• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية / أدب الأطفال (دراسات في أدب الأطفال)
علامة باركود

قضايا إيمانية عبر القوافي

محيي الدين صالح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/7/2011 ميلادي - 16/8/1432 هجري

الزيارات: 10113

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أدب الأطفال من منظور إسلامي

(إبراهيم شعراوي نموذجًا)

 

قضايا إيمانية عبر القوافي

 

 

قَلْبِي بِالإِيمَانِ تَكَلَّمْ

قَالَ: تَأَمَّلْ كَيْ تَتَعَلَّمْ

اقْرَأْ بِاسْمِ اللهِ لِتَفْهَمْ

بهذه الكلمات الموجَزة البليغة، بدأ "شعراوي" أنشودتَه لأصحاب القلوب الغضَّة، التي لم تتلوَّث بعدُ بنفايات التيَّارات الفكرية المنحرفة وأدرانها؛ تلك القلوب البِكْر التي ما زالت تحتفظُ بنقائها وصفائها، وهي في مقتبَل نشاطها النَّاضج، وتتأهَّب لِتَنْهل من معطيات الثقافة التي تَمُور حولها.

 

بهذه الكلمات الموحِيَة، يستهلُّ الشاعر وصيَّتَه لأصفى الناس فكرًا، وأصدقِهم توجُّهًا، وأكثَرِهم استعدادًا للتلقِّي والتعلُّم، وأحقِّهم بعصارات التجارب التي اكتسبَها الكبار بعد جولاتٍ عديدة في عالَم المعرفة.

 

بهذه الكلمات بدأت القصيدة التي عنوانها "صلَّى الله عليه وسلَّم" المُهْداة إلى أطفال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربِها، من مُحبِّهم العاشق لهم "إبراهيم شعراوي"، ولأنَّ قلوب البشر تتكلَّم بكثيرٍ من الأمور؛ فإن تحديد ما يتحدث به القلب، وفيم يخوض، وبم يتكلم، وذلك في بدايات القصيدة تشدُّ انتباه القارئ إلى المحتوى فلا يتلفَّت، ومسألة كلام القلب من المسائل التي توقَّف عندها الشعراءُ طويلاً؛ فقد قال أحد الشُّعراء:

قُلُوبُ العَارِفِينَ لَهَا عُيُونٌ
تَرَى مَا لاَ يَرَاهُ النَّاظِرُونَا
وَأَلْسِنَةٌ بِأَسْرَارٍ تُنَاجِي
تَغِيبُ عَنِ الكِرَام الكَاتِبِينَا

 

ومع تحفُّظاتي، بل اعتِراضي وعدم اقتناعي بالشَّطر الثاني من البيت من حيث المضمونُ، فإنَّ ما زعمه هذا الشاعر من أنَّ قلوب العارفين لها ألسنةٌ تناجي ربَّها بأسرار، يعدُّ من بليغ القول، وإن كان قلبُ هذا العارف له لسانٌ يناجي بالسِّر، فإنَّ قلب شعراوي هو نفسه (اللِّسان)، ويتكلم صراحة بإعلان، ولا يناجي بأسرار، وهذا من قبيل ما قاله "ابنُ الفارض" وهو يتحدَّث عن الأنوار الإلهيَّة:

جَرَى حُبُّهَا مَجْرَى دَمِي فِي مَفَاصِلِي
فَأَصْبَحَ لِي مِنْ كُلِّ شُغْلٍ بِهَا شُغْلُ
فَإِنْ حَدَّثُوا عَنْهَا فَكُلِّي مَسَامِعٌ
وَكُلِّي إِذَا حَدَّثْتُهُمْ أَلْسُنٌ تَتْلُو

 

فماذا قال قلبُ شعراوي عندما تكلَّم وهو يُوَجِّه كلامه للأطفال؟

قَالَ تَأَمَّلْ كَيْ تَتَعَلَّمْ

 

وهذا البيت رغم بساطته وقلَّةِ كلماته، فإنه يغوص بنا في أعماق التَّاريخ الإسلاميِّ، حتَّى يصل بنا إلى بداية الوحي، خاصَّة أن القصيدة عنوانها: "صلَّى الله عليه وسلَّم"، والمصطفى - عليه الصَّلاة والسَّلام - بدأ حياته متأمِّلاً، حيث تربَّى في بادية بني سَعْد، بعيدًا عن ازدحام مكَّة، وحركتها الدؤوبة بالتُّجار، وزُوَّار الكَعْبة، واشتغل بالرَّعي فترةً منَ الزمان، وكلُّ النبيِّين قد هشُّوا على الغنَم كذلك، وقضى الليالِيَ ذوات العدَد متَفَرِّدًا في غار ثور، وكلُّ هذه المراحل ما هي إلاَّ فترات تأمُّل طويلة، انتهتْ بأعظم رسالة وجَّهَتها السماء إلى أهل الأرض، في لحظة كانتْ فاتحتها: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، وخاتمتها: ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5]، هذه اللحظة هي التي شُيِّدَت عليها بعد ذلك دعاماتُ التوجُّه الإسلامي، دعوةً وعقيدةً، ومنهاجًا وشريعة.

 

و"شعراوي" استعرض بنا كلَّ هذه الآفاق في كلمات قليلةٍ ساقها إلى أبنائنا الصِّغار، وما أحوجَنا نحن الكبار أيضًا إلى هذه الكلمات، ولأنه يدري أنَّ "ما كان من القلب فإلى القلب"؛ فإنه جعل القلب هو المتكلِّم، وليس عضوًا آخر، ولأنه يلتزم في رسالته الأدبية بالمنهج الإسلاميِّ؛ فإنه يؤكِّد أن الأدب ينبغي أن يسير في رَكْب العقيدة الصحيحة لِيُؤتي ثِماره، فإذا أراد الإنسانُ أن يفهم ويستوعب، فالله - سبحانه وتعالى - هو الذي يوفِّق إلى ذلك، والطِّفل في مراحله الأولى لا يدري كثيرًا مما نقول، فتكون له العظة البليغة بأبسط الكلمات، وأقلِّها، كما يقول له "شعراوي":

اقْرَأْ بِاسْمِ اللهِ لِتَفْهَمْ

 

وبعد هذه الكلمات المجنحة التي تطير بآفاق الطِّفل إلى سماوات القضايا الإيمانيَّة، يطوف الشاعر بأبنائه بين بعض العلوم التي ينبغي على الأطفال أن يُدْرِكوها عن خالقهم، وعن رسولِهم، وبعض صفاته، بما يتناسب مع مَداركهم، دون الدُّخول إلى التفاصيل التي سيعرفها الطِّفل في مراحِلَ لاحقةٍ عندما يصل إلى العمر المناسب.

 

والحقيقة أن "شعراوي" بهذه القصيدة، يشارك زملاءه من أدباء الطِّفل الإسلاميِّين في تحطيم كثيرٍ من أصنام المعرفة المضلِّلة، التي يحاول أعداءُ الإسلام بثَّها في قلوب صغارنا، من خلال رُؤًى هدَّامة لا تُقِيم وزنًا للمشاعر الإيمانيَّة عند الأطفال، فهو يُطَمئنهم أن "العاقبة للتَّقوى" بأسلوب مبسَّط، قائلاً:

لاَ أَخْشَى اللَّيْلَ إِذَا أَظْلَمْ

إِنَّ طُلُوعَ الصُّبْحِ مُحَتَّمْ

 

وفي مقطوعة شِبْه نثريَّة، عن سيرة سيِّدنا إبراهيم - عليه السَّلام - يُعلن الشاعرُ عن حقيقة توجُّهِه الأدبي قائلاً:

يَا أَحْبَابِي أَسَمِعْتُمْ قِصَّةَ (إِبْرَاهِيمْ)؟

قَدْ كَانَ صَغِيرًا مِثْلَكُمْ فِي سِنِّكُمْ

وَلِهَذَا عِشْتُ أُحِبُّكُمْ

وَأُحَطِّمُ كُلَّ الأَصْنَامْ

 

و"شعراوي" قطعًا لم يأخذ مِعْولاً، ويَدُرْ على تماثيل الخصوم يجعلها جُذاذًا كما فعل مثَلُه الأعلى من قبل، وإنما في سبيل تحقيق أهدافه التربوية؛ حمل قلمَه، ومضى لحاجةٍ في نفسه "سيقضيها بإذن الله"، وتوجَّه بآماله تلقاء فلذات الأكباد، وحمل معه كلَّ رصيده الثقافي والدِّيني؛ لِيَضعه أمامهم ويعرضه عليهم؛ فهو يحبُّهم، ولأن الشُّعراء مُرْهَفو الحسِّ دائمًا؛ فإنَّهم لا يَبْخلون بِخُلاصة خبراتِهم التي اكتسبوها في مشوار حياتهم الطَّويل على من يحبُّون.

 

وقصيدة "صلَّى الله عليه وسلَّم" بالإضافة إلى أنها تُنعش قلوب الأطفال بمحتواها، كما تأسر ألبابهم بأسلوبها الرقيق الجذَّاب، فإن هناك جانبًا ثالثًا مِن جَوانب التأثير، وهو الإيقاع والتناغُم، فمِن حيث الوزن: القصيدة جاءت على بحر "المتدارك" (فعلن فعلن فعلن فعلن)، وهذا البحر يعدُّ من أقربِ بحور الشِّعر إلى قلوب الأطفال، ولذلك نلاحظ أنَّ أكثر الشعراء المُجيدين صاغوا كثيرًا من أشعارهم على وزن هذا البحر؛ لمعرفتهم الدقيقة وخبرتهم العريضة في أدب الطِّفل، وعلى سبيل المثال، فإن الشاعر الرائد "كامل كيلاني" - رائدَ أدب الطفل المعروف - له قصائدُ كثيرة من هذا الوزن المَحبوب إلى الصِّغار منها:

أَنْتَ جَوَادِي وَأَنَا الْحَادِي

لَيْسَ لِمِثْلِي مِنْ أَنْدَادِ

غَيْرَ شَقِيقِي عَبْدِالْهَادِي

 

وكذلك فإنَّ الشاعر "يحيى الحاج يحيى" - عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية - له أيضًا مجموعة كبيرة من القصائد الجميلة على هذا الوزن، في ديوان "تغريد البلابل" قصيدة "أسماء الأبطال" منها:

اسْمِي سَعْدٌ وَأَخِي عُمَرُ

شَمْسٌ لِلإِسْلاَمِ وَبَدْرُ

فَأَبِي سَمَّانَا أَسْمَاءَ

كَانَتْ فِي التَّارِيخِ ضِيَاءَ

(فعلن فعلن فعلن فعلن)

 

كما أن الشاعر المعاصر "عبدالمنعم عواد يوسف" أيضًا، شارك في تثبيت هذه الوجهة الموسيقيَّة في وجدان الأطفال في قصيدة "رمضان القرية" منها:

وَأَحَبُّ الأَيَّامِ لَدَيْنَا
كَانَتْ رَمَضَانَ إِذَا هَلاَّ
أَيَّامٌ تَمْلَؤُنَا بِشْرًا
مَا أَشْهَى العَهْدَ وَمَا أَحْلَى

 

وأيضًا في ديوان "الطفل والزهرة" يقول "عبدالمنعم عواد":

هَذِي الزَّهْرَةُ مَا أَبْدَعَهَا
تَبْدُو فِي ثَوْبٍ فَتَّانِ
مَا أَجْمَلَهَا مَا أَرْوَعَهَا
بَيْنَ النَّرْجِسِ وَالرَّيْحَانِ

 

ومن القصائد الشهيرة على هذا الوزن أيضًا:

الدِّيكُ أَطَلَّ بِنَظْرَتِهِ
مِنْ فَوْقِ جِدَارٍ مُنْهَارِ
فَرَأَى بِجِوَارِ حَظِيرَتِهِ
دِيكًا يَمْشِي بِاسْتِهْتَارِ

 

وحبُّ هذا الوزن لدى الأطفال ليس مقصورًا على الإبداعات باللُّغة العربية الفصحى، بل في الأزجال وأشعار العامِّية المصرية أيضًا، وهناك نماذج كثيرة توضِّح ذلك، وما يؤكد أن حميميَّة هذا البحر مسألة فطريَّة عند الأطفال بصورة عامة، أنَّ الأغاني والأشعار باللُّغة النوبية للأطفال أغلبها أيضًا على هذا الوزن لِبَحر المتدارك.

 

وفي ذلك يقول الشاعر "إبراهيم شعراوي": "بَحْر المتدارك من بحور الشِّعر المحبَّبة إلى الأطفال؛ فكثيرٌ من أغانيهم في لَهْوهم وألعابهم على هذا البحر؛ في الفُصْحى والعامِّية، وهو بحرٌ زاده "الأخفش"، وتدارك به على "الخليل بن أحمد"، وهذا البحر يأخذ حيزًا كبيرًا من أوزان الشعر الشعبي المصري".

 

ويضيف في نفس البحث قائلاً: "وبحر المتدارك بتكراره التفعيلة البسيطة "فعلن" له قدرةٌ عالية على الصَّخب والضجيج، إنه يتكلَّم، ويضحك، ويبكي، ويصرخ، معبِّرًا عن انفعالات بلا همس، وهو مملوء بالحيويَّة، وهذا ما جعله أنسب البحور لألعاب الأطفال في كثيرٍ من العاميَّات العربية، وفي آداب الأطفال بكثيرٍ من الشِّعر الأوربي والأمريكي".

 

وفي نهاية البحث المنشور في مجلَّة الفنون الشعبية عدد يناير 1996، الصادر عن الهيئة المصريَّة العامة للكتاب يقول "شعراوي": "وحركة هذا البحر "المتدارك" تجعل الأغاني المُحتوية على تفعيلتها المتجانسة التي تتكرَّر بدون تداخل تفعيلات أخرى، متحرِّكة تتَّصل بالطبيعة، وما فيها من بشَر، وحيوان، وطير، ومخترعات".

 

وفي الشِّعر الوطني الذي يبثُّ حبَّ الأوطان ويثبت الانتِماء نجد قولَ الشاعر:

الوَحْدَةُ إِيمَانُ العَرَبِ

ذِكْرَى جَدٍّ وَتُرَاثُ أَبِ

وَشِعَارُ أَخٍ، وَوَصَاةُ نَبِي

 

ولم يكن استخدام هذا البحر حكرًا على ذوق وادي النِّيل فقط، بل إنَّ هذا البحر الراقصَ نجد فيه إبداعاتٍ كثيرةً في مختلف أنحاء البلاد العربيَّة، فالشاعر السوري "سليمان العبيسي" الرائد أيضًا في مجال الكتابة لأدب الطفل، له باع طويل في ذلك، ففي قصيدة لتحفيظ الحروف العربيَّة يقول:

أَلِفٌ بَاءٌ تَاءٌ ثَاءُ

هَيَّا نَقْرَأْ يَا هَيْفَاءُ

أَلِفٌ أَبَتِي بَاءٌ بَلَدِي

 

كما يقول في قصيدة عن الأب:

(بَابَا بَابَا) يَوْمُكَ طَابَا

دُمْتَ رَبِيعًا دُمْتَ شَبَابَا

لِي وَلِأَجْلِ الوَطَنِ الغَالِي

يَعْمَلُ (بَابَا) دُونَ مَلاَلِ

 

كما نجد الشاعر المغربي "علي الصقلي" يصوغ أجمل قصائده للأطفال على هذا البحر أيضًا:

نَجْوَى يَا أَجْمَلَ مِنْ وَرْدِ

فِي صَحْنِ الدَّارِ وَفِي الْمَهْدِ

 

واستخدام الشعراء الصوفيِّين لهذا البحر كثيرًا في قصائدهم، دليلٌ على أنه قويُّ التأثير، وسريع الوصول إلى أعماق المتلقِّين، ومن نَماذجهم الشَّهيرة في ذلك قصيدة:

اشْتَدِّي أَزْمَةُ تَنْفَرِجِي

قَدْ آذَنَ لَيْلُكِ بِالبَلَجِ

 

إذًا أدباء الطفل استفادوا من صياغة قصائدهم في هذا البحر، ونجحوا من خلاله في الوصول إلى وجدانيَّات الطِّفل من أقصر الطُّرق، هذا بالإضافة إلى ما صاغوه في بقيَّة بحور الشعر المعروفة.

 

وبعد هذه الجولة المفتوحة في ربوع الشَّواهد الدالَّة على صلة بحور الشِّعر بالوجدانيَّات؛ نعود إلى القضايا الإيمانيَّة التي أثارها "شعراوي" من خلال القوافي، سواء في هذا البحر أم في غيره، ونتوقَّف عند قصائده عن الرُّموز الدِّينية التي تناولَها "شعراوي".

 

فالقدوة تعدُّ من المؤثِّرات القويَّة على وجدانيَّات الطِّفل، لدرجة أنَّ بعض المُحلِّلين يَعتبرون أنَّ الطفل كالمِرْآة، تنعكس عليه سلوكيَّاتُ أسرته؛ فهو يتأثَّر بما يراه حوله من الشخصيَّات المحبَّبة إلى قلبه، فيُحاكي أو يقلِّد من يحبُّه في كلِّ شيء، فإذا استطاع من يكتب أدب الطفل أن يجذب انتباهه، ويحبِّبَ إلى قلبه بعضَ الرموز والشخصيَّات الإسلامية التي لها مكانةٌ وتاريخ وبطولات، فإن الطِّفل خلال هذه العاطفة التي تولَّدَت داخله تجاه هذا البطل، سيُحاول أن يعرف كلَّ شيء عنه، فيتشرَّب الصِّفات النبيلة التي اتَّصف بها، وهذه وسيلة ناجحة في تربية الأطفال على الأخلاق الحميدة، ولذلك فإنَّ المَدارس الأوليَّة في كلِّ البلاد تدرِّس للأطفال نبذةً عن الشخصيات التي تعتبرها تلك البلادُ قدوةً صالحة للأجيال المتعاقبة.

 

وأدَبُ الطفل بما له مِن رونق جذَّاب، وتأثيرٍ بليغ في الأطفال، لم يتجاهَلْ هذه الجزئيَّة؛ فقد أبْدَع الأدباء كثيرًا من القصائد التي تتحدَّث عن الرُّموز والأبطال.

 

و"شعراوي" سار على هذا الدَّرب بتوجُّهه الإسلامي المعهود، فكتب للطِّفل المسلم عن الأنبياء والمرسلين، وصحابةِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما كتَب عن الصحابيَّة الجليلة أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهم أجمعين - وقد اتخذ "شعراوي" وسيلةَ (الإلغاز) على سبيل الأحاجي؛ حتَّى يشعر الطِّفل بأنه يشارك في صنع المعلومة، وهذه الوسيلة تساعد على سرعة حفظ القصيدة، خاصة إذا كانت قصيرة.

 

ومن النَّماذج الدالَّة على ذلك، ما كتبه عن الخليفة الأمويُّ "عمر بن عبدالعزيز"، الذي تنازل عن مباهج الدنيا وزينتها، وسار على نهج جدِّه ابن الخطَّاب - رضي الله عنه - فأصبح علَمًا بارزًا من أعلام التاريخ الإسلاميِّ، يقول عنه "شعراوي":


كَانَ لَمْسُ الحَرِيرِ يُدْمِي بَنَانَهْ
ثُمَّ لَمَّا بَدَا بِأَعْلَى مَكَانَهْ
تَرَكَ القَصْرَ وَالزَّخَارِفَ وَالثَّوْ
بَ الحَرِيرِيَّ قَالَ هَذِي أَمَانَهْ
أَنْتَ لِابْنِ الخَطَّابِ بَعْثٌ جَدِيدٌ
لَمْ تُبَدِّدْ أَمْوَالَنَا فِي الخَزَانَهْ

 

وكذلك له قصيدة مُلْغِزة في شخصيَّة صوفيَّة معروفة، هو الإمام البوصيري - رحمه الله - وقال عنه:

سَوْفَ يَبْقَى ذِكْرُهُ فِي الخَالِدِينْ

وَلَهُ مَجْدٌ وَأَذْكَارٌ وَدِينْ

وَلَهُ هَمْزِيَّةٌ فِي المُصْطَفَى

وَلَهُ البُرْدَةُ تَزْهُو، وَكَفَى

 

وهكذا نجد أنَّ القضايا الإيمانية المبثوثةَ في شعر "إبراهيم شعراوي" تتَناثر شواهِدُها في كلِّ إبداعاته الشعريَّة والنَّثرية على حدٍّ سواء، وإيمانه يرسمه ويحدِّده، ويُطْلِقه في مجالاتٍ لا حصر لها، وكلُّ تلك المجالات تسمو به وبِنا، وتفيض بالخَيْر على الحاضر والمستقبَل للناس جميعًا.

 

فإيمانه يملؤه بالفرحة والابتهاج مع كلِّ مسجد يرتفع:

عَمِّرُوا فِي كُلِّ أَرْضٍ مَسْجِدَا

 

ومع كلِّ منبر يرفع راية الحقِّ والسلام، ويُعلي رايات الإسلام، وفي تحيَّتِه لرابطة الأدب الإسلاميِّ العالميَّة عند افتتاحها لمقرِّ الرابطة في القاهرة، أبدع "شعراوي" قصيدةً تحمل رؤيته الإيمانيَّة التي تفاعلَتْ مع الحدث بما يستحقُّ من وجدانيَّات، فقال في هذه القصيدة التي نُشِرت في العدد 41 من مجلة "الأدب الإسلامي" الصادر في يونيه 2004 م:

يَا وَطَنَ الإِسْلاَمِ سَلاَمًا
يَا رِيًّا لِلقَلْبِ الظَّامِي
يَا جَنَّةَ عُمْرِي بِرِيَاضٍ
تَتَبَاهَى بِالنَّهْرِ النَّامِي

 

وإيمانه دعوةٌ إلى العمل الصَّالح، والمشاركة في بناء إيجابيَّات الحياة:

(نَحْنُ أَمْنٌ وَحَنَانٌ
وَمَنَارَاتُ الْهُدَى)
(سَيَظَلُّ شِعَارِي أَنْ أَسْعَى
دَوْمًا نَحْوَ حَيَاةٍ أَفْضَلْ)

 

وإيمانه رحمةٌ على البشر، وعلى الحيوانات والطيور، وعلى الزَّرع والشجر، كما في قصيدة حماية الأشجار - من كتاب حكايات أسد عجوز -:

وَمَوْطِنِي يَقُولُ: يَا مُزَارِعِي

إِنَّكَ - فِي كَفَّيَّ - كَالأَصَابِعِ

فَلْتَحْفَظُوا يَا فِتْيَتِي أَشْجَارِي

مَصُونَةً مِنْ عَبَثِ الأَشْرَارِ

 

وإيمانه إيمانُ نشاطٍ وعمل:

فَلْتُسْرِعُوا إِلَى العَمَلْ

وَكُلِّ عِلْمٍ مُبْتَكَرْ

لِكَيْ نُحَقِّقَ الأَمَلْ

عِنْدَ الصَّبَاحِ الْمُنْتَظَرْ

 

وهو يكرم العمل والعاملين، فكلُّ صانع وكلُّ صاحب حِرْفة يدوية مهما كانت صغيرةً أو بسيطة، يخدم الجماعة، ويحقِّق قوله تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا ﴾ [التوبة: 105]، وهو جدير بالاحترام، وفي أوبريت "الوسام" من إصدارات الهيئة المصريَّة العامة للكتاب 1987، يستمدُّ "شعراوي" تشبيهاتِه للوطن من العمل في الغزل أو النَّسج، أو المناشط الأخرى من مفردات العمل، فيقول:

"يا مغزل أشعاري - يا ناسج أقداري - يا جهدي في صحوي"... وهكذا.

 

وهو لا ينظر إلى ثياب الحَدَّاد ولا إلى الدُّخَان الذي يملأ مصنَعه، بل يجعله يُفاخر بعمله، ويتحدَّث عن دوره في الدِّفاع عن الوطن مثله مثل الجنديِّ في ميدان القتال:

أَنَا الْحَدَّادُ يَا بَلَدِي

وَهَذَا السَّيْفُ مِنْ صُنْعِي

وَمِدْفَعُهُ نِتَاجُ يَدِي

وَإِنِّي صَانِعُ الدِّرْعِ

 

وفي نفس الأوبريت، يتجوَّل بنا "شعراوي" بين أصحاب الحِرَف، وكما تحدَّث عن دور الحدَّاد الذي نجد في المدن، ودور الجنديِّ الذي يسهر للذَّود عن وطنه، ويقضي معظم أوقاته في الصحاري، فإنه يغوص بنا في أعماق الرِّيف، وكأنه لا يريد أن يهمل أيَّ جزء من جغرافية الوطن الداخليَّة، ويعرض علينا رؤيته للدَّور الذي يقوم به الزَّارع في البناء الاقتصادي للأوطان، فيقول:

الزارع:

(لَوْلاَ كَفَّيَّ وَأَسْمِدَتِي، وَبُذُورِي

 

الأطفال:

.... عِشْنَا فِي الفَقْرِ)

 

وأيضًا وفي نفس الأوبريت، يُظهر "شعراوي" الدَّور الذي يقوم به (النجَّار) في المجتمع:

مَنْ يَذْكُرُ يَا قَوْمِ الْمِحْرَاثَ؟

وَيَذْكُرُ أَبْوَابَ الدَّارِ؟

وَأَنَا النَّجَّارُ بِأَخْشَابِي

مَنْ يَنْسَى فَضْلَ النَّجَّارِ؟

 

و"شعراوي" من خلال قضاياه الإيمانيَّةِ التي يَطْرحها على موائد الأطفال يدعو إلى العِلْم، ويُبارك التحصيل؛ لذلك نجده مع افتتاح معهدٍ أو مدرسة يحسُّ بأنَّ شموس الهدى تتزايد لِتَملأ الكون نورًا:

مُعَلِّمِي يُعْطِي بِغَيْرِ مَطْلَبِ

سِرَّ الْهُدَى الْمُحَجَّبِ

 

كما أنه يَكْره الظُّلم والتعصُّب، والاحتقار والاستبداد، ويحذِّر الصِّغار من كلِّ هذه الصفات السيِّئة.

 

وحبُّ الوطن والدِّفاع عنه صورةٌ للإيمان الحق:

فَاحْتَفِظْ بِالأَرْضِ فِي أَطْهَرِ حَالَهْ

وَتَعَلَّمْ كَيْفَ لاَ تفقِدُ وَادِينَا جَهَالَهْ

مَعْبَدِي أَرْضِي، فَصُنْ جَنَّاتِنَا كَالْمَعْبَدِ

وَتَعَوَّدْ أَنْ تَشَمَّ العِطْرَ فِي روضِ الغَدِ

 

وهو حين يتحدَّث عن الأنبياء، يقف طويلاً عند العطاء المادِّي، فيقول لسيِّدنا إدريس - عليه السَّلام -:

أَنْتَ كَمْ عَلَّمْتَهُمْ فَنَّ الْحِسَابْ

مِثْلَمَا عَلَّمْتَهُمْ صُنْعَ الثِّيَابْ

يَا نَبِيًّا فِي دُرُوبِ الْمَجْدِ قَدْ أَفْنَى الشَّبَابْ

وَمَضَى فِي سَاحَةِ الْخَيْرِ وَبَيْنَ الكُتْبِ شَابْ

 

وهو يدعو إلى الإحسان إلى الوالِدَيْن؛ تثبيتًا للتوجُّه الإسلامي الذي اختاره منهاجًا لخطِّه الأدبيِّ وهو يصوغ إبداعاته للطِّفل، فيقول:

الكَوْنُ بِغَيْرِكِ يَا أُمِّي

لاَ لَوْنَ لَهُ، لاَ عِطْرَ لَهُ، وَبِلاَ طَعْمٍ، وَبِلاَ مَعْنَى

مَاذَا يَبْقَى لِلكَوْنِ إِذَا فَقَدَ الْمَعْنَى؟

 

وفي جولاته الأُسَريَّة والاجتماعيَّة، لا ينسى "شعراوي" (الجدَّة) التي صاغت من قَبْلُ وجدانياتِه ومشاعرَه الفيَّاضة، من خلال حكاياتها الجميلة، ثم هي الصَّدر الحنون، والأم الرَّؤوم التي يَفْزَع إليها الصِّغار من عقاب الوالدين، فيقول:

جَدَّتِي، عِنْدِي هَدِيَّهْ

طَوْقُ عِطْرٍ وَوُرُودْ

وَمَعِي الحَلْوَى الطَّرِيَّهْ

لَكِ، يَا صَفْوَ الوُجُودْ

 

وهو يضغط على الكلمات والجُمَل التي يَجْمل بالطِّفل أن يحفظها ويردِّدها؛ مثل: (إنا أعطيناك الكوثر)، و(قل هو الله أحد)، و(صلَّى الله عليه وسلَّم)، عندما يضعها في سياق القصائد على سبيل الاقتِباس، وهو يُبْدِع اختراعَ الأساليب الجذَّابة عندما يتحدَّث إلى الأطفال، مِمَّا يُنقذه من تكرار النُّصح الرَّتيب المُمِلِّ، والمواعظ الباردة، ومن تلك الأساليب تصوُّر الشاعرِ أن الحيوانات والطيور المفيدة للإنسان، قد اجتمعَتْ وشاركت في كتابة "رسالة جماعيَّة" إلى الإنسان، تُطالِبُه فيها بالاهتمام بها ورعايتها، والاعتراف بما تقدِّمه له من خيرٍ لا تطلب منه ثمنًا لها إلاَّ المعاملة الحسنة التي تليق بِدَورهم في الحياة.

 

وهذا غيضٌ من فيض، يُغْنِي عن المزيد من التفاصيل، أو الاستِرسال في استدعاء الشَّواهد الكثيرة من بين إبداعات "شعراوي"؛ للاستدلال على التوجُّه الإسلامي عنده، أو التأكيد على انتهاجه نَهْجَ القضايا الإيمانيَّة، وهو يبدع لفلذات الأكباد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عيون القوافي
  • رمضان في قوافي الشعر

مختارات من الشبكة

  • من مظاهر عدالة الإسلام في القضايا الاجتماعية: قضايا المرأة نموذجا(مقالة - ملفات خاصة)
  • قضايا وأحكام ( قضية زوجية )(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • قضايا وأحكام : قضية فيها المطالبة بأجرة ترميم بناء(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • من قضايا المرأة تأصيل شرعي لقضايا ملحة (PDF)(كتاب - موقع أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي)
  • قضايا وأحكام (قضية فيها المطالبة بثمن مزرعة والدفع بصورية العقد وأنه رهن لا بيع) (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • قضايا وأحكام (قضية زوجية) (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • عصيان القوافي ( قصيدة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • قضية فلسطين قضية جميع المسلمين ( خطبة )(مقالة - المسلمون في العالم)
  • حدود سلطة ولي الأمر فيما يأمر به وينهى عنه في قضايا النكاح وفرقه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من قضايا النفس ونصائح إنسانية في شعر الشيخ عبدالله بن علي العامري(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب