• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

إن من البيان لسحرا

إن من البيان لسحرا
حسام الدين أبو صالحة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/3/2025 ميلادي - 16/9/1446 هجري

الزيارات: 848

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا

 

إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا؛ حيث يحاك الكلم الفصيح نظمًا رائعًا منسجم المعنى، متناغم المغزى، مرتديًا أبهى حلله بمحفلٍ ما أجمله للغة راقية، وبلاغة أبد الدهر باقية! كشهد رائع، وعسل مُصفَّى يحلي لسان ناثره، ويفيض حلاه بمن يجني قطافه فيغمره، أو كنسيم للربيع يفوح عطرًا، فَيَتَنَسَّمهُ مَنْ يحيط به، كطيبِ عودٍ فاح بأزكى ما يسعد الأنوف رائحة، أو كتاجٍ مُرَصَّعٍ بأنفَسِ الألماس يُزِينُ رأس ناظمه شعرًا، أو نثرًا بلفظ صريح، وكلم ذي بناء صحيح يأسر أنظار سامعيه، ويستميل قلوب ذائقيه، ويستميل عقل ناقديه؛ فيشار إليه بالبنان، ويذاع صيته في الإيضاح والتبيان، فالكلمةُ لَهَا سحر وبريق، تأخذ حَقَّها بحسن منطقها، وجمال عرضِها، وبديع بناء سياقها، وقد تستفحل غلوًّا؛ لتعدو على غيرها، فتستقطع ما ليس لها، بِضَعْفِ لسان خَصْمِها[1]؛ لذا حَذَّر النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ في رواية أم سلمة من استخدام الفصاحة والبيان؛ لأخذ ما لا يحق: "إنَّما أنا بَشَرٌ، وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ؛ فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ"[2].


• فَربَّما كان أحَدُ المتخاصِمَينِ عند القاضي أحسَنَ إيرادًا للكَلامِ، وأَقْدَرَ على الحُجَّةِ والبَيِّنةِ، وأدفَعَ لِدَعوى خَصْمِه، فأظُنُّ لفصاحتِه ببيانِ حُجَّتِه أنَّه صادِقٌ، فأَقْضِي له بما زعَمَه من الحُجَجِ، «فمَن قَضَيْتُ له بحقٍّ» الذي هو في الحقيقةِ حَقُّ أخيه المسلِمِ، وسلَّمْتُه له، فلا يَستَحِلَّه؛ فإنَّه إذا أخذ ذلك الحَقَّ وهو يعلَمُ أنَّه باطِلٌ وظُلْمٌ لغيرِه، فإنه يأخُذُ شيئًا يؤدِّي به إلى النَّارِ في الآخِرةِ، فليتجَرَّأْ عليها وليأخُذْها، أو ليترُكْها لصاحِبِها؛ خشيةً لله عزَّ وجَلَّ، وخوْفًا من وعيدِ النَّارِ في الآخِرةِ[3].


• وقد تستجلب الكلمة؛ بقدحها، ومدحها عدوًّا، وصديقًا، مفارقًا، ورفيقًا، فإن كانت الكلمة سامية فهذا لسمو ناطقها، وحسن منطقها؛ فتسمو به لدرجات عالية بجنات النعيم في عليِّين، وإن كانت الكلمة نابية، فهذا لانحدار لافظها خُلقًا وتعبيرًا، فتهوي به لدركات سحيقة، وتودي به لنوازل عميقة تصل لاكتوائه بنيران مستعرة، ولظى مشتعلة في سجين "الكاتب"، «وإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ»[4].


• فالكلمة لها حَدَّانِ: حَدٌّ قَاطِعٌ كَالسَّيْفِ، وَحَدٌّ مَاتِعٌ كالنسيم بضحى الصيف، فَبَعْضُ الكَلِمَاتِ تَقْدَحُ، وَبَعْضُ الكَلِمَاتِ تَمْدَحُ، وَبَعضُ الكَلِمَاتِ تَذْبَحُ، وَبَعْضُ الكَلِمَاتِ تَصْفَحُ، وَبَعضُ الكَلِمَاتِ تُدمِي الفُؤَادَ، وَتُعَكِّرُ صَفْوَ الوِدَادِ، وَبَعضُ الكَلِمَاتِ تُضَمِّدُ الجِرَاحَ، وَتُعْلِي الأَفْرَاحَ، وَتُوَاسِي الأتراحَ فُتُسْعِدُ القَلْبَ، وَتُسِرُّ النَّفْسَ[5].


• فما أجملَ البَيَانَ بلغة عربية لا نظير لها في البلاغة، والفصاحة، والعرض، والإيجاز! [6] فالقرآن الكريم أفضل الكتب، نزل به أفضل الملائكة، على أفضل الخلق ــ صلى الله عليه وسلم ــ على أفضل بضعة فيه، وهي قلبه، على أفضل أمة أخرجت للناس، بأفضل الألسنة، وأفصحها، وأوسعها، وهو اللسان العربي المبين.


• وقد ورد (إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا) بقول النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ برواية البخاري؛ فعن عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما- أنَّه قَدِمَ رجُلان مِن المَشْرق، فخَطَبا فعَجِبَ الناسُ لِبيانهما، فقال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ: (إنَّ مِنَ البَيانِ لَسِحْرًا - أوْ إنَّ بَعْضَ البَيانِ سِحْرٌ)[7]. والمعنى: إنَّ مِنهُ لَنَوعًا يُشبِهُ السِّحرَ مِن حيثُ جَلْبُ القلوبِ والغَلَبةُ على النفوسِ، والتأثيرُ فيها، فيَحُلُّ مِنَ العُقولِ والقُلوبِ في التَّمويهِ مَحَلَّ السِّحرِ؛ وذلك لحدَّةِ عمَلِه في سامِعِه، وسُرعةِ قَبولِ القلْبِ له، فيُقرِّبُ البَعيدَ، ويُبعِدُ القَريبَ، ويُزَيِّنُ القَبيحَ، ويُعَظِّمُ الحَقيرَ، فَكأنَّهُ سِحْرٌ، وشبَّه النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - في هذا الخبرِ بَعْضَ البَيانَ بِالسِّحرِ؛ إذ السَّاحِرُ يَستَميلُ قَلبَ النَّاظرِ إليه بسِحرِه وشَعوذَتِه، والفَصيحُ الذَّرِبُ اللِّسانِ يَستميلُ قُلوبَ النَّاسِ إليه بِحُسنِ فصاحتِه، ونَظْمِ كلامِه؛ فالأَنْفُسُ تكونُ إليه تائقةً، والأعيُنُ إليه رامِقةً.


• واختُلِفَ في هذا الحديثِ: هل هو على وجْهِ الذَّمِّ، أو على وجْهِ المدْحِ؟ والأقرَبُ: أنَّ هذا الحديثَ ليس ذمًّا لِلبَيانِ كُلِّه، ولا مَدْحًا؛ لقولِه ــ صلى الله عليه وسلم ــ: «مِن البَيانِ»، فأتى بِلَفظةِ (مِنْ) الَّتي لِلتَّبعيضِ، وفي الحديث: إشارةٌ إلى ضَرورةِ الحَذَرِ مِنْ مَعسولِ الكلامِ؛ لأنَّه كالسِّحرِ، فقدْ يَقلِبُ الحَقَّ باطِلًا، والباطِلَ حَقًّا[8].


• وقد كان النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ أفصح الخلق، وقد أخبر ــ صلى الله عليه وسلم ــ عن نفسه بذلك، فقال: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ....»[9].


• وقد وصف أبو عثمان عمرو بن بحر الملقب بـ«الجاحظ» كلامه- صلى الله عليه وسلم - وصفًا دقيقًا شاملًا، فقال: «هو الكلام الذي قلَّ عدد حروفه، وكثر عدد معانيه، وجلَّ عن الصنعة، ونُزِّه عن التكلف، وكان كما قال الله تبارك وتعالى: قل يا محمد: ﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86] استعمل المبسوطَ في موضع البسط؛ والمقصورَ في موضع القَصْر، وهجر الغريبَ الوحشيَّ، ورغب عن الهجين السُّوقيِّ؛ فلم ينطق إلا عن ميراث حكمة، ولم يتكلم إلا بكلام قد حُفَّ بالعِصْمة، وشُدَّ بالتأييد، ويُسِّر بالتوفيق، وهذا الكلام الذي ألقى الله المحبَّةَ عليه، وغشَّاه بالقبول، وجمع بين المهابة والحلاوة، وبين حسن الإفهام وقلة عدد الكلام، هو مع استغنائه عن إعادته، وقلةِ حاجة السامع إلى مُعاودته، لم تسقط له كلمةٌ، ولا زلَّت له قدم، ولا بارَتْ له حُجة، ولم يَقُم له خَصْم، ولا أفحمه خطيب؛ بل يبذُّ الخُطَب الطِّوال بالكلام القصير، ولا يلتمس إسكات الخَصْم إلا بما يعرفه الخَصْم، ولا يحتجُّ إلا بالصدق، ولا يطلب الفلَج إلا بالحق، ولا يستعين بالخِلابة، ولا يستعمل المواربة، ولا يَهْمِزُ ولا يَلْمِزُ، ولا يُبْطِئ، ولا يَعجل، ولا يُسهِب ولا يَحْصر؛ ثم لم يسمع الناس بكلام قط أعمَّ نفعًا، ولا أصدق لفظًا، ولا أعدل وزنًا، ولا أجمل مذهبًا، ولا أكرمَ مطلبًا، ولا أحسنَ موقعًا، ولا أسهل مخرجًا، ولا أفصحَ عن معناه، ولا أبينَ فيه، فَحْوَى من كلامه- صلى الله عليه وسلم- كثيرًا»[10].


وما كان أحقَّه- صلى الله عليه وسلم -بقول السري الرفاء[11]:

إذا ما صافحَ الأسماعَ يومًا
تبسَّمَتِ الضَّمائرُ والقلوبُ
فمن حُسْنِ الصنائعِ فيه حُسْنٌ
ومن طيبِ المحامدِ فيه طيبُ[12]

 

• وأفصح القبائل الذين هم مادة اللغة فيما نصَّ عليه الرواة: قيس، وتميم، وأسد، والعجز من هوازن الذين يقال لهم عليا هوازن، وهم خمس قبائل أو أربع، منها: سعد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف. قال أبو عبيدة: وأحسب أفصح هؤلاء بني سعد بن بكر؛ وذلك لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، وأني نشأت في بني سعد بن بكر"، وكان مسترضعًا فيهم، وهم أيضًا الذين يقول فيهم أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم؛ ولهذا كان لا يكتب في المصاحف برأي عمر وعثمان إلا كاتب ثقيف، وتلك القبائل كلها كانت تسكن في بوادي نجد والحجاز وتهامة[13].

نماذج من فصاحة العرب وتمكنهم في اللغة:

1- حكى الأدباء أن أبا بكر الصديق ــ رضي الله عنه ــ مَرَّ برجل في يده ثوب فقال له أبو بكر: "أتبيع هذا الثوب؟ "، قال: "لا رحمك الله"، فقال أبو بكر: "قد قومت ألسنتكم لو تستقيمون لا تقل هكذا، قل: رحمك الله، لا"، وقيل: قال له: "قل لا، ورحمك الله"[14].


2- قال يهودي لسيدنا علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ: "ما لكم لم تلبثوا بعد نبيِّكم إلا خمس عشرة سنة حتى تقاتلتم؟"، فقال سيدنا علي بن أبي طالب ــ كرم الله وجهه ــ: "ولِم أنتم لم تجف أقدامكم من البلل حتى قلتم: ﴿ يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [الأعراف: 138]؟".


3- قال رجل لصاحب منزل: "أصلِح خشب هذا السقف فإنه يُقَرقِع"، قال: "لا تخف فإنه يُسبِح"، قال: "إني أخاف أن تدركه رِقة فيسجُد".


4- قال معاوية لرجل من اليمن: "ما كان أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة؟"، فقال الرجل: "أجهل من قومي قومك الذين قالوا حين دعاهم رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ: ﴿ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأنفال: 32]، و لم يقولوا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك؛ فاهدنا إليه".


5- دخلت امرأة على الخليفة هارون الرشيد وعنده جماعة من وجوه أصحابه، فقالت المرأة: "يا أمير المؤمنين، أقرَّ الله عينيك، وفرَّحك بما أتاك، وأتمَّ سعدك، لقد حكمت فقسطت، زادك الله رفعةً".


فقال لها الرشيد: "مَن تكونين أيتها المرأة؟".


قالت: "من آل برمك، ممن قتلت رجلهم، وأخذت أموالهم، وسلبت نوالهم".


فقال الرشيد: "أتدرون ما قالت هذه المرأة؟".


فقالوا: "ما نراها قالت إلا خيرًا".


قال: "ما أظنكم فهمتم ذلك، أما قولها: ""أقرَّ الله عينيك"؛ أي: أسكنها من الحركة، وإذا سكنت العين عن الحركة عُميت"، وأما قولها: "وفرحك بما أتاك"، فأخذته من قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾ [الأنعام: 44]، وأما قولها: "وأتمَّ الله سعدك"، فأخذته من قول الشاعر:

"إذا تمَّ أمرٌ بدا نقصُه
ترقَّب زوالًا إذا قيل تمَّ"

وأما قولها: "لقد حكمت فقسطت"، فأخذته من قوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ﴾ [الجن: 15]، وأما قولها: "زادك الله رفعةً"، أرادت به قول الشاعر:

"ما طارَ طيرٌ وارتفَع
إلا كما طارَ وَقَع"

فتعجب الحاضرون من ذلك، وأثنوا على فصاحته، ثم التفت هارون الرشيد إلى المرأة، وقال لها: "ما حملك على هذا الكلام؟"


فقالت: "إنك قتلت أهلي وقومي".

فقال: "ومَن أهلك وقومك؟".


قالت: "البرامكة"، فأراد أن يجزيها ببعض العطايا، فلم ترضَ، وذهبت لحال سبيلها.


6- قالَ الأصمعيُّ: كُنْتُ أقْرَأُ: "﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 38] وَاللَّهُ غفور رحيم"، وبجانبي أعرابي فقال: " كلام من هذا؟" فقلت: "كلام الله"، قال الأعرابي: "أعِدْ"، فأعدت، فقال: "ليس هذا كلام الله"، فانتبهت، فقرأت: ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38]، فقال: "أصبت، هذا كلام الله"، فقلت: "أتقرأ القرآن؟" قال: "لا"، فقلت: "من أين علمت؟"، قال الأعرابي: "يا هذا، عزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع"، وبهذا كشف الأعرابي وجه الإعجاز في الآية، وهو لا يحفظ القرآن الكريم[15].


7- دخل ابن الزبير على أمه أسماء بنت أبي بكر، في اليوم الذي قُتِل فيه، وقد رأى من الناس ما رأى من خذلانهم، فقال: "يا أُمَّه، خذلني الناس حتى ولدي وأهلي، فلم يبقَ معي إلا اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟"، فقالت: "أنت والله يا بني أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق، وإليه تدعو؛ فامضِ له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا، فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك، وأهلكت من قتل معك، وإن قلت: كنت على حق، فلما وهن أصحابي ضعفت، فهذا ليس فعل الأحرار، ولا أهل الدين، وكم خلودك في الدنيا؟ القتل أحسن، والله لضربة بالسيف في عزٍّ، أحب إليَّ من ضربة بسوط في ذلٍّ"، قال: "إني أخاف إن قتلوني أن يمثلوا بي"، قالت: "يا بني، إن الشاة لا يضرها سلخها بعد ذبحها".


فدنا منها وقَبَّل رأسها، وقال: "هذا والله رأيي، والذي قمت به داعيًا إلى يومي هذا "[16].


• حقًّا إنَّ مِنَ البَيانِ لَسِحْرًا يُشَنِّفُ آذانك، ويسعد وجدانك، ويستحوذ على فكرك، ويأسر مناشط عقلك، فتستمع لخطيب بارع مفوَّه، ومتحدِّث بليغ ذي كلم فصيح، وتنصت لمعلم متمكِّن من ألفاظه، بارع بانتقاء كلماته، مبدع بنَظْم عباراته، لا يلحن بنطق، ولا يشذ بقاعدة، كأنك لا ترى دونه، ولا تسمع غيره، ولا تعقل سواه، يصل لعقلك بأقصر طريق، وأبسط لفظ، وأيسر معنى، وإن كان المغزى عميقًا، لا تجد تَعَثُّرًا، أو وعورةً، أو عائقًا في بلوغ رسالته لك، وتواصله معك، ولسان حالك معه أَطِل المقامَ فقد اقتضى الحال سرور السامع للمقال، فحي على السحر الحلال، وبسط المقال، وجمال الإيضاح، ودقة الإفصاح ناثرًا بما يجول برأسه، ويحيك بصدره، ويقطن بقلبه فيتنسم بشذاه من وعاه دون واسطة، وبلا قيد أو شرط[17].

 


[1] الكاتب.
[2] الراوي: أم سلمة أم المؤمنين | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 7169 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح] | التخريج: أخرجه مسلم (1713) باختلاف يسير.
[3] الدرر السنية، الموسوعة الحديثية.
[4] الراوي: أبو هريرة | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 6478 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح] التخريج: أخرجه مسلم (2988) مختصرًا بنحوه.
[5] الكاتب.
[6] تفسير السعدي لقوله تعالى: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 195].
[7] رواه الإمام البخاريُّ في صحيحه، كتاب الطب، باب: إنَّ مِن البيان سحرًا، (رقم: 5767)، عن عبدالله بن يوسف: أخبرَنا مالك، عن زيد بن أسلمَ، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
[8] الدرر السنية، الموسوعة الحديثية.
[9] ص117 - أرشيف ملتقى أهل الحديث - أصول البلاغة النبوية - المكتبة الشاملة الحديثة.
[10] البيان والتبيين (2/16، 17، 18)، مكتبة الخانجي، القاهرة.
[11] السري بن أحمد بن السري الكندي، أبو الحسن، شاعر، أديب من أهل الموصل، كان في صباه يرفو ويطرز في دكان بها، فعرف بالرفاء، ولما جاد شعره ومهر في الأدب قصد سيف الدولة بحلب، فمدحه وأقام عنده مدة، ثم انتقل بعد وفاته إلى بغداد، ومدح جماعة من الوزراء والأعيان، ونفق شعره إلى أن تصدى له الخالديان (محمد وسعيد ابنا هاشم) وكانت بينه وبينهما مهاجاة فآذياه وأبعداه عن مجالس الكبراء، فضاقت دنياه واضطر للعمل في الوراقة (النسخ والتجليد)، فجلس يورق شعره ويبيعه، ثم نسخ لغيره بالأجرة، وركبه الدين، ومات ببغداد على تلك الحال، وكان عذب الألفاظ، مفتنًّا في التشبيهات والأوصاف، ولم يكن له رواء ولا منظر. من كتبه (ديوان شعره - ط) و(المحب والمحبوب والمشموم والمشروب - خ)، مؤسسة موسوعة الديوان، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة.
[12] الديوان "العصر العباسي"، السري الرفاء، يريك قوامها الغصن الرطيب. مؤسسة موسوعة الديوان، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة.
[13] كتاب تاريخ آداب العرب، لمصطفى صادق الرافعي.
[14] (ص466 - أرشيف ملتقى أهل الحديث - كتاب موجز البلاغة - المكتبة الشاملة الحديثة).
[15] (لو غفر ورحم لما قطع) ص184 - كتاب سؤال وجواب في القرآن - لو غفر ورحم لما قطع - المكتبة الشاملة.
[16] (ص178 - كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة - عبدالله بن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر - المكتبة الشاملة).
[17] الكاتب.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة الشيطان على منبر من نار بعد قضاء الديان
  • (سرية الرجيع آلام لا تضيع) يا لأقدار الله يباع لمن قتل أباه
  • وأي داء أدوأ من البخل؟
  • الدين جوهر ثمين ومظهر رصين
  • صرخة الشيطان وظهوره لبني الإنسان
  • الغيرة المفضية للحسد
  • الخيط الرفيع بين تعارض أمر الوالد والزوج
  • أيها القابع في الشبهات، أما آنت توبتك قبل الممات؟

مختارات من الشبكة

  • في رسم كتاب الجاحظ (البيان والتبيين) أم (البيان والتبين)؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة بنان البيان في علم البيان(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • عطف البيان في اللغة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • اهدنا الصراط المستقيم (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مع حديث (إن من البيان لسحرا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سحر البيان(مقالة - حضارة الكلمة)
  • سحر البيان في كلمات بينات - لطالبات المرحلة الثانوية (PDF)(كتاب - موقع الموسوعات الثقافية المدرسية)
  • أين ذهب عنا ذاك الشعور الخفي بالإعجاز وسحر البيان؟!(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • سحر البيان(مقالة - حضارة الكلمة)
  • زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد إبراهيم وهبة(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب