• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

الـخـبء (قصة)

أ. محمود توفيق حسين

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/11/2008 ميلادي - 23/11/1429 هجري

الزيارات: 9615

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
خيالاتٌ من الظل والضوء المشوَّش تهلُّ عليّ فجأة في شرودي وتغمرني، مثلما كانت تهلُّ كلَّ مدَّة، تتحرك حولي حركةً شبحيَّة، وتمرّ من جسدي وتخرج، محملة بوشيشٍ يأتي من بعيد، أسمع فيه ولا أكاد أسمع صوت هدهدةٍ،  من هدهدٍ سابحٍ في خلاءٍ مرسلٍ، يَبعث صوتَه في عالم الشهادة، وتلك رائحةٌ معتَّقةٌ للماضي فيها شيءٌ من  الصندل وحنوطِ الموت.

عُقِد قِرانُ أختي في الشتاء القديم، أول شتاءٍ أعيه، هناك خلف سور البيت العتيق. هذا خفيت دَردابِ الدُّفوف يأتي من داخلٍ، أقتربُ، أدلف مع الذكرى، في البيت فرحٌ ونساءٌ كثيرٌ يباركْنَ، يُنشدنَ الأناشيد المتوارثة في الحوش الفسيح، وقد اتكأنَ على جذوع النخل الذي يرنو للجالسات تحته ويهزُّ طلعَه. وفي علِّيةٍ، انزوَتْ عروستُنا حياءً، حتى لا يرى الصبيةُ الذين أتَوا مع أمهاتهم زينَتها، فصعد النسوة إليها تباعاً بلا أطفالهن، وأحطْنَها، وصعدتْ عجوزٌ بشوشةٌ في تَؤدَةٍ، ودخلت ونقشت على يديها أزهاراً من الحنَّاء، وهي فيهن كفراشةٍ بين أوراق شجرٍ كثيفة، تراها ولا تراها. ولمّا قُمنَ من على الزَّرابيِّ وانصرفنَ، وتركن من ورائهنّ خلوفاً من الطِّيب، وطنيناً مما يتبقّى قليلاً بعد انفضاض الهرج، صعدتُ أطالع الحنَّاء في يديها، وثوبها الحريري، وأسمع وسوسة حُلِيِّها الكثيرةِ، وقد بدت في الحِليَة خَجْلَى ومرتبكةً.

وأذكر كيف  ارتحلتْ في الغد إلى المدينة الإقليمية التي كنت أنطق اسمها مغلوطاً؛ ودّعناها طويلاً عند مدخل البيت حتى استقلّت سيارة (بيجو)، وهي دامعةُ العينين خلْفَ نِقابها، وخلفَ زجاج السيارةِ تُشيرُ لنا. كانت هنا، واحدةً من الغَرَابِيبِ، ذهبتْ من بيتنا وأخذت معها المرح الهذيبَ والحنان وأمومة وُلِدت بها.

أخذتُ أبكي يومها بَعد أن تحركَتِ السيارة وأنا أكاد انفطرُ؛ مِن أجْلِ أختي التي ذهبتْ بعيداً، وأنكرْتُ البيتَ والنخل والجدرانَ العتيقة، ولمْ أتوقف يومها عن الاحتجاج وعن طلبِ الذهاب إليها حتى أضجرتُهم، وذقت مرارةَ الليلة الأولى للفراق، كان صعباً جدًّا.

في الأسبوع الأخير من شهرِ العسل حملَني الخالُ إليها هناك، وكنت طوال الطريق البرّيِّ الطويل متحرقًا لرؤياها بعد هذه الغَيبة، ووجهُها الصبوح يطلُّ عليّ من خلف كل كثيبٍ، وعندَ كلّ شجرةٍ رعويةٍ، وأستمع من عزيف الرّمالِ لشيءٍ مثل وشوشَتِها. أنظرُ للهدايا التي حملناها إليها، وكأنّني أنا الذي جمع هذه الأشياءَ ليهديَها إيّاها ، وعيناي دامعتانِ من الشوق والفرحة. ولم أعدّ شيئًا مما يعدُّه المحبُّ من حديثٍ لحبيبهِ حين يلتقيانِ؛ كانت الكلمات عندي قليلةً، وبسيطةً، وخضراءَ، فقط عندي رغبةٌ في احتضانها، والجلوس في حجْرها، واللعبِ بين يدَيها، ورؤية غمّازتَيها اللّتَين تُنيرانِ وجهَها.

استقبِلتُ أنا وخالي استقبالاً كريماً، وتشبَّثتُ بها أنا طويلاً وجعلتُ اتشمَّمُها وأبكي، حتى هدأتُ قليلاً، وخالي يسألُها: ما كلُّ هذا الحبّ؟!

ووضعتْ أختي بين يديَّ كميةً من الحلوى، آكلُ حيناً، وأقبّلها حيناً. ثم غابت في المطبخ لتأتينا غداءنا فذهبتُ معها تاركاً الرجُلينِ لكلام الرجال، مُسائلَها عن ذهاب الحنَّاء من يديها إلاّ قليلاً، فأجابتْ بان الحنَّاء لطيفةٌ لا تُعمَّر.

بعد الغداء وشرب الشاي، قام الخال لينصرف على أن يعود هو وأمّي بعد أسبوعٍ ليحملَني، فتمسّكَ به العريسُ وأختي كثيراً، إلاّ أنّه أصرَّ على الانصراف، بيْنَا أنا كنت أداري نفسي تحت السريرِ خوفاً من أنْ يطْلبَني للرحيلِ معَهُ، ولمّا مضى تنفَّستُ الصُّعَداء وخرجتُ.

لمّا مضى لحال سبيله، وبدأت أتعرف إلى المكانِ وهذه الأسرةِ الصغيرة، شعرتُ شيئاً فشيئاً بعدها بأنّي ضيفٌ ثقيلٌ على العريس، بدا هذا في عينَيه الصريحتينِ. وأنا أيضاً كنت أستثقله، وأغاظُ منه ومن قربه منها وتلطّفها معَه، وأعجب مِن أبي كيف ترك أختي مع هذا الرجل!

ولأنني غِرتُ منه وهو استثقلَني، انسحبتُ معظمَ وقتي إلى الشُّرفة ذاتِ الطرازِ العتيق، ألعبُ باللُّعَبِ الّتي قدّمتْها لي أختي، وأنظرُ إلى أطواقِ البامية الجافّة التي تخزنها في الشرفة، وواضعاً رأسي حيناً بين برامقِ سُورها، أُطِلُّ على السابلة مِن الطابق الثاني وأتسمَّع لأصوات الباعة الجائلين، وأنظر للمقهى الشعبيِّ وعاملُه يحملُ الطلباتِ الساخنةَ وينادي عليها ويتبادل مع الزبائن كلماتٍ لاذعةً، أو إلى صاحب فرنِ الخبز العصبيِّ الذي لا يكفّ عن السّبابِ ورمي يمينِ الطلاق، منشغلاً بهذا العالم الغريب عنَّا؛ وقد اعتدنا على أن نسكن بين أهلٍ، وهنا مدينةٌ لا نعرفها ولا تعرفنا، هذا العالم الغريب الموحش لي، ولتلك التي لا تعرف الصخب ولا اللِّعان ولا الفظاظةَ، الكتومِ التي كانت تخبِّئ فرحها وحزنها.

ظلِلْتُ مؤمّلاً أن تُفيقَ أختي من غفلتها وألاّ تتوازن بيني وبين هذا الغريب الذي أخذها منَّا، وأن تلفظه والمدينةَ وتلتفت لي وحْدي، وتعود معي لبيت العائلة، والمصطبة الداخلية، وللعُلِّية، وللهداهدِ التي كانت تلتقط الغلال في حوشنا، أتذكرينها الهداهد؟  طبعُها السّترُ والإخفاء، وكانت تألفك أنتِ وحدَكِ، ولا تهرب إذا ما خرجتِ إليهن حتى حين كانت  تخبِّئ بيضها، كأنك منهنّ!.. عودي؛ فأنا أنا، وأنتِ أنتِ، ولا بيت إلاّ بيتُنا، فلمَ نتغيَّر؟!.. وصبرتُ منتظراً إفاقتها طويلاً.

بعد ستّة أيامٍ، مرّت وهي تتوازَنُ بيننا، وكلٌّ منّا في عينَيه شيءٌ عن هذا الذي يدور، وهي المسكينة كان عليها أن تتحمَّل صامتةً، وألاّ تُغضب أحداً، سواءٌ أنا الطفل الصغير، أو ذاك الطفل الكبير قريبُنا، اللذان يتنازعانها عاطفيًّا.

حتى رضي كلٌّ منّا بنصيبه، أدركتُ أنا أنّ له منزلةً أكبر ممّا كنت أظنُّ في اليوم الأول، عندما تمنَّيت أنْ تنكره تماماً وتعود لي وحدي، إنه الزوج!. وأدرك هو أنني ضيفٌ، وأنني طفلٌ قبل أي شيء. أدركَ هذا وسلَّم به بعد أن سمعتها تردّ عليه بلطف لمَّا قال لها: الولد يغار مني!:
- أستنزل بعقلك لعقل طفلٍ!.. هذا طفلٌ صغير..
صفعتني كلمةُ (طفل)، وكرهتُها هذه الكلمة،كأنّني لأول مرةٍ أسمعها تقال عني، وشعرت بغصَّةٍ ورغبةٍ في البكاء. ولم تعطني عينايَ إلاّ القليل، هناك في الشُّرفة. ثمّ مسحتُ الدمع، وشرعتُ في تقبُّل الأمر الواقع، وأنا على وجه سفر.

رضينا سويًّا، وهو شعر بأني مغادرٌ بالغد، فأسرف في تدليلي وأُعطياته، حتى لا أحملَ معي انطباعاً سيئًا عنه قد أحمله للأسرة. وربّما صفا لي هو أكثر مما صفوتُ له؛ كيف أصفو وقد أخذها للأبد؟! وسأعود بدونها غدًا معلناً هزيمتي أمامَهُ، بل أمام زوج.

انتابتني نوبةُ قلقٍ بعد منتصف الليلِ رُغم عذوبة النوم في البرد الشديد، قلق المرتحلين، سمعت هسهسةً تصدر من الصالة، كأنّها حديثٌ خافتٌ جدًّا، لكنّ الليلَ حملَهُ. غلبني الفضول، واستفزتني شهوةُ المعرفة. وظلّ الفضول والكسل يتنازعانني، حتى قمت متثاقلاً من تحت اللّحاف الثقيلِ، متشوِّقاً لأعرف فيمَ الهسهسةُ بعد منتصف اللّيل. وأدرتُ مقبض الباب ببطءٍ وحذرٍ متجنباً أن أحْدثَ أيّ صوتٍ، وسحبت البابَ شيئاً قليلاً، وأخرجت منه رقبتي وحدها، وأسندت خدِّي عليه. وزممتُ شفتيّ، ورفعت حاجبيّ، وشعرت بنوعِ إثارةٍ مما أرى:
كانت واقفةً تتهجَّد وفي يديها المصحف تقرأُ منه، وأنا عن يسارها أطلُّ من الباب المفتوح قليلاً ولا تراني، ولو كنت قبالتها ما أظنها قد تلاحظني. طيرٌ بريءٌ أرّقه السهاد في الضوء القليل والغمام، وإسدالُها الفضفاض واسع الكمّين، فإذا رفعتْ يديها لتكبير ثم  أخفضتهما، كانت كأنها طيرٌ أقام الليل يجنِّح مسبِّحا للهِ {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}. والصالةُ غمرها ضوءٌ غَيرُ الضوء، وفاحَ فيها عطرٌ ليس كالعطر، وغشيتنا السكينة، وشعرت أنني أُغسل بالبَرَد.

انسحبت إلى الغرفة وأنا أنشجُ مثلَها وأكتم صوتي وبكائي كما تكتم، وذقتُ حلاوة الإيمان من قبل أن أعرف ما الإيمانُ، ووضعت رأسي وأنا أشعرُ بأني خفيفٌ جدًّا ومرتاحٌ تماماً وراضٍ كلَّ الرضا، وقد أدركتُ ساعتَها فيم كان يُسرَج القنديل ليلاً بالعُلِّية والناس نيام، الآن عرفت سرَّك، كان لله خبْءٌ واطَّلعتُ عليه، وسأحدِّث به.

استيقظنا جميعاً مبكراً في هذا الصباح الشتويّ. وأعدّت لنا أكواب الشاي بالحليب، وأخذنا نغمس فيها (البقسماط) ونحن جلوسٌ على الأرض، وأنا أراقب البُخار الذي يتصاعد من أفواهنا، وأراقب الصمتَ والعيون، وهذه البسمةَ العجيبة التي ثبتت على وجه أختي في هذا الصباح، وأنا في كنزتي الصوفية التي يكسوها حولَ الرقبة فراءٌ كثيفٌ، وتحتها طاقم النوم من (الكستور)، وهذه الطاقية الصوفية تغطي أذنَيَّ اللّتَينِ لسعَهما الصقيع.

قليلاً، ودخل هو الحمّام وخرج مسرعاً يلبس في عجالة لينزلَ لأوّل يومِ عملٍ بعدَ زواجه، أمّا هي فدخلتْ لتستحم، وأنا جلست على الأرض وقد خبّأت نفسي بالبطانية إلاّ وجهي الذي يبدو منها، وقد أحمرّت وجنتاي تماماً. ناداها أنه نازلٌ الآن، وذهب إلى باب الشقّة وفتحه، ثم أغلقه بعنفٍ وهو بالداخل محْدِثاً صفقةً عاليةً، لم يَخرج... التفتَ إليّ، وغمز لي بعينه الساذَجةِ، وتوجّه إلى خزانة  الملابس وفتحها، ثم نظر لي ووضع إصبعَه على فمه لأسكُتَ، وطلبَ منّي أن أتناومَ مكاني، واختبأ خلْف ملابسِها، وأخذ بيديه درفتَي باب الخزانة وردَّهما. وأدركتُ أنه يعدّ لها دعابةً ثقيلةً.

خرجتْ حبيبةُ القلب، تمشِي على مهلٍ، فأسندتُ رأسي على الحائط خلفي وأرخيتُ جفوني قليلاً ممثِّلا للنوم.. كأنّي أراها الآن أمامي. خرجتْ ترتدي البُرْنُسَ الأبيضَ، وخرجَ معها البخارُ، أمالتْ رأسها على جانبٍ، فتجمّع شعرُها في ناحيةٍ، وأخذتْ تضربه بيدها لتنثر منه الماء. كنت أودُّ أن أناديَ وأشيرَ لها لأفسدَ مفاجأته، ولكنّ شيئاً ما عقدَ لساني، فتركتُ الأمور تأخذ مجراها؛ خوفاً من أنْ أفسدَ اللعبة.. أخذتْ تقتربُ شيئاً فشيئاً وهي تبتسم لي، وأنا أبدو أمامها وكأنّي نائمٌ في جلسَتي، وقلبي الصغيرُ يتحرّكُ استعداداً لوقْع الدُّعابة، حتى وضعتْ يدَها على باب الخزانة لتأتي بملابس، فخرجَ لها خبْءُ الشيطان وقفز في وجهِها وقال: ها..!

فشهقتْ شهقةً عظيمةً، ووقعتْ على الأرض. ارتَمى عليها الرجُل يحاول أن يُفيقها، وهو ينادي فيها بصوتٍ أخناهُ النّدمُ، ثمّ أخذَ يهزُّها ويصفعُها. و أنا انخلع قلبي وتقافز في صدري، وبللتُ ثيابِي من الفزع، وجفّ حلقي، وثقلتْ رجلاي فلم أستطع أن أقوم، وحاولتُ ثمّ لم أستطع أن أقوم، ثم إني حاولتُ ولم أستطع، فأخذتُ أهز دماغي عاجزاً، كمن ضُرِب على أمّ رأسه.. أخذَ يصرخ بعد أن وضعَ يده على مِعصمها ليجسّ نبضها:
- ماجدةُ ماتت.. ماتت.

لم أشأ أن أصدّقه، قمتُ بصعوبةٍ وخلّصت نفسي من البطّانية التي شعرتُ من انهيار أعصابي وخوارِ أعضائي أنها شبكةٌ معقَّدة، وأخذتُ ألمس وجهَها وأنا أبكي: قُومي يا ماجدةُ.. قومي.. حرام عليكِ..! قومي.. قومي.

ثم انهرتُ وخبأت وجهي في وجهها وشعرِها طويلاً. بلّل شعرُها وجهي، وبللتها دموعي.

غاب الشتاء هذا، لم يبقَ منه إلا تلك الخيالات، وصورةُ أمي المسكينةِ التي أتتْ ضحًى، وكادت أن تُجنَّ وهي تنظر لبنتها العروسِ الميْتةِ وتقول وهي تضحك:
- مبروك.. مبروك يا ماجدة.. اللهم صلِّ على النبي.. قمرٌ.. قمر!!
حتى اصطكّت أسنانها، وارتعدت ركبتاها، فحملتها امرأتانِ من جناحيها حتى أضجعتاها وهي بين العقل والجنون.

مضَتِ السّنونُ، وعاشَ معنا هذا الجرح الذي لا يندمل مِن دعابةٍ، دعابةٍ روَّعت أختي فقتلتْها، فكسرتْ ظهورنا. وتكهَّل الأطفالُ وشابَ شعرُ الصَّبايا والفتيان، ومات من مات، ولازالت ماجدةُ كما كانت، تطل عليّ شابّةً مِن ممرٍّ يغشاهُ الضبابُ وهي تُميل رأسَها وتضربُ شَعرَها بيدِها باسمةً.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الثالثة والربع صباحًا (قصة)
  • كيف يطحن الكعك؟ ( قصة )
  • باعروب ( قصة )
  • أبو صباح ( قصة )
  • مسخ بشري في المسجد ( قصة )
  • الصلعاء (قصة)
  • خلف الباب (قصة)
  • نكد (قصة)
  • مكر الخالة (قصة)
  • هذا الصباح (قصة)
  • جثث حية (قصة)
  • فتافيت سكر (قصة)
  • نرجس وحكاية الأمل (قصة)
  • هل بقي لنا أمل؟ (قصة)
  • فرشاة طلاء
  • الخوف (قصة)
  • هاجر (قصة)

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة يوسف: دروس وعبر (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف القصة لغة واصطلاحا(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • الابتلاء بالعطاء في ظلال سورة الكهف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصص فيها عبرة وعظة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملخص لخصائص القصة الشعرية إلى عصر الدول المتتابعة(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • خصائص القصة الشعرية في النصف الأول من القرن التاسع عشر(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • فوائد القصص في المجال الإعلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • دروس وفوائد من قصة سيدنا شعيب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أربعين ساعة بين الأمواج (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
16- شكرا
محمد - مصر 18-01-2009 08:48 PM
قصة هادفة واسلوب قصصي هادف
15- إحساس مرهف و قلم عملاق
أبو مازن - مصر 02-12-2008 10:31 PM
الأسلوب أكثر من رائع
طريقة الحكي سلسة ومتميزة
استطاعت استدراجي لنقطة التصعيد الغير متوقعة
القلم لا يكتب و لكنه يرسم بحرفية عالية
غابة من المشاعر تتقلب بين الوثوب الواثق و الترقب الواثق
الجملة زاخرة بالمشاعر و اختيار المفردات رشيق ومثقف وحيوى
شكرا سيدي
14- يعني ماتت!!
عبدالله - السعودية 30-11-2008 08:29 PM
ماتت ماتت...؟؟؟؟
لاحول ولاقوة إلا بالله!!!!
13- لله أنت!
ضعيف - فاخرة .. فاخرة ! 30-11-2008 01:08 PM
دمعت عيناي ..
وكلها عبر والله ..
12- قصه جميله ولكن ينقصها..
سعدي الحايك - فلسطين 29-11-2008 09:39 PM
ماشاء الله قصة جميلة وطريقه السرد رائعة جدا
لكن كنت أتمنى أن أخرج بنهايه القصه بشيء يلخص الموقف بعبره أو فائده أو شيء من هذا القبيل لكن بصفه عامه جميلة جدا
11- الشهد
هيلين (مها) - بلاد الحرمين 29-11-2008 10:33 AM
اختي شهد لعل لا اعرفك لكن اسمك دائما اكتب به (الشهد) فاردت لهذا الاسم ان يكتب دائما شهدا
اما بالنسبه للحزن فهذه الحياه يوم جميل ويوم متعب فدوام الحال من المحال والمسلم قد يبتلى وأعتبر هذه القصة رائعه لمست بها تفاصيل جذبتني رغم انني لا احب الحزن رغم انه واقع لكن هذه تختلف بطريقة الحبك لعلها قصة حقيقيه خرجت من القلب بإحساس عالي ووقعت بالقلب مباشره
ولعل التعليقين السابقين اوفو بالغرض
10- فعلاً
أنس - السعودية 29-11-2008 08:26 AM
فعلاً
علينا أن نقرأ القصة من أبعادها الأخرى وبين سطورها وفي طيات تصاويرها.. قبل أن نحكم عليها

وفعلاً:

من يبحث عن الكآبة فإنه يجدها حتى ولو لم تكن موجودة فإنه يختلقها

وفعلاً :
شكرٌ كبير للقاص الرائع // محمود توفيق.....

حفظكم الله جميعاً
9- مـَــلاحظــــ
مُـــــلاحظ... - ـــــــــــــ 29-11-2008 12:21 AM
الأخت شهد....
.. تحية طيبة
.. ...
أستغرب من قولك "أفتقد الهم الإسلامي بهذه القصة الحزينة"؟
وهل أوضح منه هنا؟!
لقد وصف (ماجدة) في عبادتها وتهجدها وعفافها وحبها لأسرتها وفي نواحي إيمانية وأخرى اجتماعية تتخذ من الإسلام منهجاً.. إلخ إلخ..
هذا، بالإضافة إلى الرمز الأوضح "الـخـبء" الذي استُلهم من القرآن الكريم ببراعة، وتمحورت حوله جميع أحداث القصة
ثم.. لنفترض أن الهم الإسلامي كان مستخفياً هنا.. فهل من الضرورة أن يكون الهم الإسلامي واضح المعالم بالكلمات والعبارات الإسلامية في كل قصة إسلامية؟
علينا أن نقرأ القصة من أبعادها الأخرى وبين سطورها وفي طيات تصاويرها.. أمّا أن نقرأ القصة بشكل سوداوي ولا نعي منها إلا مشكلة الحزن!؛ فهذا أراه إجحافاً بحق القصة والقاص
شكراً لك
.. وشكر كبير للقاص الرائع // محمود توفيق.....
حفظكم الله
8- أنت محفوظي رائع
زينب خليل محفوظ - مـــــــــــــصــــــــــــــر 28-11-2008 10:55 PM
ابنى العزيز

قصه أكثر من رائعة
لقد عرفت ياولدى كيف تعبر فأجدت جدا
لدرجة أنى شعرت بكل المشاعر التى مرت بك
وشممت رائحه الشاي بالحليب وكذلك البقسماط

لاأدرى ماذا أقول سوى : حافظ على خطك فى الكتابه الواقعيه وعبر دائما عما بذاتك وعن مجتمعنا كما كتبت هذه القصه الجميله
ولاشأن لك ياولدى بالتيارات الثقافيه لغير الموهوبين

فأنت ماشاء الله موهوب فى الحس الواقعي وفي الصياغة
بارك الله لك

عمتك
زينب محفوظ
7- خبء الله ، وخبء الشيطان
مبارك الراجح - السعودية 28-11-2008 10:30 PM
يا لها من قصة مبكية !!
وياله من قاص متقد المشاعر والموهبة

أسلوب حار ومتوهج

خبء الله = السكينة ورضا الخاطر والراحة

خبء الشيطان = الهلع والصدمة والمخاتلة

اختصار إبداعي لصراع البشر مع الشياطين على وجه الأرض

في قصة لها قراءة مباشرة قريبة من القلب ومؤثرة ،ولها قراءة أخرى عميقة تضع كاتبها في طبقات المجيدين لفن القصة

وانا أعجب من قوة موهبته التي مكنته من وضع خلطة مشاعر متباينة وعنيفة في قصة قصيرة دون ان تختل منه القصة أي اختلال !!

رغم النكد .. إلا أنها رائعة !!
1 2 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب