• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

التراث والنبراس (2) وما زال العرض مستمرا

التراث والنبراس (2) وما زال العرض مستمرا
محمد صادق عبدالعال

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/1/2021 ميلادي - 20/5/1442 هجري

الزيارات: 4367

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التراث والنبراس (2)

وما زال العرض مستمرًّا

 

♦ واستكمالًا لِما أردفناه من آراء واجتهادات بشأن الضاد المُتآمِر عليها كثيرٌ ممن ليسوا من بني عروبتنا، ناهيك عن آخرين ينطقون العربية تدعم أقلامهم تلك المجانبة، وتلتمس للآخر فرصَ تدبيرِ المؤامرة الكبرى لمحوِ هُوِيَّةِ العروبة، وقدسية العربية السامية بسموِّ القرآن العظيم، ولقد وقفنا في المقال الأول من "التراث والنبراس"، وإشكالية الضاد عند المنصف أ/ عبدالرازق البصير؛ حيث دحض فِرْيَةَ القول بأن تداخُلَ الثقافات قد زَوَتِ اللغة العربية إلى حيث لم تَعُدْ مقبولة ولا مواكبة؛ فقال: "وتتبع كثيرٌ من العلماء والمفسرين لتلك الكلمات – يعني: السندس والإستبرق - وأعادوا كل واحد منها إلى أصله، ونذكر منهم (أبو المنصور الجواليقي) مؤلف كتاب (المعرب)، والسيوطي مؤلف كتاب (المهذب) فيما في القرآن من المعرب، كما نجد قبل الإسلام مفردات أجنبية في شعر حسان بن ثابت، والأعشى، والمنخل، واليشكري، وعدي بن زيد العبادي"، ولا ننسى الأعلى من ذلك الإمام جلال الدين السيوطي حين أحصى - كما ذكرنا - أن أكثر من مائة ونيف كلمة في القرآن الكريم من لغات مختلفة.

 

ويرى الكاتب المنصف في طيات سطوره أن اللغة كسائر الكائنات الحية لا يمكن أن ترتقيَ وحدها، وإنما ترتقي حين يُعنَى بها أصحابها، فيبذلون في سبيلها ما ينبغي من جهد وطاقة، وهذا البذل لا يمكن أن يقوم به إلا العلماء الذين يعرفون ما تعنيه اللغة من مكانة؛ فهي في الواقع ركن من أركان حياة الأمة؛ لكونها المرآة التي ينعكس عليها ما توصَّل إليه أفرادها من مستوًى اجتماعي وثقافي وحضاري.

 

د/ أحمد أمين رحمه الله يتحدث عن العربية:

وتحت معنونةٍ مشرقة للكاتب ينقل فيها نصًّا عن المرحوم الدكتور "أحمد أمين" يتحدث عن لغتنا الجميلة فيقول: "في الحق أن اللغة العربية أرقى اللغات السامية، كما يقرر دارسو تلك اللغات، فلا تُعادِلها اللغة الآرامية ولا العبرية ولا غيرها من هذا الفرع السامي، وهي كذلك من أرقى لغات العالم، فهي تمتاز عن اللغات الآرِيَّةِ بكثرة مرونتها وسعة اشتقاقها، فإذا قِيس ما اشتُقَّ من كلمة عربية من صيغ متعددة لكل صيغة دلالة على معنًى خاصٍّ بما يقابلها من كلمة إفرنجية وما يشتق منها - كانت اللغة العربية غالبًا أوفر وأغنى"؛ [ضحى الإسلام، ج: 1، ص: 289][1].

 

طيب الله ثراك أيها المنصف الرائع إذ قلت في حق اللغة العربية ما يدحض أقوال المستغربين أصحاب القبعات الغربية، والتي ترى أن في التمسك باللغة العربية رجعيةً ورِدَّةً لزمن الضعف، ولو أنهم قرؤوا ما تمتاز به العربية من روعة في فصاحتها، لخرُّوا سُجَّدًا لله الذي حدثهم بها قرآنًا، وما أريد أن أغادر صفحات هذا المقال الطيب إذ أراه مغيثًا وسندًا يقابل هؤلاء المرجفين في السامية الراقية؛ لغة الضاد.

 

وبإطلالة على باقي سطور المقال، يتعرض الكاتب لواجهة تاريخية لشخوص كان لها بالغ الأثر في الحفاظ على هوية اللغة العربية؛ منهم - على سبيل الذكر لا الحصر - الأصمعي وأبو زيد الأنصاري والكسائي، وغيرهم من العلماء الذين بذلوا ما يملكون من جهد في التوجه إلى منابع اللغة؛ ليجمعوا أشتاتها من تلك المنابع، حتى قيل عن الكسائي أنه أنفق خمس عشرة قنينة حبر في الكتابة عن العرب سوى ما حفظه، وقيل عن أبي عمرو بن العلاء بأن كُتُبَهُ عن العرب الفصحاء قد ملأت بيتًا إلى قريب من السقف، ويُتوَّج ذلك الذكر التاريخي المشرف بما أردفه د/ أحمد أمين رحمه الله في توضيح السبب الرئيس للعناية الشديدة باللغة العربية إلى سببين؛ هما كما ذكر:

الأمر الأول: العربي يعتز بلغته كل الاعتزاز لاعتقاده أنها أفضل لغات العالم، كما نجد ذلك في بعض ما قاله الجاحظ، ثم ازداد هذا الاعتزاز بعد نزول القرآن الكريم، وانتشار لغة العرب بين الكثير من الأمم.

 

الأمر الثاني: شيوع اللحن الشديد بين الناس لكثرة امتزاج العرب بغيرهم من الأمم، ومصاهرتهم الأجانب؛ فكان الأشراف يأخذون أبناءهم إلى البادية لتعلُّمِ الفصاحة، واستدل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا أفصح العرب، بيد أني من قريش، وإني نشأت في بني سعد بن بكر))؛ [السيوطي، المزهر، ج: 1].

 

ويتفق مع أ/ عبدالرازق البصير أديب من أدباء القرن الماضي؛ ألا وهو: الأديب المعاصر/ محمد الإدريسي؛ وهو أكاديمي دارس لتاريخ الأدب والعربية، كتب بعدد مجلة العربي (709) مقاله المسمى بـ"مستقبل لغة الضاد" مجتمع المعرفة ورهان لغة الضاد، ليكتب إقرارًا بشهادة حق حاول الكثير من مرضى القلوب، وضِعاف الثقافة أن ينشروها للتشهير بالعربية كلغة سامية عالية مجيدة على أنها لم تعد مواكبة، وأنها من دواعي عرقلة حركات النهضة، ويصفون من يقتفيها بالملتصق بلغة العصور الوسطى، فيقر الإدريسي أعزه الله قائلًا:

"العربي يحب لغته لدرجة التقديس، ويعتبرها السلطة التي لها عليه تأثير، ليس فقط عن قوتها، بل عن قوته أيضًا، ولذلك يظل البحث في المسألة اللغوية من هذا المنظور بحثًا في علاقة اللغة بالإنسان، وهو بحث في أصول الفكر، ومرجعيات المفكرين"، صدقتَ والله أستاذنا الإدريسي، وكثَّر الله من أمثالك، وأمثال أستاذنا عبدالرازق البصير بما قلتما، وسجلتما من شهادة حق في حق لغة الضاد السامية العالية.

 

ملوك بني مروان سَدَنَةٌ للحرف المصون:

وعودة لعبدالرازق البصير حين عرَّج بمركبة الزمن لعهد الخلافة، فيذكر تحذير عبدالملك بن مروان لأبنائه من اللحْنِ، فيقول لهم: "إن اللحن في منطق الشريف أقبح من الجدري في الوجه، والشق في الثوب النفيس"؛ [الجاحظ، البيان، ج: 2، والمعجم العربي، ص: 25]، وينقل عنه ما قيل له ذات مرة من أحد المقربين: لقد أسرع الشيب إليك يا أمير المؤمنين! فقال: "شيبني صعود المنابر والخوف من اللحن"، وإن كان كتاب "عثرات الأقلام" الصادر عن شبكة الألوكة إليكترونيًّا قد أرجع المقالة إلى مسلمة بن عبدالملك، فالحاصل واحد، فالحكمة في دار الأمويين.

 

ثم يروي لنا بيت شعر ما أروعه! ليته نما لصدورنا كما ينمو إليها حب الفرنجة، ونظرة التحرر والتنصُّل مما هو أصيل، فيقول نقلًا عن أبي الطيب المتنبي:

وإنما الناس بالملوك وما *** تفلح عُربٌ ملوكُها عَجَمُ[2]

 

وفي نهاية المطاف يرى الكاتب الجليل أن المعاجم والقائمين عليها قد أنصفوا وأتْحفوا من تلاهم بما استحفظوا في بطون المعاجم وأمهات الكتب بمصادر وأصول اللغة العربية.

 

ولعلنا نلحظ أن اهتمام الحكام العرب قديمًا باللغة العربية وأصولها، والخوف من التصاق كلمات لا تمتُّ للغة بذات صلة ولا نسب - لم يكن من باب بساطة العيش وقلة الاحتياجات، أو أنها أزهى العصور، لكنه الخوف على ركيزة هامة من ركائز الهوية العربية، بل قل إن شئت هي الهوية في صورتها الأولى، حرِيٌّ بنا أن نتدارك ذلك السيْلَ العَرِم المُنْسَلَّ من تحت أقدامنا، الذي نما لقلوبنا ليتخلل الأطراف والأصابع، فيعرج إلى الأنامل ليخُطَّ بلغة الآخر ما أراد، ليُضيِّعَ واحدةً من عُمُدِ القومية العربية.

 

السقوط في بئر اللحن:

وعلى ذكر اللحن وشيوعه، ومخافة أمراء العرب وحُكَّامهم من مَغَبَّةِ تفشِّيه في عَضُدِ الدولة العربية الناطقة بلسان القرآن الكريم - أسعدني الحظ بأن أطَّلع على أحد إصدارات شبكة الألوكة الطيبة لكتاب إليكتروني على موقعها، لكاتبه أ/ بشار بكور، صدَّر في مُفتتحه موقفًا رائعًا للفاروق عمر بن الخطاب، يستحق الوقوف عنده، والأخذ به كمثالٍ من عهد الراشدين، الذين أرسوا البناء الصحيح لتلك الأمة الوسطية ليُحتذى به، ويكون حجة دامغة لمن يتهاون أو يقلل من قيمة اللغة العربية كإحدى مقومات الهوية العربية والإسلامية؛ حيث أورد الكاتب نصًّا: "يُروى أن سيدنا عمر بن الخطاب مرَّ على قوم يسيئون الرميَ فقرعهم - أي: وبَّخهم - فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا قومٌ متعلمين، فأعرض مُغضبًا وقال: والله لخطؤكم في لسانكم أشدُّ عليَّ من خطئكم في رميِكم".

 

وقارئ التاريخ يعلم أن فترة خلافة الفاروق عمر رضي الله عنه وما تلاها، كانت الفتوحات الاسلامية على أشدها، لكن عناية الفاروق بالمنطق الصحيح للغة العربية محلُّ اهتمام وتقدير؛ لعلمه بضرورة الحفاظ على اللغة كمقوِّم من مقومات السيادة العربية والإسلامية.

 

ومن نفس الكتاب الرائع، والذي اشتمل على كلمات تُنطَق وتُكتب خطأً، وقد شاع الخطأ بها حتى صار مألوفًا للكثير، وما نقَّب في أمره إلا العالمون، الذين اختصَّهم المولى بالدفاع عن لغة الضاد السامية - أردف الكاتب طرفة أخرى من "مسكوكات العرب" حول مخاطر شيوع اللحن، وقلق وأرق ولاة أمور المسلمين من شيوعه؛ فذكر ناقلًا:

"ذكر الضحاك بن رمل وكان من أصحاب المنصور، فقال: كنا مع سليمان بن عبدالملك بدابق، إذ قام إليه الشحاج الأزدي، فقال يا أمير المؤمنين: إن أبانا هلك وترك مال كثير، فوثب أخانا على مال أبانا فأخذه، فقال سليمان: فلا رحِم الله أباك، ولا نيَّح - صلب وشد - عظام أخيك، ولا بارك لك فيما ورثت، أخرجوا هذا اللحَّان عني".

 

وإن كان في القصة بعض المبالغة، لكن الكاتب نقلها نصًّا، ولننظر كيف كانت آذان الناس مُصغية وواعية، وتستطيع استنباط واستشعار الخطأ في اللغة العربية.

 

وتكلم أبو جعفر المنصور في مجلس فيه أعرابي فلحن، فصرَّ الأعرابي أذنيه، فلحن مرة أخرى أعظم من الأولى، فقال الأعرابي: أفٍّ لهذا، ثم تكلم ثالثة، فقال الأعرابي: أشهد أنك قد وُلِّيتَ هذا - يقصد: الإمارة - بقضاء وقدر[3].

 

وليس إيراد الموروث هذا من باب التسلية أو السرد والتباهي بحسن اطلاع، بل هي الحاجة إلى لفت النظر إلى أن اللغة العربية بقُدسيتها من أقوى مقومات الهوية العربية، أما الآن فحدِّثْ ولا حرج، بل قُلْ لقد انقلبت الموازين انقلابًا يثير العجب، لقد صار القابض على الفصحى كالقابض على الجمر، في زمان سَرَتِ البرودة إلى أجسادنا، ونمت لألسنتنا، فعجمت كلام العرب وتَفَرْنَجَتْ حسب هوى الآخر، وما تجرأ إلا لمَّا رأى ميولًا عربية لفرض العامية وغير العربية، وتهميش اللغة الأم.

 

النظرة الثالثة: أ/ ثريا عبدالله:

النظرة أو الإطلالة الثالثة لكاتبة لها ما يزيد عن ستين صفحة من القطع الصغير "بسلسلة كتابك"، والتي كانت تصدر عن دار المعارف بمصرنا الحبيبة، وتحمل معنونة "اللغة والمجتمع، جزئية: اللغة بين القومية والدولية" ما إن قرأت كلمة اللغة حتى قلت: لعلها الثالث المؤيد أو رمانة الميزان، وقد استهلت تلك الفقرة من الكتيب بقصيدة شاعر النيل رحمه الله حافظ إبراهيم، وهي التي كُتبت في أوائل القرن العشرين، ونُشرت عام 1903، والقصيدة بعنوان "اللغة العربية تنعى حظها بين أهلها"، ولعل الشاغل قديمًا هو نفس الشاغل حديثًا، وما إن وقعت عيني على تلك العصماء العمودية حتى قلت: تلك ضالَّتي وضالة مَن يشغله أمر العربية، فكتبت بعضًا منها زينة للدراسة، وإظهار للمحبة بالوراثة لتلك السامية الغالية، ولقد كان البيت الذي يقول فيه شاعرنا الراحل على لسان حرف الضاد:

فلا تَكِلوني للزمان فإنني *** أخاف عليكم أن تحين وفاتي

 

ومن يتأمل ويستشعر البيت بدقة، يجد المفارقة في قول الضاد أو العربية لأهلها: أخاف عليكم أن تحين وفاتي؛ ذلك أن تلك الكلمة لا تُقال إلا من أبٍ أو عائل أو سند، أو حتى قول نبي كريم لقومه، وهنا تنطلق القيمة لتبين لنا أهمية تلك اللغة لنا كعرب وكأمة يجمعها لسان واحد، ومما قال أيضًا شاعرنا الرقيق المستشعر عن بُعْدٍ زمني، وتوجس لهيمنة اللغات الأخرى على اللغة الأم:

أرى لرجال الغرب عزًّا ومَنعةً *** وكم عزَّ أقوامٌ بعزِّ لغاتِ

 

وقوله يرثي حالها وحال المحبين لها باستفهام استنكاري رافضًا:

أيهجرني قومي عفا الله عنهمُ
إلى لغةٍ لم تتصل برواةِ
سَرَت لوثَةُ الإفرنج فيها كما سرى
لعابُ الأفاعي في سبيل فراتِ
إلى معشر الكُتَّاب والجمع حافلٌ
بسطتُ رجائي بعد بسط شَكاتي
فإما حياة تبعث الميتَ في البِلى
وتُنبت في تلك الرُّموس رُفاتي
وإما ممات لا قيامةَ بعده
ممات لعمري لم يُقَسْ بمماتِ[4]

 

دواعي نظم قصيدة (اللغة العربية تنعى حالها) لشاعر النيل والضاد حافظ إبراهيم:

ومعلوم أن شاعرنا الراحل طيب الله ثراه قد كتب تلك القصيدة في أعقاب زيادة التفرْنُجِ، وبخاصة من خريجي المدارس الأجنبية وقتها؛ حيث لم تكن اللغة العربية لاقت درسًا وقتها في تلك المنشآت، ولم يتغير الحال عن تلك الوتيرة، حتى قيام ثورة يوليو منتصف القرن الماضي 1952، فيا لصدق حَدْسِك وسوء ظنِّك، الذي خلا من الإثم شاعرنا الطيب، فلو أنك اليوم معنا، وترى ما نحن فيه، لقلت واسترجعت: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ إذ الكارثة لا تأتي ممن ليسوا من أبناء الضاد وحدهم، بل لهم من بيننا نصراء ومعاونين، يقللون من شأن عربيتنا.

 

ونعود للأستاذة ثريا عبدالله صاحبة الكتيب، نجدها قد اتخذت من الفيلسوف الألماني فيشته (1762 - 1810) مرجعًا لها تستند لِما يقول ويصدر من رؤى بشأن اللغة وأصحابها، فنقلت عنه نصًّا:

"الإنسان حينما يتحدث أو يتكلم لغة أجنبية، فإنه يحيا حياة مصطنعة؛ لأنه يبتعد عن المنابع الفطرية التلقائية لشخصيته"؛ [14، ص: 48]، ويعقب أيضًا: "إن مجرد وجود مصطلحات أجنبية داخل اللغة يُحدث ضررًا بالغًا؛ لأنه يلوِّث ينابيع الأخلاقيات السياسية"؛ [14، ص: 49].

 

فهل يقال هذا الكلام إلا من واثق وقانع بأن معايير القومية والانتماء أعلاها لغةٌ تجمع الناس حولها؟ كما ذكرت الكاتبة المتتبعة لنهج فيشته الألماني مثاله الحادث حينها عن الفرنسيين، الذين كانوا يتحدثون في الأصل اللغة التيتونية؛ يعني: لغة ألمانيا القديمة، ثم ابتعدوا عنها وجاؤوا بلغة أخرى مشتقة من اللاتينية، عندما فعلوا ذلك أُصيبوا بكل مصائب الرومان، وهم يعانون الآن من تصدُّعِ العلاقات الاجتماعية، والانحلال وعدم الاكتراث، ولو أنهم احتفظوا بلغتهم الأصيلة، ما سمحوا لأنفسهم الوقوع في مثل تلك الرزايا والبلايا"؛ [14، ص: 49].

 

إلى هذا الحد "اللغة" تُعَدُّ عنصرًا قويًّا من عناصر وهياكل المجتمعات، هذا ما يراه الفيلسوف الألماني فيشته، وأما الشاعر الذي سبق فيشته الألماني، ويُدعى هردر (1747 - 1803)، فإنه يرى من نتاج تغيير اللغة الأصلية لأي مجتمع تجعل التراث الذي تستند إليه لغتهم تراثًا مستعارًا وغريبًا عن حياتهم، ولقد أعجبني من الكاتبة أ/ ثريا عبدالله قولها: "معيار وجود أمة إذًا هو اللغة والجماعة التي تتحدث باللغة نفسها تعرف باسم الأمة، وكل أمة يجب أن تُنشِئَ دولةً، فإذا وجدت شعوب متفرقة تتحدث باللغة نفسها، فمن واجبها أن تتحد"؛ [14، ص: 51].

 

وحتى تلك الجزئية وأنا أعتبر الكاتبة ثالثة المؤيدين، وكان بالأجدر أن تتصدر القائمة.

 

كما ذكرت الكاتبة بعدما ذكرت قول الأرستقراطي الفرنسي جوبنيو (1816 - 1882) قوله: "إن لكل عنصر أو جنس لغة طبيعية تخصه، واختلاط العناصر كارثة تهدد بقاء العنصر الآري، وكل عناصر خلق الدولة من حضارة وديانة"؛ [14، ص: 53]، حيث اعتبرت الكاتبة أن هذا تطرفًا، وقالت: "نحن لا نؤيد مثل تلك الأفكار" وكان الأحرى بالكاتبة في كل تلك السياقات التي عوَّلت عليها، وجاءت بها كبراهين ودلائل إثبات أن تأتيَ بنماذج وأمثلة لكُتَّاب عرب قدامى أو معاصرين، فهل ضاقت الأرض عنهم حتى تفزع لغيرهم؟! تلك واحدة من آرائها جعلتني أتراجع عن ضمِّها لفريق المؤيدين بكفاءة، ثم تأتي الثانية والتي قطعت بها عدم جواز اعتبارها أولى المنصفين في هذه الدراسة المتواضعة، حين صرحت بقولها وهي تقارن ما دها الألمان باختلاط الأجناس وتعدد اللغات:

وعلى الرغم من أننا نتكلم لغة أصيلة وهي اللغة العربية، فإننا نرفض كل تزمُّت، وأضع تحت كلمة (تزمت) تلك ألف خطٍّ وخط"، تقول: إنها ترفض كل تزمت باسم النقاء اللغوي، وكل محاولة لاستبعاد الألفاظ الأجنبية من لغتنا؛ لأنه يهدد لغتنا بالهزال والانعزالية، ويهددنا اجتماعيًّا بالانغلاق، ويصعِّب كل تقارب عالمي.

 

نقطة اختلاف:

سيدتي النجيبة، هنا نفترق؛ فإما الوصل بقطع هذا الكلام والتبرؤ منه، وإما الاستمرار، وحينها سأقول لكِ:

إن نقاء اللغة ليس تزمتًا كما تزعمين، فلو أنكِ شققتِ على نفسكِ بعض الوقت، وعقدتِ مقارنة قصيرة بين العربية كلغة القرآن الكريم، وباقي اللغات التي توارثتها الشعوب، وفرضتها قُوى الاستعمار، وأغلبية السواد - لعلمتِ أنه لا يوجد مجال حتى لعقد مقارنة بين لغة خُطَّ بها أعظم دساتير الخليقة - وهو القرآن الكريم - حتى قيام الساعة، وبين أي لغة من تلك اللغات أو تلك اللهجات.

 

♦ ولقد أخذت عنكِ قولكِ الثاني، وربما كان تصريحًا منكِ حين قلتِ معللة:

"وبعد انهيار الإمبراطورية الرومانية وقدوم الإسلام، اعتنى المسلمون بنشر الدين الإسلامي أكثر من اهتمامهم في فتوحاتهم بنشر اللغة العربية"؛ [14، ص: 53]، وأفردت أمثلة باعتناق الهنود والفرس والترك وغيرهم من شعوب أوروبا للإسلام دون فرض اللغة العربية عليهم، وهذا صحيح، لكن جماليات القرآن الكريم ومعانيه لا يستطيع أن يستنبطها ويستخرج إشراقاتها البلاغية غير معنيٍّ باللغة أو عالم بها، فضلًا عن مجازاتها الواسعة، واتساع نطاق معاني المفردة الواحدة لمعانٍ كثيرة، لا يدركها غير الراسخين في اللغة، ومثال بسيط ولا داعي للإطالة:

مفردة (الهيجا) في اللغة يظنها البعض أنها تعني (الحرب)، وأنها مصطلح جاهلي قديم؛ نظرًا لطبيعة صحراء ومفاوز جزيرة العرب، غير أن قواميس اللغة أجازت لها أربعة معانٍ؛ منها: (الحرب، الجفاف، الحركة، الريح الشديدة)، وكلها مفردات فيها حركة، إلى غير ذلك من مفردات كثيرة، تتعد معانيها، وتختلف مراميها، وتلك مزايا تخص العربية وحدها.

 

ولو أنكِ أو ممن يكتبون على شاكلتكِ سيدتي قد اطَّلعتم بشيء من الجهد في المعاجم العربية، أو كتب التفاسير للقرآن الكريم، وتعرضتم للغويات والمفردات - لوجدتم ما يقطع الرجاء فيما تكتبون، فكم من كلمات ومفردات تدخل لقواميسنا العربية من باب التعريب، وسماحة العربية، لا نقصانها ولا العوز لمفردات تساندها، فهل ستجد العربية منا نُصَراء وجندًا مناصرة؟!

 

وللمقال بقية مع بعض الجهود العربية للذود عن الضاد السامية.



[1] كتاب العربي (28)، نظرات في النقد والأدب، د/ عبدالرزاق البصير، الترجمة من العربية وإليها، ص: 24.

[2] تابع: كتاب العربي (28)، نظرات في الأدب والنقد، د/ عبدالرزاق البصير، الترجمة من العربية وإليها، ص: 25.

[3] عثرات الأقلام، تأليف: بشار بكور، دار الرواد للنشر، دمشق، سوريا، شبكة الألوكة، كتاب تقني، ص: 2.

[4] سلسلة كتابك (152)، اللغة والمجتمع، اللغة بين القومية والدولية، ثريا عبدالله، ص: 45، 48، 49، 51، 52، 53.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التراث والنبراس (1) نظرات في أعياد الضاد
  • التراث والنبراس (4) ثبوت بدر القصة بجزيرة العرب
  • التراث والنبراس (3) المفكرون واستشعار الخطر
  • نبراس (شكرا معلمي)

مختارات من الشبكة

  • أخبار التراث والمخطوطات (5)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • فرنسا: المساجد تعرض التراث الإسلامي في يوم التراث الأوروبي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • التراث العلمي عند الإمام الصالحي الشامي من كتابنا: الإمام الصالحي الشامي حياته وتراثه العلمي(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • علماؤنا وتراث الأمم – القوس العذراء وقراءة التراث (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الألفاظ الدالة على الخلق في التراث اللغوي العبري والتراث اللغوي العربي(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مظاهر تأثر التراث اليهودي بالتراث الفرعوني الوثني(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حق طلب الزوجة الفرقة بسبب إعسار الزوج بالمسكن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أخبار التراث والمخطوطات (50)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • أخبار التراث والمخطوطات (39)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • أخبار التراث والمخطوطات (29)(مقالة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب