• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

أبو الخير أب ونعم الأب (قصة)

مصطفى شيخ مصطفى

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/7/2010 ميلادي - 26/7/1431 هجري

الزيارات: 10258

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وجد قاسم نفسه وسط مملكة مترامية الأطراف، بعد أن مات والدُه عنه وعن سبع من البنات الأخوات، لا يبلغ ما يملك أغنى أقربائه وجيرانه معشار ما ترَك له والده، آلاف الدونمات من الأراضي، تمتد من شرق القرية إلى غربها، في كل ناحية له ملكية وعقار وبستان يجاور بستانًا.

 

وجد نفسه وفي يده ملاعق الذهب والفضة، كل ما تركه والده له وحده، في مجتمعٍ اعتاد ألا يورث فتاة في جاهليَّة امتدتْ مِن قبل الإسلام واستمرت إلى الآن، وقد ألِف الناس ذلك، "وَكُلُّ امْرِئٍ جَارٍ عَلَى مَا تَعَوَّدَا".

 

كل ذلك حدث وهو لَم يتجاوزِ السادسة عشرة، فتحلق حوله أدعياء الصُّحبة، وزيَّنُوا له ترَفه، فازدحمتْ على بابه الوُفُود، وامتلأ إصطبله بالخيول الأصيلة، وعجّ منزلُه بالفرُش الوثيرة، وكل يومٍ يدعو إلى وليمة, لَم يكن فتى طائفته فحسب؛ بل كان فتى القرية بأكملها، إليْه يُشار بالبنان فلا فتى إلا قاسم, ضاقتْ ما تنتجه الأرض رغم وفْرتِه وكثْرته عنْ مصْرُوفه، فقد ظنَّ أنَّ الدُّنيا قد ابتسمتْ له، وأنه في خير لا ينضب، زجَرَتْه أمه التي أُصيبتْ بفَقْد ولدها، شابًّا في مُقتبل العمر، فلم ينزجر، ونصحته فعاف نُصحها، وسفَّه رأيها، فسعتْ في تزْويجه؛ علَّه يعود إلى جادة العقلاء، وقد رأتْه وقد بدأ ببيع عقاراته التي ورث، عقارًا إثْر عقار، وبستانًا إثر آخر.

 

وقالت في نفسها: علَّ الله يُصلح حاله، عل الله يُغَيِّر وضْعه، ليت وعلَّ، وَمَا "عَلَّ" بِنَافِعَة وَلَكِنْ، حُظُوظٌ قُسِّمَتْ وجدود.

 

إنَّ هاجر جارتنا جميلة جدًّا، وهي من أجمل فتيات القرية، وكل الشباب يتمنَّى الزواج بها، وأنت اليوم قمر قومك، وفتى قريتك، إليك يتَّجه الناس، فلا بد مِن زوجة لك تقوم بأعباء البيت، خاصَّة وأنَّ معظم أخواتك قد تزوَّجْن، ولَم يبقَ إلا الصغيرة، وقد يأتي نصيبُها وتتزوَّج وتبقى أنت وحيدًا, وأنت أبو محمد!

 

فعلتْ كلمات الأم فعْلها، فوافَقَها بسرعة لَم تتخيَّلها، وفي غُضُون شهر كانتْ له زوجة، إذا نظر إليها سرَّته، وإذا غاب عنها حفظتْه، وإذا قدم من سفر أو صيد استقبلتْه بطيبها وجمالها وحديثها بأحسن الاستقبال، فدخلتْ محبتها في قلبِه، فأصبح لها مطيعًا، وكانتْ له مطيعة، وكأنهما تمثَّلا قول الشاعر "أُطِيعُ رَيًّا وَرَيًّا لا تُعاصِينِى"، فكانا في التوافُق سمنًا خالَط العَسَل.

 

استبشرتِ الأم بهاجر خيرًا، فقد بدا لها أن وضْع ابنها الذي مال سيعتدل؛ فقد تأثَّر بزوجته، وأحبَّها حُبًّا جمًّا، فعاشتْ في فؤاده، وملكتْ قلبه راضيًا مسرورًا.

 

كان همُّ الأمّ الوحيد قاسمًا وأعماله التي لا تنضبط بضابط، ولا تخضع لمعيار، فقد كان يبيع عقارًا في الصباح وآخر في المساء، باع وباع، وأسرف في المأكل والمشرب واللباس، وأصبحتْ له عباءة، وتبعتها أخرى وأخرى، وأصبح من أهل السُّؤدد والمعالي، يأمُر فيُطاع، ويزجر من حوله فينتهون.

 

• أمي أمي.

• ما بكَ يا قاسم؟

• أريدكِ أن تأخذي هاجر إلى المدينة إلى الطبيبة.

• ما بها هاجر؟ كفاكم الله الشَّر والحادثات.

• إنها تتقيَّأ، لقد لازمَها القيء لأيام، ولا تَتَحَسَّن.

• لا حاجة إلى طبيب ولا طبيبة يا بني.

• لِمَ يا أمي؟

• لأنَّ زوجك حامِل.

• ماذا تقولين يا أماه؟!

• زوجك حامل.

 

• كاد قاسم يطير فرحًا، ستنجب لي هاجر وليدًا، سيرى ذرية من محبوبته، كان حينًا يتصور أنها ستنجب له محمدًا، وحينًا يتصَوَّر أنها ستُنجب له أنثى، وسيسميها على اسم الأم، بدأ ينتفخ بطنُ هاجر شيئًا فشيئًا، وأصبح الحملُ في تمامه، وولدتْ له ابنة، فدخلتْ قلبه، وولجتْ فؤاده، وسماها سارَّة، وأصبح يلازمها الساعات الطوال.

 

لَم يَمْضِ إلا أربعون يومًا حتى كانتْ هاجر في عِداد الأموات، وقد ضمَّها ثرى قبرها، ليجد قاسم نفسه وحيدًا، دُمُوعه تسيل وجدًا على فقْد زوجته، يحمل صغيرته بيده، ثم يُودِعها أمه، يخرج بعيدًا عن حيطان القرية للبكاء، والذي لازَمَهُ أشهرًا وسنين, كان فقْدُ أملاكه مصيبة، لكن فقْد هاجر كان قاصمة الظهر، أتى على أملاكه شيئًا فشيئًا، حتى ملَّتْ أمُّه تصرُّفاته، وآيستْ مِن اعتداله، فقررتِ الخروج بسارَّة من القرية، لتجدَ نفْسها في قريةٍ أخرى غريبة تبحث عن عمل تقوت به نفسها وحفيدتها.

 

بدَّد ثروةً - لا تحرقها النيران، ولا تهدمها الفؤوس والمعاوِل - آلتْ إليه إرثًا مِن أبيه في سنين قليلة، حتى أصبح يبحثُ عن شيءٍ يبيعه فلا يجد، أعسر حتى أصابَهُ الجهد، وحتى بلغ الحزام الطبيين، وضاقتْ عليه الأرض بما رحبتْ، وضاقتْ على أمه، فلم تجد نفسها إلا وقد غادرتْ قريتها التي تقع في شمال المدينة إلى قرية أخرى تقع جنوبها برفقة ابنته العزيزة.

 

كانت الأم تُدير مزارع ولدها، وقد يصل العُمال في مواسم الجنْي والحصاد عندها إلى ما يزيد على مائة، فأضحتْ تبحث عن عمل يومي يقوتها وحفيدتها الصغيرة، فجمعت لها آلام الحاجة وآلام الغربة.

 

تقدَّم للأمِّ خاطب مُسن في مثْل سنها - فهي لَم تصل إلى الخمسين، وإن كانتْ قربتْ منها - لتجدَ نفسها تعيش في كنفه وحفيدتها، كان قاسم قد أتى على أملاكه وأملاك أبيه كلها بيعًا، حتى باع الخيول الأصيلة، وباع أثاث المنزل، وعاف بلدته، وبحث عن أمِّه ووجدها، والتحق بها في قريتها الجديدة، وبقي اثنين وعشرين عامًا عَزَبًا بعد وفاة هاجر، يعمل في الزراعة وفي أي عمل يتيَسَّر له، فقد أزرى به الدهر بعد العزّ، وأصابتْه الفاقة والجهد بعد الغناء والثَّراء.

 

كانت الأمُّ تُحاول أن تسعى في تزويجه، لكن قاسمًا يرفض ذلك؛ فقد ظنَّ أنَّ مثْل هاجر لَم تلد النساء، فعاف النساء في نفْسِه؛ لكنّ الأم لَم تتوقَّف عنِ المحاولة لحظة, دخلتْ عليه أمه يومًا:

• قاسم.

• نعم يا أمي.

• أزوجك هاجر.

• هاجر ماتتْ يا أمي.

• أعلم يا عزيزي، هاجر بنت أبي محمد جارنا، بنت في مُقتبل العمر، ذات أدبٍ ودين، حالُهم كحالنا، عسى الله أن يرزقك الذرِّيَّة الصالحة.

 

ذكَّره الاسم (هاجر) بأيامه مع زوجه أم ابنته الوحيدة، التي زوَّجَتْها أمُّه أحد الشباب جيرانهم، وذكَّره الاسم بسعادةٍ افتقدها منذ ما يربو على عقدَيْن من الزمن، فقد عاش تجربة الزواج السابق سعادة بامتياز، فَلان لرغبةِ أُمِّه، وتزوَّج (هاجر) الثانية، وكانتْ بركةً عليه، رُزِقَ منها بخمسة أبناء ذكور، وبثلاث بنات في غضون ثماني سنين.

• إلى مَن ستتركهم يا قاسم؟

• فيرفع يده إلى السَّماء.

• ونِعْم بالله يا بُني.

 

لَم يبلغ الأربعين حتى توفَّاه الله ليتركَ أسرةً كاملةً مؤَلَّفة من ثمانية أشخاص، لا يملكون بيتًا ولا عقارًا، ولا يجدون عملاً، أكبرهم محمد طفل في السادس الابتدائي، لَم تستطع أمُّهم أن تتحمَّل العيش مع أطفال قرأت الحاجة في عيونهم فتركتْهم والتحقتْ بأهلِها.

 

قام الطيبون في القرية ببناء بيت للأطفال اليتامى ملاصق لمقبرة القرية، بيت مؤلف من غرفة واحدة، مبني من الطوب دون أساس، ومسقوف بالصفيح، فكان عش الأطفال اليتامى، يحمل إليه الطيبون من القرية ما يسد رمقهم، عاش الأطفال في عشِّهم الجديد، فشربوا مع الماء دموعهم، وأكلوا مع الطعام هوانهم، فلا معين ولا معيل إلا رب السماوات، وحاشا للخالق أن يترك خلقه أو يتخلَّى عنهم.

 

لا يعرفون مِن أهل القرية أحدًا إلا جدتهم وأختهم من أبيهم، والتي تعيش حياتها في السعي لأطفالها، فقد مرض زوجُها ألَمًا لا يقل عنْ ألَمهم، وعذابًا لا يقل عنْ عذابهم.

 

عاشتْ كوكبة اليتامى في منزلها, يتذكرها الطيبون حينًا، وينسونها أحيانًا, المنزل غُرفة واحدة لا تحفظ دفئًا، ولا تَمْنع برْدًا, سقفُها من الصفيح، يتسَرَّب الماء إلى داخلها شتاءً, ويلعب الغبار في فنائها صيفًا, باب الغرفة عبارة عن ألواح من الخشب طويلة، يفصل بينها فراغات كبيرة, هو شبيه بالباب، سقفها من الخشب والصفيح، توَسَّطتْها مدفأة قلّما تشتعل، وإذا أُشعلتْ نفثت الدخان في الغرفة، أثاث الغرفة لو أجاد وصْفَه كاتبٌ لاستنفذ، ستنْزف دموع العيون, ليس في المنزل مصدر ماءٍ ولا كهرباء, يشربون الماء من خابية منَ الفخار وُضِعت في إحدى زوايا المنزل، ينقلونه من المسجد الذي يبعد عن منزلهم أكثر من ألفي متر!

 

وفي يومٍ من أيام الشتاء البارد وفد إلى المقبرة وافدٌ جديد، إنها جنازة لأحد الضبَّاط الكبار, شخصية من عِلْية القوم، أَوَيَمُوت الأغنياء والسَّادة؟!

 

خرجت القرية بأكملها في تشييعه, وحضر الجنازة وفدٌ من كل المحافظات, جنازة كبيرة وسيارات عديدة, وصل صخبها إلى منزل الصغار الملاصق للمقبرة.

 

أخرج البردُ محمودًا من عشه، محمود طفل في السادسة من العمر, يرتدي ثيابًا لا تردُّ بردًا, ثيابًا قلما تشاهَد في مجتمعات اليوم، مُغَطَّاة بهباب الفحم، وسِخَة، أمّا محمود فطفل يهتز من البرد كوَتَرٍ، شفاهه زرقاء, زادت من سمرته, وسحنة حزينة, وحواجب مقطبة، كأنه واليأس سيان، اقترب مِن أحد المشيعين قائلاً:

• عماه... عماه.

• ماذا تريد أيها الصغير؟

• أريد خمس عشرة ليرة.

• وماذا ستفعل بها؟

• هل ستشتري علبة دخان؟

• لا يا عماه، أريد أن أشتري خبزًا لإخوتي وأخواتي.

 

• ولك إخوة وأخوات أيضًا؟

• نعم.

• وأين بيتكم يا فتى؟

• إنه هناك, ألا تراه؟

• لا، ما أرى منزلاً هناك.

 

• أما ترى سقف الصفيح الذي أمامك؟

• بلى أراه, ولكن أين منزلكم؟

• إنه المنزل يا عماه.

 

• دلَّنِي على منزلكم يا فتى، أريد أن أراه.

• ما اسمك يا عماه؟

• أنا أبو الخير.

• وأنت يا بني؟

• أنا محمود؟

 

• سار أبو الخير برُفقة الفتى الصغير إلى بيته ليجد في العش أطفالاً يلفحهم البرد، ينامون بلا أغطية، فبكى الرجل وبكى، فقد رأى شيئًا صعقه، فما كان (أبو الخير) يَتَخَيَّل أن يوجدَ في هذه الأيام أناس بهذه الحالة, كان أصغرهم في عمر لا يتجاوَز السنة إلا بشهرين، وبدا لأبي الخير كالطير في العش لَم يدرج ولم يطر!

 

توجه إلى محمود قائلاً:

• أما لك أب يا بني؟

• مات يا عماه.

• أمَا لك أعمام يا محمود؟

• لا يا عماه.

• أما لك أخوال؟

• لا أعرفهم, فقد مات أبي، وأمي تركَتْنا.

• أبو الخير يسأل ومحمود يجيب, أبو الخير يبكي ومحمود يتكلَّم.

 

افْتَقَدَ المشيعون أبا الخير، فتوَجَّه إليه أحدهم، ولحق به آخر وآخر, حتى اجتمع إليه كل من كان في المقبرة, ليجدوا الرجل سابحًا في دُمُوعه.

 

توجه أبو الخير إلى الجمع وقال:

عظَّم الله أجرَكم، وإنِّي أُشهدكم أنَّ هؤلاءِ الأطفال في كنَفي وكفالتي ما دُمتُ حيًّا.

 

لَم يكنْ أبو الخير من القرية، ولا حتى من المحافظة, بل كان من محافظة أخرى بعيدة تقع في شمال البلد.

 

أخرج بعض المال من جَيْبه ودفَعه إلى الكبير من اليتامى، وربَّت على كتفه، وقال: أنت رجل البيت، وسأعود إليكم، اعتَنِ بإخوتك وأخواتك ريثما أعود.

 

عاد أبو الخير برفقة وكيله إلى عش اليتامى، وسأل أحد الجيران: أما لهم أقارب؟

• لهم أخت مِنْ أبيهم متَزوجة.

• وكيف حالها؟

• حالها أسوأ حالاً من حال إخوتها وأخواتها.

أرسل لها، نشتري لكم دارًا ونسجلها باسمك، وتشْرفي على إخوتك وأخواتك.

• أمري ليس بيدي، وإنما بيد زوجي، وربما ضغط عليَّ، ما أريد.

رفضت الأخت عرْضَه، ولَم ترَ الرجل، ولم يرها.

 

عمد أبو الخير إلى قطعة أرض تصلح للبناء، فاشتراها وبناها كأحسن ما يكون البناء، وفرشها كأحسن ما يكون الفرش، وجهز البيت بأثاث كأحسن ما يكون الأثاث، نقل اليتامى إليها, وظَّف إحدى النساء المسنات لرعايتهم مقابل أجرٍ شهري وألحقهم بالمدارس، يزورهم كل شهر مرة أو كل شهرين كأبعد تقدير, لكنّ وكيله يقوم بزيارتهم مرتين في الشهر، يجلب لهم حاجاتهم، ويسدد عنهم فواتير الماء والكهرباء، ويجلب لهم ما يحتاجون من سكر وأرز وسمن وزيت, وكل ما يلزم البيت، يحاسب بائع الخضار والفواكه، ويُحاسِب الجزار، ثم يعود من حيث أتى.

 

في العام الدراسي ألفين وتسعة، تقدَّم أبو القاسم إلى امتحان الشهادة الثانوية ونجح فيها، زارهم أبو الخير فتلقَّاه الأبناء والبنات: أبي أبي.

• ماذا هناك؟

• لقد نجح محمود أبو قاسم في الثانوية.

 

• مبارك مبارك، فقد علمتُ، ما جئت إلا مِنْ أجْل ذلك.

• مبارك يا بني.

• بارك الله فيك يا أبي.

 

• ماذا ستدرس؟

• علاماتي تؤهّلني لدراسة الفلسفة والعلوم الإنسانيَّة.

• دعك من العلامات، ماذا تحب أن تدرس؟

• ما أدري يا أبي.

 

• هل تحب دراسة الفلسفة.

• لا يا أبي.

• حسنا ماذا تتمَنَّى أن تدرس؟

• كنت أتمنى أن أدرس الحقوق.

 

• ستدرس الحقوق يا أبا قاسم، نسجلك في التعليم الموازي.

• ولكن ذلك يَتَطَلَّب مبلغًا كبيرًا.

• لا عليك يا بني، فالخير كثير، غدًا أُرسل لك وكيلي أبا علاء فيرافقك إلى الجامعة؛ ليقوم بإجراءات التسجيل، وأنت يا أحمد سمعتُ مِن أخيك أنك ضعيف في اللغة الأجنبيَّة، فلتلتحقْ بإحدى دورات التقوية في اللغة هذا الصَّيف.

 

ودَّع أبو الخير الأطفال، وعاد مِن حيثُ أتى، كان أبو الخير البلْسم الشافي لأسرةٍ عانتِ الأمرّين، ولكن هل يعرف أحد من الجيران ما اسم أبي الخير؟

لا، ولا حتى الصِّغار من اليتامى، لا يعرفون إلا أنه أبوهم فقط.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ودارت الأيام (قصة)
  • كيف يتحول الأب من أب شكلي إلى أب فاعل ؟
  • حين أصبحت أبا

مختارات من الشبكة

  • دوام الخير بعد شهر الخير (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • تعودوا الخير فإن الخير عادة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أبو الخير بن منصور الشماخي (ت 680 هـ) وكتابه "عمدة القوي والضعيف" (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • اختموا شهر الخير بخير ما تجدون (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • يا باغي الخير.. بادر بالخير (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وصية الطلاب بعمل الخير، والبشاشة والمزاح معهم(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مفاتيح الخير ومفاتيح الشر فمن أيهما نحن؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في الخير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أبو موسى وعمه أبو عامر الأشعريان وقصة عجيبة دروس وعبر(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
5- ما أروعك
أبو طارق القرني - السعودية 14-05-2013 12:59 AM

لن أتحدث عن روعة القصة وأحداثها وسبكها اللغوي والأسلوب الجاذب الأخاذ
لكن والله وتالله وبالله وأنا اقرأ الأسطر ...وانظر للعبارت...خالجت روحي وباطن فؤادي فقطعته إربا إربا،،،وجعلت أبكي وأبكي وأبكي حتى فرغت منها....
لله درك
ولله در مشاعرك
ورسالتك وصلت لكل قارئ مسلم ذو هم وبصيرة

دمت بود
أحبك في الله

4- يوسف يرى
يوسف نورالدين مسعود - مصر 17-03-2013 03:04 AM

هذا قلم جميل.. له مني التحية والإعجاب..

3- سبحان الله
ام طارق - مصر 18-11-2010 07:42 AM

أحيانا كثيرة لا نقوى على التعبير كم التأثر بعجائب صنع الله ولكنى اقوى على ان أحمده بلا حدود حيث أسعدنى حظا بمصادفة هذه العظة حيث كنت فى كربة واختبار من الله وسبحانه بعظمته رد عليا بقصتكم الرائعة

2- وما أكثره
يوسف محمود - مصر 08-09-2010 05:57 PM

ما أكثر آباء الخيرات في عالمنا الإسلامي.. والكثير من القصص والوقائع تحكي ذلك,, بورك قلمك

1- الله أكبر!
انتصار - السعودية 08-07-2010 02:05 PM

الله أكبر!


تعجز حروفي عن نسخ بعض ما اختلج الفؤاد من مشاعر. شكرا لك بأبعاد ما متعتنا بهذا النص.

جزاك الله خيرا..

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب