• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

الصور الصادمة في آي الذكر المحكمة (3) ذكرا وليس حصرا

الصور الصادمة في آي الذكر المحكمة (3) ذكرًا وليس حصرًا
محمد صادق عبدالعال

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/10/2021 ميلادي - 13/3/1443 هجري

الزيارات: 3566

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الصور الصادمة في آي الذِكرِ المحكمة ( 3)

ذكرًا وليس حصرًا


في سابق مقال لبعض صور وأمثال مما ضربها المولى عز وجل للناس تنبيهًا وتبيانًا وللكافرين أمثالها، لم يشأ سبحانه وتعالى أن يصور لهم ما يسوقهم للمجادلة بعد الفَهم والاستقراء الواضح، بل ضرب الأمثال وساق الصور برمزيات من البيئة المحيطة والطبيعة كلها، فمنها ما خفي لوقت معلوم عنهم علِمه، ومنها ما يرونه في حياتهم اليومية؛ لئلا يكون لهم حجة بعد هذا البيان والسياق الصادم بمآل وعاقبة كل من يجنب عقيدة التوحيد أو ينصلها من أي عمل يراد به صيانة البشرية ونهضتها، مهما كان عظيمًا أو مؤثرًا مستمرًّا، فكان التصوير مرةً (بالسراب الحسي غير الملموس - وأخرى بالرماد الملموس)، والهيِّن ذكرُه كبيت العنكبوت، وعزِّز بهوانه استباق الريح لتفريق ذراته، فلا يعلم مستقرها بالعين المجردة، ولا يرتجى من ذراتها منفعة، وما زلنا في ذلكم البستان القرآني العظيم نتريض فيه ومن بديع البيان والمعاني نجتني الحكمة البالغة لعلها تمسُّ شفاف القلوب، أو تنال من شغاف الأفئدة، فتحال من مؤصدةً بران وجفوة إلى رقة وعذوبة، تذوق حلوة الإيمان وتتقيَّأ صديد العصيان بعدما ساق لهم ربهم البرهان في كل زمان ومكان، فما من إله بحق يعبد إلا الله.

 

ونقول بعد الحمد الدائم القائم غير المبتور إلا بانقطاع الأنفاس من الصدور أنه لم يكن الرعيل الأول من المسلمين، يعتنون تمام العناية بالتفسير قدر اهتمامهم بتطبيق الآيات، فمما رواه ابن جرير بسنده إلى عبدالرحمن السلمي قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا تعلموا عشر آياتِ لم يخلفوها حتى يعلموا ما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعًا".

 

فمرحلة تفسير القرآن الكريم لم تأت إلا في وقت متأخر بعد نزول القرآن، وكان الداعي لذلك ما حدث من خلط ودخول الإسرائيليات على القَصص القرآني، وانقسام المسلمين إلى سنَّة وشيعة وجمهور، كما أوردت كتب السير، فكان التصحيح لازمًا وواجبًا، ودور القرآن الكريم في إيضاح الحقائق مطلوبًا، فهو الجامع بين دفتيه أخبار الأمم السابقة وأنباء اللاحقة، وفيه المستقر والخبر الحقيق، واستشهادي بذلك هو ما جاء بقول د/ محمد حسين الذهبي /في كتابه "علم التفسير"، حين انجدل في الحديث عن مراحل التفسير للقرآن؛ حيث أورد ذكر الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله قول بن عباس رضى الله عنه التفسير على أربعة أوجه وهي: "وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعرفه العلماء والدارسون، ووجه لتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل)[1].

 

وبالتأكيد فتلك الوجوه الأربعة هي ما سار على دربها المسلمون طويلًا، لكن مشيئة الله عز وجل لم تكتف لهم بتلك الجهات الأربع الأصلية، بل امتدت آفاق الاستدلال والاستقراء بفتح من الله إلى الكثير من التفاسير لجل الأشياء والموجودات، وأصبح باب الاجتهاد البلاغي مفتوحًا على مصراعيه، لكن بضوابط شرعية ومراجعات علمية وفقهية؛ لئلا يحمل النص القرآني على هوى متبع أو نفس أمارة بالسوء، أو حق يراد به باطل، استنادًا لقوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، وقوله: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].

 

ومع كل هذا يمكننا القول: إن السابقين من المسلمين الأوائل لم يعاصروا اكتشافات العلم الحديث والمعاصر لأشياء تحدث القرآن في نصوصه عنها منذ نزوله منجمًا، وذهل المتنطعون بأسبقية الاكتشاف إلى الاعتراف بمصداقية القرآن الكريم في الكشف، وفتح مجال التعلم والاستقراء لهم، حتى ولو لم يسلموا بذلك علنًا أو إنصافًا، فنستطيع القطع بأن السلف من المسلمين قد أخذوا القرآن الكريم جملة واحدة على الصدق لما وجدوه محضرًا في زمانهم من صدق ناقله محمد صلى الله عليه وسلم: "والايمان المطلق بالله العظيم فضلًا عن فيوضات واتحافات التحقق والصدق في حياتهم اليومية، وفي غزوات النبي والحديث عن الفرائض والعبادات، أيضًا تعد فصاحة العرب اللغوية من العوامل التي لم تجعلهم يلتفتون للتفسير سريعًا، فضلًا عن اهتمامهم البالغ بالتطبيق قبل التفسير، فمما يذكر أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ قوله تعالى وفاكهة وأبًّا"، فقال: الفاكهة فهذه نعرفها، فما الأب ولم يلتفت لمعناها. ولنستكمل باقي الصور والتشبيهات والكنايات التي عزز بها النص القرآني العظيم معالجة قضايا الشرك والتوحيد، فنذكر منها:

الصورة الثالثة (البحر ومفرداته):

" فنقول بعد بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40].

 

تسود الخرافات ويطغى الجهل، فيكون التأويل على غير علم مادام العقل البشري قد عطل أو قَبِلَ بها، ولم يجتهد ابتغاء التوصل لماهية حقيقية للشيء المراد استكشافه واستطلاع أسراره، فقد مرت اكتشافات الأسرار البحرية بمراحل عديدة لم تبدأ مرحلة منها قبل القرن الثامن عشر الميلادي؛ إذ لم تظهر أية اكتشافات لما قبل ذلك، ولسنا بصدد مقالة علمية موسوعية أو بببليوجرافيا لنقف على مراحل تطور العِلم بأسرار( البحار)، لكن لنسرد في عجالة هامشًا من مقالة تكشف عن الإعجاز القرآني العلمي في قوله تعالى: ﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40]، موقع تقني إعجاز القرآن والسنَّة، الشيخ عبدالمجيد الزنداني مستندًا إلى معاجم علمية عديدة؛ حيث كتب:

(لقد كانت البحار عالِمًا مجهولًا إلى القرن الثامن عشر الميلادي، كما كانت الخرافات والأساطير المتعلقة بالبحار تسود الحضارات القديمة، وكان الرومان يعتقدون بأن قمم الأمواج جياد بيضاء تجر عربة الإله (نبتون) بزعمهم، وكانوا يقومون بالطقوس والاحتفالات لإرضاء هذه الآلهة، وكانوا يعتقدون بوجود أسماك مصاصة لها تأثيرات سحرية على إيقاف السفن، وكان لليونانيين مثل هذه الاعتقادات، كما كان بحارتهم يعزون سبب الدوامات البحرية إلى وجود وحش يسمونه (كاربيدس) يمتص الماء ثم يقذفه، ولم يكن بمقدور الإنسان معرفة أعماق الشواطئ الضحلة والمياه الراكدة، ناهيك عن معرفة البحار العميقة والحركات الداخلية في هذه المياه، كما لم يكن بإمكان الإنسان الغوص في هذه الشواطئ إلا في حدود عشرين مترًا ولثواني معدودة؛ ليعاود التنفس من الهواء الجوي، وحتى بعد ابتكار أجهزة التنفس للغواصين، لم يتمكن الإنسان من الغوص أكثر من ثلاثين مترًا، نظرًا لازدياد ضغط الماء على جسم الغواص، مع زيادة العمق الذي يعادل عند عمق ثلاثين مترًا أربعة أضعاف الضغط الجوي على سطح الأرض، وعندئذٍ يذوب غاز النيتروجين في دم الغواص، ويؤثر على عمل مخه، فيفقده السيطرة على حركاته)[2].

 

وفي تلك الدراسة المستفيضة عن ماهية البحار والمحيطات العميقة اللجية، تجد مطابقة كل حقيقة علمية ثبت مؤخرًا اكتشافها أن القران الكريم قد تحدث عنها تفصيلًا أو إجمالًا: وما يعنينا في تلك الصورة القرآنية العظيمة ليس ذلك الإعجاز العلمي المسلَّم به وفقط، بل ذلك الإعجاز اللغوي وانتقاء المعاني ومطابقتها لمقتضى الحال، ففي تفسير الإمام الطبري رحمه الله وهو ما ذهبت إليه آراء غالب المفسرين الأعلام بأن الله تعالى قد شبَّه ومثَّل أعمال الكافرين بالظلمات الحسية الناتجة عن الأمواج الملموسة من الأبحر اللجية عظيمة العمق ذاخرة الماء، وإن ترادف الوصف لهيئة البحار وترتيب منحدراتها المطابقة لها اكتشافات أهل العلم والطبيعيات؛ ليرهب وبشكل صادم وباعث على الحسرة كل مراوغ من قضية الإيمان المطلق بالله وتوهم الكثير وللأسف من المسلمين بأن تلك الأعمال وإن نفعت البشرية قد تنفع أصحابها حتى ولو لم يكونوا مسلمين؛ حيث أطلق سبحانه للخلق صورة متناهية الروعة والمهابة بتشبيه قلب الكافر بالبحر اللجي الذي تغشاه الأمواج المترادفة والظلمات المتلاحقة على اختلاف تدرجاتها وهيئاتها، فالحاصل في أن الظلمات هي رمز لأعمال الكافرين والبحر اللجي قلبُ الكافر، فزع كبير لكل من تسول له نفسه أن ينجدل في افتراءات المعاصرين أن الأعمال التي تنفع البشرية شوافع لأصحابها حتى ولو لم يكونوا مسلمين وموحدين لذاته تعالى.

 

ومن عظمة التمثيل الإلهي باختيار الرمز (البحر اللجي المتلاطم الأمواج)، كناية عن (قلب الإنسان) الذي يمر عليه في اليوم الواحد آلاف الألوف من دفقات الدم لحجراته وبطين أيمن وآخر أيسر وأذينين، لإحداث ما يسمى بالدورة الدموية الصغرى والكبرى، وتغذية الجسم من أطرافه إلى المخ، تمثيل عميق لا يوازي بأي تمثيل يجتهد فيه الكتاب والأدباء... ولا مجال للمقارنة أصلًا، فضلًا عن تشخيص وترميز الأعمال بالظلمات وتدرجاتها من المظلم للأكثر إظلامًا وإعتامًا، فمما قرأت بتوفيق من الله عز وجل أن الألوان السبعة للطيف لكل منها "طول موجي"، وله طول يختلف عن الآخر، فذكر الشيخ عبد المجيد الزنداني صاحب الدراسة الرائعة التفصيلية أن الانسان أو الغواص لو نزفت يده، فأصابت دمًا وهو في الأعماق، لرأى لون دمه أسود بدلًا من الأحمر لونه الأساسي، ذلك لانعدام الطول الموجي لهذا اللون...... وهكذا دواليك في السبعة ألوان... فسبحان الله العظيم حين قال: ﴿ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40]، إن ثمة علاقة بلاغية مؤكدة بين القلوب، والتمثيل صادم أليم حقًّا مفزع، فيا ليت القلوب والعقول تستيقن ذلك صدقًا!!

 

صورة رابعة (النار ومشتقاتها):

﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 17 - 20].

 

ومن عظمة التصوير والبيان القرآني ومعانيه الذي تحيَّرت أمام سره جهابذة العرب، هو مرادفات ومترادفات اللفظ الواحد، وتعدُّد الاستعمال البياني، واختلافه في الدقة والتعبير عن طبيعة الحالة المراد وصفها، فلو أننا تأملنا تلك الصورة التصويرية الرابعة (النار) التي منها يستمد الضوء ومن الضوء ينجلي النور نجد دقة عالية، وتجسيمًا منقطع النظير في التفريق بين النار والنور والضوء، وذلك من إنعام الله وفضله علينا بذلك الكتاب العزيز الغالب في جميع نصوصه، مهما حاول المغرضون ادعاء عيب فيه أو إظهار نقص في بناه اللغوي واللفظي، ألا بعدًا للمغرضين.

 

والآيات قد نزلت بشكل عام في (قضية النفاق)، وبشكل خاص في رجل ممن كانوا يتنسَّكون في الجاهلية، زعم أنه ينتظر قدوم المنقذ للبشرية والدين الجديد الذي سوف يعيد للنفس الإنسانية مكانتها ومسار رسالتها الصحيح، ولما جاء البشير محمد صلى الله عليه وسلم "بالبشرى، أعرض ونأى نأيَ من لم يكن على صدق فيما يرتجي، فنزلت الآيات تصويرًا وتعريضًا لهذا التناقض والتنافر بين الادعاء والواقع، فكان التصوير أشد وقعًا ونقعًا، ولمست الصورة بكافة معانيها أفئدة المؤمنين، واستبانت سبيل الضالين والمنافقين، والواقف على التفسير يستطيع تخيُّل الصورة بشكل مُخز لكل كفور تاه في حنادس الظلمة بعدما أضاءت الرسالة الجديدة كل ما حوله فبات في ظلماتها من الضالين.

 

وفي تفسير رائع لفضيلة الإمام العلامة الشيخ الشعراوي: "رحمه الله رحمة واسعة لتلك الآية؛ حيث أبان وفسر أن مفردة "استوقد" من طلب النار والإيقاد، ومعلوم أن زيادة المبنى يزيد المعنى ويعزِّز المطلب، وفيه استجداء من الطالب نحو مطلوبه، فرد مفردة استوقد ذات المصدر السداسي طلبًا للوقود لقاء النار، والنار رجاء الضوء والضوء بغية النور الذي به يحيا الإنسان، وكل ما ينفعه من نواتج النار متى أوقدت، وقال مبينًا رحمه الله بقوله: فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم.. لآخر الآيات))؛ أي: بعدما جاء النبي الكريم بالدعوة الصادقة الخاتمة تنصَّل منها، وكَف بصره عن ذلك النور العظيم: "ولقد كانت الصدمة التصويرية في قوله تعالى: "ذهب الله بنورهم"، قال الإمام معللًا سبب قوله: (ذهب الله بنورهم)، ولم يقل: (بضوئهم)؛ ذلك لأن النور منتَج الضوء الذي هو أيضًا من مصادر إيقاد النار، وساق مثالًا: إن الشمس إذا غربت وأظلمت الدنيا، أنار الله للكون المصابيح، وتولَّى السراج السماوي القمر الكشف، وبَيَّن رحمه الله أن الوقت ما بعد الفجر لطلوع الشمس، يكون فيه بعض النور فلا الشمس أشرقت ولا القمر ما زال بازغًا، فنعتهم سبحانه وتعالى في تلك الآيات بحجب حتى ذلك الوميض الذي هو من بقايا الضوء، وسبحان الله العظيم لروعة التشبيه والتصوير وبراعة والكناية.

 

والشاهد في ذلك قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 5].

 

وتوظيفًا لمفهوم علم المعاني الذي يستدعي مطابقة المفردة لمقتضى الحال، هو ما أظهر وبشكل مخيف عاقبة المنافقين الظالمين الذين زعموا أنهم يرتجون النور وهم في حنادس الظلمات عاكفون، ولو أنك أردت أن تستكمل الآيات بعد هذا التصوير العظيم، لرأيت الوصف من انغلاق وتصفيد ليس يعقبهما فتح ولا بارقة نور أبدًا في قوله سبحانه: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ [البقرة: 18].

 

وتلك الآيات من سورة البقرة بعدما وصفت حالة المنافقين، وكشفت النقاب الذي كانوا خلف حججه يختبئون، وما أكثر أمثال أولئك في كل زمان ومكان، ساق المولى عز وجل من نفس مادة الضوء والنار والنور مثالًا آخر، فقال سبحانه: ﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 19، 20]، فإن تلك السمات الفيزيائية الطبيعية التي ضرب المولى بها الأمثال والواضحة الجلية في إبانة مسارات وعواقب مآل الكافرين، لتُعزز لقيمة التوحيد والإخلاص لله تاركة خلفها كلَّ عمل منوط به غير وجهه الكريم تعالى، ولنا أن نسال أنفسنا سؤالًا يدفعنا إليه الفضول دفعًا، لنزداد نفعًا ومشفوعات لمن أراد أن يستفسر أو يستبصر، لِمَ أورد القرآن الكريم هذين المثالين المتباعدين في الوصف والهيئة للقضية الواحدة؟

 

نقول بعد الحمد لله: إن براعة العربية لم يظهرها غير القرآن برغم اجتهادات وتميُّز العرب وتفاخرهم بها، والمولى عز وجل أراد أن يعلمنا حتى قيام الساعة كثيرًا مما غاب عن تصوراتنا تخيُّلُه، وما كان سياق المثال به أوقع وأكثر دقة ووصفًا، فمرة يشبِّه أعمال الكافرين بالظلمات، وقلب الكافر بالبحر اللجي المتلاطم الأمواج غير المستقر على وتيرة واحدة، ثم عرَّج بنا التخيل والتصوُّر لأبعد ما يكون، وهو جو السماء وتلك الفضاءات التي لم يصل العلماء لمدركات ومعالم بها إلا قريبًا، وبالقدر القليل؛ كاكتشاف البحر وطبقاته وظلماته لأدلة قاطعة وحقائق مانعة، قاطعة دابر الكافرين من أدنى بارقة قد تلوح في سماواتهم الغائبة النجوم والسراج؛ لكيلا لا يجدوا للنجاة سبيلًا الى سبيل الله مسلكًا وطريقًا.

 

إن البراعة النصية والوصفية في سياقات الرمزية والتشبيه والكنايات القرآنية في هذا الخصوص، لتقطع على الكافرين دابر النجاة في وصفهم، "فمرة بالغوص في مجاهل البحار الغائب عن الكثير عوالمها، وصعودًا إلى فضاءات الكون بعواملها الفيزيائية وتحولاتها، لتخدم جميعها قضايا القرآن الكريم وعقائد التوحيد، فلا سبيل للمراوغة ولا المجادلة، وبين قاع البحر ومستقره وسماء الدنيا، ويأت الله بأمثلة أخرى من واقع الحياة المعاصر والمعيش الذي لا يحتاج لحجج عليمة ولا نظريات مكلفة في إثباتها، كمثال السراب كظاهرة صيفية، والرماد واشتداد الريح به لتفريقه، وختامًا وليس لمعين العذوبة أن ينضب ولا لفيض الحكمة أن يغيض، مثال أخير صادم مهين داع على الحسرة باعث على مخالفة النفوس الكافرة، وهو قوله تعالى كما في تلك الصورة، فانظر لعظمة القرآن وبيانه وجمال السياق وبراعته، وسياق الأمثال، وإيراد الأماثل، مما وقعت عليه أعين الناس، ومما لم يبصروه إلا بفضل كشف رباني، واجتهادات علماء، حتى تتضح الصورة العظمى من ذلك، وهي أنه لا مفر إلى ربك يومئذ المستقر، فلا تضربوا لله الأمثال سبحانه وتعالى عما يصفون علوًّا كبيرًا.

 

الصورة الخامسة:

قال تعالى: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 171].

 

وذلك جزء من تفسير تلك الآيات لعلماء المسلمين"، حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبدالرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: "كمثل الذي ينعقُ بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً"، قال: هو مثل ضربه الله للكافر؛ يقول: مَثل هذا الكافر مثل هذه البهيمة التي تسمع الصوت ولا تدري ما يقال لها، فكذلك الكافر لا ينتفع بما يقال له.

 

أوليست تلك الصورة والكناية فاضحة للغباء وكاشفة للحماقة التي يقع في براثنها كل مشرك كافر كنود لنعمة العقل الذي ميز الله به الإنسان؟! فمفردة "ينعق" كما ذكرنا سابقًا هي الطريقة التي يُنادى بها على البهائم أعزكم الله، فلا تفقه ما يقال لها ولا تنتفع به، مثال كاشف للخاسرين أعمالًا، المحضرين حول جهنم جثثيًا إن لم يصب شفاف قلوبهم نور الرحمة والنجاة بالأوبة إلى رب العالمين.

 

صورة سادسة:

﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ [الرعد: 14].

 

وفي تلك الصورة الأخيرة التي بها سوف يختتم المقال، فيها المراد والمفاد وواسطة العقد الفريد للتوحيد، فقوله تعالى: ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ﴾، كما فسرها جل علماء التفاسير بأنها (لا إله إلا الله)، وقال بعضهم: شهادة أن لا إله إلا الله التي حولها ندندن؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: " قد قرن الإعراض عن الإقرار بها بصورة صادمة لهم وموحية؛ حيث نَعت من لم يقر بها إقرار المستسلم الخاضع، كمن يبسط كفيه للماء ليشرب وهو في حالة من الظمأ، مجاهدًا ليبلغ الماء فاه، وما هو ببالغه لغباء قد استحكم في أمِّ رأسه، ونكران قد ران على قلبه بالجحود والجمود، فذاق عاقبه أمره خسرًا.

 

كل ما أنعم به الله علينا من فتح وكشف ونظر في كتابات أعلام المسلمين وتفسيرات لصور صادمة تحمل بين طياتها من الحسرة والندامة، نجد اقتران الصورة فيها برموز طبيعية جُبل على مطلبها الخلق جميعًا، كائنة في فطرتهم من مطلب للماء للظمآن، فهل في الخلق من لا يعنيه الماء الذي هو سر الوجود والحياه؟! فمنه خلق الله كل شيء حي! فيا لها من صور بليغة مؤدية للغرض المرغوب إظهاره للناس، فمنها ما يرقق قلوب المؤمنين، فيزدادوا إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون، أما الذين كفروا فتعسًا لهم وأضل أعمالهم، والله تعالى المستعان، والحمد لله في بدء وفي مختتم.



[1] سلسلة كتابك العدد ( 9) د/ محمد حسين الذهبي، علم التفسير.

[2] موقع تقني اِعجاز القرآن والسنّة، الشيخ عبد المجيد الزنداني: أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج، محمد صادق عبدالعال، مصر دمياط، هاتف /01064401664 / كاتب بشبكة الالوكة العربية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصور الصادمة في آي الذكر المحكمة (1) ذكرا وليس حصرا
  • الصور الصادمة في آي الذكر المحكمة (2) ذكرا وليس حصرا

مختارات من الشبكة

  • حضور الجن في صورة الإنس والحيوانات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عالم الصور والبلادة(مقالة - ملفات خاصة)
  • خصائص الجمعة وحديث "ما من دابة إلا وهي مصيخة تنتظر النفخ في الصور يوم الجمعة"(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • حكم الصور والتماثيل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الانتحار في ضوء السنة النبوية: دراسة حديثة تحليلية (التعريف، الحكم، الصور، الأسباب، العلاج) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الصور النمطية)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • زوجي يصور نفسه ويرسل الصور للفتيات(استشارة - الاستشارات)
  • الحلول الشرعية والعملية للوقاية من النظر إلى الصور المحرمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصور والتماثيل المسموح بها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل الصور كالتماثيل؟(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب