• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (6/ 10)

د. عيد محمد شبايك

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/2/2011 ميلادي - 28/2/1432 هجري

الزيارات: 10862

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أفق انتظار النص، وأفق انتظار المتلقي:

إن النص الأدبي الخالد هو الذي يأخذ بلبِّ المتلقِّي، فيبعث في نفسه متعة جمالية، وهو الذي يستنفر القارئ ويدفعه إلى الجد والاجتهاد، أو "هو الذي يستفز القلب"[1] بتعبير أسامة بن منقذ، وإنه النص القابل لتعدُّد القراءات بحيث كلَّما استهلكت قراءة لاحت في الأفق بوادر قراءة أخرى، وإنه النص الذي كلَّما قرأناه أثار فينا رغبة في الاستزادة، وحصَلت لدينا متعة وإفادة أحسسنا من خلالهما أننا مشدودون إليه شدًّا، ويؤيِّد ذلك ما ذهب إليه كولردج من أن "القصيدة ذات القوة الأصلية التي تستحقُّ اسم الشعر بمعناه الجوهري، ليست هي القصيدة التي منحتنا قراءتها أكبرَ مقدار من اللذَّة، وإنما هي القصيدة التي تعطينا أكبر مقدار من اللذَّة حينما نعود إلى قراءتها"[2]؛ لأن معناه يتدفَّق كتدفُّق مياه النهر الدائمة التجدُّد، والمعنى المتجدِّد ينشأ عادة "نتيجة تطابق واتحاد عنصرين: أفق المتوقع المفترض في العمل، وأفق التجربة المفترض في المتلقِّي؛ إذ إنَّ المتلقِّي هو الذي يحقِّق إنجاز بنية العمل، وفي كلِّ مرة تتغيَّر فيها شروط التلقِّي التاريخية والاجتماعية، يتغيَّر المعنى فيها، فالعمل الأدبي حتى لحظة صدوره لا يكون ذا جدة مطلقة وسط فراغ"[3].

 

وكما هو واضح في النص السابق، فإن هناك تأكيدًا واضحًا على أن الأعمال الأدبية الجادَّة هي التي تكشف في كلِّ مرَّة عن معنى متجدِّد، يشترك في صنعه أفقَا انتظار النص الأدبي والمتلقِّي، على أن التركيز مسلَّط - كما هو الحال في كل مرَّة - على أفق انتظار المتلقِّي؛ لأن القراءة الجادَّة والمثقَّفة قادرة على استجلاء الطابع الديناميكي للنص الأدبي، الذي تتوقَّف كل من حياته وقيمته على مشاركة المتلقِّين المتتاليين.

 

ويرى مارتن لينداور أن البحث الخاص بالأعمال الأدبية - بالضرورة وبطبيعة الحال - يعتمد على القارئ، حيث إن القارئ رغم كلِّ شيء هو مصدر البيانات التي يتمُّ بناء تحليل العمل عليها، وبينما يعتمد البحث على القارئ، فإنه يتمُّ النظر إلى الخصائص المميِّزة لها، وهي (القارئ، وخبراته، ومدى استجاباته للعمل الأدبي)[4].

 

وبناءً على هذا، فالعمل الفني الجادُّ ذو القيمة الجمالية، هو الذي يستقطب أكبر عددٍ ممكِن من القرَّاء، ليس في فترة زمنية محدَّدة، بل في فترات زمنية متعدِّدة ومتعاقبة؛ لأن "شعرية النص وجمالياته ليست للإطراب الآني؛ وإنما للإطراب في كلِّ الأزمنة؛ لأن النص الجيد عالم مهول من العلاقات المتشابكة، يلتقِي فيه الزمن بكلِّ أبعاده، حيث يتأسَّس في رحم الماضي وينبثق في الحاضر، ويؤهِّل نفسه كإمكانية مستقبلية للتداخل مع نصوص آتية"[5]، وتلك هي الميزة التي تضمن له نوعًا من الديمومة والخلود.

 

ولنا في النص القرآني الكريم النموذج الأعلى للكمال الفني والجمالي.

 

ونلحظ ذلك في قوله - تعالى -: ﴿ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾ [النجم: 22]، لقد عدَّ ابن الأثير (ت637هـ) كلمة (ضيزى) من الألفاظ الغريبة[6] التي حَسُنت بحُسْنِ موقعها، ثم علَّل ذلك بأنها جاءت على الحرف المسجوع الذي جاءت السورة جميعها عليه، وغيرها لا يسدُّ مسدَّها، وقد يكون هناك لفظة آلف منها مثل جائرة أو ظالمة، ولكنَّها في هذا الموضع لا ترد ملائمة لأخواتها ولا مناسبة؛ لأنها تكون خارجة عن حرف السورة، فلو "قلنا: ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذًا قسمة ظالمة، لم يكن النظم كالنظم الأول، وصار الكلام كالشيء المعوز الذي يحتاج إلى تمام، وهذا لا يخفى على مَن له ذوق ومعرفة بنظم الكلام"[7].

 

وهذا كلام صائب مسلَّم به بحكم السمع والذوق معًا، ولكن ما يُؤخَذ على ابن الأثير هو ما أخذناه على غيره، من أنه أرجع الحسن إلى شيء لفظي محض، وهو مراعاة التقارب في مقاطع الفواصل، ليتمَّ لها الائتلاف والانسجام الإيقاعي، ولكن الرافعي نظر إليها نظرة عميقة شاملة تناولتها من ناحيتيها في إفاضة وحسن عرض، حيث قال: "وفي القرآن لفظة هي أغرب ما فيه، وما حسنت في كلامٍ قط إلا في موضعها، وهى كلمة (ضيزى)، ومع ذلك فإن حُسْنَها في نظم الكلام من أغرب الحُسْنِ وأعجبه، ولو أدرت اللغة عليها ما صلح لهذا الموضع غيرها"[8]، فإن السورة التي هي منها - وهى سورة النجم - مفصلة كلها على حرف (الياء) فجاءت الكلمة فاصلة من الفواصل.

 

ثم هي في معرض الإنكار على العرب؛ إذ وردت في ذكر الأصنام، وزعمهم في قسمة الأولاد، فإنهم جعلوا الملائكة والأصنام بنات لله مع وأدهم البنات، فقال - تعالى -: ﴿ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾ [النجم: 21- 22]، فكانت غرابة اللفظ أشدَّ الأشياء ملائمة لغرابة هذه القسمة التي أنكرها، وكانت الجملة كلها كأنها تصور في هيئة النطق بها الإنكار في الأولى، والتهكُّم في الأخرى، وكان هذا التصوير أبلغ ما في البلاغة، وخاصَّة في اللفظة الغريبة التي تمكَّنت في موضعها من الفصل، ووصف حال المتهكِّم في إنكاره من إمالة اليد والرأس بهذين المدَّين فيها، وجمعت إلى ذلك غرابة الإنكار لغرابتها اللفظية، والعرب يعرفون هذا الضرب من الكلام، وله نظائر في لغتهم، وكم من لفظة غريبة عندهم لا تحسن إلا في موضعها، ولا يكون حسنها - على غرابتها - إلاَّ أنها تؤكِّد المعنى الذي سِيقَت إليه بلفظها وهيئة منطقها، فكأن في تأليف حروفها معنًى حسيًّا، وفي تأليف أصواتها معنى مثله في النفس.

 

ثم يقول: "وإنْ تعجب فعاجب نظم هذه الكلمة الغريبة وائتلافه على ما قبلها؛ إذ هي مقطعان: أحدهما مدٌّ ثقيل، والآخر مدٌّ خفيف، وقد جاءت عقب غنَّتين في (إذًا) و(قسمةٌ)، وإحداهما خفيفة حادَّة، والأخرى ثقيلة متفشِّية، فكأنها بذلك ليست إلا مجاوَبَة صوتية لتقطيع الموسيقا، وهذا معنى رابع للثلاثة التي عددناها آنفًا، أمَّا خامس هذه المعاني، فهو أن الكلمة التي جمعت المعاني الأربعة إنما هي أربعة أحرف أيضًا"[9].

 

الرافعي يلفتنا إلى الأداء الدقيق لكلمة (ضيزى) في هذا التركيب البياني المعجِز، فهي متناسِقة مع غيرها من الفواصل، مما يبرز جمال الإيقاع الذي انتظم فواصل السورة كلها عدا بعض آيات في آخرها، ورغم ثقلها في ذاتها، فإن انسجامها مع اللفظتين السابقتين عليها جعلها سهلة في نطقها؛ إذ أعقبت غنتين في (إذًا) و(قسمة)، فألفت مع غيرها مجاورة صوتية لتقطيع موسيقي، هذا إلى ما أوحَتْ به غرابة اللفظة إلى غرابة القسمة، فأتت مناسبة لجوِّ الكراهة والإنكار الذي صوَّرته الآية في معرض إنكارها على المشركين قسمتَهم الجائرة.

 

ويرى الدكتور (تمام حسان) ملحظَين آخرين - غير رعاية الفاصلة - أحدهما: الإيحاء بما في (الضاد) من تفخيم بأن الجور في هذه القسمة لا يزيد عليه، وثانيهما: ما في (ضيزى) - وهى للتفضيل - من زيادة في معناها على معنى (جائرة)، التي هي صفة مشبهة[10].

 

فلله در البيان الأعلى يستعمل الكلمة في موضعها، فتكون أمسَّ رحمًا بالمعنى، وأوضح في الدلالة عليه، وأشدَّ إيحاء به، وأشدَّ تأثيرًا، وأكثر استقطابًا لمشاعر القارئ!

 

تبعًا لما تقدَّم، يصبح وجود النص الأدبي مرهونًا بمجموعةٍ من آفاق انتظار المتَّصلين بالمتلقِّين المتوقع قراءتهم له، وما يمكن أن يبعث ويُثِير فيهم من متعة ورغبة تجعلهم يعقدون معه عقد محبة ووفاء، كما يصبح وجوده مرهونًا بالمتلقِّي الواحد، الذي قد يتعدَّد أفقه بتعدُّد ظروف الاستقبال والتلقِّي، وكذا بحسب الحالة النفسية، أو الوضعية الاجتماعية والتاريخية التي يكون عليها ساعة قراءته أو تلقِّيه العمل الأدبي، وكلَّما كان القارئ متسلِّحًا بأدوات نقدية متعدِّدة المشارب، متنوِّعة الرؤى، متفتِّحة الآفاق، باحَ له النص بأسراره، وأفضى إليه بمغاليقه.

 

أمَّا بالنسبة لأفق انتظار النص، الذي لا يقلُّ هو الآخر أهمية عن أفق انتظار المتلقِّي؛ لأنه عنوان القيمة الفنية والجمالية - وقد سبق أن ربطنا بين جماليات الإنتاج ممثَّلة في النص، وجماليات التلقِّي ممثَّلة في المتلقِّي - فإنه يشكل من العناصر التالية:

 

1- خبرة ومعرفة المتلقِّين للنوع الأدبي الذي ينتمي إليه النصُّ، وفي هذا ينبغي مقابلة أفق انتظار القارئ بأفق انتظار النص؛ قصدَ الوقوف على إمكانية تكاملها وامتدادها، أو تنافرها واختلافها، فقد تقصر قدرة المتلقِّي على فهم النص، أو فهمه فهمًا خاطئًا عكس ما أراد له المؤلف، أو قصورًا عن إدراك قيمته الجمالية.

 

2- علاقة النص شكلاً ومضمونًا بالتجارِب الأدبية السابقة، التي يُفتَرَض وجود علاقة تكامل بينها (السياق الخارجي)؛ لأن كلَّ نص أدبي هو حالة انبثاق عمَّا سبقه من نصوص تُماثِله في جنسه الأدبي، فالقصيدة الغزلية انبثاقٌ تولَّد عن كلِّ ما سَلفَ من شعرٍ غزلي، وليس ذلك السابق سوى سياقٍ أدبي لهذه القصيدة التي تمخَّضت عنه وصار مصدرًا لوجودها النصوصي[11].

 

3- درجة الانحراف والانزياح بين اللغة العادية المألوفة واللغة الشعرية للنص الأدبي[12]؛ لأن الانحراف - كما يبدو لي - حق الشعرية/ الأدبية لإثبات مهارة الصوغ لدى المبدِع، ولإثبات مهارة التقبُّل لدى المتلقِّي.

 

إن النص الممتاز نص معرفي "يُقاوِم في أنساقه اختزان معنًى ما سطحيًّا أم عميقًا، فهو نص حواري قائم على التعدُّدية في المعنى"[13]، وتلك مهارة الصوغ، قابل للتعدُّدية في القراءة، وتلك مهارة التقبُّل.

 

ولا شكَّ أن النص إنما هو نِتاجٌ لتداخل نصوص عِدَّة؛ إذ تتَداعَى فيه نصوصٌ تترَى، وتتمرأى فيه بمستويات مختلفة، وبصِيَغ يَصعُب أو يَسهُل إدراكها، وهى تمثِّل مكوِّنات الثقافة في ماضيها وحاضرها، وهذا ما اصطلح عليه النقد الحديث بـ(التناصِّ)، (تناص إبداعي) تتجلَّى فيه مهارة المبدِع، (وتناص قرائي) تتجلَّى فيه مهارة المتلقِّي، وكلاهما - دون شك - يخدم بطريقةٍ ما أفق التوقُّعات الذي يكاد يتبلوَر في أنه نحوٌ من السياق الثقافي بعامَّة، والأدبي بخاصة، وما يحكمه من قِيَم فنية وجمالية.

 

إن الآثار الأدبية تتَّصل فيما بينها اتصالاً وثيقًا في مستويات مختلفة، وهو أمرٌ لا يقلِّل من شأنها ما لم يغذها بالخصب والنماء، وتبعًا لذلك وبتطبيق التصوُّر ذاته على الظواهر النقدية وفحصها، نجد أنها تتحاوَر فيما بينها، ويتَّصل بعضها ببعض اتصالاً وثيقًا، "فالمتنبي مخبوء في شوقي، وأبو تمام مخبوء في السيَّاب، وعمر بن أبى ربيعة في نزار قباني"[14].

 

هكذا يتقرَّر أن دراسة جمالية التلقِّي تتطلَّب البحث عن العلاقة القائمة بين أفق انتظار النص وأفق انتظار المتلقِّي؛ وعليه فإن الحديث عن جماليات التلقِّي هو حديث عن التأويل، ومعلوم بالضرورة في الميدان الأدبي أن تأويل النصوص الأدبية - خاصَّة الأجنبية منها - يخضع لاعتبارات سياسية، فلسفية، دينية، ثقافية، حضارية، وليس فقط لاعتبارات فنية أو جمالية، إن ما يراه أحد القرَّاء راقيًا جميلاً؛ لأنه يستجيب لحاجة في نفسه، قد لا يبدو كذلك لقارئ آخر يَعمَى أن يَرَى أثرَ الجمال والفن فيه، وهذا ما ذهب إليه ج. جورت عندما نبَّه إلى أن أفقَ انتظار المتلقِّي لا يخضع فقط لمقاييس جمالية وفنية مرتبطة بالعمل الأدبي، بل هناك عناصر غير نصية تتحكَّم في هذا الأفق[15].

 

لقد سبقت الإشارة في أكثر من مرة إلى وجوب اكتساب المتلقِّي لعُدَّةٍ نوعية، ولأدوات فعَّالة، تسمح له بمواجهة النص قصْدَ تشريحه والوقوف على ما به من قِيَم جمالية وفنية، كما سبق الحديث عن العلاقة الجدلية والتكاملية بين جماليات الإنتاج وجماليات التلقِّي، هذا في الدراسات الحديثة غربية كانت أم عربية.

 

إن تحليل النص نشاطٌ نقدي يستند إلى مفاهيم نظرية متنوِّعة، وقواعد إجرائية تهدف إلى تنوع الركيزة المنهجية التي يتبنَّاها المحلِّل، وهو يؤمن بالتعدُّدية والانفتاح على ما يجد في سيمياء النقد من تحوُّلات علامية وأنساق جديدة[16].

 

بقي الآن أن نتساءَل عن حظِّ المتلقِّي ومكانته، والعلاقة بينه وبين النص الأدبي في الدراسات القديمة.

 

بدايةً لا بُدَّ من الإشارة إلى أن الجاحظ، وابن طباطبا، وعبدالقاهر الجرجاني، وابن الأثير، استطاعوا في فترة مبكِّرة من الدرس النقدي أن يشيروا إشارات واضحة إلى أهمية وقيمة المتلقِّي في العملية الإبداعية، كما استطاعوا أن يضعوا اليد على العلاقة بين المتلقِّي والنتاج الأدبي، من ذلك مثلاً أنهم ربَطوا فهم النصوص الأدبية والوقوف على خصائصها المتميِّزة بنوع من المتلقِّين النابهين المتَّصفين بصفات متميِّزة؛ كالمقدرة اللغوية، والذوق والتخصُّص، والثقافة، واكتساب خبرات متنوِّعة، وأدوات ملائمة، وهي الشروط التي لم تَغِبْ على منظِّري جماليات التلقِّي في العصر الحديث.

 

ومع عبدالقاهر تتأكَّد مكانة المتلقِّي في الظاهرة الأدبية؛ إذ يصبح طرفًا أساسيًّا في هذه المعادلة، بل يذهب إلى أبعد من هذا عندما يشترط في المتلقِّي شروطًا تتوقَّف عليها الممارسة الأدبية، كونها في بداية الأمر ونهايته حوارًا بين النص الأدبي والمتلقِّي والمبدِع، فالحوار المثمِر الناجم عن القراءة المثقَّفة كفيلٌ بأن يختزل المسافات الشاسعة بين عناصر العملية الأدبية، فيتحوَّل القارئ من مستهلِك إلى مبدِع يُشارِك إلى جانب الكاتب في إنجاز النص.

 

وانطلاقًا من هذه الرؤية يشترط عبدالقاهر في المتلقِّي أن يكون ذا صنعة، عالمًا بطرق التعبير الأدبي، قادرًا على إدراك الخطأ من الصواب، يستطيع بحسِّه وذوقه أن يُفاضِل بين الكلام، وأن يقف على الحَسَن وعلى الأحسن، إلى كلِّ هذا يشير بقوله: "وجملة الأمر أنك لا تعلم في شيء من الصناعات تُمِرُّ فيه وتُحْلِي، حتى تكون ممَّن يعرف الخطأ فيها من الصواب، ويفصل بين الإساءة والإحسان، بل حتى تُفاضِل بين الإحسان والإحسان وتعرف طبقات المحسِنين، وإذا كان هذا هكذا علمت أنه لا يكفي في علم الفصاحة أن تنصب لها قياسًا، وأن تصفها وصفًا مجملاً، وتقول فيها قولاً مرسلاً، بل لا تكون من معرفتها في شيء حتى تفصل القول وتحصل، وتضع اليد على الخصائص التي تعرض في نظم الكلم وتعدها واحدة واحدة، وتسمِّيها شيئًا شيئًا، وتكون معرفتك معرفة الصانع الحاذق الذي يعلم كلَّ خيط من الإبريسَم الذي في الديباج، وكل قطعة من القطع المنجورة في الباب المقطع، وكل آجُرَّة من الآجُر الذي في البناء البديع"[17].

 

إن اللافت في هذا النص هو التفاتُ عبدالقاهر إلى أصول النقد الصحيح (النقد البنَّاء)، وكأنَّه يدعو كلَّ متلقٍّ حاذقٍ إلى الابتعاد عن الأحكام السطحية التي لا تقوم على دليل، ولا يطمئنُّ إليها فكر ناضج - كما كان شأن النقد في العصور الأولى - وفي الوقت نفسه دعوة صريحة إلى تَوَخِّي الدقَّة، والمطالبة باعتماد الحجَّة البيِّنة، نلمَس ذلك فيما بيَّنه من أصول نقدية، وأدوات فنية يجب أن يتسلَّح بها القارئ الحاذق، القادر على الإبداع وعلى تأطير النص وإعطائه أبعاده الحقيقية؛ حتى تتحقق (ذوات) العملية الأدبية[18]؛ ذلك أن (ذات الكاتب) لن تتحقَّق في غياب ذاتين أُخرَيَين: ذات النص الذي صبَّ فيه المؤلف تجربته ومعاناته ومكابدته، و(ذات المتلقي) الذي تحقق الوجود الفعلي للنص؛ لأن الكاتب لا يكتب لنفسه، بل نراه في كلِّ الأحوال ينقل رؤيته وتجربته وخبرته ومعاناته إلى غيره، وعلى هذا الأساس فحياة (الأنا) ممثَّلة في الكاتب، مرهونة بحياة (الآخر) ممثَّلة في (المتلقِّي)، لا بموته أو تغييبه، وبعبارة أخرى فإن حياة المؤلف تتوقَّف على حياة النص، وحياة النص تتوقف على حياة المتلقِّي القادر على أن يتعامَل مع النصوص الأدبية معامَلَة إيجابية فعَّالة منتِجة، ممَّا يؤكِّد العلاقة التكاملية بين عناصر العملية الإبداعية؛ لتتأكَّد من خلال هذا الترابط العلاقة التكاملية بين عناصر العملية الأدبية.



[1] "البديع في نقد الشعر": صـ 160.

[2] كولردج: صـ 170.

[3] د/ شاكر عبدالحميد: "التفضيل الجمالي"، صـ 349.

[4] "الدراسة النفسية للأدب"؛ ترجمة د/ شاكر عبدالحميد، صـ 206، الهيئة العامة للثقافة، ك 18، أكتوبر 1996م.

[5] "الخطيئة والتكفير": صـ 16.

[6] يُنظر: "في غريب القرآن"؛ لابن عزير، صـ 315؛ تح/ محمد أديب جمران، دار ابن قتيبة دمشق، 1995.

[7] "المثل السائر": 1/177.

[8] يبدو أن الرافعي متأثِّر في ذلك بابن عطية (ت542هـ) في "المحرر الوجيز"، حيث يقول: "لو نُزِعت منه لفظة، ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم توجد" ("المحرر الوجيز": 1/57).

[9] "تاريخ آداب العرب": 2/230 - 231.

[10] "البيان في روائع القرآن": صـ 288.

[11] "الخطيئة والتكفير": صـ 15.

[12] استفدنا في تحليل أفق انتظار كلٍّ من النص والمتلقِّي من كتاب: دانيال هنري باجو: "الأدب العام والمقارن"، آرمون كولان، باريس، 1994، صـ 50، 51.

[13] بشرى موسى: "نظرية التلقي": صـ 54.

[14] "الخطيئة والتكفير": صـ 17.

[15] من هذه العناصر بعض الاعتبارات السياسية والثقافية والدينية، وغيرها من الاعتبارات المؤثِّرة في المتلقِّي والموجهة له، (المصدر السابق، صـ 52).

[16] بشرى صالح: "نظرية التلقي": صـ 54.

[17] "دلائل الإعجاز": صـ 37 (تح/ شاكر)، وينظر: صـ 254، 255، 362.

[18] ويطلق عليه د/ محمد مفتاح: (القارئ المبدع) الذي يتفاعل مع العمل الأدبي فينتج بدوره مُعارِضًا للمقروء بشتَّى صور المعارضة، (دينامية النص صـ 81، وما بعدها).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (8/ 10)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (10/9)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (10/10)

مختارات من الشبكة

  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (7/ 10)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (10/5)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (4/ 10)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (3/ 10)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (2/ 10)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (1/ 10)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الحضارات المجاورة لبلاد العرب عند ظهور الإسلام(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • خاتمة ونتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل في تاريخ الإسلام(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • أثر ظهور أول تسجيل للقرآن الكريم في تاريخ الإسلام(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب