

كما كان للناشئة ألواح من الخشب، يكتبون فيها دروسهم، وكلما فرغوا من درسٍ محَوْه ليثبتوا درسًا آخَرَ.

 

وكان بجانب معلمي أولاد العامة في الكتاتيب معلِّمونَ لأبناء الخاصة، كان منهم اللُّغويُّ والإخباريُّ، والفقيهُ، والمحدِّث، والمقرئ، وكانوا يعلِّمون أبناء الطبقة العليا؛ كالقادة، والوزراء، والخلفاء، ويسمَّى الواحدُ منهم بالمؤدِّب، وكانت تُفرَض لهم رواتبُ كبيرة على غيرِ ما عليه معلِّمو الكتاتيب الذين كان أجرهم زهيدًا.

 

ومن بين معلِّمي أولاد الخاصة نفرٌ عُرِفوا واشتهروا بالعلم، منهم: المفضَّلُ الضَّبِّيُّ معلِّم المهدي، وقد اختار له المفضلياتَ، تلك المجموعةَ الشعرية الفريدة في التراث العربي، ومنهم: الكِسائي النحوي معلِّم الرشيد وابنيه الأمينِ والمأمون، ومنهم قُطْرُبٌ النحوي، مؤدِّب الأمين، وأبو عُبيدٍ القاسمُ بن سلاَّم، مؤدِّب أبناء هرثمة قائد الرشيد والمأمون.

 

وامتازت البصرةُ في هذا العصر بسوق باديتها المعروف بالمربدِ، وكان مجالاً للدربة على اللغة، وإلقاء الشِّعر، والأخذ عن فصحاء الأعراب، وممَّن حضَره من شعراء هذا العصر أبو نواس، وبشَّار بن بُرد.

 

وكانت المساجدُ ساحات العلم الكبرى؛ حيث يتحلَّق المتعلِّمون حول معلميهم، يكتُبون ما يُملَى عليهم، أو يُلقَى إليهم من العلوم، وكان المعلم يتخذ أحيانًا مستمليًا يبلِّغُ كلامَه إلى البعيدين في الحلقة، وكان لكل فرعٍ من المعرفة حلقاتُه؛ فحلقات الفقه، وحلقات الحديث، وحلقات التفسير، وحلقات اللغة والنحو، وحلقات المتكلِّمين.

 

وكانت أشهر الحلقات وأكبرها حلقة الفقه، الذي على أساسه يتم تعيينُ القضاة في مناصبهم، وحلقات المتكلمين؛ حيث يشتدُّ الحوارُ والمناظرات والجدَل.

 

كما كان هناك حلقات للشعراء، وكان أبو تمام يحضُر هذه الحلقات في المساجد، وكانت هناك حلقة مسجد بغداد التي كانت له فيها منزلة الأستاذ.

 

وإذا كان هناك من تخصَّص في علم من العلوم بعد إلمامه بأصول العلوم كلِّها، فإن هناك نفَرًا نوَّعوا في ثقافتهم، وحضَروا في حلقات مختلفة ينالون من كل أنواع الثقافة والمعرفة.

 

وكان الخلفاءُ والأمراء والوزراء والقادة يُجزلون العطاءَ لهؤلاء العلماء الذين يقُومون على هذه الحلقات، مما كان له أكبرُ الأثر في ازدهار الثقافة والمعرفة في العصر العباسي الأول ازدهارًا كبيرًا، وكان لاستخدام الورَقِ على نطاق واسع - أكثر من ذي قبل - أثرُه الكبيرُ في اتساع الحركة العلمية والثقافية، حتى أخَذ الكثيرون من الأفراد يُعنَوْنَ باقتناء المكتبات التي ربما اشتمل بعضُها على ستِّمائة صندوق مملوءة بالكتب، وبهذا أصبحت الكتبُ مادةً أساسية للمعرفة.

 

ولقد ظهَرت مع بدء انتشار الكُتب صنعةُ الوراقين، وفي هذا العصر كانت هذه الصناعةُ قد ازدهرت، حتى أنشأ بعضُ الورَّاقين لهم دكاكين كبيرة مُلِئت بالكتب يتَّجِرون فيها، وكان البعضُ يذهَبُ إلى هذه الدكاكين، لا ليشتريَ، بل ليقرأ فيها ما وسِعَتْه القراءةُ، نظير أجرٍ يتقاضاه الورَّاق.

 

كذلك كان من جوانب الحركة العلمية في هذا العصر مجالسُ الخلفاء والوزراء والأمراء والسَّراةِ؛ حيث تُعقَد الندوات العلمية والثقافية بشكل متصل، ويتناظر فيها العلماءُ من كل صِنف، مثل مناظرة الكِسائي وسيبويه بين يدَيِ الرشيد، وكان مجلسُ المأمون ساحةً واسعة للجدال والمناظرة، وكان المأمون مثقفًا ثقافة واسعة بالعلوم الدينية، واللغوية، والفلسفية، وعلوم الكلام، وكانت مجالسُ العلماء التي تضمُّ المتخصصين من كل لونٍ من العلوم أشبهَ بالمجامع العلمية، حتى لقد كان هناك - كما أشرنا من قبل - مجالسُ يتحاورُ فيها العلماءُ مع الزنادقة؛ ليفنِّدوا آراءَهم واعتقاداتهم الباطلة.

 

لقد كانت أماكنُ المعرفة والثقافة مفتوحةً في كل مكان بأمصار العراق؛ فأبوابُ المساجد مفتوحة على مصاريعها لكل الواردينَ، ومثلُها دكاكين الورَّاقين، وكان التعليم مجانيًّا ومن حقِّ الجميع، وكان لذلك أثرُه البالغ؛ فإن جمهورَ العلماء والشعراء لهذا العصر من أبناء العامَّة، وها هم أولاءِ أعلامُ الشعراء لهذا العصر، مثل: بشار بن بُرد، وأبي نواس، وأبي العَتَاهيَة، ومسلم بن الوليد، وأبي تمام كانوا من طبقة العامَّة، وبهذا أصاب العامةُ والخاصة حظوظَهم من الثقافة والمعرفة، كلٌّ بما تطيق قدراته وملَكاته، حتى لَيُعَدُّ بحقٍّ هذا العصرُ من أزهى العصور وأكثرِها ازدهارًا في الناحية العلمية والثقافية.

 

العلوم اللغوية والأدب والشعر:

عُنِي جمهورٌ كبير من العلماء بالكوفة والبصرة - منذ العصر الأموي - بجَمْعِ ألفاظ اللغة وأشعارِ العرب في الجاهليَّة والإسلام.

 

وكان من الأسباب التي دعَتْ إلى هذا الجمع حاجةُ العناصر الأجنبية التي دخَلَتْ في الإسلام إلى تعلُّم لغة القرآن، ثم شيوع اللَّحن على الألسنة، ومن هنا انبرى علماءُ البَصرة والكوفة يجمَعون ألفاظ اللغة وأشعارَها؛ حتى لا تَفنى العربيةُ في لغات الشعوب المستعربة، وذلك من خلال الرحلة في طلب اللغةِ إلى باطن الجزيرةِ العربية حيث ينابيعُ اللغةِ الصافية.

 

وكانوا يقصِدون من هذه الرحلات إلى غايتين: أُولاهما: أن يُقوِّموا ألسنتَهم، ويكتسبوا السَّليقة اللغوية السليمة، وثانيتهما: الالتقاط من الأفواهِ مباشرةً المادة اللغوية الصحيحة التي يُعلِّمونها للنَّاشئة في حلقاتِ المساجد.

 

وفي العصر العباسي الأول تعاقبت أجيالٌ ثلاثة من علماء البَصرة والكوفة تجمَعُ اللغة والشعر، ورأس الجيل الأول من علماء البَصرة أبو عمرِو بن العلاء (ت159 هـ )، وأشهر أفرادِ الجيل الثاني: خلَفٌ الأحمر (ت180هـ)، والأصمعي (ت213هـ)، وأبو زيد الأنصاري (ت214هـ)، وأبو عبيدة (ت210هـ)، وكان الأصمعيُّ ثقةً ثبتًا، ومجموعته الشِّعرية الملقَّبة بـ: "الأصمعيات" مشهورةٌ بين الدارسين، كما رُوِيت عنه دواوينُ كثيرة، أشهرها: مجموعة الدواوين الستة: دواوين امرئ القيس، والنابغة، وزُهير، وطَرَفة، وعَنْترة، وعلقمة، أما أفرادُ الجيل الثالث من لُغَويِّي البَصرة، فمنهم: محمد بن سلاَّمٍ الجُمَحيُّ، صاحبُ كتاب: "طبقات فُحول الشُّعَراء".

 

ورأس الجيل الأول من علماء اللغةِ بالكوفة: حمادٌ الرَّاوية (ت164هـ)، وكان عالِمًا بالشِّعر والغريب، وأشهر أفراد الجيل الثاني: أبو عمرٍو الشَّيباني (ت213هـ)، ويقال: إنه كتَب أشعارَ أكثرَ من ثمانين قبيلة، وابن الأعرابي (ت231هـ)، ومن أهمِّ أفراد الجيل الثالث: أبوعُبَيْدٍ القاسمُ بن سلاَّم.

 

ومَن ينظر فيما سجَّلت كُتب الطبقات عن اللغويين والنحاة من مصنَّفاتٍ لهؤلاء العلماء يجدها تتطورُ في التأليفِ من موضوعات جزئية مفردة، مثل: "كتاب الفَرَس" و"كتاب الإبل" إلى المطوَّلات، حتى تتطورَ إلى معاجمَ لغوية على شاكلةِ كتاب: "الغريب" لأبي عُبَيد، ومعجم "العين" الذي ألَّفه الخليلُ بن أحمد.

 

ولقد ظلت محاضرات اللُّغَويين طوال العصر العباسي الأول على غِرار الأمالي التي تتناولُ موضوعاتٍ متعددة جزئية.

 

وقد سبقت البَصرةُ الكوفةَ إلى وضعِ قواعد النحو، وصبَغَتها بالصبغة العلمية، ولقد عاش الخليلُ بن أحمد المؤسسُ الحقيقي لعلم النحو في هذا العصر كما ذكرنا، ويظهر أنه كان يُتقِن المنطق وما يتصلُ به من القياس، كما كان يتقن العلومَ الرياضية، وعلى أساسٍ مِن فهمه للقياس وضَع التَّصريف في النحو واللغة، فتولَّدت له ألفاظ جديدة، وفروضٌ في الصِّيغ التصريفية، كما تمثل تمثلاً دقيقًا فكرةَ المعادلات والتوافيق والتباديل التي هيَّأت عند الخُوَارِزمي لنشأةِ علم الجَبْر، كما وضَع الخليل علمَ العَروض كاملاً، وقد فتَح بما وصفه في علم العَروض الباب واسعًا أمام العباسيين ليجدِّدوا في أوزان الشِّعر.

 

وخلَف الخليلَ بن أحمد على تراثه النَّحوي "سيبويه" تلميذُ الخليل (ت180هـ)، الذي وضَع أشهر كتاب في النحو العربي، وهو المسمَّى بـ: "الكتاب"، حتى لقد أُطلِقَ عليه "قرآن النحو".

 

وقد تلقَّى هذا الكتابَ عن سيبويه من مشاهيرِ علماء اللغة والنحو تلميذُه "الأخفش" الأوسط سعيدُ بنُ مَسْعدة (ت211هـ).

 

وكما كان النحو نشِطًا في البصرة، كذلك كان نشطًا بالكوفة، ومن علماء الكوفة الكِسائيُّ الذي ناظَر "سيبويه "في المسألة الزَّنبورية بحضورِ الرشيد، على أن مذهبَ البصرة في النحو يُعنَى بالقياس مستمدًّا له من استعمال العرب الشائع، أما مذهبُ الكوفة فيُعنى بالسَّماعِ، ويقدِّمه على القياس مهما كان شاذًّا ونادرًا، وبذلك اكتملت في العصر العباسيِّ الأول علومُ العربية، وأكملُها علمَا النحوِ والتصريف، والعَروض.

 

العلوم الدينية والكلامية:

نشأت العلوم الدينية في ظلال الحديث النبوي، وقد أخَذ المحدِّثون والرواة يضيفون إليه ما أُثِر عن الصحابة في تعاليم الدين، وفي تفسير القرآن الكريم، وبذلك حمل الحديث كل المادة المتصلة بالتشريع والفقه والتفسير، وقد أخَذ الحديث يُدوَّن تدوينًا عامًّا منذ أوائل القرن الثاني للهجرة، وما نكاد نتقدم في العصر العباسي حتى يتكاثرَ التصنيف فيه، وأول جيلٍ يلقانا في العصر العباسي الأول لمصنفيه منه: عبدالملك بن جريج بمكة (ت 150هـ)، ومَعمَر بن راشد باليمن (ت153هـ)، وسعيد بن أبي عَروبة بالبَصرة (ت156هـ)، والربيع بن صبيح (ت160هـ)، وحمَّاد بن سَلَمة (ت165هـ)، وسفيان الثَّوري بالكوفة (ت160هـ)، وعبدالرَّحمن الأوزاعي بالشام (ت157هـ)، والليث بن سعد بالفسطاط (ت175هـ)، وتبِع هذا الجيلَ جيلٌ ثانٍ، على رأسه: مالك بن أنس بالمدينة (ت179هـ)، وسفيان بن عُيَينة بمكة (ت198هـ)، وعبدالرزاق الصنعاني باليمن (ت211هـ)، وعبدالله بن المبارك بخراسان (ت181هـ)، وهُشيم بن بشير بواسط (ت183هـ)، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة ووكيع بن الجراح بالكوفة (ت196هـ)، وعبدالله بن وهب بالفسطاط (ت197هـ).

 

وأهمُّ كتابٍ وصل إلينا من هذين الجيلين كتاب " الموطأ" لمالكِ بن أنس إمام دار الهجرة، وهو مرتَّبٌ على أبواب الفقه، وبه من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة، وفتاوى التابعين، وفتاوى الإمام مالك نفسه.

 

وفي أواخر القرن الثاني ظهرت المسانيد التي تقوم على تخليصِ الحديث النبوي وحده في التصنيف، ويسند لكل صحابي ما رُوِي عنه من الأحاديث، وممَّن عرفوا بمسانيد في هذه الفترة الربيعُ بن حبيب البصري (ت170هـ)، وأبو داود الطيالسي (ت203هـ)، وأشهرُ المسانيد في هذه الفترة مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (ت241هـ).

 

وأخَذ المحدِّثون في هذا العصر يعرِضون رواة الحديث على نقدٍ شديد، حتى يُحيطوه بسِياج من الصحة والثقة متين، مما أدى إلى نشوء علمِ الرجال والجرح والتعديل، وهو علم مَحَّص مادة الحديث، ونفى عنها الزَّيف والتدليس، وأهمُّ من بدأ التأليف فيه يحيى بنُ مَعين، كما نشأ في هذا العصر علمُ غريبِ الحديث، وهو علمٌ يُعنى بتفسير ما في الأحاديثِ من ألفاظ غريبة.

 

وفي تفسير القرآن الكريم وُجِدت مؤلَّفات فيه مستمدَّة مما أُثِر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من التفسير، ومما أُثِر عن الصحابة، وخاصة أُبَي بن كعب، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عباس.

 

كما أُثِر تفسير لرجال هذا العصر من مثل سفيان بن عيينة، وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم، ووكيع بن الجرَّاح، وأبي بكر بن أبي شَيْبة، وقد ضاعت كُتُبهم هم ومن سبَقهم، إلا أن تفسيرَ الطبري قد احتفظ بكثير جدًّا مما جاء في هذه الكُتُب من الثروة المأثورة الغنيَّة.

 

ونشأت بجانب التفسير في هذا العصر علومٌ قرآنية كثيرة، منها: علم نقط القرآن وشَكله، وعلم الوقف والابتداء، وعلم غريب القرآن، وعلم لغات القرآن، وعلم معاني القرآن، وعلم قراءات القرآن، وعلم ناسخ القرآن ومنسوخه، وعلم أحكام القرآن، وقد قام على هذه العلوم رجالٌ يصعُبُ إحصاؤُهم؛ حيث ازدهرت العلومُ الدينية في هذا العصر ازدهارًا عظيمًا.

 

ومما ازدَهَر من هذه العلوم علمُ الفقه؛ حيث فتح الإسلامُ أمام العلماء بابَ الاجتهاد على مصراعيه، فمِن علماء الفقه مَن يرجع إلى نصوص القرآن والسنَّة، يهتدي بهما لا غير، ومنهم من يتوسَّع في الاستنباط والقياس الصحيح، ومن هنا ظهَر أهلُ الرأي مقابل أهل الحديث، وعلى رأس أهل الرأي يجيءُ الفقيه الكبير أبو حَنيفة النُّعمانُ، وينتشر رأيُه في الكوفة والعراق، وعلى رأس أهلِ الحديث يجيء مالكٌ في الحجاز والمدينة.

 

ثم نفذ الإمامُ الشافعي من خلال المذهبين إلى مذهبٍ جديد عُرِف باسمه فيما بعدُ، ثم يجيء بعد الشافعيِّ الإمامُ أحمد بن حنبل بمذهبِه الذي كان يتابعُه فيه عامةُ بغداد، لقد كان العصر العباسي الأولُ بحقٍّ عصرَ الأئمة المجتهدين؛ حيث لم يقفِ الاجتهادُ عند هؤلاء الأربعة، بل كان هناك كثيرون ممن وصَلوا إلى مرتبةِ الاجتهاد في الفقه، وأُثِرت عنهم الأقوالُ في مسائل الفقه المختلفة.

 

وفي هذا العصر أيضًا ازدهر من العلوم الدينية علمُ الكلام، ويراد به الجدلُ الدِّيني في الأصول العقائدية لا عند المسلمين وحدهم، بل عند جميع المِلَل والنِّحَل؛ حيث مضى كلُّ متكلِّم يدافع عن عقيدته في هذا العصر متسلحًا في دفاعه عنها بالفلسفةِ اليونانية وما يتصلُ بها من المنطق وغيره من علومِ الفلاسفة.

 

وأهمُّ فِرَق المتكلمين في هذا العصر فِرقة المعتزلة الذين نصبوا أنفسَهم للدفاع عن عقيدة الإيمان الإسلامية، وما يتصل بها من توحيدِ الله وتنزيهِه عن التشبيه، وحقائق النبوة، والثواب والعقاب في الآخرة أمام المرجئة، والمجبرة، واليهود والنصارى، والدهريين الماديين، والمانويين الثَّنويين.

 

وقد ملأ المعتزلةُ بحجاجهم وجِدالِهم مساجدَ البصرة، وجذَبوا بحُسن بيانِهم وقوتهم في الإقناع وإفحام الخصوم، الشبابَ، شعراء وغير شعراء، ورحَل كثيرٌ منه منذ أواخر القرن الثاني إلى بغداد، فخلبوا الألبابَ ببيانِهم الساحر، وبما أوردوا على الناس في المساجد الجامعة، وإذا بالمأمون يعتنق عقيدتَهم حتى جعَلها عقيدة الدولة، ومن بين مقرراتها مقولةُ خَلْق القرآن التي امتُحِن بسببها العلماءُ من قِبَل المأمون والمعتصم والواثق، محنة عظيمة.

 

ولقد نجَح الاعتزال الذي صبَغ العقول بصبغة فلسفية، ومرَّنها تمرينًا دقيقًا على التعليلِ والمهارة في الاستنباط لخفياتِ المعاني ودقائقها، والبراعة في تفريعها وتشعيبِها وتوليدها، مع القياسِ الناصع والبرهان الساطع.

 

ولقد سَرَتْ أسرابٌ من ذلك الفكرِ في جميع جوانب الأدب العباسي؛ حيث أكب الناسُ على مناظراتهم، وأكب معهم الشعراء، وقلما وُجِد شاعرٌ من شعراء العصر العباسي الأول إلا وتتلمذ لهم، مثل: بشار بن برد، وأبي نواس، والعتابي، والنمري، وأبي تمَّام.

 

وقد عُرِف الاعتزالُ بأصول خمسة، هي: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

فأما التوحيدُ فيقصِدون به تنزيهَ الله عن مشابهةِ المخلوقين؛ فهو ليس بجسم ولا عَرَض، ولا عنصر، ولا جزء، ولا جوهر، ولا يحصُره المكان ولا الزمان، وقد أوَّلوا الآياتِ التي يُفهَم منها مشابهةُ المخلوقات.

 

وأما العدلُ، فقد بنَوْا عليه فكرةَ خَلق العباد لأفعالهم، وأنهم أحرار في إرادتهم، وهي حرية ضرورية لكي يثابوا على أعمالهم، أو يعاقبوا عليها، دون أن يظلمَهم اللهُ مثقال ذرة؛ ولهذا فقد أوَّلوا الآيات التي يُفهَم منها الجبرُ.

 

وأما الوعد والوعيد، فيعني عند المعتزلة أن اللهَ صادقٌ فيما وعَد به من الثواب، وأوعد به من العقاب، ولا مُبدِّل لكلماته، وهم في هذا الأصل يردُّونَ على المرجئة الذين يُرجِئون الحُكم على مرتكب الكبيرة.

 

وأما القول بالمنزلة بين المنزلتين، فيعني عندهم اعتزالَ رأيِ كلٍّ من الخوارج الذين يرونه كافرًا، ورأيَ الحسنِ البصري الذي يراه فاسقًا؛ ولذا فهم يرَوْنه في منزلةٍ بين المنزلتين.

 

وأما الأصل الخامس فيريدون به الخروجَ على الأئمَّةِ العصاةِ في زعمهم.

 

وهكذا كان هذا العصرُ العصرَ الذهبي لنموِّ علوم الدين، من حديث، وتفسير، وفِقْه، وكذلك العصرُ الذهبي لجدال أهل الكلام في علومهم ومناظراتهم وجدلهم.

 

العلوم الفلسفية وعلوم الأوائل:

كان من أهم الأسباب التي ازدهرت معها الحركةُ العلمية والأدبية والثقافية في هذا العصر العباسي الأول اتصالُ الثقافةِ العربية بثقافات الأممِ الأخرى المغلوبة والمستعربة، وما طُوِي بها من معارفَ وعلوم، وكان هذا الاتصال يأخُذَ طريقين، طريقَ المشافهة مع المستعربين، وطريقَ الترجمة، وقد اتَّسع طريقُ الترجمة اتساعًا كبيرًا في العصر العباسي.

 

وقد كانت بيئات المستعربين العلمية تمارسُ نشاطها؛ حيث كانت تمثِّلُها الأديرة، وما بها من حلقات علمية في المدارس متناثرة في جنديسابور بالقرب من البَصرة، وفي "نَصِيبين"، و"حرَّان"، و"الرها"، و"أنطاكية"، و"الإسكندرية"، وكان يغلِبُ على نشاطها جميعًا الثقافةُ اليونانية.

 

ولقد كان الخلفاء العباسيون جميعًا يُعنَوْن بهذا النقل عنايةً شديدة، ويُنفقون عليه من الأموال الطائلة منذ عهد المنصور؛ حيث ترجم له "المجسطي"، وهو كتابٌ في الفلَك والرياضيات، ألَّفه بطليموس، وكتب "أرسطا طاليس" من المنطقيات وغيرها، وكتب "الأرثماطيقي" في الحساب، وكتاب "إقليدس" في علم الأشكالِ الهندسية، وغيرها من كتب اليونان.

 

وتنشَطُ الترجمة في عهد الرشيد نشاطًا واسعًا، وكان مما أذكى جذوتَها حينئذ "دار الحكمة" التي أنشأها الرشيدُ، ووظف بها طائفةً من المترجمين، وجلَب لها الكتُبَ من بلاد الرُّوم.

 

كما عُنِي في "دار الحكمة" بترجمةِ التراث الفارسي؛ حيث نهض جيلٌ كبير في هذا العصر بهذه الترجمة، من بينهم آل نوبخت، وعلى رأسهم: الفضل بن نوبخت، وآل سهل، وعلى رأسهم: الفضل بن سهل، وكان يُترجم للمأمون في حدَاثتِه بعضَ الكتب الفارسية، ويُعجَب بترجمته، وقد نقل أبانُ بن عبدالحميد كتابَ كليلة ودمنة إلى الشِّعر، وأهداه إلى جعفرِ بن يحيى البرمكي.

 

ثم تبلُغ هذه الموجةُ من الترجمة أبعدَ غاياتها في عهد المأمون؛ إذ تحوَّل بخزانة دار الحكمة إلى ما يُشبِهُ معهدًا علميًّا، وقد ألحق بها مرصده المشهور، وجعل الإشراف عليه ليحيى بن أبي منصور، وألحق به طائفةً من نابهي الفلَكيين؛ كعلي بن عيسى الإسطرلابي، ومحمد بن موسى الخُوَارِزمي، والعباس بن سعيدٍ الجوهري.

 

ولقد تحوَّل هذا المرصدُ إلى مدرسةٍ كبيرة للفلك والرياضيات؛ حيث تخرَّج منها العديدُ من علماء الفلك لذلك العصر، وقد أفادت هذه المدرسةُ من الأبحاث الفلكية والرياضية والجغرافية التي سبق إليها الهنودُ والفُرْسُ واليونان، وأضافت إلى ذلك إضافات جديدة باهرة، منها: أبحاث محمد بن موسى الخُوارِزمي الذي يُعَدُّ بحقٍّ منشئَ عصر جديد في التاريخ العلمي للرياضيات؛ إذ يُعَدُّ هو مؤسس علم "الجبر"، بل هو الذي أعطاه اسمه بما كتَبه من بحوث في الجبر والمقابلة، كما أضاف إليه أبحاثًا في حسابِ المثلَّثات، والجداول الفلكية.

 

كما كان مع هذه الترجمات التي تجري كالسيول في هذا العصر ترجماتٌ للفلسفة اليونانية التي مضى العقلُ العربي يُسيغها ويتمثَّلها، ويُضيف إليها إضافاتٍ باهرة، وكان المتكلمون - وعلى رأسهم المعتزلة - أولَ مَن تعمقوا في الفلسفة بجميع شُعَبها ودقائقها، وقد عرَضوها على بِساطِ البحث، واستطاعوا أن ينفُذوا إلى كثيرٍ من النَّظريات والأفكار والآراء التي لم يُسبَقوا إليها.

 

لكل ذلك أصبَح العقلُ العربي في هذا العصر - عصر أبي تمام - عقلاً متفلسفًا، كما أصبح عقلاً علميًّا، لا من حيث فهمُه واستساغته لكل هذه العلوم، بل لأنه أسهَم فيها بنصيبٍ وافر، وأضاف إضافات وعلومًا عُرِفت لأول مرة في تاريخ الحضارة الإنسانية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإسلام في شعر أبي تمام
  • قراءة في وصية أبي تمام للبحتري
  • قراءة الآمدي السياقية لشعر أبي تمام
  • النسخة الأندلسية من ديوان أبي تمام (عرض موجز)
  • شرح ديوان أبي تمام للأعلم الشنتمري: نقد الدراسة وتقويمها

مختارات من الشبكة

  • التغير في المفاهيم التربوية: التعليم مدى الحياة أم التعليم من أجل المساهمة في وظيفية الحياة؟!(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أبناء عبدالله بن عمر العدوي حياتهم وأثرهم في الحياة الاجتماعية والعلمية في المدينة المنورة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • عقبات الحياة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خطبة: الحياة في سبيل الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حياة محمد صلى الله عليه وسلم وصناعة الحياة (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • وحين تكون الحياة حياة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة الفرق بين الحياة المستمرة والحياة المستقرة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • رقي الحياة في حياة الرقي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فقدت طعم الحياة وملأ اليأس حياتي(استشارة - الاستشارات)
  • هل الحياة في الجنة كالحياة العصرية؟!(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب