• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    التأويل بالحال السببي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

حياة ابن القم وملامح شخصيته

حياة ابن القم وملامح شخصيته
د. نبيل محمد رشاد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/12/2013 ميلادي - 22/2/1435 هجري

الزيارات: 6130

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ابن القُمِّ الزَّبيدي

ورسالته إلى أبي حِمْيَر اليماني

في المديح والاستعطاف

 

نُشر هذا البحثُ أولاً في مجلة كلية التربية عام (2005) في القسم الأدبي، المجلد (11)، العدد (3) من صفحة (134) إلى صفحة (250).

 

مُقَدِّمة:

يدور موضوع هذه الدراسة حول الأديب الفاطمي أبي عبدالله الحسين بن علي بن محمد بن ممويه، المعروف بـ: ابن القُمِّ الزبيدي، ورسالته في المديح والاستعطاف التي كتبها إلى السلطان أبي حِمْيَر سبأ بن أحمد الصليحي اليماني، المتوفَّى 492هـ.

 

وهو يأتي في إطار ما أبذل من جُهْدٍ في سبيل إماطة اللثام عن النصوص الأدبية العالية التي تزخر بها أمهات مصادر التاريخ والتراجم؛ رجاء وضعها في بؤرة الدرس الأدبي والنقدي[1].

 

ذلك أن الذي هداني إلى هذا الأديب ورسالته هو ابن شاكر الكتبي؛ إذ ترجم في الجزء الأول من أجزاء موسوعته "فوات الوَفَيَاتِ" لابن القُمِّ ترجمة لا تزيد على سطرين، ثم أورد بعدها نصَّ رسالته في المديح والاستعطاف التي بعث بها إلى سلطان زمانه سبأ بن أحمد الصليحي.

 

ولقد قرأتُ الرسالة فأعجبتني، ووجدتُها جديرةً ببحث مستقلٍّ؛ لأنها تدل على ثقافة كاتبها، وتعطي قارئها انطباعًا جيدًا عن فن التَّرَسُّل في اليمن في القرن الخامس الهجري.

 

ولأن المرسِل والمرسَل إليه كليهما مجهولان غيرُ معروفَيْن، ولأن نص الرسالة قد شَابَهُ كثيرٌ من الخلل والاضطراب في المصادر التاريخية التي احتفظتْ به، جاءت مباحث الدراسة على النحو التالي:

المبحث الأول: وهو بعنوان: المرسِل/ ابن القُمِّ ونِتاجه الأدبي، وفيه تحدثتُ عن حياته، وبينْتُ أن تحديد تاريخَيْ مولده ووفاته تحديدًا دقيقًا أمرٌ يَعِز على الطلب، وانتقلتُ إلى علاقته بكبار رجالات عصره فجلوتها، وأشرت إلى ما كان يتَّصِف به من محامدَ ومكارمَ، ثم فصَّلْت القول في أغراض شعره، وفي نثره ومنهجه في كتابة الرسائل الديوانية.

 

المبحث الثاني: وعنوانه: المرسَلُ إليه/ سبأ بن أحمد الصليحي ونشاطه السياسي والديني، وفيه تحدثت عن أربعة أمورٍ، هي على الترتيب: حياته وصفاته وأخلاقه، زواجه بالسيدة أروى بنت أحمد الصليحية، خلافه مع عامر بن سليمان الزواحي، جهوده في خدمة الدولة الصليحية.

 

ولقد اخترتُ هذه الأمور الأربعة للحديث عنها في هذا المبحث؛ لأنها تُفْصِح عن ملامح شخصيته، وعن المكانة السامقة التي وصل إليها في مجتمعه وبيئته وزمنِه.

 

المبحث الثالث وعنوانه: رسالة المديح والاستعطاف نصٌّ محقَّق، وفيه قمتُ بتحقيق نص الرسالة تحقيقًا تغيَّا الوصول بالنص إلى ما يُقارِب الصورة التي كان عليها بين يدي كاتبه، مع خِدْمته بضبط بنيتيه الصرفية والنحْوية ضبطًا كاملاً، ووضعتُ عليه ما يربو على عشرٍ ومائةِ هامشٍ؛ لإثبات الفروق الدقيقة بين روايات النص، وشرح غريب ألفاظه، ونسبة ما ورَد به من أبيات شعرية إلى قائليها.

 

المبحث الرابع، وكان موضوعه: التناص في رسالة المديح والاستعطاف، وترَكَّزَ الحديث فيه على دور الموروث الشعري في بناء معمار النص.

 

ولقد تعاضد المنهجان الوصفي والتحليلي في جميع ما كتبتُ في مباحث هذه الدراسة، حيث كنت أصف النص الأدبي، وأحدد أُطُرَهُ الشكلية العامة، ثم أردف ذلك بتحليل بعض أجزائه تحليلاً يتغيَّا الوقوف على ما بها من أسرار الجمال.

 

رحم الله تعالى الحافظ أبا الطاهر أحمد بن محمد بن أحمد السِّلَفِي (ت 576هـ) الذي روى هذه الرسالة الرائعة؛ فأسدى للأدب العربي يدًا لا تُنْسَى، فلقد ظلَّت تتناقلها أفواهُ مُتأدِّبةِ العربيةِ جيلاً بعد جيل في عصرَيِ الأيوبيين والمماليك، واحتفَظَ ببعض فقراتها ياقوت الحموي (ت 626هـ) في كتابه: "معجم الأدباء"، والشهاب محمود الحلبي (ت 725هـ) في كتابه: "حسن التوسل إلى صناعة التَّرَسُّل"، وأوردها بتمامها الصلاح الصفدي (ت 764هـ) في كتابه: "الوافي بالوفيات"، وابن شاكر الكتبي (ت 764هـ) في كتابه: "فوات الوفيات" نقلاً عن هذا الحافظ السكندري الجليل.

 

ولا يفوتني أن أدعوَ لأخي صاحبِ مكتبة الآداب: الأستاذ أحمد عبده علي حسن بموفور الصحة، واطراد التوفيق، وإني لَأَذكر له هنا حرصه على نشْر دراساتي في آداب الفاطميين والأيوبيين والمماليك في طبعات أنيقة فاخرة؛ فله مني خالص الشكر، وصادق الود، ونديُّ الثناء.

 

♦ ♦ ♦ ♦


الفصل الأول: المرسِلُ / ابن القُمِّ ونتاجه الأدبي

المبحث الأول: حياة ابن القُمِّ وملامح شخصيته.

 

هو أبو عبدالله الحسين بن علي بن محمد بن ممويه القُمّ[2]، أو القُمِّي الزَّبِيدِي اليمني، لا ندري متى ولد؛ لأن جُلَّ المؤرخين الذين ترجموا له لم يُحَدِّدوا تاريخ مولده[3]، والمؤرِّخ الوحيد الذي نص على هذا التاريخ هو ياقوت الحموي إذ يقول: "ولد بِزَبِيد سنة ثلاثين وخمسمائة"[4].

 

ولقد أخطأ ياقوت شاكلةَ الصواب في هذا النص؛ لأن لابن القُمِّ نصوصًا شعرية في رثاء الداعي علي بن محمد الصليحي المتوفى 459هـ[5]، ونصوصًا في مدح المُكَرَّم أحمد بن علي الصليحي المتوفى 477هـ[6]، والداعي سبأ بن أحمد الصليحي المتوفى 492هـ[7]، ونصوصًا في عتاب جيَّاش بن نجاح الحبشي المتوفى 498هـ[8]، وكلها تدلُّ على أنه كان حيًّا في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري.

 

والذي يَهدينا إليه أقدمُ تواريخ هذه النصوص أن ابن القُمِّ كان شاعرًا مرموقًا يغشى مجالس السلاطين، ويُنشِد أشعاره في تخليد مآثرهم في العقد السادس من القرن الخامس الهجريِّ، وإذا افترضنا أنه كان شابًّا في الثلاثين من عمره أو دونها بقليل وقتذاك، فإنه يترتب على ذلك احتمالُ أن يكون مولده في إحدى سنوات العقد الثالث من القرن الخامس الهجري.

 

ويقول المؤرخون: إنه قد تربى في حجر والده علي بن محمد القم الذي كان شاعرًا مُجيدًا، ووزيرًا من وزراء الأسعد بن شهاب والي زبيد من قِبَل الداعي علي بن محمد الصليحي[9]، وفي هذا إشارة إلى أن ابن القُمِّ قد نُشِّئ في الحِلْية منذ نعومة أظفاره، وتُشير الروايات التاريخية إلى أنه تأدَّب بزبيد، لكنها تضرب صفحًا عن ذكر أساتذته، ولا تشير إلى ما تلَقَّاه على أيديهم من علوم[10]، ويبدو أن والده كان معلمه الأول الذي تلقى عنه الأدب والفنون، وبه تمهَّر في اللعب بالشِّطْرَنْج على ما يشير إلى ذلك قول جيَّاش بن نجاح الذي أورده عمارة في تاريخه، قال عمارة: "قال جيَّاش: فلما أراد الله رجوع هذا الأمر إلينا[11]، وتلاعبتُ أنا والحسين الشاعر ابن القُمِّ الشِّطْرَنْج، وليس معنا إلا أبوه عليٌّ على سرير، وهو يُعلِّم ولده فقال له أبوه: إن غلبتَ الهندي[12] أوفدتك على المُكَرَّم والسيدة بارتفاع هذه السنة، ودفعت لك الوِفَادة التي يدفعونها لعامل تِهامة، وهي ألوف من الدنانير، فتراخيتُ له حتى غلبني قصدًا في التقرب إلى قلب أبيه، فطاش الحسين من الفرح، فسفه عليَّ بلسانه، فاحتملتُه لأبيه"[13].

 

ويدل هذا النص أيضًا على العديد من صفات ابن القُمِّ الإيجابية والسلبية؛ كحدة الذكاء، وشدة الطموح، والرغبة في التعلق بخدمة الصليحيين، وسرعة الانفعال، والإسراف في إظهار الابتهاج والفرح، والاستطالة على الآخرين وإفحاش القول لهم.

 

ويشير هذا النص من ناحية ثالثةٍ إلى أن ابن القُمِّ قد التحق بالخدمة في البلاط الصليحي في عهد المُكَرَّم أحمد بن علي الصليحي في أواخر عام 461هـ، وهو بالتالي يصحح ما وقع فيه الدكتور شوقي ضيف من السهوِ حين ذكر أن التحاق ابن القُمِّ بديوان الإنشاء الصليحي كان في عهد الداعي علي بن محمد مؤسس دولةِ الصليحِيِّين في اليمن[14].

 

وثَمَّةَ نصان آخران لجيَّاش بن نجاح يرويهما عمارة اليمني في تاريخه يدلان على ما يدل عليه النص السابق من ذكاء ابن القُمِّ وسفهه، ومهارته في اللعب بالشِّطْرَنْج؛ قال عمارة: "قال جيَّاش: وخرج الحسين بن علي القُمي الشاعر، وهو يومئذٍ رأس طبقة أهل زَبِيد في الشِّطْرَنْج فقال لي: يا هَنْدِي، تُحْسِنُ تلعبُ بالشِّطْرَنْج؟ فَقُلْتُ: نعم، فتلاعبنا، فغلبته، فكاد أن يسطوَ علَيَّ، ثم دخل على أبيه فقال له: غُلِبْتُ في الشِّطْرَنْج، فقال له والده: ما هنا من يغلبك إلا جياش بن نجاح، وقد مات في الهند.."[15]، وقال عمارة: "قال جيَّاش: ولقد أذكر يومًا أن عليَّ بن القم عاد يومًا من دار السلطان إلى داره وهو مغتاظ، فلما سكن غيظه قال: اصعد يا هندي حتى ألعب معك، فلما أن لعبنا جاء الحسين ابنه، فضرب عبدًا له بالسوط فنالني طرفه وأنا غافل فتعاورت"[16].

 

وألاحظ أن جميع الروايات التي ينقلها عمارة عن جياش بن نجاح تَشِي بأن ابن القُمِّ كان سفيهًا بذيئًا متطاولاً، فهل كان عمارة يهدف من وراء ذكره هذه الروايات إلى إطلاع القارئ على رأي جيَّاش في ابن القُمِّ؟ وهل كان رأي جيَّاش في ابن القُمِّ سيِّئًا إلى هذا الحد؟


أغلب الظن أن هذه الروايات لا تُفْصِحُ عن رأي جيَّاش في ابن القُمِّ بقدر ما تُصَوِّر ما كان عليه ابن القُمِّ في مرحلة الشباب من الرُّعونة والطيش، ومع هذا لا نستطيع أن ننكر ما كان بين الرجلين من خلافٍ في:

أولاً: المذهب الدينيُّ؛ حيث كان ابن القُمِّ يَتَشَيَّع للصليحيين الذين يستمدون قوتهم ونفوذهم من سلطان أئمتهم من العبيديين بالديار المصرية، وكان جيَّاش بن نجاح هو وأتباعُهُ يستمدون قوتهم ونفوذهم من دولة الخلافة السُّنِّيَّةِ العباسية في بغداد وسلطتها.

ثانيًا: التوجه القوميُّ؛ حيث كان ابن القُمِّ يرى أن الصليحِيِّين أولى من النجاحيين بحكم اليمن؛ لأن الصليحِيِّين عرب يمنيون، على حينِ أن النجاحِيِّين من الموالي والعبيد الأحباش الذين زرعتهم دولة الخلافة العباسية زرعًا في أرض اليمن، ونصَّبَتْهم حكَّامًا على أهلها دون سند من رأي صحيح، أو نقل صريح.

ثالثًا: السياسة العملية؛ لأن ابن القُمِّ كان ناقمًا على جيَّاش بن نجاح، ويروي المؤرخون أن السبب في ذلك يرجع إلى ما كان من قتل جيَّاش لقاضي قضاة اليمن الفقيه الشافعي أبي محمدٍ الحسنِ بنِ محمدِ بنِ أبي عقامةَ، فلقد كان هذا القاضي فقيهًا جليلاً وإمامًا في أنواع العلم شهير الذكر، وإليه تنسب الخطب العقامية، وله شعر فائق وترسُّلٌ رائق[17]، وكان قد وَلِيَ القضاءَ للأسعد بن شهاب والي زبيد من قبل الصليحِيِّين، وكان الأسعد يثني عليه، ويقول: "أقام الحسن عنِّي أمور الشريعة قيامًا يُؤمَنُ غيبُه، ويُحمَدُ عيبُه"[18]، وكان هذا القاضي قد تولى ما تولى من منصب القضاء بمجموعة من المؤهلات، منها: كفاءته العلمية، واستقامته وزهده، وصراحته وورعه، وكان يرى أن النجاحيين أولى بحكم اليمن من الصليحِيِّين؛ لأن النجاحيين من أهل السُّنَّةِ، والصليحِيِّين من أهلِ الشيعة، وهو الذي مهد السبيل لجيَّاشِ بن نجاح للاستيلاء على زبيد، ومع هذا كافأه جيَّاش على صنيعه بالقتل، ولقد أغضب قتلُهُ اليمنيين، وانبرى ابن القُمِّ يعبر عن الرأي العام اليمني الغاضب وأخذ يكاتب جيَّاشًا ويعاتبه، "وينقم عليه بما فعله بالحسن"[19]، ويُنْشِد في ذلك[20]:

أخطأتَ يا جيَّاشُ في قتل الحَسَنْ
فَقَأْتَ به واللهِ عينَ الزَّمَنْ

 

ويُنْشِد[21]:

تَفِرُّ إذا جرَّ المُكَرَّمُ رُمْحَهُ
وَتَشْجَعُ في من ليس يحلي ولا يمري



وأدى ذلك - بطبيعة الحال - إلى اتساع شُقَّة الخلاف بين جيَّاش وابن القُمِّ، وبمقدورنا في ضوء ما سبق أن نصف هذا الخلاف بأنه متعدد الأبعاد، ولقد كان حريًّا بالنصوص التاريخية والأدبية المتبقية من آثار الرجلين أن تكون أكثر إفصاحًا عن سوء رأي كل منهما في الآخر، لكنَّا لا يجب أن ننسى في هذا السياق ما تعرَّضتْ له آثار الرجلين من تشويه وتحريف، فلقد ألَّف جيَّاشٌ كتابًا في تاريخ زبيد اسمه "المفيد في تاريخ صنعاء وزبيد" سبَّ فيه آل أبي عقامة، فما كان منهم إلا أن بالغوا في إعدامه، يقول الجندي: "ولم يسمعوا منه بنسخة إلا اشتروها وأعدموها؛ فلذلك قلَّ وجودُه"[22]، كما تعرض شعر ابن القُمِّ في هجاء جيَّاش إلى ما تعرض له كتاب جياش من الإتلاف والمصادرة؛ لأن بني أبي عقامة كانوا "ينقمون على ابن القُمِّ، ويقولون: قتلُ صاحبِنا أهونُ علينا من قوله: لا يحلي ولا يمري"[23].

 

ولقد أثنى على ابن القُمِّ غيرُ واحد من مؤرخي اليمن، فها هو ذا عمارة اليمني يقول عنه: "وكان من علو الهمة، وسمو القدر فيما يلبسه ويمتطيه على غاية مُنِيفَة، وجملة شريفة ظريفة"[24]، ويقول عنه بهاء الدين الجندي: "ومناقب ابن القُمِّ في الفضل والأنفة على أهله في النسب والصنعة كثيرة"[25]، ويعرفه المؤرخون وكُتَّاب التراجم شاعرًا فحلاً، وكاتبًا مُجيدًا؛ يقول عمارة: "وكان شاعرًا ومترسلاً يكتب عن الحرة السيدة إلى الديار المصرية، والأقطار النازحة"[26]، ويقول ياقوت: "كان أديبًا كاتبًا شاعرًا من أفاضل اليمن المبرزين في النظم، والنثر، والكتابة"[27]، ويقول الجَنَدي: "وأما هذا حسين، فمعدود من فضلاء اليمن، ورؤساء شعرائها، وكان من المكثرين والشعراء المفلقين، وكانت له حظوة ومنزلة عند الملوك؛ لفضله وشعره"[28]، ولهذه الكثرة والجودة؛ صار شعر ابن القُمِّ طبقةً عالية يقاس بها غيرها من طبقات الشعراء؛ يقول عمارة عن قاضي صنعاء يحيى بن أحمد بن أحمد بن أبي يحيى: "وهو في الشعراء عند أهل اليمن في طبقة ابن القُمِّ"[29].

 

وعن أَمَارات تبريزه في الكتابة يقول الدكتور شوقي ضيف: "وكأن ابن القُمِّ كان استهلالاً قويًّا لأنْ تأخذ اليمن منذ عصره في العناية برسائلها الديوانية عناية يعمُّ فيها غير قليل من التنميق"[30].

 

ولقد فارق شاعر اليمن وكاتبها أبو عبدالله الحسين بن القُمِّ الحياة في أواخر القرن الخامس الهجري؛ لأنَّ أبا محمد الطيب بن عبدالله بن أحمد بَامَخْرَمَةَ قد ترجم له ضمن وَفَيَات العشرين الخامسة من المائة الخامسة[31].

 

وكما أخطأ ياقوت الحموي في تحديد تاريخ ميلاد ابن القُمِّ أخطأ -أيضًا - في تحديد تاريخ وفاته؛ حيث زعم أنه "توفي سنة إحدى وثمانين وخمسمائة"[32].

 



[1] سبق أن قدَّمتُ في هذا المجال بحثًا عن رائية جمال الدين التبريزي في واقعة مرج الصُّفَّر، نُشِر بمجلة كلية التربية جامعة عين شمس، المجلد العاشر، العدد الثالث 2004م.

[2] في السلوك في طبقات العلماء والملوك للجندي: ابن ميمون.

يراجع السلوك 1/ 259، وفي هامش رقم 3 من هذه الصفحة يقول المحقِّق: صححناه ابن ميمون؛ إذ في الأصلين غير مفهوم.

وأقول: لعل الذي كان في الأصلين ابن ممويه كما أثبتنا نقلاً عن ياقوت، وابن شاكر، والصفدي!

[3] ترجم له كلٌّ مِن:

أ- عمارة اليمني المتوفَّى 569هـ في كتابه: تاريخ اليمن، نشرة الدكتور حسين سليمان محمود في مواضع متفرقة، يراجع الصفحات 53، 60، 65، 88، 97،98، 99، 228، 229، 255، 288، 324.

ب- العماد الأصفهاني الكاتب المتوفى 597هـ في كتابه: خريدة القصر وجريدة العصر، قسم شعراء الشام، بتحقيق الدكتور شكري فيصل، يراجع 3/ 74-99.

ج- ياقوت الحموي المتوفى 626هـ في كتابه: معجم الأدباء؛ يراجع 10/ 130-147، نشرة دار الفكر بيروت.

د- بهاء الدين الجندي المتوفى 732هـ في كتابه: السلوك في طبقات العلماء والملوك، نشرة محمد بن علي بن الحسين الأكوع الحوالي في مواضع متفرِّقة، يراجع 1/ 255، 259، 260، 2/ 491.

هـ- محمد بن شاكر الكتبي المتوفى 764هـ في كتابه: الوافي بالوفَيَات، يراجع نشرة الدكتور إحسان عباس 1/ 381-388.

و- صلاح الدين الصفدي المتوفى 764هـ في كتابه: فوات الوفيات، يراجع الجزء الثالث عشر من نشرة جمعية المستشرقين الألمانية باعتناء محمد الحجيري الصفحات من 5 إلى 15.

ز- الداعي عماد الدين إدريس بن الحسن الأنف المتوفى 872هـ في كتابه: "عيون الأخبار وفنون الآثار" الجزء السابع، يراجع نشرة الدكتور أيمن فؤاد سيد، الصفحات 137، 162، 163، 174، 175.

ح- بامخرمة المتوفى 947هـ في كتابه: "قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر"، المجلد الثاني، يراجع نشرة عبدالرحمن محمد جيلان صغير 2/ 2103 وما بعدها.

ط- الدكتور شوقي ضيف في كتابه: تاريخ الأدب العربي - عصر الدول والإمارات - العراق، الجزيرة، إيران ص 147 وما بعدها، و ص215 وما بعدها.

[4]معجم الأدباء: 10/ 130.

[5] الداعي علي بن محمد الصليحي مؤسس دولة الصليحيين باليمن، وسنورد كثيرًا من أخباره في مواضع تالية من هذا البحث.

[6] هو ابن الداعي علي بن محمد الصليحي، وخليفته من بعده، وسنورد كثيرًا من أخباره في مواضع تالية من هذا البحث.

[7] هو ابن أخي الداعي علي بن محمد الصليحي، وزوج سيدة ملوك اليمن أروى الصليحية، وسنخصه بترجمة فيما بعدُ.

[8] هو زعيم دولة بني نجاح السنية في زبيد، وسنورد بعض أخباره في غضون البحث.

[9] يراجع: تاريخ اليمن لعمارة، نشرة د. حسن سليمان محمود، صفحة 53.

[10] يراجع خريدة القصر وجريدة العصر، للعماد الكاتب، قسم شعراء الشام 3/ 79، هامش رقم 5.

[11] يريد جياش أن يقول: لما أراد الله أن يعود إلينا ملك اليمن..

[12] تجدر الإشارة هنا إلى أن جيّاش بن نجاح كان قد هرب إلى الهند أوائل عام 461هـ، ومكث بها ستة أشهر ثم عاد أواخر العام نفسه إلى زبيد متخفيًا في صورة رجل هندي؛ يراجع تاريخ عمارة المسمى بتاريخ اليمن صفحة 96، وقلادة النحر في وفيات أعيان الدهر لبامخرمة 2/ 2100.

[13] تاريخ اليمن لعمارة صفحة 98، وبغية المستفيد في تاريخ مدينة زبيد لابن الدَّبْيع المتوفى 944هـ، تحقيق عبدالله محمد الحبشي صفحة 53.

[14] تاريخ الأدب العربي، عصر الدول والإمارات، الجزيرة - إيران - العراق صفحة 147.

[15] تاريخ اليمن لعمارة صفحة 97.

[16] السابق نفسه صفحة 98.

[17] السلوك في طبقات العلماء والملوك للجندي 1/ 252.

[18] السابق 1/ 254.

[19] السابق 1/ 255.

[20] السابق نفسه، والصفحة نفسها.

[21] السابق نفسه، والصفحة نفسها.

[22] السلوك في طبقات العلماء والملوك للجندي 1/ 255، وعنه يقول بامخرمة:"وهو عزيز الوجود، بل هو من قديم مفقود"، ينظر: قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر 2/ 2102.

[23] السلوك في طبقات العلماء والملوك للجندي 1/ 255.

[24] ينظر خريدة القصر وجريدة العصر للعماد الكاتب، قسم شعراء الشام 3/ 79، هامش رقم 5، والسلوك في طبقات العلماء والملوك للجندي 1/ 259.

[25] السلوك في طبقات العلماء والملوك 1/ 260.

[26] ينظر: خريدة القصر وجريدة العصر، قسم شعراء الشام 3/ 79، هامش رقم 5، والسلوك للجندي 1/ 259.

[27] معجم الأدباء 10/ 130.

[28] السلوك 1/ 258.

[29] تاريخ اليمن، صفحة 88.

[30] تاريخ الأدب العربي، عصر الدول والإمارات، الجزيرة، إيران، العراق، صفحة 209.

[31] قلادة النحر 2/ 2103.

[32] معجم الأدباء 10/ 130.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • آثار ابن القم الأدبية ومظانها
  • أغراض شعر ابن القم

مختارات من الشبكة

  • أبناء عبدالله بن عمر العدوي حياتهم وأثرهم في الحياة الاجتماعية والعلمية في المدينة المنورة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • كيف نحيا ألف حياة وحياة؟(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • ابن القم الزبيدي ورسالته إلى أبي حمير اليماني في المديح والاستعطاف (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من سلسلة أحاديث رمضان حديث: يا معشر قريش، احفظوني في أصحابي وأبنائهم وأبناء أبنائهم(مقالة - ملفات خاصة)
  • ابن النجار وابنه تقي الدين ابن النجار(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ابن بطة الأب وابن بطة الابن(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من تراجم المنشئين: الخوارزمي - ابن العميد - ابن عبد ربه - ابن المعتز - الجاحظ - الحسن بن وهب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الأثبات في مخطوطات الأئمة: شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والحافظ ابن رجب (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الأثبات في مخطوطات الأئمة: شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والحافظ ابن رجب (WORD)(كتاب - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • والحياة حياة (قصيدة عمودية)(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب