• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

مقدمة في علم النحو العربي

عبدالله بن عبده نعمان العواضي

عدد الصفحات:26
عدد المجلدات:1

تاريخ الإضافة: 29/10/2023 ميلادي - 14/4/1445 هجري

الزيارات: 29881

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحميل ملف الكتاب

النحو لغة: "مصدر أريد به اسم المفعول أي: المنحو، كالخلق بمعنى المخلوق. وخصته غلبة الاستعمال بهذا العلم، وإن كان كل علم منحوًا، أي: مقصودًا، كما خصت الفقه بعلم الأحكام الشرعية الفرعية وإن كان كل علم فقهًا، أي: مفقوهًا، أي: مفهومًا"( ).

مقدمة في

علم النَّحو العربي


سنتناول في هذه المقدمة ثلاثة أمور:

أولاً: المبادئ العشرة لعلم النحو:

أ-حد النحو:

النحو لغة: "مصدر أريد به اسم المفعول أي: المنحو، كالخلق بمعنى المخلوق. وخصته غلبة الاستعمال بهذا العلم، وإن كان كل علم منحوًا، أي: مقصودًا، كما خصت الفقه بعلم الأحكام الشرعية الفرعية وإن كان كل علم فقهًا، أي: مفقوهًا، أي: مفهومًا"[1].

 

وقال ابن جني: " وهو في الأصل مصدر شائع، أي: نحوت نحواً؛ كقولك: قصدت قصداً، ثم خصّ به انتحاء هذا القبيل من العلم"[2].

 

وهو يأتي في اللغة لمعان:

الأول: القصد، نحو: نحوت نحوك، أي: قصدت قصدك.

الثاني: الِمثل، نحو: مررت برجل نحوِك، أي: مثلِك.

الثالث: الجهة أو الناحية، نحو: توجهت نحو البيت، أي: جهة البيت أو ناحية البيت.

الرابع: المقدار، نحو: له عندي نحو ألف، أي: مقدار ألف.

الخامس: القِسْم أو النوع، نحو: هذا على أربعة أنحاء، أي: أقسام أو أنواع.

السادس: بعض الشيء، نحو: أكلت نحو دجاجة، أي: بعض دجاجة.

السابع: الطريق، نحو: هذا نحو المدينة، أي: طريقها.

 

الثامن: الرد والصرف والتحريف والميل، نحو: نَحا بَصَرَه إِلَيْهِ يَنْحاه ويَنْحُوه نَحْواً: رَدَّهُ وصَرَفَه، ونحا الشيءَ يَنْحَاهُ ويَنْحُوه إِذا حرَّفه، وَمِنْه سمّي النحويّ؛ لِأَنَّهُ يحرفُ الْكَلَام إِلَى وُجُوه الْإِعْرَاب، ويقال: نَحَوْت بَصرِي إِلَيْهِ أَنْحاه وأنْحُوه صرَفته فَإِذا عَدَلته عَنهُ قلت: أنْحَيته عَنهُ ونَحَّيته[3].

 

قال أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي التلمساني:

لِلنَّحْوِ سَبْعُ مَعَانٍ قَدْ أَتَتْ لُغَةً
جَمَعْتُهَا ضِمْنَ بَيْتٍ مُفْرَدٍ كَمُلَا
قَصْدٌ، وَمِثْلٌ، وَمِقْدَارٌ، وَنَاحِيَةٌ
نَوْعٌ،وَبَعْضٌ، وَحَرْفٌ، فَاحْفَظِ المَثَلَا[4]

و أوصلها بعضهم إلى عشرة معان فقال:

النحو في لغةٍ: قصدٌ، كذا مثلٌ
وجانبٌ، وقريبٌ، بعضُ، مقدارُ
نوعٌ، ومثلٌ، بيانٌ، بعد ذا عقبٌ
عشرُ معانٍ لها في الكل أسرارُ[5]

وقال بعضهم جامعًا بعض المعاني لكلمة" نحو" لغةً وممثلاً لها:

نحونا نحوَ دارك يا حبيبي
وجدنا نحوَ ألفٍ من رقيبِ
وجدناهم جياعاً نحوَ كلبٍ
تمنّوا منك نحواً من شَرِيْبِ[6]

اصطلاحًا:عرفه ابن جني بقوله: " هو انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب وغيره؛ كالتثنية والجمع والتحقير والتكسير والإضافة والنسب والتركيب وغير ذلك، ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة فينطق بها وإن لم يكن منهم، وإن شذ بعضهم عنها رد به إليها"[7].

 

ولكن هذا التعريف لا يمنع دخول علم الصرف فيه؛ لتضمنه بعض مباحثه.

 

وعرفه العيني بقوله: " والنحو في اصطلاح القوم: معرفة كيفية كلام العرب وتصرفاتهم فيه، وما يستحق كل نوع منهم من الإعراب منه؛ كرفع الفاعل ونصب المفعول، وجر المضاف"[8].

 

وعرفه شهاب الدين الأندلسي بقوله: " علمٌ به يُعرف أحوالُ أواخرِ الكلمات العربية إفراداً وتركيباً"[9].

 

وعرفه ابن كمال باشا بقوله: " علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر الكلم من حيث الإعراب والبناء"[10].

 

ب- موضوعه:

الكلِمات العربيَّةُ من حيث البحث عن أحوال أواخرها، أو من حيث تركيبها وأحوال أواخرها.

 

ج- ثمرته:

للنحو ثمرات كثيرة، منها:

أ‌- صيانة اللسان عن الخطأ في الكلام العربي.

ب‌- فهم المراد من نصوص القرآن والسنة وحفظ اللسان عن الخطأ فيهما.


قال الخطيب البغدادي: " وَاللَّحْنُ فِي الْقُرْآنِ أَيْضًا غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ حَافِظًا لَهُ، وَلَا عَالِمًا بِالْعَرَبِيَّةِ وَقَدْ حُفِظَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الرُّوَاةِ"[11] ثم ساق أمثلة.

 

وقال سَالِمُ بْنُ قُتَيْبَةَ: " كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ هُبَيْرَةَ الْأَكْبَرِ فَجَرَى الْحَدِيثُ حَتَّى جَرَى ذِكْرُ الْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا اسْتَوَى رَجُلَانِ دِينُهُمَا وَاحِدٌ، وَحَسْبُهُمَا وَاحِدٌ، وَمُرُوءَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، أَحَدُهُمَا يَلْحَنُ، وَالْآخَرُ لَا يَلْحَنُ، إِنَّ أَفْضَلَهُمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الَّذِي لَا يَلْحَنُ. قُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ هَذَا أَفْضَلُ فِي الدُّنْيَا؛ لِفَضْلِ فَصَاحَتِهِ وَعَرَبِيَّتِهِ، أَرَأَيْتَ الْآخِرَةَ مَا بَالُهُ فُضِّلَ فِيهَا؟! قَالَ: إِنَّهُ يَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ عَلَى مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ، وَإِنَّ الَّذِي يَلْحَنُ يَحْمِلُهُ لَحْنُهُ عَلَى أَنْ يُدْخِلَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَيُخْرِجَ مِنْهُ مَا هُوَ فِيهِ. قَالَ: قُلْتُ: صَدَقَ الْأَمِيرُ وَبَرَّ "[12].

 

ومتى جاء الحديث ملحونًا من بعض الرواة فإنه يجب تصويبه؛ حتى يصح فهم المراد منه، قال الخطيب: " وَالَّذِي نَذْهَبُ إِلَيْهِ: رِوَايَة الْحَدِيثِ عَلَى الصَّوَابِ، وَتَرْك اللَّحْنِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سُمِعَ مَلْحُونًا؛ لِأَنَّ مِنَ اللَّحْنِ مَا يُحِيلُ الْأَحْكَامَ، وَيُصَيِّرُ الْحَرَامَ حَلَالًا، وَالْحَلَالَ حَرَامًا، فَلَا يَلْزَمُ اتِّبَاعَ السَّمَاعِ فِيمَا هَذِهِ سَبِيلُهُ، وَالَّذِي ذَهَبْنَا إِلَيْهِ قَوْلَ الْمُحَصِّلِينَ وَالْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ"[13] ثم ساق بسنده ما يدل على قوله، فمن ذلك:

قال الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ: "لَا بَأْسَ بِإِصْلَاحِ الْخَطَأِ وَاللَّحْنِ وَالتَّصْحِيفِ فِي الْحَدِيثِ".

 

وقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: " لَا يُصْلَحُ اللَّحْنُ وَالْخَطَأُ وَالتَّحْرِيفُ فِي الْحَدِيثِ".

 

وقال مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْآجُرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بْنَ الْأَشْعَثِ يَقُولُ: "كَانَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ يُقَوِّمُ كُلَّ لَحْنٍ فِي الْحَدِيثِ".

 

وقال أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ بُهْلُولٍ: " سَأَلْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيَّ عَنِ الرَّجُلِ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ مَلْحُونًا أَيُعْرِبُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ"[14].

 

قال شُعْبَةَ: "مَنْ طَلَبَ الْحَدِيثَ فَلَمْ يُبْصِرِ الْعَرَبِيَّةَ فَمَثَلُهُ مَثَلُ رَجُلٍ عَلَيْهِ بُرْنُسٌ وَلَيْسَ لَهُ رَأْسٌ"[15].

 

وقال ابن الأثير: معرفة اللغة والإعراب هما أصلٌ لمعرفة الحديث؛ لورود الشريعة المطهرة بلسان العرب[16].

 

ت‌- فهم المتكلمين بالعربية وإدراك مقاصد كلامهم بلا لبس.


ث‌- أن النحو طريق لفهم سائر العلوم المدونة بالعربية، فهو آلة لفهمها، ولا يستغنى عنه في معرفتها.


قال وكيع: " أَتَيْتُ الْأَعْمَشَ أَسْمَعُ مِنْهُ الْحَدِيثَ، وَكُنْتُ رُبَّمَا لَحَنْتُ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا سُفْيَانَ، تَرَكْتَ مَا هُوَ أَوْلَى بِكَ مِنَ الْحَدِيثِ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَوْلَى مِنَ الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: النَّحْوُ. فَأَمْلَى عَلَيَّ الْأَعْمَشُ النَّحْوَ ثُمَّ أَمْلَى عَلَيَّ الْحَدِيثَ "[17].

 

وقال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الرَّحَبِيُّ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُولُ: "إِذَا كَتَبَ لَحَّانُ، فَكَتَبَ عَنِ اللَّحَّانِ لَحَّانٌ آخَرُ، فَكَتَبَ عَنِ اللَّحَّانِ لَحَّانُ آخَرُ؛ صَارَ الْحَدِيثُ بِالْفَارِسِيَّةِ" قال الخطيب: فَيَنْبَغِي لِلْمُحَدِّثِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّحْنَ فِي رِوَايَتِهِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَلَنْ يَقْدِرَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ دَرْسِهِ النَّحْوَ وَمُطَالَعَتِهِ عِلْمَ الْعَرَبِيَّةِ"[18].

 

وقال الكسائي: "من تبحّر في النحو اهتدى إلى جميع العلوم. وقال: لا أسأل عن مسألة في الفقه إلّا أجبت عنها من قواعد النحو"[19].

 

وقَالَ الشَّعْبِيُّ: "النَّحْوُ فِي الْعِلْمِ كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ"[20].

 

ج‌- اكتساب الهيبة والجمال بين المتكلمين بالعربية.

فعن سعيد بن سلم قال: "دخلت على الرشيد فبهرني هيبة وجمالاً، فلما لحن خفّ في عيني. وعن الشعبي قال: حلي الرجال العربية، وحلي النساء الشحم"[21].

 

وعن أبي توبة عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال: تكلم أبو جعفر المنصور في مجلس فيه أعرابيّ فلحن، فصرّ الأعرابي أذنيه، فلحن مرة أخرى أعظم من الأولى، فقال الأعرابي: أفّ لهذا، ما هذا؟ ثم تكلم فلحن الثالثة، فقال الأعرابي. أشهد لقد وليت هذا الأمر بقضاء وقدر[22].

 

وأنشد الْمُبَرِّدُ:

النَّحْوُ زَيْنٌ وَجَمَالٌ يُلْتَمَسْ
يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ الْعُلُومِ بِالنَّفَسْ
صَاحِبُهُ مُكَرَّمٌ حَيْثُ جَلَسْ
هَلْ.يَسْتَوِي.رَبُّ.الْحِمَارِوَالْفَرَسْ[23]

وقال بعضهم:

لو لم يكن في النحو إلا أنه
يذرُ الضئيلَ من الرجالِ مهيبا
يُخشى التكلمُ حيث حلَّ كأنما
أضحى بأفواه الأنامِ رقيبا[24]

وقال علي بن بسام:

رأيتُ لسانَ الْمَرْء رائدَ عقلِهِ
وعنوانَهُ فَانْظُر بِمَاذَا يُعَنْوَنُ
فَلَا تعدُ إصلاحَ اللسانِ فإنَّهُ
يخبِّرُ عمّا عندهُ ويُبَيِّنُ
ويعجبني زِيُّ الْفَتى وجمالُهُ
فيسقطُ.من.عينيَّ.ساعةَ.يلحَنُ[25]

وقال الكسائي:

إِنَّمَا النَّحْوُ قِيَاسٌ يُتَّبَعْ
وَبِهِ فِي كُلِّ عِلْمٍ يُنتَفَعْ
وإذا ما أبصر النحوَ فتًى
مرّ في المنطق مرًّا فاتسعْ
فاتقاه كلُّ من جالسه
من جليسِ ناطقٍ أو مستمِعْ
وإذا لم يبصر النحوَ الفتى
هاب أن ينطق جُبنًا فانقطعْ
فتراه ينصبُ الرفعَ وما
كان من نصبٍ ومن خفضٍ رفعْ
يقرأُ القرآن لا يعرفُ ما
صرفَ الإعراب فيه وصنعْ
والذي يعرفه يقرؤه
وإذا ما شكّ في حرفٍ رجعْ
ناظرًا فيه وفي إعرابه
فإذا ما عرف اللحنَ صدعْ
كم وضيعٍ رفعَ النحوُ وكم
مِن شريفٍ قد رأيناه وضعْ[26]

وقال ابْن الطَّبِيب:

النحوُ يَبسُط من لسان الألكنِ
والمرء تكرمه إذا لم يلحنِ
وإذا التمست من العلوم أجلّها
فأجلّها حقّاً مقيمُ الألسنِ
لحنُ الشريفِ يحطّه عن قدرِه
فتراه يَسقطُ من لحاظ الأعينِ
وترى الدنيءَ إذا تكلّم مُعرباً
نال النباهةَ باللسان المعلنِ
فاطلبْ هُديت ولا تكن متأبياً
فالنحوُ زينُ العالمِ المتفنن
والنحوُ مثل الملحِ إن ألقيتَه
في كل صنف من طعام يحسُنِ[27]

د- فضله:

اللغة العربية رأس مال الكاتب والمتكلم، وأسّ مقاله، وكنز إنفاقه، والنحو هو ميزان تقويمها وقانونها الذي تُحكَم به في كل صورة من صورها، وهو وسيلة المستعرب، وسلاح اللغوي، وعماد البلاغي، وأداة المشرّع والمجتهد، والمدخل إلى العلوم العربية والإسلامية، ومركب الإفهام الذي لا يكبو، وسيف القول الذي لا ينبو، وحَلي الكلام، وهو له كالملح للطعام.

 

وهو السبيل الذي به تمكنّا من نظم العربية ونثرها كما كان أربابها السابقون، وبه أُطلق لساننا في العصور المختلفة صحيحًا فصيحًا كما أُطلق لسانهم، وأُجري كلامنا في حدود مضبوطة سليمة كالتي يجري فيها كلامهم، وإن كان ذلك منهم طبيعة، ومنا تطبعًا. = والنحو مفتاح العلوم والطريق الأول لفهمها.. عن أبي زيد النحوي قال: "كان الذي حداني على طلب الأدب والنحو أني دخلت على جعفر بن سليمان فقال: ادنه فقلت: أنا دني. فقال: لا تقل -يا بني-: أنا دني، ولكن قل: أنا دانٍ"[28].

 

إن هذا العلم الشريف حمل أهله المحبين له على الحث على تعلمه ومعرفة أهميته، ودعاهم إلى الحفاظ عليه من صيالة اللحن والوقوف في وجه اللحانين بالنصيحة.

 

مر عمر بن الخطاب على قوم يرمون فيخطئون في رميهم فقال: "بئس ما رميتم. فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا قوم متعلمين، فقال: والله لذنبكم في لحنكم أشد عليّ من خطئكم في رميكم "[29].

 

وقال أيضًا: "تعلموا العربية؛ فإنها تزيد في المروءة "[30] .... بل قد غدا النحو أهم علوم العربية وأكثرها حاجة في الكلام، قال بعض أهل العلم: "الذي يتحصل أن الأهم المقدم منها هو النحو؛ إذ به تتبين أصول المقاصد بالدلالة فيُعرف الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر، ولولاه لجُهل أصل الإفادة. وكان من حق علم اللغة التقدمُ لولا أن أكثر الأوضاع باقيةٌ في موضوعاتها لم تتغير، بخلاف الإعراب الدال على الإسناد والمسند والمسند إليه؛ فإنه تغير بالجملة ولم يبق له أثر؛ فلذلك كان علم النحو أهم من اللغة؛ إذ في جهله الإخلال بالتفاهم جملة، وليست كذلك اللغة "[31].

 

نقول: وإذا كان النحو ذا أهمية كبيرة في مناحي القول والكتاب؛ فإن أهميته والحاجة إليه في معرفة الإسلام وفهم القرآن والحديث أشد حاجة وأعظم أهمية وآكد مطلبا.

 

قال الجرجاني -وهو يرد على المهوِّنين من شأن النحو-:" وأمَّا زهدُهم في النَّحو واحتقارُهم له، وإصغارُهم أمرَهُ، وتهاونُهم به، فصنيعُهم في ذلك أشنعُ من صَنيعهم في الذي تَقدَّم، وأَشْبَهُ بأن يكونَ صَدّاً عن كتابِ الله، وعن معرفةِ معانيه؛ ذاكَ لأَنهم لا يَجدِون بُدًّا من أنْ يعترفوا بالحاجة إليه فيه، إذا كان قد علم أن الألفاظ معلقة على مَعانيها حتى يكونَ الإعرابُ هو الذي يَفتحها، وأنَّ الأغراضَ كامنةٌ فيها حتى يكونَ هو المستخرِجَ لها، وأنه المعيارُ الذي لا يتبيَّن نقصانُ كلامٍ ورجحانُه حتى يُعرضَ عليه، والمقياسُ الذي لا يُعرفُ صحيحٌ من سَقيمٍ حتى يُرجع إليه، لا يُنكِرُ ذلك إلاَّ من يُنكِر حِسَّه، وإلاَّ مَنْ غالطَ في الحقائقِ نَفْسَه، وإِذا كان الأَمرُ كذلك، فليتَ شِعري ما عُذْرُ مَن تَهاونَ به وزَهِدَ فيه، ولم يَرَ أنْ يستقيه من مصبه، ويأخذه من معدنه، ورضي بالنَّقصِ والكمالُ يُعرض له، وآثرَ الغَبينةَ وهو يجد إلى الربح سبيلًا "[32].

 

وقال أبو القاسم الأصفهاني: "النحو نصاب العلم ونظامه، وعموده وقوامه، ووشي الكلام وحلّته، وجماله وزينته، ولم تزل الأئمة من الصحابة الراشدين، ومَن تلاهم من التابعين، يحضُّون على تعلُّم العربية وحفظها، والرعاية لمعانيها؛ إذ هي من الدين بالمكان المعلوم، فبها أنزل الله كتابه المهيمن على سائر كتبه، وبها بلَّغ رسولُه -عليه السلام- وظائفَ طاعته، وشرائع أمره ونهيه "[33]"[34].

 

وقال الشافعي: "تعلموا النحو؛ فإنه والله يزري بالرجل أن لا يكون فصيحًا، ولقد بلغني أن رجلاً دخل على زياد ابن أبيه فقال له: أصلح الله الأمير إن أبينا هلك، وإن أخينا غصبنا على ما خلفه لنا. فقال له زياد: ما ضيعت من نفسك أكثر مما ضاع من مالك"[35].

 

وقال عمرو بن العلاء: "تعلموا النحو؛ فإنه زيادة في العقل، ونموّ في المروءة، وهو من أجلّ مراتب الشرف، وما الناس الى شيء من الأدب أحوج منهم إلى النحو الذي به تقويم ألسنتهم التي يتحاورون بها الكلام، ويستخرجون الغوامض من العلوم المخبأة، ويجمعون ما تفرق منها"[36].

 

هـ-نسبته:

ينتسب النحو إلى العلوم العربية الاثني عشرالتي جمعها بعضهم بقوله:

نَحْوٌ وَصَرْفٌ عرُوضٌ بَعْدَهُ لُغَة
ثُمَّ اشْتِقَاقٌ وَقَرْضُ الشِّعْرِ إنْشَاءُ
كَذَا الْمَعَانِي بَيَانُ الْخَطِّ قَافِيةٌ
تَارِيخُ.هَذَا.لِعِلْمِ.الْعُرْبِ.إحْصَاءُ[37]

وبينه وبين سائر العلوم الأخرى التباين.

 

ز- واضعه:

المشهور أن واضعه هو: أبو الأسود ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلي الكناني(69هـ).

 

" قال محمد بن إسحاق: زعم أكثر العلماء أن النحو أُخذ عن أبي الأسود الدؤلي"[38].

 

وقال" أبو العباس المبرد: أول من وضع العربية ونقط المصاحف أبو الأسود، وقد سئل أبو الأسود عمّن نهج له الطريق، فقال: تلقيته عن علي بن أبي طالب"[39].

 

قال نَاصِر الدّين بن الْمُنِير في رثاء النحوي أبي الحسن علي ابن عصفور:

أسْند النَّحْوَ إِلَيْنَا الدؤَلِي
عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ البطلِ
بَدَأَ النَّحْوَ عَليٌّ وَكَذَا
قل.بِحَق:ختم.النَّحْوَ.عَليّ[40]

وأما عن سبب وضعه له فهناك روايات متعددة، منها:

قال القفطي: " وقيل لأبي الأسود: من أين لك هذا العلم؟ - يعنون النحو- فقال: لقنت حدوده من علي بن أبى طالب- عليه السلام-. وكان أبو الأسود من القرّاء، قرأ على أمير المؤمنين علي- عليه السلام.

 

وقد اختلفت روايات الناس في سبب وضعه النحو؛ فمن ذلك ما تقدّم ذكره، ومنه ما روي أنه جاء إلى زياد قوم فقالوا: أصلح الله الأمير! توفّي أبانا وترك بنون. فقال زياد: توفي أبانا وترك بنون! ادع لي أبا الأسود؛ فقال: ضع للناس العربية.

 

وقيل: إنه كان استأذنه في وضع كتاب، فنهاه، فلما سمع هذا أمره بوضعه. وقيل: إن زياد ابن أبيه قال لأبي الأسود: إن بنيّ يلحنون في القرآن، فلو رسمت لهم رسماً. فنقط المصحف. فقال: إن الظئر والحشم قد أفسدوا ألسنتهم، فلو وضعت لهم كلامًا. فوضع العربية.

 

وقيل: إن ابنة لأبي الأسود قالت له: يا أبت، ما أشدُّ الحر؟! -في يوم شديد الحر- فقال لها: إذا كانت الصّقعاء من فوقك، والرمضاء من تحتك. فقالت: إنما أردت أن الحرّ شديد. فقال لها: فقولي إذن: ما أشدَّ الحر! والصقعاء: الشمس.

 

وقيل: إنه دخل إلى منزله، فقالت له بعض بناته: ما أحسنُ السماء؟! قال: أي بنية، نجومها، فقالت: إني لم أرد أيّ شيء منها أحسن؟ وإنما تعجبت من حسنها؛ فقال: إذا فقولي: ما أحسنَ السماءَ! فحينئذ وضع كتابًا. قال أبو حرب بن أبي الأسود: أوّل باب رسم أبي من النحو: باب التعجب. وقيل: أوّل باب رسم باب الفاعل والمفعول، والمضاف، وحروف الرفع والنصب والجر والجزم.

 

قيل: وأتى أبو الأسود عبد الله بن عباس، فقال: إني أرى ألسنة العرب قد فسدت؛ فأردت أن أضع شيئًا لهم يقوّمون به ألسنتهم. قال: لعلك تريد النحو؛ أما إنه حق، واستعن بسورة يوسف"[41].

 

ويقال: "إن الذى رآه أبو الأسود ونكره، أنه مرّ به سعد- وكان رجلاً فارسيًّا من أهل نوبندجان- كان قدم البصرة مع جماعة من أهله، فادّعوا لقدامة بن مظعون أنهم أسلموا على يديه؛ فإنّهم بذاك من مواليه. ولما مرّ سعد بأبي الأسود- وكان يقود فرسًا له- قال له أبوالأسود: ما لك لا تركبه يا سعد؟

 

قال: إن فرسى ظالعًا. وأراد أن يقول: ظالعٌ. قال: فضحك به بعض من حضر، فقال أبوالأسود: هؤلاء الموالي قد رغبوا في الإسلام ودخلوا فيه، فصاروا لنا إخوة، فلو علّمناهم الكلام! فوضع باب الفاعل والمفعول"[42].

 

وهناك قول آخر: أن واضعه غير أبي الأسود؛ قال ابن النديم: " وقال آخرون: رسم النحو نصر بن عاصم الدؤلي، ويقال: الليثي. قرأت بخط أبي عبد الله بن مقلة عن ثعلب أنه قال: روى ابن لهيعة عن أبي النضر قال: كان عبد الرحمن بن هرمز أول من وضع العربية، وكان أعلم الناس بأنساب قريش وأخبارها وأحد القراء، وكذا حدثني الشيخ أبو سعيد رضي الله عنه، وحدثني أيضًا قال: كان نصر بن عاصم الليثي أحد القراء والفصحاء، وأخذ عنه أبو عمرو بن العلاء والناس"[43].

 

ح- اسمه:

علم النحو، وعلم الإعراب، ويقال له: علم العربية، من باب تسمية الجزء باسم الكل لأهميته.

 

"وقد سمي النحو بهذا الاسم؛ لأن من معاني النحو لغةً: القصدَ، فسمي النحو بذلك؛ لأن المتكلم ينحو -أي: يقصدُ- بتعلمه كلامَ العرب[44].

 

وقالوا كذلك: إن الكلام ينقسم قسمين: كلام ملحون، وكلام غير ملحون؛ فالملحون هو الذي لحُن به عن القصد، وكذلك معنى اللّحن، إنما هو العدول عن قصد الكلام إلى غيره، وما لم يكن ملحونًا فهو على القصد، وعلى النحو، ومن ذلك سمي النحو نحواً، والمستقيم من طريق النحو هو: ما كان على القصد سالماً من اللّحن.

 

وقيل: سمي بذلك؛ لأن أبا الأسود لما وضع قواعده الأولى قال للناس: انحوا نحوه، فسمي نحواً.

 

وقيل: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه رُويَ عنه أنه ألقى إلى أبي الأسود رقعة فيها كلام في أصول النحو فقال له:" انح هذا النحو، وأضف إليه ما وقع لك "ثم عرض عليه أبو الأسود ما وقع له فاستحسنه علي وقال:" ما أحسن هذا النحوَ الذي نحوتَه! فلذلك سمي نحوًا "[45]"[46].

 

وقيل: "إن عليًّا رضي الله عنه لما أشار إلى أبي الأسود الدؤلي أن يضعه، وعلمه الاسم والفعل والحرف وشيئًا من الإعراب. قال: انحُ هذا النحو يا أبا الأسود"[47].

 

و"قال أبو جعفر بن رستم الطبري: إنما سمي النحو نحواً؛ لأن أبا الأسود الدؤلي قال لعلي عليه السلام- وقد ألقى عليه شيئًا من أصول النحو- قال أبو الأسود: واستأذنته أن أصنع نحو ما صنع، فسمي ذلك نحواً"[48].

 

ط- استمداده:

استمد علم النحو من اللغة العربية، واستنبطت قواعده من كلام الله وكلام رسوله، وأقوال العرب السابقين شعرها ونثرها.

 

ي- حكمه:

قال العلماء: تعلم النحو فرض كفاية، إذا قام به بعض المسلمين سقط الإثم عن الباقين.

 

وقد يتعين على من يتصدر للتفسير والحديث وبيان الشريعة للناس.

 

فقد "سَمِعَ أَبُو عَمْرٍو أَبَا حَنِيفَةَ يَتَكَلَّمُ فِي الْفِقْهِ وَيَلْحَنُ، فَأَعْجَبَهُ كَلَامُهُ، وَاسْتَقْبَحَ لَحْنَهُ, فَقَالَ: إِنَّهُ لَخِطَابٌ، لَوْ سَاعَدَهُ صَوَابٌ. ثُمَّ قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ: إِنَّكَ أَحْوَجُ إِلَى إِصْلَاحِ لِسَانِكَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ"[49].

 

وقد تحدث عن ذلك بعض العلماء:

قال ابن الأثير: "أما علم النحو فإنه في علم البيان من المنظوم والمنثور بمنزلة أبجدَ في تعليم الخط، وهو أول ما ينبغي إتقان معرفته لكل أحد ينطق باللسان العربي، ليأمن معرّة اللحن "[50].

 

وقال ابن الصلاح: "فحق على طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يتخلص به من شين اللحن والتحريف ومعرتهما "[51].

 

وقال ابن حزم: "فمن لم يعلم النحو واللغة، فلن يعلم اللسان الذي به بيّن الله لنا ديننا وخاطبنا به ومن لم يعلم ذلك فلن يعلم دينه، ومن لم يعلم دينه ففرض عليه أن يتعلمه، وفرض عليه واجب تعلم النحو واللغة، ولابد منه على الكفاية كما قدمنا، ولو سقط علم النحو واللغة لسقط فهم القرآن وفهم حديث النبي عليه الصلاة والسلام، ولو سقطا لسقط الإسلام. وأما من وسم اسمه باسم العلم والفقه وهو جاهل للنحو واللغة فحرام عليه أن يفتي في دين الله بكلمة، وحرام على المسلمين أن يستفتوه؛ لأنه لا علم له باللسان الذي خاطبنا الله تعالى به، وإذا لم يعلمه فحرام عليه أن يفتي بما لا يعلم "[52].

 

وقال السيوطي في شرح ألفيته:" وقد اتفق العلماء على أن النحو يُحتاج إليه في كل فن من فنون العلم لاسيما التفسيرِ والحديث ".

 

وقال خالدٌ الأزهري في أول إعراب ألفية ابن مالك:" إن معرفة الإعراب من الواجبات التي لابد لكل طالب علم منها، ومن المهمات التي لا يستغني الفقيه عنها"[53].

 

وقال ابن تيمية: "اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

 

ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية، وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن زيد قال: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: " أما بعد: فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن؛ فإنه عربي ".

 

وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: " تعلموا العربية؛ فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض؛ فإنها من دينكم " وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة، يجمع ما يحتاج إليه؛ لأن الدين فيه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو فقه أعماله"[54].

 

ويقول الشاطبي عن علوم العربية ومنها علم النحو: " الشَّرِيعَةَ عَرَبِيَّةٌ، وَإِذَا كَانَتْ عَرَبِيَّةً؛ فَلَا يَفْهَمُهَا حَقَّ الْفَهْمِ إِلَّا مَنْ فَهِمَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةِ حَقَّ الْفَهْمِ؛ لِأَنَّهُمَا سِيَّانِ فِي النَّمَطِ، مَا عَدَا وُجُوهَ الْإِعْجَازِ، فَإِذَا فَرَضْنَا مُبْتَدِئًا فِي فَهْمِ الْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ مُبْتَدِئٌ فِي فَهْمِ الشَّرِيعَةِ، أَوْ مُتَوَسِّطًا؛ فَهُوَ مُتَوَسِّطٌ فِي فَهْمِ الشَّرِيعَةِ وَالْمُتَوَسِّطُ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ النِّهَايَةِ، فَإِنِ انْتَهَى إِلَى دَرَجَةِ الْغَايَةِ فِي الْعَرَبِيَّةِ كَانَ كَذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ؛ فَكَانَ فَهْمُهُ فِيهَا حُجَّةً كَمَا كَانَ فَهْمُ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْفُصَحَاءِ الَّذِينَ فَهِمُوا الْقُرْآنَ حُجَّةً، فَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ شَأْوَهُمْ؛ فَقَدْ نَقَصَهُ مِنْ فَهْمِ الشَّرِيعَةِ بِمِقْدَارِ التَّقْصِيرِ عَنْهُمْ، وَكُلُّ مَنْ قَصُرَ فَهْمُهُ لَمْ يُعَدَّ حُجَّةً، وَلَا كَانَ قَوْلُهُ فِيهَا مَقْبُولًا"[55].

 

وقال أيضًا عن القرآن: إنه: " عَرَبِيٌّ وَبِلِسَانِ الْعَرَبِ، لَا أَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ وَلَا بِلِسَانِ الْعَجَمِ، فَمَنْ أَرَادَ تَفَهُّمَهُ، فَمِنْ جِهَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ يُفْهَمُ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى تَطَلُّبِ فَهْمِهِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ"[56].

 

ك- مسائله:

مسائل النحو: أبوابه التي يتضمنها من مباحث الإعراب والبناء والجوازم والنواصب وغير ذلك.

 

الثاني: نشأة علم النحو:

كان العرب عند بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد وصلوا إلى ذِروة الرقي اللغوي، وسماء السمو البياني، وغدوا يَرضعون العربية النقية عن بيئتهم السليمة كما يرضعون اللبن عن أمهاتهم، فنزل القرآن بلغتهم التي بها ينطقون، فعرفوه ووعوه، وأدركوا مراميه بعد أن فهموا معانيه، فلم يشتبه عليهم الفاعل بالمفعول، ولا الفعل بالاسم، ولا الأمر بالنهي، وغيرُ ذلك من القوالب المعينة على فهم المعاني.

 

غير أن رسالة هذا الدين لما كانت عالمية فقد خالط العربَ الأقحاح غيرُهم من الأعاجم فبدأ انحراف اللسان في تلك البيئة الفصيحة يطل على ألسنة أولئك المسلمين الجدد، وهم معذورون بعجمتهم.

 

ففي عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان في الصحابة -رضي الله عنهم- بلال الذي كان يرتضخ لُكْنة حبشية، وصهيب الذي كان يرتضخ لكنة رومية، وسلمان الذي كان يرتضخ لكنة فارسية. أي: أن كلاً منهم كان ينزع إلى لغة قومه، ولا يستمر لسانهم على العربية استمرارا.

 

وفي عهد الصحابة خرج الإسلام عن الجزيرة العربية إلى بلاد العجم من الفرس والروم، فبدأت السجية العربية تخف، وملكتها تتغير، وقد كان لذلك التغير أسباب:

أولاها: دخول بعض العجم الإسلامَ واختلاطُهم بالمجتمعات العربية الصِّرفة، مما بث فيها القول الملحون الذي غزا السليقة العربية في عقر دارها، "والسمع أبو الملكات اللسانية، ففسدت بما ألقي إليها مما يغايرها لجنوحها إليه باعتياد السمع" كما قال ابن خلدون[57].

 

بيد أن بعض أولئك الأعاجم -عبر التاريخ- تعلّم العربية وبرع فيها حتى صار يعلِّم بعض العرب.

 

ثانيها: ذهاب المسلمين الفاتحين إلى بلاد العجم واستقرار بعضهم فيها، مما جعل بعض أولئك العجم يتعلمون العربية بالسماع، ولكنها عربية ملحونة، فكان أولئك الفاتحون يسمعون العربية التي ينتشر فيها اللحن.

 

ثالثها: أن بعض العرب الفصحاء صارت لهم زوجات وجوارٍ من نساء العجم وولدن لهم، فجاء الجيل الجديد هذا فتربى على أيدي تلك الأمهات على عربية ملحونة.

 

ومن هنا بدأ اللحن يشيع في المجتمعات الإسلامية.

 

قال الإشبيلي: "ولم تزل العرب تنطق على سجيَّتها في صدر إسلامها وماضي جاهليتها، حتى أظهر الله الإسلام على سائر الأديان، فدخل الناس فيه أفواجًا، وأقبلوا إليه أرسالًا، واجتمعت فيه الألسنة المتفرقة، واللغات المختلفة، ففشا الفساد في اللغة والعربية، واستبان منه في الإعراب الذي هو حَلْيها، والموضِّح لمعانيها"[58].

 

إن هذا الغزو الذي اجتاح السليقة العربية أقلق ذوي الغيرة عليها، بل استثار الخوفَ على دين الله القائمِ على الكتاب والسنة، حيث خافوا بذهاب الملكة أن يذهب فهمُ القرآن والسنة، ففكروا مليًا في وضع قانون يضبط اللساني العربي، ويحافظ على سلامة الفهم للغة القرآن، فاجتمع الرأي على تأسيس علم سمي فيما بعد بالنحو.

 

قال ابن خلدون: "وخشي أهل العلوم منهم أن تفسد تلك الملكة رأسًا، ويطول العهد بها فينغلق القرآن والحديث على المفهوم، فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطردةً شِبهَ الكليات والقواعد يقيسون عليها سائر أنواع الكلام، ويلحقون الأشباه بالأشباه مثل" أن الفاعل مرفوع، والمفعول منصوب، والمبتدأ مرفوع"، ثم رأوا تغير الدلالة بتغير حركات هذه الكلمات فاصطلحوا على تسميته إعرابًا، وتسميةِ الموجِب لذلك التغيرِ عاملاً، وصارت كلها اصطلاحات خاصة بهم، فقيدوها بالكتاب وجعلوها صناعة لهم مخصوصة، اصطلحوا على تسميتها بعلم النحو"[59].

 

ثم إن النحو العربي قد مر في تقعيده والتأليف فيه بمراحل أربع-كما قال بعض الباحثين المعاصرين[60]-:

 

المرحلة الأولى: الوضع والتكوين،وتبدأ هذه المرحلة من عصر واضع النحو أبي الأسود إلى أول عصر الخليل بن أحمد.

 

ويمكن تقسيم علماء هذه المرحلة إلى طبقتين:

الطبقة الأولى: وهي التي أخذت عن أبي الأسود واستمرت في تثمير ما تلقته عنه، ووفقت إلى استنباط كثير من أحكامه، وقامت بنشره بين الناس، وكان من أفذاذ هذه الطبقة: عنبسةُ بن معدان الفيل، ونصر بن عاصم الليثي، وعبد الرحمن بن هرمز، ويحيى بن يعمر.

 

وكان جل مجهود هذه الطبقة السماعَ والحفظ والروايةَ لذلك فحسب.

 

الطبقة الثانية: كانت أكثر عدداً من سابقتها، فقد كانت أوفر منها حظًا في هذا الشأن؛ إذ وطأت لها سبيله فازدادت المباحث لديها، وأضافت كثيراً من القواعد، ونشأت حركةُ النقاش بينها، فجدت في تتبع النصوص واستخراج الضوابط ما هيأ لها وقتُها، واستطاعت التصنيف فدونت فيه بعض الكتب المفيدة.

 

ومن أعلام هذه الطبقة: عبد الله بن إسحاق الحضرمي، وأبو عمرو بن العلاء صاحب التصانيف الكثيرة، وعيسى بن عمر الثقفي صاحب الكتابين في النحو: "الجامع، والإكمال "وقد نوه عن فضلهما الخليل بن أحمد بقوله:

ذهب النحو جميعًا كلُّه
غيرَ ما أحدث عيسى بن عمرْ
ذاك إكمال وهذا جامعٌ
فهُما للناس شمس وقمرْ

غير أن الكتابين لم يصلا إلينا.

 

المرحلة الثانية: النشوء والنمو،وتبدأ هذه المرحلة من عهد الخليل بن أحمد البصري، وأبي جعفر محمد بن الحسن الرؤاسي إلى أول عصر المازني البصري وابن السكيت الكوفي.

 

وكانت هذه المرحلة مرحلة جمع وتقعيد وتأليف ومنافسة بين البصريين والكوفيين.

 

ومن أعلام هذه المرحلة: الخليل وتلميذه النجيب سيبويه الذي ألف مصنفه الخالد" الكتاب".

 

ومن أعلامها أيضًا: أبو جعفر الرؤاسي وابن السكيت والكسائي والفراء.

 

المرحلة الثالثة: النضوج والكمال،وتمتد هذه المرحلة من عهد أبي عثمان المازني البصري إمام الطبقة السادسة ويعقوب ابن السكيت الكوفي إمام الرابعة، إلى آخر عصر المبرد البصري شيخ السابعة، وثعلب الكوفي شيخ الخامسة.

 

وفي هذه المرحلة كان هناك تفصيل لما أجمل، وتوضيح لما أشكل، وفصل النحو عن الصرف، واتساع في المناظرات النحوية فتمت أصول النحو وانتهى الاجتهاد فيه بين البصريين والكوفيين على يدي الإمامين: المبرّد خاتَم البصريين، وثعلب خاتم الكوفيين.

 

ومن كتب هذه المرحلة: المقتضب للمبرد، والفصيح وإعراب القرآن لثعلب.

 

المرحلة الرابعة: الترجيح والبسط،وفي هذه المرحلة برز علماء نظروا في قواعد المذهبين البصري والكوفي فرجحوا بينهما فاصطفوا مسائل ذات بال مزيجًا من المذهبين، على أنهم قد أسلمهم هذا الاستقراء البالغ خلال تلك الأيام إلى العثور على قواعد أخرى من تلقاء أنفسهم لا تمت بصلة إلى المذهبين تولدت لهم من اجتهادهم قياسًا وسماعًا. فولد من ذلك المذهبُ النحوي البغدادي.

 

ثم انتشر التأليف في النحو منذ ذلك الوقت إلى عصرنا هذا[61].

 

الثالث: اللحن معناه، وابتداؤه، والتحذير منه:

من عدل عن طريق النحو الصحيح فهو لاحن، فإن كثر ذلك العدول منه فهو رجل لحّانة، وذلك الانحراف منه لحن، فاللحن في علم النحو إذن هو: الخطأ في تحريك حروف آخر الكلمة من ضم وكسر وفتح وسكون.

 

ولم يكن هذا الكائن أيام سمو العربية إلا منعدمًا، ثم ولد بعد ذلك فصار غريبًا منبوذاً واللغة مازالت في عزها، ثم لما كثر نسله لم يستغرب حينئذ، بل عندما انقرض جيل العربية سليقةً، وعاش جيل اللحن، وطال زمنه؛ أضحى في المجتمعات العربية هو المعرفة، والحديثُ بالعربية من غير لحن غدا هو النكرة!

 

لقد نزل القرآن الكريم والناس بعيدون عن اللحن، فلما مات رسول الله عليه الصلاة والسلام وتبعه بقليل خليفته الراشد أبو بكر رضي الله عنه، وجاءت إمارة عمر رضي الله عنه واتسعت رقعة الدولة الإسلامية؛ طفق الناس يسمعون كلمة هنا وكلمة هناك جرى فيها اللحن، بل لم تسلم من ذلك قراءة القرآن من إحداث اللحانين:

 

فقد روي أن أعرابيًا سمع قارئًا يقرأ: ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ بجرّ (رسولُه) متوهمًا عطفه على المشركين، فقال: أوَ يبرأ الله من رسوله؟!

 

فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأمر ألا يُقرِئ القرآن إلا من يحسن العربية[62].

 

وروي أيضًا أن كاتبًا لأبي موسى الأشعري أرسل إلى عمر كتابًا وفيه: من أبو موسى...! فلما وصل الكتاب عمر كتب إليه عمر: أن قنّع كاتبك سوطًا؛ معاقبة على لحنه[63].

 

ولما جاءت خلافة عليٍّ رضي الله عنه وكان اللحن قد خرج عن السيطرة سمع أبو الأسودِ الدؤلي ابنته ليلة تقول له: يا أبتِ، ما أحسنُ السماءِ، قال نجومُها، فقالت: إني لم أسأل عن أحسنها إنما تعجبت من حسنها، فقال قولي: ما أحسنَ السماءَ[64].

 

وفي رواية أنه دخل على ابنة له بالبصرة فقالت له: يا أبت، ما أشدُّ الحرِّظ فقال: شهر ناجر يعني: شهر صفر؛ فقالت: يا أبت، إنما أخبرتك ولم أسألك، فقال قولي: ما أشدَّ الحرَّ![65].

 

ثم لم يزل الأمر في تطور خطير حيث وصل إلى بعض الأمراء في بني أمية ولم يعد مقتصراً على المستعربين أو سُوقة الناس، وكان ممن أثر عنه لحن كثير: الوليد بن عبد الملك؛ فقد دخل على الوليد بن عبد الملك رجل من أشراف قريش فقال له الوليد: من خَتنَك؟ قال له: فلان اليهودي، فقال: ما تقول؟ ويحك! قال: لعلك إنما تسألني عن ختني يا أمير المؤمنين، هو فلان بن فلان َ[66].

 

والختن: أقارب زوجة الرجل وزوج ابنته. ولما لحن الوليد فهم الرجل أول مرة أنه يسأله عن الذي قام بختنه.

 

بل كان الوليد هذا لا يستطيع تجنب اللحن حتى على المنبر، فقد ذكره أبو الزناد يوماً فقال: "كان لحاناً، كأني أسمعه على منبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا أهلُ المدينة!"[67].

 

بل كان لا يستطيع تجنبه حتى في قراءة بعض آيات القرآن: فقد قرأ يومًا على المنبر: "يا ليتها كانت القاضيةُ" بضم التاء المربوطة، فقال عمر بن عبد العزيز -وكان تحت المنبر-: يا ليتها كانت عليك وأراحتنا منك[68].

 

ولما كان الأعراب يسمعون ذلك اللحن عندما يزورون الحواضر يؤلمهم أيما إيلام، وربما يتندرون باللحانين:

 

قال رجل لأعرابيّ: كيف أهلِك؟ -بكسر اللام- وهو يريد السؤال عن أهله، فتوهّم أنه يسأل عن كيفية هلاك نفسه، فقال: صلباً إن شاء الله[69].

 

وسمع أعرابي مؤذنًا يقول: أشهد أن محمداً رسولَ الله بنصب رسول، فقال: ويحك! يفعل ماذا؟[70].

 

والسبب أن الجملة بنصب رسول ناقصة تحتاج إلى خبر.

 

ولا ريب أن العرب الخلّص عندما بدأ اللحن في الظهور كانوا يبغضونه وينزلون من قدر صاحبه؛ قال عمر بن عبد العزيز: "إن الرجل ليكلمني في الحاجة يستوجبها فيلحن فأردُّه عنها، وكأني أقضم حب الرمان الحامض لبغضي استماع اللحن، ويكلمني آخر في الحاجة لا يستوجبها فيعرب فأجيبه إليها؛ التذاذاً لما أسمع من كلامه"[71].

 

وكان يقول: "أكاد أَضْرَسُ إذا سمعت اللحن"[72].

 

وكان عمر بن عبد العزيز أشد الناس في اللحن على ولده وخاصته ورعيته، وربما أدَّب عليه، وحين يسمع اللحن يرد على صاحبه؛ قال بشر بن مروان- وعنده عمر بن عبد العزيز- لغلام له: ادع لي صالح. فقال الغلام: يا صالحا. فقال له بشر: ألق منها ألف. فقال له عمر: وأنت فزد في الفك ألفا[73].

 

إن اللحن وإن كان قبيحًا في عموم الكلام إلا أنه في قراءة القرآن والحديث النبوي وتعليم الدين أشد قبحًا.

 

فما أسوأ ذلك المتكلم الذي يقف على أسماع الناس-سواء كان خطيبًا أم محاضراً أم إعلاميًا- ثم يتلو آيات من القرآن على غير ما أنزلها الله، فيرفع من كلماتها منصوبها، وينصب مرفوعها، ويجر ما وجب رفعه أو نصبه، ويحرك ما كان ساكناً ويسكن ما كان متحركًا.

 

وإذا كان القبح للحن في الخطاب فإنه في الكتابات أشد قبحًا؛ لأنه يدل عن جهل كبير، فالإنسان في حال الكتابة يتروى ويراجع ما كتب بخلاف المتكلم على البديهة.

 

إننا عندما نطالب اليوم بتجنب اللحن فلا نريد أن يعرب المرء في جميع كلامه، ولكننا نريد البعد عن اللحن في الخطاب والكتاب، أما الكلام الذي يدور بين المرء وغيره في بيته أو عمله أو سوقه أو مزحه أو غير ذلك فللألسنة أن تتحدث على سجيتها ولهجتها كيفما شاءت.

 

قال القَلْقَشَنْدي: "والذي يقتضيه حال الزمان، والجريُ على منهاج الناس أن يحافظ على الإعراب في القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وفي الشعر والكلام المسجوع، وما يدوّن من الكلام، ويكتب من المراسلات ونحوها، ويغتفر اللحن في الكلام الشائع بين الناس الدائر على ألسنتهم مما يتداولونه بينهم ويتحاورون به في مخاطباتهم؛ وعلى ذلك جرت سنّة الناس في الكلام مذ فسدت الألسنة، وتغيرت اللغة حتّى حكي أن الفرّاء -مع جلالة قدره وعلوّ رتبته في النحو- دخل يومًا على الرشيد فتكلم بكلام لحن فيه؛ فقال جعفر بن يحيى: يا أمير المؤمنين، إنه قد لحن- فقال الرشيد للفرّاء أتلحن يا يحيى؟ فقال يا أمير المؤمنين! إن طباع أهل البدو الإعرابُ وطباع أهل الحضر اللحن، فإذا حفظتُ أو كتبت لم ألحن، وإذا رجعت إلى الطبع لحنت- فاستحسن الرشيد كلامه. وقد قال الجاحظ في كتابه «البيان والتبيين»: «ومتى سمعتَ حفظك الله نادرة من كلام الأعراب فإياك أن تحكيها إلا مع إعرابها ومخارج ألفاظها؛ فإنك إن غيرتها بأن لحنت في إعرابها أو أخرجتها مخرج كلام المولّدين والبلديّين، خرجت من تلك الحكاية وعليك فضل كبير، وإن سمعت نادرة من نوادر العوامّ وملحة من ملحهم فإيّاك أن تستعمل لها الإعراب، أو تتخير لها لفظًا حسنًا؛ فإن ذلك يفسد الإمتاع بها، ويخرجها من صورتها التي وضعت لها، ويذهب استطابتهم إياها[74][75].

 

وقال ابن عبد ربه: " وذلك أنه من حكى نادرة مضحكة، وأراد أن يوفي حروفها حظّها من الإعراب، طمس حسنها وأخرجها عن مقدارها"[76].

 

وقد حذر الغيارى على العربية والإسلام من اللحن أشد التحذير، وبوبوا في مصنفاتهم أبوابًا خاصة بهذه المسألة:

 

فهذا الخطيب البغدادي يبوب في كتابه" الجامع لأخلاق الراوي" باب: " مَنْ عَابَ اللَّحْنَ وَشَدَّدَ فِيهِ" وساق نقولاً في ذلك، نختار منها الآتي:

 

كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يَقُولُ: "اللَّحْنُ فِي الرَّجُلِ السَّرِيِّ كَالْجُدَرِيِّ فِي الْوَجْهِ".

 

وعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الطَّلْحِيِّ: "أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَضْرِبُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ عَلَى اللَّحْنِ".

 

وعن عَمْرُو بْنِ دِينَارٍ: "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَضْرِبَانِ أَوْلَادَهُمَا عَلَى اللَّحْنِ".

 

وقال سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْخٍ: " كُنْتُ عِنْدَ أَبِي شَيْبَةَ وَعِنْدَهُ رَقَبَةُ وَكَانَ يَلْحَنُ لَحْنًا شَدِيدًا، فَقَالَ: رَقَبَةُ: "لَوْ كَانَ لَحْنُكَ مِنَ الذُّنُوبِ كَانَ مِنَ الْعَظَائِمِ"[77].

 

وابن عبد ربه في " عقده" بوب بابًا: " في الإعراب واللحن" وساق أقولاً وحكايات نختار منها الآتي:

 

مر الشعبي بقوم من الموالي يتذاكرون النحو، فقال لهم: لئن أصلحتموه إنكم لأول من أفسده.

 

قال أبو عبيدة: ليته سمع لحن خالد بن صفوان، والفتح بن خاقان، والوليد بن عبد الملك.

 

وقيل لعبد الملك: لقد عجل عليك الشيب يا أمير المؤمنين، قال: شيّبني ارتقاء المنابر وتوقّع اللحن.

 

وقال الحجاج لابن يعمر: أتسمعني ألحن؟ قال: ألا ربما سبقك لسانك ببعضه في آن وآن. قال: فإذا كان ذلك فعرّفني.

 

وقال عبد الملك بن مروان: الإعراب جمال للوضيع، واللحن هجنة على الشريف وقال: تعلموا النحو كما تتعلمون السنن والفرائض.

 

وقال رجل للحسن: إن لنا إمامًا يلحن. قال: أميطوه.

 

وقال رجل للحسن: يا أبو سعيد، فقال: أحسب أن الدوانيق شغلتك عن أن تقول: يا أبا سعيد[78].

 

4/ 1/ 1445هـ، 22/ 7 / 2023م.

 


[1] شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (1/ 19).

[2] الخصائص (1/ 35).

[3] ينظر: الخصائص (1/ 35)، توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك (1/ 264)، شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (1/ 19)، حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (1/ 24)، المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (1/ 185)، تهذيب اللغة (5/ 163)، تاج العروس (40/ 45)، المخصص (1/ 112).

[4] حاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 10).

[5] فيض نشر الانشراح من روض طي الاقتراح، لأبي عبد الله الفاسي (1 / 229).

[6] أرشيف ملتقى أهل الحديث - 3 (157/ 300).

[7] الخصائص (1/ 35).

[8] المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (1/ 185).

[9] الحدود في علم النحو (ص: 434).

[10] الفلاح شراح مراح الأرواح في علم الصرف (ص: 3).

[11] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2/ 29).

[12] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2/ 25).

[13] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2/ 22).

[14] ينظر: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2/ 23).

[15] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2/ 26).

[16] جامع الأصول (1/ 37).

[17] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2/ 26).

[18] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2/ 24).

[19] شذرات الذهب في أخبار من ذهب (2/ 407).

[20] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2/ 28).

[21] معجم الأدباء (1/ 25).

[22] معجم الأدباء (1/ 26).

[23] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2/ 28).

[24] غرر الخصائص الواضحة (ص: 221).

[25] معجم الأدباء (4/ 1865).

[26]إنباه الرواة على أنباه النحاة (2/ 267)، تاريخ بغداد وذيوله (11/ 410).

[27] التمثيل والمحاضرة (ص: 161)، الوافي بالوفيات (8/ 267).

[28] الجامع لأخلاق الراوي (2/ 27).

[29] الحجة للقراء السبعة (1/ 344).

[30] الجامع لأخلاق الراوي (2/ 25).

[31] تاريخ ابن خلدون (1/ 753).

[32] دلائل الإعجاز (1/ 28).

[33] محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء (1/ 55).

[34] تثقيف الخطيب لغويا(29-33).

[35] تاريخ دمشق لابن عساكر (19/ 195).

[36] مجمع الآداب في معجم الألقاب (3/ 105).

[37] حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (2/ 422).

[38] الفهرست (ص: 59).

[39] الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 455).

[40] بغية الوعاة (2/ 210).

[41] إنباه الرواة على أنباه النحاة (1/ 50).

[42] إنباه الرواة على أنباه النحاة (1/ 41).

[43] الفهرست (ص: 59).

[44] المنهاج المختصر في علمي النحو والصرف (ص: 11).

[45] المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (17/ 35).

[46] تثقيف الخطيب لغويا (25).

[47] توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك (1/ 265).

[48] الفهرست (ص: 59).

[49] الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (2/ 55).

[50] المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر (1/ 41).

[51] مقدمة ابن الصلاح (ص: 120).

[52] رسائل ابن حزم (3/ 162).

[53] توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك" مقدمة المحقق" (1/ 137).

[54] اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 527).

[55] الموافقات (5/ 53).

[56] الموافقات (2/ 102).

[57] تاريخ ابن خلدون (1/ 754).

[58]طبقات النحويين واللغويين (ص: 11).

[59]تاريخ ابن خلدون (1/ 754).

[60]نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة (ص: 32) وما بعدها.

[61] ينظر: تثقيف الخطيب لغويا (23-28).

[62] صبح الأعشى في صناعة الإنشاء (1/ 206).

[63] صبح الأعشى في صناعة الإنشاء (1/ 208).

[64] نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة (ص: 24).

[65] سبب وضع علم العربية (ص: 42).

[66] نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة (ص: 17).

[67] تاريخ الإسلام (6/ 499).

[68] الكامل في التاريخ (4/ 71).

[69] من تاريخ النحو العربي (ص: 15).

[70] نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة (ص: 17).

[71] الأضداد لابن الأنباري (ص: 244).

[72] الأضداد لابن الأنباري (ص: 245).

[73] البيان والتبيين (1/ 14).

[74] صبح الأعشى في صناعة الإنشاء (1/ 211).

[75] تثقيف الخطيب لغويا (34 - 38).

[76] العقد الفريد (2/ 309).

[77] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2/ 28-29).

[78] ينظر: العقد الفريد (2/ 307-309).





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • من آثار النحو العربي في النحو العبري في الأندلس (PDF)(كتاب - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة هداية النحو في علم النحو (الجزء الأول)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تيسير النحو عند عباس حسن في كتابه النحو الوافي- دراسة وتقويم(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الإجماع في النحو: دراسة في أصول النحو لدخيل العواد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • النحو الصغير: الموطأ في النحو (عرض تقديمي)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح مقدمات في النحو (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • مقدمة في علاقة النحو بالفقه(مقالة - حضارة الكلمة)
  • علاقة الاختصار بالسماع في النحو العربي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • النحو العربي والعلوم الإسلامية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • العملية الاصطلاحية وبصمتها في النحو العربي – آلية لفهم العلوم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب