• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (7)

المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (7)
د. طه محمد الجندي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/7/2013 ميلادي - 21/9/1434 هجري

الزيارات: 23049

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المصدر المؤول

بحث في التركيب والدلالة (7)


العنصر السابع: (ما):

إنَّ نظرةً متأملة للتراكيب التي يرد فيها هذا العُنصر اللُّغويِّ، تُرينا أنَّه صالِح في لفظه؛ لأنْ يَحمل دَلالاتٍ متنوِّعةً؛ نتيجة لتنوُّع المعاني التي يَحتملها في التراكيبِ الواحِد؛ ولذا وجَدْنا الكثيرَ مِن نُحاتنا يقرُّون بصلاحيةِ هذا اللَّفْظ ليكونَ موصولاً، أو نكرةً موصوفة، أو حرفًا مَصدريًّا، كل هذا في التركيب الواحِد.


وقدْ وجدْنا على الجانبِ الآخَر مَن يُثبت لها معنى الموصوليَّة، ويَنفي عنها معنى المصدريَّة، محتجًّا لصحَّة دعواه بالطبيعة الدَّلاليَّة لها في التراكيب، فهذا الأخفشُ - فيما يَنقُله عنه ابنُ يعيش[1] - (يرى أن (ما) لا تكون إلاَّ اسمًا، فإنْ كانت معرفةً، فهي بمنـزلةِ الذي عندَه، والفِعل في صِلتها، وإن كانتْ نكرةً، فهي في تقديرِ شيءٍ، فالفِعل بعدَها صفة، وفي كلاَ الحالين لا بدَّ مِن عائدٍ يعود عندَه إليها، ومِن هذا المنطلق يُجيز أعجَبني ما صنعتَ، بتقدير (صنعته)، ولا يُجيزُ أعجبني ما قمت؛ لأنَّ الفِعل غير متعدٍّ، فلا يصحُّ تقديرُ ضمير فيه، ولا يجوزُ عنده أيضًا: أعجَبني ما ضربتُ زيدًا؛ لأنَّ الفعل قد استوفَى مفعوله، فلا يصحُّ تقديرُ ضمير مفعول آخَر فيه، وقد أيَّد الأخفشَ في دعواه هذه السهيليُّ، فألفَيناه يُنكر الإقرارَ بكونها مصدريةً، ولا تكون عندَه إلاَّ موصولةً، غير أنَّ الأخفشَ انطَلق في دعواه من مقدِّمات تركيبيَّة، تعود إلى وجوبِ عود ضمير إليها، أما السهيليُّ، فقدِ انطلق مِن مقدِّمات دلاليَّة ذاهبًا إلى أنَّها لا يجوز أن توجد إلا موصولةً؛ لأنَّه لا يعقل معناها إلا بالصِّلة، ولا يجوز أن توجدَ إلاَّ واقعة على جنس تتنوَّع منه أنواع؛ لأنَّها لا تَخلو مِن الإبهام أبدًا؛ ولذا كان في لفظها ألف آخِرة؛ لما في الألف مِن المدِّ والاتِّساع في هواء الفمِ مشاكَلةً لاتِّساع معناها في الأجناس[2].


ثم ردَّ على مَن زعَم مِن النحويِّين أن (ما) هي التي تكون مع الفِعل بمنـزلة (أن) معَ الفِعل بتأويل المصدر، فقال: "وليس كما ظنُّوه، ألاَ ترى أنَّك لا تقول: يُعجبني ما تجلِس كما تقول: يعجبني أن تجلِس، وأن تخرُج وأن تقعُد، ولا تقول في هذا كله (ما)، وعلَّل صحَّة مذهبه بما ذكَره من كون (ما) اسمًا مُبهمًا، لا تقَع إلاَّ على جنسٍ تختلفُ أنواعه، ومِن ثَمَّ فلا تقول: "يعجبني ما جلست/ وما انطلَق زيدٌ، فهذا غثٌّ مِن الكلام؛ لخروج (ما) فيه عنِ الإبهام، ووقوعها على ما لا يتنوَّع مِن المعاني[3].


وقدْ دفَعَه هذا الرأيُ إلى تفسيرِ التراكيب التي يُوحِي ظاهرُها بخصوصية الفِعل، لا عمومِه، فحاول ردَّه فيها إلى العموم، ففي قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا ﴾ [البقرة: 61]، يذكر أنَّ المعصيةَ تختلف أنواعها، ويقول: "فهو كقولك: لأعاقبنَّك بما ضربتَ زيدًا، وبما شتمْتَ عمرًا، أوقَعتهما على الذنب، والذنب مختلفُ الأنواع، ودلَّ ذِكر المعاقبة والمجازاة على ذلك، فكأنَّك قلتَ: لأَجزينَّك بالذنب الذي هو ضرْب زيد، أو شتْم عمرو، فـ(ما) على بابها غير خارِجة عن إبهامها"[4].


ولكي يفرَّ مِن جعْلها مصدريَّةً إذا اقتَرنَت بحرْف الجرِّ، ذهب إلى أنَّها كافَّة لهذا الحرْف مهيَّئة له للدخول على الفعل، ففي قولهم: "اجلس كما جلَس زيد، وصَلُّوا كما رأيتموني أصلِّي، فقد ظنَّ أكثرُ الناس أنها بمعنى المصدر هنا، وقدْ تبيَّن فسادُ هذا المذهب؛ لأنَّ الفعل هذا خاصٌّ غير عام، ولكنَّها كافَّةٌ للخافضِ، مهيِّئة لكافِ التشبيه أن يقَعَ بعدَها الفِعل"[5].


وأودُّ قبل الردِّ على صاحبي هذا الرأي أنْ أعرِض للمُثبتين لـ(ما) معنى المصدريَّة، وهم جمهور النُّحاة وعلى رأسهم سيبويه - كما يَحكي صاحبُ الشرح المفصَّل[6] - فعنده يستوي قولنا: أعجَبني ما صنعتُ، بقولنا: أعجَبني أن قُمت، ولا تحتاج في مِثل هذا المثال إلى ضميرٍ يعود إليها؛ لأنَّها في تلك الحالة حرْف، والضمير لا يعودُ إلى حرْف في أرجحِ الأقوال، ويؤيِّد ابنُ يعيش هذا المذهب مستدلاًّ بقوله تعالى: ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 3]، فيبيِّن أنَّها لو كانت: "اسمًا، لَلَزِمَ أنْ يكونَ في الجملة بعدها ضمير، ولا ضمير فيه، ولا يصحُّ تقدير ضمير؛ لأنَّ الفعل قدِ استوفى مفعوله"[7]، ثم يَعرِض للمواطن التي يكون العائدُ فيها ضمير نصْب متصلاً محذوفًا، فعنده أن (ما) في مِثل هذه التراكيب يُمكِن جعْلها موصولةً على تقدير حذْف العائد، ويُمكن جعْلها مصدريةً على اعتقاد عدَم وجود عائد، "فأنت تقول: أعجبني ما صنعتُ، وسرَّني ما لبستُ، ويكون ثَمَّ عائد على معنى صنعتُه ولبستُه، ولا يعود الضميرُ إلاَّ على اسمٍ، قيل: متى اعتقَدت عوْد الضمير إلى (ما) كانتِ اسمًا لا محالة، ومتى لَم تعتقدْ ذلك، فهي حرْف"[8].


إنَّ المرْتَكز الذي عوَّل عليه ابنُ يعيش - ونحن معه - في صحَّة دَعْواه، هو دليلٌ تركيبيٌّ مَحض، يتمثَّل في وجودِ ضميرٍ عائد على (ما) أو عدم وجودِه، فإنْ وُجِد الضميرُ العائد، فهي اسمٌ لا محالة، وإلاَّ فهي حرْف مصدريٌّ؛ ولذا ذَهب إلى القول بمصدريَّتها في قوله تعالى: ﴿ ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ﴾ [التوبة: 118]؛ لأنَّه ليس في صِلتها عائد، والفِعل لازم، ولا يتعدَّى، ولا يصحُّ إلحاق الضمير به[9]، كما أنَّها موصولةٌ في قولِه تعالى: ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ [البقرة: 102]؛ وذلك لعودِ الضَّمير في (به) عليها[10].


ويجوز فيها الوجهانِ في قوله تعالى: ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ [النساء: 34].


يقول الزَّجَّاجُ في تأويلها: "تأويله - والله أعلم - بالشيءِ الذي يَحْفظ أمرَ الله، ودِين الله، ويَحتمل أن يكونَ على معنى بحِفظِ الله"[11].


فالزَّجَّاج قدْ أجاز فيها الوجهين؛ لاحتمالهما في تفسير البِنية التحتيَّة لها، فإنْ كانت موصولةً، فالبنية التحتيَّة لها هي بالشيءِ الذي يَحفَظ أمر الله، وإنْ كانت مصدريةً، فالبِنيةُ التحتية لها على معنى بحِفْظ الله.


أمَّا ردُّنا على الأخفش والسُّهيلي، فيعتمد على ضوابطَ دلاليَّة، وأخرى تركيبيَّة، أمَّا التفسير الدلالي، فقد ذَكَره ابنُ هشام عندَ تناوله لقوله تعالى: ﴿ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ [القصص: 25]، فيذكر أنَّ (ما) في الآية لا تكون بمعنى الذي - كما ذَكَر السُّهيليُّ؛ "لأن الذي سقاه لهم الغنم، إنما الأجْر على السقي الذي هو فعله، لا على الغنم، فإن ذهَبت تُقدِّر أجْر السَّقي الذي سَقيته لنا، فذلك تَكلُّف لا مُحوج إليه"[12]، ويعني ذلك القولُ بواضحِ العبارة أنَّ القول بجعْل (ما) موصولةً يُفضي؛ إمَّا إلى معنًى يُخالف المرادَ مِن الآية؛ إذ يذهب الأجرُ إلى الغَنَم، لا إلى السَّقي الذي هو فعَلَه، وإمَّا إلى تكلُّفٍ بعيدٍ لا حاجةَ في الآية إليه، ما دام يُمكن حمْلُها إلى المعنى القريب المُفاد مِن تفسير (ما) ومدخولها بالمَصْدر، والمعنى: ليَجزيَك أجْرَ السقي.


أمَّا الضابط التركيبي الذي يُمكن الردُّ به على السُّهيلي، فيتمثَّل في هذا القول مِن ابنِ القيِّم حين ذكَر أنَّه لا يُشترط في كونها مصدريَّةً ما ذُكِر من الإبهام، بل تقَع على المصدر الذي لا تَختلف أنواعُه، بل هو نوعٌ واحدٌ؛ "ولو أنَّك قلت في الموضع الذي منَعَه، هذا بما جلسْت وهذا بما نطقْت، كان حسنًا غير غثٍّ، ولا مستكْرَه، وهو المصدرُ بعينه، فلم يكُنِ الكلام غثًّا بخصوص المصدر، وإنَّما هو بخصوصِ التركيب"[13].


وهذا الردُّ يعتمد إلى حدٍّ كبيرٍ على طبيعةِ العنصر اللُّغوي الذي يَسبِق (ما)، فإذا كان هذا العنصرُ حرفَ جرٍّ، جاز وقوع (ما) المصدريَّة على الفِعل الذي تَختلف أنواعه، وعلى ما كان نوعًا واحدًا، أمَّا إذا كان هذا العنصرُ فعلاً يشكِّل مع (ما) ومدخولها علاقةً إسناديَّة يكون فيها المصدرُ المؤوَّل منها فاعلاً، فإنَّ الأمر مختلف؛ إذ يَتطلَّب ذلك نمطًا مِن الأفعال له سماتٌ خاصَّة به تميِّزه عن غيرِه مِن الأفعال الأخرى، واستدلَّ على أنَّ الغثاثة التي استشَعرها السهيليُّ لَم تكُن بخصوصِ تفسير (ما) بالمصدريَّة، بدليل أنَّنا لو أبدلنا (الذي) بـ(ما) في المواطِنِ التي استكرَهها، لاستشْعَرْنا الغثاثةَ نفسها: "وأنتَ لو قلتَ: يُعجِبني الذي يجلس، لكان غثًّا في المقال"[14].


ومِن ثَمَّ يُمكننا أن نَستنتجَ ضابطًا تركيبيًّا يقيِّد تواتر ورود (ما) مصدريَّة؛ سواء دخلتْ على فِعل متعدِّد الأنواع، أو كان دالاًّ على حدَثٍ واحد معيَّن، وهو أن يَسبقها عنصرٌ من العناصر الجارَّة، وتكون هي والفعل بعدَها عبارة عن حالةٍ مُسبّبة لِما قبلها، كما في قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 61].


﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾ [البقرة: 185].


﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [البقرة: 225]، ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 151].


ففي الآياتِ دخلَت (ما) على فِعل متنوِّع الدَّلالة مِثل كسْب القلوب، وعلى ما هو أُحادي الدَّلالة مِثل المعصية والإشراك بالله؛ يقول صاحب "الدر" في معرِض تناوله لقوله تعالى ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ ... ﴾: و(ما) يجوز فيها ثلاثةُ أوجهٍ أظهرُها أنَّها مصدرية؛ لتقابل المصدر وهو اللغو؛ أي: لا يُؤخَذوا باللغو، ولكنْ بالكسب[15]، كما رجَّح كونَها مصدريَّةً في الآية الثانية مفسِّرًا البنية التحتيَّة لها بقوله: "أي: على هدايته إيَّإكم"[16]، والأمْر نفسه كان مِن صاحب الكشَّاف[17].


أمَّا عندما تقَع (ما) في تركيب لُغوي، تؤوَّل فيه مع مدخولها بمصدر محقِّق للحدَث السابق عليها؛ أي: تشكِّل علاقةً إسناديَّةً تكون فيها في موقِع الفاعل، فإنَّ ثَمَّةَ ضوابطَ محدَّدةً ينبغي توفُّرها في كِلا الفعلين؛ السابق عليها: وهو الذي تُشكَّل معه العلاقة الإسناديَّة، والتالي لها الذي تُتأوَّل معه بالمصدر.


وعن هذا الذي تُتأوَّل معه بالمصدر، يجِب أن يكونَ مِن حقل الأفعال الدالَّة على عموم المصدر، لا خصوصه؛ أي: يكون مِن الأفعال المختلفة الأنواع - على حدِّ قول السُّهيليِّ - ذلك لأنَّ (ما) اسمٌ مُبهَم، فلا يصحُّ وقوعه إلاَّ على جِنس تختلف أنواعه"، فإنْ كان المصدر مختلفَ الأنواع، جاز أن تقَعَ عليه، ويُعبَّر بها عنه كقولك: يُعجبني ما صنعتَ، وما فعلتَ، وكذلك تقول: ما حكَمتَ؛ لأنَّ الحكم مختلفٌ أنواعه، وكذلك الصُّنع والفِعل والعمل، فإن قلت: يُعجبني ما جلَست، وما انطلق زيدٌ، كان غثًّا مِن الكلام؛ لخروج (ما) عنِ الإبهام، ووقوعها على ما لا يتنوَّع مِن المعاني[18].


ولتوضيح ذلك نقِف أمامَ المثالين اللَّذين ساقَهما:

• يُعجِبني ما صنعتَ.

• يُعجِبني ما جلستَ.


إذ يُلاحَظ لأوَّل وهلةٍ أنَّ الجملتين متوافقتان في البِنية السطحيَّة، وذلك من حيثُ عددُ العناصر المكوّنة لكلٍّ منهما، وترتيبها، بَيْد أنَّ الجملة الأولى جملة أُصوليَّة مقبولة معنًى ومبنًى، بينما الجملةُ الثانية جملةٌ غير أصوليَّة، وغير نحويَّة، ومردُّ ذلك إلى أنَّ الفعل الذي ركِّبت معه (ما)، وتأوَّل معها بالمصدرِ فِعل ذو سِمة دَلالية يختلف عن الفِعل في الجملة الأولى، مِن حيثُ صلاحيةُ الأوَّل للدَّلالة على معانٍ متنوِّعة تُناسب الإبهامَ الذي وُضِعت له (ما)، بخلافِ الفِعل في التركيب الثاني الذي هو مِن زُمرة الأفعال ذات الدَّلالة الخاصَّة الأُحاديَّة الجانب، لا المتنوِّعة المعاني، ومِن ثَمَّ يُمكننا أن نستنبطَ القاعدةَ التالية:

تقع (ما) المصدرية مع مدخولها في موقِع الفاعل إذا كان الفِعلُ الذي تتأوَّل معه بالمصدرِ مِن الأفعال ذات الدَّلالةِ المتنوِّعة التي تُضفي على التركيب نوعًا من الإبهام الذي يَتناسب مع الأصْل اللُّغوي لـ(ما) المصدريَّة.


فإذا اقتربْنا مِن زُمرة الأفعال التي تسبِق (ما) المصدريَّة المتبوِّئة لموقع الفاعل لتلك الأفعال، تَبدَّى لنا أنَّ تلك الأفعالَ لا توجد بصورةٍ عشوائيَّة، بل يَخضع وجودُها في هذا الموقع إلى ضوابطَ دَلاليَّة تميِّز نوعًا معينًا من الأفعال دون غيره؛ إذ يَتبيَّن أنَّ المجال الذي يميِّز هذا النوع مِن الأفعال، هو انتماؤها إلى حقلِ الأفعال الدالَّة على حالةٍ نفسيَّة انفعاليَّة كتلك التي تدلُّ على الغضب والحزن، والفرَح والإعجاب، والرِّضا والإساءة، وغيرها، وهي في ذلك تَشترك مع باقي العناصر المصدريَّة مِن أنَّ فِعلها يتميَّز بسِمة (+ حالة)، أمَّا الأفعال الدالَّة على سِمة (+ عمل)، فلا مجال لها هنا، ولتوضيحِ ذلك نحاول الاقترابَ مِن هذين المثالين:

• يُغضبني ما فعَلَ الشُّرَطيُّ بالبَريء.

• يَضرِبني ما فَعَل الشُّرَطيُّ بالبَريء.


فمع أنَّ ثمة توافُقًا بيْن الجملتين في البِنية السطحيَّة لهما، فإنَّنا نحكم لأوَّل وهلةٍ بأصوليَّة الجملة الأولى، وقَبولها مِن المستمع العربي، وعدَمِ أُصولية الجملة الثانية، ورَفْضِها من قِبل المستمع العربي؛ وما ذلك إلاَّ لأنَّ الفِعل في الجملة الثانية من زُمرة الأفعال التي تتَّسم بسِمة (+ عمل)، وهي مِن الأفعال التي لا تتَّفق دلاليًّا مع العناصر المصدريَّة التي تكون في موقِع الفاعل.


بقِي أن نُشير إلى ضابطٍ يتحتَّم توفُّره في كلِّ الأفعال التي تدخُل عليها (ما) وتتأوَّل معها بالمصدر، وهذا الضابط قد أوْجَبه نُحاتُنا القدامى، وقد سبَق أنْ أشرْنا إليه، وهو وجوبُ اتِّصالها بفِعل متصرِّف؛ "إذ الذي لا يتصرَّف لا مصدرَ له، حتى يُؤَّول الفِعلُ مع الحرْف به"[19]، ويغلبُ أنْ يكونَ ماضي اللفظ مثبتًا، ويقلُّ أن يكونَ مضارعًا، ونصَّ الرَّضيُّ على أنَّه لا يكون أمرًا باتِّفاق[20]، أمَّا اتِّصالها بالأسماء، فهو أمرٌ من الندرة بمكان، وقد مثَّل لذلك ابنُ يعيش بقوله: "يُعجبني ما أنت صانِع؛ أي: صنيعك"[21].


وأخيرًا فثَمَّة أمرٌ دَلالي يتعلَّق بـ(ما)، ذلك هو إمكانية تفسيرِ البِنية التحتيَّة لها مع مدخولها بمصدرٍ مضاف إلى الظَّرْف، وأطلَقوا عليها (ما) المصدريَّة الظرفيَّة، وسمَّاها ابنُ هشام بالمصدريَّة الزمنيَّة مُعلِّلاً ذلك بقوله: "ليشملَ نحو: ﴿ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ ﴾ [البقرة: 20]" فإنَّ الزمان المقدَّر هنا مخفوض، والمخفوض لا يُسمَّى ظرفًا[22]، والضابطُ التركيبي لها في هذا الاستعمالِ هو اتِّصالُها بالفِعل (دام) غالبًا في صورته الماضية، ومِن أمثلتها في الاستعمال القرآني: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ﴾ [آل عمران: 75].


﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 31].


﴿ لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا ﴾ [المائدة: 24].


فالبِنيةُ التحتيَّة لها في هذه التراكيب وأمثالها، هي تفسيرُها بمصدرٍ مضاف إلى ظرْف، وهو مدَّة دوام، ثم حُذِف الظرف، وخلَفته (ما) وصِلتُها، هكذا ذكَر ابن هشام مُدلِّلاً على ذلك بالمصدرِ الصريح في قولك: جئتُك صلاةَ العصر، وأتيتُك قدومَ الحاج[23]، وواضحٌ أنَّ المصدر في التركيبيَينِ قد ناب عن الظرْف بعدَ حذْفه، والبِينة التحتيَّة لهما هي أتيتُك وقتَ صلاة العصر، ووقتَ قُدوم الحاجِّ.


وقدْ تقَع تاليةً لِفعل غير "دام" بشرْط أن تكونَ صِلتُها جملةً فِعليةً ماضيةً، وقدْ مثَّل لذلك الرضيُّ بقوله: "لا أفْعله ما ذرَّ شارق؛ أي: مُدَّة ما ذرّ؛ أي: مدة ذروره"[24]، ومِن أمثلة دخولها على غير دام قوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، وقوله تعالى: ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ﴾ [هود: 88]، فالبِينةُ التحتيَّة لـ(ما) ومدخولها في الآيتَين هي تفسيرُه بمصدرٍ مضاف إلى الظرْف، والتقدير: مُدَّة استطاعتكم، ومدَّة استطاعتي، ثم دخَلَها تحويلٌ بحذْف الظرْف، وتغيير بِنية المصدر إلى الفِعل.


وواضحٌ مِن نصِّ ابن هشام السابِق أن (ما) المتصلة بـ(كل) في قولهم (كلَّما)، هي مِن هذا النَّوع؛ أي: هي (ما) المصدريَّة الزمانيَّة، تفسير بِنيتها التحتيَّة بمصدر مضاف إلى الظرْف، ففي قوله تعالى: ﴿ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ ﴾ [البقرة: 20] تفسَّر بـ"كل وقتِ إضاءة"، هكذا فسَّرها العُكبريُّ في قوله: "ما مَصدريَّة، والزَّمان محذوف؛ أي: كل وقتِ إضاءة"[25].


هذا كلُّ ما لديَّ مِن حديثٍ عن الوصفِ التركيبي للعناصِر المصدريَّة المؤوَّلة، وسوف أحاول فيما يَلي أنْ أُلقي الضوءَ على التفسير الدَّلالي لها، مبينًا سببَ التحويل إليها، والعُدول عن المصادرِ الصريحة التي كانتْ بِناها التحتيَّة تفسَّر بها، وذلك - بلا شك - يُؤكِّد وجودَ صِلة بينها، تلك الصِّلة هي التي جعلتْ علماءنا القُدامى يفسِّرون المصدر المؤوَّل بالصَّريح، والصريح بالمؤوَّل في إشارةٍ صريحة منهم إلى وجودِ نوْع مِن القرْبى بيْن التعبيرين؛ لذا كان مِن الحتم طرْح هذا التَّساؤل.


أيُّ النوعين أصلٌ للآخَر؟ وأيهما فرع؟ وبعبارةٍ أخرى: أيُّ النوعين يمثِّل البِنيَّة، النواة؟ وأيهما يمثِّل البِنية المحوَّلة؟

والإجابة على هذا التساؤل تَرتبط بمنهجي في هذا البَحْث، وقد سبَق أن نوَّهت بأنَّني اهتَديت فيه برافدين اثنين: أحدهما: منهج الإمام عبدالقاهر في وجوهِ الباب الواحِد ذاهبًا - رحمه الله - إلى أنَّه ما دامتِ اللُّغة قدِ اصطنعت صِيَغًا مُتعدِّدة في البابِ الواحِد، فلا بدَّ أن يكونَ هناك معنًى يُراد مِن هذه الصِّيغة، لا يَتوفَّر في تلك، هذا المعنى مُرتبط بشكلِ الصِّيغة، وما علينا إلاَّ الكشْف عن هذا المعنى، وربْطه بشكْله التعبيري الخاص به، فالهدفُ مِن الدِّراسات اللُّغويَّة هو المعنى "وربْطه بشكلِه التعبيري الخاص به"[26].


أمَّا الرافد الثاني، فقد كان نموذج النحو التحويليّ Transformational Grammar في تركيزِه على الصِّلات المتشابهة بيْن أشكال التعبير المتماثِلة، فإذا كنَّا نُلاحظ أنَّ ثَمَّة قرابة بيْن قولنا: أن تُذاكِر خيرٌ مِن أن تُهمل، وقولنا: المذاكرة خيرٌ مِن الإهمال، فإنَّ تفسير العلاقة بينهما هو دورُ نموذج النَّحو التحويلي، وهذا بخلافِ نموذج النحو الوصْفي Descriptive Grammar؛ إذ أقْصى ما يَستطيعُ هذا الأخير فعلَه هو تحليلُ كلِّ جُملة على حِدَة، دون أن يُشير ولو إشارةً عابرةً إلى أيَّة علاقة تَربط بينهما؛ ولذا فمِثل هذا النموذج قد يرَى أنَّ كِلتا الجملتين أصلٌ قائمٌ بذاته، والحق أنَّه "ليس مِن العلم أن يقِف الدرسُ الوصفيُّ المحض عندَ حدِّ وصْف الظاهِرة، كما هي دون أن يجِدَ تفسيرًا لها، ومِن هذا التفسيرِ البحثُ عن الأصْل"[27].


ومِن ثَمَّ، فسوف نستبعد احتمالَ كِلا التعبيرين أصلاً قائمًا برأسه، لما قدَّمناه مِن أنَّه يجب تقعيد الحدْس الذي يرَى وجودَ صِلة بيْن جُملتين، أو أكثر، ويَقودُنا ذلك بالضرورةِ إلى الحاجةِ إلى مفهوم التحويل، أو ما يُسمِّيه النحويُّون العرَبُ العدولَ عن الأصْل، وهذا المصطلح بخاصَّة أُولِع به النحويُّون إيْلاعًا شديدًا، وهو بلا شكٍّ يَتوافق مع القواعد التحويليَّة في النظرية التوليديَّة والتحويليَّة. Generative Transformational Theory


ولنَعُدْ إلى التساؤل مرةً ثانية: أيُّ التعبيرين أصلٌ للآخر؟ وأيهما محوَّل عن الأصل؟

وفي هذا الصَّدد أودُّ أن أُحدِّد فَهمي لمعنى الأصالة والفرعيَّة؛ إذ قد يَتبادر إلى الذِّهن أنَّني أعني أنَّ أحدهما تولَّد مِن الآخر تَولُّدَ الفرْع مِن أصله، ولا أجاوز وجهَ الحقيقة إذا قلت: إنَّ هذا المعنى لَم يَخطرْ لي على بالٍ، وما أُريده في هذا الصددِ ما عناه ابنُ القيِّم في قوله: "إنَّما هو باعتبارِ أنَّ أحدهما يتضمَّن الآخَر وزيادة، وقول سيبويه: إنَّ الفِعل أمثلةٌ أُخِذت من لفظِ أحداثِ الأسماء، هو بهذا الاعتبار لا أنَّ العرَب تكلَّموا بالأسماء أولاً، ثم اشتقُّوا منها الأفعال، فإنَّ التخاطُب بالأفعال ضروريٌّ كالتخاطُب بالأسماء، لا فرْقَ بينهما"[28].


وإذًا فالضابطُ الجوهريُّ لمفهوم الأصالة والفرعيَّة، هو ما يكون في الأصْل مِن معنى أوليٍّ بسيط، فيأتي الفرْعُ ليحمل ما في الأصْل مِن رصيد دَلاليٍّ، مضيفًا إليه شيئًا آخَر هو الغرضُ مِن الصوغ، أو لنَقُلْ: هو الغرضُ مِن التحويل إليه؛ ولذا فنحن نتَّفق مع السيوطيِّ في تعريفه للأصْل بأنَّه "الحروف الموضوعيَّة على المعنى وضعًا أوَّليًّا"[29]، ولا شكَّ أنَّه في حالتِنا هذه المصدرُ الصريح الذي هو موضوع - على حدِّ قول الرضيِّ[30] - ليدلَّ على ساذَج الحدَث، ويعني ذلك القولُ أنَّ كلَّ ما يحمله المصدرُ مِن رصيد دَلالي هو الدَّلالة على الحدَث المجرَّد، وقدْ ذكَر الرضيُّ أنَّ المراد من الحدث هو "معنًى قائمٌ بغيره؛ سواء صدَر عنه كالضرب، والمشْي، أو لَم يَصدر كالطول، والقِصر"[31].


أمَّا الفرْع المحوَّل عنِ الأصْل، فهو اللفظُ المأخوذ مِن هذا الأصْل، حاملاً معناه الدَّلالي مع زِيادة هي الغرَض مِن هذا التحويل، أو هو - كما يقول السيوطيُّ -: "لفظٌ يوجدُ فيه تلك الحروف، مع نوْع تغيير ينضمُّ إليه معنى زائِد عنِ الأصْل، والمثال على ذلك الضرْب مثلاً، فإنَّه اسم موضوع للحرَكة المعلومة المسمَّاة ضربًا، ولا يدلُّ لفظ الضرْب على أكثرَ مِن ذلك، فأمَّا ضرَب ويَضرِب، وضارب ومضروب، ففيها حروف الأصل، وهي الضادُّ والراء والباء، وزيادات لفظيَّة لزِم من مجموعهما الدَّلالة على معنى الضرْب، ومعنًى آخر"[32]، وإذًا فالمصدر الصريحُ الدالُّ على ساذَج الحدَث، أو مجرَّد الحدَث، هو الأصْل الذي تحوَّل منه المصدرُ المؤوَّل الذي هو في الأصْل جملةٌ تحوَّلت بتصدُّر أحدِ الأحرف المصدريَّة لها إلى التأويل بالمفرَد، والمراد بالتأويل هنا هو "تفسير مآل الشيءِ، وبيان عاقِبته التي يَصير إليها[33]، ونحن في ذلك متِّفقون مع المدرسةِ البصريَّة التي ترى أنَّ أصل المشتقَّات المصدر، ولهم أدلَّتُهم المذكورة في ذلك[34]، فهم يرَوْن أنَّ كلَّ فرْع يؤخَذ مِن الأصْل ويُصاغ منه، يَنبغي أنْ يكونَ فيه ما في الأصْل، مع زيادة هي الغرَض مِن الصوغ، والاشتقاق، وهكذا حال الفِعل فيه معنى المصدَر مع زيادةِ أحدِ الأزْمِنة التي هي الغرَض مِن وضْع الفِعل؛ لأنَّه كان يحصُل في نحو قولك: لزيد ضرْب مقصود نِسبة الضرب إلى زيد، ولكنَّهم طلَبوا بيان زمان الفِعل على وجهٍ أخْصرَ، فوضعوا الفِعل الدالَّ بجوهر حروفه على المصدر، وبوزنه على الزَّمان[35]، أمَّا لو كان المصدر مُشتقًّا من الفِعل، لدلَّ على ما في الفِعل من الحدَث والزَّمان، ومعنًى ثالِث، فلمَّا لَم يكُن المصدر كذلك، دلَّ على أنَّه ليس مشتقًّا من الفِعل[36]، ولا شكَّ أنَّ تلك النظرةَ منهم تتَّفق مع نظرتِنا للتراكيب التحويليَّة؛ لأنَّها من وجهةِ نظرنا تحمل معنًى دَلاليًّا إضافيًّا، جاءَ نتيجةً لخروج اللفظ عن معهودِ حاله.


وإذا كنَّا قدِ انتهينا إلى أنَّ المصدرَ الصريحَ هو الأصل الذي يتحوَّل عنه المصدر المؤوَّل؛ لِمَا يحمله مِن دَلالة أوَّليَّة على معنى الحدَث المجرَّد، أو ساذج الحدَث في قول الرضيِّ، فإنَّنا نتوقَّع أن يؤثر حتمًا بالتعبير في التراكيب التي يكون فيها التركيزُ منصبًّا على جانب الحدَث وحْدَه، تلك التراكيب التي يتوقَّف كلُّ ما فيها لبيان هذا المعنى، معنى الحدَث المجرَّد، يذكُر الرضيُّ: "أنَّ الناظر نظَر في المصدر إلى ماهية الحدَث، لا إلى ما قام به، فلم يطلبْ إذًا في نظرِه لا فاعلاً، ولا مفعولاً"[37]، وجاء في "بدائع الفوائد": "إذا قلت: يُعجبني صُنعُك، فالإعجاب هنا واقعٌ على نفْس الحدَث بقطْع النظَر عن زَمانه، ومكانه، وإذا قلت: يُعجِبني ما صنعتَ، فالإعجابُ واقعٌ على صُنعٍ ماضٍ، وكذلك ما تَصنع واقع على مستقبل"[38]، وللتأكُّد مِن صِدق ذلك، قمتُ باختبار عيِّنة عشوائيَّة مِن بعض التراكيب القرآنيَّة، جاءَ التعبير فيها بالمصدر صريحًا، مِن ذلك قوله تعالى:

﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187].

﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ ﴾ [البقرة: 226].

﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [البقرة: 251].

﴿ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ﴾ [النساء: 155].

﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النحل: 82].


فمَن يتأمَّل تلك التراكيبَ ليرى السرَّ الدَّلالي مِن وراء التعبيرِ بالمصدر الصَّريح، يتبدَّى له أنَّ جانبَ الحدَث وحْدَه، وهو المعوَّل عليه فيها، ففي الآية الأولى أفاد التعبيرُ بالمصدر الصريح "الرفث" إبرازَ جانب الحدَث، إلى جانبِ ذلك أفاد عِلَّةً أخرى هي عدمُ الزجِّ بالفاعل في مقام يكون فيه التلميحُ خيرًا من التصريح، لو جاءَ التعبير بالمصدر المؤوَّل، فيكون أن تَرفثوا، والفعل هنا مبدوءٌ بتاء الخطاب التي هي أذهبُ في قوَّة الخطاب، فيدلُّ على التصريح المباشِر بفعل الرَّفث منسوبًا إلى المخاطبين في مقامٍ يكون فيه الزجُّ بالفاعل محلَّ استهجان، والتعبيرُ بالمصدر صريحًا نافٍ لذلك كلِّه.


والأمْر نفْسه في الآية الثانية؛ إذ إنَّ تربُّص المدَّة المقرَّرة هو المطلوب؛ ولذا انصبَّ التركيزُ على الحدَث مجرَّدًا، ولو عبَّر بالمؤول، لقال: إنْ يتربَّصوا بإعادة الضمير على المؤولين أو أن يتربَّصن بإعادةِ الضمير على النِّساء، وساعتئذٍ تنحلُّ الدَّلالة على الحدَث المجرَّد إلى الدَّلالةِ على الحدَث مع فاعلِه؛ سواء كان بواو الجماعة، أو بنونِ النِّسوة، وفي ذلك تقييدٌ لدَلالة التربُّص.


أمَّا التعبيرُ بالمصدر صريحًا، فيَجعل الأمْر على إطلاقِه، وأنَّ تربُّص تلك المدَّة يَنبغي أن يكونَ مِن الرِّجال وزوجاتهم على حدٍّ سواء، وفوق ذلك كلِّه فإنَّ التعبيرَ بالمصدر صريحًا قدْ أضْفَى على التركيب نوعًا مِن الإلزام، ولو عبَّر المصدرُ مؤوَّلاً، لكان الأمرُ على الإباحة، والأمر نفْسُه يُمكن أن نقوله في الآية الثالثة؛ إذ إنَّ دفْعَ اللهِ الناسَ إنما هو على إطلاقِه؛ أي: شاملاً الأزمنة كلَّها ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً، وتلك سُنَّة الله في خلْقه، ولو عبَّر بالمؤول، لكان نصًّا في الدلالة على زمنٍ بعينه، حسبَ نوع الفِعل المذكور، وهو خلافُ المراد مِن الآية التي جعَلتِ الدَّفْعَ على إطلاقه، دون التقيُّد بزمنٍ ما.


أمَّا في الآية الرابِعة، فيحتمل - والله أعلم - أن يكون المرادُ - مِن وراء التعبير بالمصدر صريحًا - هو إبراز جانبِ الحدَث (الكفر) مصحوبًا بعارضٍ مِن عوارضه، مِن مِثل شدَّتِهم وقسوتِهم في إيذاءِ الرَّسول وأصحابه، وعنادِهم وتكبُّرهم، وإذًا يكون كُفرُهم بتلك الكيفيَّة هو السببَ في طبْع الله على قلوبِهم، ولو عبَّر بالمؤول، لكان نفْسُ الحدَث هو المرادَ، دون احتمالِ تلك العوارض فيه، ويمكن أن نَذكُر العلَّةَ نفْسَها في آية النَّحل الأخيرة؛ إذ يكون المرادُ بالبلاغِ البلاغَ الذي تقوم به أنت، بما فيه مِن عدم كتْمان أمْرٍ مِن أوامر الله عنه، وتبليغك ما أنْزله إليك دون زيادةٍ على ذلك أو نقْص منه، وبما يُصاحِب ذلك كله مِن حِرْص على هِدايتهم، ثم تفويض أمْرك لله عندَ العَجز عن هدايتهم، فإنَّك لا تَهدي مَن أحببتَ، يؤيِّد ذلك وصفُ المصدر بقوله: المبين، ولو عبَّر بالمؤول هنا، لأدَّى إلى أنَّ المراد الحدَث نفسه، دون احتمالِ هذه العوارض فيه، وأيضًا امتناع وصْفه.


وخُلاصة مَقالتي في هذا الصَّدد:

أنَّ اللُّغة تُؤثِر التعبير بالمصدر صَريحًا عندَ إرادة التكثيف على جانبِ الحدَث مجردًا، مع احتمال عارِضٍ مِن عوارضِه، دون أن يُرادَ زمنه، أو فاعِله أو حتى توكيده، أو تمنِّيه كما سوف نرَى عندَ الحديث عن أغراضِ التحويل إلى المصدر المؤوَّل، وسوف نرَى أنَّها متنوِّعة نتيجةً لتنوع الحروف المصدريَّة، مع الأخْذ في الحُسبان أنَّ العنصرَ المصدريَّ الواحد قد يُفيد أكثرَ مِن وجهٍ دَلالي في التركيب الواحِد، مع أنَّنا سوف نعرِض لوجهٍ دَلالي واحد؛ وذلك نظرًا لضِيق مساحةِ البحْث ومحدوديته.



[1] ابن يعيش؛ "شرح المفصَّل"، (8/ 142).

[2] السهيلي، "نتائج الفكر" (180).

[3] السابق، (186).

[4] السهيلي؛ "نتائج الفكر"، (186 - 187).

[5] السهيلي؛ "نتائج الفكر"، (186 - 187).

[6] ابن يعيش؛ "شرح المفصَّل"، (8/ 142).

[7] ابن يعيش؛ "شرح المفصَّل"، (8/ 142).

[8] السابق، (8/ 142 - 143).

[9] ابن يعيش؛ "شرح المفصَّل"، (8/ 142 - 143).

[10] انظر: العكبري؛ "التبيان في إعراب القرآن"، (1/ 100).

[11] الزجاج؛ "معاني القرآن وإعرابه"، (2/ 47).

[12] ابن هشام؛ "مغني اللبيب"، (1/ 304).

[13] ابن قيِّم الجوزية؛ "بدائع الفوائد"، (1/ 157 - 158).

[14] السابق، (1/ 159).

[15] السمين الحلبي؛ الدر المصون، (2/ 550).

[16] السابق، (1/ 470).

[17] الزمخشري؛ الكشاف، (1/ 402)، (2/ 149 - 260 - 269).

[18] السهيلي؛ "نتائج الفكر"، (186).

[19] الرضي؛ "شرح الكافية"، (2/ 386).

[20] الرضي؛ "شرح الكافية"، (2/ 386).

[21] ابن يعيش؛ "شرح المفصَّل"، (8/ 143).

[22] ابن هشام؛ "مغني اللبيب"، (1/ 305).

[23] ابن هشام؛ "مغني اللبيب"، (1/ 304).

[24] الرضي؛ "شرح الكافية"، (2/ 386).

[25] العكبري؛ "التبيان في إعراب القرآن"، (1/ 37).

[26] د. تمام حسان؛ "اللغة العربية معناها ومبناها" ص (9)، الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب، ط (2) 1979م.

[27] د. عبده الراجحي؛ "النحو العربي والدرس الحديث"، بحث في المنهج ص (144)، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت 1979م.

[28] ابن قيم الجوزية؛ "بدائع الفوائد"، (1/ 25 - 26).

[29] السيوطي؛ "الأشباه والنظائر"، (1/ 56).

[30] الرضي؛ "شرح الكافية"، (2/ 193).

[31] السابق، (2/ 191).

[32] السيوطي؛ "الأشباه والنظائر"، (1/ 56).

[33] علي النجدي ناصف؛ "مِن قضايا اللُّغة والنحو" ص (82)، القاهرة مكتبة نهضة مصر 1376هـ - 1957م.

[34] انظر: ابن الأنباري؛ "الإنصاف في مسائلِ الخلاف"، مسألة (28)، (1/ 235 - 245)؛ تحقيق محمَّد محيي الدِّين عبدالحميد، بيروت، دار الفِكر، دون تاريخ، انظر: د. محمود سليمان ياقوت؛ "قضايا التقدير النَّحْوي بيْن القدماء والمحدَثين"، ص (226 - 227) القاهرة، دار المعارف 1985م.

[35] الرضي؛ "شرح الكافية"، (2/ 192).

[36] أبو البركات الأنباري؛ "أسرار العربية"، ص (171 - 172).

[37] الرضي؛ "شرح الكافية"، (2/ 194).

[38] ابن قيِّم الجوزية؛ "بدائع الفوائد"، (2/ 156).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (1)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (2)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (3)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (4)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (5)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (6)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (8)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (9)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (10)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (11)

مختارات من الشبكة

  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (18)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (17)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (16)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (15)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (14)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (13)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (12)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المصدر المؤول (بحث في التركيب والدلالة) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المصدر المؤول المعمول لفعل الكون في القرآن الكريم - دراسة نحوية دلالية - (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ملخص بحث: الإسلام والقيم الحضارية المعاصرة الديمقراطية أنموذجا ( بحث ثاني وعشرون )(مقالة - الإصدارات والمسابقات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/11/1446هـ - الساعة: 13:49
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب