• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية / أدب الأطفال (دراسات في أدب الأطفال)
علامة باركود

الشعر على ألسنة الحيوان

محيي الدين صالح

المصدر: من دراسة بعنوان: أدب الأطفال من منظور إسلامي (إبراهيم شعراوي نموذجًا)
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/7/2011 ميلادي - 29/8/1432 هجري

الزيارات: 137461

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أدب الأطفال من منظور إسلامي

(إبراهيم شعراوي نموذجًا)

 

الشعر على ألسنة الحيوان

إن ذِكْر الحيوانات والطُّيور والحشَرات في القرآن الكريم وفي أحاديثِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يقدِّم إلينا العِظَة، ويربِّينا على فعل الخير، يلفِتُ الأدباءَ والشُّعراء إلى هذا العالَم العجيب من مخلوقات الله التي قال عنها - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ [الأنعام: 38]، ويشجِّعهم على ضرب المثَل من هذه المخلوقات، ولا سيَّما وهم يكتبون للأطفال.

 

كما كانت لقصص الحيوان مكانة مشهودةٌ في الأدب العالَميِّ منذ أقدم العصور، وكان (إيسوب - 620/ 564 ق.م.) من أشهر الشخصيَّات التي نُسِبت إليها المئاتُ من قصص الحيوان، والتي جعلت هذه القصص تنقِذُ سيِّده من الخصوم، وقد نسبت إليه مئات الحكايات التي كانت موجودةً قبل عصره، بل قبل الحضارة اليونانيَّة التي منها "إيسوب".

 

ومن قصص الحيوان في الأدب العربي: "كليلة ودمنة"، ويُنسَب نقْلُه عن الهنديَّة أو الفارسيَّة إلى "عبدالله بن المقفَّع" - القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي - ويقول الدكتور "عبدالحميد يونس": "وليس من الضروريِّ أن نشقَّ على أنفسنا في البحث عن الأصول اللُّغوية (لسم دبشليم)، أو (بيدبا)، وحَسْبنا أن نسجِّل أن هناك طرفَيْن: الأوَّل ملك يطلب المَوْعِظة، ويخشى التهوُّر، والثاني: فيلسوف يضرِبُ له الأمثال بحكايات الحيوان، وهذا يطابق تمامًا ما في "ألف ليلة وليلة" من الإلحاح على التعقُّل في السلوك، والامتناع عن الشَّطط والتهوُّر، بسرد القصص الذي استطاعت "شهر زاد" بوساطته أن تحمي بنات جنسِها من رعونة شهريار"؛ "معجم الفولكلور مكتبة لبنان 1983".

 

كما نجد لقصص الحيوانات مكانًا في "حكايات أمي الأوزة" لـ"شارل بيرو" 1697، وفي بعض مؤلفات "كريستيان أندرسون" (1805 - 1875م).

 

وحينما يأتي الشِّعر - وهو أرقى وأسمى أنواع البيان الإنسانيِّ - على ألسنة الحيوان، فإنَّ ذلك يعدُّ من الأعاجيب التي تثير خيال الطِّفل؛ لأنَّ الكلام الموزون محبَّب إلى قلوب الأطفال، حتَّى قبل أن يُدْرِكوا معانِيَه ومرامِيَه، وأيضًا قصص الحيوانات والمغامرات التي تُصاغ على ألسنتها تَجْذب انتباه الطِّفل وتأسر حواسَّه تمامًا، فيتابعها بشغفٍ وإعجاب شديدين، فإذا ما اندمجَتْ هذه المحبَّبات إلى قلب الطفل في بوتقةٍ واحدة - الكلام الموزون، وحكايات الحيوان - فإن ذلك يكون له وقْعٌ أقوى في وجدانيَّات الطِّفل، وأسرعُ إلى أذهانهم، وأكثرُ تأثيرًا في سلوكياتهم.

 

وقد حمل الشاعر "كامل كيلاني" راية هذا اللون الأدبي الجميل بعد جيل "شوقي" و"إبراهيم" العرب ورفاقهم، واحتفظ "الكيلاني" بالراية عالية خفاقة حين صاغ كثيرًا من القصص التربوية على ألسنة الحيوان، من خلال القوافي المُحْكَمة، والأوزان الجذابة، وسار على هذا الدرب حينًا من الدهر، ثم سلَّم الراية لمن بعده من الأدباء الموهوبين، ومنهم الشاعر "إبراهيم شعراوي" الذي لم يتخلَّف قِيدَ أنملة عن رفاقه المبدعين، هذا إن لم يكن قد سبقهم إلى آفاق بعيدة في خيالات الأطفال، والنماذج في هذا المجال أكثر من الحصر، سـواء في إبداعات جيل الرواد - "شوقي"، و"إبراهيم العرب"، و"الكيلاني"، ورفاقهم - أو عند الأجيال التي جاءت من بعدهم.

 

و"إبراهيم شعراوي" له مجموعةٌ كبيرة من هذه القصص الشعريَّة على ألسنة الحيوان، نختار منها قصَّة شعريةً واحدة كنَمُوذج، وهذه القصة أبطالُها عبارة عن "ثعلب، وسلحفاة"، وموضوعها من الخيال الهادف الذي يبثُّ معانِيَ كثيرةً في قلوب الأطفال، أهمُّها إظهار المصير المؤلِم الذي ينتظر كلَّ مخادعٍ كذَّاب، وفي المقابل أهمِّية البِرِّ بالآباء، وضرورة الاستفادة من خِبْراتهم في الحياة، وبين هذا وذاك كثيرٌ من العِبَر والعظات.

 

هذه القصة وردت نثرًا بعنوان "أمي العزيزة" في كتاب "الطِّفل الذي رأى الدُّنيا كلها" أولاً، وهذا الكتاب كان "شعراوي" قد ألَّفه عندما كان يعمل في منطقة الخليج العربيِّ، وكان قد وضعَه للأطفال من سنِّ 5 - 8 سنوات، ثم بعد ذلك بسنواتٍ صاغ القصة نفسها شعرًا بعنوان "الثعلب والسلحفاة الحكيمة"، ولكن لمرحلةٍ عمريَّة أخرى من الأطفال؛ أيْ: فوق الثامنة، وهذه القصيدة لم تُطْبَع حتى الآن في إصدارة؛ حيث إنَّها من المخطوطات التي اطَّلعْتُ عليها في مكتبه.

 

أمَّا أحداث هذه القصَّة "القصيدة" فهي عبارةٌ عن قصَّة محاولةٍ فاشلة من الثعلب الذي حاول أن يرِثَ ملك الغابة عندما مات الأسد، ولكنَّه اصطدم بمعلومات الحيوانات الأخرى عن خِزْيه من قبل، خاصَّة من الكبار الذين عاصروا بُؤْسَه وشقاءه حين كان يسرق الدَّجاج، ويخاف من الكِلاب، فيجوع الليالي الطويلة، فأوعز إلى شباب الحيوانات للتخلُّص من تلك الحيوانات التي تعرف ماضِيَه؛ وذلك حتَّى يتمكَّن من فرض سيطرتِه على الباقين، وتتوالى الأحداث، إلاَّ أنني سأُتابعها وأستعرِضُها من خلال نصِّ القصيدة، التي يبدؤها "شعراوي" قائلاً:

- "وَلَدِي، يَا أَيُّهَا الثَّعْ
لَبُ، قُلْ فِيمَ تُفَكِّرْ"
- قَالَ: هَذَا أَسَدُ الغَا
بَةِ، رَاعِيهَا الغَضَنْفَرْ
سَيِّدُ الأُسْدِ، طَوَاهُ الْ
مَوْتُ، وَالكُلُّ تَحَسَّرْ
وَبَكَاهُ بَدَلَ الدَّمْ
عِ دَمًا... فَالغَابُ يَخْسَرْ
بِوَفَاةِ الأَسَدِ الْجَبْ
بَارِ، ذِي الْمَجْدِ الْمُوَقَّرْ
وَأَنَا يَا أُمِّ... فِي التَّا
جِ وَفِي العَرْشِ أُفَكِّرْ

 

وفي هذه الأبيات التي افتتح بها "شعراوي" قصيدته، نجد بدايةَ حوار بين الثعلب وأمِّه، وهُما بصدد حادثةٍ ألمَّت بالغابة، وهي موت الملِك، والثعلب لا يفكِّر في الأمر إلاَّ من زاوية واحدة هي رغبته في التَّاج، وهذه البداية تثير فضول الطِّفل بشكلٍ فكاهي ودرامي في الوقت نفسِه، فهو لا يتوقَّع ما يمكن أن يحدث لمخلوقٍ ضئيل في مثل هذه المواقف، فكيف يكون الثعلب وريثًا للأسد على عرش الغابة، وهذا الفضول عند الثَّعلب سيجعل الطِّفل يُتابع أحداث الحكاية باهتمامٍ؛ لما فيها من المفارقات العجيبة غير المتوقَّعة.

 

وأمُّ الثعلب - التي عاصرت الحياة في الغابة لمدَّة طويلة أثناء ملك الأسد - لها رأي، كما أنَّ لها خبثًا ومكرًا متوارثَيْن:

قَالَتِ الأُمُّ: "وَمَا تَفْ
عَلُ فِي رَأْيِ الكُهُولِ؟"
إِنَّهُمْ يَدْرُونَ عَنْ بُؤْ
سِكَ فِي الأَمْسِ الذَّلِيلِ

 

ولكن الثعلب لا يريد أن يَسْتسلم للواقع المرير؛ فهو له طموح لا تحدُّه حدود، ومن ثَمَّ فهو مستعدٌّ لِسَفك الدِّماء والإطاحة بكلِّ الثوابت في سبيل نَيْل ما يصبو إليه، ولو كان الثَّمن حياة جيل الآباء:

فَكَّرَ الثَّعْلَبُ حَتَّى الْ
فَجْرِ فِي الْخَطْبِ الْجَلِيلِ
قَالَ: قَدْ كُنْتُ حَقِيرًا
هَائِمًا بَيْنَ السُّهُولِ
وَكِبَارُ السِّنِّ أَعْدَا
ئِي، وَهُمْ أَهْلُ فُضُولِ
وَهُمُ قَدْ عَرَفُونِي
وَرَأَوْنِي فِي الْحُقُولِ
أَسْرِقُ البَطَّةَ، وَالفَلاَّ
حُ يَبْكِي فِي ذُهُولِ
كُنْتُ أَخْشَى الكَلْبَ إِذْ يَنْ
بَحُ خَلْفِي مِثْلَ غُولِ
بَائِسًا أَحْتَمِلُ الإِعْ
صَارَ فِي كُلِّ سَبِيلِ
وَغَدًا.. أُصْبِحُ فِي القَصْ
رِ وَفِي الظِّلِّ الظَّلِيلِ
إِنَّ حُلْمَ التَّاجِ وَالسُّلْ
طَانِ فَوْقَ الْمُسْتَحِيلِ

 

ولأنَّ هذه القصيدة التي نحن بصددِها في عداد المخطوطات، ولم يُطْبَع بعد، فإنَّني أرى أن أسجِّلها كاملة في هذه الدِّراسة؛ لأكثرَ مِن سبب؛ ففيها إضافاتٌ جميلة في أحداثها وتفاصيلها عن القصة النثريَّة التي أشرتُ إليها من قبل، ولأنَّ أحداث القصيدة تتوالى بشكلٍ يصعب معه الاجتزاء أو الاختصار؛ حيث إنَّها حواراتٌ ومُحادثات بين أطراف القصَّة، ومبنيَّة بعضها على بعض، فعندما وصل الثَّعلب إلى طريق مسدودٍ أثناء تفكيره في تولِّي عرش الغابة، كانت النَّصيحة من الأمِّ الماكرة صاحبة الخِبْرة العريقة في المكايد والحِيَل:

قَالَتِ الأُمُّ: لَدَيَّ الرْ
رَأْيُ، فَاسْمَعْ يَا صَغِيرِي
فَلْيَكُنْ حُكْمُكَ بِالْمَوْ
تِ عَلَى كُلِّ كَبِيرِ
قُلْ لَهُمْ: إِنَّ الْمُسِنِّي
نَ يَزِيدُونَ فَظَاعَهْ
هُمْ كُسَالَى وَضِعَافٌ
لاَ يُفِيدُونَ الْجَمَاعَهْ
نَحْنُ نَحْتَاجُ إِلَى الفِتْ
يَانِ مِنْ أَجْلِ الزِّرَاعَهْ
وَإِلَى القُوَّةِ وَالعَزْ
مَةُ تَحْتَاجُ الصِّنَاعَهْ
وَبِلاَدِي لَنْ تَنَالَ الْ
مَجْدَ إِلاَّ بِالبَرَاعَهْ
وَالكُهُولُ اليَوْمَ هُمْ عِبْ
ءٌ عَلَى هَذِي الْجَمَاعَهْ
فَقِفُوا فِي الغَابِ صَفًّا
وَاقْتُلُوهُمْ بِشَجَاعَهْ

 

ويظهر أبو الثَّعلب برأيٍ مغاير لما تراه الأمُّ؛ فالكهول في رأيه ليسوا عبئًا على الشباب، ولكن لكلِّ منهم دوره:

وَأَبُو الثَّعْلَبِ قَدْ كَا
نَ كَبِيرَ السِّنِّ كَهْلاَ
لَمْ يَرُقْهُ أَنْ يَنَالَ الْ
كَهْلُ فِي الغَابَةِ قَتْلاَ
قَالَ: إِنَّ الكَهْلَ ذُو تَجْ
رِبَةٍ، يَمْلِكُ عَقْلاَ
وَلَدَيْهِ الْحِكْمَةُ الكُبْ
رَى إِذَا الرَّأْيُ تَجَلَّى
وَأَرَاهُ لِأُمُورِ الْ
حُكْمِ بِالْحِكْمَةِ أَهْلاَ
وَبِهِ نُسْعِدُ طِفْلاً
وَيَصِيرُ الصَّعْبُ سَهْلاَ
وَبِغَيْرِ الكَهْلِ نَزْدَا
دُ مَعَ الأَيَّامِ جَهْلاَ

 

وتبدأ في الأبيات التالية من القصيدة مرحلةٌ جديدة، لها وَقْعُها في قلوب الأطفال؛ فإنَّ الثعلب بعد أن استمع إلى رأي الأُمِّ الماكرة، ورأي الأب الخائف، سيقرِّر وِجْهته، وينفِّذ خُطِّته:

أَنْصَتَ الثَّعْلَبُ لِلرَّأْ
يَيْنِ حِينًا.. وَتَحَيَّرْ
وَرَأَى البَاطِلَ مَقْبُو
لاً، وَمَعْسُولاً بِسُكَّرْ
وَمَضَى يَخْطُبُ فِي القَوْ
مِ.. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَثَّرْ
قَالَ: إِنِّي سَوْفَ أُجْرِي النْ
نَهْرَ سَلْسَالاً وَكَوْثَرْ
وَأَرُشُّ الْمِسْكَ فِي الْمَا
ءِ.. بِهِ قَدْ ذَابَ عَنْبَرْ

 

وهنا يتحدث الثعلب إلى نَفْسه في إسرارٍ، دون إعلان، ويميل إلى رأي الأُمِّ بعد مداولة الموضوع مع دواخله؛ فرَأْيُها أقرب إلى طموحه وأطماعه، وأُمْنيته في الحياة، وكأنه يسترجع ما قالَتْه الأُمُّ عن الكهول، فيضع الخُطَّة والحيلة التي تؤهِّله من تَمَلُّك زمام الأمور في الغابة:

(الكُهُولُ اليَوْمَ أَعْدَا
ئِي.. سَأُفْنِيهِمْ بِجُهْدِي
وَخِدَاعِي، ثُمَّ لاَ يَبْ
قَى سِوَى الأَطْفَالِ عِنْدِي
بَيْنَهُمْ أَلْقَى مُجِيبًا
لِنِدَائِي وَمُطِيعَا
فَإِذَا أَصْدَرْتُ أَمْرًا
سَيُلَبُّونَ جَمِيعَا)

 

ويبدأ الثعلب مرحلة تنفيذ الخطة:

وَقَفَ الثَّعْلَبُ فِي السَّا
حِ.. وَحَيَّا وَابْتَسَمْ
ثُمَّ نَادَى: إِسْمَعُونِي..
وَاسْلَمُوا مِنْ كُلِّ هَمّْ
فَكِبَارُ السِّنِّ فَاضَ الْ
كَيْلُ مِنْهُمْ وَالأَلَمْ
وَهُمُ مَصْدَرُ مَا عَا
نَتْ بِلاَدِي مِنْ سِقَمْ
لَيْتَهُم كَانُوا دَجَاجًا
لَيْتَهُمْ كَانُوا غَنَمْ
لَأَخَذْنَا البَيْضَ وَالصُّو
فَ، وَمَنْ أَعْطَى غَنِمْ
وَكِبَارُ السِّنِّ فِي غَا
بَتِنَا مَصْدَرُ غَمّْ
مَا الَّذِي نَرْجُوهُ مِنْهُمْ
إِنَّمَا الأَمْرُ الأَهَمّْ
أَنْ يَمُوتُوا.. فَيَفِيضَ الْ
خَيْرُ وَالسَّعْدُ يَعُمّْ

 

ثم يقدم الثعلب الماكر نصائحه وهو يدس السم في الدسم، مستغلاًّ بلاهة المستمعين إليه، فيقول:

يَا شَبَابَ الغَابِ.. كَيْ نَنْ
جُوَ مِنْ كُلِّ الْهُمُومِ
اقْتُلُوا كُلَّ عَجُوزٍ
وَادْفَعُوهَا لِلجَحِيمِ
وَكُهُولُ الغَابِ سُوقُو
هُمْ إِلَى الذَّبْحِ العَظِيمِ
فَبِهَذَا وَحْدَهُ نَسْ
عَى إِلَى العِزِّ الْمُقِيمِ

 

وفي إيجازٍ شديد، يوضِّح "شعراوي" الموقف السَّاذج الذي وقفَتْه حيوانات الغابة عندما انْخدعوا بكلام الثَّعلب المعسول:

فَأَجَابَ الكُلُّ: إِنَّا
قَدْ أَجَبْنَا وَأَطَعْنَا
يَا مَلِيكًا، بَلْ مَلاَكًا
سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْنَا

 

وتَبْدأ بعد ذلك مرحلةٌ جديدة من الدِّراما، بعد أن وضع الثَّعلب تاج العرش على رأسه، وتحكَّم في مصاير الحيوانات في الغابة، وهي نقلةٌ تزيد من حرص الأطفال على المتابعة؛ للوصول إلى توابع هذا التصرُّف العجيب من الثعلب:

ثُمَّ، لَمَّا مَلَكَ الثَّعْ
لَبُ أَمْرَ الغَابِ، جُنَّا
فَهْوَ قَدْ صَارَ عَلَيْهِمْ
سَيِّدًا، يَمْنَحُ إِذْنَا
يَأْمُرُ القَوْمَ وَيَنْهَى
فَيَقُولُونَ: أَطَعْنَا
نَحْنُ دَوْمًا نَصْدُقُ القَوْ
لَ، وَمَا فِي السَّاحِ خُنَّا
فَإِذَا مَا شِئْتَ... فَامْنَحْ
هَذِهِ الأُمَّةَ أَمْنَا
أَوْ فَعَاقِبْنَا، يَكُنْ حُكْ
مُكَ كَالسَّيْفِ عَلَيْنَا
أَوْ.. فَقُدْنَا، تَلْقَنَا جُنْ
دَكَ.. لاَ نَعْرِفُ جُبْنَا
كَمْ رَفَعْنَا لَكَ رَايَا
تِ انْتِصَارٍ... وَفَدَيْنَا
لِيَزِيدَ العَرْشُ دُرًّا
وَيَفِيضَ القَصْرُ حُسْنَا
وَيَكُونَ الْمَجْدُ لِلثَّعْ
لَبِ كَيْ يَصْفُوَ ذِهْنَا

 

ويظهر أبو الثعلب مرَّةً أخرى؛ ليختفي بعد ذلك حتى لا يهلك مع بقية الكهول:

وَأَبُو الثَّعْلَبِ قَدْ خَا
فَ مِنَ القَتْلِ، فَفَرَّا
وَرَأَى الْهَوْلَ وَذَاقَ الْ
عَيْشَ بِالتَّشْرِيدِ مُرَّا
قَالَ: هَذِي عِيشَةٌ تَحْ
تَاجُ أَنْ أَمْلِكَ صَبْرَا
وَعَذَابِي بِصَغِيرٍ
يَمْلأُ الغَابَةَ جَمْرَا
هَمُّهُ أَنْ يَضَعَ التَّا
جَ عَلَى الرَّأْسِ وَيَثْرَى

 

وإذا كانت هذه الأحداث تدور في معسكر المَكْر والخيانة عند الثَّعلب، فإنَّ هناك الجانب الآخر الذي تهلُّ منه الحكمة من بين ثنايا الوفاء والبِرِّ، ففي زوايا القصَّة (القصيدة)، أو في ركن قصيٍّ من أركان الغابة، تظهر السُّلَحفاة الصغيرة ممثِّلةً للجانب الذي يَعْتني بالخير، وهنا يتدخَّل الشاعر راويًا لموجز الأحداث، بعد أن كان خارِجَها لفترةٍ وجيزة:

قَتَلَتْ غَابَتُنَا كُلْ
لَ العُقُولِ الْمُسْتَنِيرَهْ
ضَاعَتِ الْحِكْمَةُ مِنْهَا
فَهْيَ فِي الرَّأْيِ فَقِيرَهْ
حَكَمَ الثَّعْلَبُ، وَالغَا
بَةُ قَدْ صَارَتْ أَسِيرَهْ
لَمْ تُخَالِفْ قَوْلَهُ إِلاَّ
سُلَحْفَاةٌ صَغِيرَهْ
وَهْيَ قَدْ كَانَتْ تَقِيَّهْ
وَهْيَ لِلأُمِّ وَفِيَّهْ
وَهْيَ قَالَتْ: أَنَا لَنْ أَقْ
تُلَ أُمِّي العَبْقَرِيَّهْ
وَأَرَى فِي قَتْلِهَا أَقْ
بَحَ غَدْرٍ وَخَطِيَّهْ
أَنْتِ يَا أُمِّي لَدَيْكِ الرْ
رَأْيُ فِي كُلِّ قَضِيَّهْ
خَبِّرِينِي، كَيْفَ نَنْجُو الْ
آنَ مِنْ هَذِي البَلِيَّهْ؟

 

وتدور الأمور، وتُداوَل بين السُّلحفاة وأمها المسنَّة، وتتلاقح الأفكار والخبرات بين الجيلين:

فَأَجَابَتْ أُمُّهَا: لاَ
تَجْزَعِي، فَالأَمْرُ سَهْلُ
نَحْنُ فِي الْمَظْهَرِ كَالصَّخْ
رِ، وَكَمْ ضَلَّلَ شَكْلُ
سَوْفَ نَمْضِي لِصُخُورِ التْ
تَلِّ، إِنْ أَقْبَلَ لَيْلُ
وَتَعُودِينَ إِلَى الغَا
بَةِ فِي جَوْفِ الظَّلاَمْ
وَأَنَا، بَيْنَ صُخُورِ التْ
تَلِّ، أَحْيَا فِي سَلاَمْ

 

وبعد هذا الحوار الدافئ بين السلحفاة الصغيرة وأمها، يتدخل "إبراهيم شعراوي" في السَّرد قائلاً:

وَنَرَى الأُمَّ السُّلَحْفَا
ةَ هُنَا بَيْنَ الظَّلاَمْ
وَهُنَا طِفْلَتُهَا تَأْ
تِي بِمَاءٍ وَطَعَامْ
وَيَمُرُّ الوَقْتُ بِالقِصْ
صَةِ عَامًا بَعْدَ عَامْ
وَهُنَا التَّلُّ أَمَانٌ
وَلَدَيْهِ الْخَيْرُ دَامْ

 

وتتوالى أحداث القصيدة بعد ذلك، ساردةً ما دار بين قُوَى الخير (ممثَّلة في السلحفاة) وبين قوى الشرِّ (ممثلة في الثعلب):

ذَاتَ يَوْمٍ، قَالَتِ الأُمْ
مُ بِحُزْنٍ بَعْدَ صَمْتِ:
يَا ابْنَتِي.. مَاذَا فَعَلْتُمْ
وَزَمَانٌ سَوْفَ يَأْتِي
سَتَفِرُّ السُّحْبُ، يَنْسَى النْ
نَاسُ أَيَّامَ الْمَطَرْ
وَيَمُوتُ الزَّرْعُ، يُفْنِي الْ
جُوعُ آلاَفَ البَقَرْ
فَكِّرِي فِي الغَدِ، فَالكُلْ
لُ سَيَحْيَا فِي خَطَرْ
يَا ابْنَتِي، مَاذَا ادَّخَرْتُمْ
مِنْ طَعَامِ اليَوْمِ؟ قُولِي
أَمْ تَظُنُّونَ دَوَامَ الزْ
زَرْعِ فِي هَذِي الْحُقُولِ

 

وتَصُبُّ السلحفاة الأمُّ عصارةَ خبرتها ومعلوماتها في أذن ابنتها، وتحذِّرها من تلك الأيام التي ستسوء فيها أحوال الغابة، قائلة لها:

اسْمَعِينِي.. وَخُذِي الْحِكْ
مَةَ يَا طِفْلَةُ عَنِّي
جَدَّتِي قَدْ نَصَحَتْ أُمْ
مِي وَأُمِّي نَصَحَتْنِي
وَهْيَ قَدْ قَالَتْ بِصَوْتٍ
غَاضِبٍ إِذْ أَنْذَرَتْنِي:
"كُلَّ قَرْنٍ يَظْهَرُ القَحْ
طُ هُنَا فِي كُلِّ رُكْنِ
إِنَّهُ الشَّرُّ الَّذِي يَقْ
تَلِعُ الزَّرْعَ وَيُفْنِي
لاَ نَرَى رَقْصَةَ مَوْجٍ
لاَ، وَلاَ الطَّيْرَ يُغَنِّي
يَا ابْنَتِي فَلْنَحْمِ عَيْنَ الْ
مَاءِ؛ كَيْ نَحْيَا بِأَمْنِ
يَا ابْنَتِي وَلْنَدَّخِرْ، فَالثْ
ثَمَرُ الْمَخْزُونُ يُغْنِي

 

وبعد ذلك، يأتي اليوم الذي توقَّعتْه السلحفاة الأم:

وَبِيَوْمٍ مُنْذِرٍ بِالْ
هَوْلِ قَدْ ثَارَ الغُبَارْ
فَإِذَا الشَّمْسُ حَرِيقٌ
وَإِذَا الصَّحْرَاءُ نَارْ
وَالسُّلَحْفَاتَانِ حَوْلَهْ
مَا جُذُورٌ وَثِمَارْ
(إِنَّمَا يُنْقِذُنَا مِنْ
قَسْوَةِ الْجُوعِ.. ادِّخَارْ)
وَتَنَامُ الأُمُّ فِي صَمْ
تٍ إِذَا جَاءَ النَّهَارْ
سَمِنَتْ.. وَالغَابُ يَطْ
وِيهِ بَلاءٌ وَانْكِسَارْ
وَإِذَا الْجُوعُ يَدُقُّ الْ
بَابَ فِي كُلِّ الدِّيَارْ
وَالسُّلَحْفَاتَانِ فِي يُسْ
رٍ وَأَمْنٍ وَازْدِهَارْ

 

ولكن أحيانًا تأتي الرياح بما لا تشتهي السُّفن؛ فلقد شعر الثعلب بأنَّ هناك سرًّا غائبًا عنه فيما يتعلق بالسُّلحفاة؛ فقد لاحظ أنَّها سمنت في الوقت الذي تتضوَّر فيه بقية الحيوانات من الجوع، وتتبَّع الثعلبُ الأمرَ إلى أن عرف حقيقة السُّلحفاة، وأنَّها لم تقتُلْ أمَّها يومَ أمَر بذلك في بداية توليه السُّلطة في الغابة، فخشي على نفسه وعلى عرشه وتاجه، فحاول أن يستمِرَّ في المكر والخداع؛ لِيُوقع العقاب على السُّلحفاة التي لم تنفِّذ أوامره في ذلك الوقت، إلاَّ أن الحكمة تقول: "قد تستطيع أن تَخْدع بعض الناس بعض الوقت، ولكنَّك لا تستطيع أن تخدع كلَّ الناس كل الوقت".

 

وأظنُّ أن "شعراوي" استطاع أن يصل بهذا المعنى إلى مدارك الأطفال من أيسَرِ السُّبل، ومن خلال هذه القصة (القصيدة) بسياقٍ شعري جذَّاب، فتأتي نهاياتُ الحدث متضمِّنة المصيرَ المَحْتوم الذي ينتظر أهلَ المكر والخداع، ومترجمة للمنهج الأدبي الذي سار عليه "شعراوي" في إبداعاته الشعريَّة الموجَّهة للطفل:

ثُمَّ لَمَّا عَرَفَ الثَّعْ
لَبُ هَذَا السِّرَّ.. ثَارَا
جَمَعَ الغَابَةَ، لَمْ يَتْ
رُكْ كِبَارًا أَوْ صِغَارَا
قَالَ: يَا قَوْمِ، السُّلَحْفَا
ةُ تَخُونُ العَهْدَ فِينَا
وَهْيَ أَخْفَتْ أُمَّهَا بِالتْ
تَلِّ... أَبْقَتْهَا سِنِينَا
أُمُّهَا قَدْ عَلَّمَتْهَا
وَحْدَهَا أَنْ تَدَّخِرْ
وَلِهَذَا سَعِدَتْ، وَالْ
كُلُّ عَاشُوا فِي خَطَرْ
اقْتُلُوهَا وَاقْتُلُوا الأُمْ
مَ، فَقَالَ الشَّعْبُ: لاَ
بَلْ يَكُونُ الْمَوْتُ لِلثَّعْ
لَبِ شَنْقًا أَوَّلاَ
فَهْوَ قَدْ أَفْنَى الكِبَارَ النَ
نَاصِحِينَ الأُمَنَاءْ
وَلِهَذَا ارْتَفَعَتْ فِي الْ
غَابِ رَايَاتُ الغَبَاءْ

 

وتتَّضِح الصورة أكثر فأكثر، والمَشاهد تتداعى:

هَاجَتِ الغَابَةُ كَالبُرْ
كَانِ إِذْ يَقْذِفُ جَمْرَا
تَطْلُبُ الثَّأْرَ مِنَ الثَّعْ
لَبِ.. وَالثَّعْلَبُ فَرَّا
صَارَ كَالأَمْسِ جَبَانًا
يُسْرِعُ الْخُطْوَاتِ ذُعْرَا
وَأَبُو الثَّعْلَبِ يَجْرِي
وَهْوَ دَوْمًا يَتَلَفَّتْ
خَائِفًا مِنْ فِتْيَةِ الغَا
بَةِ وَالقَلْبُ، تَفَتَّتْ
وَلِأُمِّ الثَّعْلَبِ الرَّجْ
فَةُ مِنْ ثَأْرِ الشَّبَابِ
خَطْوُهَا مُرْتَعِشٌ، وَالْ
قَلْبُ دَوْمًا فِي عَذَابِ
ثَارَتِ الغَابَةُ هَذَا
يَوْمُهَا يَوْمَ الْحِسَابِ

 

وينتصر الحقُّ على الباطل، ويحيق المكر السيِّئ بأهله، وتعود الأمور إلى نصابِها بعد انكشاف الغمَّة عن أهل الغابة:

عَرَفَ الثَّعْلَبُ، بَعْدَ الْ
عِزِّ وَالْمُلْكِ.. مَكَانَهْ
ظَنَّ أَنَّ السَّعْدَ يَأْتِي
بِخِدَاعٍ وَخِيَانَهْ
لَنْ يَكُونَ الْمَجْدُ يَوْمًا
لِجَبَانٍ وَجَبَانَهْ
بَلْ لِمَنْ يَسْعَى إِلَى الْخَيْ
رِ بِحُبٍّ وَأَمَانَهْ

 

ويصوِّر "إبراهيم شعراوي" ختام المشهد الدِّرامي بأسلوبٍ فكاهي جذَّاب، مبيِّنًا كيف ينتهي الباطل إلى لا شيء مهما كانت الحِيَل، وكيف ينتصر الخيرُ بالصَّبر مهما طال الوقت:

وَتَعَالَى صَوْتُ أَهْلِ الْ
غَابِ: "مُتْ يَا ثَعْلَبُ"
وَتَهَاوَى الثَّعْلَبُ الْمَغْ
رُورُ.. أَيْنَ الْمَهْرَبُ؟
وَهُتَافٌ لِلسُّلَحْفَا
ةِ العَجُوزِ بِالْحَيَاةِ
أَنْتِ أُمُّ الكُلِّ.. أَفْنَيْ
نَا جَمِيعَ الأُمَّهَاتِ
وَنَدِمْنَا.. وَانْتَخَبْنَا
كِ رَئِيسًا لِلحُكُومَهْ
وَرَضِينَا أَنْ يَكُونَ الْ
حُكْمُ لِلأُمِّ الْحَكِيمَهْ

 

وبعد عرض هذه القصيدةِ كنَمُوذج لإبداعات "شعراوي" في هذا المجال - أعني مجال الشِّعر على ألسنة الحيوان - فإنَّ هناك قصيدةً من نوع آخر، مضمونُها رسالةٌ من الحيوانات صديقة الإنسان، إلى أبناء آدم - عليه السَّلام - ويبدو أنَّ مسألة الرسائل المتبادَلة شغلَتْ حيزًا كبيرًا في فِكْر "شعراوي"، فتخيل أن الحيوانات اجتمعت فيما بينها، وقرَّرت إرسال خطاب إلى البشر، تبثُّ فيها همومها، وما تعانيه من الإنسان...

 

فكانت قصيدة "رسالة جماعية" المنشورة في كتاب "حكايات أسد عجوز" الصَّادر بسلطنة عمان، والقصيدة كأنَّها دعاية لصالح المؤسَّسات التي تنادي بالرِّفق بالحيوان، ولكن بأسلوبٍ عمَلي، أو لعلَّها تبسيطٌ لِمعاني آيات الذِّكر الحكيم التي وضَّحت قيمة الحيوانات في الحياة، وعلاقتها بالإنسان، وهذا هو الافتراض الأقوى والأنسب لتوجُّهات "شعراوي" الأدبيَّة الإسلامية، ولكنني أتيتُ بالاحتمال الأول على سبيل المُداعبة، أو الخيال الذي يتناسب مع أدب الطِّفل!

 

فهذه القصيدة "رسالة جماعية" أراها التفسير المناسب لعقول الأطفال عند شرح وتبسيطِ قوله تعالى في سورة النحل: ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 5 - 8]، ولكن هذه الآيات مكانها في المصحف الشريف في مقدِّمة السُّور الطِّوال، والتي قد لا يطَّلِع عليها الأطفالُ في أعمارهم المبكِّرة، فما المانع من تقديم خلاصة هذه المعلومات والمعاني في سياق الشعر؟

 

يقول "شعراوي" في قصيدته، أو في رسالته التي جاءت على لسان الحيوانات والطُّيور:

أُمَّةَ آدَم.....

عِشْنَا لِنُجَمِّلَ دُنْيَاكُمْ

كَيْ نُعْطِيَكُمْ.. أَوْ نَحْرُسَكُمْ

أَوْ نُسْعِدَكُمْ... أَوْ نَخْدُمَكُمْ

وَنُقَدِّمَ دِفْءَ الثَّوْبِ لَكُمْ

صُوفًا.. وَحَرِيرًا أَلْوَانَا

وَنَجُرُّ العَرَبَةَ تَحْمِلُكُمْ

 

وحتَّى تكتمل الغاية المرجوَّة من هذه القصيدة؛ فإن "شعراوي" يختَتِمها بطلبٍ من الحيوانات بصيغة مباشرة، تعبِّر عمَّا ينتظرونه من البشر، فتأتي نهاية القصيدة:

نَطْلُبُ أَنْ نَحْيَا فِي اطْمِئْنَانْ

أَنْ نَلْقَى مِنْكُمْ كُلَّ حَنَانْ

الرَّحْمَةَ.. يَا خَلْقَ الرَّحْمَنْ

 

وبعد هذه النَّماذج المتنوِّعة، أرى أن سرد نماذج أخرى - سواء كانت له أو لغيره من الأدباء - لن يضيف شيئًا فيما يتعلَّق بالهدف من هذه الدِّراسة؛ ولذلك أكتفي بهذا النَّموذج كدليلٍ على قوَّة تأثير هذا اللَّون من الإبداعات على الطِّفل.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • رؤية في الشعر الإسلامي بين المضمون والشكل
  • الربيع في الشعر العربي
  • طيور العام .. من الشعر الطفلي
  • استلهام القصص القرآني في الشعر العربي المعاصر
  • مدرسة الحيوانات (قصة)
  • اللغة في عالم الحيوان

مختارات من الشبكة

  • الشعر في ديوان جولة في عربات الحزن(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مفهوم الشعر عند قدامة من خلال كتابه نقد الشعر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • هل كريم الشعر يمنع وصول ماء الوضوء إلى الشعر؟(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • لماذا الشعر النبطي تجاوز الشعر الفصيح؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • خصائص النبي المختلف عليها (5)(مقالة - ملفات خاصة)
  • الشعر والفلسفة عند النحاة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من فنون الشعر(مقالة - موقع د. محمد الدبل)
  • حقيقة الشعر وجوهره(مقالة - حضارة الكلمة)
  • إبداع الشعر الملحمي الإسلامي .. شعر أحمد شوقي نموذجا(مقالة - موقع د. محمد الدبل)
  • أثر الموروث الشعري القديم في ديوان الشعر السعودي الحديث(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 9:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب