• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من روائع الشعر للأطفال والشباب
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    روائع الأمثال للكبار والصغار
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    اللغات العروبية: دراسة في الخصائص
    د. عدنان عبدالحميد
  •  
    الكنايات التي نحيا بها
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    واو الحال وواو المصاحبة في ميزان التقدير
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وعملية الترجمة
    أسامة طبش
  •  
    التأويل بالحال السببي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

ثلاثية الحلم والوطن والذات في ديوان تكوين حلم (2/2)

أ. طاهر العتباني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/12/2011 ميلادي - 18/1/1433 هجري

الزيارات: 6970

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ثلاثية الحلم والوطن والذات في ديوان تكوين حلم

للشاعر صهيب محمد خير يوسف (2/2)

 

 

... بين ثلاثية (الحلم والذات والوطن) يتدرج بنا الشاعر إذاً من موقفٍ إلى موقف، ويظهر في قصائده أحد هذه المحاور باعتباره المحور الأساسي، ثم يكون المحوران الآخران حاضرَين من علاقة التشارك والتمازج بين هذه المحاور الثلاثة، وإذا كانت قصيدة (في الطريق إليه) قد برز فيها الوطن بشكلٍ واضح على أنه المحور الأساسي، فإن قصيدة (إلى الله) تبرز محور الذات حينما تبوح بكل ما فيها من الغربة والوجع إلى الله تعالى، حيث تمسح هذه الترنيمات التي يرسلها الشاعر جراحَ السير على طريق الاغتراب عبر الزمان والمكان:

إلى اللهِ حينَ يكونُ المساءُ تقِيًّا،

وَتكتَمِلُ العَبَراتُ

يَمُدُّونَ أَيدِيَهُمْ في خُشوعٍ

يَفِرُّونَ مِنْهُ إلَيهِ

وَباباً فباباً يَدُقُّونَ

تَطْهُرُ أَرْواحُهمْ في الصُّعُودِ إلى الكَوثَرِ العَذْبِ والمغفِرَهْ

وتَصْفُوْ الأَعاشِيقُ لِلخائفِيْنَ:

"أيا رَبُّ، يا ربُّ، يا ربُّ"..

حَتَّى يَرَوا كَوْثَرَهْ (الديوان: 41 – 42).

 

إنه واحد من هؤلاء المتبتِّلين والمستجيرين بالكنَف الأعلى، يرى نفسه واحداً منهم، فيخلص مثلهم الدعاء ويرجو مثلهم المغفرة.

 

ثم في دمعات العيون التي يذرفها في ساحة الدعاء يجد المهاجر سلواناً يعينه على قسوة غربته:

.. رَأَيْتُ دُموعَ المُهاجرٍ توْقِظُ صحراءَ غُربتِهِ

بِدَمْعَتهِ يتسامَى النَّخيلُ. بدَمْعَتِهِ

تَعُودُ إلى العِطرِ رَوْعَتُهُ..

وتعودُ الحياةُ لرحلتِهِ

بِدَمْعَتِهِ (الديوان: 43).

 

وهو يرى أن هذه الغربة تشمل المدائن كلها والمواطن كلها، فتعود العلاقة بين الوطن والذات المغتربة إلى الظهور، إنه ليس الاغتراب المكاني بل هو الاغتراب داخل المكان/الوطن، ولذا فهو يحلم بالمئذنة تشرق في الرماد ويحلم باخضرارٍ يغمر كل البلاد:

يُحِبُّونَ صَوْتَ المؤَذِّنِ

.. رغْمَ احتفالِ الرَّصاصِ بِمَوتِ الحضارةِ

لا بُدَّ تُشْرِقُ مِئذَنةٌ في الرَّمادِ

وَيَخْضَرُّ فيها بِلالٌ، يُنادِي:

"إلى اللهِ"

تَكْبيرَةٌ، واثنتانِ..

ستَخْضَرُّ كُلُّ البِلادِ (الديوان: 45).

 

وللون الأخضر عند الشاعر في هذا الديوان حضورٌ كبير، فقد رأيناه في أكثر من موطن: (سيِّدٌ أخضَر الوَمض – يخضرُّ فيها بلال – ستخضَرُّ كل البلادِ – ستمتدُّ خُضرته – ينتظر النَّخلُ إشراقه – فلا تغِيبُوا عن عراق النَّخلتَين - ولَم تبتسِم حين جاء الرَّبيعُ وجوهُ القمر – سِدرة المنتهى).

 

وهكذا ترد ألفاظ الخضرة والأشياء التي يميزها اللون الأخضر (النخيل – الربيع – السِّدرة) لتؤكد عمقَ النظرة المتفائلة والمتشبثة بالحُلم، كما يؤكد اللون الأخضر الأملَ الزاهي في رسم الحلم وتكوينه بلونه.

 

وفي إطار محور الغربة - غربة الذات يكون الفرار إلى الله ماسحاً لجراح هذه الغربة، وتكون القصائد التي يبدعها زُلفى وتقرباً إلى الله:

﴿فَفِرُّوا إلى اللهِ﴾..

يَقْرَؤها شاعِرٌ فَيَغِيْبُ قَلِيلا

.. خَطاياهُ عُمْرٌ

وَتِلكَ القصائدُ زُلْفَى إلى اللهِ تَبكِيْ قَلِيلا:

أنا لسْتُ عنهمْ غريباً، ولا أَرتَديْ شُبهَةً..

فَلِماذا إذا أبصَرُوْنِيَ يَستَفهِمونَ،

وَيَتَّخِذونَ الطَّرِيقَ الطَّوِيلا؟ (الديوان: 48).

 

وإذا كان عالم الغرباء، الذين يتوحد الشاعر بهم في قصيدته، يضمُّ مغتربينَ آخرين من أوطانٍ أخرى، فإنه يلتحم بهم من خلال الحروف:

شِماليَّةٌ أَحْرُفيْ حِينَ أبكِيْ

ونَجْدِيَّةٌ إذْ أَحِنُّ

وشاميَّةٌ حِينَ أشتاقُ لِلياسَمينْ

.. إلَيها سَأَرْجِعُ يَوماً

وَأَلْقَى دِمشقَ الغُصونْ (الديوان: 50).

 

وفي قصيدة (اختزال) يعيد تشكيلَ الحُلم مرةً أخرى؛ وذلك أنَّ هاجس الحلم هو محور الديوان وهمُّه الأساسي، وينتبَّه من خلال قارئٍ يقظ (لعلَّه أحد قراء شعره الحقيقيين) أنَّ التفسير ليس مطلوباً، لأن الحلم ليس إلاَّ رموزاً لا يفسرها إلاَّ من يحلم مثله، أما الآخرون غير المعنيِّين بالأحلام فلا يصلح معهم تفسير الحلم، لأنه حينئذ سيكون خارج النص. ويتوحد في رؤية الشاعر من هنا الحلم والكتابة أو الحلم والكتاب:

أوَّلُ الحُلْمِ كانَ كِتاباً.

•  •  •

أكْتُبُ الحُلْمَ كَيْ لا يَضِيعْ

.. أوْ أَضيعْ (الديوان: 52 - 53).

وفي لحظة تكوين الحلم وصناعته تتماهى الذات في الحلم، والحلم في الذات:

لأُخَمِّنْ:

أنَسْرُدُ أَعْماقَنا حِيْنَ نَحْلُمُ؟

أمْ أنَّ أعماقَنا هيَ تَسْرُدُنا؟

•  •  •

الرُّؤى؟ أمْ.. أنا؟

مَن يُفَلْسِفُ مَن؟

مَن يُفسِّرُ مَن؟ (الديوان: 53).

 

إن تشبثه بحلمه ومحاولة تفسيره و تأويله تقوده – بعد أن انتبه إلى عبثية التفسير لغير الحالمين – إلى محاولةٍ يمكن أن نسميها محاولة لدراسة أفق الحلم من خلال عددٍ من المشاهدات السريعة التي ترسم أبعاداً للحلم بعد أن اقتنعت بعدم جدوى التفسير:

• لوْ تكلَّمَ حُلْميْ لقالَ كثيراً مِنَ الرَّغَباتْ.

• لوْ تكلَّمَ حُلْمُكَ لالتَزَمَ الصَّمْتَ في مَطَرِ الغَزَواتْ.

•  •  •

اَلحياةُ التي تَتَحدَّرُ مِنْكِ..

سَتَغسِلُ أَضغاثَ أحلامِنا

- يا غُيومِيْ التي استَنْبَتَتْ بَذْرةَ الزَّاهِدين -.

•  •  •

لا تَمُوتُ رُؤًى أصْلُها في السَّماء.

•  •  •

اَلفُصُولُ تَمُرُّ على حُلُمِي..

تستَفِزُّ بَنفسَجَهُ.. وتَعُودْ.

•  •  •

الحُدُودُ خِداعُ المكانِ..

وَحُلْمِيْ على غَيمَةٍ تستّفِزُّ الحُدودْ (الديوان: 54 - 55).

 

إلى أن يقول مختتماً هذه القصيدة التي يتكلم فيها ويبوح بأمنياته حول حُلمه:

لا أُريدُ لِشَخصِيَ حُلْماً رَتِيباً قصيراً

سأُنسَى إذا لمْ تُخبِّئْ مُخيِّلَتيْ دَهْشَةً خالِدَة.

•  •  •

حُلُمٌ واحِدٌ:

وَردةٌ واحِدَة.

•  •  •

لِيَ حُلْمٌ..

وَلِلحُلْمِ حُلْمٌ..

وكُلُّ هَواجِسِنا ساجِدَة (الديوان: 58).

 

ويبلغ عمق جرح الذات أقصاه عندما تفتقد الحلم وتأتي قصيدة (كلانا كلانا!) التي كتبها أو أهداها إلى زهير المناور، الذي يبدو أن الشاعر يحتفظ معه بذكريات جمَّةٍ تشكل قسماً كبيراً من تجربته الأدبية والفنية.

 

تأتي هذه القصيدة كأطول قصيدة في الديوان لتشكل حلم الشاعر الضائع، ويبدو أن افتقاد الشاعر لهذا الوجه - الذي كان يشاركه في صنع الحلم ويفسره معه - كان وقعُه على الشاعر فادحاً، لقد كان هذا الفقد مفجراً لهذه القصيدة الثرَّة بالمعاني والمواقف والصور. ويبدأ الشاعر من تناغم الجرحين والاسمين في الوزن والحزن والهم والهمس:

تَناغُمُ جُرحَينِ في كُلِّ هذا الزِّحامِ يؤكِّدُ ليْ أنَّ لِلألَمِ الأُرْجُوانيِّ أَسْرارَهُ في السَّماءِ

وأنْ يَتشابهَ إِسْمَانِ في الوَزنِ والحُزنِ والهَمِّ والهَمْسِ:

هذا هُوَ الشِّعرُ حَقَّ اليقِيْنِ!..

انْسَنِيْ أيُّها العَربيُّ الَّذي عَتَّقَ الشَّمْسَ في حاجِبَيَّ وقَمَّصَنيْ نفْسَهُ؛

أنتَ مَن شَدَّني لِلفَضاءِ الجديدِ وقالَ: انْفَرِدْ بالنشيدِ كمِئذنةٍ..

ثُمَّ عادَ لأَرْضِ المِنَصَّةِ يَسْقِيْ البَلاغةَ دِفءَ الجَمالِ المُكَمَّلَ بالرَّعَشاتِ.. لِكَيْ يُصبِحَ الشِّعرُ مِثْلَ أَكُفِّ الصِّغارِ إذا ارْتادَها البَرْدُ... (الديوان: 59).

 

إن الشاعر يؤكد أن رؤياه الشعرية تستقي من بين ما تستقي من الخبرة الجمالية التي يمثلها زهير المناور:

(أنتَ مَن شَدَّني لِلفَضاءِ الجديدِ وقالَ: انْفَرِدْ بالنشيدِ كمِئذنةٍ..)

 

وهذا الانفراد يعني من بين ما يعني نوعاً من الغربة التي تجد الحنوَّ والتأييد على سلوك الدرب الذي تملؤه الريح:

في غُربَتيْ كَمْ تَساقَطْتُ بَينَ يَدَيهِ؛ وَكانَ يُلَمْلِمُنيْ قَبْلَ أنْ تَمْضِيَ الرِّيحُ بِيْ،

يَحتَوينيْ بِمِعْطَفهِ الشَّاعِرِيِّ،

يُشارِكُ قافِيَتيْ بَيتَها العَرَبيَّ، يُرَتِّبُنيْ مِن جَديدٍ:

إذا هَبَّتِ الرِّيحُ أَرْخِ الشِّراعَ وَثِقْ بالقَصِيدةِ، لِلشِّعرِ يَهطِلُ غَيْثُ المَعانِيْ... (الديوان: 60).

 

إن الشاعر يجد الأُنس في غربته من خلال احتوائه هذا الرمز – زهير المناور – لهذه الغربة ومشاركته إياها، ولكنها ليست غربةً كأي غربة، إنها غربة الكلمة حين تجد نفسها فريدةً وحيدة في جوٍّ صاخب بالمألوف والسائد والتقليدي الذي يعزف على أوتارٍ مكررة، وزهير المناور بحديثه عن الشاعر كان يصنع هذا الموقف المساند،  فليمض الشاعر في هذه القصيدة متحدثا عنه، يقول صهيب:

كمْ كانَ قلبُكَ يَنْزِفُ بَينَ حِرابِ المَغُوْلِ.. ويَسْفِكُ حتَّى الثُّمالَةِ جَوْهَرَهُ،

ثُمَّ يَعْلُوْ بإيقاعِنا لِيُوَلِّدَ فِكْراً صَغيراً يُؤَكِّدُنا ويَلِيْقُ بِهذا الخَرَابِ (الديوان: 61).

 

ويظل حديث الشاعر عن زهير المناور وعن تجربته وغربته وتشرده ملتحماً معه ومع تجربته الجمالية واللغوية والفنية كما يبدو من فقرات القصيدة من أجل هدفٍ واحد هو استعادة السيادة للشعر:

تَشَرَّدتَ كَيْ تَستَعيدَ السِّيادَةَ للشِّعرِ..

لا بُدَّ لِلشِّعرِ أنْ يَرْجِعَ الآنَ؛ فالرِّيحُ والنَّارُ لَمْ يَبْقَ إلاَّ احتِكاكُهُما..

الآنَ، والآنَ بالذَّاتِ، تَشَّقَقُ الأرضُ عمَّا أُسَمِّيهِ زَهْراً تَعَلُّقُهُ بالتُّرابِ المُباحِ يَشِيْ أنَّهُ لا يُحِبُّ التُّرابَ؛ سَيَكْتُبُ أسْماءَنا ونُخَيلاتِنَا في السَّحَابِ ويَشْطُبُ أسماءَهُمْ وتَماثِيْلَهُمْ

.. وَيُسَمَّى زُهَيراً (الديوان: 66).

 

ممَّا نلاحظه في هذا الديوان، وفي هذه القصيدة بالذات، الاتكاءُ على لغةٍ مجازيَّة عالية، والانسياب للسطور. كما نلاحظ في هذه القصيدة إهمال القافية إلاَّ في مواطن قليلة جدًّا، مما يجعل القصيدة تأخذ أشكال التدوير المحبب المنساب، والذي يشي بأن البوح الذي تحتويه القصيدة بعيدٌ كل البعد عن التكلف كما هو بعيدٌ عن التوقف من خلال ارتباط السطور تفعيليًّا ببعضها البعض، إنه ينساب في لغة حالمة مزهرة رائعة تصنع مونولوجاً داخليًّا حارًّا مِن خلال شكل المناجاة مع بطل القصيدة – زهير – حتى يصبح هذا البطل رمزاً من رموز مدينة حلمه ووطنه دمشق:

.. وَلَوْلاكَ كانتْ دِمَشْقُ خَيالاً بِلا شاعِرٍ عاشِقٍ، وَبِلا شُعَراءَ؛

أَتَبْتَكِرُ الشُّعَراءَ وتَسْأَلُهُمْ أنْ يَكُوْنوكَ؟

كُنْتُكَ قَبْلَ الشِّتاءِ. فكُنِّيْ وَلَو في الرَّبيعِ..

ولَو في الرُّجُوعِ (الديوان: 67).

 

وبينما يفتقد الشاعر صديقه العزيز، وربما أستاذه العزيز أيضاً، يجد نفسَه ملقًى على قارعة الشعر وحدَه:

مُلْقًى بِقارِعَةِ الشِّعرِ وَحْدِيْ.. وَوَحْدَكَ:

• مَن سَنَكُونُ؟

• خِيارانِ:

إمَّا أَكُونُكَ، أَو لا أكُونُ. وما أَصْعَبَ الموتَ بَينَهُما في الحِيادِ.

• لقَد كُنتُ وَحْدِيَ دَوماً.

• وكُنتُ. وها أَنا أَنْتَ.. فَمَنْ أنتَ إنْ لَمْ تَكُنِّي؟!

كِلانا: كِلانا! (الديوان: 69).

 

بهذه الحوارية وتلك المفاجأة مع ذلك الروح البعيد القريب، الغريب الحاضر، يختتم الشاعر قصيدته التي تؤكد عمق أصالة التلقي والتوحد والانطراح على أعتاب مملكة الكلمة الشاعرة في انتظار تكوين الحلم، وهو ما سنقف أمامَه في آخر قصيدة في الديوان، والتي تركتْ عنوانها على غلافه:

 

تأتي قصيدة (تكوين حلم) لتعبِّر عن الخيط الأساسي أو المحور الأساسي في الديوان من خلال ارتباطاته ونموه على مدار الديوان كلِّه مع محوري الذات والوطن.

 

إنه في أول القصيدة يريد أن يقول إن البوح المطلوب بالسر لم يبدأ إلا مع قصيدة (تكوين حلم)، مع أن الشاعر باح كثيراً على مدار الديوان بحيث استطعنا أن نرسم صورة لوجعه وهمه متمثلاً في أبعاده الثلاثة (الحلم – الوطن – الذات).

 

إنه على الرغم من البوح لا زال يحتفظ بسرِّ الحلم وهو في أوج تكوينه. إنه في أوج تكوينه يعترف أن حلمَه قد لا يكون منتبهاً؛ فيوقظه بما أوتي من الأمل، وقد يكون هذا الحلم تكراراً لما يتحدث الشعراء عنه، كما أنه قد يكون أحياناً بين يدي الله صوفيًّا يرتل آيةَ الكرسيِّ في الأسحار، كما أنه قد يراه أفقاً لانهائيَّ الجمال، أو صفًّا من صفوف المصلين في المسجد النبوي، وبالتحديد في روضة النبي صلى الله عليه وسلم:

لأَبُحْ بسِرِّيْ الآنَ..

- لِلأشياءِ أنْ تُصْغِي -

يَكُونُ الحُلْمُ في عَينيَّ مُنتبِهاً..

وَقدْ يَغفُو لأُوقِظَهُ وأُوقِظَهُ بما أُوتِيتُ مِن أَمَلٍ

وحُزنٍ قَدْ أَجِفُّ ولا يَجِفُّ

ويَكُونُ تَكْراراً لِما يتَحدَّثُ الشُّعَراءُ عنهُ،

يَكُونُ إخباتاً أمامَ الحقِّ؛ عَلَّ الحقَّ يَعفُوْ

•  •  •

وأُراهُ في التَّكوينِ صُوفِيًّا يُرتِّلُ آيةَ الكُرسيِّ في الأسْحارِ،

بالأذكارِ يَصْفُوْ

وأُراهُ أُفْقاً لا نِهائيَّ الجَمالِ..

كأنَّهُ في رَوضةِ المُختارِ صَفُّ (الديوان: 75 - 76).

 

ولنا على هذا المقطع ملاحظة يؤكدها استخدام الفعل "يكُون" ثلاث مراتٍ مع المصدر (التكوين) الذي فِعلُه يتكون. هذه الملاحظة خُلاصتها أن الشاعر بإزاء انهماكه في عملية التكوين يجده متكوناً بالفعل في الأشياء التي ذكرها:

• ما يقوله الشعراء وما يتحدثون عنه.

• الصوفي الذي يرتل آية الكرسي في الأسحار.

• الأفق اللانهائي الجمال.

• صف الصلاة في روضة المختار.

 

إنها خطوط عامة منبثقة من التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان: فالطبيعة التي أبدعها الخالق من مفردات الحلم (أفقاً لانهائيَّ الجمال)، والإنسان الفَرد العابد المتبتل بالأسحار (صوفيًّا يرتلُ آية الكرسي في الأسحار)، والمجتمع العابد المتبتل الواقف خلف إمامٍ متمثلاً في مجتمع الصلاة (في روضةِ المُختار صفُّ).. كل هذه الأشياء من مفردات الحلم.

 

وهكذا تتضامُّ هذه الخطوط لتصنع رؤيا منبثقةً من حالة الإخبات أمام الحق (الله) والنبي (المختار) في رؤيا الشاعر أساس الرؤية والتجربة، على أن شخصية النبي صلى الله عليه وسلم حاضرةٌ بقوة في الديوان، وذلك من خلال قصيدة (في الطريق إليه) التي تحدثنا عنها، كما أن الله تعالى حاضرٌ بقوة في رؤيا الشاعر في الديوان من خلال قصيدته (إلى الله) التي تمثل ترنيمةً عذبة من ترانيم هذا الديوان.

 

ويظل تكوين الحلم منبثقا عبر القصيدة، متمثلاً هذه المرة في استحضار موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع صاحبه في الغار وهو يقول: ﴿لاَ تَحْزَنْ إنَّ اللهَ مَعَنَا﴾:

لأنَّ الحُلْمَ في التَّشبيهِ صَوتٌ مُوغِلٌ في غارِ ﴿لاَ تَحْزَنْ﴾ (الديوان: 76).

كما يتبدَّى الحلم في ظلال التوبة والتطهر والأوبة إلى الله من جديد:

وسُمُوُّ نَفْسٍ آمَنَتْ فِيها كُؤوسُ الخَمرِ..

حِينَ تَطَهَّرَتْ بِيَدَيْ أَبِي مِحْجَنْ (الديوان: 76).

 

تظهر صورة الفارس التائب أبي محجن الثقفي، الذي يتوب من الخمر ويخرج من محبسه ليلتحق بكتائب الجهاد في معركة القادسية، لتكون خطًّا أساسيًّا من خطوط الحُلم الذي يكوِّنه الشاعر.

 

ثم يتحول الحلم في نظر الشاعر – في تجريده له – ليتخذ معنى الضياء والنُّور، حين يتحول الشاعر المتكون من لحم ودم وعواطف متوقدة إلى حالة من الضياء والنور:

كنتُ أَحلُمُ أنَّنيْ أُؤتَى الضِّياءَ..

وأنْ أَسِيرَ مَعَ الضِّياءِ..

وأنْ أُحلِّقَ في الضِّياءِ..

فَرُبَّما أَصبَحْتُ نُوْرا؟ (الديوان: 77).

 

والشاعر إزاءَ حُلمه ومحاولته تكوينَه يلتحمُ بالبؤساء والفقراء (الجياع) ليكون لهم الحلم خبزاً ودفئًا:

سَهرانُ كَي أجِدَ الضَّياعَ..

وكَي أَزُفَّ إلى الجِياعِ عَشاءَهُمْ،

وإلى خِيامِهِمُ بَخُورا (الديوان: 77).

 

وأخيراً تبوح القصيدة بالمحاور الثلاثة التي حاولنا التماسها ونحن نحلل بنية الديوان وبنية هذه القصيدة الأخيرة:

(الحُلْمُ – لِي - وَطَن).

 

يتضامُّ ويتوحد إذاً الحلمُ بالوطن بالذات، بل تقف (الذات) بينهما (الحلم والوطن) حاضرةً بكل قوة، حتى في شكل بنية هذه الجملة المفتاح:

(الحُلْمُ لِي: وَطَنُ القَصيدةِ، مَشْرِقُ الكَلِماتِ..)

 

ليتأكد لنا أنَّ مهمة القصيدة كانت هي البحث عن وطنٍ هو والحلم مرتبطان معاً على مدار الديوان وبوضوحٍ كبير في هذه القصيدة.

 

وكما تنضج القصيدة في أعماق الذات وهي تتحسى أوجاع الحلم والبحث عنه كي يولد ويتكون، كذلك ينضج الحلم ويكتمل:

لأَبُحْ بِسِرِّيْ..

الآنَ صارَ الحُلْمُ في شَفَتَيَّ مُكْتَمِلاً كَمَوَّالٍ..

وفي كَفِّي - غَداً - سَيَكُونُ دُفُّ

دُفٌّ.. وَزَحفُ. (الديوان: 78).

 

إن رحلة الحلم من الأعماق إلى الشفتين، مع لحظة اكتماله ثم امتلاكه بالأكف ليكون واقعاً عمليًّا، ويصبح حلماً متحققاً في ذلك الزَّحفِ الذي يرجعنا إلى ظلال القرن الأوَّل من الهجرة النبوية، حيث كانت الأُمَّة كلها في زحفٍ وامتداد واتساع بهذا الدِّين إلى الآفاق، هو ما يلحُّ عليه الشاعر ويختم به قصيدته وديوانه.

 

ويبقى التطلع إلى رسم صورة هذا الزحف وآفاقه هو التجربة التي نرى أن على الشاعر أن يعِدَنا بها فيما هو جديد من إبداعه..

 

إن هذه الرحلة رحلةٌ فريدة أغرانا الشاعر أن نخوض غمارها بكل هذا الحضور الفكري والفني الذي يتجلى في هذا الديوان، لتُضاف إلى الشعر الإسلامي تجربةٌ من أخصب تجاربه ذات الحساسية الحداثية التي تقدِّم الرؤيا الإسلامية في حلة بهيجة جديدة وثوبٍ قشيب.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ثلاثية الحلم والوطن والذات في ديوان تكوين حلم (1/2)

مختارات من الشبكة

  • الوطنية في نظر الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحب والوطن في رواية " حبيبتي من ورق "(مقالة - موقع الدكتور وليد قصاب)
  • الإنسان بين العقيدة والوطن(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • طور ذاتك بذاتك(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • تفسير: (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ذات تبارز ذاتها (شعر)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • موقف ابن تيمية من التمييز بين لذات الدنيا ولذات الآخرة(مقالة - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • التفسير بين الموضوع والذات(مقالة - موقع الدكتور وليد قصاب)
  • العلمانيون والتطاول الفج على الإسلام والذات الإلهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معاني الحروف الثنائية والثلاثية بين القرآن الكريم ودواوين شعراء المعلقات السبع(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/12/1446هـ - الساعة: 0:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب