• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

هل يبطلون سحرها؟

هل يبطلون سحرها؟
أ. منى مصطفى

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/12/2023 ميلادي - 22/5/1445 هجري

الزيارات: 1382

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هل يبطلون سحرها؟


قال العزيز الجبَّار مُنزل القرآن، مُذل أهل الشرك والكفران، حافظ كتابه من التحريف والبُطلان: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ * وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ * أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ * كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ [الشعراء: 192 - 201].

 

لا ينفصل الحديث عن اللغة العربية عن القرآن الكريم إطلاقًا، فمنذ ظهورها في هذا الملكوت العظيم والمولى بعلمه وتدبيره يعدُّها لاستيعاب كلماته، فجعها أيسرَ اللغات السامية وأكثرها استيعابًا لألفاظهم، ثم سخَّر لها قومًا كثيري التأمُّل قليلي العرَض، فغنيُهم يعيش بيئة فقيرِهم، والسادة والعبيد بيتهم واحدٌ ولسانهم واحدٌ، فأطلقوا قلوبهم وعقولهم يتأملون ذلك العالَم البسيط، فيسمُّون الخيلَ والنخيل والسيوف بمئات الأسماء الدقيقة جدًّا، التي يعبِّر بها كلُّ اسم عن مسماه في حالة خاصة وظروف بعينها، وجعلها قابلة للاشتقاق والتوليد والنحت... وبعد أن أصبحت وعاءً لكتابه الكريم، سخَّر لها جندًا من جنده، يشكِّلون حرفها ويجوِّدون صوتها، وينظِّمون بُحورها، ويُجسدون همسها وإشمامها ويُنغِّمون مدودَها، باختصار صنعها الخالق سبحانه على عينه؛ لذلك كل من أراد النيل من ديننا العظيم، اتَّخذ اللغة بوابة له، وهنا في هذا المقال سوف أتعرض لجانب واحد من جوانب الطعن في اللغة وهو (إحلال العامية محل الفصحى)، ومرجعي في ذلك كتاب الدكتورة نفوسة زكريا سعيد (تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر)، وسيتكوَّن المقال من محورين:

الأول: أصل الدعوات وحجة الداعي:

الثاني: نتيجة هذه الدعوات سلبًا وإيجابًا على الفصحى.

ثم أختم بلمحة من الواقع.

 

أولًا: أصل الدعوة:

وجود لهجة تساند لغة الكتابة يُعد ظاهرة في كل اللغات، فاللغة الدراجة للتعامل اليومي بين كل فئات المجتمع تتَّسم بالسهولة والبساطة، وترتبط بالبيئة والحرفة والعمر... ولكن أكثر كلماتها من الفصحى والجزء القليل البعيد عن الفصحى في الغالب، متحوِّل عن جذر فصيح، لكنه تغيَّر بفعل الواقع الذي يعيشه المتكلم، وقد عاشت الفصحى لغةً للأدب والشعر والخطابة إلى جوار العامية بوصفها لهجةً خاصة بقبيلة ما، وهذا موجود منذ سوق عكاظ وحتى اتساع رقعة الإسلام، ولم نجد من ينادي أبدًا بنبذ الفصحى.

 

لما انتهت الخلافة العثمانية وبدأ الإنجليز يحتلون البلاد العربية، تعالت أصواتُهم بوجوب ضبط العامية، وجعلها لغة للكتابة والتأليف؛ حيث أدخلوها في مناهجهم لإحكام قبضتهم على الدول المحتلة، وكأنهم يأخذون بما رُوي عن الصادق الأمين: (مَن عرَف لغةَ قومٍ أَمِنَ شرَّهم)، وبُنيت مدراس لهذه الغاية في إيطاليا والنمسا وفرنسا وروسيا وإنجلترا وألمانيا والمجر... وبالطبع ألَّفوا كتبًا بالعامية لتدريسها في هذه المدراس، ولإغواء أهل العربية بتقليدهم، ومن هذه الكتب: "أحسن النخب في معرفة كلام العرب" لمحمد عياد الطنطاوي، وكتاب "الرسالة التامة في كلام العامة" لميخائيل الصباغ.

 

ولم يقتصر التأليف على العرب بإيعاز من الغرب، بل ألَّف الغرب أنفسهم كُتبًا لدراسة اللهجة العامية المصرية؛ مثل: الألماني كارل فلورس، وباول ولهلم سيبتا، وكلهم كانوا يعملون بمصر، سواء في دور الكتب أو القضاء، أو غير ذلك، ويعترف سيبتا نفسه بالصعوبات الجمَّة التي واجهته في التألف بالعامية، وعلى رأسها:

• أنَّه لم يجد كتبًا مطبوعة بالعامية سوى مجلة هزلية تسمى أبو نظارة.

 

• وكذلك اختلاف نطق الكلام من شخص لآخر.

 

• تشتُّته بين لهجة المدن ولهجة الفلاحين ولهجة البدو، فقرَّر اعتماد لهجة القاهرة بديلًا عن الفصحى، وهنا أقول له: إنك زدت المشاكل ولم تقلِّلها، فصنعت فصحى (لهجة القاهرة)، سيكون كلام كل الطوائف المجتمعية لهجات عامية بالنسبة لها، وطمستَ لغة أُمٍّ ناضجة كاملة لا حاجة لاستبدالها إلا الحقد الأعمى، ولا أجد أصدق تعبيرٍ عن هذا الصراع المحموم من قول عمر رضي الله عنه: (اللهمَّ إني أشكو إليك جلدَ الفاجر وعجزَ الثقة)، والطريف أن غالب كتابته بألفاظ من الفصحى التي يريد وأْدها!

 

ويظهر لنا من كتاب سيبتا أنهم بذلوا جهدًا واضحًا في ضبطها والعناية بها، لا من أجل تدريسها في مدارسهم كما يزعمون، بل لإحلالها محل الفصحى، وليست السهولة مقصدهم ولا اللغة عمومًا، إنما لهم هدف عقَدي وهو هدم الدين الإسلامي، بإبعاد الناس عن لسان القرآن، وهدف سياسي وهو تَمزيق لغة التفاهم بين الجنس العربي لإضعافه، وفصل وِجدان الشعوب عن بعضه، وبالتالي تسهل السيطرة عليهم بوصفهم هدفًا سياسيًّا استعماريًّا واضحًا، حتى إن كاتب أمريكي قال: (إن الانقلاب الرائع في التجارة والزراعة والمال والأخلاق في مصر في السنين الأخيرة، هو أعظم أعمال الإنجلوسكسون روعةً في هذا العصر).

 

وهذا يجسد ضخامة الجهد والمال المبذول لاستقطاب بني جلدتنا، لتبني العامية لغةً للتأليف والكتابة، وإقصاء الفصحى، وساقوا لذلك حججًا واهية منها، كما أشار ولكوكس وهو مهندس ري بريطاني كان يدير وزارة الري في البلاد:

• إن اللغة الفصيحة جامدة صعبة الفهم، تقتصر على الخاصة وأصحاب الأقلام.

 

• التأخر الذي يعاني منه أصحاب اللسان العربي بسبب لغتهم الصعبة؛ لأن اللغة أداة الفكر، ولغتهم الفصيحة جامدة، هكذا صرَّح الجَلِد ولكوكس!

 

• التأليف بالعامية يرفع من شأن الإنسان الثقافي؛ لأن الجميع سوف يستوعب الآداب والفنون والعلوم التي تُكتب بلسانه!

 

• اللغة العامية سهلة قريبة من الجميع خاصة وعامة، وأن الشباب يعاني في مناهج الثانوية من حفظ متون لا تَمُتُّ للغته اليومية بصلة، ولم يفتهم بالطبع الطعن في طريقة الكتابة، وأن رسم الأحرف الفصيحة صعب ومعقَّد، وكأنني بهم يزمون أنوفهم تقرفًا، ويغمضون عيونهم فزعًا من لفظ ورسم القرآن الكريم، كما عميت قلوبهم عنه أولًا، فإنهم المحرومون الأشقياء، وايْم الله؛ فلا يريدون لفظه ولا رسمه في عقل مسلم، وقد تجاسروا على العلماء الذين ألَّفوا في اللحن؛ كالكسائي والفراء والأصمعي، مدَّعين أنهم كانوا دعاة للكتابة بالعامية، وذَهِلوا متعامين عن أنها كانت لخدمة الفصحى والتنبيه إلى اللحن لتجنُّبه، وحثِّ الناس على أن تكون لغتهم ذات صفاءٍ ورِواءٍ، حتى تحقق قول الصادق فيها: (إن من البيان لسحرًا).

 

فقد ألقى محاضرة وصنع لها دويًّا يروِّج فيها لهذا الزعم، ولا ينسى ما علمه له أبوه، فقد أظهر التعاطف مع المصريين، وأشاد بالعصر الفرعوني، وأنهم كانوا منارة الدنيا، وأن انتكاسهم لم يحدث إلا باعتناقهم العربية وهو يقصد الإسلام، وكأن لسان حاله يقول: أسقطوا من حياتكم عمرو بن العاص وما أتى به تتقدموا! ثم ترجَم مقالته بلغة ركيكة تُشبه ترجمات الإنجيل، ونشرها في مجلة الأزهر، والأعجب من ذلك وبعد أن بقيت دعوته مشلولة تزحف بساق واحدة، تمادى أيضًا وادَّعى أن سوريا ومصر وشمال إفريقيا ومالطة، تتكلم اللغة البونية لا العربية!

 

الثاني: آثار كل هذه الجهود:

• فطن أصحاب هذه الدعوة لقلة المصادر بالعامية، فنشط جاستون ماسبيرو المفتِّش بمصلحة الآثار، وطبَع أزجالًا هزلية ومواويلَ وحواديتَ العامة، ومجموعة من الأغاني الشعبية المتداولة في صعيد مصر، وفشلوا في أن يزيدوا على ذلك لانصراف الناس عنهم بفطرتهم، حتى عاونهم موظف شامي (نصري نصر)، أقنعه ماسبيرو بأهمية الأدب الشعبي، فساعدهم في جمع المادة من أفواه الناس، ثم انضم لهم محمد رشدي وتوفيق بولس، فجمعوا أغاني المسلمين والمسيحيين...

 

• ترجموا قطعًا من أدب شكسبير بالعامية؛ ليرقى بالإنتاج الذي اقتصر على الأغاني والحواديت، ومن المضحك أن العامية لم تُحْسِن التعبيرَ عن أدب شكسبير، فكان يلجأ للفصحى حتى يصل للمعنى المراد ترجمته!

 

• ترجموا الإنجيل كذلك بالعامية، وقد تجرَّأ ولكوكس على ذلك، لعدم قداسة الفصحى في عقول النصارى كما هي لدى المسلمين.

 

موقف علماء العرب من هذه الدعوة:

انقسموا إلى مؤيد يردِّد آراء الأجانب كالببغاء، ويضيف إليها ما لا معنى له سوى عجزه عن الفصحى، أو عدم أهليته للكتابة بها، ومنهم من كان يخجل من ذكر اسمه لشناعة فعله، ويكني عن نفسه بـ(الممكن).

 

وفريق معارض بصير يَفهَم مراميهم الخبيثة وإن غلَّفوها بماء الذهب، ومنهم:

الشيخ خليل اليازجي والجمعية الأدبية الدمشقية، وكانت حججهم دامغة وأدلتهم منطقية، ومستنبطة من تعامل الإنجليز أنفسهم مع لغتهم؛ حيث يحرصون دائمًا على سدِّ الفجوة بين الفصحى والعامية انتصارًا للفصحى، وكل مناسباتهم يلزمون الفصحى، ومدارسهم لا يدخلها إلا الإنجليزية!

 

• سجلت مجلتا الهلال والمقتطف الصراع بين الفصحى والعامية؛ حيث تابع ولكوكس دعوته، وبدأ يمزج الفصحى بالعامية؛ ليستدرج الناس دون أن يعترضوا، ودعا لتعليم الفصحى بالعامية، فاشتدَّ الصراع وتَمَّ رصد تطوراته من خلال المجلتين، وانتهى إلى عدم ترك الفصحى، ولكنه جذب بعض أبناء العربية نحو العامية في كتابتهم وأدبهم؛ مثل سلامة موسى، وقاسم أمين الذي قال: (إن الأوروبي يقرأ ليفهم، ولكننا نفهم كي نقرأ)، وتبعهم أحمد لطفي السيد!

 

ومن يتتبَّع التاريخ يجد أن هذه الدعوات اقترنت بحركة التمصير وظهور القوميات والنزاعات التي أذكى نيرانَها الاستعمارُ، فصدَرت مقالات كثيرة عنهم تطعن في الفصحى بما فيها وما ليس فيها، حتى المعاجم لم تسلم منهم، فاتَّهموها بأنها تزخر بالألفاظ البدوية، وتخلو من الكلمات المعاصرة، ومن العجب أنهم يتحدثون بجرأة وكأنهم ولاة أمر كلِّ نفسٍ حية تنطق، ويصورون الناس كأنهم يتقلبون على جمر الفصحى، وتتوق أرواحهم لأفياء العامية، واعجباه!

 

فظهر تيار مناهض لهذه الدعوات رفع لواء الفصحى؛ كالرافعي الذي رد على ذلك في كتابه: (تحت راية القرآن).

 

أثر الدعوة في الدراسات التي تناولت العامية:

بذل الأجانب وسعهم مالًا ووقتًا لنقل الأدب من الفصحى للعامية، وألَّفوا كتاب (مميزات لغات العرب) لحفني ناصف، كتاب (التحفة الوفائية في تبيين اللغة العامية المصرية) لوفاء محمد القوني، وبعض المؤلفات التي تناولت البحث في أصول العامية وتهذيبها؛ مثل كتاب (تهذيب الألفاظ العامية) لمحمد علي الدسوقي، و(خصائص اللغة العربية) لحبيب غزالة، وبحث لمحمد فريد أبو حديد يتهم الفصحى بالجمود والقصور، ويصعد بالعامية إلى سماء البلاغة، وكلهم يتحدثون بحجج واهية وعقل مغيَّب وبصيرة رَمداء!

 

أما عن الكتب التي كُتبت بالعامية، فكان غالبها القصص والأغاني، وقليل جدًّا ما كان علميًّا هادفًا، كبعض كتب الإنجليز في الأغذية الصحية وأثرها..

 

وهنا نطرح سؤالًا: هل كان كل هذا الكيد للفصحى شرًّا كله؟؟

كان لهذه الدعوى أثر إيجابي؛ حيث حركت الباحثين الداعمين للفصحى بحمايتها ومعالجة كل عيب رُميت به، فقاموا بخطوات؛ منها:

تيسير النحو: عدَّلوا المناهج بما يناسب المرحلة العمرية للطفل، فقرروا الأساسيات أولًا دون تبحُّر، ثم تنمو تدريجيًّا، ويترك التفرع للجامعة والتخصص كما هو الحال اليوم، كما أشركوا الطالب بشكل ما في وضع المنهج بأن يختار نوع المحفوظات المقرر حفظها من عصر محدد!

 

واجتهدوا في كل ما يصون اللغة الفصيحة ويقربها من العوام؛ كالأغاني والقصص والمسرحيات، وكل هذا يحدث في ظل الحفاظ التام على قواعد اللغة كقوانين محكمة، فكل لغة لابد لها من قواعد تضبطها وتنظم أساليبها، فالقواعد جوهرة اللغة استنبطها العربي في شعره، ووثقها القرآن في نصه، وإن وجد على الغريب والنادر والشاذ، فتلك ظواهر في كل اللغات.

 

تلا ذلك دعوات لتيسير الكتابة، ومنها المنصف البصير ومنها المغرض الهدَّام، حتى إن بعضهم دعا لكتابة الكلام العربي بالحرف اللاتيني؛ مثل: عبد العزيز فهمي وطه حسين الذي دعا لرسم الكلمة بحسب سماعها تخلصًا من قواعد الإملاء...

 

كما ظهرت دعوات للتعريب والتخلُّص من المترادفات والأضداد، وواجه ذلك فريق آخر يتمسك باللغة فتيَّةً كما أتت من منبعها، ورفضوا التوسع في التعريب، أو المساس برسم الحرف، وقالوا: من استطاع رسم الحرف اللاتيني، ما الذي يمنعه من رسم الحرف العربي، أوليس كلها خطوط بقلم! والحمد لله تقدمت المطابع وذللت صعوبات الكتابة...

 

أجد عقل القارئ يسارع الخطى ليعرف نتيجة الصراع! كما هي سنة الله في الكون: ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾ [الرعد: 17]، فبعد طغيان العامية بسبب الضعف السياسي والثقافي والاقتصادي، بعد انهيار الخلافة العثمانية وبداية الاحتلال الإنجليزي، أرسل الله رجالًا جدَّد بهم اللسان والذوق والوجدان، فقد جاء عصر الإحياء، فكان البارودي نقطة فارقة في إنقاذ اللغة الفصحى وإحياء الذوق العام، حتى قسَّم الدارسون هذه المرحلة لثلاثة أقسام: (ما قبل البارودي - عصر البارودي - عصر ما بعد البارودي) وتوالى شعراء الفصحى مثل شوقي وحافظ وميخائيل نعمية وجبران، والكُتَّاب مثل: العقاد والرافعي ومحمود شاكر، وساد الشعر الفصيح المجالس الثقافية، وأدخل شوقي المسرحية الشعرية التي جذبت وجدان العامة قبل الخاصة...

 

وهكذا عندما عظُمت قضية الإنسان في الحياة وصار مطلبه الحرية، استفاقت مداركه ونشط عقله، وتولدت له مثلٌ عليا وغايات كبرى، فيأبى ذوقه أن يشبع بلغة مهلهلة لا خارطة لها، بل يستشرف الجمال والبلاغة التي تسحره، وتجعله يحلم بالخلود... وكما في الشعر صار في القصة، فعادت تعكس القضايا الكبرى وترقى بالنفس، وتترك العبرة الخفية الممتعة...

 

الختام: لمحة من الواقع:

تتجدد حالة الضعف ويتجدَّد معها انحطاطُ الذوق، فنجد العامية تسود، وتنهار المثل العليا؛ إذ أصبحت القدوات راقصة وبلطجيًّا ولاعبًا! فلا يكاد يتكلم الشاب دقيقتين إلا ويتخلل كلامه كلمات أجنبة بمعدل الثلث تقريبًا، وتتوالى برامج التواصل الاجتماعي، فلا نجد عدد المتابعين بالملايين إلا على ذوي المحتوى التافه العامي، ثم تتوارد المقاطع المصورة على العين والعقل إلى آخر ما يرى الجميع من هذه الظواهر، فتصبح القراءة الكتابة الجادة ترفًا لا يعني غالب الناس!

 

ولكن في هذا الدخن خيرٌ من حيث لا ندري، فقد انفتحت البلاد العربية على بعضها وجمعتهم الفصحى، فنجد المغربي الذي أعلنت دولته فرنسة التعليم في 2020، والتونسي الذي لا يكاد يُبين، والجزائري فرنسي اللسان، يتحدث مع المصري والخليجي والسوداني بلسان فصيح يفهمه الجميع، وما كان ذلك متاحًا إلا بوسائل التواصل الاجتماعي التي خِلناها نافذة هدمٍ فقط، بل ارتقت بالذوق كذلك؛ حيث إن هموم الأمة وأحلامها أصبحت على شاشة واحدة، تُبث في وقت واحد، فتنفعل القلوب وتشاهد العيون، وتلتقي الغايات، فيتوحد التعبير باللسان الفصيح، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل سهولة وتقدم تقنيات الترجمة، جعل العقول مفتوحة على بعضها البعض، وكأن الله سبحانه يقيم الحجة على العباد، ويقول لهم: لقد علمتم وما آمنتُم، فحصادكم زكوم، أو: لقد علمتم وآمنتم فرضوان من الله.

 

كان كل خوفنا أن ينهار العربي، فينهزم الدين، وتتبدل اللغة، أما اليوم فنرى عبادًا لله ينصرون دينه بألوان وألسن بعيدة وغريبة، فما دام القرآن خالدًا محفوظًا بحفظ الله، لم يقبضه إليه، فلا خوف من ضياع اللغة والدين بقدر ما أصبح الخوف من عدم الثبات على الإيمان، فهو الأشد! فللدين رجالٌ يحبهم الله ويحبونه يُخرجهم من تحت الرماد مردةً أقوياءَ، يضبطون رمانة الميزان في الوقت المناسب.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سحر العربية
  • إتيان السحرة والكهان (خطبة)
  • حكم السحر والكهانة وأهمية الأذكار والتعوذات الشرعية (خطبة)
  • من أسباب الوقاية من العين والمس والسحر والشيطان: الخروج للطاعات وترك المستقبحات
  • من أسباب الوقاية من العين والمس والسحر والشيطان: تطهير البيت من الكلاب والتصاوير والتماثيل

مختارات من الشبكة

  • هل يبطل تغليف الأسنان الوضوء أو الغسل؟(استشارة - الاستشارات)
  • هل يأثم الحاج بدون تصريح؟ وهل يبطل حجه؟(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • تفسير: (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إيطاليا: القضاء يبطل الحكم بعدم بناء المساجد(مقالة - المسلمون في العالم)
  • القيء عمدا يبطل الصيام ويوجب القضاء(مقالة - ملفات خاصة)
  • القاعدة الفقهية: الاضطرار لا يبطل حق الغير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لمس جسم المرأة لا يبطل الطواف(مقالة - ملفات خاصة)
  • الكلام في الصلاة بين الفقهاء والنحاة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أمور لا تبطل الصوم(مقالة - ملفات خاصة)
  • التيمم ( من المرتع المشبع ) (4)(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب