• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

ابن هرمة آخر الحجج

د. عمرو سعد عواد قطب

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/10/2017 ميلادي - 14/1/1439 هجري

الزيارات: 21564

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ابن هرمة آخر الحجج


ابن هرمة الشاعر هو إبراهيم بن عليِّ بن سلمة بن عامر بن هرمة القرشي، أحدُ بني قيس بن الحارث بن فهر، ويقال لهم: الخُلج، حجازي سكن المدينة، ويكنى أبا إسحاق[1].

 

والهرم ضرب من النبت سمِّي بذلك كما سمِّي ضرب آخر من النبت أبيض الشيحة لبياضه، وواحدته هرمة، وذكر ابن جني ظنًّا أنه من الهرم، وهو الضَّعف[2].

وقال ابن مكي: "الصواب: هرْمة؛ بسكون الراء"[3].

 

نسبته إلى قريش بالادعاء؛ لأن الخلج قيل: إنهم يدَّعون الانتساب لقريش؛ قال ابن دريد: "والخُلج: بطن يزعمون أنهم من قريش، منهم ابنُ هَرْمة الشاعر"[4].

 

والخلج بضمتين جمع خليج، قال في اللسان: "قبيلة ينسبون في قريش، وهم قوم من العرب كانوا من عدوان، فألحقهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالحارث بن مالك بن النضر بن كنانة، وسموا بذلك لأنهم اختلجوا من عدوان"[5].

وقريش ترجع إلى مالك بن النضر، فهو أبوها كلِّها كما قال ابن قتيبة[6].

 

قال السهيلي: "الخلج اسمه قيس بن الحارث بن فهر، واختلف في تسمية بني قيس بن الحارث الخلج؛ فقيل: لأنهم اختلجوا من قريش وسكان مكة، وقيل: لأنهم نزلوا بموضع فيه خلج من ماء ونسبوا إليه"[7].

 

وبيَّن ابن ماكولا في الإكمال أصل هذا النسب؛ قال: "وأما خلج بضم الخاء، فهو قيس بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، ولد قيس بن الحارث - وهو الخلج - عَديًّا وعلقمة، فولد عدي بن الخلج صبحًا وسيارًا، فولد صبح بن عدي عامرًا وربيعًا، فولد ربيع بن صبح هذيلًا وأوسًا، فولد هذيل بن ربيع دبية وهرمة ونجبة"[8].

 

فإن ثبَتَ هذا النسب، فقد صحَّ انتساب الشاعر إبراهيم بن هرمة إلى قريش، ومع هذا فقد رووا عنه نفسِه التشكيك في صحة نسبه لقريش، قال الصفدي: "كان ابن هرمة قصيرًا دميمًا، وكان يقول: أنا ألأمُ العرب؛ دعيُّ أدعياء: هرمةُ دعيٌّ في الخلج، ونَسبُ الخلج في قريش يُشكُّ فيه"[9].

 

ومع عناية الناس بذكره وأخباره، فقد تضاربت الأقوال في تاريخ مولده، وكذا وفاته، فقد نقل الأصفهاني عن يحيى بن علي عن البلاذري[10] أن ابن هرمة وُلد سنة تسعين، وأنشد أبا جعفر المنصور في سنة أربعين ومائة قصيدته التي يقول فيها:

إنَّ الغَوَانِيَ قَدْ أَعْرَضْنَ مَقْلِيَةً ♦♦♦ لمَّا رَمَى هَدَفَ الخَمْسِينَ مِيلَادِي

قال: ثم عمِّر بعدها مدَّة طويلة[11].

ولم أجد ما ذكر في أنساب البلاذري.

 

وذكر ابن شاكر أنه وُلد سنة سبعين، ونادم المنصور سنة أربعين ومائة، وعمِّر بعد ذلك دهرًا[12]، وكذا نقل الصفدي في الوافي بالوفَيَات[13]، والسيوطي في شرح شواهد المغني[14]، والبغدادي في الخزانة[15].

 

ورجَّح محقِّقَا ديوانِه المطبوع أن مولده كان عام تسعين؛ استنادًا إلى معنى البيت المذكور؛ لأن مدحه للمنصور كان سنة 140هـ، وهو يذكر أنه بلغ الخمسين، وفيما قالاه نظر؛ لأن البيت المذكور يذكر فيه أن الغواني قد أعرَضْن عنه ببلوغه الخمسين، ولم يذكر أنه بلغ الخمسين لتوِّه، فتأمَّل!

 

رحل إلى دمشق ومدح الوليد بن يزيد الأموي، فأجازه، ثم وفد على المنصور العباسي في وفد أهل المدينة، فتجهَّم له، ثم أكرمه، وانقطع إلى الطالبيين، وله شعر فيهم[16].

 

وابن هرمة كما وصفه الخطيب شاعرٌ مفلق، فصيح مسهب مجيد، حسن القول، سائر الشعر، وهو أحد الشعراء المخضرمين؛ أدرك الدولتين الأُمويَّة والهاشمية[17].

وله حكايات في موالاته للطالبيين، ومعاقرته للشراب، واتصافه بالبخل.

 

ومما يروى عنه في ذلك أن الحسن بن زيد لمَّا ولي المدينة، قال لإبراهيم بن هرمة: لا تحسبني كمن باع لك دينه؛ رجاء مدحك، وخوف ذمِّك، فقد رزقني اللَّه بولادة نبيِّه الممادح، وجنَّبني القبائح، وإن من حقه عليَّ ألا أغضي على تقصيرٍ في حقِّه، وإني أقسم لئن أُتيتُ بك سكران لأضربنَّك حدَّين: حدَّ الخمر، وحدَّ السكر؛ ولأزيدنك لموضع حرمتك بي، فليكن تركك لها للَّه تُعَنْ عليه، ولا تجعله للناس فتُوكَلْ إليهم، فنهض ابن هرمة وقال:

نهَاني ابنُ الرسولِ عنِ المُدَامِ
وأدَّبَنِي بآدَابِ الكِرامِ
وقال لي اصطَبِرْ عنها ودَعْها
لِخَوْفِ الله لا خَوْفِ الأنامِ
وكيف تَصَبُّرِي عنها وحُبِّي
لها حُبٌّ تَمَكَّنَ فِي عِظَامِي
أَرَى طِيبَ الحَلَالِ عَلَيَّ خُبْثًا
وطيبَ النَّفْسِ في خُبْثِ الحرامِ[18]

وكانت وفاته - كما ذكر ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة - عام 176هـ[19]، وذكر ابن شاكر أنها كانت سنة 150هـ[20]، وذكر الصفدي أن وفاته كانت بعد المائة والخمسين تقريبًا[21].

 

أمَّا وفاته، فأبعدها أن يكون عام 150هـ؛ لأنه قد أنشد شعرًا لهارون الرشيد، والرشيد ولي الخلافة سنة 170هـ، وفي عام 150هـ لم يكن الرشيد أكمل من العمر سنتين!

 

وقد أُلِّفت كتبٌ في أخباره لأحمد بن طيفور، وإسحاق الموصلي، والزبير بن بكار، وأبي بكر الصولي، كما ذكر ياقوت في مواضعَ متفرقةٍ من معجمه[22].

 

وقد حظي ابن هرمة بما لم يحظ به كثيرٌ من معاصريه، وجعلوا شعره حُجَّة دونهم، لا لاعتبار زمانيٍّ فحسب؛ وإنما قد صنِّف في طبقةٍ مجمعٍ على الاحتجاج بها؛ فالشعر الذي يحتجُّ به في اللغة والنحو والصرف قسَّمه العلماء على طبقات أربع[23]: الطبقة الأولى: الشعراء الجاهليون، والثانية: المخضرمون الذين أدرَكوا الجاهلية والإسلام كلَبِيدٍ وحسَّان، والثالثة: المتقدِّمون، ويقال لهم: الإسلاميون، وهم الذين كانوا في صدر الإسلام كجرير والفرزدق، والرابعة: المولَّدون، وهم من بعدهم.

 

فالطبقتان الأوليان يستشهد بشعرهما إجماعًا، وأمَّا الثالثة، فالصحيح صحة الاستشهاد بكلامها، وقد كان أبو عمرو بن العلاء وعبدالله بن أبي إسحاق والحسن البصري وعبدالله بن شبرمة يلحِّنون الفرزدق والكميت وذا الرمَّة وأضرابهم ويعدُّونهم من المولَّدين، وكان أبو عمرو يقول: "لقد أحسَنَ هذا المولَّدُ؛ حتى لقد هممت أن آمُرَ صبياننا برواية شعره"[24]، يعني بذلك شعر جرير والفرزدق، فجعله مولَّدًا بالإضافة إلى شعر الجاهلية والمخضرمين، وكان لا يعد الشعر إلا ما كان للمتقدِّمين؛ قال الأصمعي: جلست إليه عشر حِجَج، فما سمعته يحتجُّ ببيت إسلاميٍّ[25].

 

والأصمعي على الطريقة نفسِها لا يحتجُّ بشيء من شعر المولَّدين، ولو اقتصر الأمر على ما نقل عن أبي عمرو من عدم الاحتجاج بالشعر الإسلاميِّ، فهو لا يكفي وحده في القطع بأنه يرى بطلان الاحتجاج به؛ لأن ترك الاحتجاج بالدليل لا يلزم منه القولُ ببطلانه، فقد يكون ترك الاحتجاج بشعرهم اكتفاء بما لديه من الشواهد الجاهلية، وهي أقوى بلا مراء، وقد سئل أبو عمرو عن المولدين فقال: "ما كان من حسن فقد سُبِقوا إليه، وما كان من قبيح فهو من عندهم"[26]، وهذا يعني أن ما كان لديهم من حُجَّة، ففي أشعار الجاهلية ما يغني عنها، وحصيلته من أشعار الجاهلية تكفيه في هذا المقام، ولو ابتكروا شيئًا جديدًا لم يكن موجودًا، فهو ليس من كلام العرب، وكان محصولهم من كلام الجاهليين أكبر من أن يلتفتوا إلى غيره؛ روى الخطيب عن أحمد بن يحيى: "سمعت ابن الأعرابيِّ يقول في كلمة رواها الأصمعي: سمعته من ألف أعرابيٍّ خلاف ما قاله الأصمعي"[27]!


لكن وُجد في كلامهم ما يقطع بإبطالهم الاحتجاج بأشعار المولدين مطلقًا؛ فقد كان الأصمعيُّ يمنع أن يقال: (أرعد) و(أبرق)، فلما ذكر له قول الكميت:

أرعِدْ وأَبْرِق يا يَزِيـ ♦♦♦ دُ فَمَا وَعِيدُكَ لِي بضائِرْ[28]


قال: "الكميت ليس بحُجَّة"[29]، وأَلْحقَه بالمحدَثين لتأخُّر زمانه، وروى ابن سيده أن أبا حاتم ألزم الأصمعي الحُجَّة في ذلك، وكذا نازعه السهيلي، وأثبت خلاف قوله، وفعل الأصمعي ذلك أيضًا بذي الرمَّة حين احتجَّ عليه بقوله:

أذو زوجةٍ بالمِصْرِ أَمْ ذُو قرابةٍ ♦♦♦ أَرَاك لَهَا بالبصرة العام ثاويا[30]


فأبى أن يقول: (زوجة) بهاء التأنيت، وقال: "طالما أكل ذو الرمة الزيت في حوانيت البقالين!"[31]، وأوردها المرزباني بلفظ: "إن ذا الرُّمَّة قد أكل البقل والمملوح في حوانيت البقَّالين حتى بشم!"[32]، قال أبو حيان: "يعني أنه كثرت ملازمته الحاضرة، ففسد لسانُه، وجمهور أهل العلم على الاحتجاج بكلامه"[33].

مع أن الاستعمال نفسه عند الفرزدق في قوله:

وإنَّ الذي يسعى ليفسدَ زَوْجَتِي ♦♦♦ كَسَاعٍ إلى أُسْدِ الشَّرَى يَسْتَبِيلها[34]

وذكر للأصمعي فلم يحر جوابًا[35].

وأورد الزجاجي أيضًا من الشواهد:

فبكى بناتي شَجْوَهُنَّ وزَوْجَتِي ♦♦♦ وَالطَّامِعُون إليَّ ثُمَّ تَصَدَّعُوا[36]

وقال آخر:

مِن مَنْزِلي قد أخرَجَتْنِي زَوْجَتِي ♦♦♦ تَهِرُّ في وَجْهِي هَرِيرَ الكَلْبَةِ [37]

ثم قال: "وإنما لجَّ الأصمعي؛ لأنه كان مولعًا بأجود اللغات، ويردُّ ما ليس بالقويِّ"[38].


ولم تكن لهم ثقة بكلام المولدين في الاحتجاج على اللغة حتى ولو استحسنوه في المعنى؛ قال السيوطي: "وليس ذلك لشيء إلا لحاجتهم في الشِّعر إلى الشاهد، وقلة ثقتهم بما يأتي به المولدون"[39]، وقد صرَّحوا بأنهم لا يجعلون المُحْدَث موازيًا للقديم، وعبَّر ابن الأعرابي عن ذلك بعبارةٍ كاشفة؛ قال: "إنما أشعار هؤلاء المُحْدَثين - مثل أبي نواس وغيره - مثل الريحان؛ يشمُّ يومًا ويَذْوي فيُرمى به، وأشعار القدماء مثل المسك والعنبر؛ كلما حركته ازداد طيبًا"[40]، وروى المرزباني عن أبي عبدالله التميمي، قال: "كنا عند ابن الأعرابيِّ، فأنشده رجلٌ شعرًا لأبي نواس أحسن فيه، فسكت، فقال له الرجل: أما هذا من أحسن الشِّعر؟ قال: فقال: بلى، ولكن القديم أحبُّ إليَّ"[41].


ولم يمنعهم ذلك أحيانًا من استجادة شعر المولدين ومدحه؛ فهذا ابن الأعرابي مع شدة انصرافه عن أشعار المولدين قد نقل الراغب في محاضرات الأدباء قوله: "جميع ما قاله أبو نواس حسن"[42]، وسمع رجلًا ينشد لخالد الكاتب:

رقدت ولم ترثِ للساهرِ ♦♦♦ وليلُ المُحبِّ بلا آخِر[43]

فاستحسنه، ثم أنشد رجل لبشار:

خليليَّ ما بال الدُّجى لا تزحزح
وما بال ضوء الصُّبح لا يتوضَّحُ
أضلَّ النهارُ المستنير سبيلَه
أم الدهر ليلٌ كلُّه ليس يبرحُ
كأن الدُّجى زادت وما زادت الدُّجى
ولكنْ أطال الليلَ همٌّ مبرحُ[44]

 

فقال ابن الأعرابي للذي أنشده بيت خالد: "نحِّ بيتَك؛ لا تأكله هذه الأبيات؛ فإن بيتك طفل، وهذه الأبيات سِباع!"[45].


على أن بعض أهل الطبقتين الأوليين ممن تكلم في الاستشهاد بشعرهم لعلل تخصُّهم لا تمتدُّ إلى عصورهم؛ فمَن كان في لسانه مطعن لقربه من اللسان غير العربيِّ، كانوا يتَّقون رواية شعره؛ كعدي بن زيد وأبي دُواد الإيادي، فقد كانوا يرون - كما نقل عن الأصمعي - أن ألفاظهما ليست بنجدية[46]، وعدي كان يسكن الحيرة، ويدخل الأرياف، فثقل لسانه، قال ابن قتيبة: "وعلماؤنا لا يرون شعره حُجَّة"[47]، وقال أبو عمرو بن العلاء: "والعرب لا تروي شعره؛ لأنَّ ألفاظه ليست بنجديَّة"[48]، وعن أبي عمرو الشيباني، عن المفضَّل، قال: "كانت الوفود تفد على الملوك بالحيرة، فكان عديُّ بن زيد يسمع لغاتِهم فيُدخِلها في شعره"[49]، وعدوا من أخطائه قولَه في صفة الفرس: فارهًا، فإنما يقال للكودن والبغل والحمار: "فاره"، ووصْفَه الخمر بالخضرة، وكل هذا ليس على اللسان العربي الصحيح[50]، وقد يكون لعدم التنقيح في الرواية أثره في إعراضهم عن شعره؛ فأبو دواد الإيادي قد أنشدوا له أربعين قصيدة قال الأصمعي: إنها لخلف الأحمر! [51].

 

وبالجملة فأكثر العربية - كما نقل السيوطي في الاقتراح عن أبي نصر الفارابي - أُخذت عن خمس قبائل، هي: قيس وتميم وأسد وهذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم مثل لخم وجذام لمجاورتهم لأهل مصر القبط، وقضاعة وغسان لمجاورتهم لأهل الشام، وأكثرهم نصارى يقرؤون في صلاتهم بغير العربية، وتَغْلب والنمر لمجاورتهم للنبط والفرس، وعبدالقيس لمجاورتهم للهند والحبشة، وبني حنيفة وسكان اليمامة وثقيف وسكان الطائف لمخالطتهم تجار الأمم المقيمين عندهم، وحاضرة الحجاز لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدؤوا ينقلون لغة العرب وقد خالطوا غيرهم من الأمم وفسدت ألسنتهم[52].

 

ولهذا فاللغويون في هذا الوقت لم يكونوا كحاطبِ ليل فيما ينقلون؛ فما أخذوه أخذوه لكونه حجَّة لا مطعن فيها، وما تركوه تركوه لعلَّة تخل بفصاحته.

 

وأمَّا الطبقة الرابعة، فالصحيح أنه لا يستشهد بكلامها مطلقًا، وقيل: يستشهد بكلام من يوثق به منهم، واختاره الزمخشري، ونُوزِع في ذلك.

 

أما احتجاج الزمخشري بكلام المحدَثين، فقد استدلَّ على استعمال الفعل أظلم متعديًا بقول أبي تمام:

هما أظلَمَا حاليَّ ثمَّتَ أَجْلَيَا ♦♦♦ ظَلامَيْهما عن وَجْهِ أَمْرَدَ أَشْيَب[53]

ثم قال: "وهو وإن كان محدَثًا لا يُستشهد بشعره في اللغة، فهو من علماء العربية، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه؛ ألا ترى إلى قول العلماء: الدليل عليه بيتُ الحماسة؟ فيقتنعون بذلك؛ لوثوقهم بروايته وإتقانه"[54].


وقد سار على طريقة الزمخشري في الاستشهاد بالمولَّدين رضيُّ الدين الإستراباذي في شرحه على كافية ابن الحاجب؛ فقد استشهد على تأخُّر المبتدأ عن الخبر معرفتين أو متساويين مع قيام القرينة المعنوية الدالة على تعيين المبتدأ - بقول أبي تمام:

لُعَابُ الأفاعي القاتِلاتِ لُعَابُهُ ♦♦♦ وأَرْيُ الجَنَى اشتَارَتْه أَيدٍ عَواسِلُ[55]

وذكر البغدادي أنه تكرَّر استشهاده بأبي تمام في عدَّة مواضع.


واستشهد كذلك بغيره من المولدين، فقد استشهد على ترخيم المضاف بقول المتنبي:

للهِ ما فَعَلَ الصَّوَارِمُ والقَنَا ♦♦♦ في عمرو حابِ وضَبَّةِ الأغنامِ[56]

 

واستشهد على مجيء الحال جامدةً لقصد التشبيه بقوله:

بَدَتْ قَمَرًا ومالت خُوطَ بَانٍ ♦♦♦ وفاحَتْ عَنْبَرًا ورَنَتْ غَزَالَا[57]

 

واستشهد على حذف الموصولات الاسمية بقوله:

بئس الليالي سهرت من طَرَبِي ♦♦♦ شَوْقًا إلى مَنْ يَبِيتُ يَرْقُدُها[58]

 

واستشهد في كنايات الأعلام بقوله:

كأنَّ فَعْلَة لم تَملَأ مواكِبُهَا ♦♦♦ ديار بَكْرٍ ولم تخلعْ ولم تَهَبِ[59]


وكذا استشهد البدر الدماميني ببضعة عشر شاعرًا من الشعراء المولدين في كتابه "المنهل الصافي"؛ منهم العباس بن الأحنف، وأبو نواس، ويحيى اليزيدي، وهشام الضرير، وأبو العتاهية، وأبو تمام، ودعبل، والمتنبي، وابن الرومي، والحريري، والبوصيري، وقد حصرهم أحد الباحثين في دراسة منشورة[60].

وتعجَّب أبو حيان من كلامه واستدلاله، قال: "وكيف يستشهد بكلام مَن هو مولَّد، وقد صنَّف الناس فيما وقع له من اللحن في شعره؟"[61].


وأجاب البغدادي عن دعوى الزمخشري بأن قَبول الرواية مبنيٌّ على الضبط والوثوق، واعتبار القول مبنيٌّ على معرفة أوضاع اللغة العربية والإحاطة بقوانينها، ومن البيِّن أنَّ إتقان الرواية لا يستلزم إتقان الدراية، ثم فرق بين الرواية ونقل الحديث بالمعنى، وبيَّن أنه باب لو فُتح للزم الاستدلال بكلِّ ما وقع في كلام علماء المُحْدَثين، والحُجَّة فيما روَوه لا فيما رأوه، وقد خطَّؤوا المتنبي وأبا تمام والبحتري في أشياءَ كثيرةٍ كما هو مسطور في شروح تلك الدواوين[62].


ومن الدارسين مَن زعموا أنه - أي: الاحتجاجَ بشعر الطبقة الرابعة - مذهب ابن هشام، وكأنهم قالوا بذلك لما رأوه يكثر الإيراد من أشعارهم والتكلُّم عنها، وقد أكثر من ذلك في مغني اللبيب، وهذا غلط منهم عليه؛ إذ لم يجعل شيئًا من كلامهم حجَّة، بل أحيانًا يورد الرواية عنهم ويغلِّطهم، وإنما أكثر من إيراد أشعار المجيدين منهم؛ لكونها أقرب شيء إلى العربية الصحيحة، ولم يصرح بأن شيئًا من كلامهم قد سيق للاستشهاد، بل صرَّح بخلاف ذلك، فبعد أن أورد بيتًا للمتنبي وتكلَّم عنه، قال بعده: "وأمَّا بيتُ المتنبي، فإنِّما ذكر تمثيلًا لا استشهادًا؛ إذ لا يقوم حجَّةً لكلامِه"[63]، وفي هذا كفاية.



[1]طبقات الشعراء؛ لابن المعتز (ص: 20).

[2]المبهج(ص:199).

[3]تثقيف اللسان(ص:89).

[4]الاشتقاق (ص:410).

[5]لسان العرب (2/ 260).

[6]المعارف (ص:68).

[7] الروض الأنف (3/ 102).

[8]الإكمال (3/ 189).

[9]الوافي بالوفَيَات (6/ 40).

[10]قال:"أراه عن البلاذري"، وفي بعض النسخ: "رواه عن البلاذري".

[11]الأغاني (4/ 528).

[12] فوات الوفَيَات (1/ 34).

[13]الوافي بالوفَيَات (6/ 40).

[14] شرح شواهد المغني (2/ 682).

[15]خزانة الأدب (1/ 425).

[16] الأعلام؛ للزركلي (1/ 50)

[17]تاريخ بغداد (7/ 46).

[18] العقد الفريد (8/ 54).

[19]النجوم الزاهرة (2/ 84).

[20] الوافي بالوفيات (1/ 34).

[21] الوافي بالوفيات (6/ 40).

[22]معجم الأدباء (1/ 285)، و(2/ 615)، و(3/ 1326)، و(6/ 2678)، وانظر أيضًا: وفَيَات الأعيان (4/ 356).

[23]خزانة الأدب (1/ 6-7).

[24]الخزانة (1/ 118).

[25]العمدة (1/ 90).

[26]المزهر (2/ 414).

[27]تاريخ بغداد (3/ 201).

[28]البيت من مجزوء الكامل، للكميت كما في ديوانه، بتقديم لفظ أبرق (ص:132)، وهو في إصلاح المنطق (ص:144)، والكامل (3/ 222)، واللسان (3/ 180)، وإسفار الفصيح (1/ 373)، وصدره في الموشح (ص:253).

[29]المخصص (4/ 340).

[30]البيت من الطويل، وهو في ديوان ذي الرمة (2/ 1311)، وأورده الزبيدي في طبقات النحويين (ص: 173)، وابن جني في الخصائص (3/ 298)، وابن عصفور في شرح جمل الزجاجي (1/ 110).

[31]انظر: الروض الأنف (3/ 235).

[32]الموشح (ص:234).

[33]التذييل والتكميل (4/ 200).

[34] البيت من الطويل، وهو في ديوان الفرزدق، وصدره: (فإن امرأ يسعى يخبِّب زوجتي) (ص:417)، وأورده ابن السكيت في كتاب الألفاظ (ص: 243، 350)، وهو في الزاهر (2/ 58، 199)، والأغاني (9/ 223) و(21/ 187، 190)، وديوان الأدب (3/ 308)، والصحاح (1/ 320) و(4/ 1642)، والمحكم (7/ 526)، واللسان (2/ 292).

[35]مصابيح الجامع (7/ 67).

[36]البيت من الكامل، لعبدة بن الطيب، من قصيدة أوردها المفضل في المفضليات (ص:148)، وهو في معاني القرآن للزجاج (1/ 103)، ومجالس العلماء للزجاجي (ص:150)، والخصائص (3/ 298)، وأورده ابن الأنباري في الزاهر(2/ 58)، والأضداد (ص:374)، والمذكر والمؤنث (ص: 1/ 504)، وابن سيده في المخصص (5/ 147)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 113)، وأوضح المسالك (2/ 102)، والمزهر (1/ 169).

[37]البيت من الرجز، غير منسوب، أورده الزجاجي في مجالس العلماء (ص:150)، وهو في الحيوان (1/ 168)، والمخصص (5/ 147)، والخصائص (3/ 298)، والمذكر والمؤنث للأنباري (1/ 516)، المزهر (2/ 323).

[38]مجالس العلماء (ص:150).

[39]المزهر (2/ 414).

[40]الموشح (1/ 313).

[41]الموشح (1/ 313).

[42]محاضرات الأدباء (1/ 786).

[43]البيت من المتقارب، لخالد الكاتب، وهو في دلائل الإعجاز (ص:492)، وطبقات ابن المعتز (ص:405)، وأمالي القالي (1/ 100)، والإعجاز والإيجاز للثعالبي (1/ 163)، والتمثيل والمحاضرة له (ص: 210)، وخزانة الأدب للحموي (1/ 432).

[44]الأبيات من الطويل، لبشار بن برد، كما في ديوانه مع اختلاف في بعض ألفاظه (ص:61-62)، والبيتان الأولان في نهاية الأرب (1/ 136)، ولوعة الشاكي للصفدي (ص:37)، والمستطرف (ص:434).

[45]تاريخ بغداد (7/ 610).

[46]الموشح (ص:88).

[47]الشعر والشعراء (1/ 219).

[48]الشعر والشعراء (1/ 224).

[49]الموشح (ص:86).

[50]الشعر والشعراء (1/ 224).

[51] انظر الموشح (ص:320).

[52]انظر: الاقتراح (ص: 47-48).

[53]البيت من الطويل، لأبي تمام، وهو في ديوانه (1/ 150)، وفي الكشاف (1/ 86)، والدر المصون (1/ 181)، وتفسير البيضاوي (1/ 52)، والبحر المحيط (1/ 148).

[54]الكشاف (1/ 87).

[55]شرح الكافية (1/ 258)، والبيت من الطويل لأبي تمام، وهو في الديوان (3/ 123)، والحيوان (1/ 48)، وعيون الأخبار (1/ 109)، والعقد الفريد (4/ 274)، وأدب الكتاب للصولي (ص: 76)، والموازنة للآمدي (3/ 46)، وشرح المفصل لابن يعيش (1/ 248).

[56] شرح الكافية (1/ 395)، والبيت من الكامل، لأبي الطيب المتنبي، وهو في الديوان وصدره: (مهلًا ألا لله ما صنع القنا) (ص:410)، وفي خزانة الأدب (2/ 345).

[57] شرح الكافية (2/ 33)، والبيت من الوافر، لأبي الطيب المتنبي، كما في ديوانه (ص:129)، وهو أيضًا في أسرار البلاغة (ص: 194)، وأمالي ابن الشجري (3/ 6)، والطراز (1/ 91)، وحياة الحيوان (2/ 254)، والوساطة (ص: 140)، ومعاهد التنصيص (2/ 83)، وخزانة الأدب (3/ 222).

[58]شرح الكافية (3/ 70)، والبيت من المنسرح، لأبي الطيب المتنبي، وهو في ديوانه (ص: 3)، وفي المنصف لابن وكيع (ص: 209)، ونشأة النحو للطنطاوي (ص: 129).

[59] شرح الكافية (2/ 253)، والبيت من البسيط، لأبي الطيب، وهو في ديوانه (ص: 423)، وفي الخزانة (6/ 447).

[60] "موقف الدماميني من الاستشهاد بشعر المولدين"، بحث منشور في مجلة الجامعة الإسلامية (سلسلة الدراسات الإنسانية)، العدد الثاني ص: 531: 554، يونية 2004م.

[61]البحر المحيط (1/ 148).

[62]خزانة الأدب (1/ 7).

[63]تخليص الشواهد (ص:270).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحجج البالغة
  • موارد ومصادر (الحجج المبينة في التفضيل بين مكة والمدينة) للسيوطي
  • باب ما يفعل بالمحرم إذا مات

مختارات من الشبكة

  • من سلسلة أحاديث رمضان حديث: يا معشر قريش، احفظوني في أصحابي وأبنائهم وأبناء أبنائهم(مقالة - ملفات خاصة)
  • ابن النجار وابنه تقي الدين ابن النجار(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ابن بطة الأب وابن بطة الابن(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من تراجم المنشئين: الخوارزمي - ابن العميد - ابن عبد ربه - ابن المعتز - الجاحظ - الحسن بن وهب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الأثبات في مخطوطات الأئمة: شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والحافظ ابن رجب (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الأثبات في مخطوطات الأئمة: شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والحافظ ابن رجب (WORD)(كتاب - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • أثر العامل الفكري في فكر الإمام ابن مفلح(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • دفع الملامة في استخراج أحكام العمامة لابن عبد الهادي المعروف بابن المبرد، المتوفى سنة 909 هـ(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تحقيق أثر ابن عمر وابن عباس في عدم قضاء الحامل والمرضع للصيام واكتفائهما بالإطعام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فائدة في البحث عن روايات ابن أخي ابن وهب عن عمه في صحيح مسلم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 9:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب