• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

الثورة الجزائرية في شعر المرأة المصرية

د. شاذلي عبد الغني إسماعيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/10/2016 ميلادي - 20/1/1438 هجري

الزيارات: 16133

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الثورة الجزائرية في شعر المرأة المصرية

 

كانت الثورة الجزائريَّة واحدةً من ثورات العرب الكبرى ضد المحتل، وقد انطلقَتْ هذه الثورة "في أول نوفمبر 1954م معلِنة نهاية عهد الخضوع والإذلال، ومبشِّرةً ببداية نهاية الاستعمار الفرنسي البغيض الذي خيم على الجزائر مائة وأربعًا وعشرين سنة رمادية، ذاق فيها الشَّعب الجزائري كلَّ أنواع القهر والحرمان"[1]، وقد ساند أبناءُ الوطن العربي ثورة الجزائر وشَدَا لها الشعراءُ في الأقطار العربية؛ حتى إنَّه "لا يكاد إنسان يُحصي قصائدَ الشِّعر التي كتبها الشعراء العرب في كلِّ مكان تأييدًا للثورة وإشادة بها"[2].

 

وقد جاءت قصائد الشاعرات المصريات لتعبِّر عن رؤى مشحونة بالحسِّ التضامني العميق مع أرض الجزائر وأبطالها الأباة، وشكَّل الإعجاب بالمرأة الجزائرية الملمحَ الأكثر بروزًا في تلك النصوص؛ فقد ضرَبت المرأة الجزائرية المثلَ الأعلى في الصبر والصُّمود والثَّبات، ويكفي أن نعرف "أنَّ السيدة التي كان يأتيها نبأ وفاة زوجها أو أحد أبنائها، كانت تلبس البياضَ وتزغرد فرحًا باستشهادهم، وتأتيها النِّساء الجزائريات ليهنِّئنها بأن مِن عائلتها شهيدًا، وترد عليهن السيدة: العاقبة عندكنَّ إن شاء الله، وكانت إذا سُئلت: من يَبقى لكِ؟ أجابت: اللهُ يبقى لنا"[3]، ليس هذا فحسب؛ بل إنَّ المرأة الجزائرية شاركت بنفسها في الجهاد، ومن نساء الجزائر مَن استشهدت، ومنهن من أُسرتْ وتحمَّلت في أسرها أقصى ألوان التنكيل والتعذيب.

 

هذه النفس الممتلئة بالإيمان والقوَّة كان لا بد لها أن تكون محلَّ إعجاب من الجميع، وعلى الأخص من النساء العربيات، لا سيما الشاعرات منهن؛ وها هي ذي الشاعرة "جليلة رضا" تكتب قصيدتها "إلى مجاهدة جزائرية"[4]؛ لتجسِّد من خلالها إحساسَها بالارتباط الروحيِّ العميق مع المرأة الجزائرية المجاهدة.

 

والوقفة التأمُّلية مع هذه القصيدة تَبدأ من عنوانها؛ فالشاعر "لا يختار العنوان في قصيدة أو ديوان اعتباطًا أو مصادفة، وإنما بعد تأمُّلٍ لأعماق تجربته؛ بحيث يأتي العنوان دالًّا بشكل واضح على ما أراد أن يستثيره لدى قارئه"[5]، ومن اللافت للنَّظر ذلك البعدُ الإسلامي الذي يَحمله عنوان القصيدة؛ فمن محور الاختيارات تنتقي الشاعرة كلمة "مجاهدة"، بينما تستبعد كلمات كانت شائعة في ذلك الحين؛ مثل "مناضلة، ثائرة"؛ ولعلَّ هذا الاختيار جاء تأكيدًا من الذَّات على انطلاقها في عرض أبعاد رؤيتها من خلال منظور إسلامي يجسِّد رؤيتها لطبيعة الصراع الذي أشعله المحتل، ولعله جاء متأثرًا بشعار الجهاد الذي رفعته ثورة التحرير، والذي عكس عُمق البعد الإسلامي للثورة؛ فقد كان المواطن الذي يتقدَّم للانخراط في جيش التحرير يقول: "أنا قادم للجهاد الذي كان يتسابق إليه المجاهدون الذين كانوا يبغون الجنة"، وتمَّ إطلاق اسم المجاهدين على الجنود، وأيضًا نفس اسم المجاهدين على الجريدة التي كانت تتحدَّث باسم الثورة"[6].

 

وقد قدَّمت الشاعرة رسالتها إلى المجاهدة الجزائرية في أربعة مقاطع: في المقطع الأول يتدفَّق الوجدان الديني العذب والرقراق عن طريق النداءات التي تجسد - أولًا - ارتباط الذات الشاعرة بالمرأة المجاهدة، وتضفي - ثانيًا - على تلك المرأة معانيَ روحيَّة شفيفة تفيض بالإيحاءات الدينية والوجدانية والوطنية:

أختاهُ! يا فخرَ النِّسا
ء ومنبعَ الروح النقيَّهْ
يا كَنْزَ إيمانٍ ونب
لٍ وانتفاضاتٍ حييَّهْ
يا من بعثتِ من الرُّؤَى
والوهمِ رُوح الواقعيَّهْ
أشعلتِ باللَّهبِ المُقدَّ
سِ، بالمنى، بالشاعريَّهْ
وبكلِّ معنى في الحيا
ةِ مساربَ النَّفْس الخفيَّهْ
فإليك يا عربيةَ ال
أخلاقِ من قلبي التحيَّهْ

 

إنَّ أول كلمة في النص "أختاه" جاءت لتعلِن عن نوع الرابطة التي تصِل بين الذات وبين المجاهدة الجزائرية؛ فإحساسُ الذَّات الشاعرة ورؤيتها لا ينبُعانِ فقط عن مجرَّد التعاطف مع صاحب قضية عادلة، ولا ينتجان فقط عن الإيمان بمناصرة الحريَّة والعدالة؛ بل إنَّ هناك رابطة قوية تَجمع بينهما؛ هي رابطة الأخوة؛ تلك الرابطة هي التي تغذِّي وجدان الشاعرة، ومن خلالها تستشعر معاناة أختها المجاهدة، وتقدِّر صبرها النبيل، وتتباهى بإيمانها القوي الذي جعل منها "فخر النساء ومنبع الروح النقية"، وبه صارت كنزًا يفيض باللآلئ الروحية العذبة التي تشرِق في إيمان يغمر الروح، ونبلٍ يملأ النفس.

 

وقد وصفت الشاعرة انتفاضات المرأة الجزائرية ضد المحتل بأنها "حيية" في دلالة توحي بأنَّ بطولات تلك المرأة وثوريتها لم تَجعلها تتخلَّى عن حيائها الأنثوي المسكون بالقيم والأخلاق العربية.

 

لقد استطاعت تلك المجاهدة أن تَبعث روحَ الواقعية فيما كان يعد من قَبل مجرَّدَ أوهام ورؤى خيال شاطح، فمن كان يمكنه أن يتخيَّل أن يكون للمرأة - أية امرأة - ذلك العزمُ الجريء، وتلك الروح الصامدة؟!

وقد استخدمَت الشاعرة الكلمات ذات الطَّاقات الإيحائية الرحبة، التي تجعلنا نتعايش مع الأجواء الشفيفة المعبِّرة عن نَقاء تلك المجاهدة وصفائها الروحي، انظر - مثلًا - إلى "اللهب المقدس" الذي يَبدو رمزًا للنخوة والغضب والغيرة على تراب الوطن وأهله، وانظر إلى "الشاعرية" التي تعني إحساسًا مرهفًا كارهًا لقتامة الواقع، ومصرًّا على تغييره.

 

وفي المقطع الثاني تعبِّر الشاعرة عن إحساسها بالألم نَتيجة لعدم قدرتها على المشاركة الفعلية مع الثوَّار، فتقول:

أنا من أنا؟ أنا لستُ أَمْ
لِكُ في يدي غير القلَمْ
لكنَّ لي قلبًا تمزْ
زَق بالجراح وبالألَمْ
كم من أخٍ لي في الجبا
ل بكلِّ ركن يعتصِمْ!
وهناك أحرارُ الجزا
ئر في السُّجونِ وفي الظُّلَمْ
أوّاه كم بذَلوا لأج
ل بلادهم روحًا ودمْ
ما أعظَمَ الحريةَ الشْ
شَمَّاء! ما أغلى القِيَمْ!

 

إن إحساس الشاعرة بالعجز والأسى على عدَم القدرة على المشاركة في الثورة يتبلور شعريًّا عن طريق الاستفهام عن الذات "أنا من أنا؟"، ثم الإجابة التي تؤكِّد هذا الإحساس ولا تنفيه "أنا لست أملك في يدي غير القلم"، وفي المقابل نجد ما يمكن أن تطلق عليه "الإحساس التعويضي" الذي يخفِّف من وطأة الإحساس الأول، والذي يتمثَّل في المشاركة الوجدانيَّة القوية مع إخوانها الذين يعتصم بعضُهم بأعالي الجبال، بينما يقبع بعضهم الآخر في غياهب السجون، والجميع يَبذل روحَه ودمه ثمنًا للحرية الشماء.

 

يكشف لنا المقطعُ الثالث عن رؤية شعريَّة مسكونة بالتفاؤل؛ فكل هذه الجراح ليست سوى مخاضٍ مؤلم لغدٍ مختلِف، وهكذا نجد أنفسنا أمام رؤى يقينية مسكونة بالبِشْر:

سيمدُّ يا أختي لك ال
فجرُ الطروبُ غدًا شروقَهْ
ولسوف تنفتحُ النوا
فذ في انتباهٍ مستفيقهْ
وستشربين غدًا نسي
مًا طازجًا عبر الحديقَهْ
وترين بِلَّور السما
ءِ يشف في المقل الرقيقَهْ
ولسوف تتكئين في
فرح على الشمس الطليقهْ
ولسوف يحتضن الهنا
ءُ الحلو طيفَك يا شقيقَهْ

 

إننا هنا أمام أحاسيس رومانسيَّة من تلك التي تجعل الشعراء يرون أن الطبيعة هي "المرآة التي تَنعكس على صفحاتها صورُ نفوسهم بما يعتمل داخلها من مشاعرَ وأحاسيس، وفي هذه المرآة تَبدو النفس والطبيعة شيئًا واحدًا؛ لأنَّ الشاعر يرى مظاهر الطبيعة ملونةً بما تحمله نفسه"[7].

 

وكما نرى فإن الصور والرموز ذات الإطار الرومانسي الحالم هي التي شكَّلتْ بنية المقطع؛ فالغد الذي سيتغنَّى فيه الأحرار بأهازيج النصر يأتي في صورة "الفجر الطروب"، أمَّا "النوافذ" التي ستنفتح "في انتباه مستفيقَهْ"، فيبدو أنَّها رمزٌ للحريَّة التي ستشرق على أرض الجزائر، وتأتي "الحديقة" التي ستشرب الأختُ الجزائرية عبرها نسيمًا طازجًا رمزًا للجزائر التي ستمتلئ بالخصب والجمال والعطاء، أما "بلور السماء"، فيبدو أنه رمز لدموع الفرحة التي ستشف في المقل الرقيقة - كما تقول الشاعرة - وهو يوحي ببراءة النفس ونقائها الخالص، كما يوحي - أيضًا - بتحقُّق بشارة السماء للذين جاهَدوا وضحَّوا وصبروا، وتأتي "الشمس الطليقة" رمزًا للحياة الحرَّة المضيئة التي ستحياها الجزائر بعد اندحار المحتل، ووصف الشمس بالطليقة يجعلنا نرى شمس الجزائر وهي أسيرة مقيدة في غياهب السجون مع أحرار الوطن.

 

يأتي المقطع الأخير بمثابة البرهان الذي يؤكِّد صِدق رؤية الشاعرة المستقبلية، والتي - كما رأيناها - تطلق العنان لفيضٍ من أحلام ورديَّة تتأتى في ظلال واقع يتسم بالجهامة والاربداد:

لا تحسبي هذا النَّشي
دَ إليك إغراءَ الحياهْ!
إنا شدوناه هُنا
والليلُ يسبح في دُجَاهْ
وسرى الصَّدى من قلبنا ال
باكي مهيبًا كالصَّلاهْ
فإذا القيودُ على الثَّرى
وإذا الضياءُ على الجِبَاهْ
والثورةُ الكبرى تؤج
لظًى وتقتلعُ الطُّغَاهْ
وإذا النشيدُ هناك فو
ق الشَّطِّ يحتضنُ القَنَاهْ

 

إن الشاعرة هنا تؤكِّد على أن رؤيتها تنبثق عن إدراك تاريخي لنتائج الكفاح القائم على عدالة القضية، خاصَّة في ظل وجود شعوب هي على استعداد كامل لبذلِ كل ما تتطلبه قضيتُها من تضحيات.

 

تتوارد بعض الملامح الأسلوبية التي ضمَّتها قصيدة "إلى مجاهدة جزائرية" مع قصيدة "الجزائر"[8]؛ للشاعرة "روحية القليني"، وهي تبدأ قصيدتها - أيضًا - بأسلوب الخطاب الذي يعكس إحساسًا عميقًا بقرب الذَّات الشاعرة من المخاطب:

 

أنت الشقيقةُ ملءُ قلبي روحُها
فإذا أَلمَّ السوءُ هزَّ كياني
أو آهةٌ مشبوبة صعَّدتِها
أصلتْ أحاسيسي لظى النيرانِ

وإذا عيونكِ مِن أساها أمطرت
قلبي يئنُّ للوعةِ الأَحزانِ
وإذا سعدتِ تفتَّحتْ نفسي رضًا
حالي وحالُك في الأسى سيَّانِ

عربيةٌ، قوميةٌ، وطنيةٌ
قاسيتِ ما قاسيتُ من عدوانِ
وثبتِّ للأحداث لم تَلنِ القَنَا
وثبت يا أختاه للطغيانِ

 

في هذه القطعة يهيمِن الحضور الدال لمفردة "الشقيقة" على نسيج الأبيات؛ حتى إنَّها تكاد تكون تفسيرًا إبداعيًّا رقراقًا لِما تقتضيه الكلمة من توحُّد روحي وفكري؛ فـ "الشِّق - بالكسر - نصف الشيء، والشِّق - أيضًا - التعب والمشقة، والشقيق الأخ"[9]، فما يصيب المرأةَ الجزائرية يصيب الشاعرة حتى كأنهما صارتا عضوين في جسد واحد؛ إذا اشتكى أحدهما تداعى له الآخر بالسَّهر والحمَّى، ويلقي الإحساس بروح الكلمة - الشقيقة - ظلالَه حتى على تقسيمة الجملة؛ حيث نرى الشقَّ الأول منها يقوم على تصوير الحالة المفترضة للمرأة الجزائرية، بينما يأتي الشقُّ الثاني من الجملة ليصوِّر تأثير هذه الحالة على الشاعرة؛ فإذا ألمَّ السوءُ بالمرأة الجزائرية اهتزَّ كيان الشاعرة، وإذا صعَّدت الأولى آهةً مشبوبة؛ أصلَتْ لظى النيران أحاسيس الثانية، وهكذا حتى نصل إلى التشارك المطلق؛ فأفراح المرأة الجزائرية تجعل نفسَ الشاعرة تتفتَّح رضًا وكأنَّها الزهرة التي تتفتح على نسمات الربيع، وقد كان من حقِّ المتلقي أن يتوقَّع سياقًا ممتدًّا من الرِّضا والسعادة يضارِع في مساحته السياقَ المفعم بصوَر الأسى، والذي اتَّشح بمفردات دالَّة، استطاعت بكثافتها الإيحائيَّة أن تجسِّد حالة التشارك الوجداني العميق.

 

أقول: كان من المتوقع أن يمتدَّ سياق التشارك في مشاعر السعادة لمسافة توازي السياق النقيض، لكن الشاعرة تكسر ذلك التوقع، فلا نكاد نتلمَّس ملامح لمشاعر مشرقة حتى تسقط بنا الشاعرة من عَلُ قبل أن نتجاوز نصف بيت؛ نصف بيت فقط، لا نلبث أن تعود بعده الشاعرةُ إلى أجواء الأسى المشترك! فلماذا يَفرض الأسى سطْوتَه على الأبيات؟! ولماذا تبدو إشراقة الروح وكأنها ومضة سرعان ما تنطفئ، لنجد أنفسنا أمام عبارة وكأنها قد انحرفَتْ عن السياق، أو كأنها فلتة لسان غير مقصودة قد أطلقها العقل الباطن المحاصَر بأجواء كئيبة؟!

 

هل لأنَّ المحن والأحزان هي الملمح الأكثر بروزًا والأطول عمرًا في واقعنا العربي المحاصَر بعوامل الأسى؟ ومن ثمَّ تكون الجزائر مرآة تنعكس على صفحاتها صوَر المدن العربية التي كُتب على ناسها أن يقاوِموا ويصارعوا ليتجاوزوا واقعَهم المر*؛ ربما لذلك ترى الشاعرة أنَّ القومية والعربية والوطنية هي الصِّفات التي خلفت الحقد في نفس العدو الفرنسي، أو لعلها ترى أنَّ جهاد المرأة الجزائرية إنما هو نتاج لتلك الصِّفات التي تولِّد الثباتَ والكبرياء ورفض الخنوع، ولعلنا نلاحظ أن الشاعرة تأتي بتعبير عربي تليد "لم تلن القنا"، وتختاره لتكنِّي به عن صمود المرأة الجزائرية وقوة مقاومتها، وكأنها تشير بهذا الاختيار إلى عروبة الجزائر العريقة.

 

والشاعرة "روحية القليني" واحدة من أكثر الشاعرات افتخارًا بالمرأة العربية، وتَعدادًا لقدراتها، وعرضًا لمَشاهد صمودها، وفي القصيدة التي معنا نراها تحتفي احتفاءً خاصًّا بالمناضلة الجزائرية "جميلة بوحيرد"، لكنها تؤكِّد - أولًا - على أن المقاومة الجزائرية قامت على تضحيات الطرفين: الرجل والمرأة؛ فجميلة لم تكن خروجًا عن قاعدة، أو بروزًا لغير مألوف:

بنتُ الجزائرِ قاتلَتْ مثلَ الفتى
وتذرَّعتْ بالصَّبر والإِيمانِ
وجميلةٌ مثَلُ البُطولة والفِدا
فاقت بطولتُها قوى الشُّجعانِ
لا السجنُ أرهَبَها ولا تهديدُهم
ومضت تصولُ كفارس الميْدانِ
كم عذَّبوها كي تبوحَ بسرِّها
فأبَتْ وظلَّ السِّر في الكِتْمانِ!
قالت لهم: مهما يَطُل تعذيبُكم
سرُّ البلاد أصونُه بجَنَاني
وطني أعزُّ عليَّ من رُوحي ومِن
مالي ومن هذا الحُطامِ الفاني

 

لقد كان لوقوع "جميلة بوحيرد" في الأسر ثمَّ صمودها ووقوفها أمام الطغاة بصمودٍ عربي حر - أثرُه في جعلها رمزًا للثورة الجزائرية المباركة؛ بل جعلها رمزًا للجزائر الأسيرة الرافضة والمقاوِمة للأسر، وقد اشتطَّ الجناة في تعذيب جميلة، لكنَّهم كانوا كلما اشتطوا في عمليات التعذيب لتعترف، كانت إجابتها باستمرار: "أنا جزائرية، سأكافِح من أجل بلدي، سأموت من أجل شعبي"، نقلها المحقِّقون إلى مكان آخر معصوبة العينين، وهناك جردوها من ملابسها أمام الجنود وأوصلوا التيَّار الكهربائي بكل طرف من جسدها حتى أعضائها التناسليَّة، ولكنهم فشلوا في إرغامها على الاعتراف بما يريدون... ولم يكن أمامهم إلَّا أن يكتبوا على لسانها من خيالاتهم؛ فالمهم عندهم أن تثبت التهمة أمام المحكمة العسكرية"[10].

 

وقد نقلَتِ الشاعرة تجربةَ "جميلة" عبر لغة انفعالية مشحونة بتعبيرات وكلمات لها رصيدُها العاطفي في نفس المتلقي العربي، وهكذا كان أكثر ما جذب الشاعرات المصريات للثورة الجزائرية هو جهاد المرأة التي ضربت مثالاً رائعًا في التضحية بكل غال ونفيس في سبيل إخراج المستعمر وتحرير أرض الجزائر.

 

وإذا كانت صورة الشهيد تثير في النُّفوس مشاعرَ الفخر والحماسة؛ فإن هناك صورًا لدماء أخرى تبعث الحزن والأسى وتثير مشاعرَ الحقد والكراهية والغضب على مَن قاموا بسفكها، وهي دماء الأمَّهات والأطفال الذين قُتلوا دون ذنب اللهمَّ إلَّا إذا كان حب الأوطان ذنبًا يستحق القتل، ولعلك لاحظتَ معي أنَّ الشاعرة لم تقل دم الأمهات والأطفال، وإنما قالت: "دم الأمومة والطفولة"، في اختيار يكثف من عُمق الجوانب الإيحائية للصورة، ويثريها بمجموعة من الدلالات البالغة الرهافة؛ فاغتيال الفرنسيين للأمومة إنما هو اغتيال لكلِّ مشاعر الرحمة والشفقة؛ اغتيال للحنان وللعطاء، أمَّا اغتيال الطفولة، فهو اغتيال لمعاني البراءة والصدق والنَّقاء، وكأن هؤلاء القتلة يكرهون كلَّ هذه المعاني ويعمدون إلى محوها من الحياة.

 

وإذا كانت الذَّات الشاعرة التي تتحدَّث بصوت المجاهدة الجزائرية "جميلة بوحيرد" قد عرضتْ في الأبيات السابقة صورًا لِمن فقدوا أرواحَهم، فإنها تَضعنا بعد ذلك عن طريق القسم - أيضًا - أمام صوَر لِمن بقيَتْ أرواحهم وكأنها مفتقدة، أمام صور حية للمآسي أو هي صور للمآسي الحية التي خلفها الاستعمار فوق أرض الجزائر:

بخُطا الأراملِ مثقلاتٍ بالضنى
فمضى الرجالُ وعِشن للأشجانِ
بدعاء أمِّي في دياجير الأسى
بالسُّهد قرَّح في الدجى أجفاني
بالكهل هدَّتْه المآسي بعدما
فقدَ ابنَه الباقي بيوم طعانِ



أليس كل ما مَضى يستحق الثَّبات والتضحية؟ أليس تغيير الملامح الحزينة لوَجه الجزائر الحر يستحقُّ الفداء؟! من هنا ينبثق جواب القسم:

إِن لم أفدِّ جزائري بجَوانحي
أو إن عجزتُ فلم أصدَّ الجاني
فأنا وربِّي لستُ بابنةِ مَن فدى
أرضَ الجزائرِ ثابتَ الإِيمانِ
فأبي كتابٌ للبطولةِ خالدٌ
وأنا له في المجد كالعنوانِ

 

إنها صفة موروثة إذًا؛ فحبُّ الجهاد يَنتقل من الآباء إلى الأبناء؛ فإذا كان الأب كتابًا للبطولة، فإنَّ الابن أو البنت يصير لذلك الكتاب كالعنوان، هكذا كان الحال في أرض الجزائر؛ أرض المليون شهيد.



[1] أحسن مزدور: الثورة الجزائرية في الشعر المصري المعاصر، القاهرة: مكتبة الآداب 2005م، ص 7.

[2] د. عز الدين إسماعيل: الشعر في إطار العصر الثوري، بيروت: دار القلم 1974م، ص 68.

[3] د. نبيل أحمد بلاسي: الاتجاه العربي والإسلامي ودوره في تحرير الجزائر، القاهرة: الهيئة العامة المصرية للكتاب 2006م، ص 165.

[4] ديوان "أنا والليل"، ص 19.

[5] د. طه وادي: جماليات القصيدة المعاصرة، القاهرة: دار المعارف، ط 3، 1994، ص 98.

[6] د. نبيل أحمد بلاسي: الاتجاه العربي والإسلامي ودوره في تحرير الجزائر، ص 164.

[7] د. يسري العزب: القصيدة الرومانسية في مصر 1932 - 1952، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986، ص 55.

[8] ديوان "أنغام حالمة"، ص 79.

[9] زين الدين محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي: مختار الصحاح، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والترجمة 2007، ص 299.

[*] لعله مما يوحي بذلك قول الشاعرة في القصيدة لجميلة بوحيرد:

ما أنْتِ إلَّا قطعةٌ من روحنا
معنًى وحسًّا إننا أختانِ
تَمشي على نور الإله وهديِه
لتعيدَ ما قد زال من بنيانِ
ستعيدُ مجدًا للعروبة شامخًا
يبقى على الأيام والأزمانِ
فعزائمٌ كالصخر حُفَّت بالمُنى
ستعيدُ مجد بهائك الفتَّانِ
وستطلعين على الوَرَى خلَّابةً
رغم الذي صنعَتْ يدُ العدوانِ

[10] سليمان مظهر: "جميلة بوحريد رمز المقاومة والتصدِّي"، مجلة العربي الكويتية يونيو 1997م، ص (170، 171)، وقد ذكر الكاتب الاسمَ غير الصحيح "بوحريد"، وقد عقبت "علية لمباركية نوار" على ذلك في عدد يونيو 1998 لنفس المجلة ص 8، قائلة: "إن اسم بطلتنا هو جميلة بوحيرد وليس بوحريد كما كتب في عنوان وسطور المقال، واسم أي إنسان كما لا يخفى هو جزء من هويَّته الخاصة وشخصيته، وهو أكثر من رمز أو إشارة، وإذا كان الاسم ينزل على صاحبه من السماء، كما يقول إخواننا المشارقة؛ فمن حقه أن نناديه به"؛ اهـ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الثورة الجزائرية .. معجزة الجزائر
  • نشيد الثورة الجزائرية الكبرى على الاحتلال الفرنسي

مختارات من الشبكة

  • القطاع الصحي أيام الثورة التحريرية الجزائرية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مفهوم تكنولوجيا الاتصال ووسائله(مقالة - ملفات خاصة)
  • الثورة الصناعية والعلمية(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • الثورة الرقمية(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • سر عداء الثورة الخمينية للمسجد الحرام والمسجد النبوي ودوافع حكومة إيران في خراب بيوت الله(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الثورة البيولوجية بين حكمة الشرع وجنوح العلم (عرض تقديمي)(كتاب - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)
  • موجز عن الثورة الفرنسية المعلوماتية المعاصرة(مقالة - موقع د. محمد بريش)
  • الثورة البيولوجية بين حدود الشرع وجنوح العلم(مقالة - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)
  • وعد الأمين من الثورة إلى التمكين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الثورة البيولوجية بين حكمة الشرع وجنوح العلم(مقالة - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)

 


تعليقات الزوار
2- اعتزاز وتقدير
شاذلي عبد الغني إسماعيل - مصر 29-10-2016 11:29 AM

أشكرك أختى الفاضلة، وأدعو الله عز وجل أن يبارك في الجزائر وشعبها، وأن يمتعها دائمًا بالأمن والأمان والازدهار، وأن يوحد أمتنا ويجمعنا دائمًا في الخير.

1- شكر وتقدير
أم الوفاء قوادري - الجزائر 26-10-2016 08:42 PM

موضوع جميل جدا.. يفيض بصدق المشاعر.. ويصور حقيقة ما بين المؤمنين من محبة إيمانية صادقة..
من هنا من أرض الجزائر الحرة.. نبعث إليكم بخالص الشكر.. وجميل العرفان..
وافر التقدير لكم سيدي الكريم..

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب