• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

التناوب الدلالي بين صيغ الوصف العامل (1)

التناوب الدلالي بين صيغ الوصف العامل (1)
د. طه محمد الجندي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/3/2012 ميلادي - 11/4/1433 هجري

الزيارات: 23508

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التناوب الدلالي بين صيغ الوصف العامل

تمهيد:

أحمدُ الله أوفَى حمد، وأصلِّي وأسلم على سيِّدنا محمَّد أتمَّ صلاة، وأكملَ تسليم، وبعد:

فإنَّ المتأمِّلَ للدِّراساتِ اللُّغويَّة قديمًا وحديثًا يُدرك أنَّها تنزع إلى تصنيفِ العناصر اللُّغويَّةِ إلى فئاتٍ متناسقة، وأشكال قالبية متوافِقة؛ لتعبِّرَ بها عنِ المعاني الصرفيَّة المختلفة؛ مِن فاعليَّة، ومفعوليَّة، ومبالغة، وتَفضيل، ومطاوعة، وغيرها، منطلقةً في ذلك مِن الخصائص والمميزات المُعطاة مِن الصيغةِ ذاتِها.

 

فتحديدُ معنى الفاعلية الصرفي مثلاً أمرٌ مقصور على فصيلٍ مِن فصائل الوصفِ المشتقِّ، هو ما اصطلح على تسميتِه باسم الفاعل، كما أنَّ تحديدَ معنى المفعوليَّة الصرفيِّ أمرٌ متروكٌ لصيغ اسم المفعول دون غيرها، والأمْرُ نفسُه يصدُق على تحديدِ معنى التفضيل في (أفعل)، ومعنى الطلب في الاستفعال... وهكذا، "ويُعدُّ تحديدُ تلك المعاني الصرفيَّة المعتمِد على الشكلِ الخاصِّ بالبنية جزءًا مِن وصفِ نظامِ أي لُغةٍ من اللُّغات"[1].

 

وسأقتصِر على تسميةِ العناصرِ اللُّغويَّة المعالجة في البحثِ بالصِّيغ الصرفيَّة، أو القوالب الصرفيَّة، وأَقصِد بها المعنى الوظيفيَّ الذي تُفيده هيئتُها وقالَبُها، وهو ما سمَّاه ابن جني بالدلالة الصناعية، ويَعني بها: "الصورة التي يحملها اللفظُ، ويخرُج عليها"[2]؛ أي: هيئةُ اللفظِ التي تتحدَّد مِن خلال عددِ حُروفِه، وترتيب هذه الحروفِ وضَبْطِها.

 

والفِكرَةُ العامَّة التي أودُّ تسجيلَها: أنَّ صِيغةَ الكلمة أو قالَبَها عنصرٌ مِن العناصرِ الأساسية التي تُحدِّد معناها، وتُقيم القِيَم الخلافيَّة والفروق الدلاليَّة بينها وبيْن باقي التنوُّعاتِ المختلفة من المادَّة الواحِدة، وهذا هو مرادُ علمائنا القُدامَى، عندما قرَّروا أنَّ الغايةَ مِن التصريف محصولُ المعاني المختلِفة المتشعِّبة عن معنًى واحد[3].

 

ويَعني هذا القول: أنَّ الاختلافَ القالبي في صِيغ المادَّة الواحِدة راجعٌ إلى تَعدُّد ضروبِ معانيها المتنوِّعة، فعندهم أنَّ عنصرًا لُغويًّا مثل (عالم) يختلف دَلاليًّا عن عنصرٍ مثل (علام)، وهُما بدورهما مختلفانِ عن عنصرٍ مثل (عليم)، و(معلوم)، وغيرها، فاختلاف هذه الصِّيغ آتٍ من احتواء كلِّ واحدة منها على قدرٍ مِن الدَّلالة مختلِف عن أخواتها؛ لأنَّ لكلِّ صيغة منها معنًى ثابتًا خاصًّا بها، وأصيلاً فيها، لا يُشاركها فيه غيرُها مِن الصيغ الأُخرى، وهذا المعنى مرتبطٌ بالصيغة نفسها، ولا ينفكُّ عنها.

 

ونظرًا لتلك الأهميةِ للصِّيغة، وأنَّ ربْطَها بمعانٍ دَلالية خاصَّة بها شيءٌ يَنبغي الإقرارُ به؛ انطلق الدرس الصرفي القديم من الصيغ الصرفية، فبذل الجهد المضني في تحديد تلك الصيغ، وتَصنيفها إلى فئاتٍ منسجِمة، وقوالبَ متوافقةٍ، متناولاً كلَّ نوع منها على حِدَة، وواصفًا إيَّاها مِن حيثُ المبنَى والصِّياغة، بالإضافةِ إلى اهتمامه بالدَّلالةِ المتعلِّقة بكلٍّ منها، وقد وُفِّق الدرسُ الصرفيُّ القديم في هذا المجال توفيقًا كبيرًا.

 

ومنذُ البَدءِ أقرِّر أنَّ هذا البحثَ بالصورة التي سوف أَعرضه بها لم يَسبقْنِي - فيما أعلم - باحثٌ إليه، على الرغمِ مِن أنَّ ثَمَّة بحوثًا سابقةً عليه، قد عرضتْ للأبنية الصرفية، مِن حيث صياغتُها، ودَلالةُ مبانيها، أذكُر منها: بحث الدكتور أحمد عبدالعظيم "الوحدات الصرفيَّة ودَورها في بناء الكلمة العربية"[4]، وبحث الدكتور فاضل صالح السَّامرائيِّ "معاني الأبنية العربيَّة"[5]، وبحث الدكتور محمود سليمان ياقوت "ظاهرة التحويل في الصيغ الصرفيَّة"[6]، وبحث لطيفة إبراهيم النجار "دَور البِنية الصرفيَّة في وصْف الظاهرةِ النحويَّة وتقعيدها"[7].

 

وقد عرضَتْ هذه البحوثُ جميعُها للمباني الصرفيَّة، ومعانيها الوظيفيَّة، وقد كان أكثرُها التصاقًا بهذا البحث دراسةَ الدكتور السامرائيِّ التي خصَّصها كلَّها لعَرضِ الصيغ الصرفية والفروق الدَّلالية بينها، والحق أنَّ بحثي هذا قد أفاد منها جميعًا، وتأثَّر بها في عَرضِه لمادَّته العِلميَّة، غير أنَّ ما تجدُر الإشارةُ إليه أنَّ هذه البحوثَ لم تُشرْ في ثنايا فصولها إلى القضيةِ التي تَصدَّى لها هذا البحثُ، وهي إمكانيةُ التناوب الدَّلالي بين صِيغ الوصف العامِل والرأي في ذَلك.

 

تحديد مصطلحات البحث:

يَتعيَّن على الباحثِ في مستهلِّ عمله أن يَقِفَ أمامَ المصطلحات التي يَبني عليها عملَه.

 

ففي تحديدِ المصطلح هدفانِ رئيسان:

الأوَّل: يتمثَّل في كونِه شرطًا رئيسًا في كلِّ عملٍ عِلميٍّ؛ لأنَّ غيابَ التحديدِ الدقيقِ والمنضبِط للمصطلحِ يجعل العملَ العِلميَّ يُعاني التخبطَ والاضطراب.

 

الثاني: يُمكِّننا في بحثِنا هذا مِن إظهارِ الضوابطِ الصرفيَّة الخاصة بالصِّيغ، كما يُحدِّد الفروقَ الدَّلاليةَ بينها، وعندَها نتمكَّن مِن الحُكم بإمكانيةِ أن تنوبَ صِيغةٌ عن أخرى مِن عدمِها.

 

وأبدأ بتحديدِ المراد مِن التناوب الدَّلالي، وأعني به: أن تقومَ صيغةٌ ما بأداءِ الدَّورِ الدَّلالي المنوط بصيغةٍ أخرى، وهو ما يُمكن فَهمُه في كثيرٍ مِن نصوص علمائنا القُدامى[8]، الذين يُقرُّون بإمكانية ذلك، وأقوالهم الواردة في ذلك مِن الكثرةِ بمكان؛ إذ كثيرًا ما تقرأ مجيء (فاعل) بمعنى (مفعول) والعكس أيضًا، إلى جانبِ ما نُردِّده مِن ورود (فعيل) بمعنى (فاعل) أو (مفعول)، ومجيء (فعول) بمعنى (فاعل) أو (مفعول)، وغير ذلك مِن الأقوالِ التي أصبحتْ متداولةً عندنا وعندهم.

 

وسوف يقتصِر البحثُ في علاجه لقضيةِ التناوب الدَّلالي بين صِيغ الوصفِ العامل على الزَّاوية التقسيميَّة لهذه الصِّيغ، لا التصريفيَّة، وأعني بالزاوية التقسيميَّة: النظر إلى التناوب الدَّلالي بين الصِّيغ تبعًا لتنوعِ مسمياتها، أو لنقُل: تبعًا لمعانيها الصرفيَّة؛ مِن فاعليَّة، ومبالغة، ومفعوليَّة، وصِفات مُشبَّهة، كل هذا مع اتِّحاد المادَّة اللُّغوية للصِّيغ، وهذه التقسيماتُ الصرفيَّة نابعةٌ مِن استقلالِ كلِّ قسم منها في الشَّكل والدَّلالة عن غيرِِه، وفي هذا الصَّدَد سوف يعرض البحث لمفهومِ هذه الأقسام؛ ليعينَ خصائص ومميزات كلِّ قسم منها، رابطًا كلَّ قِسم بمعناه الخاص به، والثابت فيه؛ لكي يتسنَّى له الحُكم بإمكانيةِ التناوب بينها، مع وجودِ هذه الفروقِ الدَّلاليَّة؛ وإذًا فنظرتُنا إلى التناوبِ الدَّلالي بيْن الصِّيغ هي نظرةٌ تعتمد على المخالفةِ بين الصيغ والأشكال في المادَّة اللُّغويَّةِ الواحدة، مِن خلالِ تنوعاتها المتعدِّدة.

 

وثمَّة نوعٌ آخَرُ للتناوب يُمكن النظرُ إليه مِن الزاوية التصريفيَّة، ويرجِع هذا النوع إلى اللواصقِ الصرفيَّة التي تُكسِب الكلمةَ معانيَ دَلاليةً جديدة، مِن خلال العناصر الالتصاقيَّة التي زِيدت عليها، لكنَّها مع ذلك لم تُخرجْها عن معناها الصرفي إلى آخَر، فمعنى الفاعليَّة مثلاً تؤدِّيه صِيغٌ متعدِّدة بتعدُّد اللواصقِ الزائدة على أصلِه اللُّغوي، منها (فاعل، مُفْعِل، مُفَعِّل، مُفاعِل، مُفتعِل، مُتفعِّل، مُتفاعِل، مَفْعل، مُستفعل......... إلخ) ولا شكَّ في أنَّ كل صِيغة مِن تلك الصِّيغ تدلُّ على معنَى الفاعلية مِن زاويتها الخاصَّة بها، فإذا كانتْ صيغة (فاعل) يُنظَر فيها إلى مجرَّد الوصف، فإنَّ صيغة (مفعِّل) يُنظَر فيها إلى معنَى التَّكثير، وصِيغة (مفاعل) يُنظَر فيها إلى معنَى المشاركة، كما يُنظَر إلى (مفتعل) بما فيها مِن معنى التَّكلُّف، وإلى معنَى الطَّلَب في (مستفعل)... وهكذا، وهذا التنوُّع الدَّلالي بيْن الصِّيغ في المعنى الصَّرفي الواحِد لن يقوم البحثُ بمعالجتِها؛ لمحدوديتِه وضِيق مساحتِه مِن جانب، ومِن جانبٍ آخَر لإيمانِ صاحِبِ البحثِ بأنَّ كلَّ عنصرٍ يَلحَق الكلمةَ يُصاحبه بالضرورةِ تغيُّرٌ دَلاليٌّ نابعٌ مِن تغيير صِيغته، فاللفظُ - كما يقول السُّهيليُّ -[9] جسَدٌ، والمعنى رُوح له، وأي تغيير في اللفظِ يُفضي بالضرورةِ إلى تغيُّر في المعنى؛ لأنَّه تابعٌ له في جميعِ ما يَعتريه مِن زيادة أو نُقصان، ولا يُمكن تصوُّر حُدوثِ هذه التغييرات في اللفظِ اعتباطًا، وإنَّما بحسبِ ما تُضفيه من معنًى، وعليه؛ فلن يَقِفَ البحث مثلاً أمامَ الفَرق الدلالي بين (قادر) و(مقتدر)؛ لانتمائِهما إلى معنًى صرفيٍّ واحِد، ولإيمانِ صاحبه بأنَّ كلَّ زيادة في المبنَى يُقابلها زيادةٌ في المعنى؛ ولذا عَلَّق ابن جِني على قوله - تعالى -: ﴿ فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ﴾[10] بقوله: "(فمُقتدر) هنا أوفقُ مِن (قادر)؛ مِن حيثُ كان الموضعُ لتفخيمِ الأمْر وشِدَّة الأخْذ[11]"، كما لن يلتفتَ البحثُ إلى الفَرْق الدَّلاليِّ بيْن (الرَّحمن) و(الرَّحيم) مثلاً، كهذا الذي أشار إليه ابنُ القيِّم مِن أنَّ الرحمن دالٌّ على الصِّفة القائمة به سبحانه، والرحيم دالٌّ على تَعلُّقها بالمرحوم، فكان الأوَّل للوصف، والثاني للفِعل[12]، وأيضًا لن يقفَ أمامَ الفَرق الدَّلالي بين (محمود) و(محمد)، كهذا الذي أشار إليه ابنُ دُريدٍ مِن أنَّ محمدًا مفعَّل صِفة تلزم مَن كثُر منه فِعلُ الحمد، وليس ذلك في محمود "كما تقول: كَرَّمته وهو مُكَرَّم، وعَظَّمته وهو مُعظَّم، إذا فعلتَ به ذلك مرارًا.... والدَّليلُ على أنَّ محمودًا حمِد مَرَّةً واحدة، ومحمَّد حمِد مرةً بعدَ مرةٍ، قول الشاعر:

فَلَسْتَ بِمَحْمُودٍ وَلاَ بِمُحَمَّدٍ
وَلَكِنَّمَا أَنْتَ الحَبَنْظِي الحُبَاتِرُ"[13]

 

 

أقول: لن يَقفَ البحثُ أمامَ مِثل هذه الصِّيغ؛ لانتمائِها إلى معنَى صرفي واحِد.

 

وفي مجالِ تحديدِ مصطلح التناوب الدَّلالي أودُّ أن أنوِّه إلى أن ثَمَّةَ مصطلحًا آخَر لن يقفَ البحثُ أمامه أيضًا؛ لتعلُّقه بالتعدُّدِ الوظيفي للعُنصر اللُّغويِّ الواحِد، وهو ما يُمكن أن أسمِّيه بـ"التناوب الوظيفيّ"، ويُقصَد به استعمالُ العُنصْرِ اللُّغويِّ الواحِد في الدَّلالة على أكثر مِن معنًى صرفيٍّ واحد، فثمَّة صِيغ في اللُّغة تَصلُح في دَلالتِها الوضعية الأولية، وقبل تهيُّئِها للدخول في التراكيب المختلفة للتعبير عن أكثر من معنى صرفي واحد، فالصيغتان (مَفْعِل - مَفْعَل) صالحتان لأن تكونا مصدرًا ميميًّا، أو اسم زمان أو مكان، والأمْرُ نفسُه يصدُق على صِيغ اسم المفعولِ مِن غير الثُّلاثي؛ إذ تصلح في ذاتِها وبمعزلٍ عن سياقِها للتعبير عن معانٍ صرفيَّة متعدِّدة، كاسمِ المفعول، والمصدرِ المِيمي، واسمي الزمان والمكان، والسياقُ وحْدَه كفيلٌ بتعيين المعنى المستفاد، وغالبًا ما يتراجع ملحظ البنية في مثل هذه الحالات عن أداء دوره في تحديد المعنى الصَّرفي والوظيفة النحويَّة، ويبرز دور الدَّلالةِ والمعنى العام لسِياق التراكيب.

 

ولا يَقتصِر التعدُّدُ الوظيفيُّ على المعاني الصرفيَّة، بل يتعدَّاه ليشملَ التعدُّدَ في الوظائف النحويَّة، وهذا موضوعٌ له شأنُه، ويمكن أن تُفرَدَ له بحوثٌ مستقلَّة؛ ولذا فلن يكونَ مِن شُغلي مثلاً الوقوفُ أمامَ المصدر عندما يقَع في وظائفَ نحويَّةٍ خاصَّة بالمشتق، كالخبَر والحال والنَّعْت، وهي وظائفُ خرجتْ عن منهجهم في تحديدِ الشروط الصرفيَّة لهذه الوظائف النحويَّة، كما لن يكون مني وقوف أمام الوصف المشتق إذا شغل وظيفة خاصَّةً بالمصدر، كأنْ يَقَع مفعولاً مطلقًا مثلاً، أقول: إنَّ هذا البحثَ لن يلتفتَ إلى هذا التعدد الوظيفي للصِّيغ الصرفيَّة؛ إذ لم يأخذْ على عاتقِه أن يبيِّن دَورَ البِنية الصرفيَّة في تحديدِ الوظيفةِ النحويَّة؛ لاقتناعِه بأنَّ البِنَى الصرفية تتعدَّد مَعانيها الوظيفيَّة، مع إدراكِه عدمَ تَساوي هذه البِنَى الصرفيَّة في شغلِها للوظيفةِ النَّحْويَّة، فمنها ما يكون أصليًّا في أدائه للوظيفة، ومنها ما يَتطفَّل عليها لأغراضٍ دَلاليَّة خاصَّةٍ بالسياق، وهذا ما جعَل نُحاتَنا القُدامَى يَقفون طويلاً أمامَ المصدر إذا وقَع خبرًا أو حالاً أو صفةً، مبيِّنين أنَّ ثمة سرًّا دَلاليًّا من وراء ذلك، يَذكُر ابنُ يَعيشَ مثلاً أنَّهم قد يَضَعون المصدرَ موضعَ اسم الفاعل، فيقولون: رجل عدْلٌ ورِضًا وفضْل، ثم يذكر سرًّا دَلاليًّا مِن وراء شغل المصدرِ لهذه الوظيفة، فيقول: "كأنَّه لكثرةِ عدلِه والرِّضا عنه وفَضْله، جعلوه نفسَ العدل والرِّضا والفضل"[14]، ويَذكُر الإمام عبدالقاهر شيئًا قريبًا مِن هذا في تعليله وقوعَ المصدر خبرًا في قول الخنساء:

تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ حَتَّى إِذَا ادَّكَرَتْ
فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارُ

 

فيقول: "جعَلتها لكثرةِ ما تُقبِل وتدبر، ولغلبةِ ذاك عليها، واتِّصاله منها، وأنَّه لم يكُن لها حالٌ غيرها، كأنَّها تجسَّمتْ مِن الإقبال والإدبار[15]"؛ ولذا وجَدْنا نُحاتنا يُركِّزون على الأصولِ العامَّة للأبواب النحويَّة، مِن خلال استخلاصِهم للخصائصِ المميزة لهذا البابِ عن ذاك، وكان أهمُّ ما استخلصوه مِن ذلك ملحظَ البِنية الصرفيَّة، فللمصادرِ وظائفُ خاصَّةٌ بها، تتميَّز عن غيرِها بحاجتها إلى بِنية أُحادية الدَّلالة، تُعبِّر عن معنَى الحدَث وحْدَه؛ إمَّا لتأكيد حدَثٍ سابق، وإمَّا لبيانِ عِلَّته، وللوصفِ المشتقِّ هو الآخَر وظائفُ خاصَّةٌ به، تتميَّز بحاجتِها إلى بِنية ذاتِ دَلالة ثُنائية، تترابَط في سِياقِها بدَلالتِها المزدوجة هذه: معنى الحدَث، والذات المتَّصفة به؛ لذا "فهو دالٌّ على معلومين: حامِل ومحمول، فالحامِلُ هو الاسمُ المُضْمَر، والمحمول هو الصِّفة[16]".

 

وقدْ وُفِّق نحاتنا عندما جَعَلوا الأصولَ التي اعتمدوا عليها في تحديدِهم للبابِ النَّحْوي عامَّةً؛ إذ كثيرًا ما يَخرُج البابُ عليها في استثناءات، أو لنقُلْ: في بنود فرعيَّة تلحق به، وقدْ تَحقَّق لهم مِن ذلك أمران:

1- استيعاب قواعدِهم لِمَا خَرَج عن هذا الأصلِ العام، وذلك في صُورةِ استثناءاتٍ تُذكَر لاحقةً له.

 

2- تفسير هذا الخروجِ تفسيرًا دَلاليًّا، أو فتْح الباب أمامَ التأويل بوصفِه وسيلةً مِن وسائلِ تَفسير التحوُّلِ عنِ الأصل العامِّ للبابِ النَّحْويِّ، فإذا شغل الوظيفةَ النحويَّة قالبٌ يُخالِف ما وُضِع له مِن شروط، أُوِّل معناه بقالبٍ آخَر يُطابق شروطَهم العامَّة لهذا البابِ النحوي، حتى يصحَّ التركيبُ معه، ومِن ثَمَّ فالتأويل كان وسيلةً مِن الوسائل التي اعتمدوا عليها في مواجهةِ خُروجِ بعضِ الأنماط الصرفيَّة عن قواعدِهم التي اشترطوها فيما يَنبغي أن تكونَ عليه البِنيةُ الصرفيَّة لشغْل الوظيفةِ النحْويَّة.

 

وعلى العموم، فإنَّ هذا البحثَ لن يقفَ أمامَ هذا النوع مِن التعدُّدِ الوظيفيِّ للصِّيغةِ الواحِدة؛ لأنَّ مَقصِدَه منصبٌّ على التناوبِ الدَّلالي بين عناصر الوصفِ العامِل، أمَّا القول بالتناوب الوظيفي، فهو أمرٌ مشروع، ومُعتَرف به مِن قِبل علمائنا القُدامى، ومنَّا أيضًا.

 

واستكمالاً لتحديدِ مُصطلحات هذا البحثِ؛ يَتعيَّن على الباحثِ أن يُحدِّد مُرادَه مِن مصطلحِ الوصفِ العامِل، وسوف يَعتمِد في تحديدِه لهذا المصطلح على ما وَرَد عن عُلمائنا القُدامى؛ لأنَّ مادَّةَ بحثِه هي نفسُها مادةُ بحثهم: اللُّغة الفُصحَى ممثَّلة تمثيلاً رئيسًا في النصِّ القرآني والوارد مِن كلام العرب في عصرِ الاستشهاد، ولاقتناع الباحِثِ بأنَّ الجديدَ الحقَّ لا ينسلخ عنِ القديم، ولا يَرفُضه لمجرَّدِ أنَّه قديم، كما أنَّ عَرْضَه لآراء القدامى لن يكونَ مِن باب التقليد الأعمى لهم، وإنَّما هو عرضٌ لإعادةِ الصياغة، وإضاءةِ بعضِ الجوانب منه، أو سدِّ نقْصٍ هنا أو هناك.



[1] د. أحمد عبدالعظيم، "الوحدات الصرفية ودورها في بناء الكلمة العربية" (ص: 60)، دار النصر للنشر والتوزيع بجامعة القاهرة، د. ت.

[2] أبو الفتح عثمان بن جني، "الخصائص" (3/98)، تحقيق محمد علي النجَّار، بيروت، دار الهدى للطباعة والنشر. الطبعة الثانية.

[3] الإمام بدر الدين محمَّد بن عبدالله الزَّركشي، "البرهان في علوم القرآن" (1/297)، تحقيق محمَّد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، دار التراث. 1376هـ.

[4] سبَق التعريف به.

[5] ساعدتْ جامعة بغداد على نشرِه، الطبعة الأولى 1401هـ/ 1981م.

[6] صَدَر عن دار المعرفة الجامعيَّة بالإسكندرية سَنة 1985م.

[7] صدَر عن دار البشير بالأردن، الطبعة الأولى 1414هـ/ 1994م.

[8] يمكنك الرجوع إلى: سيبويه، "الكتاب" (3/647)، تحقيق عبدالسلام هارون. مكتبة الخانجي بالقاهرة، د. ت. وابن يعيش، "شرح المفصل" (5/51)، بيروت. عالم الكتب. د. ت، والأشموني "شرح الأشموني على ألفية ابن مالك" (1/574)،  القاهرة دار إحياء الكتب العربية، عيسى الحلبي. د. ت.

والسنباطي. أحمد بن عبدالحق، "فتح الحي القيوم بشرح روضة الفهوم"، ضمن كتاب (رسالتان في عِلم الصرف) (ص: 94)، تحقيق أحمد ماهر البقري. الإسكندرية، المكتب الجامعي الحديث 1988م، وعبَّاس حسن، "النحو الوافي" (3/272)، القاهرة. دار المعارف.

[9] أبو القاسم بن عبدالرَّحمن السُّهيلي، "نتائج الفكر في النحو" ص (99)، تحقيق الدكتور محمد إبراهيم البنا، الرياض، دار الرياض للنشر والتوزيع 1404هـ 1984م.

[10]سورة القمر، آية: 42

[11] ابن جني، "الخصائص" (3/265)، وانظر: جلال الدين السيوطي، "الأشباه والنظائر" (1/171)، بيروت. دار الكتب العلميَّة ط1، 1405هـ/ 1984م.

[12] شمس الدين أبو عبدالله محمَّد بن قيِّم الجوزية، "بدائع الفوائد" (1/37)، تحقيق بشير محمد عون - الرياض. مكتبة المؤيد. ط1، 1415هـ/ 1994م.

[13] أبو بكر محمَّد بن الحسَن بن دُريد، "الاشتقاق" (ص: 8)، تحقيق عبدالسلام هارون. مكتبة الخانجي بمصر 1378هـ. 1958م.

[14] ابن يعيش النحوي، "شرح المفصل" (3/50).

[15] الإمام عبدالقاهر الجرحاني، "دلائل الإعجاز" (242)، تصحيح الشيخ محمد عبده والشنقيطي، القاهرة. مكتبة ابن تيمية. 1411هـ 1990م.

[16] ابن القيم، "بدائع الفوائد" (1/187).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • علم الدلالة واللسانيات
  • الدلالة اللغوية

مختارات من الشبكة

  • التناوب الدلالي بين صيغ الوصف العامل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مدخل التناوب في المعنى بين حروف العطف (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ظاهرة تناوب حروف الجر في الدرس النحوي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تضرع وقنوت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ازدواجية الحقل الدلالي بين الصمت والمحادثة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفرق الدلالي المائز بين "الكسب والاكتساب" في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أدعية الاستفتاح: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيني وبين فتاة علاقة عاطفية وعرف أهلها ما بيننا(استشارة - الاستشارات)

 


تعليقات الزوار
1- الدراسات السابقة
عبدالملك حسن - lipya 09-04-2013 12:24 AM

هناك دراسات سابقة نتمنى الاطلاع عليها منها مثلا تناوب الصيغ في التعبير العربي للدكتور بشير الزقلام في مجلة كلية الدعوة الاسلامية العدد الرابع سنة 1987م بالإضافة الى رسالة ماجستير بعنوان تناوب الصيغ وأثرها الدلالي في القران الكريم بجامعة الزاوية في ليبيا وأظنها أكثر عمقا مع تمنياتي للجميع الاستفادة

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب