• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

قضية التوءم (رواية)

قضية التوءم (رواية)
محمود عبدالغفار أبوالسعود

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/12/2012 ميلادي - 17/2/1434 هجري

الزيارات: 9590

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قضية التوءم

(رواية)


قرية بالشرقية:

فى صيف عام 1979 وفى ليلة حالكة الظلام ودع محمود عفيفى أمه العجوز وشقيقه الذى لم يكن راضيًا عن سفره أو مؤمنًا به، وذلك نتيجة لإلحاح زوجته عليه ليُسافر ويَبني لها مستقبلاً أفضل، ولم يكن يعلم أنها تُضمر له شيئًا سوف يُنهي حياته كرهًا، وضربه الريح في يوم عاصف وقبل أن يحمل أمتعته استوصاها بأمه خيرًا، حمل محمود عفيفي أمتعته على كتفه وانصرف وسط بكاء أمه العجوز ولوم أخيه الذى يشعر بخطرٍ ما.

 

محمود عفيفي شاب في العشرين من عمره، حسن الطلعة ويبدو جسده ممشوقًا عالي الصدر رافع الرأس، ممارس للرياضة بشكل دائم، وحاصل على ليسانس الحقوق لكنه لم يعمل بالمحاماة؛ لأنه كان مولعًا بالرياضة وكتابة القصص والسيناريوهات، وكان يؤمن بأنه يومًا ما سوف تصل أفكاره للناس وسوف يُصبح مشهورًا، حتى تقابل مع هناء خيرالله بنت خالته التي أحبَّته وأحبَّها، وسخَّر حياته لها ولخدمة أحلامها وطموحاتها، حتى نسي أنه كاتب وسيناريست، وله هدف يعيش لأجله وهذا لاقى استياء شقيقه وأمه العجوز، وكان محمود عفيفي شخصًا صارمًا شديد الغضب، لكنه أحبَّ بنت خالته عن صدق وأشفق عليها في البداية حين كانت في المرحله الثانوية تشكو له من اضطراب في العلاقة مع والدها الذي كان يعذِّبها، وإهمال باقي الأهل فلم تجد أمامها إلا محمود عفيفي ابن خالتها الذي كان على لسان الجميع أن ذاك بسبب ولعه بالرياضة، ذهبت إليه ووقف بجانبها وشدَّ من أزرها حتى وصلت إلى ما تحلم به، ودخلت كلية الصيدلة، وبدأت قصة حبِّهم تأخذ قسطًا من اهتمام القرية، وأرسل إليه والدها المغرور الصعلوك الذي يدفع بزوجته للعمل في البيوت حتى تنفق على الأسرة بينما هو يتسكَّع هنا وهناك ولا يُبالي بشأن أسرته وقال لمحمود: أنت لا تليق بنا - بعد أن كان قد وعده بالمُوافَقة على الزواج منها - فقرَّر محمود أن يبتعد عنها لكنها تشبثت به وأخبرته بأنه إذا ابتعد عنها سوف تقضي على حياتها بالسم، ولشدَّة خوفه عليها ارتضى لنفسه ولأهله الإهانه ولم يبتعد عنها، ومضت سنوات وسط صراعات بينه وبين أهلها حتى وصل بهم الأمر إلى أن رموه بالباطل، ومضى عام على تلك الصراعات حتى تخرَّجت من كلية الصيدلة وأصبحت دكتورةً صيدلانية، وتزوجت من محمود بعد تدخُّل أحد الأقارب قرَّب المسافات بينه وبين أهلها، ولكن ظلت أمه العجوز وشقيقه لا يَستبشِرون خيرًا بهذه الزيجة، ولا يرضون بها لإهانة والدها الصعلوك لهم، لكنهم قبلوا ارضاءً لمحمود فكانت له مكانة خاصة بالنسبة لهم.

 

ولم يمضِ سوى شهرين على هذه الزيجة المشؤومة حتى عادت علاقة هناء خيرالله بأختها الكبرى التى كانت تهوى محمود عفيفى لكنه لم يَلتفت إليها وأحبَّ أختها الأصغر لذا كانت مفعمة بالحقد والغيرة والكراهية، وكانت السبب الأساسي في الصدامات التى وقعت بين محمود وبين والدها، وفى البداية أقنعت هناء بأن تحث محمود على السفر حتى يبني لهم مستقبلاً أفضل فهي دكتورة، وبدأت هناء في الإلحاح على محمود حتى يسافر وينشئ لها صيدلية، واقتنع محمود بفكرة السفر بالفعل، وحمل أمتعته وانتقل إلى القاهرة ومنها إلى دولة العراق متناسيًا حُلمَه الذى عاش لأجله طويلاً وظل يحلم به.

 

كانت هناء خيرالله قبل ظهور محمود عفيفي في حياتها تعيش حياة يائسةً؛ فكانت تَشعر بأنها ولِدت كما ولد الناس لكنها لا تعيش مثلهم فلم تأنس لأحد من أهلها فضربت بينها وبينهم حجابًا ظاهره الرضا، وباطنه السخط والخوف والقلق والاضطراب، كأنها تعيش في صحراء لا حدود لها ولا معالم، ثم بدا محمود عفيفى الوسيم صاحب القوام الممشوق مرفوع الرأس واثق الخطى، فتطفلت على حياته فحوَّل الظلمة الموحشة التى كانت تعيش فيها إلى نور، وأخرجها من حاله الحزن العميق إلى الفرح والسرور والنظر لغدٍ مشرق بالأمل، وحالة اليأس والجزع إلى الهمَّة والتطلُّع الى غدٍ مليئ بالأمل، وأصبحت الحياة يسيرةً بعد أن كانت عسرة مريرةً وآنَس وحدتها وملأ قلبها حبًّا وأغدق عليها بحنانه بعد سنوات من الحرمان، أبصرها إلى الطريق الصحيح وأرشدها الى النور، كان الحبيب الذي أسقط الحجاب التي كانت قد وضعته حول نفسها، واستطاع أن يصل إلى أعماقها، كشف لها حقائق مستخفية عليها أعادت إليها ثقتها بنفسها، أذهبت عنها الغربة والضيق بالوحدة والملل من العزلة، فجعل الحبيب شقاءها سعادة، وضيقها سعةً، وبؤسها نعيمًا، وظُلمتها نورًا، لكن المفاجأة كانت كبيرةً والمصيبة ثقيلة؛ اختارت أن تردَّ له الجميل بطريقة ربما لم نسمعها من قبل أو نستوعبها.

 

ولم يمضِ سوى أيام قليلة على انتقال محمود عفيفي من مصر إلى العراق حتى غادرت زوجته هناء خيرالله بيته، والتي كانت تعيش فيه مع أسرته الودودة الكريمة بدعوى أنها حملت وتريد أن تستريح، وعمل محمود هناك بأحد المناجم وكان محبوبًا هناك؛ نظرًا لحسن خلقه وتدينه، وحفاظه على الصلوات، وسماحة وجهه، لكنه كان شخصًا غامضًا بالنسبة للجميع؛ حيث كان لا يتفوه إلا بالقليل من الكلام ولا يتحدَّث إلا إذا رأى ضرورةً لذلك فلم يكن ثرثارًا.

 

ومضت شهور على هناء خيرالله في بيت والدها حتى وقعتْ في عشقِ رجلٍ آخَر غير زوجها وهنا كانت النَّكبة والمصيبة المُضنِيَة.

 

تعرَّفت على ذلك العشيق بواسطة أختها الكبرى التى دبَّرت وخطَّطت بإحكام حتى تقضي على محمود بواسطة زوجته فبدت في ظاهرها لأختها بأنها راضية، والحقيقة أن داخلها الحقد والغيرة والكراهية لذلك الشخص الذي لم يحمل لها أو لأهلها غير كل خير، فتبدو للجميع بأنها تسعى لمصلحه أختها الصغيرة.

 

بدأت تُزيِّن ذلك العشيق في عقل وفي نظر هناء، وبأنه رجل ثري ويستطيع أن يحقِّق لها ما تحلم به وأن يقف عند رغباتها، أما عن محمود فهو شخص طيب ودود وحنون يحبك ولا أحد يستطيع أن يُنكر هذا عليه، لكنه شخص فقير ولن يستطيع أن يحقِّق لكِ ما تحلمين به،ويحلم أحلامًا خائبة، وهذا لن يتحقق ولن يجدي نفعًا لكِ ولنا فبادرت هناء برد سريع:

• لكنة سافر لأجلي ولأجل أحلامي وهو يحبني كثيرًا.

 

• لقد سافر من أجل نفسه، ولأجل مستقبله هو، فهو سوف يستفيد من ورائك، فكِّري في مصلحة نفسك، وابدأي من الآن في التفكير والاختيار بين اليأس والفقر وبين العز و"النغنغة" وتحقيق الأحلام والطموحات...

 

هناء لا تردُّ وتفكر قليلاً، كما لو كانت تستوعب كلام الأخت الكبيرة.

 

كان الأب والأم على علم بعلاقة ابنتهم هناء المتزوجة من ابن خالتها بذلك العشيق وكانوا مرحِّبين به لأجل ماله، وذلك لأنهم أناس مجرَّدون من القيم والأخلاق والدين، وعَدهم ذلك العشيق بأن يُغدق عليهم بكثير من المال، وأن يفعل لهم ما يُرضي طموحاتهم، واجتمعت تلك الأسرة الضالة لبحث أمر الجنين الذى يبلغ شهره السادس، فمنهم من قال تسقطه، ومنهم من قال تنتظر حتى يولد ثم نعطيه لأبيه حين عودته أو لأهله إذا تأخَّرت عودته.

 

وبدأ أمر ذلك العشيق وعلاقته بهناء خيرالله يَنتشر في أرجاء القرية المُحافِظة مما أثار ازدراء الجميع، ولم يمرَّ مرور الطيف العابر الذى لم يشعر به أحد، علم شقيق محمود وأمه العجوز بهذا الأمر والذي ترك في أنفسهم إحساسًا بالمرارة والألم والسخط، ومكثت الأم في سريرها البسيط وتمكن منها المرض والحزن على ابنها فكانت المصيبه ثقيلةً.

 

• ولم يعلم محمود عفيفى بالأمر، وبعث إلى زوجته هناء خيرالله عدة رسائل، لكنه لم يلقَ ردًّا عليها فاستشعر خطرًا ما، وتسرب إلى ضميره أشياء غريبة، لكنه لم يتوقع منها الخيانة إلى هذه الدرجة.

 

وأتى الشتاء ولم يعلم محمود شيئًا عن الحقيقة فقد حثَّت الأم العجوز شقيقه بألا يخبره خشيةً عليه.

 

وفى ليلة مقمرة ملأ الصمت القرية بتعابير غامضة وهمسات من عالم آخَر وارتجفت مصاريع النوافذ بريح مباغتة، وما لبث المطر أن غزف فوق الجدران، بينما هناء خيرالله على سريرها المتهالك تتأوه وتُقطِّع في ملابسها من شدة ألم الولادة وتصرخ مناديةً على أمها، وتكررت مناداتها حتى أتت الأم مذعورة بيدها لمبة الجاز تسألها.

 

• ما بكِ يا ابنتى؟ لمَ تصرخين؟

• يبدو أني ألد، إذهبي للداية بسرعة.

خرجت الأم وهى تتخبَّط هنا وهناك وأيقظت من بالدار، وذهبت للأب وسط صراخ وتأوه هناء من شدة ألم الولادة، وأخبرته أن ابنته هناء تلد فارتدى ملابسه على وجه السرعة وخرج إلى الشارع مهرولاً تحت عزف المطر الشديد، وانزلق على الأرض فتلطَّخ جلبابه وعمَّامته بالطين لكن سرعان ما تدارك نفَسه بسرعة.

 

وصل بيت الداية وأخذ يطرق الباب بلهفة حتى أيقظ الداية وأخذها معه تحت المطر وانتظر الجميع أمام غرفة هناء وهم يسمعون صوت مناداتها وتأوُّهها، وأخذوا يروحون ويأتون أمام الغرفة حتى سمعوا صوتًا عذبًا لطفل رقيق الصوت، لكن الدايه تأخَّرت بحجرة هناء فانتابهم القلق جميعًا وسمعوا صوت الطفل مرةً ثانيةً وثالثةً، وبعد وقت طويل خرجت الداية والعرق ينزل من وجْهها كالمطر، فأخبرتهم وهى فرحة بأن هناء وضعت ثلاثة توائم ولدَين وبنت كالبدر، وقع هذا الخبر عليهم كالكابوس المفزع أو الزلزال الرهيب فكانوا حائرين في كيفية الخلاص من طفل واحد فكيف لهم بثلاثة، أما عن هناء فكانت غارقة في غيبوبة ولما استفاقت كانت أكثر منهم حزنًا فقد مات بداخلها القلب وتحوَّلتْ تمامًا حتى أصبحت مثلهم، وهذه هي الحقيقة الأكثر مرارةً في حياة أي إنسان.

 

بعد مضيِّ ثلاثة أسابيع، وفي ليلة حالكة السواد خيم فيها الصمت على كل الأرجاء واستحكم فيها الظلام وسيطر فيها الحزن والخوف اتجه خيرالله والد هناء وزوجته إلى بيت محمود عفيفي حاملاً الثلاثة توائم، طرق الباب استيقظت السيدة العجوز على صوت تلك الطرقات واستيقظ شقيق محمود وزوجته أيضًا، ووقفا عند باب حجريتَيهما، وفتحت الأم العجوز الباب لتجد خيرالله وشقيقتها يحملان الثلاثة أطفال، وما كان منها إلا أن نظرت إليهم في ذهول متسائلة فقال لها خيرالله:

• خذي أولاد ابنك؛ لا حاجة لنا ولا لابنتِنا بهم.

 

الأم العجوز تنظر إليهم في ذهول موجِّهةً حديثها إلى أختها:

• كيف هذا؟

• هناء قامت بتطليق نفسها من محمود وكل شئ نصيب، وما بيننا قد انتهى.

 

زوجة شقيق محمود تضرب على صدرها، ثم تهرع تجاههم وتحمل الأطفال، بينما الأم العجوز وقفت بمكانها متوجمة الوجه مذهولة تشعر بالألم والمرارة، شقيق محمود نظر إليهم بغضب وسخط ولم يستغرب طويلاً؛ لأنه لم يستبعد ذلك من عائلة مجردة من الأخلاق والدين والمبادئ والقيم المجتمعية، وما كان منه إلا أنه أسرع وأغلق الباب بوجههم.

 

ومضت أيام معدودة وسط حزن الأم العجوز وحتى وصل خطاب لمحمود من شقيقه يروي فيه حقيقة ما كان من زوجته هناء خيرالله والتى أفنى عمره في خدمة أهدافها وطموحاتها باسم الحبِّ الذي لا وجود له إلا في قلبه الضعيف، وترك هذا أثرًا سيء في نفس محمود عفيفي وانتابه شعور بالألم والمرارة والعجز والهزيمة، وبدأ في حمل أمتعته.

 

وفى ليلة أشبه بتلك الليلة التي ولد فيها الثلاث توائم استيقظت الأم العجوز على صوت طرقات الباب، فنهضت وهمَّت بفتح الباب لتجد ابنها محمود عفيفى أمامها وأمتعته على كتفه، أصفر الوجه مذبل العينين وعلامات الحزن على وجهه، فما كان منها إلا أن أخذته بين ذراعيها باكيةً حامدةً شاكرةً لعودته بسلام إلى بيته وأخذت تغمره بقبلاتها، ووقعت منه نظرة على شقيقه الذي ينظر إليه في لوم وحسرة فقد نصحه بألا يسافر وألا يأمن لتلك المرأة لكنه لم يستمع إليه، وهمَّت زوجة أخية بحمل أمتعته متجهة بها إلى حجرته، وتحرك محمود بخطوات ضعيفة تجاه شقيقه متسائلاً بصوت باهت:

• ماذا حدث؟

 

لكن لم يجد إجابةً فسمع صوت أطفاله يَصيحون من داخل حجرة أمه العجوز اتَّجه إلى هناك بخطى ثقيلة محملة بالألم والعجز، وانحنى على أطفاله ليجد أن الله خلقهم في أحسن صورة فهم يشبهونه تمامًا، يبتسم ابتسامه باهتة، وأقبلت عليه أمه وشقيقه وتوقَّفت الأم خلف ظهره ممسكه بكتقه قائلة:

• بأي الأسماء سوف تسميهم؟

فأجابها بصوت باهت:

- فارس - وفهد - وفرح، وفي الصباح انتقل محمود إلى بيت خيرالله متسائلاً عن زوجته أو من كانت زوجته فلم يجد منهم إلا سوء الاستقبال والمعاملة، وسألهم عنها فأنكروا وجودها، لكنه أصر على مقابلتها، ولما قابلها لم يجد هناء ابنة خالته التي أحبها وأحبته والتي أفنى عمرًا في خدمتها، بل وجد فتاةً حمقاء كما لو كان لا يعرفها من قبل فوجد فيها التبجُّح والفجور وإنكارها لكل وعودها له وأخبرته بأنه لا يستطيع تحقيق طموحاتها ورغباتها لذا طلَّقتْ نفسها منه وهو في العراق، وبادر قائلاً في ذهول:

• وأولادك؟ إلى هذا الحد قد مات قلبك؟!!

فردَّت قائله بكل هدوء:

• ليس لي أولاد.

فانصرف قائلاً:

• حسبى الله ونعم الوكيل

 

ومضى في طريقه بلا هدف وسط نظرات العطف والمواساة والشماتة من أهل القرية، وسار بخطى ثقيلة وعاد إلى بيته وأقدامه محملة بالهموم الثقيلة.

 

ومكث في سريره البسيط وبدأ يتذكر ما كان بينهم وما فعله من أجلها وانحرافه عن هدفه وطموحه لأجل حبها الذي اكتشف بأنه خيط دخان، وأخذ يصارع أحزانه وآلامه حتى مرض ومضى في سريره وقتًا طويل يصارع الحزن والمرض، الأم العجوز كانت هادئة رزينةً تتمالك نفسها إلا من تغيُّر صوتها الذي ينم عن الحزن، واستدعوا له عددًا من الاطباء، لكن دون فائدة.

 

وجاء اليوم الأسود، يوم لم تعرف الأسرة مثله، في صباح ذلك اليوم الأسود لزمت الأم العجوز ابنها، الأخ لا يصلي ولا يدعو ولا يستطيع الرد على أحد ممن يحدثونه، والناس متزاحمون خارج البيت يواسونه، داخل البيت مزدحم بالنساء يواسين الأم العجوز وما هي إلا ساعات حتى سكت ومات محمود عفيفي، وجهَّزوه للدفن وخرجوا به إلى المسجد ليُصلَّى عليه ومنه إلى مثواه الأخير، استقر الحزن من ذلك اليوم في الدار، فكانت الأسرة تتجنب مظاهر الفرح والابتهاج، الأم تبكي مع كل وجبه، الجيران يُحاولون مواساتها مع الابن وزوجته فيفشلون، ويجهش الجميع بالبكاء يذهبون إلى مقبرة الموتى ويزورون الفقيد وظلت الأم العجوز هكذا حتى ألهمها الله الصبر، وما زادها أن الله عوضها بثلاثة توائم من نسله.

 

وأخذت الأم العجوز أو الجدة تحلب لهم الشاة كل يوم وتطعمهم تعويضًا عن لبن الأم حتى كبروا، وكانوا رائعين يمتلكون من الوسامة ما لم يمتلكه غيرهم من أطفال القرية، وعوضتهم الجدة عن حنان الأم وعطف الأب فكانت أمًّا وأبًا في آنٍ واحد فلم يعرفوا غيرها، وبلغوا السادسة وذهبوا للمدرسة حتى وصلوا الثامنة ومرضت الجدة مرضًا خطير واستشْعرَت بأنها في أيامها الأخيرة، فطلبت من ابنها إحضار الثلاث توائم أولاد أخيه محمود، فأمر زوجته بإحضارهم لها فكان لا يحبُّهم، لا لأي شئ سوى لأنهم ولدوا من رحم امرأة حمقاء تسبَّبت في موت أخيه الذي كان ينزل عنده منزلة خاصة - فقد استحكم الجهل على عقله - أحضرت زوجته الأطفال وذهبت بهم حيث ترقد جدتهم العجوز، وبدأت الجدة بصوتها الضعيف تروي لهم حقيقة ما كان من الأم الحقيقية لهم، والتى لم يعلموا عنها شيئًا من قبل، الأطفال استقبلوا الحقيقة كحمل ثقيل لم يتعودوا على حمله من قبل، وبعدما انتهت الجدة من حديثها حثَّت الأطفال على ألا يذهبوا الى هناك مطلقًا، لكنهم لم يستمعوا إليها جيدًا وذهبوا إلى هناك إلى بيت خيرالله الذي قابلهم أسوأ مقابلة وقام بسبهم وشتمهم وقال لهم:

• إن أتيتم إلى هنا مرة أخرى فسوف أقوم بكسر أرجلكم.

 

فانصرف الأطفال الثلاثة ساخطين عليه وانتقلوا إلى بيت الأم هناء خيرالله، لكنها أنكرتهم تمامًا ولم تعترف بهم وأمرتهم بألا يأتوا إليها مرةً أخرى فلا عجب من امرأة مات قلبها ورحلت عنها الإنسانية.

 

وفى نهاية هذا اليوم الأسود عاد الأطفال إلى الدار ليجدوا الناس من أهل القرية خارج الدار يواسون عمهم وداخل الدار وقد ازدحم النساء يواسون زوجة العم ويبكون فكانت جدتهم سيدة طيبة السمعة وحسنة السيرة انطلق الأطفال الثلاثة داخل البيت متَّجهين إلى حجرة جدتهم والتفوا حول جثتها الموجودة على سرير بسيط وانهمروا في البكاء.

 

وفى صباح اليوم التالي جهزوها للدفن وخرجوا بها حيث مثواها الأخير واستقر الحزن والشقاء في قلب الثلاث توائم ولم يعرفوا الفرح أبدًا، وأخذوا كل يوم يذهبون إلى المقبرة يزورون قبر جدتهم فكانت بالنسبة إليهم الحياة نفسها.

 

وابتدأت رحلة الشقاء.

 

ابتدأ العم الجاهل في سوء معاملة الأطفال الثلاثة لا لأى شيء سوى لأنهم أبناء لامرأة حمقاء وهي هناء خيرالله وخصوصًا بعدما ماتت أمه ولم يأتِه أحد ليعزيه منهم وقطعوا كل الأوصال.

 

وأخذ العم الجاهل مريض القلب يضرب الأطفال ويجرِّدهم من حياتهم تدريجيًّا، وأخرجهم من الدراسة، وكانت زوجته تغدق عليهم ببعض الحنان لكن دون علمه خوفًا من بطشه، فكان يعتقد أنه بذلك يَنتقم من أمهم التى جنت على الجميع.

 

وكان ذلك فوق احتمال الأطفال الثلاثة وما زادهم إلا ألمًا، وإحساسًا بالمرارة والوحدة والتحير.

 

ولم يستطع فارس التحمُّل فضاق صدره بعد أن قتل بداخله الطفل مع أشقاءه وضاقت به القرية ولم يعد يجد بدًّا لبقاءه، فمضى وحيدًا متجهًا إلى محطة القطار وركب القطار بلا هدف حتى رماه القطار بمدينة القاهرة، حاول أخوه فهد وأخته فرح اللحاق به لكن دون جدوى.

 

ومضى الطفلان ليلهم يبكون لفراق أخيهم فارس الذى تسرَّب من بينهم كالدخان ومضت أيام مريرة حتى طردهم عمهم من البيت، فاتجهوا لأمهم هناء خيرالله علَّ قلبها يرق هذه المرة لكن أبتْ وأبى قلبها.

 

وفى ليلة رقص فيها المطر على أحياء القاهرة وبأحد شوارع إمبابه أخذ يدلف فارس ابن الثامنة تحت المطر حافي القدمين بحثًا عن مكان يأويه ويحميه من البرودة الشديدة، ورقد خلف أحد السيارات الموجودة بالشارع وأخذ يبكى ويرتعش من شدة البرد والجوع وسط نزول المطر وصوت الرعد المفزع والمخيف، مر به رجلٌ وزوجته، الرجل هو عبدالبر أحمد الطحان كان على دين وخلق يخاف الله ويعتاد المساجد وقت الصلاة، وكان رجلاً تقيًّا وزوجته هى درية، تتصف بالحنان والحب والذكاء والدأب والنظافة وعمل الخير.

 

وقعت عين عبدالبر أحمد الطحان على الطفل فارس الذى يبكي ويرتجف فتوقف مأخوذًا مع زوجته واتجه إليه وسأله.

• ما الذى أتى بك الى هنا يا بني، لماذا تبكي؟

لا يجد ردًّا، وازداد خوف فارس

• لا تخف يا بني، من أنت، وأين أبوك وأمك؟

لا يجد إجابةً أيضًا فطلب منه أن يأتي معه:

تعال معي.

وحمله عبدالبر على كتفه وأتت درية بشال كبير كانت ملفوفةً به ولفَّت به فارس حتى يدفئه من البرد، اتجهوا إلى البيت الذى يبدو أثاثه متوسطًا، وأحضروا له ملابس وطعامًا حتى اطمئن لهم وأورد لهم قصته فما كان منهم إلا أنهم شعروا بالألم لأجله، والذهول من فعل الأم التى رمت أطفالها صغارًا أخبره عبدالبر أحمد الطحان بأن الله لم يشأ له بالإنجاب وأنه يتوسم فيه الخير ويُريده ابنًا له فما كان من فارس إلا الموافقة، ولكن طلب منهم أن تظل حقيقته سرًّا وشملوه بحبهم وأغدقوا عليه بعطفهم وحنانهم وعوضوه عما فقده واصطحبه معه أبوه عبدالبر أينما حلَّ.

 

أما عن فهد وأخته فرح فقد استقر بهم الحال في بيت مهجور على أطراف القرية تميَّز بالصمت نهارًا والظلمة المخيفة ليلاً لكنهم سرعان ما تعودوا عليه، وكانت زوجة العم تحضر لهم القليل من الطعام من حين لآخَر كلما سنحت لها الفرصة فكانت تأتي لهم به خفية، خوفًا من بطش زوجها وأغدق عليهم الخيِّرون أصحاب القلوب من أهل القرية حتى شبَّا وكبرا في هذا البيت، ولما ماتت زوجة عمِّهم حزنوا عليها حزنًا شديدًا، مضى سبعة عشر عامًا لم يتذوق فيها فهد وفرح إلا طعم الحزن والحرمان والظلم والمعاناة، وكبرت فرح وأصبحت فتاةً جميلة ذات عيون ملونة وشَعر جميل وقوام ممشوق، لكن لم تمت فيها الطفلة المحرومة فكان الحزن مرسومًا على مقلتيها الجميلتَين ووجنتيها الذابلتين من كثرة الحزن، وأصبح فهد فتى يافعًا ممشوق الصدر عالي الهامة واثق الخُطى لكن كان يبدو على ملامحه الفقر والسخط على عالم لمْ يرَ منه غير الظلم والمعاناة.

 

وذات يوم جلستْ فرح أمام ذلك البيت الموجود على أطراف القرية الذي يعيشان فيه هي وفهد، وكانت تنظر أمامها في حزن وألم شديد، ترتدي زيًّا بسيطًا لفتاة ريفية كسر الفقر والظلم كبريائها، وكان يبدو عليها الإعياء الشديد، وأخذت تبكي في شعور ينم على المرارة والانكسار - وبعد لحظات تداركت نفَسها ومسحت دموعها بكمِّها، وأخذت تتذكر.

 

حين ذهبت لأمها للمرة الأخيرة قبل ذلك اليوم بقليل، وكانت تتوقَّف داخل حجرة ببيت الأم وتدور حول نفسها في حيرة ثم تنظر حولها حتى خرجت الأم هناء خيرالله، وقد تبدل شكلها وتحدثت إليها بلهجة حادة متعرية من كل المشاعر حتى الإنسانية وقالت لها في غضب، ألم أطلب منكِ بألا تأتي إلى هنا مرة أخرى - فاستدارت لها فرح متأثرة وقالت في ألم، لما ألم أكن بنتًا لكِ؟ ألم يحملنى رحمك تسعة شهور؟!!


فأجابت الأم هناء خيرالله بكل برود، لا لم تكونى ابنتى في يوم من الأيام ودار بينهما حديث حاد حتى خرجت فرح وهي تشعر بالألم والعجز والمرارة، وأقبل فهد من حيث كان ليجد فرح لا تزال تجلس أمام البيت وتبكي في صمت، فهرع إليها منزعجًا وأخذ بيدها لتنهض ودخل بها إلى البيت وهى تستند إليه وساعدها لترقد على سريرها البسيط وبكت دون دراية وأخذ يتأملها وهو مملوء بالعجز ثم جلس إلى جوارها على حافة السرير وأخذ يمسح على شعرها في حب وطبَع قُبلة على يدها ثم تفقد حرارتها ليجدها مرتفعة جدًّا، فزاد انزعاجه وأخذ يفكر طويلاً حتى نادته بصوت ضعيف، فاستمع إليها وأخبرته بأن يذهب ليبحث عن شقيقهم فارس - وأخبرته بأن هذه هي وصيتها إليه، وازدادت حالتها سوءًا واشتد بها المرض وأخذت تصارع الحزن والمرض فكانت محمومة وأخذ فهد يصنع لها كمادات لخفض حرارتها لكن دون نتيجة وازداد عجزه وانزعاجه على أخته، وعجزت حتى عن الكلام وبدا عليها شدة المرض، وكان لا يجد مالاً للإنفاق على علاجها أو حتى إطعامها وإطعام نفسه، ففكر طويلاً وذهب واقفًا من مكانه متجهًا إلى بيت عمه لعله يساعده في إنقاذ أخته من الموت.

 

وأخبر عمه بأن أخته فرح مريضة جدًا ويريد مساعدته في علاجها، فقال له العم بمنتهى القسوة - وهل أنا من أنجبكم ورمى بكم الى الشارع؟! اذهب لأمك - اذهب لمن ألقتْ بكم إلى الشارع، اذهب من هنا ولا تُرني وجهك مرةً أخرى.

 

فخرج فهد من بيت عمه مكسورًا وأخذ ينظر إليه مزدريًا وهو يشعر بالظلم، واتجه إلى بيت أمه لعله يجد عندها ما لم يجده عند عمه الذى طرده، وطرق الباب فخرجت له الأم ولما رأته فكأنما رأت عفريتًا وقالت له ماذا تريد فأخبرها بأن فرح ابنتها مريضة ويحتاج إلى نقود حتى يحضر لها دواءً؛ فهو لا يمتلك أي نقود وأنه سوف يرد إليها نقودها حين يُفرج الله كربته.

 

أجابته الأم بقسوة قائله لماذا تريدون خراب بيتي؟

تجهَّم وجه فهد وتركته على الباب وانصرفت، اختفت لدقائق داخل البيت، وانتظرها حتى خرجت، وأعطته نقودًا، فأخذها وأخذ يتأملها في صمت ينم عن السخرية من أحداث الزمن ثم تحدث قائلاً:

لأجل هذا خُنتي زوجك، ورميتي أولادك؟ نحن لا نريد مالك.

 

ورمى فهد النقود بوجهها، وأخذ يرمقها بازدراء وانصرف، وعاد إلى البيت محملاً بالهموم وجلس بجوار فرح على السرير وأخذ يحدثها بأنه ذهب إلى عم شعبان أحد أصدقاء والده ليستعير منه نقودًا لكنه لم يجده وحين عودته سوف يذهب إليه ويحضر لها دواءً، واستشعر بصمت رهيب وجو كئيب ونذير شؤم، فمسك بيدها محاولاً طبع قبله عليها فلم يشعر بأخته فرح بل شعر بجثتها وأخذ يتحسَّسها برفق ويهزها، ويُناديها وهو لا يصدق بأنها قد ماتت واحتضن جثتها وأخذ يبكي بمرارة وكان أسوأ يوم في حياة فهد يوم أن ماتت فرح فكان يومًا لم يَعرف له مثيلاً فكانت رقيقة القلب منفطرة الإحساس، وجهَّزوها للدفن وخرجوا بها فكان عم شعبان صديق والدهم محمود عفيفى هو أول من لقي النعش، وبعدما انتهى أهل القرية من دفنها وقف فهد أمام قبرها وأخذ يبكي دون دراية واستقر الحزن في قلبه وأخذ ينظر على القرية نظرات ازدراء تنم عن الشعور بالظلم الجارح.

 

وتربى فارس أخو فهد في كنف عبدالبر أحمد الطحان وأصبح شابًّا يافعًا وحصل على ليسانس الحقوق وتدرب على يد أحد المحامين وفتح لنفسه مكتبًا للمحاماة بشراكة أحد أصدقاءه ورباه عبدالبر أحمد الطحان على حُسنِ الخلق والدين واتخذه ابنًا له حتى بعدما أنجب سنية وحنان وعلى. لم يميزهم عليه بل ميزه عليهم ولم يَبُحْ بسره لأحد، وكان فارس أخا سنية وحنان وعلي الأكبر.

 

تعلق قلب فارس بالجماعات الإسلامية وخاصَّة الإخوان المسلمين وآمن بهم ودافع عنهم وتجرَّع هزائمهم وانكساراتهم، تزوج من بنت جميلة تدعى حورية وكانت حياته سعيدةً ومستقرةً لكن السعادة لم تدم طويلاً فكان المحامي الشاب الذي عرف باسم فارس عبدالبر نسبة إلى الرجل الذى ربَّاه وعلَّمه يدافع عن حقوق المظلومين ولم يكن يتوقع بأنه سوف يصبح واحدًا منهم.

 

وبعدما انتهى فهد من دفن أخته فرح أخذ يتذكر وصيتها له، فتوقف ناهضًا ومضى قاصدًا بيته على أطراف القرية الذي أصبح في نظره ينم عن الصمت والخوف الموحش، أخذ في حمل أمتعته داخل حقيبة صغيرة وانتقل إلى القاهرة عبر القطار لعله يجد من يُعينه على الحياة التى لم يتعود منها إلا على المعاناه والمرارة، أو يجد ضالته ويجد شقيقه فارس الذى يشبهه تمامًا فيما عدا لون العيون ففهد لديه عيون ملونة.

 

ولمع واشتهر فارس في موقعه وكان قريبًا جدًا من أبناء جيله فأصبح محاميًا مشهورًا، وتيسَّر حاله رغم أنه لم يكن قد تعدى السابعة والعشرين، وهذا أثار القلق والخوف في قلب الحاج عبدالبر أحمد الطحان - أبيه - وذلك لأن فارس اعتاد مهاجمة المفسدين المتزوِّجين بالسلطة.

 

وفى ذات ليلة مكث فارس حزينًا إلى جوار زوجته يروي لها قصة إحدى زميلاته التى قبض عليها جهاز أمن الدولة لا لأي ذنب سوى لأنها دافعت عن نفسها، فكانت تعمل بأحد الفنادق الفارهة وكانت هناك حفلة خاصة يحضرها أحد الوزراء فتحرَّش بها الوزير أثناء تقديمها لمشروب فما كان منها إلا أن لطمته بالقلم على وجهه أمام الحضور، فهوَّنت عليه داعيةً أن يفرج الله كربتها، فأخبرها بانها خرجت بعدما هتكوا عرضها داخل أسوار أمن الدولة فترك هذا في نفسها ألمًا شديدًا وترك بداخلها أثرًا أسوأ.

 

أما عن فهد فقد استقر به الحال بحي شعبى بالجيزة حيث تعرف على أحد الأشخاص وهو خميس شخص قريب له في العمر، والذى بدورة عرَّفه على عاطف بشْله والذي يعمل في تهريب المخدِّرات، أمي لا يقرأ ولا يكتب، أرسله لـ "الست روحية" بائعه الخضار واتخذ من حجرة فوق سطوحها مسكنًا له وعمل بالمخدرات مع عاطف بشْله وخميس ووقعت غادة بنت "الست روحية" في غرامه، ووقع في غرامها واهتمت بأمره وانشغَلتْ به، وكانت بنتًا جميلة "بنت بلد" وجريئة في مواقفها، عرفت حقيقة أمره وعرفا أمره عاطف وخميس فنصحوه مجتمعين بأن ينسى تلك الأم وأن يدعوا لأخته بعد أن حزنوا لحزنه، وتأثرت غادة بما سمعت منه، ودعوه بأن يغير من نفسه ويخرج من حالة الحزن والشرود التى تسيطر عليه وينظر إلى المستقبل نظرة فيها تفاؤل فربما يجد شقيقه فارس وتتغير الأمور، وكانوا أهلاً له وعوضوه عما فقد وضحَّوا جميعًا لأجله وأحبوه كثيرًا، نصحه خميس وعاطف بأن يتزوج من غادة فتزوجها، وتغيرت حياته للأفضل بعد أن اشتهر وذاع صيته وسمع الجميع عن قوته وجرأته وتتبع أخباره أحد تجار المخدرات ذائعي الصيت فأرسل إليه وطلب منه أن يعمل معه مقابل مكسب أضعاف الأضعاف، فأخبره عاطف وخميس بأن هذا التاجر الذى يدعى جادالله وهو رجل له هيبه ورجال ومكانة يعمل لحساب أحد رجال الأعمال المتصلين بالحكومة مما يعني أنه محمي بالنظام الحاكم آنذاك وكان ذلك في بداية عام 2004، وأخبروه أيضًا بأنه يعمل في توزيع الكوكايين والهيروين، ورفض فهد العمل مع ذلك الرجل فأثار ذلك غضب (جادالله) مما دفعه في التفكير في الخلاص منه، فدفع في طريقه أحد ضباط الشرطة الفاسدين حتى يُلفِّق له قضية مخدرات ويرمي به في السجن، ولم يتمكن ذلك الضابط من القبض عليه فكان كلما نصبوا له فخًا هرب منهم لكنهم استطاعوا تلفيق قضية لصديقه عاطف بشْلة والذى حكم عليه فيها بخمسة عشر سنة مع الشغل زورًا وبهتانًا وهنا لعبت القدر دوره وبعد شهور أمسكو به لكنه خرج منها بقدرة الذى لا يغفل ولا ينام واختفى خميس لفترة ثم عاد ثانيةً.

 

وانتقل فارس إلى مدينة الإسكندرية وذلك ليترافع في قضية هناك بعد أن استأذنته زوجته حورية بزيارة أمها في مسكنها الجديد أثناء فترة وجوده في الإسكندرية، فوافق بعد محايلة فكان فارس حادًّا في معاملته صارمًا في قرارته لكن كان رقيقًا معها أيضًا.

 

وفى تلك الليله المشؤومة التى سيطر فيها الصمت والفزع والتى حولت حياة فارس من بعدها إلى جحيم اتجهت حورية إلى مسكن أمها الجديد بسيارتها لكنها ضلت الطريق ومضت من أمام مقهى بالعمرانية، وعادت مرة أخرى بعدما توقفت على بعد أمتار وأجرت اتصالًا بأمها تخبرها فيه بأنها ضلت الطريق وسوف تعود وكان على المقهى ثلاثة من الذين نزع من قبلهم الإنسانية، أحدهم ضابط شرطة واثنان من مخبريه، حيث كانوا يتعاطون المخدرات.

 

وأخذ القهوجي (عيسوي) يجمع الطرابيزات والكراسي بينما ينظر الضابط أحمد أبو الفتوح لحورية نظرات فيها رغبة ملعونة فأمر أحد المخبرين بأن يوقفها ويحضرها إليه وذهب المخبر إليها وأوقفها بحجة الكشف عن رخصة السيارة وتبعه الضابط أحمد أبو الفتوح والمخبر الآخَر وأنزلوها من السيارة بحجة تفتيشها واستدرجوها بعد حوار من الشد والجذب بينهم، حتى ألقاها الضابط أحمد أبو الفتوح على الأرض وأخذ يعتدي عليها ومزَّق ملابسها ونهش لحمها كالذئب الذي يلتهم الغنم، عيسوي القهوجي يتابع الموقف في ذهول وسط صراخ حورية واستغاثتها، لكن لا أحد يسمع ولا أحد يغيث فكان الوقت متأخرًا، وانتهى الضابط والمخبرَين من لذتهم وتركوها ملقاة على الأرض مغمى عليها، طلب عيسوي القهوجي عربة الإسعاف التي نقلتها إلى أحد المستشفيات فاقدةً الوعى تمامًا، وكان هناك طالب جامعي يسكن بالمنطقة التي وقع فيها حادث اغتصاب حورية قد صور الحادثة بكاميرا الفيديو الخاصة به وكان اسمه (سيد عيد) وفى تلك الليلة المشؤومة جرى اتصال تلو الآخَر من فارس، لكن لا أحد يرد فانقبض قلبه وتسرب إليه الخوف والاضطراب واستشعر بحلول خطر أكبر.

 

ومع شروق شمس اليوم التالي وصل إليه اتصال من صديق له وأخبره، بأن زوجته حوريه انتقلت إلى غرفة العناية المركزة بأحد المستشفيات على إثر واقعه اغتصاب، وقع هاتفه من يده دون وعي وأخذ يدور حول نفسه في ذهول وهزمته دموعه ومضى في طريقه مضطرب الخطوات، وقبل أن يحل ليل ذلك اليوم انتقل فارس إلى المستشفى الذى انتقلت إليه حورية ودخل ممرًّا طويلاً داخل المستشفى، وقد سكن الحزن في نفسه واعتلى اليأس هامته حتى وصل إلى حجرة العناية المركزة، وجد أمامها صديقة أحمد حجازي والأب عبدالبر أحمد الطحان، والأم درية وإخوته سنية وحنان وعلي، وحماته أيضًا والتي كانت تبكي في انكسار وقد خيم الحزن والانكسار على وجوه الجميع وعندما وقعت عيونهم عليه هرع إليه الأب والصديق وأخذ يسألهم، ولكن لا أحد يجيب فسأل أمه وإخوته لكن لا أحد يجيب أيضًا فكانت المصيبة ثقيلة ومضنية أثقلت كاهل الجميع بالهم والحزن حتى إنها أعجزتهم عن الكلام.

 

وتسلل فارس إلى حجرة العناية المركزة حيث ترقد حورية فاقدة الوعي، وكانت خطواته ثقيلة محملةً بالألم والمرارة وجلس على كرسي إلى جوار السرير وأخذ يتأمل وجهها الذابل الذى انطفأت بهجته ونظر لأعلى داعيًا ربه وانهالت دموعه من عينيه دون وعي أو إحساس وأخذ يتحدث إليها ثم طبع قبلةً على جبهتها وهو يبكي عاجزًا.

 

استدعى الضابط أحمد أبو الفتوح "عيسوي القهوجي" وقام بتهديده وأخبره إن تحدَّث بكلمة واحدة عما شاهده يحدث في حورية زوجة فارس سيُشاهِده وهو يحدث لزوجته وأمام عينيه، فأخبره عيسوي وهو يرتعد من الخوف بأنه لن يتحدَّث وانصرف مذهولاً يتملكه الخوف والأسى.

 

استدعى الأطباء فارس وأخبروه أن حالة زوجتة خطرة؛ فهي تعاني من نزيف داخلي لا يستطيعون إيقافه، فكانت حورية حامل في شهرها الرابع وسقط حملها نتيجة لما حدث، فأثقل هذا كاهله بالمزيد من الحزن والتحير.

 

واتخذ من مكتبه مكانًا للوحدة، ولم تتوصل التحقيقات لمرتكب الحادث وكتبت الجرائد عن اغتصاب زوجة محامي مغمور، والشرطة تتابع التحقيقات للوقوف على ملابسات الحادث.

 

وفى ذات ليلة جلس فارس أمام زوجته حورية وأخذ يحدثها كثير راجيًا أن تفيق من غيبوبتها الطويلة لتخبره عن من كان وراء ما هى فيه، لكن دون إجابة مضى فارس متجهًا إلى مكتبه، وجلس على مكتبه وأخذ يفكر طويلاً حتى وصلته رسالة على هاتفه المحمول وفيها كتب له الطالب الجامعي سيد عيد عن هوية مغتصبي زوجته لكن دون الإشارة إلى صفة المُرسل.

 

وبدأ فارس يجد ضالته، وبعد أيام قام الطالب سيد عيد بنشر الفيديو الخاص بحادثة اغتصاب حوريه زوجه فارس والذي صوره بكاميرته الخاصة من أعلى شقته. قام بتوزيعه على صفحات الإنترنت من خلال الموقع الخاص به.

 

أرسل الضابط أحمد أبو الفتوح مخبريه، وقبضوا على الطالب سيد عيد ليلاً دون إذن وأخذوا جهاز الكمبيوتر الخاص به، وربطوه داخل حبس انفرادي وأخذوا يضربونه ويُعذبونه بدون رحمة حتى قضى نحبه ذلك الطالب الجامعى سيد عيد، ووحيد أبويه، قضى سيد عيد نحبه لا لأي ذنب سوى لأنه قرر إظهار الحقيقة التي رآها بعينيه وشهد شهادة الحق.

 

لم يحتَرِ الضابط أحمد أبو الفتوح هو ورجاله في كيفية الخلاص من الجثة، فتحركوا سريعًا ووضَعوه داخل سيارة واتَّجهوا به إلى مكان سكنه ورموا جثته الملطخة بالدم أمام بيته فجرًا ليصبح الأب الذي قضى أيامًا صعبة من فراق ابنه الوحيد على جمع من أهل الحي حول جثة ملطخة بالدم فذهب إليهم وشقَّهم وهم ينظرون إليه نظرات تجمع بين الحزن والأسى والعطف، فوقعت عين الأب على جثه ابنه فسقط على الأرض وأخذ يهز الجثة وينادي ابنه في ذهول وهو لا يستوعب وانخرط في البكاء وخرجت الأم المسكينة على صوت بكاء زوجها لتصطدم بجثة سيد ابنها فأخذت تبكي وتُولْوِل فبكى الحاضِرون لبكاؤها وذهب فارس لتعزيتهم مع صديقه أحمد حجازى بعد دفنه.

 

ومضى يومان وذهب فارس ليلاً إلى المستشفى لزيارة زوجته حورية ليتقابل مع الدكتور المعالج أمام غرفة العناية، ويخبرة بأن زوجته حورية قد ماتت، وقع هذا الخبر على فارس كما لو كان سقط فوق ظهره جبل، وانخرط الجميع في البكاء، ودخل فارس إلى حجرة العناية بخطوات مكسورة ووجه باهت متوجِّم وأخذ يناديها وانحنى إليها على السرير وأخذ يهمس إليها ومسك جثتها، وأخذ يهزها بشدة مناديًا لها حضر الجميع مراسم تشييع جنازة حورية الأصدقاء والزملاء والجيران، وأخذوا يجرُّون الثرى على قبرها حيث مثواها الأخير. جلس فارس على ركبتيه في حالة انهيار تام وإلى جواره الحاج عبدالبر الأب وصديقه أحمد حجازي وأقد أثقل الحزن كاهل الجميع ولطخ هامتهم الألم والجزع.

 

وطلب فارس من الجميع المغادرة وتركه وحيدًا، وأخذ يغرق في ذكرياته ويتذكَّر فكان يوم رحيل زوجته حورية أشبه بيوم رحيل جدته العجوز التي ربَّته مع توأميه فهد وفرح إلى السابعة أو الثامنة تقريبًا من عمرهم واستقر الحزن حياتهم بعدها، وأخذ يتذكر يوم أن افترق عن توأميه الذين انقطعت أخبارهما عنه وأخباره عنهما، تذكر حياته مع زوجته التى كانت ودودة وطموحة، أدخلت على حياته الكثير من البهجة، ولكن السعادة لم تدم طويلاً.

 

وبعد هذا اليوم تحولت حياة فارس من السعادة الدائمة إلى الحزن الدائم ومن اليُسر إلى العسر، ومن الاطمئنان إلى الخوف، ومن الاستقرار إلى الاضطراب، ولم يعدْ يتعود إلا على طعم الحزن والألم.

 

فلما كان فارس ممارسًا لإحدى الألعاب الرياضية العنيفة إلى جانب أنه محامٍ فكان شخصًا حاد الطباع صلبًا يغلب عليه طابع الحدة لا التريث في أغلب المواقف، حثَّه المقربون بأن يأخذ حقَّه بالقانون وأن يتريث ويتأنى ولا يتعجل الأمور فاستمع لهم فجميعهم أخذهم الحزن لحزنه.

 

استجاب فارس لنصائحهم وأخذ من الطرق القانونية سبل للوصول إلى حقه، لكن دون جدوى، فمثلما استطاع الضابط أحمد أبو الفتوح إسكات "عيسوي القهوجي" استطاع مع من يساعدونه تغيير ضمير الخبير الذي عُرض عليه الفيديو الذي قدمه الطالب سيد عيد قبل أن يقتلوه، والذى يُثبت تورط الضابط أحمد أبو الفتوح - فكان تقرير الخبير مخيبًا للآمال وغير منصف للعدالة، بل جاء منصفًا للباطل والظلم فشكك الخبير في صحته وكان ذلك لأن الضابط أحمد أبو الفتوح كان نجلاً لأحد قادات الداخلية آنذاك ورغم كل هذا لم يعجز فارس وأخذ يُناضل، واحتفظ برأسه المرفوعة وثقته بنفسه وقت أن كانت جبهته تنزف الدم والألم والمرارة وكانت المخاطرة كبيرة والتضحيات عظيمة.

 

وأخذوا يراودون فارس ليتنازل عن قضيته لكنه رفض، وفي صبيحة يوم مشؤوم طرق رجال المباحث باب الحاج عبدالبر أحمد الطحان وتم القبض عليه وأخذوه بالقوة من وسط أولاده رموه داخل سيارة الشرطة، حاولت سنية اللحاق به لكن أحد رجال المباحث رماها على الأرض أمام أهل الحي مما أثار ازدراء الحاضرين، ولم يكن فارس موجودًا، وقبض على الحاج عبدالبر على إثر بلاغ مقدم من بنت أرملة تعول طفلين كان قد أجبرها على ذلك الضابط أحمد أبو الفتوح وذلك للضغط على فارس حتى يتنازل، وعلم فارس فتوجه إلى المباحث لمعرفة ما يحدث فتأكد من وجود مكيدة من أجل أن يتنازل.

 

وبعد مرحلة من التفكير الطويل قرَّر فارس أن يتنازل فمنعه الأب عبدالبر والأم درية وأخبروه أن ما يحدث لهم هو من تدبير الله - عز وجلَّ - وأن الله لا يبتلي غير المؤمنين ليرى ما مدى صبرهم، وأن الله لم يخلق الدنيا عبثًا وله حكمة في ترتيبه، وهم متقبلون لأمر الله مهما كان وحلَّ، وحذروه من أن يطأطئ رأسه لأحد، قاموا بتلفيق قضية تمسُّ الشرف والسمعة للحاج عبدالبر وهو رجل معروف بحسن السمعة وأحضروا له اثنين من الشهود الزور في المحكمة، وحكم عليه بالسجن لمدة عام مع الشغل وتم فصله من عمله.

 

وترك هذا الحكم في نفس العائلة ألمًا كبيرًا وأصابهم بالعجز وأضعفهم وزاد فارس ألمًا وسخطًا وعداوة وذاق المر بعد الحلو والعسر بعد اليسر، ولم يتذوق نعمة النفس وراحة القلب ورضا الضمير، وهذا ما لم يعرفه منذ أمد، خاصة بعد أن حُفظتْ قضيته وقيدت ضد مجهول رغم علمهم بمن الجاني.

 

زاد ذلك شعوره ورغبته بالانتقام، ولكنهم كانوا أسرع منه تخطيطًا فقد زاد خطره بالنسبة إليهم، فأخذوا يخططون ويديرون ليل نهار حتى وصلوا إلى الخطة المحكمة.

 

فعندما علموا بأن فارس قد ترك شقته التى كان يعيش فيها مع زوجته الفقيدة، وانتقل الى بيت الأب عبدالبر وعاش هناك مع الأسرة نصبوا له الشرك، اقتحموا الشقة ليلاً وقاموا بوضع كميات كبيرة من الهيروين والكوكايين بداخلها وقاموا بعمل محضر ضبط صوري، وقبضوا عليه وطلبوا منه التوقيع على المحضر وأن يعترف لملكيته للمخدرات لكنه رفض وازداد سخطه عليهم وأخذو يعذبونه أثناء فترة التحقيقات وكان يصف ضباط التحقيق الذين كانوا يستدعونه بعد منتصف الليل بأنهم كالحمار الذي يحمل أسفارًا ولا يفهم أي شيء، ومثَّلهم بكلاب الحراسة التى تفعل ما يطلب منها دون فهم أو إحساس فكان ذلك يُشعِلهم غضبًا فيستدعون المخبرين من ذوي القوة ليضربوه وكانت الأم درية تزوره في محبسه وتُحضر له طعامًا وشرابًا.

 

وحين كان ينفرد وحيدًا في الحجز كان يتذكر ويغرق في ذكرياته ويقارن ما بين الأم التي رمت أطفالها الثلاثة دون أدنى إحساس بالذنب وبين الأب والأم التي لم تلده وضحَّت من أجله كل هذه التضحيات وتحملت الصعاب هي وزوجها عبدالبر الذي سُجن لأجله ومع ذلك لم يُشعِروه يومًا بأنه لم يكن ابنًا لهم وخصوصًا بعدما رزقهم الله بالأولاد فلم يميزوهم عليه بل ميزوه عليهم وحزنوا لحزنه وتألموا لألمه، وكان ذلك يشعره بالألم تجاههم فقد تأذَّوا كثيرًا لأجله.

 

ومضى في حبسه الاحتياطي أسابيع أو أكثر حتى انتقل إلى قاعة المحاكمة، وبعد مرافعة طويلة من صديقه المحامي صدر حكم القاضي بعد المداولة، وحكم على فارس خمسة عشر سنة مع الشغل والنفاذ فكان كله مرتَّب، ووقع هذا الحكم موقع الهزيمة في نفوس كل من حوله، وهنا لعب القدر دورًا.

 

انتقل فارس إلى أحد السجون اصطحبه السجان إلى أحد الزنازين بعد أن مرَّ به في ممر طويل بين الزنازين، وفتح باب الزنزانة ورماه فيها وأغلق الباب وانصرف بينما ظل فارس ينظر على حديد الزنزانة متوجمًا شارد الذهن.

 

وهنا كانت الصدفة التى رتبها القدر فكان بداخل هذه الزنزانة صديق فهد "عاطف بشْله" والذى كان قد حكم عليه في قضية مخدرات أخذ يتأمل فارس مستغربًا وهو ينفخ دخان سيجارته متخذًا وضع القرفصاء على سريره استدار فارس وأخذ يدور بعينه في أرجاء الزنزانة المُظلمة وقعت عيناه على "عاطف" لكنه لم يستوقفه طويلاً ثم اتجه إلى سرير آخر داخل الزنزانة، وأخذ يرتبه حتى يسترخي رمى له "عاطف "سيجارة على سبيل التعارف لكنه رماها له بشكل حاد وأخذ عاطف يُثرثر بكثير من الكلام حتى يجعله يتحدث لكن فارس ظل صامتًا، وبالرغم من الشبه الواضح بين فارس وشقيقه فهد إلا أن عاطف لم يستطع التعرف عليه وذلك لأن الزنزانة كانت شديدة الظلمة، بالإضافة أن فهد يمتلك شعرًا طويلاً نسبيًّا وكثيفًا، وعيونًا زرقاء، بينما فارس يمتلك شعرًا قصيرًا وعيونًا بُنية ولحيةً خفيفةً، ومضتْ هذه الليلة الطويلة على فارس كما لو كانت مائه عام.

 

وفى اليوم التالي أثناء تناول وجبة الغداء حاول بعض المساجين الاحتكاك به لكنه لقنهم درسًا وقام بضربهم جميعًا انتقل بعدها إلى التهذيب أو الحبس الانفرادي.

 

فلما كانت درية زوجة "عبدالبر أحمد الطحان" تذهب لزيارة زوجها في محبسه كان يسألها عن ابنه فارس لكنها كانت تهرب من الإجابة بطريقة أو بأخرى لكن علم في النهاية حقيقة ما جرى لفارس فأثقله هذا الخبر مزيدًا من الحزن والألم، ورقد مريضًا داخل السجن وأخذ يصارع المرض والحزن حتى مات داخل السجن.

 

واستقر الحزن والألم في بيت وفي قلب اسرته فساروا يجتنبون مظاهر البهجة أو الفرح، فتبكي "درية" مع كل وجبة، وحاول أصدقاء وزملاء فارس مواساتها ومواساة الأبناء ففشلوا، وينخرط الجميع في البكاء لكنهم سرعان ما تداركوا أنفسهم وذلك لشدة العلاقة بينهم وبين الخالق فكانوا على دين وعلاقة سليمة بربهم.

 

وازدادت حالتهم المادية سوءًا فلم يعد لديهم مصدرًا للدخل إلا من قليل من مساعدات أصدقاء وزملاء فارس لكنهم مكثوا وتحملوا وصبروا.

 

علم فارس بموت عبدالبر داخل السجن فازداد سخطه، وذلك في الوقت الذى كانوا يُخطِّطون فيه لقتله داخل السجن.

 

تعرف عاطف على فارس وروى له عاطف حكايات عن أخيه فهد وعن رجولته وجرأته وبدأ عاطف يحبه ويتعاطف معه.

 

وصلت الأوامر لمأمور السجن بأن يتخلَّص من فارس بطريقة غير مباشرة فأرسل المأمور لثلاثة من السجناء الأقوياء وعقد معهم اتفاقًا وأخبرهم بأنهم إذا نجحوا في قتله من خلال افتعال مشاجرة معه، وقتله سوف يفرج عنهم من نصف المدة.

 

وافتعلوا معه المشاجرة، وحاولوا الاعتداء عليه لكن تغلب عليهم ولقَّنهم درسًا قاسيًا بمساعدة عاطف، استُدعي فارس إلى مكتب مأمور السجن وكان المأمور غاضبًا لعدم إكتمال خطته، وزاد غضبه وعندما واجهه فارس بحقيقة المؤامرة التي يسعى لتنفيذها المأمور وهى قتله، واعتدى فارس عليه بالألفاظ مما دفع المأمور للحكم عليه بالجلد أمام باقى المساجين، وتمَّ جلده بالفعل أمام الجميع، وزاد ذلك من سخط المساجين على المأمور وإدارة السجن، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أمر المأمور أن يظل مربوطًا هكذا ولا يفكَّ قيده إلا بأمر منه.

 

ومضت أيام وليالي على فارس وهو مقيد هكذا حتى ذبل وجهه ومرض ورغم ذلك لم يعفُ عنه المأمور رغم سخط الجميع بما فيهم الضباط والمجندون داخل السجن مما أدى إلى نفور الجميع، وأتت ليله شديدة البرد سقط فيها المطر وأخذ فارس يرتعش من شدة البرد وهو مكبل بين عمودين في فناء السجن حتى فقد وعيه من شدة البرد، وهذا دفع أحد الضباط الصغار برتبه ملازم بفكه واستدعاء طبيب السجن له، وأنقذ ذلك الضابط حياة فارس في تلك الليلة، وعنَّفه المأمور جزاء إنقاذه لفارس.

 

ومكث فارس بمستشفى السجن لأيام بينما كان عاطف يدور على المساجين في السجن يروي لهم قصة فارس وحقيقة قضيته فزاد ذلك من تعاطفهم معه حتى بما فيهم الذين سعوا لقتله.

 

خرج فارس من المستشفى مفكرًا في الهرب لكن عاطف حثه على أن يرتب وينتظر الفرصة المناسبة، ويجب التفكير والتخطيط جيدًا لهذه الفكرة قبل القدوم على تنفيذها وأخذا يفكران معًا حتى أتت الفرصة.

 

اتفق عاطف مع السجناء باصطناع مشاجرة كبيرة أثناء قيامهم بتكسير الحجارة بالجبل حتى يتسنى له الهرب، وحدثت المشاجرة فألهى ذلك حراس السجن وهرب فارس مع عاطف حاول حراس السجن اللحاق بهما لكن دون جدوى.

 

فى الوقت نفسه التقى فهد بأحمد حجازي صديق فارس عن طريق الصدفة وتعرف كلٌّ منهما على الآخَر، وهنا عرف أحمد حجازي حقيقة فارس التى كان يَجهلها فكل ما كان يعلمه أنه ابن الحاج عبدالبر أحمد الطحان، واتجه به الى بيت الحاج عبدالبر حيث تقابل هناك مع الست درية وباقي الأسرة، وظنَّت الست درية في البداية أن فهد هو فارس وأخذته بين ذراعيها وضمته إليها في حب لكن سرعان ما تدخَّلت ابنتها حنان وأخبرتها بأنه ليس فارس وهنا عادت الست درية إلى الوراء وأخذت تنظر إليه في تساؤل، وهنا أخبرها فهد بأنه شقيق فارس، وهنا فوجئ الجميع وتساءلوا، فما يعرفونه هو أن فارس أخوهم الأكبر وليس لهم أشقاء آخَرين فسرد لهم القصة من البداية وتأثروا جميعًا بما سمعوا، وجهشوا بالبكاء، وهنا علموا بأن فارس ليس أخًا لهم، وكانت هذه أثقل المفاجآت وأخذوا يتساءلون، ويسألون الأم التى أخبرتهم بأن هذه هي الحقيقة، وكان هذا سرًّا لا يعلمه غيرها والأب بناءً على رغبة فارس، وما سمعوه زاد من تعاطفهم مع فارس وزاد من حبهم له، وانصرف فهد ومضى في الشوارع بلا هدف محملاً بالهموم من جديد وذلك بعد علمه بما حدث لأخيه فارس وما حدث لزوجته من قبل، فبعد أن بحث عن توأمه لسنوات وجده داخل أسوار السجن زورًا بعد أن قُتلت زوجته أثقل هذا كاهله بالألم والنفور والكراهية.

 

بينما ظل أبناء الحاج عبدالبر يسألون الأم وهم في قمة الألم والأسى لما سمعوا طرحَت حنان سؤالاً على أمها قائلة وهي تبكي من شدة حزنها على فارس هل هناك أم تُنجب وترمي أولادها هكذا في الشارع ليتشرَّدوا من أجل المال ألم تشعر يومًا بالذنب أو تأنيب الضمير، ماذا فعلوا حتى يكون هكذا مصيرهم؟

فأجابت الأم قائلة هذه هى الحقيقة المرة التى استسرَّنا بها فارس، فليس كل ما يلمع ذهبًا

 

ولم تتغير مشاعرهم تجاه فارس بل زاد ذلك من حبهم له.

 

وعاد فهد إلى بيته محملاً بالهموم جازعًا ليجد زوجته غادة في انتظاره والقلق يملأ عينيها، وروى لها ما علمه عن فارس مما زادها ألمًا وحزنًا لحزنه وأخذت تهوِّن عليه حتى طرق الباب طرقات تنم عن اللهفة هرعت غادة إلى الباب وفتحت لتجد عاطف بشله الذي يدخل من الباب بسرعة ويرتمي في حضن فهد الذي سأله إن كان قد هرب من السجن، وقبل أن يجد إجابته

 

دخل فارس من باب بخطى ثقيلة وأخد يتأمل شقيقه فهد الذي لم يره منذ أن كانا طفلَين في عمر الزهور؟ وحملق فهد عينيه وأخذ ينظر لفارس وهو مأخوذ لا يصدق بأنه وجده، غادة تتأملهم في صمت مذهولة، ارتمى كلٌّ منهما في حضن الآخَر وسط بكاء غادة وعاطف، وبكا التوأمان، أغلقت غادة الباب وهمَّت في إعداد الطعام - بينما جلس كلٌ من فارس، وفهد، وعاطف - أخبره فهد بأنه ذهب لبيت الست درية وعلم منها ما كان له، سأل فارس عن أخته فرح فأجابه فهد بأنها قد ماتت قبل عام فأضاف ذلك إلى حزنه المزيد وأخذ يبكي في صمت وانهالت من عينيه الدموع دون دراية، أخبره فارس بأنه قد ذهب إلى القرية بحثًا عنهم لكن لم يجدهم ولم يحصل على أي معلومات تخصُّهم، أجابه فهد بأنه قد ترك القرية لفترة هو وفرح ثم عاد مرة أخرى فربما ذهب أثناء فترة غيابهم عن القرية.

 

ودار بينهما حديث طويل، وطلب فارس من فهد بألا يخبر أحدًا بأنه أخوه حتى لا يتأذى بسببه وفى هذه الأثناء داهمت الشرطة بيت الست درية بحثًا عن فارس لكنهم لم يجدوه فطلب الضابط منهم بأن يخبروه بمكان فارس إن علموا مكانه في أى وقت وأعطى لحنان الكارت الخاص به فما كان منها إلا أنها نظرت اليه بازدراء ونفور ومزقت الكارت ورمته بوجهه فزاد ذلك من نفوره وانصرف، وزاد ذلك نفور أهل الحي حيث كانت تتردَّد الشرطة كثيرًا على بيت الحاج عبدالبر الذى راح ضحية الظلم والافتراء.

 

اتجه فارس إلى شقته التى كان يعيش فيها مع زوجته حورية قبل ما حدث وتسلل إلى حجرة الأطفال عبر النافذة، واتخذ من حافة السرير مجلسًا له، وأخذ يتذكر في وجوم ما كان بينه وبين زوجته التى كانت تحبه ويحبها، وتذكر حين كان ينتظر طفله الذى لم يرَه بسبب ما كان، عرف الضابط أحمد أبو الفتوح أمر هروب فارس من السجن، في البداية بدا مُنزعجًا وتملَّكه الخوف، لكنه أجرى اتصالاته التي ألقتْ في قلبه شيئًا من الطمأنينة، وبدأ المخبران الاثنان أكثر انزعاجًا وخوفًا من المجهول بينما هو بدا باردًا وامتلكتْه الثقة والغرور واللامبالاة، وأخبر أحدهم بأن يذهب إلى الرجل الأمريكاني ويأخذ معه ثلاث قطع أثرية ويُعطيها إياه ويأخذ منه ثلاثة ملايين ونصف؛ فقد كان الضابط أحمد أبو الفتوح يعمل بتهريب الآثار والمخدرات متخذًا من سلطته ستارًا له، وأخذ يُخطِّط للإيقاع بفارس، لكن كان فارس أسرع منهم تخطيطًا وتفكيرًا هذه المرة فأرسل فهد خميس يتحسَّس أخباره وأخبار مُخبريه عن بُعد، اتجه فارس إلى بيت الحاج عبدالبر متخفيًا في زي رجل دين مسيحي وصعد الدرج في خطوات سريعة وحذِرَة، وأخذ يَطرق الباب متلهفًا فتحت سنية الباب لتجد فارس أمامها فاندهشت وجزبتْه من ذراعه بسرعة وأغلقت الباب، وأخذته بين ذراعيها في حبٍّ، وأخذت تبكي وتسأله عن حاله، وأخذت تمسح على شعره وتتحسَّس جسده متسائلة في انزعاج عن حاله، وأقبلت عليه حنان منادية ثم ارتمت بين ذراعيه في حبٍّ وأخذت تبكي وهي تسأله عن حاله حتى انخرط في البكاء ثم سألها عن حالها مع دراستها ثم استحلفها أن تجدَّ في المذاكرة فوعدته بذلك باكيةً، انحنى فارس على على الطفل الصغير، وأخبره بأنه رجل البيت، ثم استوصاه بأمه وأخواته خيرًا، أقبلت عليه الأم درية من الداخل وأخذتْه بين ذراعيها وأخذت تغمره بقبلاتها وانخرطت في البكاء، ثم تداركت نفسها وسألته عن حاله فأجابها، وأخذ ينظر إليهم جميعًا، ثم أعرب عن أسفه لما أصابهم من أضرار بسببه، وجهش الجميع بالبكاء.

 

اتجه فارس الى بيت أخيه فهد ليجد عاطفًا وخميسًا الذى أخبره أنه تتبَّع أحد المخبرَين حتى دخل فيلا رجل أمريكاني سأله عن العنوان واتجه إلى هناك بصحبة "عاطف بشْلة" بعد إلحاح شديد فكان يريد أن يذهب بمفرده، اتجه فارس إلى هناك وهو مفعم بالانتقام، قام بتخدير رجال الأمن على باب الفيلا، ودخل الفيلا بعد أن أمر عاطف بأن يظل بالخارج ويؤمِّن المكان.

 

قيد فارس المخبر والرجل الأمريكاني على كرسيين وأغلق أفواههم بشريط لاصق، واكتشف فارس أن الضابط أحمد أبو الفتوح يعمل في تهريب الآثار فابتسم ابتسامةً ساخِرة وأخذ الثلاث قطع الأثرية وحقيبة النقود، وبعد أن قام بتعذيب المخبر الذى شارك الضابط في اغتصاب وقتل زوجته قتله حرقًا مع الرجل الأمريكانى وهمَّ بالانصراف.

 

انتقل رجال الإطفاء والإسعاف، ورجال البحث الجنائي وأمن الدولة إلى مسرح الجريمة، وبعد إخماد الحريق الذى شبَّ بالفيلا وجدوا الجثتين متَّفحمتين، دخل اثنان من رجال أمن الدولة إلى مسرح الجريمة أحدهما أشرف بركات الذى يمثِّل الشر، وعلي عزت الذى يمثل الخير، ودار الأول بنظرة في أرجاء المكان ليجد كاميرات مراقبة عالقة في أركان الأسطح، أمر أحد الضباط بإحضار الجهاز الموصل بتلك الكاميرات، وهنا كانت المفاجأة، ودار صراع بين الخير والشر.

 

اكتشفوا أن الضابط أحمد أبو الفتوح ابن أحد قاداتهم هو من اغتصب حورية زوجة فارس عبدالبر هو ومخبريه وعلموا أيضًا بأنه يهرِّب آثار بلده من خلال الحديث الذى دار بين فارس والمخبر والمسجَّل على الجهاز الموصل بالكاميرات، وكان ذلك قبل قتله.

 

وهنا ثار الصراع ما بين أشرف بركات الذى يسعى إلى إخفاء وطمس الحقيقة، والقبض على فارس أو قتله، وما بين علي عزت الذى يريد إعادة التحقيق في القضية بشكل كامل لثقته بأن فارس هو ضحية لضابط فاسد بل لظروف أكثر ظلمًا.

 

انتقل خبر مقتل المخبر إلى الضابط أحمد أبو الفتوح فتسلَّل الخوف والفزع إلى قلبه، بينما انتقل فارس إلى بيت أخيه فهد، وأخذ يحثه على ضرورة مغادرة المكان الذى يسكن فيه حتى لا يشعر أحد أنه أخوه، ومع أذان الفجر انتقل فهد على ظهر عربة جرٍّ يسحبها حصان وأخذ معه غادة زوجته وأمها روحية وشقيقها خالد وانتقل إلى عزبة النخل بأطراف القاهرة.

 

وفى الصباح كتبت الجرائد عن الإرهابي الذى قتل مواطنًا أمريكانيًّا، وجعلوا من المخبر المغتصِب القاتل شهيدًا للشرطة، وتحدَّثت نشرات الأخبار عن الإرهابي فارس محمود عفيفي وشهرته فارس عبدالبر، والهارب من حكْم مخدرات، وأعلنت عن مكافأة مالية لمن يُرشد عنه أو يدلي عنه بأي معلومات.

 

وترك هذا أثرًا سيئًا في نفوس كل من حوله، وعلمت الأم الحقيقية هناء خيرالله ما كان لابنها فارس الذى لم تره منذ الثامنة من عمره، لكنها لم تتأثر طويلاً، استدعى علي عزت ضابط أمن الدولة الضابط أحمد أبو الفتوح وواجَهه بجرائمه وحثَّه على الاعتراف، لكنه أنكر على طول الخط، واجه علي عزت أحمد أبو الفتوح بالحقيقة المُزعِجة حين أخبره بأن فارس لديه شقيق يشبه تمامًا وهو فهد، وعرض عليه صورة فوتغرافية لفهد وأخرى لفارس وحينها تسلل الانزعاج إلى قلبه، وخاصةً حين أخبره علي عزت بلهجة حادَّة بأنه إذا لم تَطلْه يد فارس فسوف تطوله يد فهد، وانصرف أحمد أبو الفتوح، وأخذ يُخطِّط ويدبِّر في كيفية الخلاص من التوأم فارس وفهد لكنهما كانا أسرع، خاصةً عندما علموا بأنه يخطِّط بمساعدة ضابط أمن الدولة الذي يمثِّل الشر أشرف بركات، في نفس الليلة انتقل فارس بصحبة عاطف بشْلة إلى بيت المُخبِر الآخَر متخفيًا في زيِّ رجل دين مسيحي، وانتظروه أمام البيت حتى نزل، واخترعوا حيلةً وقاموا بتخديره ورموه داخل السيارة، وانطلقوا مسرعَين، وربطوه وعذَّبوه، وقتلوه ثم همُّوا منتقلين به إلى بيته قبل الفجر، ورموا جثته ملطخةً بالدم أمام بيته مثلما قتلوا الطالب سيد عيد ورمَوا جثَّته أمام بيته فجرًا، الطالب الذى صوَّر واقعة الاغتصاب التي قاموا بها على كاميرته الخاصة.

 

وأتى الصباح ليجدوا جثَّة المخبِر ملطخةً بالدم أمام بيته، وارتفعت صوت سارينة سيارات الشرطة والإسعاف، وانتقل رجال البحث الجنائي والتفُّوا حول الجثة، ودار بينهم نقاش صامت، وصَل أشرف بركات وعلي عزت رجلا أمن الدولة إلى حيث تكون الجثَّة، وانخرط أشرف بركات في التفكير العميق، وأخذ يعضُّ على شفتيه، وينظر إلى علي عزت بغضب مكتوم، ثم أمره بضرورة التحرُّك لسرعة القبض على ذلك الإرهابي فارس، فأخبره علي عزت بأنهم هم من يصنعون الإرهاب الذى لا وجود له إلا في عقولهم وتصرفاتهم فزاد ذلك من غضب أشرف بركات واشتكى علي عزت لرؤسائه.

 

انتقلتْ خمسة تشكيلات من الأمن المركزى بالإضافة إلى أمن الدولة والمباحث الجنائية إلى منطقة الدويقة؛ حيث وصلتهم معلومات بأن فارس يختبئ هناك في كوخ على السطوح مع عاطف بشلة، وأخذو يطاردونهما حتى تفرَّقا واستطاعا الهرب في النهاية فأصيب أشرف بركات بالإحباط الشديد والغضب، انتقل فارس إلى بيت فهد بعزبة النخل الذي لا تعلم عنه الحكومة شيئًا فوجد عاطف قد سبقه إلى هناك.

 

ودار بينهم حوار طويل في تلك الليلة وحثَّ فهد أخوا فارسًا على أن يذهب إلى قريتهم بالشرقية يختبئ بها حتى تهدأ الأمور فلن يتوقَّع أحد وجوده هناك، ولاقى هذا الرأي تأييد عاطف وغادة.

 

وفى الواحدة بعد منتصف الليل تخفَّى فارس في زيِّ رجل الدين المسيحي وأخذ الثلاث قطع الأثرية، واتَّجه بهم إلى بيت الضابط علي عزت، وطرق باب شقته بعد أن صعد إلى الطابق الخامس عبر المصعد الكهربائي، وخبأ مسدسًا تحت الحقيبة التي يوجد بها القطع الأثرية، فتح علي عزت الباب ليجد فارس شاهرًا مسدسه في وجهه فأصابه الرعب، فأخبره فارس بألا يخاف فهو لم يأتي ليقتله بل أتى ليُعطيه أمانه، اتخذ كل منهما مجلسًا له، وأخذ فارس يسأله لماذا الجهل يَحكُم والظلم يتحكم؟ ولماذا قُتلتْ زوجته بعد أن اغتصبوها وجرَّدوها من شرفها؟ لماذا تمَّ تلفيق قضية تمسُّ الشرف لعبدالبر أحمد الطحان الذي رعاه ورباه إلى أن أصبح رجلاً؟ ولماذا حُكم عليه بالسجن زورًا؟ ولماذا قُيِّدت قضيته ضد مجهول مع أن الفاعل معلوم؟ لماذا لفَّقوا له قضية مخدرات وحُكم عليه بخمسة عشر عامًا؟ لماذا حاولوا قتله داخل السجن أكثر من مرة؟!!

 

لكنه لم يجد إجابة؛ لذا حثَّ فارس الضابط علي عزت بالابتعاد عن قضيته؛ حتى لا يصاب بأذى فلا شيء سيمنعه عن قتل أحمد أبو الفتوح غير الموت، وأعطاه الثلاث قطع الأثرية، وحثَّه على إعادتها إلى مكانها الصحيح، وهمَّ بالانصراف، وترك علي عزت غارقًا في حيرته.

 

فى الفجر اتخذ فارس من ظهر القطار المتَّجه إلى الزقازيق موضعًا له حتى وصل إلى مدينة فاقوس ومنها إلى قريته على ظهر القطار أيضًا.

 

ومضى بين قضبان القطار بخطى ثقيلة محملاً بهمومه وبدا عليه التعب والإحباط، وأخذ يَنظر حوله في اضطراب ثم تابع سيره مرةً أخرى، وانعطف يسارًا حيث قريته وتوقف عند مدخلها وأخذ يتذكَّر طفولته وجدَّته العجوز وتوءمته فرح التي قتَلها الهم والحزن، ثم تابع حواراتٍ صامتةً بين بعض من يمرُّ عليهم، وتوقف وسأل أحد المارة عن بيت "عم شعبان" صديق والده محمود عفيفى فوصف له المكان، وشكره فارس، وتابع سيره محاولاً إخفاء وجهِه؛ خشية أن يتعرف عليه أحد،

 

وصل فارس إلى بيت "عم شعبان" بعد أن خيم الليل، وطرق الباب وهو يبدو عليه الاضطراب والارتباك ثم عاود طرق الباب، فُتح الباب وظهرت فتاة ريفية، فحياها بتحية الإسلام وهو ينظر إلى الأرض في خجل، فردت عليه السلام، وسألها عن "عم شعبان"، وقبل أن تجيب ارتفع صوت "عم شعبان" من الداخل يسألها مع من تتحدَّث فتركت فارسًا بالباب وهرعت إلى داخل البيت، وبعد دقائق خرج "عم شعبان"، وأخذ يتأمل فارسًا في صمت وهو مندهش، وقبل أن ينطق فارس بكلمة جذبه "عم شعبان" من يده إلى الداخل وألقى نظرةً خارج الباب، وأغلق الباب، وقبل أن يُعرِّف فارس نفسه تعرَّف عليه "عم شعبان"؛ لأنه يجمع كل ملامح والده محمود عفيفي صديقه وسأله "عم شعبان" عن حاله وعن حقيقة ما يتردَّد في الجرائد وعبر نشرات الأخبار، وحقيقة ما حدث لزوجته.

 

تناول فارس الطعام مع "عم شعبان"، وبعدها قصَّ له حقيقة ما كان لزوجته وللرجل الذى رباه واتخذه ابنًا له وهو عبدالبر أحمد الطحان، وأورد له كيف أدخلوه السجن وكيف حاولوا قتله أكثر من مرة داخل السجن، شعَر "عم شعبان" بالألم والمرارة وحزن حزنًا شديدًا لما سمعه من فارس، وأخذ يُهوِّن عليه ويدعو له ربَّه محاولاً التهوين عليه وانتظرا حتى انتصف الليل وسكن أهل القرية بيوتهم، حتى أعطاه مفتاح الطابق العلوي للمسجد الذي يعمل به كمؤذِّن، وحثَّه على أن يظل هناك وعليه توخي الحذر حتى لا يراه أحد ويُبلغ عنه.

 

ومضت أيام وكان "عم شعبان" يتولى أمره ويُحضِر له الطعام والشراب ليلاً حتى وصلت معلومة لأمن الدولة بأن فارسًا مختبئٌ بأحد المساجد بقرية بالشرقية.

 

وقبل غروب ذلك اليوم التفَّ حول المسجد خمسة تشكيلات من الأمن المركزي ونزلت الجنود من السيارات تباعًا، وانتشروا حول المسجد يحاصرونه شاهِرين أسلحتهم في وضع استعداد وسط انزعاج أهل القرية، نزل أشرف بركات وعلي عزت من سيارتهم، وأمر أشرف بركات قواته بأن يأتوا به بالقوة لكن علي عزت تدخَّل مستنكرًا مترجيًّا، وأخبر أشرف بركات بأنه سيقبض عليه بطريق آمِنة، وبعد تفكير وافَق أشرف بركات.

 

دخل علي عزت الطابق الثانى للمسجد في حذر شديد ليجد فارس غارقًا في نومه اتجه إليه علي عزت بخطوات ثقيلة وهو يشعر بالأسى لأجله، ووقف عند رأسه استفاق فارس من نومه، وبدأ يفتح عينَيه شيئًا فشيئًا، ورفع عينيه لأعلى تدريجيًّا ليجد علي عزت يُشهِر مسدسًا بوجهه قائلاً له: سلِّم نفسك يا فارس.

 

نهض فارس من مرقده، وأخذ ينظر حوله مأخوذًا في حذر وانزعاج، وأخذ ينظر لعلي عزت في صمت، وأخبره بأنه لن يسلم نفسه وبعد حوار طويل بينهما سلم فارس نفسه إليه بعد أن وعده علي عزت بأنه سيكون في صفِّه وسوف يرفع تقريرًا إلى الوزير يُطالِب فيه إعادة التحقيق في القضية بشكل كامل.

 

نزل فارس مع الضابط علي عزت مغلول اليدَين وسط نظرات متبادلة بينه وبين أشرف بركات ونظرات تنمُّ عن الأسى والحزن لعم شعبان، وغادرتْ قوات الأمن القرية بعد القبض عليه.

 

واجه الضابط علي عزت الحقيقة فذهب الى أسرة الحاج عبدالبر وجلس مع الستِّ درية والتى أخبرته بالحقيقة، وكيف لفَّقوا لزوجها قضيةً دخل فيها السجن فانطلق إلى الفتاة الأرملة التى أجبرها أحمد أبو الفتوح على أن تدَّعي كذبًا بأن عبدالبر أحمد الطحان قد فعل أشياء محرَّمة رغمًا عن إرداتها، لكن لم تخبره بشيء إلا بعد أن وعدها بأنه سوف يَحميها من بطش أحمد أبوالفتوح.

 

انتقل علي عزت الى أسرة سيد عيد - الطالب الذى قتله أحمد أبو الفتوح ومخبراه - وعلم منهم الحقيقة، وأنهم قتلوه لأنه نشر الفيديو الذى صوره لأحمد أبو الفتوح ومخبريه على صفحات الإنترنت، وأخبره الأب أنه لم يستطع إثبات تورُّطِهم في قتله؛ لذا قُيِّدت القضية ضد مجهول، وأخيرًا اتجه علي عزت إلى عيسوي القهوجي والذي روى له الحقيقة كما وقعتْ، والذي أكَّد له أن أحمد أبو الفتوح ومخبرَيه اللذَين قتلهما فارس هم من اغتصبوا حورية زوجة فارس، وهددوه بزوجته إذا تكلَّم أو شهد بما وقع منهم، وأنهم سيُلحقون به الأذى.

 

واجه علي عزت أشرف بركات ورؤساؤه بالجهاز الأمني بحقيقة ما كان وأخبرهم بأن فارس عبدالبر هو ضحية، وليس إرهابيًّا، لكنهم أخبروه بأن أحمد أبو الفتوح هو ابن لأحد لواءات الداخلية، ولا يمكنهم التضحية بسمعة الداخلية بسبب ضابط فاسد، وأنه يجب أن يكون هناك ضحايا بحجة أمان البلد، ونصحوه بضرورة إغلاق ملفِّ القضية على هذا الحد، فما كان إلا أن زاد ذلك حزنه ويأسه وطلب بضرورة تنحِّيه عن هذه القضية، وإعطائه إجازة مفتوحة، فوافقوا له على الفور، ولاقى هذا ترحيبًا لدى أشرف بركات.

 

ترك علي عزت فارسًا في مواجهة مصيره وحده، وأمر أشرف بركات مخبريه ورجاله داخل الجهاز بتعذيب فارس بكافة السبُل، وقد فعلوا وانتصف الليل، واتجه أشرف بركات إلى زنزانة فارس حيث كان مغلول اليدَين بسلاسل حديدية متدلِّية من أعلى، وقدماه مغلولتان بسلسلتَين من الحديد يَنزف دمًا من جبهته وأنفه وفمه، ملابسه شبه ممزَّقة توقَّف أشرف بركات في مواجهته وأخذ يُعذِّبه في صمت ويَضرِب رأسه في الحائط ضربات متكرِّرة بالصاعق الكهربائي، وعرَّضه للعديد من الموجات الكهربائية، وأخذ يعذِّبه حتى فقد وعيَه من شدة التعذيب.

 

اتجه خميس إلى بيت "عم شعبان" للاطمئنان على فارس فعلم حقيقة ما كان لفارس فعاد محمَّلاً بالألم والحزن، وانتقل إلى بيت فهد وطرق الباب ليفتح له فهد فوجده فهد متجهِّم الوجه حزينًا، ثم أخبره خميس أنهم قد تمكَّنوا من القبض على فارس.

 

استقبل فهد الخبر كما لو كان ضاع من العمر وغرق في الحزن العميق، لكن سرعان ما تدارك نفسه وأخذ يفكر مع عاطف وخميس وزوجتِه غادة.

 

انتقل فارس إلى مستشفى خاصٍّ بأمن الدولة بعد ان تدهورتْ حالته الصحية، علم فهد وعاطف بذلك عن طريق أحد المُخبرين الذى تعاطف مع قضية فارس.

 

اجتمع فهد مع عاطف وبعد حوار طويل قرَّرا تهريبه من المستشفى مع أخذهم في الاعتبار خطورة ذلك انتقلا إلى المستشفى وتخفَّيا في زيِّ طبيب ومضَيا بممرٍّ طويل داخل المستشفى حتى وصلا إلى حيث يرقد فارس، وتخلصوا من الحراسة وفكَّ فهد الأغلال الحديدية الموصولة بيد فارس والسرير الذي يرقد عليه ثم حمله بينما كان عاطف أكثر توترًا واضطرابًا وخرجوا من المستشفى بأعجوبة، وعلم أشرف بركات بهروب فارس فاستشاط غضبًا، وعرف أن فهد توأمه هو من قام بتهريبه فأمر رجاله بتكثيف التحريات ومعرفة المكان الذى انتقل إليه فهد حتى يتسنى له القبض عليه، ومن ثم معرفة مكان فارس بينما انتقل فارس إلى أحد الأماكن مع عاطف وقضى فترة قاربت الأسبوعين حتى تعافى ووقف على قدميه، ودار بينه وبين فهد حوار طويل حاول فيه الأخير إقناعه بالهروب خارج مصر، لكن فارس رفض وأصر على القصاص لزوجته، وأصر على البقاء رغم يقينه بأنه لن يحصل على حقه بالقانون طالما أن الجهل يحكم.

 

استطاعت رجال المباحث وأمن الدولة تحديد مكان فهد في عزبة النخل، فصدرت الأوامر بضرورة تصفيته خاصة عندما اشتمَّ الرأي العام حقيقة التوأم وما حدث لفارس، وإبداء البعض التعاطف معه فقرَّروا دفن الحقيقة.

 

وفي ليلة شديدة السواد خيم فيها الخوف والظلم والغدر انطلق أشرف بركات على رأس قوة كبيرة من الأمن المركزى وأمن الدولة إلى بيت فهد بعزبة النخل حيث كان بيتًا معزولاً محفوفًا بأشجار النخيل، وانتشرت القوات حول البيت محاصرينه بأسلحتهم ومدافعهم الصغيرة وعرباتهم المدرعة، وكانوا يتحركون ببطء وحذر حتى لا يشعر بهم أحد، بينما فهد دخل البيت يجلس على طربيزة السفرة منخرطًا في تفكيره تتحدَّث إليه غادة زوجته في أمر فارس محاولة التخفيف عنه، فشعر بحركة غريبة حول البيت استشعر خطرًا ما، وقبل أن ينهض من مجلسه انهمرت الرصاصات على البيت من كل جانب بعشوائية، جذبها من يدها بسرعة ورقد بها على الأرض وهي مأخوذة بالذعر والخوف واستيقظت الست روحية أمُّها وأخوها خالد الطفل الصغير مذعورًا ومع استمرار إطلاق الرصاص على البيت اتجه إلى النافذة زحفًا على الارض وألقى نظرة من النافذة ليجد سيارات الأمن المركزى والمدرعات قد أحاطت البيت ويُطلقون النار من كل جانب، وأشرف بركات داخل إحدى المدرَّعات يُلقي الأوامر من خلال جهازه اللاسلكي.

 

اتَّجه فهد زحفًا إلى كنبة بالصالة وأخرج من صندوق بداخلها سلاح رشاش بيمنا غادة وأمها وأخوها يركضون إلى الأرض يصرخون في خوف وذعر مع استمرار إطلاق الرصاصات من الخارج حتى صنعت الرصاصات علامات في الحائط ودمرت أثاث البيت بالكامل بينما يُحاول فهد أن يضع الخزنة في السلاح ويشد الأجزاء استعدادًا لمبادلتهم الضرب، وأشار لغادة بأن تبقى رأسها مُنخفضة، وارتكز بظهره إلى الحائط تحت النافذة، ودفع النافذة في حذر مع استمرار انهمار الرصاصات على البيت، وأخذ مبادلتهم إطلاق النار من النافذة حتى نادوه عبر مكبِّرات الصوت يحثُّونه ويُطالبونه على أن يسلِّم نفسه مع استمرار إطلاق النار من جانبهم، فيعاود مبادلتهم إطلاق النار حتى وقعت عيناه على غادة وأمها وشقيقها وهم يبكون ويصرخون من شدة الذعر والخوف، فنادى قوات الشرطة مطالبهم بألا يُطلقوا النار وأعلن أنه سوف يسلِّم نفسه، فنادى قائد قوات الأمن بألا يُطلِقوا النار، بينما ينظر فهد لزوجته وعائلتها الصغيرة متأسيًا وهم يصرخون، ثم توقف وأعطى ظهره إليهم، ورمى سلاحه من النافذة معلنًا تسليم نفسه وهنا نزل أشرف بركات من داخل المدرَّعة بعيون تحمل الغدر.

 

أعطى فهد ظهره للنافذة واستدار بوجهه إلى زوجته غاة وأخذ ينظر إليها متأسيًا كما لو كانت النظرة الأخيرة، ولم يستطع أن يطيل في نظرته فكانت النظرة الأخيرة بالفعل فبينما هو ينظر لزوجته النظرة الأخيرة وإذ بأشرف بركات يُطلِق عليه أربع رصاصات من الخلف لتسكن ظهره فهطلت دماؤه وانزلق بظهره على الحائط ليرويها دمًا وأخذت غادة تصرخ وانهالت دموعها دون دراية، وأخذت تُناديه وتقلِّب فيه، وتهزُّه بشدة.

 

بينما هو يُخرج أنفاسه الأخيرة، فأوصاها إذا أنجبت ولدًا أن تسمِّيه فارسًا؛ نسبة إلى عمِّه، وأن تاخذه إلى مكان بعيد وتربِّيه وتعلمه، وهنا كانت آخِر كلماته، وشهق شهقة مسموعة بعد آخِر نفس، فأخذت تصرخ وتهزه بشدة وهى تُناديه ولا تصدِّق وأجهشت أمها وأخوها بالبكاء الممزوج بالخوف، وبينما هي تحتضن جثة فهد مأخوذةً بالبكاء الشديد، وإذا برجلَين من رجال الأمن يقتحمان الباب ويأخذون جثة فهد بالقوة، لكنها حاولت أن تشدَّ جثَّته من بين أيديهم حتى دفعها أحدهما على الأرض بقدمه، وسحلوه على الأرض متجهين إلى الخارج بينما دماؤه تروي المكان وتترك في كل مكان علامة، وأخذوا جثَّته إلى المجهول ظنًّا منهم أنه بقتْل الأبرياء تُطمَس الحقائق، وتوقَّفت غادة عن البكاء وأخذت تنظر أمامها في وجوم تبكي تارةً، وتكفُّ عن البكاء تارةً أخرى، والأم تحاول التخفيف عنها وهي لا تستطيع التحرُّك من شدة المصيبة ومضى ما يقرب من ساعتين، مضى فارس في طريقه متجهًا إلى بيت توأمه فهد وصل إلى هناك وأخذ ينظر يمينًا ويسارًا حتى توقف منزعجًا وسط أشجار النخيل مصطدمًا بآثار إطارت السيارات والمدرَّعات، ووقع نظرة على رصاصات فارغة، فالتقطها وأخذ يتأملها في صمت مزعج.

 

توقف عند الباب وأخذ ينظر الى أثار البيت المحطم من إطلاق الرصاص، وعلا وجهَه الانزعاج، وقعت عيناه على غادة وهى تنظر أمامها في وجوم لا تصدِّق وأمُّها الى جوارها تبكي مضى نحوهما بخطوات ثقيلة مستشعرًا بالمصيبة، وانحنى إليها متسائلاً عن فهد فأجابته وهي تشير إلى مكان ما قتلوه عند النافذة، حملق عينيه، وهرع إلى النافذة، ونزل على ركبتيه وأخذ ينظر لدماء أخيه الملطخ بها الحائط والأرض ثم أخذ يتحسَّسها بأنامله، ولمعت عيناه بالدموع التى مرَّرت حلقه ثم نهض من مكانه ونظر من النافذة مأخوذًا بذكرياته تجاه فهد، ثم انطلق مُسرِعًا خارج البيت.

 

علم عاطف وخميس موت صديقهما الذى تعودوا منه الإخلاص والرجولة والشهامة فأحزنهم فراقه، وغرق فارس في أحزانه التي لم تنتهِ، وأخذ يفكِّر في الانتقام وبعد أيام تمكنوا من معرفة مكان الضابط أحمد ابوالفتوح، وبعد الفجر اتجهوا به الى أحد الطرق المقطوعة بجوار مزرعة للفاكهة، وسدَّد إليه فارس عدة طعنات أردته قتيلاً، وألقوا بجثَّته بأحد أكوام الزبالة.

 

وفي منتصف اليوم التالي انتقلتْ ثلاث مركبات شرطية وعربة إسعاف ونقلوا جثته بينما كان يُراقبهم خميس من فوق أسطح أحد البنايات وهو ينفخ دخان سيجارته.

 

وشعر أشرف بركات ضابط أمن الدولة بالهزيمة بعد أن عنَّفه رؤساؤه داخل الجهاز بسبب عدم وصوله إلى فارس، فأمر رجاله بمداهمة بيوت كل من كانت لهم صله بفارس والقبض عليهم حتى يسلم نفسه.

 

قبضت الشرطة على صديق فارس المحامي أحمد حجازي وسكرتيرة مكتبه وأخذ أشرف بركات يعذِّبهم بنفسه لكنه لم يحصل منهم على أية معلومات، فأمر مخبريه بهتك عرض سكرتيرة مكتب أحمد حجازي أمام عينه لإجباره على أن يُدلي بما يعرفه عن فارس ونزعوا عنها ملابسها متجرِّدين من كل آدمية، وأخذوا يعتدون عليها تباعًا أمام أحمد حجازي الذي ظلَّ يصرخ ويبكي وهو مغلول اليدَين والقدمَين.

 

ارتكزت السكرتيرة على حائط الزنزانة بظهرها وأخذت تبكي في صمت ينمُّ عن الشعور بالظلم المرير، وملابسها ممزقة وأثار التعذيب اعتلتْ وجهَها وإلى جوارها أحمد حجازي مُنهَكًا باهت الوجه من كثرة التعذيب، ولا يزال مغلولاً، وفتحت باب الزنزانة ودخل اشرف بركات بخطوات باردة ماخوذًا بغروره، أخذ ينظر لأحمد حجازى في صمت، ثم انحنى على السكرتيرة لمياء والتي أخذت تَرتعِش وترتجف في خوف هيستيري، وأمسكها من كف يدها بشدة، وأخذ يلطمها على وجهها متجردًا من الرحمه والإنسانية، ولما يأس من إيجاد أي معلومات لديهم؟


اتجه على رأس قوة من أمن الدولة وقبض على أسرة عبدالبر أحمد الطحان الست درية وبناتها.

 

بينما كان فارس قد اتجه لقريته بالشرقية، ومضى إلى بيت الأم الحقيقية هناء خيرالله التي رمت به وبتوأمية فهد وفرح إلى الشارع صغارًا، وهى أول من جنى عليهم.

 

جلس مواجهًا لها ينظر إليها بصمت ينمُّ عن السخط والازدراء، وأخذ يسألها عن سبب أفعالها معهم ومع والدهم محمود عفيفي من قبلهم لم تجبْه إلا بالبكاء الصامت، وسألها عن ثماني وعشرين سنةً مضتْ لم تشعر فيهم بالذنب، وأخبرها أن قضيته معها، ونهض من مجلسه متجهًا إلى الباب، وقبل أن يخرج توقف قليلاً ثم استدار وأخبرها بأن فهد قد مات، وخرج من الباب كالطيف. وصله اتصال هاتفي من عاطف يخبره فيه بما كان لأحمد حجازى صديقه ولأمه الستِّ درية وبناتها فاستشاط غضبًا، وانتقل إلى القاهرة متخفيًا في زي شيخ أزهري وتحولت بداخله مشاعر الإنسانية والرحمة إلى مشاعر الكره والسخط على المجتمع، وتحجَّر قلبه وأخذ يتبع خطوات زوجة أشرف بركات حتى وقفت بسيارتها أمام أحد المحال تاركةً طفلها بداخل السيارة وانتظر حتى انشغلت وأخذ الطفل بعد أن قام بتخديره، وعلم أشرف باختطاف ابنه فتعمق في الغضب والحيرة حتى وصله اتصال من فارس وأخبره بأنه إذا لم يُفرج عن صديقه وسكرتيرته، وأمه وأخواته البنات خلال أربع وعشرين ساعة فسوف يقتل ابنه.

 

أفرج أشرف بركات عنهم جميعًا، وعادت الست درية وبناتها إلى البيت باهتة الوجه بعد التعذيب التى تعرضت له مع بناتها، ولما اطمئن فارس وعلم بالإفراج عنهم أعاد الطفل إلى أمه بطريقته الخاصة.

 

وكانت النهاية المحزنة التى شقَّت قلوب الجميع ممن يعرفون فارس التقى مع صديقه خميس وعاطف، ودار بينهم حوار طويل، أخذا يحثَّانه على الهرب خارج البلاد حتى ينجوا بحياته لكن كان يائسًا بائسًا بعد أن مات كل من حوله، ونظر إلى الدنيا كلباس ضيِّق يخنقه ويقيِّده أو كحجرة ضيقة شديدة الظلمة يُريد أن يخرج منها إلى النور، وشعر بأن أيامه بل ساعاته في الدنيا باتت قليلة، قرر أن يذهب لزيارة الأم درية التي ربته منذ أن كان طفلاً إلى أن أصبح رجلاً، والتى عانت وتأذَّت كثيرًا لأجله؛ ليشكرها.

 

وهنا توقَّف أمامه عاطف وخميس يحثَّانه ويترجَّانه بألا يذهب إلى هناك خشية عليه من البوليس، فابتسم ابتسامةً باهتةً زاهدةً وأخبرهما بأنه لم يعد يهتم لأمر الدنيا، وأنه أصبح راضيًا عن نفسه بعد أن اقتصَّ من قتلة زوجته، وودَّع فارس صديقَيه بالدموع واستدار، بينما عاطف ينظر إليه متاسيًا، ودار بينه وبين خميس حوار صامت ينمُّ عن التحيُّر والخوف من المستقبل المجهول.

 

انتقل فارس الى المقابر؛ حيث زوجته وأخذ يتحدث إليها، ودموعه مصاحبة له، وأتى الليل الحزين حيث أخذ فارس يتذكَّر مسيرة عمره المُحزنة كيف بدأ وكيف انتهى، وقضى ليلته في ذكرياته المُحزنة حتى أذَّن الفجر فانتقل الى مسجد قريب أدى فيه الصلاة وظل هناك حتى انتهى من صلاة العصر منطلقًا في طريقه إلى بيت عبدالبر أحمد الطحان لزيارة الأم درِّية وإخوته هناك.

 

دخل فارس الحي الذى تسكن الست درية والذى عاش فيه، ولم يكن متخفيًا هذه المرة، وكان رجال أمن الدولة منتشرين بالحى في أزياء مدنية، ورماه أهل الحي بنظرات الاستغراب والدهشة والخوف والذهول مُستشعِرين النهاية المضنية.

 

وقبل أن يدخل الى باب البيت ناداه الضابط أشرف بركات من الخلف موجهًا سلاحه نحوه وسط نظرات الريبة والانزعاج من أهل الحي.

 

توقف فارس بمكانه وأخذ يفكِّر في حذر ثم تحرك خطوتين إلى الأمام فشد أشرف بركات أجزاء مسدسه مهددًا إياه بإطلاق النار عليه إذا تحرك مرة أخرى تذكَّر فارس موت توأمه فهد، فسحب خنجرًا من جيب بنطاله بسرعة وهو يستدير تجاه أشرف بركات ورماه به ليسكن صدره، وقَع أشرف بركات قتيلاً مرتميًا على الأرض، بينما أطلقت قوات الأمن الرصاصات على فارس بشكل عشوائي ليعود إلى الوراء منزلقًا إلى أسفل الحائط مكتسيًا بلون الدم.

 

خرجت حنان إلى الشرفة على صوت الرصاص لتجد فارسًا بالأسفل ينزف دمًا على الأرض لتصرخ مناديةً له.

 

نزلت من أعلى بسرعة وهي تصرُخ وتُولول، ورقدت إلى جوار فارس وأخذت تُناديه وهي تبكي وتصرخ دون دراية، وتبعتها الأم درية، وسنية وعلي، وأخذوا يصرخون ويَندبون ويولولون، أسرعت سنية إلى أحد رجال الشرطة الذين أطلقوا عليه الرصاص، وجذبته بشدة، وأخذت تسبُّه وتلعنه وهي تبكي، ثم التفوا حول فارس مع أمها وحنان وعلي وسنية، وأخذوا يبكون حتى بكا أهل الحي لبكائهم، أخذ فارس وهو يُخرج أنفاسه الأخيرة ينظر إليهم ويقلِّب نظره فيهم، كأنه يُريد أن يقول شيئًا لكنَّ اللسان عجز عن الكلام، استدار بنظره تجاه الأم درية وابتسم ابتسامةً باهتةً ثم خرَجتْ روحُه إلى الرَّفيق الأعلى.

 

وانفجر الجميع في بكاء ينمُّ عن المرارة، وضمَّته الأم وضموه معها حتى تلطَّخوا جميعًا بدمه.

 

وهكذا رحل الثلاثة توائم، وراحوا ضحية الظلم والإهمال والتردِّي، عانَوا حياة البؤس والظلم والحرمان، في ظاهرهم الرضا وفي باطنهم السخط والمرارة، وعاشت الأم الحقيقيَّة في بئر سحيق من اللامبالاة، بينما استقر الحزن والألم ببيت الأم درية، ولم تفرح بعد فراق فارس كانت تبكي باستمرار حتى تُبكي من حولها، وكانت تذهب إلى المقابر لزيارة الفقيد، وظلَّت هكذا حتى ذبل وجهُها.

 

وأتى يوم ذهبت فيه إلى قبر فارس وأخذت تتذكَّره وتتذكَّر ما كان له، وجهشت بالبكاء حتى أقبلتْ عليها غادة زوجة فهد وعلى يدَيها طفلُها فارس ابن الشهرَين بعد أن وضعتْه، ووقفت إلى جوارها وانحنتْ إليها واضعةً طفلها على حجر الستِّ درية، مُعلِنةً أنه فارس الصغير ابن فهد، فرفعت الست درية عينيها إليها مأخوذةً بدهشتِها، وأخذت تنظر إلى الطفل صاحب الملامح الطيبة، وتسلَّل الفرح إلى قلبها شيئًا فشيئًا حتى ارتسمت الابتسامة على وجهها، وطبعت قبلةً على وجنتِه ثم ضمته إليها، اختفتْ غادة بطفلها منذ منذ ذلك الحين إلى الآن، ولم يعرف أحد بمكانها من بداية عام 2006 حتى الآن.

 

(مأخوذة عن أحداث حقيقية)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عالَم الروايات
  • القائد المجاهد طارق بن زياد بين الروايات المتناقضة؟!
  • صدر حديثاً (الروايات التفسيرية في فتح الباري : جمعاً ودراسة) لـ د.عبدالمجيد الشيخ
  • روايات من دلائل النبوة في عهده صلى الله عليه وسلم
  • روايات الصديقة عائشة وطعون أصحاب الفكر الدخيل
  • تقديم لرواية " عصفوران بين الشرق والغرب "

مختارات من الشبكة

  • قضية فلسطين قضية جميع المسلمين ( خطبة )(مقالة - المسلمون في العالم)
  • قضية الأقصى قضية كل المسلمين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مظاهر عدالة الإسلام في القضايا الاجتماعية: قضايا المرأة نموذجا(مقالة - ملفات خاصة)
  • قضايا وأحكام ( قضية زوجية )(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • قضايا وأحكام : قضية فيها المطالبة بأجرة ترميم بناء(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • من قضايا المرأة تأصيل شرعي لقضايا ملحة (PDF)(كتاب - موقع أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي)
  • قضايا وأحكام (قضية فيها المطالبة بثمن مزرعة والدفع بصورية العقد وأنه رهن لا بيع) (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • أحكام وقضايا (قضية فيها المطالبة بأجرة ترميم بناء والدفع شرط جزائي) (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • أحكام وقضايا (قضية فيها عقد باطل لجهالة المعقود عليه) (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • قضايا وأحكام (قضية زوجية) (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)

 


تعليقات الزوار
1- ملاحظات على الرواية
فاطمة عبد المقصود 06-01-2013 05:19 AM

الأستاذ الكريم كاتب الرواية

أحييك أولا على كتابة هذه الرواية، خاصة وأنك قد ذكرت فى نهايتها أنها (مأخوذة من أحداث حقيقية) لكن أرجو أن تسمح لى ببعض الملاحظات من باب اهتمامى بهذا المجال:
- فكرة الرواية جيدة جدا بل ومهمة جدا كتوثيق لما كانت عليه مصر قبل قيام الثورة وكم الظلم والانتهاكات التى كانت تحدث...ليس فقط لتيار بعينه بل لشعب بأكمله
- على قدر أهمية الفكرة تأنى أهمية الإبداع فى تناولها وعرضها على الناس فى قالب مشوق مؤثر
- لعلك تدرك أن أهم الأدوات التى استخدمها الطغاة وجنودهم فى تكريس الظلم والاستبداد ومازالت فى أيديهم حتى الآن هى الإعلام والأدب والفن والثقافة و... لذلك علينا أن نستخدم ذات الأدوات فى فضح ما قاموا به وفى توعية الشعوب، ولن يكون ذلك إلا من خلال إعلام وأدب وفن على درجة عالية من الإجادة...
- لذلك أخى الكريم أرجو أن تتقبل بصدر رحب دعوتى لك لكتابة هذه الرواية الهامة من جديد يطريقة سرد أكثر تفصيلا وإبداعا تستخدم فيها أساليبا وصورا خيالية متعددة تجذب القارىء وتحثه على مواصلة القراءة بل وتجعلها تعيش فى وجدانه وقلبه..
- دعواتى لك بالتوفيق وبأن تبذل قلمك فى سبيل الحق والخير..

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب