• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

ثلاثية الحلم والوطن والذات في ديوان تكوين حلم (1/2)

ثلاثية الحلم والوطن والذات في ديوان تكوين حلم (1/2)
أ. طاهر العتباني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/9/2011 ميلادي - 23/10/1432 هجري

الزيارات: 7832

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ثلاثية الحلم والوطن والذات في ديوان تكوين حلم
للشاعر صهيب محمد خير يوسف
(2/1)

 

صهيب محمد خير يوسف يوسف شاعرٌ سوري شاب، ينتمي إلى مدرسة الأدب الإسلامي، صدر له ديوانان شعريان:

• الأول: تكوين حلم، صدر عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، فائزاً بالمركز الأول في فئة الشعر من جائزة الشارقة للإبداع العربي – الدورة الثانية عشرة: 2008 - 2009م.

• الثاني: يوميات خلوق، وهو ديوان شعر للأطفال فاز بجائزة دولة قطر لأدب الطفل – الدورة الثانية - 2009م.

 

في هذه المقالة نتعرض لديوانه الأول (تكوين حلم) باعتباره إنجازاً شعريًّا متميزاً في مجال الكتابة الشعرية التي يلتقي فيها رافِدَا التراث والمعاصرة، كما يحمل في طياته قدراً كبيراً من الحساسية الشعرية ذات المذاق الحداثي الذي يأخذ من الحداثة إضافتها في الناحية الفنية الخالصة، وإن خالفها في مقولاتها الأيديولوجية التي تتبناها مثل القطيعة مع التراث، فهو ينغمر في التراث ويستوعبه ويستوحيه ويمتح من معينه، بنفس القدر الذي يعانق فيه أصداء الحداثة والتحديث في بعده الفني الخالص.

 

والسِّر في هذا الموقف الذي يصنعه الشاعر من خلال الديوان (تكوين حلم) هو انتماؤه – كما أشرنا – إلى دوحة الشعر الإسلامي المعاصر التي مدَّت جذورها في تربتنا الثقافية المعاصرة وأصبح لها عددٌ من الروَّاد الأوَل الذين مهَّدوا سبيلَها وارتقَوا بنماذجها، من أمثال نجيب الكيلاني ومحمود مفلح وعبد الله عيسى السلامة وعبد الرحمن العشماوي، ثم سيراً على الدرب جاء الجيل التالي الذي حاول تطوير القصيدة في بُعدها الفني وتعانُقها مع أصداء العصر وحساسيته الجديدة.

 

ومع ديوان تكوين حلم نكُون مع صورة من الجيل الثالث أو الرابع، أو من طلائعه، حيث يسير بالقصيدة مدًى أبعد، مُدركاً أن العمل الشعري المعاصر يحمل - أو يجب أن يحمل - قدراً من الخصوصية الفنية، ليشكل إضافة فنية لصياغات مدرسة الشعر الإسلامي المعاصر.

 

لا يقف الشاعر عند معطيات القصيدة العمودية التقليدية ليردد ما قال السابقون، ولكنه يحمل على عاتقه عبءَ الإضافة والتجديد والتحديث والتميز، ويصنع لنفسه حلماً يكوِّنه بنفسه، مرتكزاً على عددٍ من الأُسس، منها:

1- الموقف الإسلامي الملتزم بقضايا الأمة وإرثها الحضاري ومقوماتها التاريخية في الزمان والمكان.

2- الإصرار على التجديد والإضافة التي تتمثل التراث وتعيه ولا تنفصل عنه، ولكنها في ذات الوقت لا تمثِّل تكرارية ولا ترديداً لِما سبق.

3- الاستفادة من عطاءات المدارس الأدبية المختلفة والحداثية منها على وجه التحديد، واستلهام تجديداتها الشكلية، وتنزيل هذه العطاءات في إطار الرؤيا الإسلامية للشعر.


وإذا أردنا الدخول إلى عالم الديوان فستقابلنا في القصيدة الأولى ملامح تشي بالرؤيا الأساسية التي يحتويها الديوان والتي ترتكز على محاورَ ثلاثة:

المحور الأول: الحلم، والذي يؤكد حضوره بقوة في الديوان عنوان الديوان نفسه (تكوين حلم)، والذي تتكون مفرداته من الجامع الأموي الذي يمثل الرمز الإسلامي لحقبة من حقب الازدهار الإسلامي الأول في عصر بني أمية الذين كانت دمشق عاصمة لهم، كما مثلت للشاعر في نفس الوقت موطناً وحلماً. وهنا يظهر المحور الثاني للرؤيا: الوطن الذي يفتش عنه الشاعر ويبحث لعله يجده. ومن ثم يتبدى المحور الثالث لهذه الرؤيا الشعرية: الذات، التي تتشبث بالحلم وتبحث عن وطن:

- مَمَرٌّ يؤدِّيْ إلى الجامِعِ الأُمَوِيِّ -

رأَيتُ دِمَشقَ القَديمةَ تَجْتَرِحُ العابرينَ،

تُضِيءُ أصابِعَها،

وتُضيءُ القَمَرْ

ورأيتُ التَّراتيلَ تَخْضَرُّ غُصْناً فَغُصناً

لِتبقَى دمشقُ مُضمَّخةً بِجَلالِ السُّوَرْ

ورأيتُ المآذِنَ تتَّكِئُ الياسَمِينَ،

تُلَوِّحُ بالسِّندِيانِ إلى بَرَدَى،

وتُردِّدُ بَيْنَ القَناديلِ تَكْبِيرَها

في مَهَبِّ السَّفَرْ

.. بينَ تلكَ المآذِنِ كُنتُ أُفَتِّشُ عنْ وطَنٍ،

وَأُؤَلِّفُ وَعْدَ المَطَرْ... ( الديوان: 5 - 6).

 

نجد أنفسنا في هذه القصيدة الافتتاحية، أو القصيدة المفتاح، أمام خلاصة الرؤيا وأعمدتها الأساسية التي تنبثُّ في كل قصائد الديوان بشكل أو بآخر.

 

كما نجد مفرداتها تتمثل في (الجامع الأموي – دمشق – تضيء – التراتيل – المآذن – بردى – القناديل – التكبير – وطن). كل هذه المفردات ذات العمق والحس الإسلامي تعمِّق من عُمُد الرؤيا الأساسية (الحلم – الوطن – الذات)، وتعطي لها نكهة إسلامية واضحة تشي بالعمق الحضاري والتاريخي الذي يرتكز عليه الشاعر، وهو ما سنلاحظه عبر الديوان كلِّه، ففي كل قصائده سيلحظ القارئ هذا الطعم المتميز للمفردات المستعملة في الديوان، كما يؤكد عنوان القصيدة (بين القناديل) أن لحظة صناعة الحلم والتفتيش عن الوطن يلزمها زخم كبير من وضوح الرؤيا فتكون القناديل هي الكاشف للحظة توحد الذات مع الحلم والوطن.

 

والحلم لا يتكون بسهولة، ورغم ذلك فإنه يحاول أن يتكون، لكن عقبةً كأداء تقف في طريق تكوينه:

(فاللَّيلُ مازالَ مُلتَصِقاً بالسَّماءِ) الديوان: 7.

 

ولكن الذات التي تصنع الحلم لا تنتظر حتى يصنع، إنها تمتد لتكوِّن صورة الحلم نفسه:

أنا صُورةُ الحُلْمِ في الأَرضِ

حَيًّا سأَخرُجُ مِن جُثَّتيْ،

وأَسِيرُ قُروناً تُخادِعُني بالجِهاتِ

.. خُذِينيْ لأَبْعَدَ مِن جُثَّتيْ يا جِهاتُ:

إلى واقِعِيْ المُشتَهَى

أوْ إلى سِدرَةِ المُنتَهَى ( الديوان: 7).

 

ثم ها هو يوجه الذات لتكُون على قدر عظمة الحلم:

- للتَّوَحُّدِ في صَحْوَةِ الحُلْمِ كُنْ جامِحاً وأنِيقاً كَحُلْمِكَ،

واتْبَعْ حَنِينَكَ حِينَ يُناديْ الغِيابَ

.. وفكِّرْ:

أيَكْفِيْ السُّقُوطُ الأخيرُ لأَطْوِيَ مِن أَجْلِهِ كُلَّ حُلْمِيْ؟! -. (الديوان: 8).

 

إنه يتشبث بالحلم ويؤكد أن الذات يجب أن تكون على قدر الحلم جموحاً وأناقة، ولا يعترف بالفشل الذي قد تكرر مراتٍ، فعبارة (السقوط الأخير) تشي بأن محاولة تكوين الحلم ولحظاتِ صحوِهِ قد تكررت، ولكن ذلك لا يعني طيَّ صفحات ذلك الحلم، بل يعني معاودة تكوينه مرةً أخرى، بل مراتٍ أخرى.

 

وإذا كانت الذات تتحمل كل هذه العذابات وهي تحاول تكوين الحلم، فإنها تتوحد مع الآخرين الذين يتمثل فيهم الوطن رموزاً، وهذا واحد منهم: إنه الفتى (الذي...). لا يذكر الشاعر صهيب جملة الصلة في عنوان القصيدة ليترك كلمات القصيدة تشي بملامح ذلك الفتى (الذي...):

جَمْرةٌ في يَدِهْ

وعلى وَجْهِهِ أثَرٌ

لِفَتًى كانَ في أُحُدِهْ

يَنتَبِهْ..

في لياليْ الحَنينِ..

فيَرفَعُ أحزانَهُ

جَمرةً جَمرةً.. بِيَدِهْ

اَلَّذيْ يُتقِنُ المَشْيَ فوقَ الصِّراطِ

إلى مَسْجِدِهْ

والَّذيْ كُلَّما انطفَأَ اللَّيلُ

أشعَلَ نَجْماً جديداً على بَلَدِهْ

وتوضَّأَ بالنُّورِ،

بالأَزْرَقِ المُتَلألئِ في أَبَدِهْ (الديوان: 9 - 10).

 

إنها صورة الذي....، أو جملة الصلة التي افتقدت في العنوان.

 

ثم يعلن الشاعر لحظة التوحد بهذا الذي....، فيقول:

أَتَبَتَّلُ مِثلَ الَّذيْ..

فأَمُدُّ لِقَلبِيَ سَجَّادةً حُرَّةً

تَطمَئنُّ إلى مَدَدِهْ:

مَنْ أنا؟

يا إلهِيْ، أنا سالِكٌ..

عادَ يَحْمِلُ ذُلَّ الذُّنوبِ إلى سَيِّدِهْ (الديوان: 10 – 11).

 

تتمثل الذات هنا في صورة السالك الذي يقوم بواجب العبودية الكاملة إلى ربه في تبتلٍ وابتهال، وتحمل ملامح نبوية، فإذا هي صورة لكثيرين ممن يملؤون ربوع الوطن (كأحد المحاور الثلاثة)، إنهم كما يسميهم الشاعر – متمثلاً المعنى النَّبوي –: القابضونَ على الجَمْر، وهُم هم كذلك القابضُون على الفَجْر، والذين يمتلكون رؤيةً مغايرة لما هو سائد في ربوع الوطن، وبذلك يصبحون جزءًا من طاقة الحلم الذي يسعى الشاعر إلى تكوينه في إصرارٍ ويقين.

 

وكما تتوحد الذات بالآخرين، فإنها تبصر من بينهم بصفةٍ خاصة الشهيدَ، فتفرد له أغرودةً خاصة به. إنه ما يصنعه الشاعر في قصيدة (عندما لا يعودون) حين يغني للشهيد:

كانَ يَترُكُ في دفترِ الذِّكرَياتِ الأنيقِ سُطوراً مِن الحُبِّ والأُمنياتِ القَدِيْمَةِ..

يَكتبُ عن سَبْعَةِ الأصدِقاءِ، يُحاوِرُ أسماءَهمْ،

يَتَسَلَّلُ مِن لَحَظَاتِ الوداعِ إلى لَحَظاتِ اللِّقاءِ..

يَعُدُّ القُرَى والممَرَّاتِ:

كانَ هُنا مَعَ صاحبِهِ، وهُنا سارَ وَحْدَ النَّشيدِ وعادَ حَزِيناً (الديوان: 13).

 

إنه يتمثل ذكراه في أشيائه المختلفة:

لِذِكْراهُ وَجْهانِ؛ فالهمُّ لا يَعرِفُ الذِّكْرَياتِ السَّعيدةَ دَومًا..

هُنا:

مَرَضٌ صامِتٌ، بَيتُ شِعرٍ تقَاسمَ سَطرًا وهامِشُ نقدٍ،

غِيابُ صديقٍ عن الأرضِ، خَرْبشَةٌ دُوْنَ مَعْنًى،

عِتابٌ بِحِبْرٍ رَشِيْقٍ، خَواطِرُ تَنْتَظِرُ القارِئينَ، انفِعالٌ..

وأشياءُ يَترُكُها تعِبًا، ويَعُودُ إلى غَيْرِها في المَساءْ (الديوان: 14).

 

إنها أشياء توحي بأنه شهيدٌ غير عادي!.. إنه شهيد مِن ذكرياته بيت شعر وهامش نقد وحبر رشيق وخواطر تنتظر القارئين وانفعال.

 

إنه شهيد من شهداء الكلمة يتوحد معه الشاعر ولعله شهيد مجازي يرسمه الشاعر لصورة الذات في محاولتها تكوين الحلم.. ويحدث الإخفاق لهذا التكوين.. وتسقط الذات الشهيدة في صراعها من أجل الحلم.

 

وتتطور صورة الشهيد لترسم آفاقاً أبعد وأوسع بعد أن رحل، وبعد استعراض لحظات رحيله، وما على قبره من ورود، وما امتد حول قبره من جليد النسيان، كشهيد ينتمي للبؤساء ويخرج من بينهم، ويجرد الشاعر من معنى الشهيد عدداً من التجريدات تتمثل صورته في شكلها الأخير والنهائي:

الشَّهيدُ التِقاءُ التُّرابِ مَعَ الأبْيَضِ الأبَدِيِّ..

الشهيدُ الخُلودُ: يُسافِرُ بينَ الفَرادِيْسِ ما شاءَ

.. بَعْدَ نهايةِ تِلكَ الحَياةِ أليسَ جَميلاً إذا عاشَ كُلَّ الحَياهْ؟ (الديوان: 17).

 

يتحول الشهيد إذاً في النهاية إلى قيمة مجردة، تهَب الحياة معناها، وتسمو فوق ذكريات اللحظة والموقف، وينغمس الشاعر في معطياته المرجعية التي تندغم مع القول النبوي في ضحك الله للشهداء:

(يَضحَكُ اللهً لِلشُّهَدَاءِ..) الديوان: 17.

 

على أن محور الوطن يشتعل في عدة مواطن في الديوان ويتعانق كذلك – كما مرَّ بنا – مع المحورين الآخرين (الذات والحلم) ليشكل الثلاثةُ في كل قصيدة نوعاً من التناغم والالتحام، كما أن مفهوم الوطن عبر الديوان يتسع لا ليقف عند سورية ودمشق بما يحفلان به من امتدادات زمانية وتاريخية – كوطن أُم بالنسبة للشاعر – بل يتماهى مع المفهوم العربي للوطن والمفهوم الإسلامي ببعديهما التاريخي والروحي.

 

وفي قصيدة (مقام عراقي) تظهر صورة الوطن المأساة محملةً بزخمٍ روحي:

اليومَ قدْ تبكِيْ السَّماءُ.

تقولُ مِئذَنةٌ لِمئذنةٍ

قُبَيلَ سُقوطِها عَن غَيمةٍ

مَرَّتْ لِتَهطِلَ بَيْنَ أَصْداءِ الأذانِ السَّرمَدِيِّ

.. الغَيمةُ اقترَبَتْ لِتَرثيَها... ( الديوان: 19).

 

ومحملة بزخمٍ مأساوي يمتد عبر القصيدة كلها:

الخوفُ يَفترِسُ الضَّحايا

والقنائصُ كَالجَرادِ

.. على المقابِرِ لَمْ أجِدْ إِسْماً يُمَيِّزُ بَيْنَ مَوتِكُما

فَنَامَا في لِسانِ الرَّملِ.. نامَا صامِتَينِ.

يقولُ حَفَّارُ القُبُورِ لِجُثَّتَينْ ( الديوان: 20).

 

ويصبح العدم المأساوي هو المسيطر على المشهد كله في العراق، حيث أصبح الموتُ خبزاً يوميًّا يقتاته الأحياء قبل الأموات.

 

والشاعر/الذات لا يؤمن إلا بالبندقية، حيث يقول القناص الذي يقع عليه عبء الثأر، والذي نرجح أنه صوت الشاعر في هذه القصيدة متعددة الأصوات:

لِلبُنْدُقيَّةِ أنْ تكُونَ حَدِيقةً،

لِلبُندُقيَّةِ أنْ تكُونَ صَدِيقةً،

لِلبُندُقيَّةِ أنْ تكُونَ، وأنْ تكُونَ... ( الديوان: 22).

 

وإذا كان هذا هو صوت القناص الثائر، فإن الأصوات الأخرى تتناغم مع صوته كلٌّ بطريقته الفريدة التي تعبِّر عن مدى عمق المأساة في الوطن، فالدم يتكلم ويقول، وحفار القبور الذي يواري الجثث يتكلم ويقول، والفتى الذي تشكله ذكريات هذه الصور كلها، متمثلة في العدم وجثة المنزل الذي كانت تعود إليه الجدة الفقيرة والمحاريث الفقيرة والدنانير الفقيرة وابتسامات المساء.

 

ويمتد حوار المتكلمين عبر القصيدة لنجد من بينهم الغريب واليتيم الذي يخلفه القتل، كما يمتد ليشمل (الرشيد) كواحد من أعظم من حكموا المسلمين من العراق:

قالَ الرَّشِيدُ: وَلَوْ تَبَقَّتْ نَخْلَتانِ فَلا تَغِيبُوا عَن عِراقِ النَّخلَتَينْ،

وبَكَى الرَّشيدُ على العِراقِ..

بَكَتْ سَماءُ الرَّافِدَينْ ( الديوان: 23).

 

هنا نجد التِحام الذات التاريخية التي تسترفد الحلم مع الوطن المأساة لتظهر - في عمق المقارنة بين التاريخ والحاضر – رؤية فنية يؤكدها الشاعر من خلال الربط بين التاريخ واللحظة الراهنة ليستطيع من خلالها استشراف المستقبل/الحلم.

 

ومما نلاحظه في هذه القصيدة اللغة الحوارية التي تستشرف آفاقا درامية للعمل الشعري، وهو ما سنلاحظ أن الشاعر يلجأ إليه في قصائد أخرى من الديوان، يأتي هذا العنصر ممتزجاً بعنصر القَص، مما يؤكد أن للشاعر رؤية درامية يريد أن يؤكدها ويعالج من خلالها رؤياه الفنية ولعل هذه الإمكانية الفنية تطرح نفسها في عمل درامي مستقل للشاعر مستقبلاً.

 

ولا يزال محور الوطن على مدار قصائد الديوان متوهجاً مشتعلاً والشاعر، يتمثله هذه المرة في صورته الروحية والتاريخية في آنٍ واحد، من خلال رمز المدينة المنورة وهجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها.

 

أول ما يتمثل معنى الوطن في قصيدة (في الطريق إليه) والتي نظن أن الشاعر استلهمها من زيارته للمدينة المنورة إن كان زارها، ويتخذ فيها من الهجرة النبوية ومفرداتها ومتعلقاتها لُحْمَةَ التجربة وسَدَاها، ويتمثل انتظار الوطن الجديد/المدينة المنورة للمنقذ صلى الله عليه وسلم:

سيِّدٌ أخضرُ الوَمضِ، يَنتظرُ النَّخلُ إشراقَهُ

.. في المدينةِ طقسٌ مِن الدَّمعِ والشَّمْعِ:

"كيفَ سيأتي ؟" ( الديوان: 25).

 

وما بين وطنين (قديمٍ وجديد) تنتظر الذاتُ المهاجرة، بل إنها تسكن مِنطقةَ الانتظار، وذلك بعد أن أصبح الوطن القديم عائقاً أمام إشراق الومض الأخضر. تحت عنوان: (قريش.. دار الندوة) يقول الشاعر في هذا المقطع الثالث من القصيدة التي تمتد عبر خمسة عشر مقطعاً، لكل مقطع عنوانٌ خاص:

رتَّبوا مَوتَهُ جَيِّدَا:

"سوفَ نُطْفِئُهُ قبلَ أن يتسرَّبَ نُورُ الهُدى"

.. وهُناكَ حُضورٌ لِجِبريلَ

يَستكمِلُ المَشْهدَ النَّبويَّ/الغَدا.

يا.. غَدا

يا أحَبَّ البِلادِ إليهِ، سيَمضيْ

ويأتيْ غداً..

سَيِّدا. ( الديوان: 27).

 

إن هذا المشهد الدرامي، بما يحويه من ظلال الحوار ومن حالة القَص والسَّرد، يؤكد قدرة الشاعر الدرامية، وهذه القدرة الدرامية مرشحة لأن تجعل مِن مثل هذه التجربة (الهجرة النبوية) عملاً مسرحيًّا شعريًّا أكدته قدرة الشاعر هذه على معالجة الهجرة النبوية بطريقة جديدة ومبتكرة.

 

ثم بعد هذا المشهد، وعلى مدار مقاطع القصيدة يتوقف الشاعر عند عدد من المشاهد من مشاهد الهجرة النبوية المباركة:

• النبي صلى الله عليه وسلم والصديق.

• الغار إذ هما فيه.

• فتية الغار القديم/الكهف، في تداعٍ مع صورة الغار في الهجرة النبوية.

• دليل الرسول في هجرته عبد الله بن أُرَيقِط، الذي كان مشركاً ومع ذلك ساهم مستأجَراً في الهجرة.

• شاعر الجن: ويتحدث هذا المقطع عن تلك الأبيات التي قيل إن هناك من كان يرددها إبَّان الهجرة ويسمعه الناس ولا يرونه، ويتماهى الشاعر فنيًّا معها.

• قصة سُراقة بن مالك الذي خرج يطلب النبيَّ صلى الله عليه وسلم للقبض عليه.

• مسجد قباء.

• موقف عمر بن الخطاب من الهجرة، وهجرته علناً وتحدياً للمشركين.

• موقف صهيب بن سِنان الرومي، والذي يمثل التضحية من أجل المنهج ومن أجل وطن جديد يتمثل فيه هذا المنهج.

• صورة المستضعفين في مكة.

• هجرة المستضعفين.

• ثم في المشهد الأخير من داخل الروضة النبوية المشرفة، وكأنه يستحضر ذلك الشريط الطويل من ذكريات الهجرة وهو في الطريق إلى المدينة في لحظة من لحظات التعانق الروحي مع هذا الوطن الروحي التاريخي الجميل، ويتأكد أن القصيدة كانت - كما ألمحنا - تجربةً فنية منبثقة من هذه الزيارة.

 

يشهد البناء الفني لهذه القصيدة على قدرة الشاعر الفنية التي استطاع من خلالها أن يقدم نموذجاً جديداً، طويلاً نسبيًّا، لإضاءة السيرة النبوية شعريًّا، ملتقطاً مجموعة من المواقف والأحداث، دامجاً بينها في بنيةٍ شعرية جديدة تماماً، تؤكد قدرةَ الشاعر وقدرة الشعر الحديث، والإسلامي منه بوجهٍ خاص، على إعادة كتابة واسترجاع المواقف المضيئة في تاريخنا بصورة جديدة تختلف عن الأسلوب التقليدي الذي درج عليه شعراء العمود الشعري في التعامل مع السيرة النبوية وأحداثها ومواقفها.

 

هذا الأسلوب الجديد لا ينسى أنه ينتمي لعصر له حساسيته الخاصة وتدفقه المختلف واندماجه المتماهي مع حداثة الشكل، في الوقت الذي يتخذ فيه موقفاً فكريًّا مختلفاً، منطلقاً من الخصوصية الحضارية والثقافية والفكرية لأمة الإسلام. (يتبع 2/2).

ثلاثية الحلم والوطن والذات في ديوان تكوين حلم
للشاعر صهيب محمد خير يوسف
(2/2)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ثلاثية الحلم والوطن والذات في ديوان تكوين حلم (2/2)

مختارات من الشبكة

  • نقد النقد الحديثي المتجه إلى أحاديث صحيح الإمام البخاري: دراسة تأصيلية لعلم (نقد النقد الحديثي) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • آداب الزيارة وشروطها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في النقد الأدبي: ما الأدب؟ ما النقد؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الأدب غير الإسلامي(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • الأدب نور العقل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مباحث ومشكلات في الأدب المقارن العربي (1)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من فرسان الأدب والنقد: الدكتور أحمد خليفة (ت 2023م)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أدب المرء عنوان سعادته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هيا بنا نتعلم الآداب الإسلامية - من هدي السنة النبوية (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تساؤلات حول النقد(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب