• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

دروس في النقد والبلاغة الدرس السادس عشر: الإيجاز والإطناب

دروس في النقد والبلاغة الدرس السادس عشر: الإيجاز والإطناب
د. عمر بن محمد عمر عبدالرحمن

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/12/2022 ميلادي - 16/5/1444 هجري

الزيارات: 3740

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دروس في النقد والبلاغة

الدرس السادس عشر: الإيجاز والإطناب

 

أولًا: الإيجاز:

عُرِفت ألوانٌ مِنَ التعبير في النَّثْر العربي القديم بإيجازها الشديد، وولع النَّاس بِهَا؛ لِما تتضمنه مِنْ قُدْرة الكاتب عَلَى تلخيص كثيرٍ مِنَ المعاني في عبارة دالَّة حافلة بالإيحاء، مِنْ ذَلِكَ التوقيعات، وهي عبارات كان يُوقِّع بها الخلفاءُ والولاة والقضاة وغيرهم مِن أولي الأمر على مَا يُرفَع إليهم مِن أخبار الدولة أو ظلامات النَّاس، وهي لإحكام صيغتها وقوة دلالتها تكاد تجري مجرى الأمثال، كَمَا فِي توقيع جعفر بن يحيى إلى بَعْضِ عُمَّالهِ: "قد كَثُرَ شاكُوكَ وَقَلَّ شاكِرُوك، فَإِمَّا اعتدلت وإِمَّا اعْتَزَلْت"، وتوقيعه في أَمرِ سجينٍ: "العدل يوبقه، والتوبة تُطلقه"[1]، وَكَمَا فِي توقيعِ هارون الرشيد عَن أحد البرامكة: "أنْبَتَتْهُ الطاعةُ وحصدتْهُ المعصيَّة"[2].

 

وَمِن ذَلكَ أيضًا الأجوبة الحاسمة التي يُقصَد بِهَا إلى إفحامِ المتكلِّم أحيانًا أو إجابته بجوابٍ موجز يجمعُ في إحكام عبارته كل مَا ينطوي تحتَ السؤال من معانٍ، كما وقع في جواب عقيل بن أبي طالب حينَ دخل على معاوية وقد كُفَّ بَصَرُ عقيل، فقالَ له معاوية: "أنتم بنو هاشم تُصابون في أبصاركم"، فأجابَهُ: "وأنتم معشر بني أمية تُصابون في بصائركم!"، فأنْتَ ترى كيف جاء رَدُّ عقيل أشدَّ وخزًا مِن تعريضِ معاوية؛ لِمَا فيه مِنْ إيجاز يعتمد عَلَى المجانسةِ بَيْنَ لفظتي "أبصار وبصائر"، وَلَا شك أَنَّ إصابَةَ المَرْءِ فِي بصرهِ ليست مِمَّا يحطُّ مِنْ قَدْرِهِ أَو إنسانيَّته، أَمَّا فَقْدُ البصيرة فَإِنَّهُ يَسِمُ صاحبَه بالغفلَةِ والضلالِ!

 

وَكَذلك جوابُ الأحنف بن قيس حينما تكلَّم النَّاس عندَ معاوية في يزيد ابنه إذ أخذَ لَهُ البيعةَ، وسكت الأحنف، فقالَ له معاوية: "مالك لا تقول يا أبا بحر؟!"، فقالَ: "أخافك إِنْ صدقت، وَأَخَافُ الله إِن كذبت"، فقد عَبَّرَ الأحنف بهذا الجواب الموجز البليغ عَن حرجِ موقفهِ وإيثارهِ الصمتَ حَتَّى لَا يقول الباطلَ فيُغضِب الله أو الحق فيُغضِب معاوية، ووضحَ مَعَ ذَلِكَ رأيَه فِى بَيْعَةِ يزيدٍ.

 

عَلَى أَنَّ هذه الألوان مِنَ التعبيرِ الموجز مَعَ جمالها لَا تصلح كُل الصلاح للتعبير عن طبيعَةِ الإيجاز في الأسلوبِ الأدبيِّ؛ لأنَّها متناهية فِي القصرِ، والأسلوب لَا تتضح سِماتُه إِلَّا إِذَا كَانَ ذَا طولٍ مُناسبٍ يُهيئ للأديبِ مجالًا لإبراز خصائصه المختلفة، فَالإيْجاز لَيْسَ مجرد قصرٍ فِي النَّصِّ الأَدبيِّ؛ وَإِنَّما هو طبيعة تشيع فيهِ مهما يبلغ مِنَ الطولِ.

 

استمع إلى قَوْلِ ابن المقفع: "إِنْ سمعت مِنْ صاحبك كَلَامًا أَوْ رأيتَ منه رأيًا يُعجبك، فلا تنتحله تزيُّنًا بِهِ عِنْدَ النَّاسِ، وَاكتفِ مِنَ التزيُّنِ بِأَن تجتني الصواب إذا سمعته وتنسبه إلى صاحبه، وَاعلم أَنَّ انتحالكَ ذلكَ مسخطة لصاحبك، وأَنَّ فيه مَعَ ذلكَ عارًا أو سخفًا، فإِن بلغ بك ذلكَ أن تُشير برأي الرجل وتتكلَّم بكلامهِ وهو يسمع، جمعت مع الظلم قلةَ الحياء، وَهذا مِن سوءِ الأدبِ الفاشي فِي النَّاسِ، وَمِن تمام حُسن الخلق فِي هذا الباب أَن تسخو نفسُك لأخيك بِمَا انتحل مِن كلامك ورأيك وتنسب إليهِ رأيه وكلامه وتُزيِّنه مَا استطعت".

 

فَالْكاتب كَمَا تَرى يقتصد فِي تعْبيرِهِ، فَلَا يلْجأ إِلى المترادفاتِ وَلَا إتباع الجملة بأخرى تؤكِّد معناها وتفصله؛ بَلْ يمضي في بيانِ فكرتِهِ بأيْسَرِ لَفْظٍ، وَأَوْجَز عبارَةٍ، ويضيفُ بكلِّ جُملةٍ شيئًا جديدًا إلى الموضوعِ.

 

عَلَى أَنَّ الإيجازَ يكون معيبًا فِي بَعْضِ الأحيان إِذَا بُولغ فيه، أَو جَاءَ مُخَالِفًا لطبيعَةِ الموضوعِ، فيحسُّ القارئ باقتضابِ العبارَةِ وَعجزها عَن بيان مَا تحتمله الفكرة مِنْ إفاضة، وَمِنْ ذَلِكَ قول الأحنف بن قيس: "إِنَّ الكرم مَنْعُ الحرم[3]، مَا أقرب النقمة مِنْ أهلِ البغي، لَا خَيْرَ فِي لذَّة تتعقب نَدمًا، لَنْ يَهْلِكَ مَن قصد[4] وَلَنْ يفتقر مَن زهد، رُبَّ هَزْلٍ قَد عَاد جِدًّا، مَن أَمِن الزمان خَانَه، وَمَن تعظم عليه أهانه، دعوا المزاح فَإِنَّه يورثُ الضغائن، وخير القول مَا صدقه العقل، احتملوا من أَدلَّ عليكم[5]، واقبلوا عُذر مَن اعتذر إليكم، أَطِعْ أخاك وَإِن عصاكَ وصله وإن جفاك[6]، أَنْصِف مِنْ نَفسك قَبلَ أَن يُنْتصَف مِنك[7]، وَاعْلم أَنَّ كفر النِّعمة لؤم، وصحبة الجاهل شؤم، وَمِنَ الكرم الوفاء بالذِّمم[8]، مَا أقبحَ القطيعَة بَعْدَ الصلةِ! والجفاء بعدَ اللطف! والعداوة بعدَ الودِّ! لَا تكونن عَلَى الإساءَة أَقوى منك عَلَى الإحسان، ولَا إلى البُخْل أسرعَ منك إلى البذل، وَاعْلم أَنَّ لَكَ من دنياك مَا أصلحت به مثواك[9]، فأنفِقْ في حَقٍّ ولا تكونن خازنًا لغيرك، وَإِذَا كَانَ الغدر موجودًا في النَّاس فالثقة بكلِّ أحدٍ عَجز، اعرف الحق لمن عرفه لك، واعلم أَنَّ قطيعة الجاهل تعْدِلُ صِلةَ العاقل[10]".

 

فأنتَ ترى كيفَ امتلأ النَّصُّ بحكمٍ جميلة قيمة لَو جاءت فُرادى لَكَانَ لَهَا فِي النَّفْس أثرٌ بليغ؛ وَلكن القارئ يضيقُ بِهَا لكثرتها وتتابعها فِي ذلكَ الأسلوب الموجز فَلَا يَجِدُ مجالًا لتدبُّر مَا ينطوي تحتَ كُلٍّ مِنْها مِن خبرَةٍ صادقة بِالنَّاسِ وَالحياة، وَلَعلَّكَ قَد لَاحظت هذا الفصل بينَ كثيرٍ مِنَ الجملِ، فأحسست أَن الأسلوب مبتور غير متماسك، وَلَو استطاع الأحنف أَنْ يبسطَ مِن عبارته شيئًا، ويربط الحكمة بِمَا يُناسبها مِنْ حكمٍ أُخرى، فَلَا تبدو كُل منها نابية في مكانها، مقطوعة الصلة بِمَا قبلها وَمَا بَعدها؛ لَجَاءَ أسلوبه أقدر عَلَى بيانِ فكرتهِ وَأَحسن وَقْعًا فِي نفس القارئ.

 

فَمِنَ الإيجازِ إذًا، إيجازٌ بليغ وآخر مُخِل، ومقياسنا فِي ذَلِكَ هو مدى ملاءمة الإيجاز لطبيعة الموضوع ومقدار بيانه لفكرَةِ الأديب.

 

ثانيّا: الإطناب:

قالَ تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [الشعراء: 69 - 83].

 

لا شكَّ أَنَّك تحس بما في الآياتِ من إطنابٍ يتمثَّل في تفصيلِ ذلكَ الحوار بينَ إبراهيم عليه السلام وقومه، فقولُ قوم إبراهيم: ﴿ نَعْبُدُ أَصْنَامًا ﴾ كَانَ يكفي جوابًا لسؤال إبراهيم عليه السلام لو لم يكن المقام يقتضي الإطناب؛ ولكنهم أتبعوه بقولهم: ﴿ فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ﴾؛ ليكون ذلك أبلغ عندَ السامعِ في الدلالة على جهالتهم وتماديهم في باطلهم وشدَّة إخلاصهم لتلكَ الآلهة الزائفة، وسؤال إبراهيم: ﴿ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ﴾ كافٍ في موطن الإيجاز لبيان عجز هذه الآلهة وضلال هؤلاء القوم؛ ولكنه هنا يريد أن يمعن في السخرية من تلك الأصنام ويُؤكِّد أنَّها غير جديرة بالعبادَةِ؛ لذلكَ أتبعه بقوله: ﴿ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ﴾، وقوله: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ﴾ يمكن أن يستغني في مقام الإيجاز عن قوله: ﴿ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ﴾؛ ولكنه ضمَّ إليهم آباءهم ليبين لهم أن عهدهم بالضلالِ قديم، وأَنَّ كفرهم متأصِّل في نفوسهم، ورثوه عن آبائهم الأقدمين، وكذلكَ يتمثَّل الإطناب في تمجيد إبراهيم عليه السلام لرَّبِّهِ جَلَّ جلالهُ بِمَا عَدَّدَ مِنْ نِعَمِه الكثيرة عليه؛ لأنَّه يريد أن يُقارن بين قدرة ربِّهِ العظيم ومَا لَهُ من نِعَمٍ على عبادِهِ، وبينَ عجز تلك الأصنام التي يعبدها قومه من دون الله، فأوْرَدَ تلك الصور المتعاقبة لفضل الله عليه، ولعلَّكَ قد لاحظت تكرار بعض الألفاظ في الآياتِ، مثل: "الذي"، "هو"؛ لأنَّ إبراهيم عليه السلام أرادَ أَن يُؤكِّد تفرُّد الله بهذه القدرة دون غيره.

 

استمع أيْضًا إلى قول ابن المقفع: "وعلى العاقلِ ألا يستصغر شيئًا من الخطأ في الرأي والزلل في العلمِ والإغفال في هذه الأمور؛ فإِنَّه مَن استصغرَ الصغيرَ أوْشك أن يجمع إليه صغيرًا وصغيرًا، فإِذا الصغير كبير، وَإِنَّما هي ثُلَمٌ[11] يَثْلِمُها التضييع، فإِذا لم تُسدَّ أوْشكت أن تتفجَّر بما لا يُطاق، ولم نر شيئًا قط إِلَّا قد أتى من قبل الصغير المتهاوَنِ به، فقد رأيْنا المُلك يؤتى من العدوِّ، ورأينا الصحة تُؤتى من الداءِ الذي لا يحفل به، ورأينا الأنهار تنبثق من الجدول الذى يُستخفُّ به".

 

فأنت ترى كيف أطنب في بيان فكرتهِ، فلم يقل مثلًا: "إن من استصغر الصغير أوشك أن يقع في الكبيرِ"؛ بل فَصَّلَ كيف تجتمع الأمور الصغيرة بعضها إلى بعضٍ فتنتهي إلى أمرٍ خطيرٍ، وكرَّر لفظة (الصغير) أكثر من مرة ليُنبِّه إلى شأنهِ إذا أهمل، سواء كان خطأ في الرأي أو زللًا في العلمِ، ثم ساقَ بعدَ ذلك عِدة صور مَاديَّة من واقع الحياة لتكون برهانًا على مَا قالَ، فالملك يؤتى من العدوِّ الذي يحتقر أمره، والصحة تؤتى من الداء الذي يتهاون به، والأنهار تنبثق من الجدول الصغير.

 

وفي كتاب "على هامش السيرة"، يقول الدكتور طه حسين: "كان عبد المطلب سمحَ الطبع، رضيَّ النفس، سخيَّ اليدِ، حلو العشرة، عذب الحديث، وكان عبد المطلب أيضًا قوي الإيمان، تملك قلبه وتسيطر على نفسهِ نزعةٌ دينيةٌ حادَّة عنيفة؛ ولكنها غامضة يحسها ويخضع لها؛ ولكنه لا يتبينها، ولا يستطيع لها فَهْمًا ولا تفسيرًا، وأبوه من مكة حيث التجارة والثروة، وحيث المكر والدهاء، وحيث الوثنية السهلة التي لا تحَرُّج فيها ولا مشقة، وأُمُّه من يثرب حيث الزراعة والصناعة اليسيرة، وحيث اليهودية تجاور الوثنية فتُضعفها وتنقص من ظلِّها وتكاد تمحوها، وحيث الأخلاق اللينة والشمائل الحلوة، وحيث الظرف ونعومة الحياة".

 

فلا شك أَنَّك تحس الإطناب في تلك الصفات المتتابعة التي وصف الكاتبُ بها "عبد المطلب": "سمح الطبع، رضي النفس، سخي اليد، حلو العشرة، عذب الحديث"، وهي صفات متقاربة في معناها يمكن في مقام الإيجاز الاستغناء ببعضها عن بعضٍ، ولا شَكَّ أنَّك تحسُّ الإطناب أيضًا في بعض العباراتِ التي يسوقها الكاتبُ تأكيدًا لعبارة سابقة كافية في ذاتها للدلالةِ على المعنى؛ كقوله: "تملك قلبه وتسيطر على نفسه"، وقوله: "ولكنه لا يتبينها ولا يستطيع لها فَهْمًا ولا تفسيرًا"، وقوله: "حب الوثنية السهلة التي لا تحرج فيها ولا مشقَّة"، ويعود الكاتب في نهاية القطعة إلى الأسلوبِ الذي بدأ به، فيقول: "حيث الأخلاق اللينة والشمائل الحلوة، وحيث الظرف ونعومة الحياة"، وهي- كما ترى - صور متقاربة في معناها يمكن أن يُكتَفَى ببعضها لو أن الكاتبَ لم يرد أن يطنب ليُؤكِّد الخِلاف بين البيئة المكية والمدنية.

 

وهكذا ترى أنَّ الأديبَ يطنب إذا اقتضى المقامُ ذلكَ، فيفصل الحديث عن جوانب موضوعه، ويعمد إلى المترادفاتِ والجُمَل المزدوجة، ليبرز الجانب الواحد بكلِّ أجزائه الصغيرة المتعددة.

 

وكما يجيء الإيجاز مخلًّا في بعض الأحيانِ كذلكَ يكون الإطناب لغوًا أو حشوًا إذا أسرفَ الكاتبُ فيه وخدعته الألفاظ عن فكرتهِ وإحساسهِ، فسعى وراءها لذاتها، وحينئذٍ نحسُّ بما في الأسلوب من سطحية، فنسأم طوله المُمِل وعبارته الجوفاء.



[1] أي: إنَّه لو أخذ بالعدل لهلك، ولو تابَ أطلق سبيله.

[2] أي: إنه نشأ في رعاية الخلافة معززًا؛ لأنَّه كان مُطيعًا؛ ولكنه بعد كبره عصى؛ فسببت له معصيته الهلاك.

[3] الحرم: ما يحميه الإنسان من عرضه أو ماله، ومنعها؛ أي: حمايتها من الاعتداء عليها.

[4] قصد: اعتدل.

[5] أدل عليكم: طمع في فضلكم.

[6] ابق على صلتك به وإن قطعك.

[7] أقم العدل على نفسك قبل أن يقيمه عليك غيرك.

[8] الذمم: جمع ذمة، وهي العهد.

[9] أي: معيشتك.

[10] تجنب الجاهل يساوي في حكمته وآثاره صداقة العاقل.

[11] الثُّلَم جمع ثُلْمة، وهي الثغرة والخلل في الشيءِ؛ أي: إن هذه الأمور الصغيرة خلل يحدثه التقصير.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الحادي عشر: الأمر
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس الثاني عشر: النهي
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الثالث عشر: التقديم والتأخير
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الرابع عشر: التقديم والتأخير في الشعر
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الخامس عشر: مقدمة في الإيجاز والإطناب
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس السابع عشر: الإيجاز والإطناب في الشعر

مختارات من الشبكة

  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الثامن عشر: التعبير الحقيقي والتعبير الخيالي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس العاشر: الاستفهام(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس التاسع: الخبر الأدبي بين الأديب والسامع(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الثامن: الخبر الأدبي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس السادس: مزيد بيان(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس السابع: الخبر والإنشاء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الخامس: المقابلة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس الرابع: الجناس(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس الثالث: السجع(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس الثاني: تناسق الكلمة(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب