• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    التأويل بالحال السببي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

الدكتور وائل (قصة)

عادل عبدالله أحمد محمد الفقيه

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/2/2016 ميلادي - 1/5/1437 هجري

الزيارات: 6078

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الدكتور وائل

 

"مناحة": قرية من قرى مدينة الحديدة إحدى المدن اليمنية.

إنها في أعلى قمة الجبل، طريقها وعرة، لا يأخذ الناس حاجتهم إلا على ظهور الحمير والبغال.

حتى الحياة في تلك القرية تبدو بدائية، وكأنهم في عهد الإمام.

 

إنها قرية لقلما يقعد فيها المعلمون لتعليم الأبناء، يدرس طلابها في فصول ثلاثة، أبوابها مكسرة، وشبابيكها محطمة، أما بقية التلاميذ فيتعلمون تحت ظلال الأشجار، أجسام طلابها معرَّضة للبرد والحرارة، سكانها يشتغلون برعي الأغنام والمواشي، وزراعة المدرجات.

 

الحاج علي من أبناء هذه القرية، إنه فقير، ولديه زوجة مصابة بمرض مزمن، ما إن يرسلها إلى مستشفى من مستشفيات المدينة ليعالجها، حتى يقول له الأطباء: إن زوجتك بحاجة إلى عناية في مستشفى العاصمة.

 

كان يذهب بعض الأحيان مع ولده الذي يبلغ من العمر الثانية عشرة، يتذكر كل ما يقوله الأطباء، فيدونه على دفتر خاص به - إنه... (دفتر الذكريات).

 

يذهب والده بعض الأحيان إلى بعض الناس ليطلب منهم مالًا؛ حتى يعالج زوجته، فمنهم من يعطيه، ومنهم من يرده بخفَّيْ حُنين، فتنهمر دموع عينيه باكية.

 

كل هذا ووائلٌ ينظر إلى مُقْلتَيْ والده، فلن تتأخر عيناه أن تجودا هما كذلك؛ لِما تريانِ من حرمان والده، لكنه لا ينسى دفتر الذكريات، وأنه يدون كل ما يرى.

 

يرى كثيرًا من المرضى ينتظرون الأطباء؛ فقد يتأخر البعض منهم كثيرًا، لا يحضر إلا بعد ذهاب بعض المرضى.

 

سأل وائل مَن كانوا بقُربه: لمَ يتأخر هكذا بعض الأطباء؟ فقيل له: إن البعض لهم عيادات خاصة، يتأخرون من أجل أن يعود الناس إليهم.

انظر يا بني كم حول هذا المستشفى من عيادات، إن أكثر هذه العيادات يملكها أطباء المستشفى.

 

سأل مرةً أخرى: لمَ كل هذا؟

قيل له: إن الدولة تعطي كل واحد من الأطباء راتبًا لا يكفيه، مما يضطره إلى مثل هذا الأمر.

كان وائل إذا عاد إلى البيت يدون كل موقف يؤلِمه في دفتره الخاص.

قرر وائل الصغير أن يكون طبيبًا ناجحًا، فقال في ذات نفسه: لا بد من الاجتهاد والمثابرة لأحقق منايَ.

إنه فعلًا طالب ناجح ذكي، يحترمه المعلمون، يشجعونه في تعليمه.

 

ها هو معلم مادة العلوم كلما دخل الفصل يسأل عما سبق دراسته، فلا يرى يدًا ترتفع غيرَ يد وائل، عرَف أن هذا الطالب سيكون له شأن إن واصل تعليمه.

 

أراد المعلم أن يعرف ماذا يدور في فكر وائل؟

ما يتمنى أن يكون في المستقبل؟

دخل في يوم الفصل موزعًا بطاقة تعريف، ومن ضمن الأسئلة الموجودة في البطاقة سؤال: ما أمنيتك؟

أخذ المعلم الأوراق، وكان الهدف هو معرفة أمنية وائل، قرأ جميع الأوراق، حينها عرَف أن وائلًا يتمنى أن يكون طبيبًا.

انفرد المعلم بوائل قائلًا: وهل يُخفي الطالب عن معلمه إجابةً إن سأله يومًا؟!

أجاب وائل: لا، مستحيل!

المعلم: لِمَ كانت أمنيتك أن تكون طبيبًا؟!

 

وائل: السبب ما أنا فيه.

المعلم: وما بك؟

 

وائل: إنه ما فتَك بأمي أستاذي العزيز.

حكى كل قصته وما لاقاه والده من إهانات.

المعلم: اللهُ بالوجود يا بني، لا عليك، انظر إلى من فوقك، إنه لن يدَعَك، تذكر ذلك، واجعَلْه نُصْب عينيك.

 

شجع المعلم وائلًا على الجد والاجتهاد والمثابرة، ومن يومه لا يناديه إلا يا دكتور.

 

واصل وائل تعليمه في القرية حتى الصف السادس، ثم انطلق إلى قرية أسفل الوادي، واصل تعليمه حتى الصف التاسع، ومنها انطلق إلى المدينة ليواصل الثانوية.

 

هذا ووالدته تزداد سوءًا يومًا بعد يوم.

ما إن ينتهي الأسبوع حتى يعود إلى العمل لمساعدة والده في المزرعة، وفي العطلة يشتغل مع الآخرين؛ ليعطي والده كل ما حصل عليه من نقود.

 

يعود وائل إلى البيت، فينظر إلى أمه، فيدخل إلى غرفته فيبكي بكاء الطفل المفارق أمه، فلا ينساها وقت كل صلاة، يدعو لها بالشفاء العاجل.

 

وفي السنة الأخيرة من الثانوية اجتهد وائل أكثر مما كان عليه، فصار ذِكرُه على كل لسان في المدرسة؛ من معلمين وطلاب، إنه نجم المدرسة في أخلاقه وذكائه، اجتهد حتى يحصل على معدل يبلغه أمنيته المنشودة.

 

دخل وائل الامتحان دخول المعتز بنفسه، لا يتعثر أمام ما يطلب منه.

ظل وائل ينتظر النتيجة على أحر من الجمر، وما هي إلا أيام معدودة حتى ظهرت النتيجة على التلفاز، وكان وائل الأول على مستوى الجمهورية.

 

وبعد قراءة النتيجة، قال المذيع: على جميع الأوائل التوجُّه السبت القادم إلى العاصمة لمقابلة الوزير لمكافأته؛ فإن هناك حفلًا لتكريم الأوائل.

 

كل هذا ووائل لا يعلم عن النتيجة شيئًا، حتى هُرع إليه بعض زملائه ليبشره بما حصل عليه.

 

لم يتمالك نفسه، انطلَق إلى أمه ليبشرها بما حصل عليه، لكن يا خسارة وجد وائلٌ أمَّه متعبة، هُرع إلى والده ليخبره الخبر، أخذ والده والدته إلى المستشفى لتلقِّي العلاج.

 

انطلق وائل إلى العاصمة ليشارك في حفل التخرج، آخذًا معه والدته للعلاج في المستشفى.

 

أقيم الحفل؛ فحصل وائل على هدايا ثمينة ونقود، إلا أن وائلًا لم يترك الفرصة، تقدَّم بعد أن ألقى كلمة نحو الوزير.

 

تقدم فسلَّم على الوزير قائلًا: أريد أن أقدم لسيدي الوزير سؤالًا، فهل يستمع إلي َّ قليلًا؟!

الوزير: بعد الحفل يا بني إني منتظرك في مكتبي.

تقدم وائل بعد الحفل، طرَق الباب.

الوزير: تفضل يا بني، تبسم وعرَف أن لوائل حاجة.

 

الوزير: حاجتك يا بني؟

وائل: وهل يلبي لي سيدي ما أطلب؟!

 

الوزير: وأي مطلب يريده طالبنا الفذُّ؟

وائل: أن أكون طبيبًا.

 

الوزير: لك ما تحب، ولكن بشرط.

وائل: إن كان بمقدوري يا سيدي.

 

الوزير: أن تخبرني سببَ اختيارك لهذه المهنة.

وائل: إنها أمي يا سيدي.

 

الوزير: وما بها أمك؟!

وائل: إنها بين الحياة والموت منذ أكثر من خمس عشرة سنة... أكمل وائل قصة والدته، وما السبب الأكبر الذي جعله يصر على التوجه نحو هذه المهنة.

 

ذرفت عينا الوزير بالدمع، توجه نحو الصندوق، وأخرج له خمسمائة دولار مكافأة له قائلًا: هذا ما أستطيع أن أعطيك إياه، وسأجعل بعثتك إلى ألمانيا بحيث تنال ما تتمناه.

 

توجه وائل صوب المستشفى وكله أمل في التوجه نحو ألمانيا لنيل تعليمه؛ حتى يعود دكتورًا كما تمنى.

 

أعطى والده كل ما لديه، وحتى تنال أمه الشفاء، تقدم نحوها قائلًا: حصلتُ على ما أطلبه يا أمي، إن شاء الله سأعود قريبًا!

 

أمسكت أمه على يديه قائلة: ولدي العزيز، إن عدتَ ولم ترني، فاعلم أني راضية عنك، وإن حصلت على ما تتمنى، فاعلم أن كل نساء اليمن هن أمك، وحذارِ أن تترك الفقراء والمساكين أمام عملك ينتظرونك، تذكَّر ما كنا فيه.

 

وما هي إلا أيام حتى توجه إلى ألمانيا ليكمل تعليمه، كان لا يمر شهر حتى يسأل عن أمه وأبيه.

انطلق وائل إلى ألمانيا لتلقي العلم، وما هي إلا أشهر معدودة حتى توفِّيت والدته.

 

جعل الحاج عليٌّ الأمر سرًّا، كتَم الأمر عن ولده، فكان يرسل إليه برسائل ويخبره أن والدته بدأت تتحسن، وأنها بانتظاره، فما عليه إلا الجِدُّ والاجتهاد.

 

كان وائلٌ يبادل والده الرسائل، ويخبره عن البلاد وما يدور فيها، وأكثر ما يطمئنه عن والدته أنها أحسن مما كانت عليه.

 

كان وائل في كل رسالة لا ينسى والدته قائلًا: (أبي، أبلغ أمي السلام، وأخبرها أني في أحسن حال، وأني مشتاق إليها كثيرًا).

 

مرت الأيام والحاج علي يرسل لولده على هذا المنوال، وفي يوم من الأيام أرسل وائل برسالة قائلًا: والدي، أرجوك اجعل ما ترسل إلي كلامًا تكتبه أمي، أو على الأقل هي تملي عليك وأنت تكتب.

 

وصلت الرسالة إلى يد والده، فتساقطت دموع عينيه، بكى حتى بلل ثيابه دمعًا، ظل حيران، ماذا يصنع؟ دخل إلى البيت، توضأ، ثم صلى لله ركعتين، فرسالة ولده حبست فكره، وقيدت مشاعره.

 

توجه نحو الغرفة، وأخذ القلم، وبدأ يكتب على لسان زوجته: (ولدي العزيز، اشتقت إليك اشتياق الأرض الجدباء إلى مطر الصيف، اشتقت إلى رؤيتك، أحب عودتك، لكن بعد أن تكمل تعليمك، ولدي العزيز، إني أراك في المنام كثيرًا، أراك طبيبًا والناس حولك يطلبون إنقاذهم مما هم فيه، فلا تخيِّب رؤياي، أرجوك ولدي الغالي، يا شمسًا أشرقت على أرض مظلمة، لا تخيِّب أملي).

 

مرت الأيام تلو الأيام، وسنون تعقبها سنون، سبع سنوات مرت على وائل وهو لا يعلم عن أمه شيئًا.

 

وبعد أن أكمل الدكتوراه أرسل لوالده رسالة كان محتواها: (والدي العزيز، إني على وشك العودة إلى البلاد، فلا بد أن تنتظرني أنت ووالدتي في مطار العاصمة...).

 

قرأ والده الرسالة؛ فجدد له ولده الحزن في أحشائه، فلم ينم الليل، دعا الله كثيرًا أن يخرجه وولده مما هما فيه.

 

أخذ الحاج علي سيارة أحد أصدقائه من قرية مجاورة لقريته، توجه نحو العاصمة، انتظر والده، وبينما خرج وائل من الطائرة متوجهًا نحو سلمها، رأى والده ولم يجد بجواره والدته، فاضطرب قلبه خوفًا على والدته، نزل مسرعًا، عانق والده عناق المحبين الغائبين عن بعضهما البعض سنوات عدة.

 

بادر وائل والده بأسئلة متتالية، أبي، أين أمي؟ لِمَ لَمْ تحضرها معك؟ أوما زالت تعاني مرضها؟

انتهز والده الفرصة قائلًا: قليلًا يا ولدي.

 

سارع الوالد بكلامه ليلفت وائلًا عن أسئلته التي بادر بها.

الوالد: هيا يا ولدي، السائق ينتظرنا، هيا لأسقيك كأسًا من العصير، إني أراك متعبًا، وبينما هو يسير معه سأله: لكن قل لي كيف قضيت هذه السنوات؟!

قال وائل: حين نصل سأشرح لك كل شيء بالتفصيل.

توجها صوب السيارة للعودة إلى القرية، توجها وبينما هما يتحدثان كان والده يفكر، كيف يدخل لوائل بالحديث عن وفاة والدته.

ظل وائل يتحدث ووالده مطأطئ رأسه، نظر إليه وائل قائلًا: ما لحياتي أراه مهمومًا.

 

الحاج علي: لا شيء، إلا أن جارنا وضع عندي وديعة منذ زمن، والبارحة أتى ليأخذها.

وائل: وما في الأمر؟ وهل ما زالت معك؟

 

الوالد: نعم.

وائل: أعطِه ما ائتمنك، إنها أمانة.

وبينما هما يتحدثان.

تحدث سائق السيارة، كيف الحاج علي؟

الحاج: بخير.

السائق: هل تزوجت أم ما زلت أرمل؟

ألم تحصل إلى الآن على بنت الحلال.

التفت إليه وائل: ماذا يقول؟ ما الأمر والدي؟

منذ متى؟ أهذه هي الأمانة التي تريد أن تخبرني عنها؟

أمسك بثياب والده قائلًا: أجب أرجوك.

قال الحاج علي: هذه هي الحقيقة يا ولدي، وقد أخفيتها عنك أكثر من سبع سنوات.

 

لم تمكث أمك في المستشفى إلا بضعة أسابيع، ثم غادرت إلى الرفيق الأعلى.

 

فأنا من كنت أراسلك؛ حتى تطمئن وتجد وتجتهد في دروسك، فلا فائدة من الحزن والندم، فلك الكثير ممن ينتظرونك.

 

وائل: كل هذه المدة لم تخبرني، آه! ما أقسى قلبَك! إنك قاسي القلب.

الوالد: نعم يا ولدي، إني قاسي القلب؛ لأني أبعدتُ عنك الحزن والألم؛ من أجل أن تحصل على ما حصلتَ عليه.

 

قل لي إن أردت أن تتكلم: ماذا لو أرسلت إليك أن والدتك قد فارقت الحياة؟

 

هل ستجدُّ وتجتهد كما كنت؟ أم ماذا ستصنع؟

ستعود إلى أرض الوطن، وتترك تعليمك؛ لأن مَن كنت تتعلم من أجلها قد رحلت إلى باريها.

 

أليس كذلك؟ أخبرني، هيا يا بن أمك!

ذرفت دموع عينيه، طأطأ رأسه حتى وصل إلى القرية.

 

الوالد: بني، عُدْ إلى صوابك، كم من أمٍّ تموت وتفارق والدها؟ كم أخٍ يفارق أخاه؟ كم زوجٍ يفارق محبوبته؟ لأنه لا يجد مالًا حتى ينقذ من يحب، أنت يا ولدي تعلمت من أجل الناس، لا من أجل أمك فقط.

 

مهمتك أن تعالج الناس، أن ترد لهم الأمل، تعيد لهم البسمة والفرحة إلى قلوبهم، تذكر ولدي الغالي أن أمك كل أم باتت تئنُّ لِما بها من ألم، كل امرأةٍ وصلت إليك لتعيد لها الأمل!

 

وصل وائل إلى البيت حزينًا كئيبًا، أغلق على نفسه غرفته، ولم يستقبل أحدًا أتى إليه ليبارك له نجاحه وتفوُّقه.

 

ظل يبكي بكاءً مريرًا، نعم، حق له ذلك، لقد جلس يتذكر كل ما عانت أمه، تذكر كيف عامل الناس والده! كيف كان والده يذهب ليبحث عن مالٍ حتى يعيد لزوجته ولو بصيصًا من أمل.

 

جاء أصدقاؤه ليعزوه بعد أن عرَفوا أن والده أخفى عليه كل تلك المدة، كان مِن ضمن مَن حضروا لتعزيته زملاؤه الذين حضروا معه من ألمانيا.

 

قال له زملاؤه: لا يكفي الندم والحزن، لا تنظر إلا إلى من ينتظرك يطلب الشفاء على يدك بعد الله.

قال وائل: وما يريد الزملاء؟

قال أحدهم: ننظر إلى مستقبلنا، ننظر إلى الأمام!

 

قال وائل: لكن لدي شرط إن كنتم تطلبون أن أكون شريكًا فيما تطلبون.

قال أحدهم: اطلب؛ فكل شروطك مجابة.

 

وائل: أن يكون لي النصف ولكم النصف.

قال الجميع: وافقنا على ذلك.

 

وبعد شهر من الزيارة توجَّه الجميع صوب العاصمة؛ ليجدوا مكانًا يكون مستشفى، استأجروا مبنى يتكون من أربعة طوابق، كتبوا عليه: (مستشفى الرحمة)، جعلوا من هذا العنوان رحمة لكل مريض لا يجد حق الدواء.

 

كان وائل غير زملائه، إنه يعمل طول الأسبوع إلى نهايته، وفي يوم الخميس يذهب إلى مديريته ليبحث عن مريض لا يجد ما يعيد له الأمل، يذهب علَّه يجد مريضًا يحتاج إلى رقود، فيضعه في المستشفى ليتعالج على حسابه الخاص.

 

لم تظهر على وائل النعمة كما ظهرت على زملائه، إنه يأخذ من المستشفى ما يكفيه ويكفي والده، ويدَع بقية أرباحه للفقراء والمساكين.

 

كان من ضمن الشركاء الدكتورة ( أمل)، كانت أمل تلاحظ أثر كل نعمة تظهر عليها وعلى زملائها، إلا وائلًا.

وفي يوم من الأيام، تقدمت نحو الدكتور قائلة: السلام عليكم أيها الدكتور.

 

وائل: وعليك السلام يا دكتورة.

أمل: هل آخذ من وقتك نصف ساعة على الأقل؟

 

وائل: اليوم، لا أستطيع؛ فأنت تعرفين أن اليوم خميس، وأين أنا ذاهب!

الدكتورة: ومتى سيعطيني الدكتور وقتًا من أوقاته حتى نتبادل الكلمات والعبارات، وليطمئن أحدنا على الآخر؟!

 

الدكتور: في أي وقتٍ أكون فيه فارغًا.

الدكتورة: ومتى ونحن لا نرى لك فراغًا؛ حتى لنفسك ولوالدك؟ أرجوك اعتنِ به جيدًا.

 

الدكتور: هذه هي الحياة يا دكتورة، لا راحة فيها، الراحة عند رب العالَمين.

الدكتورة: أحرجتني عن الموضوع.

 

الدكتور: أي موضوعٍ؟

الدكتورة: وقتك.

 

الدكتور: غدًا الجمعة، فهل تأتين معي إلى القرية لزيارة والدي؟

الدكتورة: لمَ لا؟ على الأقل نغير هواء.

 

انطلقا يوم الجمعة صوب القرية، وبينما هما في طريقهما إلى القرية، التفت الدكتور قائلًا: ها قد فرغنا الآن لكلام الدكتورة، قولي ما تحبين قوله.

 

الدكتورة: تذكرت دكتور، ولو كان خاصًّا بحياتك.

الدكتور: ولو كان خاصًّا بحياتي.

 

الدكتورة: نحن شركاء في المستشفى، ولك النصيب الأكبر، أليس كذلك؟!

الدكتور: بلى.

 

الدكتورة: كل دكتور منا قد ظهرت عليه نعمة ربه، كلٌّ له سيارة فارهة، وبيت واسع، إلا الدكتور وائلًا؛ فسيارته متواضعة، وبيته استئجار، ولا زوجة لديه إلى الآن، هلا تجيبني بصراحة؟!

 

أطرق وائل رأسه قائلًا: إنها محاكمة أيها القاضي، ضحكت الدكتورة وقالت: المعذرة إن كنتُ قد تدخلت في خصوصياتك أيها الدكتور.

 

الدكتور: لا عليك يا أمل.

لكني أسألك: هل مررتِ بما مررتُ به؟

 

الدكتورة: لا، فإنها كانت تعرف حياة الدكتور بالتفصيل، قالت: لا، ومقلتاها تذرفان بالدمع.

الدكتورة: ها قد فتح الله عليك!

 

الدكتور: وها أنا أشكر نعمة الله عليَّ.

الدكتورة: على الأقل اصنع ما صنع أصحابك، وما تبقَّى أنفقه في سبيل الله.

 

الدكتور: أيتها الدكتورة، ماتت والدتي وهي تبحث عن يدٍ تكفكف دمعها، عن يدٍ تحنو عليها، عمَّن يمد لها يد العون حتى تعيد الأمل إلى حياتها.

الدكتورة: دكتور، سؤالي الآخر؟

 

الدكتور: تفضلي.

الدكتورة: ألم تفكر يومًا فيمن يشغل حياتك؟ بمن تكون أمًّا لأولادك؟ بمن ترعاك وتحن عليك؟

 

الدكتور: بلى، لكني أخاف أن أعود بخفَّيْ حُنَين!

الدكتورة: وهل قد حاولت ولو مرة؟

 

الدكتور: إني متردد.

الدكتورة: ولمَ، ومن يرد الدكتور وائلًا؟ ليس حبًّا في ماله؛ إنما في تواضُعه ودِينه وخُلقه.

 

الدكتور: إنها من أسرة راقية، وأنا من أسرة فقيرة، كنت.

الدكتورة: الفقر ليس عيبًا، تقدَّم أو تأخَّر، يا دكتور.

 

الدكتور: أتظنين أن أهلَها سيوافقون.

الدكتورة: عرفت أمل أنه يشير إليها، قالت: ولم لا؟ أنت عظيم أيها الدكتور.

 

التفت إليها وقال: أصارحك، أنتِ مَن وقع في قلبي! فهل توافقين أن أكون زوجًا لك؟!

الدكتورة: طأطأت رأسها قائلة: ولمَ لا؛ فأنت عظيم؟!

وصلا إلى القرية، سلم وائل على والده، كان والده كلما رآه يقول: ألم يحِنِ الأمر بعد يا ولدي؟

فيجيب وائل: لم يحِنْ بعدُ والدي العزيز.

 

فلما جاء مع الدكتورة، سأله والده: ألم يحِنِ الأمر بعد؟ فقال وائل: بلى، حان يا أبي.

قال الحاج على: ومن هي صاحبة الحظ يا ولدي؟

وائل: هي مَن بقربك إن وافقَتْ.

 

التفت الحاج إلى الدكتورة قائلًا: ما رأيك يا ابنتي؟

قالت الدكتورة: لا يا عم، حتى يقبل وائل كل شروطي.

وائل: أوافق قبل أن أسمع.

الدكتورة: لا، بل اسمع ثم أجب!

الأول: أن يكون نصيبك في المستشفى كما هو للفقراء والمساكين.

الثاني: أن يعيش الحاج علي معنا في المدينة مع زوجة يراها مناسبة.

الثالث: أن كلَّ ما أملِك يكون تحت تصرُّف الدكتور وائل.

 

قال وائل: إني موافق!

وقال الحاج علي: وأنا موافق، لكني لا أرغب في زوجة أخرى بعد موت من أحب.

اتفقوا جميعًا على موعد الزفاف، وعاش وائل حياة يملؤها الحب والحنان.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لعبة قذرة (قصة)
  • المروءة (قصة)
  • ليتني ألقاك! (قصة)
  • الدائرة (قصة)

مختارات من الشبكة

  • حديث: أقطعه أرضا بحضرموت(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حديث: فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • تعقيب على رد الدكتور المزيني على الدكتور البراك - مشاركة صحفية(مقالة - موقع أ.د.سليمان بن قاسم بن محمد العيد)
  • هنيئا لك أبا وائل الأستاذ المحقق محمد أديب الجادر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أبو وائل محمد أديب الجادر كما عرفته(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • شرح حديث وائل بن حجر: "اسمعوا وأطيعوا؛ فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من هو وائل بن حجر؟(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • الصحابي وائل بن حجر رضي الله عنه(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • سير أعلام النبلاء: سيرة أبي وائل شقيق بن سلمة(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • تسليم المصلي(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب