• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    التأويل بالحال السببي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (10/5)

د. عيد محمد شبايك

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/1/2011 ميلادي - 10/2/1432 هجري

الزيارات: 16978

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

النص ومسؤولية التلقِّي في النقد العربي:

بعد القفزة النوعية للدراسات الأدبية والنقدية، صار من الضروري طرح إشكالية علاقة المتلقِّي بالنصِّ الأدبي، على أساس أن الحوار بين المتلقِّي والنتاج الأدبي... هو المجال الحقيقي للنقد الأدبي[1]، وهذا منذ أن بدأ النقد مجرَّد ملاحظات تتَّسم بالسطحية والارتجالية والذاتية، وربما تدخَّلت فيه العاطفة بالتحيز.

 

إن الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن البُعْدَ الجمالي للإبداع الأدبي يتوقَّف على مدى قدرة المتلقِّي في فهم واستيعاب العمل الذي بين يديه، هكذا إذًا تتغيَّر النظرة إلى المتلقِّي، فبعدما كان يُنظر إليه على أنه مُتلقٍّ وكفى، ودوره في الكشف عن (البعد الجمالي) للإبداع الأدبي محدود جدًّا، أصبح في الدراسات الحديثة ركنًا أساسيًّا في المعادلة الإبداعية إلى حدِّ الإيمان أن الكتابة الأدبية لا تكتسِبُ بُعْدَها الحقيقي - بوصفها خطابًا فكريًّا وجماليًّا - إلا بمشاركة المتلقِّي في كل جيل وفي كل عصر.


وعلى هذا الأساس فإن المدرسة الحديثة تركِّز على (جماليات التلقي)[2]، وفيها تحوَّل الاهتمام من المبدِع إلى المتلقِّي؛ أي: من فكرة الإبداع إلى فكرة التأويل، أو ما يسمى بالأجنبية: Hermeneutique، وبهذا فإن فكرة جماليات التلقِّي الألمانية جاءت كبديلٍ للمدرسة الماركسية التي تَعتبر نصوصَ الأدب مجرَّد مرآة عاكسة للواقع الاجتماعي، وبخاصَّة للصراع الطبقي، الذي ينبغي للمبدِع أن يُسخِّر فكْره وقلمه لرصده والدفاع عنه، وكبديلٍ كذلك للمدرسة الشكلية التي تنظر إلى النص الأدبي باعتباره نظامًا مغلقًا يتطلَّب فهمُه طرحَ كلِّ العناصر الخارجية عنه.

 

وفي مقابل هاتين المدرستين، فإن منظِّري المدرسة الحديثة - وبخاصَّة الألمانية - يعدُّون الأدب نشاطًا تبليغيًّا؛ وعليه فإن قيمة العمل الأدبي مرهونة بشكل كبير بمدى قدرة المتلقِّين على الاقتراب منه، ثم اكتشاف ما به من درر كامنة، وقِيَم فنية، وأبعاد جمالية، تتعدَّى في كثيرٍ من الأحيان العمل الأدبي نفسه لتتَّصل بالمتلقِّي، بخياله وميوله، وتكوينه وفكره، وبالأدوات التي تُعِينه على قراءة النص قراءة جيدة.

 

ويعنينا من أركان هذه الظاهرة المتلقِّي/ المتمرِّس الإيجابي؛ لأنه أقدر بما يملكه من قدرات، على إدراك مقاصد النص، والوقوف على ما لا يقدر أن يقف عليه غيره، وربما حتى مبدِعه.

 

وبالإضافة إلى هذا، فإن التعامل مع القارئ ينبغي ألا يُنظَر إليه كعنصر خارج اللغة؛ وإنما كمكوِّن أساسي داخل النص، وبذلك تصير القراءة إعادة لكتابة النص، تقوم على ممارسات ثقافية لها تأثيرٌ في الحقل الاجتماعي، وبذلك تصبح العلاقة علاقة تبادلية من النص إلى القارئ، ومن القارئ إلى النص؛ ذلك أن استلهام الإبداع - كما يرى طه حسين - هو جهد مشترك يجب أن يحمل عبأه المنتِجُ والمستهلِك"[3]، فإذا ما أُرِيد للعملية الإبداعية أن تُحقِّق مقاصدها الحقيقية، فإنه ينبغي وضع هذا المتلقِّي في المكانة التي هو أهلٌ لها؛ لكونه عاملاً أساسيًّا في إبداع النص، وعلى حدِّ تعبير بعض النقَّاد المحدَثين فإن المتلقِّي مبدِع ثانٍ؛ أي: إنه مبدع للنص بقراءته وتذوُّقه وتأمُّله، وكأن للنصِّ فاعلَين (مبدعَين)... الأوَّل تنتهي فاعليته بمجرَّد تصديره نصه، وابتعاده عنه، والثاني تتحدَّد فعاليته في أثناءِ كلِّ مقاربةِ قراءةٍ وبعدها[4]، وكان المتلقِّي بهذا التصوُّر هو البطلَ الحقيقي الذي يقتحم عالم النص ويواجه سلطته.

 

إن إقدام المبدِع على الكتابة إنما القصد منه تبليغ رسالة أو خطاب إلى غيره لا إلى نفسه؛ لذلك فإن صورة الآخَر (المتلقي) لا ينبغي أن تُفارِق فكر الكاتب في كلِّ أطوار العملية الإبداعية قبل الكتابة وفي أثنائها؛ لأن بداخل المبدِع أو المنشِئ متلقيًا  حاضرًا، وناقدًا ماثلاً داخل عقله، يوجِّهه إلى سلامة الإنشاء وفن القول، وهذا ما يعرف بـ(المتلقي الضمني) الذي تحدَّثنا عنه، ومن ثَمَّ فإن إستراتيجية الكتابة تضبط بالنظر إلى ثقافته، ورغباته وأحاسيسه، وخبراته وميوله، وأفق توقعه.

 

من هنا يصبح العمل الأدبي مجالَ حوارٍ واتصالٍ بين المبدِع والمتلقِّي الضمني، حتى وإن كان وجود هذا الأخير وجودًا افتراضيًّا ساعة المخاض والكتابة؛ ليتحوَّل إلى وجود حقيقي ممثلاً في (المتلقي الصريح/ الخارجي) بعد الانتهاء من الكتابة؛ أي: بعد الولادة؛ لأجل هذا فإن الأدب الحق هو الذي يتمخَّض عن ولادة عسيرة، يصبح فيها الآخَر طرفًا يستحيل الاستغناء عنه، فذات الكاتب ممثَّلة في إبداعه لا تتحدَّد معالمها إلا بعد إدراك خصوصية الآخر، وفهم شخصيته وطريقة تفكيره.

 

إن إدراك ذات الآخر تسمح للكاتب بالتموقع وضبط إستراتيجياته وَفْقَ الهدف الذي يُسطره الكاتب لنفسه، ورغبته في ربط الاتصال بالمتلقِّي.

 

إن قول الجاحظ: "مدار الأمر على البيان والتبَيُّن... والمُفهم لك والمتفهم عنك شريكان في الفضل"، يدلُّ على إدراك الجاحظ لظاهرة التلقِّي ووعيِه بها، كما يدلُّ على أن عملية التلقِّي لها جذورٌ في التراث النقدي العربي، وأن النص الأدبي محوري/ حواري في علاقته بالقارئ؛ لذلك يقول عبدالقاهر: "إن الناس إنما يكلِّم بعضُهم بعضًا؛ ليعرف السامعُ غرضَ المتكلم ومقصودَه، فينبغي أن يُنظَر إلى مقصود المُخبِر من خبره ما هو؟ أهو أن يُعْلِمَ السامعَ وجودَ المخبَر به من المُخبَر عنه؟ أم أن يُعلمَه إثباتَ المعنى المخبَرِ به للمخبَرِ عنه؟ فإن قيل: إن المقصودَ إعلامُه السامعَ وجودَ المعنى من المُخبَرِ عنه، فإذا قال: (ضرب زيدٌ) كان مقصودُه أن يُعلِمَ السامعَ وجودَ الضرب من زيد، وليس الإثباتُ إلاَّ إعلامَه السامعَ وجودَ المعنى"[5].

 

ويؤكِّد ذلك - دورَ المتلقِّي - قولُ حازم: "يجب أن يُمالَ بالقول إلى القسم الذي هو أشْبَهُ بحالِ مَنْ قُصِد بالقول وصُنِعَ له... وإن لم يقصد به قصد إنسان، فليقتصر به على ذكر الأحوال السارَّة المستطابة والشاجية، فإن أحوالَ جمهور الناس والمتفرِّغين لسماعِ الكلام حائمةٌ حولَ ما ينعم أو يشجو"[6].

 

إن حقيقة العمل الأدبي لا توجد "إلا حين يتواصَل القارئ بالنص، ولا يتحقَّق مفهوم النص إلا من خلال القارئ الذي يُعِيد تشكيله من جديد وهو على وعيٍ بأنه واقع خيالي جمالي..."[7].

 

إن العمل الأدبي خطاب موجَّه من منتِج/ مبدِع إلى متلقٍّ هو الآخَر مبدِع؛ لأنه في غالب الأحيان يجتهد في فهم الخطاب كما يراه هو، أو كما يفهمه، لا كما أراده منتِجه؛ لأجل هذه الخاصية ارتبط الأدب بمصطلح (التأويل)... وهذا يعني أن الأدب بحاجة إلى خيال القارئ لكي يُثمِر.

 

وعليه، فإن كلَّ خطاب أدبي يتكوَّن من جانبين: "ما يرويه المنتِج ويقوله، وما يدركه المتلقِّي"[8] وفق خصوصياته، وغني عن القول أن عملية إدراك الأشياء تخضَع لمعطيات عِدَّة؛ كظروف المتلقِّي، وحالته النفسية، وثقافته، وميوله، وأحاسيسه... إلخ.

 

وفي إطار هذا السياق نفسه يرى فولفجانج - وهو من أقطاب نظريات التلقِّي - أن الغنى والجمال قطبان يرمز كلٌّ منهما إلى أحدِ قطبَي الممارسة الأدبية، فعنده أن: "القطب الفني هو النص الفعلي أو الموضوعي الذي أبدعه الكاتب أو الفنان، أمَّا البعد أو القطب الجمالي فهو القطب المدرَك، أو عملية التحقُّق أو الإدراك أو الخبرة التي تتحقَّق للقارئ أو المشاهِد أو المستمِع من خلاله"[9].

 

ومن جهةٍ أخرى يركز هيغل على مبدأ امتداد الفن إلى الآخر، فيقول: "مهما حاوَل العمل الفني أن يبني عالمًا متماسِكًا وقائمًا من تلقاء نفسه، فإنه - بصفته موضوعًا واقعيًّا - لا يوجد لذاته، بل يوجد لنا نحن؛ أي: من أجل جمهور يتأمَّله وينشئ به علم الجمال"[10].

 

الفكرة نفسها تجدها عند سارتر في كتابه "ما الأدب؟"، وفيها يؤكِّد هو الآخر على العلاقة الجدَلية بين الكتابة والقراءة في الممارسة الأدبية، على أساس أن أيَّ كاتب لا يمكنه أن يتجاهَل الفجوة بين تكوُّن النص وقراءته، واعتبارًا لهذه العلاقة التكاملية التي يتوقَّف عليها وجود الأدب يقول سارتر: "لا يمكنني أن أكتشف وأنتج في آنٍ واحد، فالإبداع يستهدف ما ليس جوهريًّا بالنسبة للنشاط الإبداعي، إن الموضوع المبدع (النص المنجَز) حتى ولو ظهر للآخرين نهائيًّا، يبدو لنا موقوف التنفيذ باستمرار، فباستطاعتنا دائمًا أن نغيِّر هذا السطر، أو هذا اللون، أو هذه الكلمة، فهو لا يفرض نفسه أبدًا... إن النص المنتج منفلت من الذات المنتجة التي لا تتحقَّق أبدًا من شكله النهائي[11]، فإدراكه من حيث هو موضوع يتطلَّب نظر الآخر إليه؛ أي: نظر القارئ، ولهذا السبب يضطرُّ الكاتب إلى التوقُّف ليتمكَّن من القراءة، فالفجوة بين الإنتاج والمادة المنتجة تحول دون إمكانية الكتابة والقراءة في آنٍ واحد، فلو كان الكاتب يكتب لنفسه فقط، لما أمكن للنص أن يوجد بما هو موضوع.

 

إن عملية الكتابة تفرض عملية القراءة باعتبارها ملازمة جدليًّا لها... فالعلاقة التكاملية بين المبدِع والمتلقِّي هي التي تمنح الحياة للنص بما هو موضوع واقعي ومتخيل أنتجه العقل، فلا فن إلا من أجل الآخر وبواسطة الآخر"[12]، وهذا الآخر هو الذي يضمن للنص السيرورة والديمومة وأحقيته بالاحترام.

 

لقد آثَرْنا نقل هذا النصِّ على طوله؛ لنؤكد مرَّة أخرى تلك العلاقة الحميمة والتكاملية بين الكتابة والقراءة، ولنخلص إلى القول بعدم وجود نص بدون قارئ، ولا قارئ بدون نص[13]، وهذا لن يتأتَّى إلاَّ إذا جاء الخطاب في ثوب مميز قادر على شدِّ انتباه القارئ والتأثير فيه، إن تأكيدنا على نوعية الخطاب الأدبي الجامع بين الوظيفة الإيصالية (التبليغية) والوظيفة الفنية الجمالية، يبرِّره وجود نصوص لا يتعدَّى وجودها الورق الذي كُتِبت عليه والكاتب الذي أنتجها، مما يعني فصلها عن القطب الثاني للممارسة الأدبية، ألا وهو المتلقِّي الخارجي، ومثل هذه النصوص يمكن أن يعبَّر عنها بـ(المولود الميت)، ما دامت حياة النص لم تتجاوَز اللحظة التي انتهى المؤلف فيها من كتابته[14].

 

أمَّا النص الحقيقي (المولود الحي)، فإن بداية حياته الحقيقية بعد الانتهاء من كتابته؛ أي: ببداية تعاور القرَّاء له؛ يعني: بداية القراءة أو القراءات المحتملة له، وما يمكن أن يتمخض عنها من ردود أفعال المتلقِّين؛ لأنها البارومتر الذي تُقَاس به عظمة الأعمال الأدبية وقيمتها الفنية والجمالية؛ لذلك فإن الوجود الحقيقي للعمل الأدبي ونوعيَّته يتوقَّفان على نوعية العلاقة بين المؤلف والمتلقِّي.

 

ثم إن الشيء اللافت للانتباه في نصِّ سارتر السابق الذكر، يتمثَّل في إيمانه باستحالة الكتابة والقراءة في آنٍ واحد، مما يعني أن القارئ المنشود/ المستهدف ليس هو الكاتب، بل هو غيره من القرَّاء، الذين بإمكانهم تحقيق التوازن للظاهرة الأدبية، وبخاصة في طرفيها المتفاعلين: النص، والمتلقِّي.

 

إن النص منذور لأن يقول، ولكنه لا يقول إلا بمشيئة كائن مدرِك، يطلق الكلام من قيد العلامات، ويستخرج المعاني من منجم الألفاظ، والنص يرشح بعلامات منصوبة تشي بجماله، ولكن الجمال لا ينقدح ولا يفعل فعله إلا إذا احتضنه المتلقِّي الصريح/ المتلقِّي الواقع خارج النص، وهو كائنٌ له في التاريخ والمجتمع وجود، ومع الأقاويل الأدبية على اختلافها تجارب، وفي النصوص آراء[15]، ولعلَّ أهمية هذا المفهوم عائدة إلى أن النص يحتاج إلى شاهدٍ من خارجه عمَّا يمكن أن يكون له من وَقْعٍ في وجدان الجمهور.

 

إن الحديث عن جمالية الإبداع الأدبي يُقابِله حتمًا الحديث عن جمالية التلقِّي، وهذا يعني أن القصيدة/ النص الأدبي "عملية إبداع جمالي من مُنشِئه، وهو عملية تذوق جمالي من المتلقِّي"[16].

 

وفي هذا السياق يقول هانس روبرت ياوس: "إن تاريخ الأدب عملية متوالية من التلقِّي والإنتاج الجماليَّين، عملية تتحقَّق في تحيين النصوص الأدبية من طرف القارئ الذي يقرأ، والناقد الذي يتأمَّل، والكاتب نفسه الذي يُدفع بدوره إلى الكتابة"[17].

 

وما دام التركيز مُنصَبًّا على القراءة أو التلقِّي، فإنه بالإمكان القول: إن علاقة المتلقِّي بالنص الأدبي ينبغي أن تُضاهِي علاقة المبدِع بالنص من حيث الجهد والمعاناة، وبناء على هذا فإن القراءة الأدبية الحقَّة أو المثقَّفة معاناة تتطلَّب عُدَّة نوعية، وزادًا معرفيًّا يمكِّنان القارئ من فكِّ رموز النص وحلِّ شفراته، فالقارئ المقتدِر هو الذي يزيد النص غنًى على غناه، فيتحوَّل من مجرَّد مستهلِك إلى متلقٍّ منتِج قادر على إعادة تشكيله، وقراءة الوجه الغائب من الوجه الحاضر، وكتابته وفق خصوصياته.

 

تعدد القراءات والتأويل:

إن القراءة الأدبية المنتِجة تتطلَّب من القارئ أن يكون واعيًا، مقتدرًا، خبيرًا، مزوَّدًا بأدوات ووسائل تتناسَب مع النص المقروء، إنها على حدِّ تعبير بعض النقَّاد المحدَثين "القراءة الأدبية المتكاملة"، التي "تفرض على القارئ - خلاف غيره - أن ينظر إلى النص بكلِّ العيون لا بعينٍ واحدة، وأن يتحسَّس النص بكلِّ الحواس لا بحاسَّة واحدة، المهمُّ في كلِّ هذا أن القراءة تبصر بعيونها عيون النص، وتدرك بوعيها وعي النص، والأهم أن هذه القراءة تقرأ النص بعيونه، وتتعمَّق ما تخفيه هاتيك العيون من أسرار وسرائر لا يعرف قيمتها إلا مَن يُكابِد شوق الوصول إليه"[18].

 

واعتبارًا بما تقدَّم، فإن جمالية النص وقيمته تتوقَّفان - إلى حدٍّ بعيد - على قدرة المتلقِّي في إنتاج (معنى المعنى) بتعبير عبدالقاهر[19]، أو (المعاني الثواني) بتعبير حازم، أو ربما هي المعاني التي لم تخطر ببال المؤلف، أقول هذا لأن هناك من النصوص نصوصًا ربما ينكشف لك معناها من أوَّل قراءة - وهذه ليست المعنيَّة - ونصوصًا تستعصي على مَن ليس له حسٌّ جمالي أو مخزونٌ كافٍ من الخبرة الجمالية، فتدفعك إلى إعادة القراءة، وتكرار المحاولة؛ حتى تجود لك بأسرارها.

 

وجملة الأمر في هذا أن القراءة الأدبية قراءةٌ من نوع خاص؛ لأنها ترتبط بما يمكن أن يُصطلح على تسميته بـ(التأويل)؛ أي: إن النص الأدبي الواحد قليل لقراءات متعدِّدة، ليس فقط من طرف متلقِّين متعدِّدين ولكن من طرف متلقٍّ واحد في ظروف استقبال مختلفة، وبهذا يصبح التأويل مرادفًا لتعدُّد المعاني، أو تعدُّد القراءات.



[1] العمري محمد: "البلاغة العربية: أصولها وامتداداتها: إفريقيا الشرق"، بيروت، لبنان، 1999م، صـ 67.

[2] تُعَدُّ المدرسة الألمانية - وعلى رأسها هانس روبر ياوس - أول مَن اشتغل في التحليل والتنظير الأدبيين القائمين على إبراز دور المتلقِّي في العملية الأدبية، ينظر: مقدمة "نظرية التلقي"؛ تر/ عز الدين إسماعيل، ومقدمة "الخطاب والقارئ"؛ تر/ حامد أبو أحمد.

[3] طه حسين، "خصام ونقد": صـ 23، وينظر: سعود عبدالجابر: (النص الأدبي والمتلقي)، "مجلة الفكر العربي"، عدد 89، 1997، صـ 9.

[4] محمد راتب الحلاق: (الإجراء النقدي في كتاب النص والممانعة)، "مجلة الموقف الأدبي"، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، عدد 354، صـ 7، (بتصرف كبير من جانبنا).

[5] عبدالقاهر الجرجاني: "دلائل الإعجاز": صـ 530.

[6] "منهاج البلغاء": صـ 357.

[7] صلاح فضل: "بلاغة الخطاب وعلم النص"، مؤسسة المختار، القاهرة، ط4، 1992، صـ 10.

[8] الجابري محمد العابد: "الخطاب العربي المعاصر"، مركز دراسات الوحدة العربية، دار الطليعة، بيروت، ط4، صـ 10.

[9] شاكر عبدالحميد: "التفضيل الجمالي"، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد 367، مارس 2001، صـ 323.

[10] هانس روبرت ياوس: "الإنتاج والتلقي: أسطورة الأخوين العدوين"؛ ت: رشيد بن حدو، "مجلة نوافذ" المملكة العربية السعودية، عدد 5، مارس 2001، صـ 49.

[11] سارتر: "ما الأدب؟ ": صـ، 40، وينظر: "جمالية التلقي": صـ 88.

[12] "ما الأدب": صـ 93، وينظر: "جمالية التلقي": صـ 88، الفصل الثاني بعنوان: (الإنتاج والتلقي: أسطورة الأخوين العدوين)؛ ت: رشيد بن حدو، وينظر: "مجلة نوافذ" المملكة العربية السعودية، عدد 5، مارس 2001، صـ 53.

[13] إن معنى الوجود ها هنا لا يعني الوجود المادي الملموس، بقدر ما يعني الوجود النوعي الدال على تجاوب المتلقي مع المبدع.

[14] د/ نعمان بوقرة، بحث بعنوان (ثورة النص ونظريات القراءة) ضمن بحوث المؤتمر الثاني بجامعة إربد بالأردن: صـ 4.

[15] "جمالية الألفة": صـ 53.

[16] (كيف نتذوق قصيدة)، مقال للغذاني، م فصول، ع4، 1984م.

[17] محمد العمري: "البلاغة العربية أصولها وامتداداتها": صـ 67.

[18] قاسم المومني: نحو تأسيس مفهوم معاصر لقراءة النص الأدبي، صـ 82.

[19] يذهب الغذامي إلى أن مقولة عبدالقاهر عن المعنى ومعنى المعنى هي تمييز بين المعنى في اللغة والدلالة في الأدب، فالمعنى على هذا هو المعنى اللغوي، ومعنى المعنى هو الدلالة النصوصية، وحسبما نفهم من عبدالقاهر أن معنى المعنى هو المستوى الثاني للمعنى، ويسميه (دلالة ثانية) فهو معنى (دلالة) أفضى بنا إلى المعنى الأول المفهوم من اللفظ وحده، ("عالم الفكر"، ع2، م32، أكتوبر - ديسمبر /2003 صـ 281.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (1/ 10)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (2/ 10)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (3/ 10)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (4/ 10)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (8/ 10)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (10/9)

مختارات من الشبكة

  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (10/10)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (7/ 10)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (6/ 10)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دور الإعراب في تنبيه المتلقي إلى الخطاب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الحضارات المجاورة لبلاد العرب عند ظهور الإسلام(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • خاتمة ونتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل في تاريخ الإسلام(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • أثر ظهور أول تسجيل للقرآن الكريم في تاريخ الإسلام(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • ظهور المنكر بين الناس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة ظهور أول تسجيل صوتي لبعض سور القرآن الكريم(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب