• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

جماليات القصة الشاعرة... محمد صادق - الدمياطي نموذجا

جماليات القصة الشاعرة... محمد صادق - الدمياطي نموذجا
السيد عبدالصمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/11/2021 ميلادي - 21/4/1443 هجري

الزيارات: 3586

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

جماليات القصة الشاعرة... محمد صادق- الدمياطي نموذجًا

 

الأدب في حياتنا ليس مجرد قصة أو قصيدة أو مقالة نقرأها للمتعة اللحظية ثم ننساها، بل إن الأدب يلعب دورًا هامًّا في حياة الإنسان خاصة، وحياة المجتمع عامة، ويتضمن هذا الدور التعبير عن المشاعر الشخصية وتصوير الحدث الاجتماعي، وأحيانًا إيجاد حلول لمشاكل الحياة والمجتمع، كما أن الكتابة تعتبر عملية استرخاء نفسي تحرر الأديب من توتُّره وقلقه، وقد تشبع رغباته وطموحاته، فمثلًا حين يصف تصرُّفا سيئًا لإنسان، فهذا ناتج عن غضبه من هذا التصرف ورفضه له، وحين يهجو وضع أخلاقي مقلوب أو مذموم فإن سبب ذلك أمنيته بتغيير هذا الوضع للأفضل وللأجمل ومن ناحية أخرى فحين يكتب عن عالم مثالي خيالي قد يراه وحده أو يتطلع إليه، فهذا يعكس رغبته وأحلامه بعالم أفضل مثالي ينعم به الناس جميعًا، وهناك تعريفات عديدة للأدب، فمنهم من عرف الأدب بأنه صياغة فنية لتجربة بشرية، ومنهم من عرفه بأنه نقد للحياة والواقع، وهناك تعريفات أخرى كثيرة.

 

♦ الأدب مهمة إنسانية ذات معنى عميق وغاية سامية، تحمل صورًا ومعانيَ وأحكامًا مختلفة، وتنقل للناس الحياة بعيوننا وأسلوبنا نحن معشر الأدباء، وقد يرى البعض أن السعي للاعتراف بمصطلح القصة الشاعرة كلام فائض عن الحاجة وثرثرةٌ لا معنى لها، واعتراف يسخر الشعور والمشاعر إلى القصة، ليجعل القصة كائنًا حيًّا إليه تُنسب المشاعر والعواطف، بعيدًا عن القيم والأعراف الفنية المقصودة، فمنذ بدء الخليقة والناس تحارب كل ما هو جديد في حياتنا بذهنية مسبقة، ولا شك في أن هناك جدالًا قائمًا الآن بين كثير من المثقفين والأدباء حول القصة الشاعرة، وقد تطول هذه المعارك بين مؤيد للقصة الشاعرة ومعارض أو رافض لها بالكلية.

 

♦ إن القصة الشاعرة جنسٌ أدبي جديدٌ وجميلٌ، وقد انحاز لفكرة الاعتراف به باعتباره اِنتصارًا لفكرة التجديد والتجريب في الإبداع العربي، فهناك العديد من القامات الثقافية العربية التي خاضت التجريب، وأثبت بعضهم قدرته على اختراق أجناس أدبية جديدة والإبداع والتميز فيها بجدارة.

 

♦ كما أن القصة الشاعرة جنس أدبي جديد لم يتم استيراده من الغرب وليس دخيلًا علينا، ولذا كان بحثي المتواضع هذا محاولًا الدفع والزج بهذا الفن إلى الساحة الأدبية، وقد يرى البعض من زملائي الأدباء أن توجهي هذا محض عبث وهراء، وأن الخصائص الفنية للقصة الشاعرة لا فرق جوهري بينها وبين قصيدة النثر، وربما يرى البعض من زملائي أن بحثي هذا مغامرة أو مخاطرة كبيرة، ولذلك حرصت فيه على التسلُّح بمعارف وخصائص هذا الجنس الأدبي الجديد، وما يتطلبه من مهارة وتمرُّس في اللغة والاطلاع الواسع على الموضوع الذي ينوي القاص الكتابة فيه، إذ إن للإبداع دورًا مهمًّا وكبيرًا في تشكيل الهوية الثقافية للشعوب العربية.

 

♦ وللقصة الشاعرة أيضًا دور مهم وكبير في إبراز تلك الهوية، باعتبار حداثتها الأسلوبية وأصالتها الموضوعية من ناحية، وباعتبارها جنسًا أدبيًّا عربيَّ المنشأ من ناحية أخرى، ولأن لكل جديد في حياتنا الأدبية مساحة بين القبول والرفض والتأييد والمعارضة، كان لزامًا علينا دراسة العوامل المؤثرة في ذلك واستقراء دلالاتها، ومعرفة كيفية التعامل معها، وصولًا لنقد موضوعي مَرن في ضوء معايير حرية الإبداع وضمير النقد، لذا فإن طريقها طويل وشاق وستلقى الكثير من الصعاب والحروب، حتى تجد الحضور الدائم والمناسب في الساحة الأدبية، ولا شك في أن الجدال حول وجود مصطلح القصة الشاعرة أو عدم وجوده، لا فائدة منه؛ فلا أحدًا منا ومنهم يستطيع أن ينكر هذا الوجود.

 

♦ والقصة الشاعرة عند القاص الدمياطي "محمد صادق عبدالعال" - بينها وبين الشعر خيطٌ رفيعٌ يحافظ عليه دومًا في كتاباته، مبرزًا شاعرية قصته، منتهجًا لغةً شعريةً في بنائها قد تكون جملتها أميلَ إلى الشعرية منها إلى السردية، ولقد عمد "صادق " في الكثير من قصصه الشاعرة لتوظيف الرمز على مستويات متفاوتة؛ من حيث الرمز البسيط إلى الرمز العميق إلى الرمز الأعمق، مما عمق المعنى والغاية من وراء قصته، فأصبح مصدرًا للإدهاش والإذهال والتأثير، وتجسيدًا لجماليات "التشكيل الشعري لقصته"، فأسهم في الارتقاء بشعرية "طقوس سفره"، وعمَّق دلالاتها وشدة تأثيرها في المتلقي، كما يظهر هذا جليًّا في قصصه (اثنتان، انتشاء، سردية الشمس والغيوم، النوَّة الأخيرة، للسفر طقوس أُخَر، طقوس، البريء والجميلات)، وغيرهم، ولا أريد أن أتطرق إلى كافة العناوين في هذه المجموعة القصصية، وإنما أترك للقارئ اكتشاف ما قد توحي به هذه العناوين الصادقة والمعبرة من أفكار واستنتاجات، ففي قصته "اثنتان" / شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة تاريخ النشر / تاريخ الإضافة: 8/12/2015 ميلادي - 25/2/1437 هجري.

 

 

يقول صادق: (عصرَ كلِّ يومٍ تأويانِ لمرفأ البيت القديم؛ حيث كلُّ شيء مُهيَّأً، حتى السقاء لا يزال ينبض بباردِ ماء، ينتظر أفواه العطاش، وغطاؤُه النحاسيُّ إرثٌ قديم، تجلسان، تتهيآن للرحلة اليوميَّة لمدينة الراحلين في الملكوت بعدما تَستجْدِيان الصمت الجميل أن يسود؛ فتقطعان العلائق والأغيار، وكأنهما بغارٍ اتخذتاه مكانًا قصيًّا؛ فتكون الأصواتُ من حوليهما مبهمةً أو همهمة، فتظفران بالرحلة، تعانقان جميلات الحَكايا، تُقبِّلان أيادي الأحبة، تطمعان في أن تطولَ الرحلة، لكن الصمت يُبدي مهابة إن يُعصى، فترجعان لنفس المرفأ، وما زال بالسقاء بعضُ ماء، تشربان وتخرجان تنهيدةً ما بعد الإياب، تظنُّ كل واحدة منهما أنها الأسبقُ في ذكر تفاصيل الرحلة؛ فتضلُّ لتُذكِّرَها الأخرى.

 

وذات مرة كان الصمتُ قد أبدى امتعاضًا من دوام الترحال والخروج من حال إلى حال، فتُلحَّان حتى يستجيبَ؛ نزولًا على رغبة عارمة، وحين الإيذان بالعودة عادت إحداهما دون الأخرى.

 

صاحَتْ: أختاه، عودي! أختاه، عودي! انتهت الرحلة...

 

فأوحى إليها الصمتُ المٌهاب أنها حين أقلعت لم يكن بحوزتها تذكرةَ للإياب).

 

♦ وفيها حدد "صادق " خصائص قصته بالتكثيف، وبنية الرمز وتوظيفه والانفتاح على كثير من الدلالات والالتزام بالتدوير بالإضافة لشيء من "التفعيلة الشعرية"، معبرًا عن مفردات الحياة اليومية والتجربة الحياتية للإنسان في ممارساته اليومية، من خلال قصة هاتين الفتاتين بصمتهما وبالهمهمة والإبهام من حوليهما، وشخصيات هذه القصة غير محددة الأسماء أو الهوية، وتغلب عليها الشخصيات النسائية، وقد جعل "صادق" من الجمادات فيها أشباه أبطالِ لقصته، فأضفت على قصته مسحة إنسانية.

 

لم تكن القصة الشاعرة أبدًا مزيجًا بين فنيِّ القص والشعر ليكون الناتج مجرد الجمع بينهما، وإنما هي ناتج من تفاعل ذهني بين الجنسين، ليكون الناتج عنصرًا جديدًا يختلف في خواصه عن خصائص العنصرين المكونين له.

 

وهذا يتضح من خلال قصة صادق التي تحمل عنوان / للسفر طقوس أخر، التي نشرت في شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / خواطر إيمانية ودعوية/ تاريخ النشر: 24/3/2016 ميلادي - 14/6/1437 هـ.

 

للسفر طقوس أخر:

(قلوبٌ لدى الحناجِر، ودموعٌ أسبلَتْها العيون؛ تراها وهي تَفِر من نظيراتها فرارًا لذلكم المُسجَّى الذي يُخشى عليه من "الرحيل" ووَعْثاء السفر، وقد سبقه جُلُّ زاده، وحان الآن ميعادُ ميعاده.

 

ووجوه بصَحْن الدار لم تُرَ من قبل؛ أضياف بغير واجب، فضلًا عن آخرين لم يلحقوا بهم، تراهم جَرادًا ينتشر بالخارج، مُهطِعين إلى الداعي وصيحة الوداع لاتِّخاذ اللازم.

 

وثُلة من الأقارب قد خَلَصوا نَجِيًّا؛ فانسلَّ منهم اثنان يُهيِّئان "المُستقَرَّ الجديد" لذلكم المسافر، وآخران يقومان مقام "العائل"؛ فيشتريان له ثيابًا جديدة ذات لون واحد.

 

وأخريات ثاويات عابئات، قابضات على جمر السكوت، يترقَّبْنَ آخرَ دقات الطقوس.

 

كل هذا وصاحب الرَّكب المسافر في معيته "وجوه أخرى" لن يتركوه حتى يسلموه لفُوَّهَة البيت الجديد ولو كَرِه الشاخصون.

 

الآن وقد قلتَ قبلُ: إنه لا طقوسَ أخرى للسفر؟!).

 

وهنا يهتم "صادق" بالدوران الشعري من خلال سلامة بعض التفاعيل؛ كما في قوله: وأخريات، ثاويات عابئات، قابضات على جمر السكوت، يترقَّبْنَ آخرَ دقات الطقوس).

 

والتكثيف في المعنى في هذه القصة ليس مجرَّد اقتصاد في عدد المفردات المكوِّنة للنص، بل هو تكثيف دلالات تلك المفردات التي شحنها صادق بشحنة دلاليَّة مفردة، مفردة عالية التَّركيز بحيث يصل صادق بقصته إلى النَّهاية بأسرع وأجمل ما يمكن، مع الحرص على سرد الحكايةٍ كاملة، دون أن تفقد الحكاية أثرها لدى المتلقِّي بمجرَّد الانتهاء من قراءتها، وهذا تطلب منه ثقافة ليست بالقليلة تكون عناصرها وموضوعاتها هي المرجعيَّة الذِّهنيَّة للمعنى وحساسية مرهفة تجاه الأشياء، والظواهر والتفاصيل اليومية يشكل منها رؤيته للنص وحسًّا لغويًّا يمكِّنه من انتقاء الألفاظ المناسبة، ودرايةً عالية بالدلالات والتراكيب تَمنحه الحريَّة والحيويَّة في انتقاء الرُّموز والإشارات والأطياف الحلميَّة التي اختزنها فكره، وشحْن النص بها.

 

أما النهاية في طقوسه الغريبة للسفر، فتشير إلى الاستسلام للقضاء والقدر، ومن هنا فجميع المؤشرات توضح أن النص ذو طابعٍ اجتماعي ويندرج ضمن فن القصة القصيرة.

 

وقصته "سردية للشمس والغيوم": شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة / تاريخ الإضافة: 10/12/2017 ميلادي - 21/3/1439 هجري:

(السماء القَفْرُ من بعد أعياد الربيع جاءتْ وهي تمور بعبابٍ وسحاب مَرْكوم، وآخَر مِن شكله منثور، يدعو بعضه بعضًا ليأتلف ويختلف؛ فيكون عارضًا محملًا بعطر الوَدْق، وماء غدق، فيحتل ساحة الظهور لذات الظهير، فتبرق بعيني مسترق ذهبيةً أبيَّةً ألا تغور بين طيات السحاب الثائر غور الفارِّين.

 

• وتسفر المعركة عن سقوطها أسيرةً في موقعة تسمى: "بالغيوم"، وتدق السماء أجراسها؛ كيما ينتبه الغافلون بالتغير وتحوُّل الدهور، فترسل لهم دفعة من زخات المطر، فتشرئب الأعناق، وتحدق الجفون، وتهتز الأرض وتربو، وتضيع خارطة الجفاف في ثورة الشقوق والثغور، وتتهيَّأ الأشجار والدُّور لطقس جديد، وينقسم الخَلْق على فِرَق، منهم من يرى أن الشمس كانت حنونًا، وآخرون قالوا: إنَّ الغيوم اليوم أولى بالحضور... فيختصمون!

 

• والشاعر الكائن في الكُوَّة ولها مِشكاة من نور مصنوع - يدوِّن بأقلامه واقعةً للشمس والغيوم؛ ينبُش في رأسه عن تعبيرٍ ومجاز يُخرجانه من هذا المأزِق، ويحار لمن ينحاز: للشمس التي كانت تحبسه؛ فيقيم رهن المُكَيِّفات، وتقاسيم الجدران، وأجهزة "التلفاز" والحاسوب! أم للمطر الذي كان كثيرًا ما يصرفه عن التنزُّه والانطلاق؟! فيجزم أن كليهما جعلاه بالإقامة الجبريَّة مرهونًا.

 

• وما زالت المعركة على أشُدِّها، والشمس قد استدعت من الريح جندها، فتصدر الصفير، وتدعو للنفير من بالشتات لتفرق الأمطار، وتكبِّد السماء خسارة الرُّكام المجموع.

 

• والبرق والرعد قد جاءا تصعيدًا إعلاءً وتذكيرًا بالرجفة الكبرى، وتكاد الفكرة تدغدغ رأس الشاعر حيران لا يدري كيف العداوة قد آلت بينهما لهذا الحد؟! فيلقي الأقلام والأوراق من نافذته العليا، فتتخطَّفها الريح، ويرسلها البرق، ويثبِّطها المطر، وتعلق بالشجر؛ فينام الشاعر ساعةً غضبانَ ضَجِرً، فيصحو ووجه الشمس قد عاد صبوحًا يبتسم، فيتتبع مسار وريقاته حتى يبدِّل أقواله، فيعثر عليها وقد مَحت الأمطار بممحاتها كلماتِه؛ فلم تترك منها غير سطر مقدَّس، أَبَت الريح أنْ تتركه يقع أو ينكس، طيبته الأمطار بعطرها، والشمس قد جففته بضوئها، ما إن تهجَّى حروفه حتى قال بخشوع: صدق الله العظيم).

 

♦ نجده هنا يلتقط تلك اللحظة الهاربة من نهر الواقع قبل أن تنزلق عن سطح ذاكرته، فيجمِّدها في نص قصير يرسم فيه لحظةً عابرة نفرح بها، أو لحظة حزن إنساني لا تتركنا وإن أنهينا قراءة قصته الملبدة بالغيوم، وهي نص رقيق قد يكون حدثه اعتياديًّا، لكنَّ (صادقًا) استطاع بتوظيفه لمجموعةٍ من الأدوات اللغوية والأسلوبية أن يجعله نصًّا شموليًّا عاليَ القيمة رغم أنه يبدو نصًّا ذاتيًّا، فالتكثيف وسلاسة تتالي الجمل الفعليَّة، واعتماده على التشخيص والأنسنة في بناء النص، جعل العمر أو الزَّمن هو بطل قصته، وجعلنا كلَّنا شهودًا أو شخوصًا في حكايةٍ لا تنتهي نشعر بها، لكنَّنا لسنا كلُّنا قادرين على الإمساك بومضة الشَّعور تلك التي استطاع صادق أن يمسك بها ويوظِّفها في قصته الجميلة، فالقصة مليئة والإشارات والإيماءات التي لا تنكشف مدلولاتها بسهولة القراءة الأولى، وإنما تحتاج من القارئ إلى وقفة طويلة وتحليل عميق، واستحضار لمعجم صادق الفني، ومتابعة سياقات القصة وصورها المتشابكة المترابطة من أولها إلى آخرها، لعل الزمن النفسي في هذه القصة هو المسيطر على أجوائها، فهو يتسم بالانتظار والترقب والقلق، وفي حالة الانتظار يبدو الزمن طويلًا، سواء أكان هذا الانتظار متعلقًا بحبيب أو بأي شيء مبهج، أو كان متعلقًا بانتظار شر أو بلاء يمكن أن يحط على الإنسان في أية لحظة، ومن العبارات الدالة على ذلك:

♦ وما زالت المعركة على أشُدِّها، والشمس قد استدعت من الريح جندها، فتصدر الصفير، وتدعو للنفير من بالشتات لتفرق الأمطار، وتكبِّد السماء خسارة الرُّكام المجموع.

 

وأيضًا: "أَبَت الريح أنْ تتركه يقع أو ينكس، طيبته الأمطار بعطرها، والشمس قد جففته بضوئها، ما إن تهجَّى حروفه حتى قال بخشوع: صدق الله العظيم.

 

وقد يميل صادق في معظم الأحيان إلى التكثيف الشديد للأحداث، ويتناص أسلوب القرآن الكريم وقصصه، وينسج قصته على نسق ألف ليلة وليلة، وهذا يدل على قدرته الفائقة في استلهام التراث الديني والشعبي، ويدل أيضًا على أنه غير متقوقع في محارة الذات.

 

♦ كما زاوج صادق بين القوى الفاعلة المتكونة من القوى الطبيعية مثل السماء المُلبَّدة بالغيوم، وزخات المطر وخارطة الجفاف، كما نجد بعض الأحاسيس كالخشوع والرجفة والحيرة والأمل، إضافة إلى بعض القيم والأنساق الفكرية المتمثلة في الأمل والرضا بقضاء الله وقدره، والتصديق بذلك في نهاية قصته.

 

وفى قصته الجميلة " البريء والجميلات" شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة / تاريخ الإضافة: 5/12/2013 ميلادي - 1/2/1435 هجري.

 

يقول: (قل لي يا جدي: إنَّا منذ كنا في الصغر ننظر في السماء، فنرى وجه القمر كهيئة طفل يبتسم، عينان له وأنف وأذن، فضلًا عن ثغره المبتسم، نُشاطِرُه الفرح، فيشاركنا المرح، نجري نعدو، فيركض خلفنا وبالديار وبالشجر كنا نستتر؛ نظن بجهلنا أننا قد توارينا بالحُجُب، فجأة يخرج مهابًا علينا، ما انفك ثغره يبتسم.

 

نقتفي لياليَ كماله من الأهِلَّة إلى العراجين التي أبلاها القِدَم، نعشق ليالي المنتصف، نحزن ليل الخسوف، نشتاق لأيام ظهوره متوجًا، كل النجوم جَوَارٍ عنده، وبأمره تأتمر؛ تَوَارَين لما بدا لهن بدرًا مكتملًا، مَلك صَفحة الصفيح الفسيح المتسع.

 

وغدونا نرسُمه في كراسات أحلامنا خلسةً؛ وخشية أن نُتَّهَم بالتقصير في التحصيل، ولما كبرنا صُدِمْنا بالحقيقة.

 

إذ قال المعلم في الفصل لنا واصفًا كُنْهَ القمر:

"كوكب هو من صخر وحجر، لا ضوء له من ذاته؛ ناهيك عن كونه لا يبتسم، وما يُشَاطِرنا اللعب، ولم يكن يعدو خلفنا".

 

قل لي يا جدنا:

♦ هل كنا بحق سُذَّجًا، حتى نخدع من قمر؟ فما من صفاته ابتسام، ولا ركض، ولا وجه بشر.

 

فراح جدي هو الآخر يبتسم ملتحفًا عباَءة السنين، ثم علل قائلًا:

♦ بل كانت عيونكم جميلةً، لا ترى غير الشميلة والكرم،

♦ أوَ كُلما أعيَتْكُم في الدهر حيلة، سقط في أيديكم نُعُوت الخديعة والكذب.؟!!

جندٌ هنالك مهترئ.... ثم التحف).

 

♦ وهذه قصة أعدها قصة شبه نموذجية للقصة الشاعرة:

فإلى أي حدٍّ كبير عكست القصة العناصر الأساسية لفن القصة الشاعرة بالإضافة للوسائل الفنية التي اعتمدها "صادق في قصته بداية من أول عناصرها وهو العنوان/ البريء والجميلات"، والذي يعد مرآة يتجلى فيها المضمون المركزي للقصة الشاعرة ويكون على صلة مركزية أساسية مع النص المكتوب.

 

♦ أما العنصر الثاني، فهو الاستهلال، فإن أول 10 كلمات من النص المكتوب هي التي تحقق الانجذاب للقارئ بدءًا من: إنَّا منذ كنا في الصغر ننظر في السماء، فنرى وجه القمر كهيئة طفل يبتسم"، ومن خلاله عَوَّل "صادق" على إثارة القارئ، ودفعه نحو متابعة مجريات القص وأحداثه، والتفاعل معها، ممهدًا لعالم القص من أجل البناء الكلي المراد تشييده، فَطوَّر من إمكاناته وقدراته اللغوية، وشحنها بطاقات تعبيرية جيدة حتى بدت وكأنها أسلوبًا لديه وسمة خاصة به تدل عليه؛ لأن الأسلوب هو القاص نفسه واللغة هي أداة الأسلوب ووسيلته في التعبير.

 

♦ وأما العنصر الثالث هو التقاطع الذي يعني الانسجام والتوافق بين الاستهلال والخاتمة.

 

بدأ من "وغدونا نرسُمه في كراسات أحلامنا خلسةً، وخشية أن نُتَّهَم بالتقصير في التحصيل، ولما كبرنا صُدِمْنا بالحقيقة.

 

إذ قال المعلم في الفصل لنا واصفًا كُنْهَ القمر:

"نَجْم هو من صخر وحجر، لا ضوء له من ذاته، ناهيك عن كونه لا يبتسم، وما يُشَاطِرنا اللعب، ولم يكن يعدو خلفنا".

 

وفيها تماهى الشكل مع المضمون في القصة، ولم يفترقا عن بعضهما، بل أسهما في إيصال الفكرة، والإبداع فيها بالاعتماد على الشاعرية إلى منحت النص قوة وترابطًا أكثر واقتصادًا أوفر وأجمل في المعاني.

 

♦ وأما العنصر الرابع، فكان الخاتمة التي لا بد أن يتوافر فيها عنصر الدهشة، فالنص المكتوب الذي لا يحقق الدهشة، لا يستحق أن يكون مكتوبًا ولا يستحق أن يُقرأ، واعتبر الدهشة هنا (فراح جدي هو الآخر يبتسم ملتحفًا عباءة السنين، ثم علل قائلًا:

بل كانت عيونكم جميلةً، لا ترى غير الشميلة والكرم، وقال هازئًا:

أَوَكُلما أعيَتْكُم في الدهر حيلة، سقط في أيديكم نُعُوت الخديعة والكذب. جندٌ هنالك مهترئ.... ثم التحف).

 

وفي قصة "صادق" دهشة جمالية، وهي التي تدفع القارئ لقصته إلى اكتشاف الفراغات التي في هذه التعابير، ويقصدها صادق ليخلق نوعًا من القراءة التفاعلية التي تسهم بشكل كبير في جعل هذا القارئ إيجابيًّا.

 

♦ وأما العنصر الخامس، فهو التشكيل البصري، وأعني به الخروج عن نظام الكتابة المألوفة، لدرجة ما قد يرى البعض فيها أن "صادق قاصًّا فانتازيًّا".

 

♦ وأما العنصر السادس، فهو المرجعيات الثقافية للقاص "محمد صادق عبدالعال، وقد يعرفها البعض "بالتناص"؛ مثل قوله: وبالشجر كنا نستتر؛ نظن بجهلنا أننا قد توارينا بالحُجُب)، والمأخوذة من قوله عز وجل في سورة ص: ﴿ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ﴾ [ص: 32]، وقد يمتص هذا النص من هذه الآية القرآنية، ولا يتعجب البعض إذا قلت أن كل النصوص الأدبية بمختلف أنواعها محاكةٌ من نصوص أدبية أخرى ليست بالمعنى الصرفي البحت والمطلق، بل بمعنى تشغيل هذه النصوص في مستوياتها الأشد تدرجًا، والذي يعني أن كل كلمة أو عبارة هي "إعادة تشغيل وتوظيف أخرى سبقت العمل الفردي أو أحاطت به، والتناص عند "محمد صادق" أحد المميزات الأساسية لقصصه الشاعرة، وقد اعتمد فيها على مصادر متعددة؛ منها الديني ومنها التاريخي ومنها الأدبي، وقد يستخدمها "صادق"؛ لأنها تتيح له حرية في القول والحركة، ولتأسيس "فضاء دلالي مكثف ومدلول شمولي واسع"، قد لا يجدهما خارج "التناص"، مما جعل نصه ثريًّا وممتعًا في الوقت ذاته.

 

وأرى أن مرجعية "صادق" مرجعية ذات أبعاد ثقافية عامة من الناحية الرمزية والتناصية، وما تشير إليه؛ إذ اعتمد في قصصه على المزج المرجعي لتشكيل بنية نصية، وهذا المزج اعتمد على: التركيب اللغوي، والتفاعل الديناميكي بين المكونات الخطابية والسردية.

 

وللتناص مع صادق حديث طويل، وهذا ليس مجاله وللأمانة العلمية يرجى قراءة بحثه الأدبي عن التناص على شبكة الألوكة العربية تحت عنوان / التناص من دواعي البيان 1و 2).

 

♦ وأخيرًا فالقصة الشاعرة جنس أدبي وليد قائم بذاته يملك طاقاتٍ واسعةً في التعبير عن التجربة الإنسانية المعاصرة التي يعدُّ انعكاسًا لها دخل الساحة الأدبية العربية من مصر المحروسة، وانتشر بسرعة فائقة، وله كتَّابه ومبدعوه ونقَّاده وعشاقه، وهو يتطوَّر بشكلٍ سريع، ودخل مرحلة التأسيس والتطوير بفضل طائفة من النقاد والكتابات النقدية التأسيسية التي تحاول أن تؤصِّله وتضعه في مكانته اللائقة في المشهد الأدبي العربي، وهو قادر أن يحتوي التجربة الروحية والفكرية للقاص العربي.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ملخص لخصائص القصة الشعرية إلى عصر الدول المتتابعة
  • خصائص القصة الشعرية في النصف الأول من القرن التاسع عشر
  • قصيدة (أبناؤنا) للشاعر خالد البيطار - مثال على القصة الشعرية الصريحة
  • قصة اللطم
  • قصة المقصورة الأخيرة في القطار لدوستويفسكي

مختارات من الشبكة

  • عيوب الفكر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جماليات المنازل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحوار في قصص القرآن الكريم: من جماليات الظاهر والمضمر في قصة فداء إسماعيل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جماليات البداية والنهاية في القصة القرآنية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جماليات النظم القرآني في قصة المراودة في سورة يوسف (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • جماليات المكان القرآني في قصة يونس - عليه السلام - (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خلق التفقد جماليات وتجليات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جماليات التعبير بالحركة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • جماليات قرآنية؛ (فصل التشابه والاختلاف)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جماليات يوم القيامة (2)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- شكرا سيادة الشاعر والباحث القدير
محمد صادق عبد العال - مصر 17-03-2023 07:05 PM

شكرا سيادة الشاعر والباحث القدير المحترم السيد عبد الصمد والذي تعب كثيرا في إخراج تلك الدراسة للنور لا سيما شبكة الألوكة الطيبة مبرَّة أهل العم والأدب ومنبر العلوم العربية
لا أستطيع أن أوفيك حقا فأنت رائع مبدع غواص في خلجات النفس الإنسانية لسان معبر عمن لا يستطيع التعبير والإعراب شرفت بتلك الدراسة بكتابكم الجميل "الشعر وما يسطرون"  تقديم محمد صادق عبدالعال
دمت مبدعا صديقي الراقي السيد عبد الصمد عضو نادي الأدب المركزي والمحاضر المركزي بقصر ثقافة المنصورة .
محمد صادق عبد العال من كٌتاب الالوكة
مصر - دمياط

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب